جلسة 17 من ديسمبر سنة 1972
برياسة السيد المستشار/
محمد عبد المنعم حمزاوي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: نصر الدين
عزام، وحسن الشربيني، ومحمود عطيفة, ومحمد عبد المجيد سلامة.
--------------
(311)
الطعن رقم 1012 لسنة 42
القضائية
مسئولية جنائية. إثبات.
"خبرة". محكمة الموضوع.. "سلطتها في تقدير الدليل". أسباب
الإباحة وموانع العقاب. "موانع العقاب. الجنون والعاهة العقلية". حكم.
"تسبيبه. تسبيب غير معيب".
المرض النفسي لا يؤثر في
سلامة العقل وصحة الإدراك. تتوافر معه المسئولية الجنائية. سلطة المحكمة في تقدير
القوة التدليلية لعناصر الدعوى. وهي الخبير الأعلى في كل ما تستطيع الفصل فيه
بنفسها أو بالاستعانة بخبير يخضع رأيه لتقديرها. هي غير ملزمة بإعادة المهمة إلى
ذات الخبير أو بإعادة مناقشته ما دام استنادها إلى الرأي الذي استندت إليه هو
استناد سليم لا يجافي العقل والقانون.
مثال لتسبيب سائغ في
إطراح الدفاع بانعدام المسئولية لحالة عقلية.
----------------
متى كان ما أورده الحكم
يستقيم به إطراح دفاع الطاعن (من أنه كان يعانى من حالة عقلية تفقده الإدراك
والإحساس وتجعله غير مسئول عن الفعل المسند إليه) ذلك بأنه انتهي في قضاء سليم لا
مخالفة فيه للقانون إلى أن نوع المرض الذي يدعيه الطاعن (المرض النفسي) - على فرض
ثبوته - لا يؤثر في سلامة عقله وصحة إدراكه وتتوافر معه مسئوليته الجنائية عن
الفعل الذي وقع منه. وكان من المقرر أن للمحكمة كامل السلطة في تقدير القوة
التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة أمامها، وأنها الخبير الأعلى في كل ما تستطيع أن
تفصل فيه بنفسها أو بالاستعانة بخبير يخضع رأيه لتقديرها وهى في ذلك ليست ملزمة
بإعادة المهمة إلى ذات الخبير أو بإعادة مناقشته ما دام استنادها إلى الرأي الذي
انتهت إليه هو استناد سليم لا يجافي المنطق والقانون وهو الأمر الذي لم يخطئ الحكم
المطعون فيه تقديره، وكانت المحكمة قد كونت عقيدتها مما اطمأنت إليه من أدلة
وعناصر في الدعوى سائغة ولها مأخذها الصحيح من الأوراق، وكان تقدير أدلة الدعوى من
أطلاقاتها فإن جميع ما يثيره الطاعن ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير ذلك الأدلة مما
لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة
الطاعن بأنه في يوم 18/ 5/ 1969 بناحية مركز الصف محافظة الجيزة: قتل........
عمداً بأن انهال على رأسها ضرباً بفأس قاصداً قتلها فأحدث بها الإصابات الموصوفة
بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى
محكمة الجنايات لمحاكمته بالقيد والوصف الواردين بتقرير الاتهام، فقرر ذلك بتاريخ
7/ 4/ 1971. ومحكمة جنايات الجيزة قضت حضورياً بتاريخ 31/ 10/ 1971 عملاً بالمادة
234/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة. فطعن
المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض إلخ...
المحكمة
حيث إن الطاعن ينعي على
الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل العمد قد انطوي على إخلال بحق الدفاع
وفساد في الاستدلال ذلك بأن المحكمة لم تستجب لما طلبه المدافع عنه من إحالته مرة
أخري للطبيب الذي أوقع الكشف عليه للوقوف على ما إذا كان يعد مسئولاً عن عمله وقت
ارتكابه للحادث, كما رفضت استدعاء الطبيب المذكور لمناقشته في هذا الأمر الجوهري
معتمدة في ذلك على تقريره الذي كشف عن حالة الطاعن إبان إقامته بالمستشفى - وليس
وقت ارتكابه للحادث - فضلاً عما نطقت به أوراق الدعوى والشهادات الطبية المقدمة من
الطاعن من أنه كان يعاني من حالة عقلية تفقده الإدراك والإحساس مما تجعله غير
مسئول عن الفعل المسند إليه وذهبت المحكمة في رفضها لطلب الطاعن مذهباً لم تستعن
فيه برأي أهل الخبرة حيث قالت بأنه كان يعاني مرضاً نفسياً وهو غير المرض العقلي
ولا يعد سبباً من أسباب انعدام المسئولية الجنائية وهى بذلك تكون قد استباحت
المحظور لأنها شقت طريقاً لا تستطيع ولوجه بغير الاستعانة بالدليل الفني وكل ذلك
يعيب قضاءها بما يوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مطالعة
الحكم المطعون فيه أنه بعد أن حصل واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر
القانونية لجريمة القتل العمد التي دان الطاعن بها وساق على ثبوتها في حقه الأدلة
السائغة المؤدية لما رتبه عليها حصل دفاع الطاعن الذي أورده بوجه طعنه واطرحه في
قوله: "وحيث إن المحكمة تطرح ما تمسك به الدفاع من أن المتهم غير مسئول عما
ارتكبه تأسيساً على أنه مصاب بالصرع وبمرض نفسي لما هو مستقر قانوناً من أن فيصل
التفرقة بين المرض العقلي والمرض النفسي إنما هو انعدام الشعور والإدراك الذي هو
من خصائص المرض الأول دون الأخير ومن ثم فإن أثر المرض الأول في المسئولية يعدمها
بنص القانون في حين أن المرض الثاني لا يؤثر فيها قانوناً هذا فضلاً عن أن المرض
النفسي إذا بلغ المرحلة التي بمقتضاها ينعدم به الشعور والإدراك فإنه يخرج من عداد
الأمراض النفسية ويندرج في قائمة الأمراض العقلية لما هو مقرر من أن الحالات
النفسية ليست في الأصل من حالات موانع العقاب كالجنون والعاهة في العقل اللذين
يجعلان الجاني فاقد الشعور والاختيار في عمله وقت ارتكاب الجريمة وفقاً للقانون,
فالتشريع الجنائي المصري لم يسو بين المرض العقلي الذي يعدم الإدراك والتميز وبين
الأمراض التي تصيب النفس ذلك أن قانون العقوبات قد نص في المادة 62 على أنه لا
عقاب على من يكون فاقد الشعور أو الاختيار في عمله وقت ارتكاب الفعل إما لجنون أو
عاهة في العقل وبالتالي فإن هاتين الحالتين اللتين أشارت إليهما هذه المادة دون
غيرها ورتبت عليهما الإعفاء من العقاب هما اللتان يجعلان المصاب بهما وقت ارتكاب
الجريمة فاقداً للشعور والإدراك في عمله وقد جري القضاء في تفسير هذا النص على أن
المرض العقلي الذي يوصف بأنه جنون أو عاهة في العقل وتنعدم به المسئولية الجنائية
قانوناً هو ذلك المرض الذي من شأنه أن يعدم الشعور والإدراك أما سائر الأمراض
والأحوال النفسية التي لا تفقد الشخص شعوره وإدراكه فلا تعد سبباً لانعدام المسئولية.
لما كان ذلك، وكان الثابت من تقرير الدكتور......... مدير عام دار الاستشفاء للصحة
العقلية أن المتهم لا يعاني من مرض عقلي وأنه يعي ما يقول ويعقل ولم تظهر عليه أي
أعراض عقلية طوال مدة تواجده بالمستشفى في المدة من 25/ 5/ 1969 إلى 12/ 7/ 1969
ويعتبر مسئولاً عن أعماله في الحادث المنسوب إليه موضوع هذه القضية وتضمن التقرير
فوق ذلك عن الحالة الجسيمة أن النبض 80 والضغط 120/ 80 وأن الجهاز العصبي سليم وأن
القلب والرئتين سليمان وأن المخ وجد طبيعياً بعد الفحص الكهربائي. وكما تضمن أن
المتهم كان ينام نوماً طبيعياً ويأكل بصورة طبيعية وكان يتحدث بطلاقة أمام
الممرضين كما كان سليماً في إجاباته إلا عند ما سئل عن الأمراض العقلية فبدأ يتكلم
عنها ليظهر مرضه لما كان ذلك, وكان التقرير شمل فحص حالة المتهم عن مدة لاحقة
لارتكاب الجريمة إلا أنه قطع من خلال فحصه له أنه لا يعاني أي مرض عقلي وأن جهازه
العصبي سليم وأن المخ طبيعي، وكان ثابتاً من أقوال المتهم في التحقيقات أنه اعترف
بالجريمة وحدد أسلوب ارتكابها ووقته وسبب ارتكابه لها كما أنه ذكر لشيخ الخفراء
عندما وصل إليه عقب ارتكاب الحادث عبارة " قتلتها وبيتي أتخرب وخلاص"
وهى تدل في وضوح عن أن المتهم وقت ارتكابه للحادث كان متفهما لما وقع ومتحققاً من
الأثر المترتب عليه. لما كان ما تقدم فإن المتهم لا يكون وقت ارتكابه للحادث
مصاباً بمرض عقلي وأن الحالة النفسية التي قيل بوجودها لم تفقده الشعور والإدراك
وبالتالي فإنها لا تؤثر في مسئوليته الجنائية ولا تعد سبباً لانعدام تلك
المسئولية. وإذا كان تقرير مدير عام دار الاستشفاء للصحة العقلية قد قطع بأن
المتهم غير مصاب بأي مرض عقلي كما قطع بأن جهازه العصبي سليم وأن المخ وجد طبيعياً
فإنه لا محل بعد ذلك لمسايرة الدفاع فيما طلبه من إعادة عرض المتهم على الطبيب الذي
أوقع الكشف عليه لأن التقرير انتهي إلى أنه مسئول عن الجريمة التي نسبت إليه
تأسيساً على ما سجله في تقريره عن حالته في الفترة التي مكث فيها بدار الاستشفاء
هذا فضلاً عما استخلصته المحكمة من أقوال المتهم في التحقيقات وأقوال شيح الخفراء
من أن المتهم كان مدركاً لفعله وللأثر الذي سيترتب عليه وليس هذا فحسب بل إن
الدفاع أشار إلى المرض النفسي وسبقت الإشارة إلى ما استقر من أن الجنون والعاهة في
العقل هما وحدهما ما تنعدم بهما المسئولية الجنائية. وحيث أنه بالإضافة إلى كل ما
تقدم، فإن الثابت مما جري في مرحلة الإحالة أن الحاضر مع المتهم ذكر أن المتهم
يعالج بمستشفى بهمان بحلوان وطلب أجلاً لضم تقرير مستشفى بهمان، وأحيلت الدعوى
أمام مستشار الإحالة ولم يقدم الدفاع هذا التقرير في مرحلة الإحالة وأمام المحكمة,
هذا إلى أن المحكمة غير ملزمة بندب خبير آخر في الدعوى أو بإعادة المتهم ليعرض على
الخبير الأول بعد أن وضحت لها الدعوى وفى نطاق ما هو مقرر من أن تقدير حالة المتهم
العقلية من الأمور الموضوعية التي تستقل بها محكمة الموضوع وأن المحكمة لا تلتزم
بالالتجاء إلى أهل الخبرة إلا فيما يتعلق بالمسائل الفنية التي يتعذر عليها أن تشق
طريقها فيها وقد ثبت مما سجلته المحكمة في هذا الحكم من مصادره المستقاة من تقرير
دار الاستشفاء وأقوال المتهم وشيخ الخفراء في التحقيقات أن المتهم غير مصاب بمرض
عقلي وأن الحالة النفسية التي قيل بوجودها على ما ورد بالشهادات المقدمة منه لا
تفقده الشعور والإدراك وأن مظاهر السلبية ورفض الإجابة لما يوجه إليه من أسئلة أو
التزام عدم المعرفة بأي شيء سواء أثناء وجوده بالمستشفى أو أمام المحكمة بجلسة
المرافعة على ما هو ثابت بمحضر الجلسة لا تنبئ بذاتها عن أنه مصاب بمرض عقلي،
وإنما كان من جانبه تظاهر لعلة بتلك المظاهر يبدو وكأنه مصاب بمرض عقلي، الأمر
الذي استبعده التقرير الطبي ومن بعده المحكمة وبالتالي فإن المتهم يكون مسئولاً
مسئولية كاملة عن الجريمة المسندة إليه", وما أورده الحكم فيما سلف يستقيم به
إطراح دفاع الطاعن الذي أثاره بوجه طعنه ذلك بأنه انتهي في قضاء سليم لا مخالفة
فيه للقانون إلى أن نوع المرض الذي يدعيه الطاعن - على فرض ثبوته - لا يؤثر في
سلامة عقله وصحة إدراكه وتتوافر معه مسئوليته الجنائية عن الفعل الذي وقع منه. لما
كان ذلك, وكان من المقرر أن للمحكمة كامل السلطة في تقدير القوة التدليلية لعناصر
الدعوى المطروحة أمامها، وإنها الخبير الأعلى في كل ما تستطيع أن تفصل فيه بنفسها
أو بالاستعانة بخبير يخضع رأيه لتقديرها, وهى في ذلك ليست ملزمة بإعادة المهمة إلى
ذات الخبير أو بإعادة مناقشته ما دام استنادها إلى الرأي الذي انتهت إليه هو
استناد سليم لا يجافي المنطق والقانون وهو الأمر الذي لم يخطئ الحكم المطعون فيه
تقديره، وكانت المحكمة قد كونت عقيدتها مما اطمأنت إليه من أدلة وعناصر في الدعوى
سائغة ولها مأخذها الصحيح من الأوراق، وكان تقدير أدلة الدعوى من إطلاقاتها فإن
جميع ما يثيره الطاعن ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير تلك الأدلة مما لا تجوز إثارته
أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً
رفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق