باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من أكتوبر سنة 2025م، الموافق الثاني عشر من ربيع الآخر سنة 1447ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وصلاح محمد الرويني ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 134 لسنة 38 قضائية "دستورية".
المقامة من
1- خيري عبد المجيد ضيف محمد جمعة
2- ناجي محمد عبد القادر مجاهد
ضد
أولًا- رئيس الجمهورية
ثانيًا- رئيس مجلس الوزراء
ثالثًا– عرابي البدري البدري عكر
رابعًا– ورثة/ حياة محمود عبد الله أبو شادي، وهم:
1- محمد عبد الفتاح عبد الحميد عبد الرؤوف
2- أحمد عبد الفتاح عبد الحميد عبد الرؤوف
3- دعاء عبد الفتاح عبد الحميد عبد الرؤوف
4- عبير عبد الفتاح عبد الحميد عبد الرؤوف
------------------
الإجراءات
بتاريخ الثامن والعشرين من ديسمبر سنة 2016، أودع المدعيان صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبين الحكم بعدم دستورية نص المادة (26) من قانون السجل العيني، الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 142 لسنة 1964 بنظام السجل العيني، وذلك فيما تضمنه من أنه "ويترتب على عدم القيد أن الحقوق المشار إليها لا تنشأ ولا تنتقل ولا تتغير ولا تزول لا بين ذوي الشأن ولا بالنسبة إلى غيرهم.
ولا يكون للتصرفات غير المقيدة من الأثر سوى الالتزامات الشخصية بين ذوي الشأن".
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم، أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها، ودفعت بانقطاع سير الخصومة لوفاة المدعي الأول.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قدم الحاضر عن المدعى عليهم رابعًا حافظة مستندات، حوت شهادة وفاة السيدة/ عبير عبد الفتاح عبد الحميد عبد الرؤوف، وطلب الحكم برفض الدعوى، وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
----------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل –على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق– في أن المدعى عليه ثالثًا ومورثة المدعى عليهم رابعًا أقاما الدعوى التي آل قيدها أمام محكمة كفر الزيات الكلية برقم 591 لسنة 2013 مدني كلي، ضد المدعيين وآخرين، طلبًا للحكم، أولًا: بطردهم من قطعة الأرض الزراعية المبينة بالأوراق، للغصب، وإلزامهم بتسليمها إليهما خالية من الأشخاص والشواغل، ثانيًا: بإلزامهم بالتضامن بأداء مقابل الريع المستحق عن الانتفاع بتلك الأرض، ثالثًا: بإلزامهم بنقل بيانات الحيازة الزراعية للأرض محل التداعي وقيدها باسميهما، وذلك على سند من أنهما يمتلكان أرض النزاع، التي آلت إليهما على النحو الموضح لدى السجل العيني بالشراء من آخرين، وذلك بموجب عقدي البيع الرسميين الموثقين رقمي 751/ب لسنة 2011 توثيق بسيون، المؤرخ 6/4/2011، و699/أ لسنة 2011 توثيق بسيون، المؤرخ 21/4/2011، إلا أنه حال تسلمهما تلك الأرض فوجئا بوضع يد المدعيين عليها، وقيامهما بغصبها دون سند قانوني أو اتفاقي؛ الأمر الذي حدا بهما إلى إقامة دعواهما بطلباتهما سالفة البيان. وحال نظر الدعوى دفع المدعيان بعدم دستورية المادة (26) من قانون السجل العيني الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 142 لسنة 1964. وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت للمدعيين برفع الدعوى الدستورية؛ فأقاما الدعوى المعروضة.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بانقطاع سير الخصومة في الدعوى لوفاة المدعي الأول، فمردود بأن المادة (28) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 تنص على أن "تسري على قرارات الإحالة والدعاوى والطلبات التي تقدم إلى المحكمة الأحكام المقررة في قانون المرافعات المدنية والتجارية بما لا يتعارض وطبيعة اختصاص المحكمة والأوضاع المقررة أمامها". ولما كانت المادة (130) من قانون المرافعات المدنية والتجارية تنص على أن "ينقطع سير الخصومة بحكم القانون بوفاة أحد الخصوم، أو بفقده أهلية الخصومة، أو بزوال صفة من كان يباشر الخصومة عنه من الغائبين إلا إذا كانت الدعوى قد تهيأت للحكم في موضوعها ......". ولما كان انقطاع سير الخصومة في الدعوى هو وقف السير فيها بقوة القانون لتصدع ركنها الشخصي، أي بسبب تغيير طرأ على حالة أو مركز أطرافها يؤثر في صحة الإجراءات، فالخصومة لا تنشأ أساسًا إلا بين طرفيها من الأحياء، وإذا بدأت صحيحة من حيث أطرافها وحدث في أثناء سيرها ما من شأنه أن يقضي على أحدهما بوفاته، فإن استمرار الخصومة بعد ذلك يعني استمرارها من طرف واحد وليس من طرفين؛ الأمر الذي تأباه الخصومة وطبيعتها وتنظيمها القانوني، فانقطاع سير الخصومة يستهدف كفالة حقوق الدفاع؛ لأنه يترتب على وفاة الخصم عجزه عن مباشرة حقه في الدفاع، لذلك ينقطع سير الخصومة في الدعوى حتى يقوم مقامه فيها من يمكنه مباشرة حق الدفاع، ومن ثم تتحقق المواجهة بين الخصوم، ولا نكون بصدد خصم واحد فقط في الخصومة، بل تستكمل الخصومة عنصرها الشخصي الذي تصدع نتيجة وفاة الخصم، ولا كذلك الحال حين يتعدد المدعون أو المدعى عليهم في الدعوى الدستورية ويتوفى أحدهم في أثناء سيرها؛ ذلك أن انقطاع سير الخصومة في هذه الحالة يتحقق في مواجهته فقط، وتمضي الدعوى في سيرها بالنسبة إلى باقي الخصوم، فلا تنقطع بالنسبة إليهم، وذلك مراعاة للطبيعة العينية للدعوى الدستورية، التي يكون إبطال النص التشريعي هو موضوعها، فتظل هذه المحكمة مدعوة للفصل في دستورية النص، ما دام باقي الخصوم لم يتحقق في شأنهم سبب من أسباب انقطاع سير الخصومة. لما كان ما تقدم، وكان الثابت بالأوراق وفاة المدعي الأول، وكذلك مورثة المدعى عليهم رابعًا، فإن الخصومة تنقطع بالنسبة إليهما دون باقي الخصوم، وهو ما تقضي به المحكمة دون النص عليه في المنطوق.
وحيث إن المادة (26) من قانون السجل العيني الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 142 لسنة 1964 بنظام السجل العيني تنص على أن "جميع التصرفات التي من شأنها إنشاء حق من الحقوق العينية العقارية الأصلية أو نقله أو تغييره أو زواله وكذلك الأحكام النهائية المثبتة لشيء من ذلك يجب قيدها في السجل العيني. ويدخل في هذه التصرفات الوقف والوصية.
ويترتب على عدم القيد أن الحقوق المشار إليها لا تنشأ ولا تنتقل ولا تتغير ولا تزول لا بين ذوي الشأن ولا بالنسبة إلى غيرهم.
ولا يكون للتصرفات غير المقيدة من الأثر سوى الالتزامات الشخصية بين ذوي الشأن".
وحيث إنه من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن المصلحة الشخصية المباشرة –وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية– مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية مؤثرًا في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع يدور حول مطالبة المدعى عليهم ثالثًا ورابعًا بطرد المدعيين من أرض النزاع للغصب، اللذين دفعا تلك الدعوى بتملكهما الأرض ذاتها بموجب عقد البيع الابتدائي المعقود مع البائع الأصلي، بالرغم من عدم قيده بالسجل العيني؛ ومن ثم فإن المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى المعروضة تتحقق فيما تضمنته الفقرتان الثانية والثالثة من المادة (26) من قانون السجل العيني سالف البيان من أنه "يترتب على عدم قيد عقود بيع العقارات بالسجل العيني، وكذلك الأحكام النهائية المثبتة لها، ألا ينشأ ولا ينتقل ولا يتغير ولا يزول حق ملكية العقار المبيع لا بين ذوي الشأن ولا بالنسبة إلى غيرهم، ولا يكون لعقود بيع العقارات غير المقيدة بالسجل العيني من أثر سوى الالتزامات الشخصية بين ذوي الشأن".
وحيث إن المدعي ينعى على نص الفقرتين المطعون عليهما، في النطاق سالف التحديد، مخالفتهما نص المادة (35) من الدستور التي تحمي الملكية الخاصة، وذلك بإهدارهما حجية عقد البيع غير المقيد بالسجل العيني بين أطرافه وفي مواجهة الغير، فضلًا عن تعارضهما مع نصوص المواد (81 و135 و418 و466) من القانون المدني.
وحيث إنه عن النعي بتعارض النصين المطعون عليهما مع أحكام القانون المدني، فمردود بأن الرقابة القضائية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا في شأن دستورية النصوص التشريعية، مناطها مخالفة تلك النصوص لقاعدة تضمنها الدستور، ولا شأن لها بالتعارض بين نصين قانونيين جمعهما قانون واحد أو تفرقا بين قانونين مختلفين، ما لم يكن هذا التعارض منطويًا –بذاته– على مخالفة دستورية؛ مما يتعين معه الالتفات عن هذا النعي.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه يتعين تفسير النصوص التشريعية التي تنظم مسألة معينة بافتراض العمل بها في مجموعها، وأنها لا تتعارض أو تتهادم فيما بينها، وإنما تتكامل في إطار الوحدة العضوية التي تنتظمها من خلال التوفيق بين مجموع أحكامها، باعتبار أنها متآلفة فيما بينها، لا تتماحى معانيها، وإنما تتضافر توجهاتها، تحقيقًا للأغراض النهائية، والمقاصد الكلية التي تجمعها؛ ذلك أن السياسة التشريعية لا يحققها إلا التطبيق المتكامل لتفاصيل أحكامها، دون اجتزاء جزء منها ليطبق دون الجزء الآخر؛ لما في ذلك من إهدار للغاية التي توخاها المشرع من ذلك التنظيم.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة –أيضًا– أن الأصل في النصوص القانونية هو ارتباطها بأهدافها، باعتبارها وسائل صاغها المشرع لتحقيقها؛ فمن ثم يتعين لاتفاق التنظيم التشريعي مع الدستور أن تتوافر علاقة منطقية بين الأغراض المشروعة التي اعتنقها المشرع في موضوع محدد، وفاءً لمصلحة عامة لها اعتبارها، وبين الوسائل التي انتهجها طريقًا لبلوغها، فلا تنفصل النصوص القانونية التي نظم بها المشرع هذا الموضوع عن أهدافها، بل يتعين أن تكون مدخلًا إليها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أن الأصل في سلطة المشرع، في مجال تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط تحد من إطلاقها، وتقيم لها تخومها التي لا يجوز اقتحامها. وحيث إن الدستور يكفل للحقوق التي نص عليها الحماية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية، وكان الأصل في النصوص القانونية هو ارتباطها عقلًا بأهدافها باعتبارها وسائل صاغها المشرع لتحقيقها.
وحيث إن الشهر –وكلما كان شخصيًّا– لا يحيط بكل صور التعامل التي يكون العقار محلها، وإنما تسجل الحقوق المشهرة وفقًا لأسماء أصحابها التي قد تختلط فيما بينها بالنظر إلى تشابهها، وكثيرًا ما يكون العقار الواحد محلًّا لأكثر من علاقة قانونية لا يتحد أطرافها، فلا تُرصد في صحيفة واحدة تجمعها، وإنما تتفرق مواضعها في السجل، فلا تسهل معرفتها، كذلك فإن تسجيل الأعمال القانونية التي يكون من شأنها إنشاء الحقوق العينية العقارية الأصلية أو نقلها أو تغييرها أو زوالها، لا يطهرها من عيوبها، كلما كان الشهر شخصيًّا، ولا يحول دون الطعن عليها والنزاع في شأن صحتها، بما يخل بالحماية الواجبة لكل ذي شأن فيها.
ولا كذلك أن يكون السجل عينيًّا، متطلبًا قيد الحقوق العينية الأصلية المتعلقة بالعقار الواحد، وكذلك ما اتصل بهذا العقار من الحقوق العينية التبعية، فضلًا عن التصرفات والأحكام النهائية المقررة لحق من الحقوق العينية الأصلية، في صحيفة واحدة تجمعها، تتضمن وصفًا للعقار من حيث أبعاده وحدوده وطبيعته، وما تعلق به من صور التعامل على اختلافها، وما نشأ أو ارتبط بها من الحقوق العينية وأصحابها، فلا يكون قيد هذه الحقوق في السجل إلا لإثباتها بصورة مطلقة، ضمانًا لاستقرار أوضاعها، وبما يطهرها من عيوبها أيًّا كان نوعها أو مداها.
وحيث إن القوة المطلقة للقيود التي يثبتها السجل العيني في صحائفه وفقًا لأحكامه، وإن كانت جوهر نظامه، ولا يتصور أن يوجد هذا السجل بدونها، ولو كان هذا القيد قد تم خلافًا للحقيقة، فإن شرط إجراء القيد -وعلى ما تنص عليه المادة الحادية عشرة من قانون السجل العيني - هو أن تكون الحقوق العينية التي يثبتها القيد في صحائفه، قد أنشأتها أو قررتها أسباب كسبها، تقديرًا بأن أسبابها هذه تمثل روافدها التي لا يتصور أن يتجاهلها هذا السجل، شأنها في ذلك شأن مصادر الحقوق الشخصية؛ ومن ثم لا يجوز أن ينفصل قيد الحقوق العينية الأصلية عن أسبابها التي رتبها القانون المدني وحصرها، بل إن أسبابها هذه هي التي يكون الاستيثاق من صحتها سابقًا على قيد الحقوق التي أنشأتها أو نقلتها، فلا يكون من شأن السجل العيني تحوير بنيانها، ضمانًا لتقيده بالأغراض التي رصد عليها، ولأن القيد في هذا السجل لا يعتبر ركنًا شكليًّا لا تكتمل بغيره عناصر وجود الحقوق المراد إثباتها فيه، بل تظل لهذه الحقوق -وإن لم تُقيد- مقوماتها باعتبار أنها ترتد مباشرة إلى أسبابها التي أنتجتها، وهو ما تؤكده الفقرتان الثانية والثالثة من المادة (26) من قانون السجل العيني سالف الذكر، بما قررتاه من أن الأعمال القانونية التي لا تُقيد، لا تزول بكامل آثارها، وإن امتنع الاحتجاج بالحقوق العينية الأصلية التي أنشأتها أو نقلتها أو غيرتها أو أزالتها، سواء في العلاقة بين أطرافها أو على صعيد الأغيار عنها.
وحيث إن الملكية وإن كفلها الدستور فإن تنظيمها بما لا يعطل فحواها، أو يهدر أصلها، أو يفرق أجزاءها، أو يعطل الحقوق المتفرعة عنها في غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، إنما يدخل في نطاق السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق تقديرًا بأن الأصل هو إطلاقها إلا إذا قيدها الدستور بضوابط تحد منها.
وحيث إن الملكية، وغيرها من الحقوق العينية الأصلية، كانت في ظل القانون المدني القديم تنتقل فيما بين المتعاقدين بالعقد دونما ضرورة للتسجيل، وكان التسجيل في هذا القانون شأن التسجيل وفقًا لقانون الشهر العقاري القائم، لا يبطل عقدًا صحيحًا، ولا يصحح عقدًا باطلًا، وكان كثير من المتعاقدين في ظل القانون المدني القديم قد عزفوا عن شهر تصرفاتهم، باعتبار أن العقد غير المسجل قد نقل إليهم الملكية فيما بينهم وبين المتعاملين معهم، مما زعزع أسس نظام الشهر ذاتها، ومكَّن كثيرًا من البائعين من التعامل في العقار الواحد أكثر من مرة بعد تصرفهم الأول فيه. وحيث إن تطور قواعد الشهر وفقًا لقانون السجل العيني سالف البيان، تمثل في النصوص التي تضمنها، محددًا بها المحررات التي أخضعها في شهرها لنظام القيد؛ ومن ثم نص في المادة (26) منه على إخضاع الحقوق العينية العقارية الأصلية في مجال إنشائها أو نقلها أو تغييرها أو زوالها لنظام القيد. وكذلك الأحكام النهائية التي أثبتتها، فإذا لم تقيد فإن إنشاءها أو انتقالها أو تغييرها أو زوالها لا يتم، سواء فيما بين المتعاقدين أو بالنسبة إلى غيرهم، وإنما تنحصر آثارها في مجرد التزامات شخصية ترتبها فيما بين ذوي الشأن فيها.
وحيث إن ما تقدم مؤداه أن قانون السجل العيني توخى حمل المتعاملين في الحقوق العينية العقارية الأصلية على قيد عقودهم، فجرد البيوع التي لا يتم قيدها من كل أثر في مجال نقل الملكية، سواء فيما بين المتعاقدين أو بالنسبة إلى غيرهم. ومن ثم أصبح نقلها فيما بين المتعاقدين متراخيًا إلى ما بعد القيد بعد أن كان نتيجة لازمة للبيوع الصحيحة بمجرد عقدها، وصار الاحتجاج بها في مواجهة الغير كذلك متوقفًا على قيدها.
متى كان ما تقدم، وكان النصان المطعون عليهما –في حدود النطاق المتقدم– قد رتبا على عدم قيد عقود بيع العقارات بالسجل العيني عدم نشأة حق الملكية أو انتقاله أو تغييره أو زواله سواء بين أطرافها أو على صعيد الأغيار، وقصرا آثار التصرف على الالتزامات الشخصية بين ذوي الشأن، بحسبان هذا القيد هو جوهر نظام السجل العيني، ولا يتصور أن يوجد هذا السجل بدونه. ولا مخالفة في ذلك للحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية المنصوص عليها في المادة (35) من الدستور؛ ذلك أن الإخلال بهذه الحماية لا يتحقق -في الأعم من الأحوال- إلا من خلال نصوص قانونية تفقد ارتباطها عقلًا بمقوماتها، فلا يكون لها من سواء. ولا كذلك الأمر في شأن الحقوق العينية العقارية الأصلية التي تقاعس أصحابها عن قيدها في السجل العيني مع علمهم بالآثار التي رتبها المشرع على تخلفهم هذا؛ ولأن المشرع ما قرر نظام السجل العيني إلا ضمانًا للائتمان في مجال التعامل على العقار في شأن حقوق عينية نافذة بطبيعتها في حق الكافة؛ ومن ثم كان لازمًا أن ييسر المشرع على من يتعاملون فيها العلم بوجودها من خلال قيد الأعمال القانونية التي تعتبر مصدرًا لها، إثباتًا لحقائقها وبياناتها الجوهرية، فلا يكون أمرها خافيًا؛ وبمراعاة أن قيد هذه الأعمال وإن كان لازمًا فإن هذا القيد لا يحيل العقود الصادرة في شأنها إلى عقود شكلية تفقد طبيعتها الرضائية، وإنما تظل لهذه العقود خصائصها ونواتجها، فلا تنحسر آثارها -فيما عدا نقل الملكية– عنها؛ ومن ثم فإن ما قرره المشرع بالنصين المطعون عليهما يندرج في نطاق السلطة التقديرية للمشرع في تنظيم حق الملكية، على نحو لا ينال من أصلها أو يهدرها، ويقوم على أسس مبررة تستند إلى واقع يرتبط بالأغراض المشروعة التي توخاها والمصالح التي توقى حمايتها. ولا ينال مما تقدم قالة إن النصين المطعون عليهما أتاحا للمالك الأصلي صاحب القيد في السجل العيني أن يمتنع عن قيد التصرف للمشتري الأول، ثم يقوم بقيد التصرف لمن يشاء من المتصرف إليهم اللاحقين، مما مقتضاه التعدي على ملكية المتصرف إليه الأول؛ ذلك أن المشرع، بموجب نص المادة (32) من قانون السجل العيني سالف البيان، استهدف تأمين المدعي في دعوى صحة التعاقد بمجرد إثبات صحيفتها في السجل والتأشير بمضمون الطلبات بها ضد أي مدع آخر يطلب أي حق على خلاف ما هو ثابت بالسجل؛ وبذلك يكون التنظيم المتكامل الذي أتي به المشرع قد أتاح للمشتري الأول الذي امتنع المالك عن قيد حقه بالسجل العيني، أن يبادر –حفظًا لحقه– بإقامة دعوى صحة تعاقد وإثبات صحيفتها في السجل والتأشير بمضمون الطلبات لها، وبذلك يكون قد حفظ حقه أمام أي مشترٍ تالٍ له على خلاف ما هو ثابت بالسجل، بما يصون الملكية التي حماها الدستور بنص المادة (35) منه.
وحيث إنه وفي إطار التنظيم القانوني للتصرفات التي ترد على الحقوق العينية العقارية الأصلية على النحو فائت البيان، لم يغب عن المشرع تنظيم العلائق القانونية بين أطراف هذه التصرفات التي لم يتم قيدها بالسجل العيني، فأعمل في شأنهم القواعد العامة التي تنظم هذه التصرفات، واعتبرها التزامات شخصية بين أطرافها؛ وذلك صونًا للحقوق المالية المترتبة على إبرام تلك التصرفات، مما يبرأ معه التنظيم القانوني للتصرفات المشار إليها في الفقرة الثالثة من نص المادة (26) من قانون السجل العيني من شبهة العوار الدستوري؛ ولازمه رفض الطعن على دستوريتها.
وحيث إن النصين المطعون عليهما لا يتعارضان مع أي حكم آخر في الدستور؛ فإن القضاء برفض الدعوى يكون متعينًا.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعي الثاني المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.