جلسة 22 من أبريل سنة 1948
برياسة حضرة محمد المفتي
الجزايرلي بك وكيل المحكمة وحضور حضرات: سليمان حافظ بك وصادق فهمى بك وأحمد حلمي
بك وعبد الرحيم غنيم بك المستشارين.
----------------
(303)
القضية رقم 7 سنة 17
القضائية
اختصاص. وقف:
أ - انحصار النزاع في ملكية
عين هل هي لجهة الوقف أم لمدعى ملكيتها. ليس نزاعاًً في أصل الوقف. اختصاص المحاكم
المدنية بالفصل فيه.
ب - تقادم مكسب للملك.
الوقف يجوز له أن يتملك بالتقادم.
جـ - تقادم. وضع اليد
المملك. لا يشترط أن يقصد به الغصب. نية التملك. وضع اليد بصفة مالك. استخلاص
انعدام نية التملك من كون واضع اليد يجهل أن العين التي تحت يده ملك لغيره. خطأ.
د - وقف مدة التقادم.
الجهل باغتصاب الحق. يكون من الأسباب الموقفة للتقادم إذا لم يكن عن تقصير أو
إهمال من صاحب الحق.
----------------
1 - ما دام النزاع
منحصراً في ملكية الأطيان المتنازع عليها هل هي لجهة الوقف أم لمدعى ملكيتها، فهو
ليس نزاعاً متعلقاً بأصل الوقف، فيكون الفصل فيه للمحاكم المدنية.
2 - الوقف - بحكم كونه
شخصاً اعتبارياً - له أن ينتفع بأحكام القانون المدني في خصوص التقادم المكسب
للملك، إذ ليس في هذا القانون ما يحرمه من ذلك. وإذ كان التقادم المكسب هو في حكم
القانون قرينة قانونية قاطعة على ثبوت الملك لصاحب اليد كان توافر هذه القرينة
لمصلحة جهة الوقف دليلاً على أن العين التي تحت يدها موقوفة وقفاً صحيحاً ولو لم
يحصل به إشهاد.
3 - إن القانون في صدد
التقادم لا يشترط في وضع اليد أن يقصد به غصب ملك الغير بل أن يكون بصفة مالك،
سواء أكان واضع اليد يعتقد أن يده هي على ملك نفسه أم على ملك غيره. فمن الخطأ
القول بأن نية التملك تكون منعدمة إذا كان واضع اليد لا يعلم أن العين التي تحت
يده مملوكة لغيره وأن يده عليها هي باعتقاد أنها ملكه.
4 - الجهل باغتصاب الحق
قد يكون من الأسباب الموقفة للتقادم إذا لم يكن ناشئاً عن إهمال صاحب الحق ولا
تقصيره. فإذا كان الحكم قد نفى عن صاحب الحق كل إهمال أو تقصير من جانبه في جهله
باغتصاب ملكه، فإنه لا يكون مخطئاً إذ اعتبر أن مدة التقادم لا تحتسب في حقه إلا
من تاريخ علمه بوقوع الغصب على ملكه.
الوقائع
في 26 من نوفمبر سنة 1946
طعن الطاعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف مصر الصادر يوم 27 من أبريل سنة 1946
في الاستئناف رقم 8 س ق 63 بإلغاء حكم محكمة مصر الابتدائية (في القضية رقم 132
سنة 1944 كلى الصادر في 8 من فبراير سنة 1945) أولاً في الدفع الخاص بعدم قبول
الدعوى لعدم وجود صفة للمدعين في المطالبة عن المدة من 6 من أبريل سنة 1913 لغاية
16 من مايو سنة 1916 بقبوله. ثانياً في الدفع الثاني الخاص بسقوط حق المدعين في رفع
الدعوى لتركها أكثر من 15 سنة بقبوله أيضاً وسقوط حق المدعين في إقامة هذه الدعوى
وإلزامهم بالمصروفات وعشرة جنيهات أتعاب محاماة للمدعى عليه، ورفض الدفعين المقضي
فيهما وبإعادة القضية لمحكمة أول درجة للنظر في موضوعها وإلزام المستأنف عليه
بالمصروفات وبمبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة للمستأنفين. وطلب إلى هذه
المحكمة قبول الطعن شكلاً وفى الموضوع نقض الحكم المطعون فيه، والقضاء: أولاً -
بإلغاء الحكم المطعون فيه وعدم اختصاص المحاكم الأهلية بالنظر في الدعوى. ثانياً -
ومن طريق الاحتياط بعدم سماع الدعوى أو رفضها وإلزام المطعون عليهما بجميع
المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة مع حفظ جميع الحقوق.
وفى 3 و4 من ديسمبر سنة
1946 أعلن المطعون عليهما بتقرير الطعن الخ الخ.
المحكمة
ومن حيث إن الطاعن يبنى
طعنه على أربعة أسباب يتحصل أولها في أن الحكم المطعون فيه صدر من محكمة لا ولاية
لها في إصداره. ذلك أن النزاع بين الطرفين كان يدور حول ما إذا كانت العين
المتنازع في شأنها أصبحت بالتقادم تابعة لجهة الوقف أصلها كأصله وشرطها كشرطه أو
لم تصبح كذلك، وهذا النزاع متعلق بأصل الوقف ما يمتنع على المحاكم المدنية نظره
عملا بالمادة 16 من لائحة ترتيبها.
ومن حيث إن الثابت بالحكم
المطعون فيه أنه في 16 من أبريل سنة 1913 أقام ناظر وقف حسن الهجين أمام محكمة مصر
الابتدائية الدعوى رقم 964 سنة 1913 كلى مصر على ورثة المرحوم سليمان أفندي فهمى
بأنهم اغتصبوا 10 ف و17 ط و14 س من أطيان الوقف المجاورة لأطيانهم طالباً الحكم
بتثبيت ملكية الوقف لها. وقد ندبت المحكمة خبراء قرروا صحة تلك الدعوى وقرروا
أيضاً أن الوقف من جانبه واضع اليد على 6 ف و14 ط من أطيان الورثة. وفى 11 من
يونيه سنة 1929 قضت تلك المحكمة للوقف بطلباته. ثم إنه في 14 من ديسمبر سنة 1939
رفع المطعون عليهما أمام محكمة مصر الابتدائية الدعوى رقم 132 سنة 1944 كلى الجيزة
على ناظر الوقف طالبين فيها الحكم بتثبيت ملكيتهما إلى الـ 6 ف و14 ط المغتصبة من
أرضهما فدفع ناظر الوقف بسقوط حقهما في الدعوى لتركها بلا عذر شرعي مدة تزيد على
خمسة عشر عاماً من أبريل سنة 1913 حتى ديسمبر سنة 1939، وقضت محكمة أول درجة بقبول
هذا الدفع. فاستأنف المطعون عليهما وقضى الحكم المطعون فيه بإلغاء الحكم المستأنف
وبرفض الدفع المشار إليه مؤسساً قضاءه على أن الملكية لا تسقط بالتقادم وأن الوقف
لا يستطيع أن يتملك بالتقادم. ويتبين مما تقدم أن النزاع بين الطرفين كان منحصراً
في ملكية الأطيان المتنازع عليها لأيهما هي فهو ليس نزاعاً متعلقاً بأصل الوقف.
ومن ثم يكون هذا السبب مرفوضاً.
ومن حيث إن السبب الثاني
يتحصل في أن الحكم المطعون فيه - إذ اعتبر أن الوقف لا يستطيع أن يتملك بالتقادم
بمقولة أن الوقف لا يكون إلا بإرادة الإيقاف من واقف ثابتة بإشهاد شرعي - جاء
خاطئاً في القانون، لأن ذلك غير لازم لقيام الوقف في كل الأحوال، ولأن المادة 137
من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية لا تشترط وجود الإشهاد إذا كانت الأعيان تحت يد
مدعى وقفها، كما هو الحال في الدعوى، ولأنه ليس في القانون ما يمنع الوقف من
اكتساب الملك بالتقادم.
ومن حيث إن الحكم المطعون
فيه قال في ذلك "إن جهة الوقف لا يصح لها التملك بمضي المدة مهما طال وضع
يدها على العقار. ذلك لأن صفة الوقف لا تترتب للأعيان إلا بإشهاد خاص وإجراءات
خاصة بغيرها، ولا تتحول صفة العقار من ملك إلى وقف". وقد أخطأ الحكم لأن
الوقف - بحكم كونه شخصاً اعتبارياً - له أن ينتفع بأحكام القانون المدني في خصوص
التقادم المكسب للملك إذ ليس في هذا القانون ما يحرمه من ذلك. ولما كان التقادم
المكسب هو في حكم القانون قرينة قانونية قاطعة على ثبوت الملك لصاحب اليد كان
توافر هذه القرينة لمصلحة جهة الوقف دليلاً على أن العين التي تحت يدها موقوفة
وقفاً صحيحاً.
ومن حيث إن السبب الثالث
للطعن يتحصل في أن الحكم أخطأ إذ قال إن وضع يد الوقف على الأطيان موضوع النزاع لم
يكن مقروناً بنية التملك، لأن ناظر الوقف كان يعتقد أن العين المغصوبة تابعة للوقف
وداخلة في حجته ولم يكن يعلم أنها مغتصبة من ملك الغير. ووجه الخطأ في ذلك هو أن
العبرة في وضع اليد بقصد التملك، وهذا القصد يتوافر سواء كان واضع اليد يعلم أنه
غاصب ملك غيره أو كان يجهل ذلك متى كان هو قد وضع يده بصفته مالك.
ومن حيث إن الحكم المطعون
فيه قال في هذا الخصوص "إن كلاً من طرفي الخصومة كان يضع يده على أطيان الآخر
دون أن يعلم أنها ملك لغيره وبدون أن يقصد اغتصاب ملك هذا الغير وتملكه بوضع اليد
بل باعتقاد أنه ملكه هو، فنية التملك بوضع اليد كانت معدومة من جهة الوقف".
وقد أخطأ الحكم لأن القانون في صدد التقادم لا يشترط في وضع اليد أن يقصد به غصب
ملك الغير بل كونه بصفة مالك سواء أكان واضع اليد يعتقد أن يده هي على ملك نفسه أم
على ملك غيره.
ومن حيث إن السبب الرابع
يتحصل في أن الحكم - إذ اعتبر جهل المطعون عليهما باغتصاب ملكهما عذراً موقوفاً
لسريان التقادم ورتب على هذا الاعتبار القول بأن مدة التقادم لا تبدأ في حقهما إلا
من تاريخ اكتشافها هذا الغصب - يكون قد أخطأ لأن الجهل لا يعد قانوناً من الموانع
الموقفة للتقادم.
ومن حيث إن الحكم قال في هذا
الصدد "ولم تظهر جلية الأمر إلا من تقارير الخبراء والحكم الذي صدر في دعوى
الملكية التي رفعتها جهة الوقف، ولهذا فلم يكن هناك سبب قانوني معلوم لمورث
المستأنفين يسوغ له مقاضاة جهة الوقف عن الأطيان موضوع النزاع إذ لم يكن عالماً
بوضع يد الوقف على أطيانه... الخ". ولما كان الجهل بالحق المغتصب قد يكون من
الأسباب الموقفة لمدة التقادم إذا لم يكن ناشئاً عن إهمال صاحب الحق ولا تقصيره،
وكان الحكم المطعون فيه قد نفى كل إهمال أو تقصير من جانب المطعون عليهما في جهلهما
باغتصاب ملكهما، كان الحكم لم يخطئ إذ اعتبر أن مدة التقادم لا تحتسب في حقهما إلا
من تاريخ علمهما بوقوع الغصب على ملكهما إذ كان يستحيل عليهما، والحالة هذه، أن
يطالبا بالحق من قبل.
ومن حيث إنه لما كان
الحكم المطعون فيه قد قرر بحق أن الملكية لا تسقط بالتقادم، وأثبت أن المطعون
عليهما كانا معذورين في جهلهما باغتصاب ملكهما حتى انكشفت لهما حقيقة الأمر من
تقارير الخبراء في الدعوى السابقة، وأن وضع يد جهة الوقف من ذلك الوقت إلى تاريخ
رفع الدعوى الحالية كان محل نزاع مستمر من جانب المطعون عليهما - لما كان ذلك كذلك
كان قضاؤه بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض دفع جهة الوقف بالتقادم المسقط وبحق
المطعون عليهما في رفع الدعوى قضاءً لا مخالفة فيه للقانون. ومن ثم يتعين رفض
الطعن على الرغم من خطأ الحكم في إنكاره على جهة الوقف حق التمسك بالتقادم المكسب
مما هو موضوع السببين الثاني والثالث من الطعن، فخطؤه هذا غير ضائره متى كانت
المدة المقررة قانوناً للتقادم غير موفورة لجهة الوقف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق