الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

الخميس، 6 نوفمبر 2025

القضية 82 لسنة 23 ق جلسة 4 / 4 / 2004 دستورية عليا مكتب فني 11 ج 1 دستورية ق 98 ص 607

جلسة 4 إبريل سنة 2004

برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي - رئيس المحكمة وبحضور السادة المستشارين: ماهر البحيري ومحمد عبد القادر عبد الله وأنور رشاد العاصي ومحمد عبد العزيز الشناوي والسيد عبد المنعم حشيش والدكتور عادل عمر شريف. وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما - رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

-----------------

قاعدة رقم (98)
القضية رقم 82 لسنة 23 قضائية "دستورية"

دعوى دستورية "حجية الحكم فيها - عدم قبول الدعوى".
سابقة الحكم برفض الطعن على دستورية النص الطعين - حجيته مطلقة. أثره: عدم قبول الدعوى.

----------------
المحكمة الدستورية العليا سبق أن حسمت المسألة الدستورية المثارة في هذه الدعوى بحكمها الصادر بجلسة 15/ 5/ 1993 في القضية رقم 7 لسنة 8 قضائية "دستورية" والقاضي برفض تلك الدعوى، وقد نشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية بالعدد رقم (22 تابع) بتاريخ 5/ 6/ 1993، وكان مقتضى أحكام المادتين (48 و49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن يكون لقضاء هذه المحكمة في الدعاوى الدستورية حجية مطلقة في مواجهة الكافة، وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة، باعتباره قولاً فصلاً في المسألة المقضي فيها، وهي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو إعادة طرحه عليها من جديد لمراجعته.


الإجراءات

بتاريخ عشرين من مايو سنة 2001، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة (20) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 فيما تضمنته من تحديد للسن الذي ينتهي ببلوغه حق النساء في حضانة الصغار.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعى عليها الرابعة (زوجة المدعي) كانت قد أقامت ضده الدعوى رقم 422 لسنة 2000 أمام محكمة الأحوال الشخصية الجزئية قسم ثاني المحلة، بطلب الحكم بإلزامه بتسليمها ولديهما الصغيرين أحمد ومحمد لضمهما لحضانتها. وأثناء نظر الدعوى دفع المدعي بعدم دستورية المادة (20) من القانون رقم 25 لسنة 1929 والمعدلة بالمادة (3) من القانون 100 لسنة 1985، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعه وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن هذه المحكمة سبق أن حسمت المسألة الدستورية المثارة في هذه الدعوى بحكمها الصادر بجلسة 15/ 5/ 1993 في القضية رقم 7 لسنة 8 قضائية "دستورية" والقاضي برفض تلك الدعوى، وقد نشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية بالعدد رقم (22 تابع) بتاريخ 5/ 6/ 1993، وكان مقتضى أحكام المادتين (48 و49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن يكون لقضاء هذه المحكمة في الدعاوى الدستورية حجية مطلقة في مواجهة الكافة، وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة، باعتباره قولاً فصلاً في المسألة المقضى فيها، وهي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو إعادة طرحه عليها من جديد لمراجعته، فإن الدعوى الراهنة تكون غير مقبولة.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الأربعاء، 5 نوفمبر 2025

الدعوى رقم 134 لسنة 38 ق دستورية عليا "دستورية" جلسة 4 / 10 / 2025

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من أكتوبر سنة 2025م، الموافق الثاني عشر من ربيع الآخر سنة 1447ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وصلاح محمد الرويني ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 134 لسنة 38 قضائية "دستورية".
المقامة من
1- خيري عبد المجيد ضيف محمد جمعة
2- ناجي محمد عبد القادر مجاهد
ضد
أولًا- رئيس الجمهورية
ثانيًا- رئيس مجلس الوزراء
ثالثًا– عرابي البدري البدري عكر
رابعًا– ورثة/ حياة محمود عبد الله أبو شادي، وهم:
1- محمد عبد الفتاح عبد الحميد عبد الرؤوف
2- أحمد عبد الفتاح عبد الحميد عبد الرؤوف
3- دعاء عبد الفتاح عبد الحميد عبد الرؤوف
4- عبير عبد الفتاح عبد الحميد عبد الرؤوف
------------------
الإجراءات
بتاريخ الثامن والعشرين من ديسمبر سنة 2016، أودع المدعيان صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبين الحكم بعدم دستورية نص المادة (26) من قانون السجل العيني، الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 142 لسنة 1964 بنظام السجل العيني، وذلك فيما تضمنه من أنه "ويترتب على عدم القيد أن الحقوق المشار إليها لا تنشأ ولا تنتقل ولا تتغير ولا تزول لا بين ذوي الشأن ولا بالنسبة إلى غيرهم.
ولا يكون للتصرفات غير المقيدة من الأثر سوى الالتزامات الشخصية بين ذوي الشأن".
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم، أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها، ودفعت بانقطاع سير الخصومة لوفاة المدعي الأول.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قدم الحاضر عن المدعى عليهم رابعًا حافظة مستندات، حوت شهادة وفاة السيدة/ عبير عبد الفتاح عبد الحميد عبد الرؤوف، وطلب الحكم برفض الدعوى، وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
----------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل –على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق– في أن المدعى عليه ثالثًا ومورثة المدعى عليهم رابعًا أقاما الدعوى التي آل قيدها أمام محكمة كفر الزيات الكلية برقم 591 لسنة 2013 مدني كلي، ضد المدعيين وآخرين، طلبًا للحكم، أولًا: بطردهم من قطعة الأرض الزراعية المبينة بالأوراق، للغصب، وإلزامهم بتسليمها إليهما خالية من الأشخاص والشواغل، ثانيًا: بإلزامهم بالتضامن بأداء مقابل الريع المستحق عن الانتفاع بتلك الأرض، ثالثًا: بإلزامهم بنقل بيانات الحيازة الزراعية للأرض محل التداعي وقيدها باسميهما، وذلك على سند من أنهما يمتلكان أرض النزاع، التي آلت إليهما على النحو الموضح لدى السجل العيني بالشراء من آخرين، وذلك بموجب عقدي البيع الرسميين الموثقين رقمي 751/ب لسنة 2011 توثيق بسيون، المؤرخ 6/4/2011، و699/أ لسنة 2011 توثيق بسيون، المؤرخ 21/4/2011، إلا أنه حال تسلمهما تلك الأرض فوجئا بوضع يد المدعيين عليها، وقيامهما بغصبها دون سند قانوني أو اتفاقي؛ الأمر الذي حدا بهما إلى إقامة دعواهما بطلباتهما سالفة البيان. وحال نظر الدعوى دفع المدعيان بعدم دستورية المادة (26) من قانون السجل العيني الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 142 لسنة 1964. وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت للمدعيين برفع الدعوى الدستورية؛ فأقاما الدعوى المعروضة.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بانقطاع سير الخصومة في الدعوى لوفاة المدعي الأول، فمردود بأن المادة (28) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 تنص على أن "تسري على قرارات الإحالة والدعاوى والطلبات التي تقدم إلى المحكمة الأحكام المقررة في قانون المرافعات المدنية والتجارية بما لا يتعارض وطبيعة اختصاص المحكمة والأوضاع المقررة أمامها". ولما كانت المادة (130) من قانون المرافعات المدنية والتجارية تنص على أن "ينقطع سير الخصومة بحكم القانون بوفاة أحد الخصوم، أو بفقده أهلية الخصومة، أو بزوال صفة من كان يباشر الخصومة عنه من الغائبين إلا إذا كانت الدعوى قد تهيأت للحكم في موضوعها ......". ولما كان انقطاع سير الخصومة في الدعوى هو وقف السير فيها بقوة القانون لتصدع ركنها الشخصي، أي بسبب تغيير طرأ على حالة أو مركز أطرافها يؤثر في صحة الإجراءات، فالخصومة لا تنشأ أساسًا إلا بين طرفيها من الأحياء، وإذا بدأت صحيحة من حيث أطرافها وحدث في أثناء سيرها ما من شأنه أن يقضي على أحدهما بوفاته، فإن استمرار الخصومة بعد ذلك يعني استمرارها من طرف واحد وليس من طرفين؛ الأمر الذي تأباه الخصومة وطبيعتها وتنظيمها القانوني، فانقطاع سير الخصومة يستهدف كفالة حقوق الدفاع؛ لأنه يترتب على وفاة الخصم عجزه عن مباشرة حقه في الدفاع، لذلك ينقطع سير الخصومة في الدعوى حتى يقوم مقامه فيها من يمكنه مباشرة حق الدفاع، ومن ثم تتحقق المواجهة بين الخصوم، ولا نكون بصدد خصم واحد فقط في الخصومة، بل تستكمل الخصومة عنصرها الشخصي الذي تصدع نتيجة وفاة الخصم، ولا كذلك الحال حين يتعدد المدعون أو المدعى عليهم في الدعوى الدستورية ويتوفى أحدهم في أثناء سيرها؛ ذلك أن انقطاع سير الخصومة في هذه الحالة يتحقق في مواجهته فقط، وتمضي الدعوى في سيرها بالنسبة إلى باقي الخصوم، فلا تنقطع بالنسبة إليهم، وذلك مراعاة للطبيعة العينية للدعوى الدستورية، التي يكون إبطال النص التشريعي هو موضوعها، فتظل هذه المحكمة مدعوة للفصل في دستورية النص، ما دام باقي الخصوم لم يتحقق في شأنهم سبب من أسباب انقطاع سير الخصومة. لما كان ما تقدم، وكان الثابت بالأوراق وفاة المدعي الأول، وكذلك مورثة المدعى عليهم رابعًا، فإن الخصومة تنقطع بالنسبة إليهما دون باقي الخصوم، وهو ما تقضي به المحكمة دون النص عليه في المنطوق.
وحيث إن المادة (26) من قانون السجل العيني الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 142 لسنة 1964 بنظام السجل العيني تنص على أن "جميع التصرفات التي من شأنها إنشاء حق من الحقوق العينية العقارية الأصلية أو نقله أو تغييره أو زواله وكذلك الأحكام النهائية المثبتة لشيء من ذلك يجب قيدها في السجل العيني. ويدخل في هذه التصرفات الوقف والوصية.
ويترتب على عدم القيد أن الحقوق المشار إليها لا تنشأ ولا تنتقل ولا تتغير ولا تزول لا بين ذوي الشأن ولا بالنسبة إلى غيرهم.
ولا يكون للتصرفات غير المقيدة من الأثر سوى الالتزامات الشخصية بين ذوي الشأن".
وحيث إنه من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن المصلحة الشخصية المباشرة –وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية– مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية مؤثرًا في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع يدور حول مطالبة المدعى عليهم ثالثًا ورابعًا بطرد المدعيين من أرض النزاع للغصب، اللذين دفعا تلك الدعوى بتملكهما الأرض ذاتها بموجب عقد البيع الابتدائي المعقود مع البائع الأصلي، بالرغم من عدم قيده بالسجل العيني؛ ومن ثم فإن المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى المعروضة تتحقق فيما تضمنته الفقرتان الثانية والثالثة من المادة (26) من قانون السجل العيني سالف البيان من أنه "يترتب على عدم قيد عقود بيع العقارات بالسجل العيني، وكذلك الأحكام النهائية المثبتة لها، ألا ينشأ ولا ينتقل ولا يتغير ولا يزول حق ملكية العقار المبيع لا بين ذوي الشأن ولا بالنسبة إلى غيرهم، ولا يكون لعقود بيع العقارات غير المقيدة بالسجل العيني من أثر سوى الالتزامات الشخصية بين ذوي الشأن".
وحيث إن المدعي ينعى على نص الفقرتين المطعون عليهما، في النطاق سالف التحديد، مخالفتهما نص المادة (35) من الدستور التي تحمي الملكية الخاصة، وذلك بإهدارهما حجية عقد البيع غير المقيد بالسجل العيني بين أطرافه وفي مواجهة الغير، فضلًا عن تعارضهما مع نصوص المواد (81 و135 و418 و466) من القانون المدني.
وحيث إنه عن النعي بتعارض النصين المطعون عليهما مع أحكام القانون المدني، فمردود بأن الرقابة القضائية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا في شأن دستورية النصوص التشريعية، مناطها مخالفة تلك النصوص لقاعدة تضمنها الدستور، ولا شأن لها بالتعارض بين نصين قانونيين جمعهما قانون واحد أو تفرقا بين قانونين مختلفين، ما لم يكن هذا التعارض منطويًا –بذاته– على مخالفة دستورية؛ مما يتعين معه الالتفات عن هذا النعي.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه يتعين تفسير النصوص التشريعية التي تنظم مسألة معينة بافتراض العمل بها في مجموعها، وأنها لا تتعارض أو تتهادم فيما بينها، وإنما تتكامل في إطار الوحدة العضوية التي تنتظمها من خلال التوفيق بين مجموع أحكامها، باعتبار أنها متآلفة فيما بينها، لا تتماحى معانيها، وإنما تتضافر توجهاتها، تحقيقًا للأغراض النهائية، والمقاصد الكلية التي تجمعها؛ ذلك أن السياسة التشريعية لا يحققها إلا التطبيق المتكامل لتفاصيل أحكامها، دون اجتزاء جزء منها ليطبق دون الجزء الآخر؛ لما في ذلك من إهدار للغاية التي توخاها المشرع من ذلك التنظيم.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة –أيضًا– أن الأصل في النصوص القانونية هو ارتباطها بأهدافها، باعتبارها وسائل صاغها المشرع لتحقيقها؛ فمن ثم يتعين لاتفاق التنظيم التشريعي مع الدستور أن تتوافر علاقة منطقية بين الأغراض المشروعة التي اعتنقها المشرع في موضوع محدد، وفاءً لمصلحة عامة لها اعتبارها، وبين الوسائل التي انتهجها طريقًا لبلوغها، فلا تنفصل النصوص القانونية التي نظم بها المشرع هذا الموضوع عن أهدافها، بل يتعين أن تكون مدخلًا إليها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أن الأصل في سلطة المشرع، في مجال تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط تحد من إطلاقها، وتقيم لها تخومها التي لا يجوز اقتحامها. وحيث إن الدستور يكفل للحقوق التي نص عليها الحماية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية، وكان الأصل في النصوص القانونية هو ارتباطها عقلًا بأهدافها باعتبارها وسائل صاغها المشرع لتحقيقها.
وحيث إن الشهر –وكلما كان شخصيًّا– لا يحيط بكل صور التعامل التي يكون العقار محلها، وإنما تسجل الحقوق المشهرة وفقًا لأسماء أصحابها التي قد تختلط فيما بينها بالنظر إلى تشابهها، وكثيرًا ما يكون العقار الواحد محلًّا لأكثر من علاقة قانونية لا يتحد أطرافها، فلا تُرصد في صحيفة واحدة تجمعها، وإنما تتفرق مواضعها في السجل، فلا تسهل معرفتها، كذلك فإن تسجيل الأعمال القانونية التي يكون من شأنها إنشاء الحقوق العينية العقارية الأصلية أو نقلها أو تغييرها أو زوالها، لا يطهرها من عيوبها، كلما كان الشهر شخصيًّا، ولا يحول دون الطعن عليها والنزاع في شأن صحتها، بما يخل بالحماية الواجبة لكل ذي شأن فيها.
ولا كذلك أن يكون السجل عينيًّا، متطلبًا قيد الحقوق العينية الأصلية المتعلقة بالعقار الواحد، وكذلك ما اتصل بهذا العقار من الحقوق العينية التبعية، فضلًا عن التصرفات والأحكام النهائية المقررة لحق من الحقوق العينية الأصلية، في صحيفة واحدة تجمعها، تتضمن وصفًا للعقار من حيث أبعاده وحدوده وطبيعته، وما تعلق به من صور التعامل على اختلافها، وما نشأ أو ارتبط بها من الحقوق العينية وأصحابها، فلا يكون قيد هذه الحقوق في السجل إلا لإثباتها بصورة مطلقة، ضمانًا لاستقرار أوضاعها، وبما يطهرها من عيوبها أيًّا كان نوعها أو مداها.
وحيث إن القوة المطلقة للقيود التي يثبتها السجل العيني في صحائفه وفقًا لأحكامه، وإن كانت جوهر نظامه، ولا يتصور أن يوجد هذا السجل بدونها، ولو كان هذا القيد قد تم خلافًا للحقيقة، فإن شرط إجراء القيد -وعلى ما تنص عليه المادة الحادية عشرة من قانون السجل العيني - هو أن تكون الحقوق العينية التي يثبتها القيد في صحائفه، قد أنشأتها أو قررتها أسباب كسبها، تقديرًا بأن أسبابها هذه تمثل روافدها التي لا يتصور أن يتجاهلها هذا السجل، شأنها في ذلك شأن مصادر الحقوق الشخصية؛ ومن ثم لا يجوز أن ينفصل قيد الحقوق العينية الأصلية عن أسبابها التي رتبها القانون المدني وحصرها، بل إن أسبابها هذه هي التي يكون الاستيثاق من صحتها سابقًا على قيد الحقوق التي أنشأتها أو نقلتها، فلا يكون من شأن السجل العيني تحوير بنيانها، ضمانًا لتقيده بالأغراض التي رصد عليها، ولأن القيد في هذا السجل لا يعتبر ركنًا شكليًّا لا تكتمل بغيره عناصر وجود الحقوق المراد إثباتها فيه، بل تظل لهذه الحقوق -وإن لم تُقيد- مقوماتها باعتبار أنها ترتد مباشرة إلى أسبابها التي أنتجتها، وهو ما تؤكده الفقرتان الثانية والثالثة من المادة (26) من قانون السجل العيني سالف الذكر، بما قررتاه من أن الأعمال القانونية التي لا تُقيد، لا تزول بكامل آثارها، وإن امتنع الاحتجاج بالحقوق العينية الأصلية التي أنشأتها أو نقلتها أو غيرتها أو أزالتها، سواء في العلاقة بين أطرافها أو على صعيد الأغيار عنها.
وحيث إن الملكية وإن كفلها الدستور فإن تنظيمها بما لا يعطل فحواها، أو يهدر أصلها، أو يفرق أجزاءها، أو يعطل الحقوق المتفرعة عنها في غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، إنما يدخل في نطاق السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق تقديرًا بأن الأصل هو إطلاقها إلا إذا قيدها الدستور بضوابط تحد منها.
وحيث إن الملكية، وغيرها من الحقوق العينية الأصلية، كانت في ظل القانون المدني القديم تنتقل فيما بين المتعاقدين بالعقد دونما ضرورة للتسجيل، وكان التسجيل في هذا القانون شأن التسجيل وفقًا لقانون الشهر العقاري القائم، لا يبطل عقدًا صحيحًا، ولا يصحح عقدًا باطلًا، وكان كثير من المتعاقدين في ظل القانون المدني القديم قد عزفوا عن شهر تصرفاتهم، باعتبار أن العقد غير المسجل قد نقل إليهم الملكية فيما بينهم وبين المتعاملين معهم، مما زعزع أسس نظام الشهر ذاتها، ومكَّن كثيرًا من البائعين من التعامل في العقار الواحد أكثر من مرة بعد تصرفهم الأول فيه. وحيث إن تطور قواعد الشهر وفقًا لقانون السجل العيني سالف البيان، تمثل في النصوص التي تضمنها، محددًا بها المحررات التي أخضعها في شهرها لنظام القيد؛ ومن ثم نص في المادة (26) منه على إخضاع الحقوق العينية العقارية الأصلية في مجال إنشائها أو نقلها أو تغييرها أو زوالها لنظام القيد. وكذلك الأحكام النهائية التي أثبتتها، فإذا لم تقيد فإن إنشاءها أو انتقالها أو تغييرها أو زوالها لا يتم، سواء فيما بين المتعاقدين أو بالنسبة إلى غيرهم، وإنما تنحصر آثارها في مجرد التزامات شخصية ترتبها فيما بين ذوي الشأن فيها.
وحيث إن ما تقدم مؤداه أن قانون السجل العيني توخى حمل المتعاملين في الحقوق العينية العقارية الأصلية على قيد عقودهم، فجرد البيوع التي لا يتم قيدها من كل أثر في مجال نقل الملكية، سواء فيما بين المتعاقدين أو بالنسبة إلى غيرهم. ومن ثم أصبح نقلها فيما بين المتعاقدين متراخيًا إلى ما بعد القيد بعد أن كان نتيجة لازمة للبيوع الصحيحة بمجرد عقدها، وصار الاحتجاج بها في مواجهة الغير كذلك متوقفًا على قيدها.
متى كان ما تقدم، وكان النصان المطعون عليهما –في حدود النطاق المتقدم– قد رتبا على عدم قيد عقود بيع العقارات بالسجل العيني عدم نشأة حق الملكية أو انتقاله أو تغييره أو زواله سواء بين أطرافها أو على صعيد الأغيار، وقصرا آثار التصرف على الالتزامات الشخصية بين ذوي الشأن، بحسبان هذا القيد هو جوهر نظام السجل العيني، ولا يتصور أن يوجد هذا السجل بدونه. ولا مخالفة في ذلك للحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية المنصوص عليها في المادة (35) من الدستور؛ ذلك أن الإخلال بهذه الحماية لا يتحقق -في الأعم من الأحوال- إلا من خلال نصوص قانونية تفقد ارتباطها عقلًا بمقوماتها، فلا يكون لها من سواء. ولا كذلك الأمر في شأن الحقوق العينية العقارية الأصلية التي تقاعس أصحابها عن قيدها في السجل العيني مع علمهم بالآثار التي رتبها المشرع على تخلفهم هذا؛ ولأن المشرع ما قرر نظام السجل العيني إلا ضمانًا للائتمان في مجال التعامل على العقار في شأن حقوق عينية نافذة بطبيعتها في حق الكافة؛ ومن ثم كان لازمًا أن ييسر المشرع على من يتعاملون فيها العلم بوجودها من خلال قيد الأعمال القانونية التي تعتبر مصدرًا لها، إثباتًا لحقائقها وبياناتها الجوهرية، فلا يكون أمرها خافيًا؛ وبمراعاة أن قيد هذه الأعمال وإن كان لازمًا فإن هذا القيد لا يحيل العقود الصادرة في شأنها إلى عقود شكلية تفقد طبيعتها الرضائية، وإنما تظل لهذه العقود خصائصها ونواتجها، فلا تنحسر آثارها -فيما عدا نقل الملكية– عنها؛ ومن ثم فإن ما قرره المشرع بالنصين المطعون عليهما يندرج في نطاق السلطة التقديرية للمشرع في تنظيم حق الملكية، على نحو لا ينال من أصلها أو يهدرها، ويقوم على أسس مبررة تستند إلى واقع يرتبط بالأغراض المشروعة التي توخاها والمصالح التي توقى حمايتها. ولا ينال مما تقدم قالة إن النصين المطعون عليهما أتاحا للمالك الأصلي صاحب القيد في السجل العيني أن يمتنع عن قيد التصرف للمشتري الأول، ثم يقوم بقيد التصرف لمن يشاء من المتصرف إليهم اللاحقين، مما مقتضاه التعدي على ملكية المتصرف إليه الأول؛ ذلك أن المشرع، بموجب نص المادة (32) من قانون السجل العيني سالف البيان، استهدف تأمين المدعي في دعوى صحة التعاقد بمجرد إثبات صحيفتها في السجل والتأشير بمضمون الطلبات بها ضد أي مدع آخر يطلب أي حق على خلاف ما هو ثابت بالسجل؛ وبذلك يكون التنظيم المتكامل الذي أتي به المشرع قد أتاح للمشتري الأول الذي امتنع المالك عن قيد حقه بالسجل العيني، أن يبادر –حفظًا لحقه– بإقامة دعوى صحة تعاقد وإثبات صحيفتها في السجل والتأشير بمضمون الطلبات لها، وبذلك يكون قد حفظ حقه أمام أي مشترٍ تالٍ له على خلاف ما هو ثابت بالسجل، بما يصون الملكية التي حماها الدستور بنص المادة (35) منه.
وحيث إنه وفي إطار التنظيم القانوني للتصرفات التي ترد على الحقوق العينية العقارية الأصلية على النحو فائت البيان، لم يغب عن المشرع تنظيم العلائق القانونية بين أطراف هذه التصرفات التي لم يتم قيدها بالسجل العيني، فأعمل في شأنهم القواعد العامة التي تنظم هذه التصرفات، واعتبرها التزامات شخصية بين أطرافها؛ وذلك صونًا للحقوق المالية المترتبة على إبرام تلك التصرفات، مما يبرأ معه التنظيم القانوني للتصرفات المشار إليها في الفقرة الثالثة من نص المادة (26) من قانون السجل العيني من شبهة العوار الدستوري؛ ولازمه رفض الطعن على دستوريتها.
وحيث إن النصين المطعون عليهما لا يتعارضان مع أي حكم آخر في الدستور؛ فإن القضاء برفض الدعوى يكون متعينًا.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعي الثاني المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الدعوى رقم 67 لسنة 33 ق دستورية عليا "دستورية" جلسة 4 / 10 / 2025

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من أكتوبر سنة 2025م، الموافق الثاني عشر من ربيع الآخر سنة 1447ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 67 لسنة 33 قضائية "دستورية"، بعد أن أحالت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية، بحكمها الصادر بجلسة 4/7/2010، ملف الدعوى رقم 11044 لسنة 60 قضائية.
المقامة من
فتحية عبد السلام بركات
ضد
رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي
------------
الإجراءات
بتاريخ السادس من أبريل سنة 2011، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 11044 لسنة 60 قضائية، نفاذًا لحكم محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية الصادر بجلسة 4/7/2010، بوقف الدعوى، وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص البند (1) من المادة (111) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
---------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل –على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق– في أن المدعية في الدعوى الموضوعية، أقامت أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية الدعوى رقم 11044 لسنة 60 قضائية، ضد المدعى عليه، طالبة الحكم بوقف تنفيذ ثم إلغاء القرار السلبي بالامتناع عن صرف معاشها المستحق عن مورثتها رقية محمد عيد النوري، الموقوف صرفه اعتبارًا من 1/5/2003، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها: رد ما سبق خصمه من هذا المعاش؛ تأسيسًا على أنها استحقت معاشًا عن والدتها المتوفاة عام 1972، مقداره (168 جنيهًا)، وبتاريخ 1/5/2003، أُوقف صرف هذا المعاش، إذ كانت تعمل بالشركة الشرقية للأقطان، ولا يجوز لها الجمع بين المرتب والمعاش، وأن ما آل إليها من معاش عن مورثتها أصبح حقًّا مكتسبًا بالتقادم الطويل لمرور أكثر من خمسة عشر عامًا، وذلك بمراعاة أن ما يملكه الأصل يملكه الفرع. وبجلسة 4/7/2010، حكمت المحكمة بوقف الدعوى، وإحالة الأوراق إلى هذه المحكمة للفصل في دستورية نص البند (1) من المادة (111) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975. وأحال هذا الحكم، في بيان مناعيه على النص المحال، إلى ما صدر عن المحكمة الدستورية العليا من أحكام تجيز الجمع بين الأجر والمعاش، باعتبارهما مختلفين مصدرًا وسببًا. وارتأى حكم الإحالة أن حظر الجمع بينهما، على النحو الوارد بالنص المُحال، قد جاء مخالفًا للدستور والمبادئ المستقرة في قضاء المحكمة الدستورية العليا، مما يترتب عليه تعطيل حق العمل، وإفراغ الحق في المعاش من مضمونه.
وحيث إن البند (1) من المادة (111) من قانون التأمين الاجتماعي، الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 –بعد أن استبدل به نص المادة (5) من القانون رقم 47 لسنة 1984- ينص على أنه "يوقف صرف معاش المستحق في الحالات الآتية:
1- الالتحاق بأي عمل والحصول منه على دخل صاف يساوى قيمة المعاش أو يزيد عليه، فإذا نقص الدخل عن المعاش صرف إليه الفرق، ويقصد بالدخل الصافي مجموع ما يحصل عليه العامل مخصومًا منه حصته في اشتراكات التأمين الاجتماعي والضرائب في تاريخ التحاقه بالعمل ثم في يناير من كل سنة".
وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهي شرط لقبولها، مناطها –على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة– أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، ويستوي في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها، بما مؤداه أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل يتعين أن يكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في النزاع المثار أمام محكمة الموضوع، فإذا لم يكن للفصل في دستورية النصوص التي ثارت بشأنها شبهة عدم الدستورية لدى محكمة الموضوع انعكاس على النزاع الموضوعي فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة. متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع مداره وقف تنفيذ وإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن صرف معاش المدعية المستحق عن مورثتها رقية محمد عيد النوري –الموقوف صرفه اعتبارًا من 1/5/2003-، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها: رد ما سبق خصمه من هذا المعاش، وكان الثابت بالأوراق أن المدعية قد استحقت معاشًا عن والدتها المتوفاة بتاريخ 20/2/1972، بصفتها ابنة لا تعمل وغير متزوجة، واستمرت في صرف هذا المعاش حتى عام 2003. وإذ تبين للهيئة -المدعى عليها في الدعوى الموضوعية- أن المدعية كانت تعمل بالشركة الشرقية للأقطان منذ تاريخ 1/2/1990 حتى انتهاء خدمتها بالإحالة إلى المعاش المبكر في 20/1/2000، واستحقاقها معاشًا عن نفسها، فقامت الهيئة بحصر إجمالي ما صرف للمدعية بدون وجه حق عن الفترة من 1/1/1992 حتى 20/1/2000، التي جمعت فيها بين دخلها من العمل والمعاش المستحق عن والدتها، وكان نص البند (1) من المادة (111) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، المستبدل به نص المادة (5) من القانون رقم 47 لسنة 1984، بما أوجبه من وقف صرف المعاش للمستحق حال التحاقه بعمل والحصول منه على دخل صاف يساوى قيمة المعاش أو يزيد عليه، فإذا نقص الدخل عن المعاش صرف إليه الفرق، هو النص الذي حال دون صرف المعاش للمدعية، المستحق عن والدتها المتوفاة؛ لحظره الجمع بين الدخل من العمل والمعاش، ومن ثم يكون للقضاء في دستورية هذا النص أثره وانعكاسه الأكيد على النزاع الموضوعي وقضاء محكمة الموضوع فيه، ويتحدد نطاق الدعوى المعروضة فيما تضمنه النص المُحال من وقف صرف معاش المستحق في حالة الالتحاق بأي عمل والحصول منه على دخل صافٍ يساوي قيمة المعاش أو يزيد عليه، فإذا نقص الدخل عن المعاش صُرف إليه الفرق، دون سائر أحكام النص الأخرى.
ولا ينال مما تقدم إلغاء النص المُحال –ضمن كامل أحكام قانون التأمين الاجتماعي المشار إليه– بموجب المادة السادسة من القانون رقم 148 لسنة 2019 بإصدار قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات؛ ذلك أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن استبدال المشرع قاعدة قانونية بغيرها، أو إلغاءها، لا يحول دون الطعن عليها بعدم الدستورية من قبل من طبقت عليه خلال مدة نفاذها، وترتبت بمقتضاها آثار قانونية بالنسبة إليه، تتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة؛ ذلك أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية هو سريانها على الوقائع التي تتم في ظلها حتى إلغائها، فإذا أُلغيت هذه القاعدة أو حلت محلها قاعدة قانونية أخرى فإن القاعدة الجديدة تسري من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمني لسريان كل من القاعدتين، فما نشأ مكتملًا في ظل القاعدة القديمة من المراكز القانونية، وجرت آثارها خلال فترة نفاذها، يظل محكومًا بها وحدها. متى كان ذلك، فإن إلغاء النص المُحال بموجب أحكام القانون رقم 148 لسنة 2019 بإصدار قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات، لا يمنع هذه المحكمة من إعمال رقابتها الدستورية عليه، باعتباره قد طُبق على المدعية خلال فترة نفاذه، وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة إليها.
وحيث إن من المقرر أن الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، تخضع للدستور القائم دون غيره؛ إذ إن هذه الرقابة تستهدف –أصلًا– صون هذا الدستور، وحمايته من الخروج على أحكامه؛ لكون الطبيعة الآمرة لقواعد الدستور، وعلوها على ما دونها من القواعد القانونية، وضبطها للقيم التي ينبغي أن تقوم عليها الجماعة، تقتضي إخضاع القواعد القانونية جميعها –أيًّا كان تاريخ العمل بها– لأحكام الدستور القائم؛ لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتى بها، فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظم مختلفة، يناقض بعضها بعضًا، بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التي تطلبها الدستور القائم شرطًا لمشروعيتها الدستورية. إذ كان ذلك، وكانت المناعي التي أثارتها محكمة الموضوع بشأن النص المُحال، تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور، من حيث محتواها الموضوعي، ولئن كان النص المُحال في حدود نطاقه المتقدم قد صدر قبل العمل بالدستور القائم، فإنه ظل ساريًا ومعمولًا بأحكامه، حتى ألغي بالقانون رقم 148 لسنة 2019 المار ذكره، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على دستورية هذا النص في ضوء أحكام الدستور الصادر سنة 2014 باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أنَّ كل تنظيم تشريعي لا يصدر عن فراغ، ولا يعتبر مقصودًا لذاته، بل مرده إنفاذ أغراض بعينها يتوخاها، وتعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي أقام المشرع عليها هذا التنظيم، باعتباره أداة تحقيقها، وطريق الوصول إليها.
وحيث إن أحكام قانون التأمين الاجتماعي، الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، قد توخت إنشاء صندوقين لتأمين المشمولين بأحكامه في مستقبل أيامهم، عند تقاعدهم، أو عجزهم، أو مرضهم، وكفالة الحقوق المتفرعة من المزايا التأمينية المبينة بنصوصه لأسرهم بعد وفاتهم. وكانت الأموال التي يتلقاها مباشرة عن هذين الصندوقين الأشخاص المستحقون للمعاش، المبينون حصرًا في الباب التاسع من هذا القانون، عند وفاة المؤمن عليه أو صاحب المعاش، لا تعتبر من الحقوق المالية التي كسبها عضو الصندوق واختص بها قبل وفاته، ولا يتصور -من ثمَّ- أن يكون قد تركها لغيره، ولا أن يقوم الورثة مقام مورثهم فيها، وكانت الحقوق المالية التي لا يكتمل وجودها قبل وفاة من يدعيها، وكذلك الحقوق التي لا يجوز لشخص أن ينقلها إلى غيره حال حياته، لا يتصور توريثها، وكان الأصل في الحقوق هو إضافتها إلى أسبابها، فلا يستقل وجودها عنها، وكان المشرع قد كفل شكلًا من أشكال التعاون بين أعضاء الصندوقين وأسرهم، بما يدنيهم من التغلب على صعابهم التي تتصل بعوارض الحياة؛ من مرض أو تقاعد أو وفاة، ويقيم إطارًا لهذا التعاون من خلال موارد الصندوق التي ينميها، ويسهم أعضاؤه فيها، وتدعمها الدولة كذلك من ميزانيتها. ولما كان الحق في المعاش إنما ينشأ عن القانون مباشرة دون أن يمر بذمة المورث، فلا يعتبر تركة بأية حال، ويتم توزيعه وفقًا للأنصبة والأحكام المقررة بقانون التأمين الاجتماعي، بوصفه نظامًا للتكافل الاجتماعي، وليس بوصفه إرثًا يخضع لقواعد الميراث المقررة في الشريعة الإسلامية، وهو ما مؤداه أن النص المُحال -الذي انتظم أحوال وقف المعاش المستحق عن الوالدين- لا يكون متعلقًا بحق الإرث المكفول بنص المادة (35) من الدستور.
وحيث إن الحق في المعاش، إذا توافر أصل استحقاقه وفقًا للقانون، إنما ينهض التزامًا على الجهة التي تقرر عليها، وهو ما تؤكده قوانين التأمين الاجتماعي، على تعاقبها، إذ يتبين منها أن المعاش الذي تتوافر بالتطبيق لأحكامها شروط اقتضائه عند انتهاء خدمة المؤمن عليه وفقًا للنظم المعمول بها، يعتبر التزامًا مترتبًا بنص القانون في ذمة الجهة المدينة. وإذا كان الدستور قد خطا بمادته السابعة عشرة خطوة أبعد في اتجاه دعم التأمين الاجتماعي، حين ناط بالدولة أن تكفل لمواطنيها خدماتهم التأمينية الاجتماعية، بما في ذلك تقرير معاش لمواجهة بطالتهم أو عجزهم عن العمل أو شيخوختهم، في الحدود التي يبينها القانون، وأضفى حماية خاصة لأموال التأمينات والمعاشات، بحسبانها، وعوائدها، حقًّا للمستفيدين منها، فذلك لأن مظلة التأمين الاجتماعي، التي يمتد نطاقها إلى الأشخاص المشمولين بها، هي التي تكفل لكل مواطن الحد الأدنى لمعيشة كريمة لا تمتهن فيها آدميته، والتي توفر لحريته الشخصية مناخها الملائم، ولضمانة الحق في الحياة أهم روافدها، وللحقوق التي يمليها التضامن بين أفراد الجماعة التي يعيش في محيطها مقوماتها، بما يؤكد انتماءه إليها. وتلك هي الأسس الجوهرية التي لا يقوم المجتمع بدونها، والتي تعتبر المادة (8) من الدستور مدخلًا إليها.
وحيث إن الدساتير المصرية -على تعاقبها- قد حرصت على النص على التضامن الاجتماعي، باعتباره ركيزة أساسية لبناء المجتمع، وواحدًا من الضمانات الجوهرية التي ينبغي أن ينعم بها أفراده، وهو ما أكدته المادة (8) من الدستور القائم، التي ألزمت الدولة بتوفير سبل التضامن والتكافل الاجتماعي، بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين، على النحو الذي ينظمه القانون. وفي سبيل تحقيق ذلك، ألزمت المادة (17) من الدستور الدولة بكفالة توفير خدمات التأمين الاجتماعي، وحق كل مواطن في الضمان الاجتماعي، إذا لم يكن متمتعًا بنظام التأمين الاجتماعي، بما يضمن له ولأسرته الحياة الكريمة، وتأمينه ضد مخاطر حالات العجز عن العمل والشيخوخة والبطالة، باعتبار أن مظلة التأمين الاجتماعي التي يحدد المشرع نطاقها –وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة– هي التي تكفل بمداها واقعًا أفضل، يؤمن المواطن في غده، وينهض بموجبات التضامن الاجتماعي التي يقوم عليها المجتمع، بما مؤداه أن المزايا التأمينية هي–في حقيقتها– ضرورة اجتماعية بقدر ما هي ضرورة اقتصادية، وأن غايتها أن تؤمن المشمولين بها في مستقبل أيامهم عند تقاعدهم أو عجزهم أو مرضهم، وأن تكفل الحقوق المتفرعة عنها لأسرهم بعد وفاتهم، وهي معانٍ استلهمها الدستور القائم بربطه الرفاهية والنمو الاقتصادي بالعدالة الاجتماعية، حين أكد في المادة (27) منه أن النظام الاقتصادي يهدف إلى تحقيق الرخاء في البلاد من خلال التنمية المستدامة، والعدالة الاجتماعية، بما يكفل رفع معدل النمو الحقيقي للاقتصاد القومي، ورفع مستوى المعيشة، وزيادة فرص العمل وتقليل معدلات البطالة، والقضاء على الفقر.
وحيث إن الدستور وإن جعل بمقتضى نص المادة (17) منه توفير خدمات التأمين والضمان الاجتماعي التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، ليكون الوفاء به بحسب الأصل من خلالها، بيد أن التزامها في هذا الشأن بأن تكفل لمواطنيها ظروفًا أفضل في مجال التأمين والضمان الاجتماعي لا يعني أن تنفرد وحدها بصون متطلباتها، ولا أن تتحمل دون غيرها أعباءها، وإلا كان ذلك تقويضًا لركائز التضامن الاجتماعي التي يقوم عليها المجتمع. وإن الدستور وقد ناط بالدولة أن تكفل لمواطنيها خدماتهم التأمينية والاجتماعية، أضفى حماية خاصة لأموال التأمينات والمعاشات، بحسبانها، وعوائدها، حقًّا للمستفيدين منها، وإن اعتبر أموالها أموالًا خاصة، فإنها تتمتع بجميع أوجه وأشكال الحماية المقررة للأموال العامة، وإن ثمة التزامًا دستوريًّا على الدولة بضمانها، وهو ما يستوجب على المشرع العمل على حمايتها، ووضع الضوابط التي تضمن صرفها لمستحقيها دون غيرهم.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الأصل في سلطة المشرع، في موضوع تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية، جوهرها المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم، لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنًا، وليس ثمة قيد على مباشرة المشرع لسلطته هذه، إلا أن يكون الدستور قد فرض في شأن ممارستها ضوابط محددة، تعتبر تخومًا لها ينبغي التزامها.
متى كان ما تقدم، وكان المشرع قد حصر في الباب التاسع من قانون التأمين الاجتماعي المشار إليه، المستحقين للمعاش، بعد وفاة المؤمن عليه أو صاحب المعاش، وحدد الشروط الواجب توافرها لكل فئة من فئات المستحقين في تاريخ وفاة المؤمن عليه أو صاحب المعاش، ونسب توزيع المعاش عليهم، وذلك وفقًا لأسس تأمينية وحسابات اكتوارية تحكمها فلسفة التكافل والتضامن الاجتماعي، واشترط لاستحقاق الابنة المعاش عن والديها - بوفاة أحدهما أو كليهما - ألا تكون متزوجة، ليكفل لها الحد الأدنى لمعيشة كريمة، لا تمتهن فيها آدميتها، وقرر امتداد هذا الاستحقاق للابنة -التي لا تعمل- حتى تاريخ زواجها وإعالة زوجها لها؛ حرصًا من المشرع على استمرار الإعالة القانونية، والحماية التأمينية -الممتدة والمستمرة- التي يقدمها نظام التأمين الاجتماعي للابنة في جميع حالاتها الاجتماعية، عزباء أو مطلقة أو أرملة؛ ترسيخًا للقيم الدينية والاجتماعية داخل الأسرة المصرية. ولما كان النص المُحال، في إطار تحديده للقواعد الحاكمة لوقف معاش المستحق، أوجب وقف صرفه، حال التحاق المستحق بعمل وحصوله منه على دخل صاف يساوي قيمة هذا المعاش أو يزيد عليه، وذلك لانتفاء علة استحقاقه، وتخلف مناط الاستفادة من الحماية التأمينية -المتمثل في انقطاع الدخل نتيجة وفاة العائل- في هذه الحالة، فإذا نقص الدخل عن المعاش صُرف إلى المستحق الفرق، الأمر الذي يكون معه النص المُحال قد وازن بين مصلحة المستحق في الحصول على دخل لا يقل عن المعاش المستحق له، وبين المصلحة العامة في قصر صرف المعاش على فئات المستحقين عن صاحب المعاش الأكثر احتياجًا، بما يصون أموال التأمينات باعتبارها أموالًا خاصة، ولكونها وعوائدها حقًّا للمستفيدين منها، تلتزم الدولة بحمايتها بأدوات مماثلة للحماية المقررة للمال العام، كافلة بتلك الحماية الاتزان المالي لأموال الصندوق وموارده، وصرف أمواله إلى مستحقيها، ليحقق في الوقت ذاته التضامن الاجتماعي، الذي اعتبره الدستور بمقتضى المادة (8) منه أساسًا لبناء المجتمع، وجعل تحقيقه واجبًا على الدولة؛ ومن ثم يدخل هذا النص بما يقرره من أحكام في إطار سلطة المشرع التقديرية في تنظيم الحق في التأمين والضمان الاجتماعي، وبيان قواعد تحديد المعاشات طبقًا لنص المادة (128) من الدستور، دون المساس بأصل الحق أو جوهره، بحسبانه القيد العام الضابط لسلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق والحريات، الذي قررته المادة (92) من الدستور، وبما لا يجاوز موازين القسط والاعتدال، محققًا التوازن بين مصالح الطرفين، متخيرًا من البدائل أنسبها وأكفلها لتحقيق الأغراض التي يتوخاها، الأمر الذي يبرأ به النص المُحال -محددًا نطاقًا على نحو ما سلف– من مظنة الإخلال بمبادئ التضامن الاجتماعي والعدالة الاجتماعية وتوفير خدمات التأمين الاجتماعي والحق في المعاش، المنصوص عليها في المادتين (8 و17) من الدستور.
وحيث إن الدساتير المصرية - على تعاقبها - قد حرصت على النص على حق العمل، باعتباره من حقوق الإنسان اللصيقة بالحق في الحياة، بل ويأتي تاليًا له، ولارتباطه الوثيق بكرامة الإنسان، وبالقيم الخلقية التي يقوم عليها التضامن الاجتماعي، وبحق الناس جميعًا في تطوير مجتمعهم وتنميته، وكونه مصدرًا لأجر عادل مُرض يكفل للفرد ولأسرته عيشة لائقة، ضمانًا لرفاهيته، وصونًا لحريته وأمنه الاقتصادي. وبحسبانه حقًّا ذا طبيعة مزدوجة، اقتصادية واجتماعية في آن واحد، فضلًا عن أنه حق تكاملي يتداخل مع غيره من الحقوق؛ فتارة أساسًا وتارة أخرى مكملًا لها. وهو ما أكدته المادة (12) من الدستور القائم، التي تنص على أن "العمل حق، وواجب، وشرف تكفله الدولة. ولا يجوز إلزام أي مواطن بالعمل جبرًا، إلا بمقتضى قانون، ولأداء خدمة عامة، لمدة محددة، وبمقابل عادل، ودون إخلال بالحقوق الأساسية للمكلفين بالعمل".
وحيث إن البين من أحكام الدستور، بما يحقق تكاملها ويكفل عدم انعزال بعضها عن بعض في إطار الوحدة العضوية التي تجمعها، وتصون ترابطها، أنه في مجال حق العمل والتأمين الاجتماعي، أكد الدستور -في المادة (12) منه- أن العمل حقٌّ لكل مواطن لا يجوز إهداره أو تقييده بما يعطل جوهره، وواجب يلتزم بمسئوليته والنهوض بتبعاته، وشرف يرنو إليه، وأنه –في الوقت ذاته- ليس ترفًا يمكن النزول عنه، ولا هو منحة من الدولة تبسطها أو تقبضها وفق مشيئتها لتحدد على ضوئها من يتمتعون بها أو يمنعون منها. وهو باعتباره كذلك، ولأهميته في تقدم الجماعة وإشباع احتياجاتها، ولصلته الوثيقة بالحق في التنمية بمختلف جوانبها، ولضمان تحقيق الإنسان لذاته، ولحرياته الأساسية، وكذلك لإعمال ما يتكامل معها من الحقوق، توليه الدولة اهتمامها، وتزيل العوائق من طريقه وفقًا لإمكاناتها، وبوجه خاص إذا امتاز العامل في أدائه وقام بتطويره.
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن حق العمل، الذي كفله الدستور الحالي في المادة (12) منه، لا يمنح تفضلًا، ولا يتقرر إيثارًا، بل يعتبر أداؤه واجبًا لا ينفصل عن الحق فيه، ومدخلًا إلى حياة لائقة، قوامها الاطمئنان إلى غد أفضل، وبها تتكامل الشخصية الإنسانية من خلال إسهامها في تقدم الجماعة وإشباع احتياجاتها، بما يصون للقيم الخلقية روافدها، وأن الحقوق جميعها -ومنها حق العمل- لا تنشأ إلا بتوافر متطلباتها؛ ذلك أن الشروط التي يفرضها المشرع لقيام حق من الحقوق تعتبر من عناصره، بها ينهض سويًّا على قدميه، ولا يتصور وجوده بدونها، ولا يكتمل كيانه في غيبتها، ومن ثم لا تنعزل هذه الشروط عن الحق الذي نشأ مرتبطًا بها، مكتملًا وجودًا بتحققها، ليكون العمل محققًا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية جوهر أسبابها.
لما كان ما تقدم، وكان المشرع بما ضمَّنه النص المُحال من أحكام، تتعلق بوقف المعاش في حالة التحاق المستحق بعمل وحصوله منه على دخل يساوي قيمة المعاش أو يزيد عليه، إنما يرمي إلى تشجيع المستحق على السعي في عمارة الأرض والالتحاق بعمل في حرفة أو مهنة في القطاع الخاص، أو وظيفة تنشئها الدولة، وفق إمكاناتها المتاحة، باعتبار العمل شرفًا لمن يلتمس الطريق إليه؛ ومن ثم فإن إحجام أو تقاعس المستحق، المؤهل للعمل والقادر عليه، عن الالتحاق بالعمل، بغية استمراره في صرف المعاش، إنما يُعد تجاوزًا للحدود المنطقية التي ينبغي -طبقًا للدستور- أن تكون إطارًا لحق العمل، وتعطيلًا لجوهره، وإضرارًا بمقومات المجتمع التي تأبى تعطل الطاقات وهدر الإمكانات وتبديد القدرات، وبحسبان تقرير المعاش يكون، وبحسب الأصل، لمواجهة العجز عن العمل أو البطالة أو الشيخوخة، بما مؤداه أن حظر جمع المستحق بين دخله من العمل والمعاش إنما يتصل اتصالًا وثيقًا بقيمة العمل وجدواه، وينعكس بالضرورة على كيان الجماعة، ويمس مصالحها العليا، صونًا لقوتها الإنتاجية، تحقيقًا للأغراض التي أرادها المشرع من تقريرها، وبهذه المثابة يكون ما تضمنه النص المُحال، باعتباره الوسيلة التي اختارها المشرع لتنظيم هذه المسألة، تنظيمًا متناسبًا مع الغاية التي رصدها، والهدف الذي سعى إلى بلوغه بتقرير هذه الأحكام، وكافلًا لتحقيقها، بما لا يتضمن مساسًا بالحق في العمل، الذي تُعد كفالته –على ما جرى به قضاء هذه المحكمة– ضمانة جوهرية لإسهام المُستحق كمواطن في الحياة العامة، التي غدت مشاركته فيها واجبًا وطنيًّا؛ ومن ثم فإن النعي على النص المُحال إهداره الحق في العمل يكون لغوًا، وفاقدًا سنده، حقيقًا به الرفض.
وحيث إنه عما ارتآه حكم الإحالة من إخلال النص المُحال بقضاء المحكمة الدستورية العليا -الصادر بجلسة 7/6/1997، في الدعوى رقم 52 لسنة 18 قضائية "دستورية": "بعدم دستورية الفقرتين الأولى والثانية من المادة (40) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975"– بقالة إن الحق في المعاش لا يعتبر منافيًا للحق في الأجر؛ وليس ثمة ما يحول دون اجتماعهما باعتبارهما مختلفين مصدرًا وسببًا؛ فإنه مردود بأن القضاء المتقدم قد تأسس على أن الحق في المعاش يقوم -وفقًا للقواعد التي تقرر بموجبها وتحدد مقداره على ضوئها- عن مدد قضاها أصحابها في الجهات التي كانوا يعملون بها؛ وأدوا عنها حصصهم في التأمين الاجتماعي، وذلك خلافًا لأجورهم التي يستحقونها من الجهة التي التحقوا بالعمل بها؛ إذ تعتبر مقابلًا مشروعًا لجهدهم فيها، وباعثًا دفعهم إلى التعاقد معها، ليكون القيام بهذا العمل سببًا لاقتضائها؛ الأمر الذي يبين معه –بجلاء- أن ما أقرته هذه المحكمة، في حكمها السالف بيانه، إنما ينصرف إلى صاحب المعاش الذي التحق بعمل، وينصب على حق المؤمن عليه في المعاش عن المدد التي قضاها في الجهة التي كان يعمل بها، وسدد عنها حصته في اشتراكات التأمين الاجتماعي من راتبه، خلافًا لأجره الذي يستحقه من الجهة التي التحق للعمل بها بعد إحالته للمعاش، والذي يُعتبر مقابلًا مشروعًا لجهده فيها، ليكون القيام بهذا العمل سببًا لاقتضائه ذلك الأجر؛ الأمر الذي يكشف عن المغايرة والاختلاف بين المركز القانوني لصاحب المعاش الذي التحق بعمل وبين غيره من الفئات المستحقة عنه الذين عددتهم المادة (104) من قانون التأمين الاجتماعي المشار إليه.
وحيث إن النص المُحال، في حدود نطاقه المتقدم، لا يتعارض مع أي نص آخر من نصوص الدستور؛ الأمر الذي يتعين معه القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى.

قرار رئيس مجلس الوزراء 3971 لسنة 2025 بتشكيل اللجنة العليا للمسئولية الطبية وسلامة المريض ونظام عملها

المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ : ۲۹ / ۱۰ / ۲۰۲٥

قرار رئيس مجلس الوزراء
رقم 3971 لسنة 2025
بتشكيل اللجنة العليا للمسئولية الطبية وسلامة المريض
ونظام عملها

رئيس مجلس الوزراء
بعد الاطلاع على الدستور ؛
وعلى قانون تنظيم المسئولية الطبية وسلامة المريض الصادر بالقانون رقم ١٣ لسنة ٢٠٢٥ ؛
وبناءً على ما عرضه نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية البشرية ووزير الصحة والسكان ؛
قـــــرر :
( المادة الأولى )
تشكل اللجنة العليا للمسئولية الطبية وسلامة المريض على النحو الآتي :
1- الأستاذ الدكتور/ حسين مصطفي موسي خالد - وزير التعليم العالي والبحث العلمي الأسبق (رئيسًا للجنة) .
٢- الأستاذ الدكتور/ عمر شريف عمر - أمين المجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية (نائبًا لرئيس اللجنة) .
3- رئيس إدارة الفتوي لوزارة الصحة بمجلس الدولة .
4- السيد المستشار/ رضا عبد المحسن عبد الحميد - رئيس استئناف بمحكمة استئناف القاهرة .
5- رئيس الهيئة العامة للمستشفيات والمعاهد التعليمية .
6- الرئيس التنفيذي للمجلس الصحي المصري .
7- رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية .
8- كبير الأطباء الشرعيين .
9- الأستاذ الدكتور/ هاني إبراهيم راجي - استشاري أمراض القلب بمعهد القلب القومي (ممثلاً عن وزارة الصحة والسكان) .
١٠ - الأستاذ الدكتور/ أحمد محمد الهادي محمد عناني - مستشار وزير التعليم العالي والبحث العلمي للشئون الصحية (ممثلاً عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي) .
11- مدير إدارة الخدمات الطبية بالقوات المسلحة - ممثلاً عن وزارة الدفاع والإنتاج الحربي .
12- اللواء طبيب/ حسام طلعت نصيف عبد المطلب - قطاع الخدمات الطبية ( ممثلاً عن وزارة الداخلية) .
13- الأستاذ الدكتور/ حسام صلاح أحمد مراد - عميد كلية طب قصر العينى بجامعة القاهرة .
١٤ - الأستاذ الدكتور/ على محمد على الأنور - عميد كلية الطب بجامعة عين شمس .
١٥ - الأستاذ الدكتور/ حسين عبد الظاهر حسين أبو الغيط - عميد كلية طب بنين جامعة الأزهر بالقاهرة .
١٦ - ممثل عن نقابة المهن الطبية المعنية بالموضوع المعروض على اللجنة العليا ، يرشحه مجلس النقابة .
وللجنة العليا أن تستعين بمن تراه من ذوي الخبرة والمتخصصين في الموضوعات التي تنظرها دون أن يكون له صوت معدود في المداولات .

( المادة الثانية )
تجتمع اللجنة العليا بصفة دورية كل شهر بدعوة من رئيسها ، أو كلما دعت الحاجة لذلك ، ولا يكون انعقادها صحيحًا إلا بحضور ثلثى أعضائها على الأقل ، على أن يكون من بينهم رئيس اللجنة أو نائبه .
ويجوز انعقادها أو المشاركة في اجتماعاتها بأية وسيلة من وسائل أو تقنيات الاتصال الحديثة ، بما في ذلك الاجتماع عبر الفيديو المرئي والمسموع ،
وتُعد المشاركة على هذا النحو حضورًا للاجتماع ، ويتعين توثيق تلك المشاركة بالوسائل المناسبة .

( المادة الثالثة )
تصدر اللجنة العليا قراراتها بأغلبية الأعضاء الحاضرين ، وفى حالة التساوي يُرجح الجانب الذى منه رئيس الاجتماع .

( المادة الرابعة )
يحل نائب رئيس اللجنة العليا محل رئيسها عند غيابه أو قيام مانع لديه .

( المادة الخامسة )
تكون اجتماعات اللجنة العليا ومداولاتها وإجراءاتها وتقاريرها سرية ، ولا يجوز إفشاء أو استخدام المعلومات الواردة فيها أو نشرها إلا وفقًا لما هو مقرر في قانون تنظيم المسئولية الطبية وسلامة المريض المشار إليه .

( المادة السادسة )
تلتزم كافة الوزارات والجهات المعنية، كل فيما يخصه، بالتعاون مع اللجنة العليا في سبيل تفعيل وتنفيذ اختصاصاتها المنصوص عليها في قانون تنظيم المسئولية الطبية وسلامة المريض المشار إليه .

( المادة السابعة )
يُنشر هذا القرار في الجريدة الرسمية ، ويعمل به من اليوم التالي لتاريخ نشره .

صدر برئاسة مجلس الوزراء في 7 جمادى الأولى سنة 1447ﻫ
( الموافق 29 أكتوبر سنة 2025م ) .
رئيس مجلس الوزراء
دكتور/ مصطفى كمال مدبولي

القضية 76 لسنة 23 ق جلسة 4 / 4 / 2004 دستورية عليا مكتب فني 11 ج 1 دستورية ق 97 ص 599

جلسة 4 إبريل سنة 2004

برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي - رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: حمدي محمد علي وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور وعلي عوض محمد صالح ومحمد عبد العزيز الشناوي وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما - رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

----------------

قاعدة رقم (97)
القضية رقم 76 لسنة 23 قضائية "دستورية"

(1) دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: عنصراها - إقرار وكيل المدعي أمام هيئة المفوضين - مؤداه - انتفاء المصلحة".
شرط المصلحة الشخصية المباشرة، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية، وهو كذلك يقيد تدخلها في تلك الخصومة القضائية، ويحدد نطاقها، فلا يمتد لغير المطاعن التي يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعي، يتحقق ذلك باجتماع عنصرين: أن يقيم المدعي الدليل على أن ضرراً واقعياً قد لحق به، وأن يكون هذا الضرر عائداً إلى النص المطعون عليه.
(2) حجز إداري "التنفيذ الجبري على أموال المدين: الأصل فيه: الاستثناء - علة ذلك".
الأصل المقرر في قانون المرافعات المدنية والتجارية أن التنفيذ جبراً على أموال المدين - بما له من آثار خطيرة عليه - لا يكون إلا بسند تنفيذي. إلا أنه خروجاً على الأصل العام جاءت أحكام قانون الحجز الإداري رقم 308 لسنة 1955 بأوضاع استثنائية، منها أنها جعلت الأمر المكتوب الصادر من الوزير أو رئيس المصلحة أو المدير أو ممثل الشخص الاعتباري العام حسب الأحوال، أو من ينيبه كل من هؤلاء كتابة، معادلاً للسند التنفيذي الذي يجوز التنفيذ به وهذا الاستثناء تبرره المصلحة العامة. أساس ذلك.

---------------------
1 - شرط المصلحة الشخصية المباشرة، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية، أو تصوراتها المجردة، وهو كذلك يقيد تدخلها في تلك الخصومة القضائية، ويحدد نطاقها، فلا تمتد لغير المطاعن التي يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعي، وبالقدر اللازم للفصل فيه، ومؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير الأشخاص الذين ينالهم الضرر من جراء سريان النص المطعون فيه عليهم. ويتعين دوماً أن يكون هذا الضرر منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون عليه للدستور، مستقلاً بالعناصر التي يقوم عليها، ممكناً تحديده ومواجهته بالترضية القضائية لتسويته، عائداً في مصدره إلى النص المطعون عليه، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة. ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها، لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية، عما كان عليه قبلها.
2 - الأصل المقرر في قانون المرافعات المدنية والتجارية أن التنفيذ جبراً على أموال المدين - بما له من آثار خطيرة عليه - لا يكون إلا بسند تنفيذي استظل به دائنه قبل التنفيذ ولم يبلغه إلا بطريق تحقق به دينه وصحته وصار حقيقة قانونية أو قضائية يجوز التنفيذ بمقتضاها، إلا أنه خروجاً على الأصل العام جاءت أحكام قانون الحجز الإداري رقم 308 لسنة 1955 بأوضاع استثنائية، منها أنها جعلت الأمر المكتوب الصادر من الوزير أو رئيس المصلحة أو المدير أو ممثل الشخص الاعتباري العام حسب الأحوال، أو من ينيبه كل من هؤلاء كتابة، معادلاً للسند التنفيذي الذي يجوز التنفيذ به وفقاً لأحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية، وهذا الاستثناء تبرره المصلحة العامة في أن تتوافر لدى أشخاص القانون العام وسائل ميسرة تمكنها من تحصيل حقوقها على النحو الذي يحقق سير المرافق العامة وانتظامها، وذلك دون إخلال بحق المدين المحجوز عليه في اللجوء للقضاء للمنازعة في أصل المبالغ المطلوبة أو في صحة إجراءات الحجز، أو باسترداد الأشياء المحجوزة، وفي هذه الحالة توقف بنص القانون - مادة (27) من قانون الحجز الإداري - إجراءات الحجز والبيع الإداريين إلى أن يفصل نهائياً في النزاع، ومن ثم فإن قانون الحجز الإداري وإن قرر امتيازاً لصالح أشخاص القانون العام حين جعل قرارها بوجود ديون تدعيها على آخرين يفيد أن قولها بثبوتها وتحديدها لمقدارها يعتبر سنداً تنفيذياً بها يغنيها عن اللجوء للقضاء لإثباتها، إلا أن هذا القول لا يخولها سوى ميزة أن يكون قرارها بالديون التي تطلبها من مدينيها سابقاً على التدليل عليها من جهتها، وناقلاً إليهم مهمة نفيها، وعليها في هذه الحالة الأخيرة إثبات صحة ما تدعيه في هذا الشأن بما لديها من وثائق ومستندات، حتى يتسنى لها المضي في إجراءات تحصيل هذه الديون، الأمر الذي لا يتعارض مع مبدأ خضوع الدولة للقانون وحق كل مواطن في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي.


الإجراءات

بتاريخ التاسع من مايو سنة 2001، أودع المدعي قلم كتاب المحكمة صحيفة هذه الدعوى، طالباً الحكم بعدم دستورية نص المادتين (166 و167) من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 157 لسنة 1981.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها ثم أعدت تقريراً تكميلياً بناء على طلب المحكمة بجلسة 15/ 12/ 2002.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن مأمورية ضرائب النزهة كانت قد حجزت إدارياً على منقولات المدعي، وفاءً لدين ضريبة الأرباح التجارية المستحقة عليه عن السنوات من 1987 حتى 1997، فاعترض المدعي على هذا الحجز ثم أقام الدعوى رقم 908 لسنة 2000 أمام محكمة مصر الجديدة الجزئية، طالباً الحكم برفعه واعتباره كأن لم يكن، وأثناء نظرها دفع بعدم دستورية نص المادتين (166، 167) من قانون الضرائب على الدخل، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع وصرحت له بجلسة 19/ 3/ 2001 برفع الدعوى الدستورية فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة (166) من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 157 لسنة 1981 معدلة بالقانون رقم 187 لسنة 1993 تنص على أن: - "يكون لمصلحة الضرائب حق توقيع حجز تنفيذي بقيمة ما يكون مستحقاً من الضرائب من واقع الإقرارات المقدمة من الممول إذا لم يتم أداؤها في المواعيد القانونية دون حاجة إلى إصدار ورد أو تنبيه بذلك ويكون إقرار الممول في هذه الحالة سند التنفيذ.
وللمصلحة أيضاً حق توقيع الحجز التنفيذي بقيمة المبالغ الإضافية للضريبة المنصوص عليها في المواد (92، 104، 121، 124، 152، 154) من هذا القانون وبقيمة الغرامات والتعويضات المنصوص عليها في المواد (186، 188، 189) من هذا القانون، وبقيمة المبالغ التي تنص المواد (10، 11، 12، 13، 14، 37، 38، 39، 40، 41، 41، 43، 44، 48، 63، 64، 70، 74، 76، 77، 78، 111 مكرراً) على حجزها وتوريدها للخزانة، إذا لم يقم الممول الملتزم بأداء المبالغ الإضافية للضريبة أو الملتزم بالتوريد بالأداء خلال المواعيد المحددة، ودون حاجة إلى إصدار ورد أو تنبيه بذلك.
ويصدر بقيمة ما لم يتم أداؤه في هذه المواعيد قرار إداري من الموظفين الذين من حقهم توقيع الأوراد ويكون هو سند التنفيذ.
ولا يخل توقيع الحجز التنفيذي المشار إليه في هذه المادة بحق مصلحة الضرائب في ربط الضرائب المستحقة".
وتنص المادة (167) على أن: - "يتبع في تحصيل الضرائب والمبالغ الأخرى المستحقة بمقتضى هذا القانون أحكام القانون رقم 308 لسنة 1955 بشأن الحجز الإداري والأحكام المنصوص عليها في هذا القانون".
وحيث إن المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية، أو تصوراتها المجردة. وهو كذلك يقيد تدخلها في تلك الخصومة القضائية، ويحدد نطاقها، فلا تمتد لغير المطاعن التي يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعي، وبالقدر اللازم للفصل فيه، ومؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير الأشخاص الذين ينالهم الضرر من جراء سريان النص المطعون فيه عليهم. ويتعين دوماً أن يكون هذا الضرر منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون عليه للدستور، مستقلاً بالعناصر التي يقوم عليها، ممكناً تحديده ومواجهته بالترضية القضائية لتسويته، عائداً في مصدره إلى النص المطعون عليه، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة. ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها، لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية، عما كان عليه قبلها.
وحيث إن وكيل المدعي أقر بجلستي التحضير المنعقدتين في 6/ 7 و3/ 8/ 2003 أمام هيئة المفوضين بالمحكمة أن الحجز الموقع على المدعي قد تم وفاء لدين الضريبة المستحق عليه عن نشاطه في التصرفات العقارية دون إضافة أية غرامات أو فوائد تأخير ومن ثم لا يكون للمدعي أية مصلحة في الطعن على الفقرة الثانية وما بعدها من فقرات المادة (166)، ويتحدد نطاق الدعوى الماثلة بالتالي بنص الفقرة الأولى من المادة المذكورة والمادة (167).
وحيث إن مناعي المدعي على المادة (166) قد اقتصرت على ما ورد بفقرتها الثانية - والتي تم استبعادها من نطاق هذه الدعوى - متعلقاً بجواز الحجز على أموال الممول بقيمة المبالغ الإضافية للضريبة والغرامات والتعويضات، الأمر الذي قدر المدعي مخالفته للعدالة الاجتماعية التي يقوم عليها النظام الضريبي وفقاً لحكم المادة (38) من الدستور. ولم تتضمن صحيفة الدعوى أو مذكرات المدعي أية مطاعن على حكم الفقرة الأولى من المادة المذكورة ومن ثم فإنه يتعين الحكم بعدم قبول الدعوى في شقها المتعلق بنص الفقرة الأولى من المادة (166) المشار إليها.
وحيث إن المدعي ينعى على نص المادة (167) فيما تضمنه من تخويل مصلحة الضرائب تحصيل دين الضريبة والمبالغ الأخرى بطريق الحجز الإداري، أنه يجعل من الدائن خصماً وحكماً في آن واحد بما يتعارض مع مبدأ خضوع الدولة للقانون، ويخل بحق كل مواطن في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي بالمخالفة لأحكام المادتين (65 و68) من الدستور.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه إذا كان الأصل المقرر في قانون المرافعات المدنية والتجارية أن التنفيذ جبراً على أموال المدين - بما له من آثار خطيرة عليه - لا يكون إلا بسند تنفيذي استظل به دائنه قبل التنفيذ ولم يبلغه إلا بطريق تحقق به دينه وصحته وصار حقيقة قانونية أو قضائية يجوز التنفيذ بمقتضاها، إلا أنه خروجاً على الأصل العام جاءت أحكام قانون الحجز الإداري رقم 308 لسنة 1955 بأوضاع استثنائية، منها أنها جعلت الأمر المكتوب الصادر من الوزير أو رئيس المصلحة أو المدير أو ممثل الشخص الاعتباري العام حسب الأحوال، أو من ينيبه كل من هؤلاء كتابة، معادلاً للسند التنفيذي الذي يجوز التنفيذ به وفقاً لأحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية، وهذا الاستثناء تبرره المصلحة العامة في أن تتوافر لدى أشخاص القانون العام وسائل ميسرة تمكنها من تحصيل حقوقها على النحو الذي يحقق سير المرافق العامة وانتظامها، وذلك دون إخلال بحق المدين المحجوز عليه في اللجوء للقضاء للمنازعة في أصل المبالغ المطلوبة أو في صحة إجراءات الحجز، أو باسترداد الأشياء المحجوزة، وفي هذه الحالة توقف بنص القانون - مادة (27) من قانون الحجز الإداري - إجراءات الحجز والبيع الإداريين إلى أن يفصل نهائياً في النزاع، ومن ثم فإن قانون الحجز الإداري وإن قرر امتيازاً لصالح أشخاص القانون العام حين جعل قرارها بوجود ديون تدعيها على آخرين يفيد أن قولها بثبوتها وتحديدها لمقدارها يعتبر سنداً تنفيذياً بها يغنيها عن اللجوء للقضاء لإثباتها، إلا أن هذا القول لا يخولها سوى ميزة أن يكون قرارها بالديون التي تطلبها من مدينيها سابقاً على التدليل عليها من جهتها، وناقلاً إليهم مهمة نفيها، وعليها في هذه الحالة الأخيرة إثبات صحة ما تدعيه في هذا الشأن بما لديها من وثائق ومستندات، حتى يتسنى لها المضي في إجراءات تحصيل هذه الديون، الأمر الذي لا يتعارض مع مبدأ خضوع الدولة للقانون وحق كل مواطن في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي.
وحيث إنه لما تقدم يغدو الطعن بعدم دستورية المادة (167) من قانون الضرائب على الدخل عارياً مما يسنده، جديراً بالرفض.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة: -
أولاً: بعدم قبول الدعوى بالنسبة لنص المادة (166) من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 157 لسنة 1981.
ثانياً: برفض الدعوى بالنسبة لنص المادة (167) من القانون المذكور وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

القضية 46 لسنة 23 ق جلسة 4 / 4 / 2004 دستورية عليا مكتب فني 11 ج 1 دستورية ق 96 ص 595

جلسة 4 إبريل سنة 2004

برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي - رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: علي عوض محمد صالح وإلهام نجيب نوار ومحمد عبد العزيز الشناوي وماهر سامي يوسف ومحمد خيري طه والدكتور عادل عمر شريف. وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما - رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

-----------------

قاعدة رقم (96)
القضية رقم 46 لسنة 23 قضائية "دستورية"

دعوى دستورية "حجية الحكم فيها - عدم قبول الدعوى".
سابقة الحكم برفض الطعن على دستورية النص الطعين - حجيته مطلقة. أثره: عدم قبول الدعوى.

------------------
سبق للمحكمة الدستورية العليا أن حسمت المسألة الدستورية المثارة في هذه الدعوى، بحكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 9/ 6/ 2002 في القضية رقم 148 لسنة 22 قضائية دستورية والذي قضى برفض الدعوى، وقد نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بتاريخ 20/ 6/ 2002، العدد 25 (تابع)، وكان مقتضى أحكام المادتين (48، 49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن يكون لقضاء هذه المحكمة في الدعاوى الدستورية حجية مطلقة في مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة، باعتباره قولاً فصلاً في المسألة المقضي فيها، وهي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو إعادة طرحه عليها من جديد، ومن ثم فإن الدعوى الراهنة تغدو غير مقبولة.


الإجراءات

بتاريخ الخامس والعشرين من شهر مارس سنة 2001، أودع المدعي بصفته صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، بطلب الحكم بعدم دستورية المادة (221) من قانون المرافعات فيما أغفلته من النص على عدم جواز استئناف الأحكام الصادرة بصفة انتهائية من محاكم الدرجة الأولى ولو كانت مبنية على الخطأ في تطبيق القانون.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعى عليهما الرابع والخامس كانا قد أقاما الدعوى رقم 18 لسنة 1999 مدني أمام محكمة إدفو الجزئية ضد المدعي بصفته، بطلب الحكم بإلزامه بأن يؤدي للرابع مبلغ 720.360 جنيهاً وللخامس مبلغ 1080.540 جنيهاً، قيمة المستحق لهما من زيادة أسعار تذاكر السفر بالسكك الحديدية عن الفترة من 15/ 4/ 1996 وحتى 15/ 9/ 1998. ندبت المحكمة خبيراً، وبعد أن قدم تقريره، حكمت في 23/ 9/ 2000 بطلباتهما. استأنف المدعي بصفته هذا الحكم بالاستئناف رقم 157 لسنة 2000 مدني مستأنف كوم امبو، وأثناء تداوله دفع بعدم دستورية المادة (221) من قانون المرافعات فيما تضمنته من عدم جواز الاستئناف في الأحكام الصادرة بصفة انتهائية من محاكم الدرجة الأولى ولو كانت مبنية على خطأ في تطبيق القانون، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعه وصرحت له بإقامة دعواه الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة (221) من قانون المرافعات تنص على أنه: - "يجوز استئناف الأحكام الصادرة بصفة انتهائية من محاكم الدرجة الأولى بسبب مخالفة قواعد الاختصاص المتعلقة بالنظام العام، أو وقوع بطلان في الحكم، أو بطلان في الإجراءات أثر في الحكم".
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكانت المصلحة في الدعوى الدستورية الراهنة - بقدر ارتباطها بالنزاع الموضوعي - إنما تنحصر في الفصل في دستورية الفقرة الأولى من المادة (221) من قانون المرافعات المار ذكرها، فيما لم تتضمنه من النص على عدم جواز استئناف الأحكام الصادرة من محاكم الدرجة الأولى بصفة انتهائية، حتى ولو كانت مبنية على خطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذه المحكمة سبق أن حسمت المسألة الدستورية المثارة في هذه الدعوى، بحكمها الصادر بجلسة 9/ 6/ 2002 في القضية رقم 148 لسنة 22 قضائية دستورية والذي قضى برفض الدعوى، وقد نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بتاريخ 20/ 6/ 2002، العدد 25 (تابع)، وكان مقتضى أحكام المادتين (48، 49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن يكون لقضاء هذه المحكمة في الدعاوى الدستورية حجية مطلقة في مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة، باعتباره قولاً فصلاً في المسألة المقضى فيها، وهي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو إعادة طرحه عليها من جديد، ومن ثم فإن الدعوى الراهنة تغدو غير مقبولة.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي بصفته المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

القضية 14 لسنة 23 ق جلسة 4 / 4 / 2004 دستورية عليا مكتب فني 11 ج 1 دستورية ق 95 ص 580

جلسة 4 إبريل سنة 2004

برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي - رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: حمدي محمد علي وأنور رشاد العاصي وإلهام نجيب نوار ومحمد خيري طه وسعيد مرعي عمرو والدكتور عادل عمر شريف وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما - رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

------------------

قاعدة رقم (95)
القضية رقم 14 لسنة 23 قضائية "دستورية"

(1) دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها".
المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسائل الدستورية، لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع.
(2) حق الملكية "تنظيمه".
الملكية - في إطار النظم الوضعية التي تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة - لم تعد حقاً مطلقاً، ولا هي عصية على التنظيم التشريعي، وليس لها من الحماية ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها، ومن ثم ساغ تحميلها بالقيود التي تتطلبها وظيفتها الاجتماعية.
(3) ملكية خاصة "حمايتها: تمتد إلى كل أشكالها".
الحماية التي فرضها الدستور للملكية الخاصة، تمتد إلى كل أشكالها، لتقيم توازناً دقيقاً بين الحقوق المتفرعة عنها والقيود التي يجوز فرضها عليه بما تقتضيه وظيفتها الاجتماعية.
(4) حرية التعاقد من صور الحرية الشخصية: -
حرية التعاقد قاعدة أساسية يقتضيها الدستور صوناً للحرية الشخصية وهي حرية التعاقد وثيقة الصلة بالحق في الملكية، وذلك بالنظر إلى الحقوق التي ترتبها العقود - المبنية على الإرادة الحرة - فيما بين أطرافها.
(5) عقد إيجار "تأقيته وتحديد الأجرة جزء لا يتجزأ من حق استغلال المالك لملكه".
مكنة استغلال الأعيان ممن يملكونها - من خلال عقود إيجارها مفروشة - إنما تعني حقهم في تحديد مدة العقد والأجرة، ليكون العقد وحدة – وباعتباره تصرفاً قانونياً وعملاً إرادياً - بديلاً عن التدخل التشريعي لتحديد هذه المدة وتلك الأجرة.
(6) تضامن اجتماعي "مؤداه".
التضامن الاجتماعي، يعني وحدة الجماعة في بنيانها، وتداخل مصالحها لا تصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، وترابط أفرادها فيما بينهم، فلا يكون بعضهم لبعض إلا ظهيراً، ولا يتناحرون طمعاً.
(7) مبدأ المساواة "تماثل المراكز القانونية لمؤجري الوحدات المفروشة".
مبدأ المساواة أمام القانون لا يعني معاملة المواطنين جميعاً وفق قواعد موحدة.
(8) دستورية التشريع "العبرة فيه بتوافق أو اختلاف نصوصه وأحكام الدستور ومقتضياتها".
إن العبرة في تقدير دستورية التشريع هي بتوافق أو اختلاف نصوصه وأحكام الدستور ومقتضياتها، فإذا ما قرر المشرع حقاً معيناً وجب عليه - وفقاً لمبدأي المساواة وصون الملكية الخاصة، وقد أنزلهما الدستور مكاناً عالياً - أن يضع القواعد التي تكفل المعاملة المتكافئة لأصحاب المراكز القانونية المتماثلة، مع عدم المساس بحماية الملكية الخاصة.

--------------------
1 - المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسائل الدستورية، لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان محور النزاع الموضوعي يدور حول أمرين متعارضين: -
أولهما: - حق المؤجرين في طرد المدعى عليه الخامس من عين النزاع - وهي مؤجرة له مفروشة لاستعمالها كمستشفى - لانتهاء مدة الإيجار.
ثانيهما: - حق المدعى عليه في الاستمرار في العين - رغم انتهاء المدة - بالشروط والأجرة المنصوص عليها في عقد الإيجار المفروش.
ومن ثم تتوافر للمدعين مصلحة في الطعن على نص المادة (16) سالفة الذكر، ويتحدد نطاقها فيما تضمنته هذه المادة من أحقية مستأجري المستشفيات وملحقاتها - في حالة تأجيرها لهم مفروشة - الاستمرار في العين بعد انتهاء المدة المتفق عليها بالشروط والأجرة المنصوص عليها في العقد.
2 - إن الملكية - في إطار النظم الوضعية التي تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة - لم تعد حقاً مطلقاً، ولا هي عصية على التنظيم التشريعي، وليس لها من الحماية ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها، ومن ثم ساغ تحميلها بالقيود التي تتطلبها وظيفتها الاجتماعية، وهي وظيفة لا يتحدد نطاقها من فراغ، ولا تفرض نفسها تحكماً، بل تمليها طبيعة الأموال محل الملكية، والأغراض التي ينبغي رصدها عليها، محددة على ضوء واقع اجتماعي معين، في بيئة بذاتها، لها مقوماتها وتوجهاتها.
3 - الحماية التي فرضها الدستور للملكية الخاصة، تمتد إلى كل أشكالها، لتقيم توازناً دقيقاً بين الحقوق المتفرعة عنها والقيود التي يجوز فرضها عليها، فلا ترهق هذه القيود تلك الحقوق لتنال من محتواها، أو تقلص دائرتها، لتغدو الملكية في واقعها شكلاً مجرداً من المضمون، وإطاراً رمزياً لحقوق لا قيمة لها عملاً، فلا تخلص لصاحبها، ولا يعود عليه ما يرجوه منها إنصافاً، بل تثقلها تلك القيود لتنوء بها، مما يخرجها عن دورها كقاعدة للثروة القومية التي لا يجوز استنزافها من خلال فرض قيود عليها لا تقتضيها وظيفتها الاجتماعية. وهو ما يعني أن الأموال بوجه عام، ينبغي أن توفر لها من الحماية أسبابها التي تعينها على التنمية، لتكون من روافدها، فلا يتسلط أغيار عليها انتهازاً أو إضراراً بحقوق الآخرين، متدثرين في ذلك بعباءة القانون، ومن خلال طرق احتيالية ينحرفون بها عن مقاصده، وأكثر ما يقع ذلك في مجال الأعيان المؤجرة، التي تمتد عقودها بقوة القانون دون ما ضرورة وبذات شروطها، مما يحيل الانتفاع بها إرثاً لغير من يملكونها، يتعاقبون عليها، جيلاً بعد جيل، لتؤول حقوقهم في شأنها إلى نوع الحقوق العينية التي تخول أصحابها سلطة مباشرة على شيء معين، وهو ما يعدل انتزاع الأعيان المؤجرة من ذويها على وجه التأييد.
4 - حرية التعاقد قاعدة أساسية يقتضيها الدستور صوناً للحرية الشخصية، التي لا يقتصر ضمانها على تأمينها ضد صور العدوان على البدن، بل تمتد حمايتها إلى أشكال متعددة من إرادة الاختيار وسلطة التقرير التي ينبغي أن يملكها كل شخص، فلا يكون بها كائناً يُحمل على ما لا يرضاه.
وحرية التعاقد فوق كونها من الخصائص الجوهرية للحرية الشخصية، فهي كذلك وثيقة الصلة بالحق في الملكية، وذلك بالنظر إلى الحقوق التي ترتبها العقود - المبنية على الإرادة الحرة - فيما بين أطرافها؛ بيد أن هذه الحرية - التي لا يكفلها انسيابها دون عائق، ولا جرفها لكل قيد عليها، ولا علوها على مصالح ترجحها، وإنما يدنيها من أهدافها قدر من التوازن بين جموحها وتنظيمها - لا تعطلها تلك القيود التي تفرضها السلطة التشريعية عليها بما يحول دون انفلاتها من كوابحها. ويندرج تحتها أن يكون تنظيمها لأنواع من العقود محدداً بقواعد آمرة تحيط ببعض جوانبها، غير أن هذه القيود لا يسعها أن تدهم الدائرة التي تباشر فيها الإرادة سلطانها، ولا أن تخلط بين المنفعة الشخصية التي يجنيها المستأجر من عقد الإيجار - والتي انصرفت إليها إرادة المالك عند التأجير - وبين حق الانتفاع كأحد الحقوق العينية المتفرعة عن الملكية.
5 - عقد الإيجار مفروشاً - بطبيعته - عقداً مؤقتاً، ينتهي بانتهاء المدة المحددة فيه، فلا يمتد بعد انتهاء تلك المدة بغير موافقة المالك، وبالمخالفة لشرط اتصل بإجارة أبرمها المالك والمستأجر معاً، صريحاً كان هذا الشرط أم ضمنياً. إذ أن مكنة استغلال الأعيان ممن يملكونها - من خلال عقود إيجارها مفروشة - إنما تعني حقهم في تحديد مدة العقد والأجرة ليكون العقد وحده - وباعتباره تصرفاً قانونياً وعملاً إرادياً - بديلاً عن التدخل التشريعي لتحديد هذه المدة وتلك الأجرة. إذ أن كلاً من تأقيت العقد وتحديد الأجرة جزء لا يتجزأ من حق الاستغلال الذي يباشرونه أصلاً عليها، وكان من المقرر أن لحقوق الملكية - بكامل عناصرها - قيماً مالية يجوز التعامل فيها، وكان الأصل أن يظل مؤجر العين متصلاً بها فلا يعزل عنها من خلال سلطة مباشرة، يمارسها آخرون عليها بناءً على نص في القانون، فإن هذا النص يكون مهدراً حق الملكية، متضمناً عدواناً على الحدود المنطقية التي تعمل الإرادة الحرة في نطاقها، والتي لا تستقيم الحرية الشخصية - في صحيح بنيانها - بفواتها، فلا تكون الإجارة إلا إملاءً يناقض أسسها.
6 - مقتضى ما نص عليه الدستور في المادة (7) من قيام المجتمع على أساس من التضامن الاجتماعي، يعني وحدة الجماعة في بنيانها، وتداخل مصالحها لا تصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، وترابط أفرادها فيما بينهم، فلا يكون بعضهم لبعض إلا ظهيراً، ولا يتناحرون طمعاً، وهم بذلك شركاء في مسئوليتهم عن حماية تلك المصالح، لا يملكون التنصل منها أو التخلي عنها، وليس لفريق منهم أن يتقدم على غيره انتهازاً، ولا أن ينال قدراً من الحقوق يكون بها - عدواناً - أكثر علواً، وإنما تتضافر جهودهم وتتوافق توجهاتهم، لتكون لهم الفرص ذاتها، التي تقيم لمجتمعاتهم بنيانها الحق، وتتهيأ معها تلك الحماية التي ينبغي أن يلوذ بها ضعفاؤهم ليجدوا في كنفها الأمن والاستقرار.
7 - مبدأ المساواة أمام القانون لا يعني معاملة المواطنين جميعاً وفق قواعد موحدة، ذلك أن التنظيم التشريعي قد ينطوي على تقسيم أو تصنيف أو تمييز سواء من خلال الأعباء التي يلقيها على البعض أو من خلال المزايا التي يمنحها لفئة دون غيرها، إلا أن مناط دستورية هذا التنظيم ألا تنفصل نصوصه التي ينظم بها المشرع موضوعاً معيناً عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التي توخى تحقيقها بالوسائل التي لجأ إليها منطقياً وليس واهياً أو واهناً أو منتحلاً، بما يخل بالأسس التي يقوم عليها التمييز المبرر دستورياً، ومن ثم فإذا ما قام التماثل في المراكز القانونية التي تنتظم بعض فئات المواطنين، وتساويهم بالتالي في العناصر التي تكونها، استوجب ذلك وحدة القاعدة القانونية التي ينبغي تطبيقها في حقهم، فإن خرج المشرع عن ذلك سقط في حمأة المخالفة الدستورية، سواء كان خروجه هذا مقصوداً أو وقع عرضاً.
8 - العبرة في تقدير دستورية التشريع هي بتوافق أو اختلاف نصوصه وأحكام الدستور ومقتضياتها، فإذا ما قرر المشرع حقاً معيناً وجب عليه - وفقاً لمبدأي المساواة وصون الملكية الخاصة، وقد أنزلهما الدستور مكاناً عالياً - أن يضع القواعد التي تكفل المعاملة المتكافئة لأصحاب المراكز القانونية المتماثلة، مع عدم المساس بحماية الملكية الخاصة. وسبيله إلى ذلك الأداة التشريعية الملائمة وإنفاذها من التاريخ المناسب، فلا يسوغ له - من زاوية دستورية - أن يعطى هذا الحق لفئة دون أخرى من ذوي المراكز المتحدة في أركانها وعناصرها، أو أن يعتدي على الملكية الخاصة، فالدستور يسمو ولا يٌسمى عليه، فإذا كان مقتضاه فتح باب إلى حق امتنع على المشرع أن يمنحه لبعض مستحقيه ويقبضه عن البعض الآخر.


الإجراءات

بتاريخ الثالث من فبراير سنة 2001، أودع المدعون قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة، طلباً للحكم بعدم دستورية نص المادة (16) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.
قدمت هيئة قضايا الدولة كما قدم المدعى عليه الخامس مذكرة طلبا فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى، وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعين أقاموا الدعوى رقم 3739 لسنة 2000 كلي إيجارات شمال القاهرة، ضد المدعى عليه الخامس، بطلب الحكم بإنهاء عقد الإيجار المفروش المبرم بينهم، عن الفيلا الكائنة بالعقار رقم 7 شارع أحمد صبري بالزمالك لاستعمالها كمستشفى، مع الحكم بإخلائه منها، وتسليمها لهم خالية من الأشخاص والمنقولات غير الواردة بالعقد، مع تكليفه بسداد مقابل الانتفاع اعتباراً من تاريخ رفع الدعوى استناداً إلى أن العقد مفروش، وبقيمة إيجارية قدرها خمسمائة جنيه شهرياً، ونظراً لعدم رغبة المدعين في تجديد العقد المفروش، فقد أنذروا المدعى عليه بذلك، فرد على هذا الإنذار بأن المادة (16) من القانون رقم 136 لسنة 1981 تفيد امتداد عقد إيجار المستشفيات المفروش، فأقام المدعون الدعوى المشار إليها، وأثناء نظرها، دفعوا بجلسة 4/ 1/ 2001 بعدم دستورية نص المادة آنفة البيان. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وصرحت لهم برفع الدعوى الدستورية، فقد أقاموا الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة (16) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر تنص على أنه "يحق لمستأجري المدارس والأقسام الداخلية لإيواء الدارسين بها، والمستشفيات وملحقاتهما، في حالة تأجيرها لهم مفروشة، الاستمرار في العين، ولو انتهت المدة المتفق عليها، وذلك بالشروط والأجرة المنصوص عليها في العقد".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسائل الدستورية، لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان محور النزاع الموضوعي يدور حول أمرين متعارضين: -
أولهما: - حق المؤجرين في طرد المدعى عليه الخامس من عين النزاع - وهي مؤجرة له مفروشة لاستعمالها كمستشفى - لانتهاء مدة الإيجار.
ثانيهما: - حق المدعى عليه في الاستمرار في العين - رغم انتهاء المدة - بالشروط والأجرة المنصوص عليها في عقد الإيجار المفروش.
ومن ثم تتوافر للمدعين مصلحة في الطعن على نص المادة (16) سالفة الذكر، ويتحدد نطاقها فيما تضمنته هذه المادة من أحقية مستأجري المستشفيات وملحقاتها - في حالة تأجيرها لهم مفروشة - الاستمرار في العين بعد انتهاء المدة المتفق عليها بالشروط والأجرة المنصوص عليها في العقد.
وحيث إن المدعين ينعون على النص المطعون عليه - في النطاق المحدد سلفاً - مخالفته أحكام المواد (2، 7، 32، 34، 40) من الدستور، ذلك أنه أخل بالحماية التي كفلها الدستور والشريعة الإسلامية لحق الملكية، وأهمل حقوق المؤجر في غير ضرورة، بأن أعرض عنها مضحياً بها مغلباً عليها حقوق المستأجر، كافلاً استمراره في العين بعد انتهاء المدة المتفق عليها، فارضاً على المؤجر ثبات الأجرة المنصوص عليها في العقد. كذلك أخل النص المطعون فيه بمبدأ المساواة أمام القانون، حين مايز بين فئتين من المؤجرين على غير أسس موضوعية، فبينما قضى باستمرار مستأجري المستشفيات وملحقاتها في العين في حالة تأجيرها لهم مفروشة بذات الشروط والأجرة المنصوص عليها في العقد بعد انتهاء مدته، بما يمثل عبئاً ثقيلاً على مؤجريها، منح مؤجري غير المستشفيات مفروشاً ميزة انتهاء عقد إيجارها بانتهاء مدته إعمالاً للقواعد العامة، كما أهدر التضامن الاجتماعي بين فئتي المؤجرين والمستأجرين.
وحيث إن الملكية - في إطار النظم الوضعية التي تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة - لم تعد حقاً مطلقاً، ولا هي عصية على التنظيم التشريعي، وليس لها من الحماية ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها، ومن ثم ساغ تحميلها بالقيود التي تتطلبها وظيفتها الاجتماعية، وهي وظيفة لا يتحدد نطاقها من فراغ، ولا تفرض نفسها تحكماً، بل تمليها طبيعة الأموال محل الملكية، والأغراض التي ينبغي رصدها عليها، محددة على ضوء واقع اجتماعي معين، في بيئة بذاتها، لها مقوماتها وتوجهاتها.
وحيث إن الحماية التي فرضها الدستور للملكية الخاصة، تمتد إلى كل أشكالها، لتقيم توازناً دقيقاً بين الحقوق المتفرعة عنها والقيود التي يجوز فرضها عليها، فلا ترهق هذه القيود تلك الحقوق لتنال من محتواها، أو تقلص دائرتها، لتغدو الملكية في واقعها شكلاً مجرداً من المضمون، وإطاراً رمزياً لحقوق لا قيمة لها عملاً، فلا تخلص لصاحبها، ولا يعود عليه ما يرجوه منها إنصافاً، بل تثقلها تلك القيود لتنوء بها، مما يخرجها عن دورها كقاعدة للثروة القومية التي لا يجوز استنزافها من خلال فرض قيود عليها لا تقتضيها وظيفتها الاجتماعية. وهو ما يعني أن الأموال بوجه عام، ينبغي أن توفر لها من الحماية أسبابها التي تعينها على التنمية، لتكون من روافدها، فلا يتسلط أغيار عليها انتهازاً أو إضراراً بحقوق الآخرين، متدثرين في ذلك بعباءة القانون، ومن خلال طرق احتيالية ينحرفون بها عن مقاصده، وأكثر ما يقع ذلك في مجال الأعيان المؤجرة، التي تمتد عقودها بقوة القانون دون ما ضرورة وبذات شروطها، مما يحيل الانتفاع بها إرثاً لغير من يملكونها، يتعاقبون عليها، جيلاً بعد جيل، لتؤول حقوقهم في شأنها إلى نوع الحقوق العينية التي تخول أصحابها سلطة مباشرة على شيء معين، وهو ما يعدل انتزاع الأعيان المؤجرة من ذويها على وجه التأييد.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى أيضاً على أن حرية التعاقد قاعدة أساسية يقتضيها الدستور صوناً للحرية الشخصية، التي لا يقتصر ضمانها على تأمينها ضد صور العدوان على البدن، بل تمتد حمايتها إلى أشكال متعددة من إرادة الاختيار وسلطة التقرير التي ينبغي أن يملكها كل شخص، فلا يكون بها كائناً يُحمل على ما لا يرضاه.
وحيث إن حرية التعاقد - بهذه المثابة - فوق كونها من الخصائص الجوهرية للحرية الشخصية، فهي كذلك وثيقة الصلة بالحق في الملكية، وذلك بالنظر إلى الحقوق التي ترتبها العقود - المبنية على الإرادة الحرة - فيما بين أطرافها؛ بيد أن هذه الحرية - التي لا يكفلها انسيابها دون عائق، ولا جرفها لكل قيد عليها، ولا علوها على مصالح ترجحها، وإنما يدنيها من أهدافها قدر من التوازن بين جموحها وتنظيمها - لا تعطلها تلك القيود التي تفرضها السلطة التشريعية عليها بما يحول دون انفلاتها من كوابحها. ويندرج تحتها أن يكون تنظيمها لأنواع من العقود محدداً بقواعد آمرة تحيط ببعض جوانبها، غير أن هذه القيود لا يسعها أن تدهم الدائرة التي تباشر فيها الإرادة سلطانها، ولا أن تخلط بين المنفعة الشخصية التي يجنيها المستأجر من عقد الإيجار - والتي انصرفت إليها إرادة المالك عند التأجير - وبين حق الانتفاع كأحد الحقوق العينية المتفرعة عن الملكية.
وحيث إن النص المطعون فيه - باعتباره واقعاً في إطار القيود الاستثنائية التي نظم بها المشرع العلائق الإيجارية - قد فرض - دون ما ضرورة - على مؤجري المستشفيات وملحقاتها - في حالة تأجيرها مفروشة - امتداداً قانونياً لعقد إجارتها، إذ خول مستأجريها الاستمرار في العين بعد انتهاء المدة المتفق عليها، وبذات الشروط والأجرة المنصوص عليها في العقد، مستهدفاً بذلك إسقاط موافقة المالك على هذا الاستمرار. وكان عقد الإيجار مفروشاً - بطبيعته - عقداً مؤقتاً، ينتهي بانتهاء المدة المحددة فيه، فلا يمتد بعد انتهاء تلك المدة بغير موافقة المالك، وبالمخالفة لشرط اتصل بإجارة أبرمها المالك والمستأجر معاً، صريحاً كان هذا الشرط أم ضمنياً. إذ أن مكنة استغلال الأعيان ممن يملكونها - من خلال عقود إيجارها مفروشة - إنما تعني حقهم في تحديد مدة العقد والأجرة ليكون العقد وحده - وباعتباره تصرفاً قانونياً وعملاً إرادياً - بديلاًٍ عن التدخل التشريعي لتحديد هذه المدة وتلك الأجرة. إذ أن كلاً من تأقيت العقد وتحديد الأجرة جزء لا يتجزأ من حق الاستغلال الذي يباشرونه أصلاً عليها. وكان من المقرر أن لحقوق الملكية - بكامل عناصرها - قيماً مالية يجوز التعامل فيها، وكان الأصل أن يظل مؤجر العين متصلاً بها فلا يعزل عنها من خلال سلطة مباشرة، يمارسها آخرون عليها بناءً على نص في القانون، فإن هذا النص يكون مهدراً حق الملكية، متضمناً عدواناً على الحدود المنطقية التي تعمل الإرادة الحرة في نطاقها، والتي لا تستقيم الحرية الشخصية - في صحيح بنيانها - بفواتها، فلا تكون الإجارة إلا إملاءً يناقض أسسها.
وحيث إن مقتضى ما نص عليه الدستور في المادة (7) من قيام المجتمع على أساس من التضامن الاجتماعي، يعني وحدة الجماعة في بنيانها، وتداخل مصالحها لا تصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، وترابط أفرادها فيما بينهم، فلا يكون بعضهم لبعض إلا ظهيراً، ولا يتناحرون طمعاً، وهم بذلك شركاء في مسئوليتهم عن حماية تلك المصالح، لا يملكون التنصل منها أو التخلي عنها، وليس لفريق منهم أن يتقدم على غيره انتهازاً، ولا أن ينال قدراً من الحقوق يكون بها - عدواناً - أكثر علواً، وإنما تتضافر جهودهم وتتوافق توجهاتهم، لتكون لهم الفرص ذاتها، التي تقيم لمجتمعاتهم بنيانها الحق، وتتهيأ معها تلك الحماية التي ينبغي أن يلوذ بها ضعفاؤهم ليجدوا في كنفها الأمن والاستقرار.
وحيث إن النص المطعون فيه، ليس إلا حلقة في اتجاه عام تبناه المشرع أمداً طويلاً في إطار من مفاهيم، تمثل ظلماً لمؤجرين ما برح المستأجرون يرجحون عليهم مصالحهم، متدثرين في ذلك بعباءة قوانين استثنائية، جاوز واضعوها بها حدود الاعتدال، فلا يكون مجتمعهم معها إلا متحيفاً حقوقاً ما كان يجوز الإضرار بها، نائياً بالإجارة "مفروشاً" عن حدود متطلباتها، وعلى الأخص ما تعلق منها بتعاون طرفيها اقتصادياً واجتماعياً، حتى لا يكون صراعهما - بعد الدخول في الإجارة - إطاراً لها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أنه وإن كان مبدأ المساواة أمام القانون لا يعني معاملة المواطنين جميعاً وفق قواعد موحدة، ذلك أن التنظيم التشريعي قد ينطوي على تقسيم أو تصنيف أو تمييز سواء من خلال الأعباء التي يلقيها على البعض أو من خلال المزايا التي يمنحها لفئة دون غيرها، إلا أن مناط دستورية هذا التنظيم ألا تنفصل نصوصه التي ينظم بها المشرع موضوعاً معيناً عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التي توخي تحقيقها بالوسائل التي لجأ إليها منطقياً وليس واهياً أو واهناً أو منتحلاً، بما يخل بالأسس التي يقوم عليها التمييز المبرر دستورياً، ومن ثم فإذا ما قام التماثل في المراكز القانونية التي تنتظم بعض فئات المواطنين، وتساويهم بالتالي في العناصر التي تكونها، استوجب ذلك وحدة القاعدة القانونية التي ينبغي تطبيقها في حقهم، فإن خرج المشرع عن ذلك سقط في حمأة المخالفة الدستورية، سواء كان خروجه هذا مقصوداً أو وقع عرضاً.
وحيث إن من المقرر أن العبرة في تقدير دستورية التشريع هي بتوافق أو اختلاف نصوصه وأحكام الدستور ومقتضياتها، فإذا ما قرر المشرع حقاً معيناً وجب عليه وفقاً لمبدأي المساواة وصون الملكية الخاصة، وقد أنزلهما الدستور - مكاناً عالياً - أن يضع القواعد التي تكفل المعاملة المتكافئة لأصحاب المراكز القانونية المتماثلة، مع عدم المساس بحماية الملكية الخاصة. وسبيله إلى ذلك الأداة التشريعية الملائمة وإنفاذها من التاريخ المناسب، فلا يسوغ له - من زاوية دستورية - أن يعطى هذا الحق لفئة دون أخرى من ذوي المراكز المتحدة في أركانها وعناصرها، أو أن يعتدي على الملكية الخاصة، فالدستور يسمو ولا يٌسمى عليه، فإذا كان مقتضاه فتح باب إلى حق امتنع على المشرع أن يمنحه لبعض مستحقيه ويقبضه عن البعض الآخر.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وإذ تماثلت المراكز القانونية لمؤجري الوحدات المفروشة جميعهم في علاقتهم بمستأجريها، وكان المشرع في النص الطعين قد عمد إلى تقرير معاملة متميزة لمستأجري المستشفيات وملحقاتها، تتمخض في الوقت ذاته عن عبء يثقل كاهل مؤجريها وينال من ملكيتهم، بأن قرر - استثناءً من القواعد العامة في إنهاء عقود الإيجار المفروش بانتهاء مدتها - امتداداً قانونياً لتلك العقود بذات الشروط والأجرة المنصوص عليها في العقد، دون أن يستند في ذلك إلى أسس موضوعية ترتد إلى طبيعة العلاقة الإيجارية للأماكن المفروشة، فإنه ينحل - والحالة هذه - إلى تمييز تحكمي يحظره الدستور. إذ أن الحماية التي أظل بها الدستور الملكية الخاصة لضمان صونها من العدوان عليها، وفقاً لنص المادة (34) منه، تمتد إلى الأموال جميعها دون تمييز بينها.
وحيث إنه لما تقدم، يكون النص المطعون فيه مخالفاً للمواد (7، 32، 34، 40، 41) من الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة (16) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فيما نصت عليه من أحقية مستأجري المستشفيات وملحقاتها، في حالة تأجيرها مفروشة، في الاستمرار في العين، ولو انتهت المدة المتفق عليها، وذلك بالشروط والأجرة المنصوص عليها في العقد، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.