الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

السبت، 5 يوليو 2025

مجلة الرسالة/العدد 807/علم النفس والقضاء الجنائي - حسين الظريفي

بتاريخ: 20 - 12 - 1948

للأستاذ حسين الظريفي

ما من أحد يحضر مجلس القضاء إلا تملكه الشعور بالحرمة والكرامة اللتين تغمران جو المكان. لا فرق في ذلك بين من كان من المتقاضين أو السامعين والقاضي نفسه، وهو على منصة القضاء، ليمازجه نفس الشعور الذي يشعر به سواه ويدخل مع الداخلين في ذلك الجو الخاص الذي تفرضه طبيعة القضاء على كل من حضر مجلسه. فالجميع سواء في تلقي المعنى الخالد الذي يوحي به حكم القانون فيما يعمل العاملون.

إن هذه الحرمة التي كانت وما تزال؛ وستبقى إلى الأبد، وهي أقوى شعور يمتلك أنفس الناس وهم وقوف أمام عدل القانون - قد صاغت الكلمة القديمة التي تقول بأن روح القضاة من مصدر إلهي، وجعلت قضاة القرون يعتقدون في أنفسهم القدرة على استجلاء غوامض الأشياء، مهما تعقدت العقد، وامتد بها الأمد، ولم يقوا عليها من أحد. ولكننا نجد اليوم أن تلك الكلمة القديمة قد أصبحت كلمة جوفاء لا تدل إلا على معنى تاريخي ولا تزال إلا إلى لك الشعور الذي كان يمتلك الإنسان في زمن كان. فعصمة القضاء من الأخطاء لم تعد مما يدعيها أحد على أحد. والقضاة أنفسهم لا يدعونها على الناس ولا يرتضون أن ينسبها لهم الناس. وهم في أعماق نفوسهم يشعرون بثقل أمانة العدل المودع إليهم توزيعه على المتقاضين، ويحققون ويدققون فيما يحكمون، لعلهم أنهم مثل غيرهم عرضة للخطأ، وإنهم قد يضلون السبيل، ويفقدون الدليل، وينوءون بالعبء الثقيل.

والقوانين الأصولية تفصح في إجراءاتها عن مدى حفظ حقوق المتقاضين من أخطاء القضاة، فالحكم لا يصدر إلا وله معقب ممن صدر عليه، ومحكمة أعلى يلوذ بها ذلك المعقب لتفادي أخذه بما لم تقدمه يداه. ثم إن الحكم يعلن في جلسة علنية وعلى ملأ من الناس، ومن حق كل سامع له أن يستعرضه ويعرضه وأن يبدي الرأي فيه، وتلك تعليقات الفقهاء على أحكام القضاة دلائل مواثل على مدى ما يمكن أن يخطأ فيه القضاة.

والقاضي الجنائي، كالقاضي المدني، قد يخطئ في فهم النص وفي تطبيقه على الوقعة، ولكنه ينفرد عن القاضي المدني بما قد يقع فيه من الخطأ في معرفة الجاني، وفي تعيين مدى أخذه بجريرته ونوع وشدة العقاب الواجب فرضه عليه، فتلك ميادين فسيحة لا يجر فيها القاضي المدني، ويلزم بالجري فيها القاضي الجنائي ليتخطى الخطأ ويصيب الصواب فيما يقضي به على الأضناء.

ومما لا ريب فيه أن الشهادات المدلى بها أمام القضاة وسائر البينات المعروضة عليه، لا تكفي وحدها دليل نفي أو إثبات، فهناك الشخصية التي تدور عليها هذه البينات، وهي شخصية المتهم، ولا بد من إيضاح الخطوط الدقيقة التي تتجاذب أو تتنافر عندها تلك الأدلة مع شخصية المتهم لتقوم حجة له أو عليه، وهذا ما يضطلع به علم النفس وما تسديه يداه. ثم هناك ماهية الجريمة، فإنها هي الأخرى لا تقدر حق قدرها إلا بعد إيجاد نقط اتصالها بشخصية المجرم، وذلك ما يعنى به علم النفس أيضاً ويقوى عليه. بل إن الأدلة نفسها لا بد من النظر إليها على ضوء هذا العلم قبل الأخذ بها أو طرحها، حتى إذا ثبتت إدانة المتهم وعد مجرماً وأريد فرض العقاب عليه، برزت أمام القاضي الجنائي مسألة خطيرة هي تعيين درجة مسئوليته عن جريمته، وهنا تنفتح أما القاضي الجنائي أبواب علم النفس الحديث لتفتح مغالق هذه المسؤولية في الأعماق البعيدة من نفسية المجرم.

والواقع من الأمر أن المجرم يحمل في جوانحه نفسية شاذة معقدة قد ترسبت فيها أعقاب وراثة طويلة، واستقرت عندها تربية منزلية واجتماعية عليلة وبيلة، وبتفاعل هذه بتلك وتلك بهذه، نشأت عنده الميول الإجرامية، ثم أتيحت لها فرصة العمل بشكل اعتداء على المجتمع.

إن العمل مهما كان شكله وموضوعه لا بد أن يكون ناشئاً عن حافز داخلي، ولا بد لتقدير هذا العمل وإعطائه القيمة الحقيقية له، وتعيين درجة مسؤولية صاحبة عنه، من إزالة الستار عن ذلك الحافز الذي يكمن وراءه. والمجرم مهما كان مالكا لروعه وهدوئه عند مقارفته الجريمة، لا بد أن يكون خاضعاً لتأثير خفي في نفسه، فهو رجل شقي غير سوي، ومقدار شقائه يجب أن يقدر بمقدار ما له م حرية إرادة تجاه ذلك العامل غير الشعوري الذي يمكن أن ندعوه بعامل الجريمة.

إن تحقيق العدالة في تطبيق الإجراءات الجنائية على الوقائع والجناة بحيث تؤدي إلى معرفتهم لا تكفي وحدها دون أن تضم إليها العدالة تطبيع قانون العقوبات على الجناة، بحيث تفرض على كل جان العقوبة المؤثرة فيه، فتنزل عنده بمنزلة الدواء وتمنحه الشفاء من علة ما فيه من الميل إلى الإجرام.

وقد يقع الفعل الذي يمنعه القانون ويعاقب عليه دون أن يؤاخذ عليه الفاعل، وذلك فيما إذا كان في حالة يعفى فيها من العقاب، تلك حالة تستوجب حسن تطبيق القانون، ولا سبيل إلى حق هذا التطبيق إلا عن طريق دراسة نفسية الفاعل مضافة إلى دراسة طبيعة الظروف الذي وقع فيه الفعل.

ذلك بعض ما أمكن الإشارة إليه في هذه الكلمة القصيرة، وهي تفصح عن المدى الذي يصل إليه ويتغلغل فيه علم النفس من مباحث المجرم والجريمة في القوانين الإجرائية الجنائية والعقابية. ولاختلاف هذه المباحث في موضوعاتها وتشعب أصولها وفروعها ذهب علماء الفقه الجنائي لا إلى إحداث علم نفس خاص يعني بموضوع المجرم والجريمة، ويتقل بمباحثة عن علم النفس العام، ولكن بتقسيم هذه المباحث إلى موضوعات، وإفراد كل موضوع منها بعلم نفس خاص له أسلوبه وأغراضه ودوره الذي يؤديه في ساحة القضاء.

وهكذا وجد علم النفس القضائي، وهو العلم الذي يحلل فيه القاضي الجنائي نفسيات جميع أفراد الدعوى العامة من شاك بمثل الهيئة الاجتماعية في شخصية النيابة العمومية، ومن متهم، ومجني عليه، وشهود إثبات، وشهود دفاع وخبراء ووكلاء، ثم هو قبل ذلك وبعد ذلك يحلل نفسيته تجاه أدلة الدعوى وتجاه أفرادها ليأمن شر ما يكمن وراء شعوره من منازع ودوافع الانحياز إلى جهة التجريم أو البراءة، فيحتفظ بحياده القضائي في كل مرحلة من مراحل الدعوى وفي كل إجراء من إجراءاتها ولا يغفل عما يفعل.

تلك هي نظرة القاضي إلى نفسه، وأما نظرته إلى أفراد الدعوى الآخرين، فإنها توقفه على حالة المتهم الماثل أمامه أبرئ هو أمسيء، وهل يصدق هذا الشاهد أو ذاك في شهادته هذه أو تلك، أم هو يكذب فيها عن عمد أو غير عمد؟ وهل هناك مؤثرات شعورية أو غير شعورية لامست ولا بست الخبراء والوكلاء فتأثروا بها عن شعور أو عن غير شعور فأعرضا عنها أو استجابوا لها، ومدى تأثير ذلك في أقوالهم وأعمالهم في جميع درجات التحقيق والمحاكمة؟

وُجد علم النفس الجنائي، وهو العلم الذي يفسر الجريمة بالتفسير العلمي، ويحلل نفسية المجرم، ويمج يده إلى جذور الإجرام فيه.

ووجد علم النفس القانوني، وهو العلم الذي يضمن للقاضي حسن تطبيق نصوص القانون العقابية على الوقائع الجرمية من حيث تعيين درجة المسؤولية التي يمكن إلقاؤها على عاتق الجاني

وهكذا نجد علم النفس القضائي يسير في ركاب القاضي الجنائي من أول مراحل الدعوى إلى آخرها فيحفظه من مغبة الحكم على البريء والإفراج عن المسيء ويعين من هو الفاعل.

ونجد علم النفس الجنائي يظهر في قاعة المحاكمة عندما ينتهي علم النفس القضائي من تعيين الفاعل فيقوم فيه بدور التحليل ورد الجريمة إلى أصولها وبواعثها لتعيين كونه مجرماً أو غير مجرم، ثم يأتي الدور لعلم النفس القانوني، وهو دور غير حتمي، وفيه يضع القاضي مواد القانون في الموضع الذي أراده الشارع بالقياس إلى تعيين موقف الفاعل من الظروف المبيحة لارتكاب الفعل أو المعفية من العقاب، ويقرر كون الفاعل مسؤولا أو غير مسؤول

تلك هي العلوم النفسية الثلاثة التي لا غنى عنها لكل قاض جنائي يهمه الاضطلاع بأعباء الدعوى العامة على الوجه الذي يحقق العدل ويربح الضمير ويزيد من ثقة الناس بالقضاء.

(بغداد)

حسين الظريفي المحامي

مجلة الرسالة/العدد 807



بتاريخ: 20 - 12 - 1948

مجلة الرسالة/العدد 808



بتاريخ: 27 - 12 - 1948

مجلة الرسالة/العدد 809/حداء الركبان - محمد عبد الغني حسن

بتاريخ: 03 - 01 - 1949

للأستاذ محمد عبد الغني حسن

مَنْ هؤلاء الصامتون؟ تَكلموا! ... مَن هؤلاء المحجبون؟ تقَدَّموا!!

ما بالكم تُقضَى الأمورُ بغيركم ... ويكونُ دونكم القضاءُ ويُبرم؟

تتكلم الأسَلاتُ فوق رؤوسكم ... وتعج حولكم الوغى وتُدمدم

وتكاد كفُّ الطامعين تصيبكم ... وتنال ما ترجو المطامع منكمو

الغانمون الأرض بعد محمدٍ ... أضحوا وهم في كل أرض مغنم

مَن هؤلاء الحائرون. كأنما ... طال الطريق بهم فلم يتقدوا

فعَلى غوار بهم ضَنىً وتُّهدمٌ ... وعلى ملامحهم أسى وتجهُّمُ

وكأنهم من سُوء ما صنعتهم ... أقدارُهم في الكون لم يبتسموا!.

صبراً إذا مشت الرياح بِركبكم ... وأناخ كلكلَه الزمانُ عليكمو

صبراً إذا الحادي استبان سبيلهَ ... فإِذا الطريق على الرواحل مُظلم

صبراً إذا انبهر الحداةُ فلا تَرى ... في الركب من يشدو ومن يترنم

هذى سبيلٌ سار فيها قبلَكم ... مترسم في إِثرِهِ مترسم

غَلبتْ وتَغْلبُ كَّل من سئم السُّرى ... ويكاد يغلبها الذي لا يسأمُ

ما هذه البيداء أنها ... تِيْه يضل به الدليل المقدمُ

ما هذه الصحراء إلا أنها ... ساحٌ يَخُور بها الكمىُّ المعْلمُ

ما هذه المومَات إلا أنها ... ليل تحاَرُ به النجوم فُتعتم

ما هذه الفيفاءُ إلا أنها ... بحْرٌ تحيط بشاطئيه جهنم

هي قبر كلِّ مجاهد لم يَطوِهِ ... في خمسة الأشبار كونٌ أَعظَمُ

أكلت لحومَ الخالدين الأيام تزل ... يعتادها النَّهم القديم فتنهمُ

بالأمس كان وقودها في حرِّها ... جيشٌ من الشِّرك لأثيم عرمرم

فإذا دعاء الجاهلية خافت ... وإذا ثَراء الجاهلية مُعدم

وإذا الطواغيت التي قد أشركوا ... بالله فوق رؤوسهم تتحطم

مَن هؤلاء الهائمون كأنما ... لم يَهْدِ نَهْجَهُمُ الكتابُ المحكم 

يبدو العياء من الليالي فوقهم ... ويُرى الغبارُ من السنين عليهمُو

فكأنهم أَنضاءُ ركْبٍ لم يَبِنْ ... للواحة الخضراء فيهم مَعلمُ

تتخبط الأحداث بين صفوفهم ... وتموجُ بالخطب الجسيم وتُفعَمُ

أعياهمو خَبَبُ الطريق فوقفوا ... وأخافهم فَزَعُ الطريق فأحجموا

ما بالهم لم يُجْدِ في أسقامهم ... طبٌّ ولم ينفع لديهم مرهم

عجباً أتبرأُ علةٌ في أمة ... ويصحُّ جسم والطبيبُ المسقِم؟!

يا أيها الركبان أن سبيلكم ... للمجد والعلياء أن تتقدموا

لا يُيئِسَّكم الطريقُ إذا بدا ... وعليه أشواك وفيه تَجَشُّمُ

يكفى الصياحُ فما الحياة عبارةٌ ... جوفاء فارغةٌ يرددها الفمُ

الحق تحميه الصوارم والقنا ... والعدل تحفظه الضحايا والدمُ

والقوة الغلباء ليس يردها ... إلا القوىُّ الغالب الممغلم

محمد عبد الغني حسن

مجلة الرسالة/العدد 809/العلوم الدينية - عطية الشيخ

بتاريخ: 03 - 01 - 1949
بين القرآن وعلماء الإسلام
للأستاذ عطية الشيخ
المفتش بالمعارف

مصادر الإسلام أربعة، هي القرآن والسنة ولإجماع والقياس، ومن بين هذه الأربعة ثلاثة خلافية بين الفرق والمذاهب الإسلامية، تفاصيلها في علم الكلام لمن أراد البحث، أما المصدر المتفق على نصه فهو القرآن الكريم، والاختلاف في التفسير لا يضر، إذ القرآن الكريم كنز لا تفنى غرائبه، ولا تنتهي عجائبه. وكلما تقدم العلم، وارتقى الفكر، وانفتح مدى المعارف الإنسانية، وزادت تجارب الناس ومشكلاتهم، كلما حدث هذا، وضح ما في القرآن من إعجاز، وتبين للعقلاء أنه كلام رب العالمين (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله).

على أن هناك تفسيرا للقرآن لا يقبل الشك، وهو سيرة النبي ﷺ، وقد كانت أخلاقه القرآن، كما حدثت بذلك الصديقة رضي الله عنها. ولهذه السيرة تلاميذ، أحاطوا بها ولم يتركوا صغيرة ولا كبيرة إلا أحصوها، وهؤلاء التلاميذ المخلصون، هم نجوم الأمة المنيرة صحابة النبي ﷺ، انعكست عليهم أضواء شمس القرآن، بعد غروب بدر نبيه، واسترشدت بهم الأمة بعد فقد الصادق الأمين، فهدوها إلى صراط مستقيم، ورفعوا لواء الإسلام في كل حزن وسهل، وطافوا به كل مطرح ونشروه في كل واد، عالمين أنه سلوك يهدي لا جدل يردد، وقلب يصفي لا لسان يلوك، وسنة تتبع لا دروس تتلى، فأعجبت بسلوكهم الشعوب المنحلة، وشغفت بطريقتهم الأرواح المجهدة، واقتدى بهديهم المتعبون والمثقلون، ودخل أهل الدنيا في دين الله أفواجا، ولم يمض إلا عشرون عاما حتى كانت العربية لسان كل سنخ وجنس، والشريعة السمحة قانون كل صقع ودولة، والمسلمون مثلا أعلى لكل متعلم ومسترشد.

ثم أتخم الإسلام بكثرة ما حمل من أوشاب الأمم، ومختلف الحضارات، وما اثر فيه من مشاكل العلوم القديمة، والنحل المختلفة، وما دسه فيه أعداؤه من رجال الأديان الأخرى الت خرت أمام سطوته، وعنت لعظمته، فخلف من المسلمين خلف بعد أن وقفت فتوحه، متأثرين بكل ما ذكر، وجعلوا من عقيدة الفطرة مشاكل ذرية، ومن غذاء الروح عقدا فلسفية، ووضعوا مصطلحات، واخترعوا علوما، وتركوا ميدان الحسام وجاهدوا باسلات اللسان، وهجروا صهوات الخيل، إلى مذاكرات الليل، وطرحوا خصام الكافرين، إلى جدال غيرهم من المسلمين، فأفسدوا من الإسلام مذاقه، وعكروا صفوه، وقسموا الأمة طرائق، وقطعوها خرائق، وكانوا أنكى على الإسلام ممن خاصمه بحد الحسام.

ورضى المستجدون على الإسلام والطارئين عليه من ملوك الأعاجم والترك، بعد أن دالت دولة العرب، بفهم الإسلام بهذا الوضع، لمشابهة العلوم الإسلامية المبتدعة، لما ألفوه من علوم الأديان الأخرى، وثنية وسماوية، فعظموا هؤلاء المبتدعين، ورفعوا شأنهم، ورأوا في تعظيمهم تعظيم الإسلام نفسه. وكيف لا يفعلون هذا، وقد قبله من حولهم من ملوك الروم للقساوسة والرهبان، ومن أعيان اليهود للأحبار، ومن ملوك الهند للكهان؟ أو لعل هؤلاء الحكام الجدد رأوا في هذا السلوك خدمة لعروشهم، بصرف الناس عن خدمة الدين بما خدمه به فقهاؤه الأوائل من جزيرة العرب، إذ أن فهم الإسلام هذا الفهم الأول، يعكر عليهم ما أخذ يحيط بهم من ترف ونعيم ولهو واستماع، ومن كان كذلك يعنيه أن يفصل بين ما لقيصر وما لله وأن يجعل الدين في المساجد والكتب، والملك العضود في الدنيا وزهرتها، وإلا لقام له من يقول: (لو وجدنا فيك اعوجاجا لقومناك بالسيف)، ومن يقول: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، ومن يطبق قول أبي بكر: (أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم) ومن يقول: (والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها، إنما اهلك بني إسرائيل أنهم كانوا يقيمون الحد على ضعفائهم دون أقويائهم).

أقول منذ فهم الإسلام هذا الفهم، ووضع هذا الوضع، وجعل علوما جدلية ونظرية علمية، وقواعد جافة، اخذ بناؤه ينقض حجرا حجرا، وعموده يميد شبرا شبرا، وأرضه تنتقص رقعة رقعة، ووحدته تتجزأ فرقة فرقة، حتى لم يبق منه إلا الذماء، أفلم يأن للبقية الباقية من المسلمين، الحرص على استرداد مجدهم، والحفاظ على ما بقى لهم، أن يعيدوا للإسلام جدته ويفروا إلى القران، ويسعهم من الدين ما وسع الصحابة رضوان الله عليهم، ويتركوا كل هذه التركة الثقيلة التي ما فتئوا يسمونها علوم الدين؛ والدين منها بريء، ويضيعون وقتهم في مدارستها ويبنون المعاهد والمدارس لها. ثم لا يكون منهم مثل خالد أو عمرو أو عمر، ولا ينبغ فيهم مثل من نبغ من الأميين؟! لست أول من نادى بذلك الرأي، بل سبقني إليه الغزالي حجة الإسلام، وبرهن بما لا يقبل الشك على أن ما يسميه الناس علوم الإسلام ليست من الدين في شيء، وان معرفتها لا تقرب إلى الله قيد شعرة، وان عامة المسلمين اخلص عقيدة وأصفى قلبا واقرب إلى الله من علماء هذه العلوم. وفي الأثر ما يفيد أن النبي ﷺ نهى بعض أصحابه عن الجدال في الدين، والتنطع فيه، والخوض في النظريات التي أولها كلام وآخرها خصام، والسؤال عما لم يرد.

أقول أن الأمة أحوج إلى فهم علوم الدنيا من كيمياء وطبيعة ورياضة وطب وهندسة. . . الخ، لأنها علوم تعين على الحياة، وكسب الرزق، والقوة وفهم قدرة الله، وهو ما أمر الدين به، بل هذه العلوم مأمور بالبحث فيها بنص القرآن، وما من علم حديث إلا له آيات تحض على البحث فيه، مع ذكر شيء من مبادئه الأولى، حتى وقر في ذهن المسلمين منذ القدم أن القرآن الكريم حوى كل علم يمكن أن يبحث فيه السف أو الخلف، وفسروا قوله تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) هذا التفسير. ولولا الإطالة لأحصينا في هذا المقال الآيات التي تحض وتأمر بالتعمق في العلوم الكونية أما ما يسمونه بالعلوم الدينية، بحسب الوضع الذي صارت إليه، فليس لها سلطان في الكتاب العزيز أو ماضي السلف الصالح، ولم يفد منها الإسلام إلا الضعف والتفرق والضياع. فيا ليت الذين أهملوا مؤلفات ابن الهيثم، وزيجات الخيام، وقانون ابن سينا، وبحوث بني موسى بن شاكر، ومسائل جبر الخوارزمي، ومستحدثات البيروني. يا ليت هؤلاء الذين ضيعوا هذا المجد وحاربوه وجروا وراء الفرق بين المعجزة والكرامة، والواجب والمندوب، والإجماع والقياس، والحيض والاستحاضة. يا ليتهم علموا أن العلوم الأولى اقرب إلى الله من الثانية، وادخل في الإسلام منها؛ إذا لما اصبح المسلمون عبيدا للأوربيين الذين وقعوا على ذخائر العرب فأنفسح أفقهم العقلي، ووصلوا إلى هذه المخترعات التي أثاروا بها الأرض وعمروها، وحددوا الأفلاك وفحصوها، وحللوا العناصر وركبوها، فدانت لهما الأمم، وعنت لهم الشعوب.

القرآن الكريم وهو الأصل المتفق عليه للإسلام، والمصدر القطعي الثبوت والدلالة، ما تعرض للبحوث التي سموها علوم الإسلام إلا لماما، حتى أن الصلاة وهي عماد الدين لم تتبين فيه أوقاتها وطريقتها، لا استهانة بها ولكن لأن أهم أركانها صفاء القلوب، وخشية المعبود، وأما أقوالها وأفعالها فتوقيفية يسيرة المتناول على الذكي والغبي. وكذلك الزكاة، والصيام، والحج، وهي قواعد الإسلام، يشير إليها القرآن الكريم إشارات خفيفة تاركا كل تفصيل وتوضيح للروح لا للعقل، وللذمة والضمير، لا للحدود والأقيسة.

أما القصص التهذيبي الذي أهمل المسلمون طرائقه في التعليم الخلقي فهو أكثر ما في القرآن. وأما الإيمان بالغيب والإسلام لله فهو لب التنزيل. وأما البحث في النفوس وخلقتها، والأجنة ونموها، والأمم وتاريخها والسماء وما بناها والأرض وما طحاها ونفس وما سواها، والكون وما يصير إليه، والرزق وما يحصل به، والأمم وكيف تحيا ولم تموت، وحسبان الشمس والقمر، وما في الأرض والسماء من قوى وعبر، فهي كل القرآن وهي موضوع العلم الحديث، ومن يتبحرون فيها هم علماء الدين الذين يخشون الله ويخدمون الأمة، ويرفعون شأن الملة.

علوم الإسلام، هي الصناعة والزراعة والطب والهندسة وما لف لفها. وأما علوم الكلام والفقه والأصول وما جاراها، فليست من الإسلام في شيء. وقد بلغت وما أنا إلا حريص على نهوض المسلمين، والسلام على من اتبع الهدى.

عطية الشيخ

المفتش بالمعارف

مجلة الرسالة/العدد 809/الرأي العام في تعاليم الإسلام - محمد محمد المدني

بتاريخ: 03 - 01 - 1949


لصاحب الفضيلة الأستاذ محمد محمد المدني

من أهم الدعائم التي تقوم عليها عظمة الأمة، وتستقيم بها أحوالها؛ أن يكون فيها (رأي عام) ناضج مهيب، يستلهمه قادتها والقائمون بأمرها، ويخشاه من تحدثهم نفوسهم بالبغي عليها، أو الانحراف عن الصراط السوي في تدبير شئونها.

وأهل السياسة، ورجال الاجتماع، يحكمون للامة أو عليها بحسب (الرأي العام) فيها، فإذا كان من عادة الأفراد أن يهتموا بالشئون العامة، ويحرصوا على أن يكون لهم توجيه فيها، ووزن لقيمتها، وتمييز بين الصالح والفاسد منها؛ كانت الأمة بخير، وكانت جديرة بان تعيش وتكافح في معترك هذه الحياة، وتتبوأ بين الشعوب مكانة حسنة. وإذا كان الأفراد معنيين بشئونهم الخاصة فحسب، يقصرون عليها جهودهم، وينفقون فيها كل نشاطاتهم، ولا يعنيهم بعد ذلك أصلحت أحوال المجتمع الذي يعيشون فيه أم فسدت؛ فالأمة على خطر عظيم، وهي صائرة بخطى واسعة إلى الفساد ثم الانحلال ثم الهلاك!

وهذا الأصل العلمي له شواهد من واقع الأمم في القديم والحديث، وله في عصرنا الحاضر على وجه أخص أمثلة من الأمم القوية والأمم الضعيفة لا احسبني في حاجة إلى الإطالة بذكرها. وإنما أريد أن أقول: أن هذا الأصل الذي آمن به علماء الاجتماع، واصبح من الحقائق المسلم بها، قد جاء به الإسلام، فقرره الكتاب الكريم، وبينته السنة المحمدية في جلاء ووضوح منذ أربعة عشر قرنا!

يقول الله تعالى في كتابه العزيز (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون).

وهذه الآية هي أساس المسئولية التضامنية بين جميع أفراد الشعب، إذ توجب على الأفراد أن يكونوا دعاة إلى الخير، وآمرين بالمعروف، ناهين عن المنكر، فيؤلفوا بذلك (رأيا عاما) يلزم كل إنسان بالاستقامة على النهج، والتزام الصراط المستقيم، فيما هو مولى عليه من شئون خاصة أو عامة.

وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن (من) في قوله تعالى (ولتكن منكم) للتبعيض، وأن المعنى على ذلك وجوب الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجوبا كفائيا، (إنها واجبة على الكل لكن بحيث أن أقامها البعض سقطت عن الباقين، ولو أخل بها الكل، أثموا جميعا) ورأى بعضهم أن (من) في الآية ليست تبعيضية، وإنما هي تجريدية، كما تقول: لقيت من فلان أسدا، وأنت تريد أن تقول لقيته هو، والمعنى على هذا، كونوا أمة يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.

وهذا الرأي الأخير هو الحق، وهو الذي نصير إليه، ونقول به وذلك لأمور: منها أن الله سبحانه وتعالى يقول في آية أخرى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) وفي هذه الآية أسند الفعل صراحة إلى ضمير الأمة.

ومنها أن الله ذكر المنافقين والمؤمنين في آيتين من سورة التوبة فقال: (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض، يأمرون بالمنكر، وينهون عن المعروف، ويقبضون أيديهم) (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله، أولئك سيرحمهم الله).

جعل من صفات المنافقين ودأبهم الذي طبعوا عليه ملتوون عن سبيل الحق، يمقتون الصلاح والخير، ويميلون إلى الفساد والشر، فيأمرون بالمنكر، وينهون عن المعروف، ويقبضون أيديهم عن أعمال البر والتعاون فيبخلون، ولا يصح أن يكون الكلام على إرادة بعض من المنافقين دون بعض، فإنه في صدد ذكر خصائصهم وما يعرفون به، وفي مقابل ذلك جعل من صفات المؤمنين ولاية بعضهم بعضا، أي الاخوة والمحبة والتناصر والتعاون على البر والتقوى، وجعل من صفاتهم أيضاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وإطاعة الله ورسوله، ولا يصح أن يكون الكلام هنا أيضاً على إرادة بعض من المؤمنين دون بعض، لاسيما وقد ذكر من الأوصاف إقامة الصلاة وما بعدها من الفرائض العينية التي تجب على كل فرد.

ومنها أن الله تعالى ختم الآية الأولى بقوله: (وأولئك هم المفلحون) أي الفائزون بما قضت به سنته من النجاح في الدنيا، والنجاة في الآخرة، وختم الآية الأخيرة بقوله: (أولئك سيرحمهم الله) أي سيشملهم برعايته وتوفيقه وفضله، ولا يصح أن يكون الفلاح خاصا بالقائمين بفرض الكفاية دون غيرهم، ولا أن تكون الرحمة مقصورة عليهم، مع أن الله قد أباح للآخرين أن يتركوا الفعل اعتمادا على كفاية حصوله ممن قام به، وإلا لكان بمثابة أن يبيح أمرا لا يتصل به سبب من أسباب الفلاح والرحمة.

ومنها أن الله تعالى قال في سورة العصر (إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) فجعل الحكم بالخسارة عاما يشمل جميع الناس، ثم أستثنى المؤمنين العاملين المتواصلين بالحق والصبر، والتواصي بالحق هو الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمن لم يقم بها فهو في خسر، وهذا حكم عام لجميع الأفراد، يقابل الحكم بالفلاح، والوعد بالرحمة في الآيتين السابقتين.

من هذا يتبين أن القرآن الكريم يعتبر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شأن المؤمنين ودأبهم، وأن كل مؤمن مكلف به تكليفا عينيا كما هو مكلف بالصلاة والزكاة وإطاعة الله ورسوله، وهذا طبعا في حدود الاستطاعة والقدرة والأمن من ترتب مفسدة أعظم ووقوع فتنة أكبر، وإلا سقط أو وجب الكف عنه.

وقد جاءت السنة المطهرة بما جاء به الكتاب الكريم، فمن ذلك ما رواه المحدثون عن أبي بكر رضي الله عنه من أنه قام خطيبا فحمد الله أثنى عليه ثم قال: أيها الناس. إنكم تقرأون هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتد يتم) وإنكم تضعونها غير موضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله علي وسلم يقول: (إذا رأى الناس المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب) وفي رواية (ليس من قوم يعمل فيهم بمنكر، ويفسد فيهم بقبيح، فلم يغيروه ولم ينكروه إلا حق على الله أن يعمهم بالعقوبة جميعا ثم لا يستجاب لهم)، ومن ذلك ما رواه أحمد وابن ماجه والبيهقي وغيرهم من قوله ﷺ (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) وما رواه مسلم وغيره من قوله ﷺ: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان).

والحديث الأخير يعم بالخطاب سائر المؤمنين ويكلف بتغيير المنكر كلا على حسب استطاعته: باليد أو باللسان أو بالقلب، والتغيير بالقلب عبارة عن مقت الفاعل وعدم الرضى بفعله، وهو وسيلة صحيحة لردع أهل الفساد فإن شعور المفسد بمقت القلوب له ونفور النفوس من فعله، واحتقار الناس إياه؛ كفيل برده عن الإفساد من قريب أو من بعيد، وهو أشبه بعلاج الإيحاء لأنه بمثابة نهي صامت ملح يتمثله المرتكب للقبيح مدويا في إذنه، مثابرا على تبكيته وتأنيبه.

وقد مثل لنا رسول الله ﷺ حال المؤمن لأخيه فقال: (المؤمن مرآة المؤمن) كما مثل لنا حال الأمة بحال راكبين في سفينة أراد بعضهم أن ينقروا فيها، فإن اخذوا على يده نجوا ونجا معهم، وإن تركوه هلكوا وهلك معهم.

هذا كله تربية للأمة وتكوين لشخصيتها، وخلق لقوة المقاومة فيها، تحصينا لها من الفساد، ودفعا بها في سبيل الرشاد. وقد قص علينا القرآن أمر بني إسرائيل لما أتهدم فيهم هذا الأصل، وسامحوا فيه وداهنوا، فقال: (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) واللعن عقوبة شديدة فظيعة، هي الطرد والأبعاد عن رحمة الله والحرمان من توفيقه ورعايته، ولا شك أن أمة تصاب بذلك هي أمة هالكة بائرة، وقد ذكر الله سبب هذا اللعن الذي عوقبوا به على لسان داود وعيسى بن مريم فبين لنا أنه العصيان والاعتداء وعدم التناهي عن المنكر ثم ذم صنيعهم في ذلك بهذه العبارة البليغة المؤكدة بالقسم: (لبئس ما كانوا يفعلون).

كما قصت علينا السنة النبوية ذلك لنعتبر به، فقد روى أبو داود وغيره عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله ﷺ قال: (أن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل، كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيدة، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض) ثم تلا رسول الله ﷺ قوله تعالى: (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل) وكان متكئا فجلس وقال: (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد المسيء، ولتأطرنه على الحق أطرا - أو تقصرنه على الحق قصرا. . . أو ليضر بن الله قلوب بعضكم على بعض، أو ليلعنكم كما لعنهم).

وقد تحدث الله جل علاه عن (الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله) فقال وعدا، واشتراطا عليهم: (ولينصرن الله من ينصره أن الله لقوي عزيز: الذين أن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور).

فبعث بذلك في كل فرد من أفراد المؤمنين رغبة النصر والقوة والعزة على شرائط يؤديها من بينها هذا الركن الأساسي العظيم، وقد وفى الله للمؤمنين بوعده حين وفى له تعالى بما شرط عليهم، فلما كان شأنهم قول الحق، والإنكار على الظلم، وبذل النصح، وتقويم المعوج، والدعوة إلى الخير والمعروف، أصلح الله شأنهم، وأعز دولتهم، وأخاف أعداءهم، ولما جاملوا في الحق، وتسامحوا في درء المفاسد، ودفع المنكرات، وضعفوا عن مجابهة المبطلين، ضرب الله بعضهم ببعض، وأصابهم بالانحلال، وأصبحوا أفرادا ممزقين، يتجاورون في الأوطان دون أن يجمعهم وصف الأمة المتعاونة المتكاتفة ذات (الرأي العام) الناضج المهيب.

(وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون).

محمد محمد المدني

المفتش بالأزهر

مجلة الرسالة/العدد 809



بتاريخ: 03 - 01 - 1949

مجلة الرسالة/العدد 810



بتاريخ: 10 - 01 - 1949

الطعن 178 لسنة 2016 ق جلسة 21 / 3 / 2016 جزائي دبي مكتب فني 27 ق 23 ص 193

جلسة الاثنين 21 مارس 2016
برئاسة السيد القاضي/ عبد العزيز عبد الله الزرعوني رئيس الدائرة وعضوية السادة القضاة: مصطفى عطا محمد الشناوي، مصبح سعيد ثعلوب، محمود مسعود متولي شرف وأحمد عبد الله حسين.
----------------
(23)
الطعن رقم 178 لسنة 2016 "جزاء"
(1) حكم "بيانات الحكم".
وجوب شمول الحكم أو القرار الصادر على بيان الواقعة المنسوبة للمتهم. علة ذلك. م 216ق إجراءات جزائية.
(2 ، 3) اتفاقيات دولية. تسليم المجرمين. حكم "عيوب التدليل: القصور". تمييز "أسباب الطعن: القصور في التسبيب".
(2) اتفاقية التعاون الأمني وتسليم المجرمين المبرمة بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. شرطها.
(3) خلو القرار المطعون فيه من بيان فيما إذا كان طلب التسليم متعلقا بجريمة جنائية أو التهرب من تنفيذ حكم قضائي بدفع مبلغ جريمة جنائيا أن لها أحكام أو طرق أخرى غير جنائية تحكم ضوابط تنفيذها لدى المطلوب إليها التسليم. جوهري في تحديد مدى انطباق شروط التسليم على الواقعة. مخالفة ذلك. قصور في التسبيب.
-------------------
1 - المقرر وفق المادة 216 من قانون الإجراءات الجزائية أن يشتمل الحكم أو القرار الصادر على بيان الواقعة المنسوبة للمتهم بيانا تتحقق به كافة الشروط القانونية حتى يتسنى لمحكمة التمييز مراقبة صحة تطبيق القانون على الواقعة كما صار إثباتها في الحكم أو القرار.
2 - إذ كانت اتفاقية التعاون الأمني وتسليم المجرمين المبرمة بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تشترط أن يكون طلب التسليم مصحوبا بالتعريف بالجريمة المسندة إلى المطلوب تسليمه وأن يكون متعلقا بجريمة جنائية كما ورد بصدر هذه الاتفاقية رغبة من الطرفين بضرورة التعاون في مجال مكافحة الجريمة والتي تعد من جرائم الحدود أو القصاص أو التعزير أو الحد الأدنى للعقوبة المقررة نظاما لا يقل عن السجن ستة أشهر وضربت المادة الثالثة من هذه الاتفاقية نوع هذه الجرائم كالقتل والسلب والسرقة المصحوبة بأعمال إكراه سواء ارتكبت من قبل شخص واحد أو عدة أشخاص ضد الأفراد أو السلطات الحكومية أو المحلية أو السكك الحديدية أو اختطاف الطائرات أو غير ذلك من وسائل النقل والمواصلات وكذلك جرائم التخريب والإرهاب وكل تعد مادي على رئيسي الدولتين المتعاقدتين أو أصولهم أو فروعهم أو زوجاتهم وجرائم الاعتداء على ولي العهد وأفراد الأسرة المالكة والوزراء ومن في حكمهم في إحدى الدولتين والجرائم العسكرية والشروع في الجرائم المذكورة إذ كان نظام الدولتين يعاقب عليها.
3 - إذ كان الثابت من مدونات القرار المطعون فيه جاء خلوا من بيان فيما إذا كان طلب التسليم متعلقا بجريمة جنائية كما جاء بالاتفاقية الأمنية التي أسند إليها القرار المطعون فيه بإمكانية تسليم المطلوب تسليمه من عدمه وما إذا كان التهرب من تنفيذ حكم قضائي بدفع مبلغ 116.215 ريال سعودي للبنك ....... جريمة جنائية أم لها أحكام أو طرق أخرى غير جنائية تحكم ضوابط تنفيذها لدى الدولة المطلوب إليها التسليم المطلوب تسليمه لا تختص به المحاكم الجنائية لما لهذا البيان الجوهري لما قد يترتب على بيانه من أثر في تحديد مدى انطباق شروط التسليم على الواقعة بما يعجز هذه المحكمة عن القول بصحيح كلمتها في صحيح القانون فإن الحكم يكون مشوبا بالقصور.
---------------
الوقائع
وحيث إن الواقعة تخلص في أن السلطات بالمملكة العربية السعودية طلبت تسليم المدعو/ ...... سعودي الجنسية تأسيسا على اتهامه بارتكاب جريمة التهرب من تنفيذ حكم صادر ضده وإذ باشرت النيابة العامة التحقيق في الطلب أحالت المطلوب تسليمه إلى محكمة الاستئناف المختصة بمذكرة طلبت في ختامها إمكانية تسليمه إلى السلطات السعودية. وبتاريخ 7/2/2016م قررت المحكمة إمكانية تسليم المدعو/ ....... إلى السلطات المختصة بالمملكة العربية السعودية.
طعن المدعو/ ....... في هذا القرار بالتمييز الماثل بموجب تقرير مؤرخ 1/3/2016م مرفق به مذكرة بأسباب الطعن موقع عليها من محاميه الموكل طلب فيها إلغاء القرار الصادر بتسليمه.
--------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وتلاوة تقرير التلخيص الذي أعده السيد القاضي/ ....... وسماع المرافعة والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن الطاعن ينعى على القرار المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع لعدم توافر شروط التسليم لجهة أن الفعل المنسوب للطاعن لم يكن يمثل أي فعل مجرم لدى الدولة الطالبة في تاريخ ترك الدولة طالبة التسليم وأن نص التجريم الذي تستند إليه الدولة الطالبة لم يكن موجود وقت ارتكاب الفعل المنسوب إليه كما أن الفعل المنسوب للطاعن لا يمثل أي فعل مجرم وفق قوانين دولة الإمارات المتحدة وعدم انطباق نص المادة 153 من قانون العقوبات بإمارة دبي الصادر عام 1970م كما أوردته النيابة العامة في مذكرتها المرفوعة للمحكمة المطعون في قرارها والتفت الحكم عن طلب الطاعن سماع شهود إثبات من إمكانية تعرض الطاعن في الدولة الطالبة للتعذيب وعدم توافر الحد الأدنى من الضمانات المقررة في قانون الإجراءات الجزائية والفقرة العاشرة من المادة 16 من قانون التعاون القضائي الدولي في المسائل الجنائية رقم 39 لسنة 2006م والحكم لم يبين فيما إذا كان طلب التسليم تضمن صورة من محاضر التحقيق والأفعال المنسوبة للشخص المطلوب تسليمه وزمان ومكان ارتكابها الذي تمسك الطاعن من خلال التسليم منها إلا أن الحكم لم يعرض لهذا الدفاع أو يرد عليه كما لم يثبت أن البنك لديه ثمة أمر تنفيذ صادر في مادة تجارية باتخاذ أي إجراءات تنفيذية لاقتضاء حقه وجاءت الأوراق خلوا ما يفيد امتناع الطاعن من تنفيذ الحكم أو انشغال ذمته بأي مديونية للبنك ........ الذي صدر قرار مكتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية بالرياض لصالحه في القضية رقم 3590 لسنة 1429 هجرية فضلا عن عدم وجود ما يفيد إقامة البنك أي قضية تنفيذية ضد الطاعن وأن الدعوى كيدية وأن الجهة لم تتبع قواعد تنفيذ الأحكام المنصوص عليها باتفاقية الرياض إذ كان بإمكان البنك تنفيذ الحكم على الطاعن بدولة الإمارات وأن البنك ....... استوفى كامل حقوقه من الطاعن وطلب الطاعن مخاطبة البنك لتأكيد صحة دفاعه إلا أن الحكم التفت عن هذا الطلب بما يعيب القرار المطعون فيه بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه من المقرر وفق المادة 216 من قانون الإجراءات الجزائية أن يشتمل الحكم أو القرار الصادر على بيان الواقعة المنسوبة للمتهم بيانا تتحقق به كافة الشروط القانونية حتى يتسنى لمحكمة التمييز مراقبة صحة تطبيق القانون على الواقعة كما صار إثباتها في الحكم أو القرار. لما كان ذلك، وكانت اتفاقية التعاون الأمني وتسليم المجرمين المبرمة بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تشترط أن يكون طلب التسليم مصحوبا بالتعريف بالجريمة المسندة إلى المطلوب تسليمه وأن يكون متعلقا بجريمة جنائية كما ورد بصدر هذه الاتفاقية رغبة من الطرفين بضرورة التعاون في مجال مكافحة الجريمة والتي تعد من جرائم الحدود أو القصاص أو التعزير أو الحد الأدنى للعقوبة المقررة نظاما لا يقل عن السجن ستة أشهر وضربت المادة الثالثة من هذه الاتفاقية نوع هذه الجرائم القتل والسلب والسرقة المصحوبة بأعمال إكراه سواء ارتكبت من قبل شخص واحد أو عدة أشخاص ضد الأفراد أو السلطات الحكومية أو المحلية أو السكك الحديدية أو اختطاف الطائرات أو غير ذلك من وسائل النقل والمواصلات وكذلك جرائم التخريب والإرهاب وكل تعد مادي على رئيسي الدولتين المتعاقدتين أو أصولهم أو فروعهم أو زوجاتهم وجرائم الاعتداء على ولي العهد وأفراد الأسرة المالكة والوزراء ومن في حكمهم في إحدى الدولتين والجرائم العسكرية والشروع في الجرائم المذكورة إذ كان نظام الدولتين يعاقب عليها. ولما كان الثابت من مدونات القرار المطعون فيه جاء خلوا من بيان فيما إذا كان طلب التسليم متعلقا بجريمة جنائية كما جاء بالاتفاقية الأمنية التي أسند إليها القرار المطعون فيه بإمكانية تسليم المطلوب تسليمه من عدمه وما إذا كان التهرب من تنفيذ حكم قضائي بدفع مبلغ 116.215 ريال سعودي للبنك ........ جريمة جنائية أم لها أحكام أو طرق أخرى غير جنائية تحكم ضوابط تنفيذها لدى الدولة المطلوب إليها التسليم المطلوب تسليمه لا تختص به المحاكم الجنائية لما لهذا البيان الجوهري لما قد يترتب على بيانه من أثر في تحديد مدى انطباق شروط التسليم على الواقعة بما يعجز هذه المحكمة عن القول بصحيح كلمتها في صحيح القانون فإن الحكم يكون مشوبا بالقصور الذي يتسع له وجه الطعن مما يتعين نقضه والإحالة دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.

الطعن 119 لسنة 2016 ق جلسة 21 / 3 / 2016 جزائي دبي مكتب فني 27 ق 22 ص 189

جلسة الاثنين 21 مارس 2016
برئاسة السيد القاضي/ عبد العزيز عبد الله الزرعوني رئيس الدائرة وعضوية السادة القضاة: مصطفى عطا محمد الشناوي، مصبح سعيد ثعلوب، محمود مسعود متولي شرف وأحمد عبد الله حسين.
----------------
(22)
الطعن رقم 119 لسنة "جزاء"
احتيال. تقنية المعلومات. حكم "عيوب التدليل: القصور". جريمة "أركانها" "بعض أنواع الجرائم: جرائم تقنية المعلومات". تمييز "أسباب الطعن: القصور في التسبيب".
الطرق الاحتيالية في جريمة النصب. شرطها. م 399 عقوبات والمادة 11 من قانون رقم 5 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات. مجرد الأقوال والادعاءات الكاذبة مهما بالغ قائلها في تأكيد صحتها. لا تكفي وحدها لتوافر الطرق الاحتيالية في جريمة النصب. وجوب أن يكون الكذب مصحوبا بأعمال مادية أو مظاهر خارجية تحمل على الاعتقاد بصحته. إغفال الحكم بيان واقعة الاحتيال وما صدر عن المتهم من قول أو فعل في حضرة المجني عليه مما حمله على تسليم ماله. قصور.
------------------
المقرر أن الطرق الاحتيالية في جريمة النصب يجب أن يكون من شأنها الإيهام بمشروع كاذب أو واقعة مزورة أو إحداث الأمل بحصول ربح وهمي أو غير ذلك من الأمور المبينة على سبيل الحصر في المادة 399 عقوبات والمادة 11 من قانون رقم من القانون رقم (5) في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات وكان من المقرر أن مجرد الأقوال والادعاءات الكاذبة مهما بالغ قائلها في تأكيد صحتها لا تكفي وحدها لتوافر الطرق الاحتيالية بل يجب لتحقق هذه الطرق في جريمة النصب أن يكون الكذب مصحوبا بأعمال مادية أو مظاهر خارجية تحمل المجني عليه على الاعتقاد بصحته، لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه بيانا لتوافر الطرق الاحتيالية لا يعدو مجرد أقوال وادعاءات كاذبة وليس هنالك أعمال مادية أو مظاهر خارجية تؤكد صحتها كما خلت أوراق الدعوى من ذلك. لما كان ذلك، فإن ما صدر عن الطاعن من قيامه بادعاء أن لديه محل صرافة وباستطاعته توفير عملة التومان الإيراني بسرعة وإرسال صورة محل للمجني عليه - عن طريق الواتس آب - ما هو إلا مجرد كذب لا تتوافر به أركان جريمة النصب حسبما نص عليها القانون، فضلا عن أن البين من الحكم المطعون فيه ومن المفردات أن المجني عليه كان يعلم أن الطاعن يتاجر في العملة وله مكتب في دبي يباشر منه نشاطه، ومن ثم فإنه يجب على الحكم - على هدي ما سلف - أن يعني ببيان واقعة الاحتيال وما صدر من المتهم من قول أو فعل في حضرة المجني عليه مما حمله على تسليم ماله، فإذا قصر في هذا البيان كان في ذلك تفويت على محكمة النقض لحقها في مراقبة تطبيق القانون علي الواقعة الثابتة بالحكم. لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه يكون مشوبا بالقصور في التسبيب.
---------------
الوقائع
وحيث إن النيابة العامة أسندت إلى المتهم........لأنه بتاريخ 2/11/2014 بدائرة مركز شرطة المرقبات.
توصل للاستيلاء لنفسه على مبلغ (2.15.000 درهم) والمملوك للمجني عليه/ ........، وذلك بالاستعانة بطرق احتيالية بأن زعم للمجني عليه ببرنامج (الواتس آب) بأن لديه محلا للصرافة وباستطاعته توفير عملة التومان الإيراني بسرعة فائقة عن مثيله من محلات الصرافة ودعم مزاعمه بإرسال صورة لمحل صرافة على هاتف المجني عليه، الأمر الذي أدى إلى خداع المجني عليه وتسليمه المبلغ المالي عن طريق المبلغ/ .......، على النحو المبين بالأوراق.
وطلبت معاقبته بالمواد (1/ 1- 9، 11، 42) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 5 لسنة 2012.
وقضت محكمة أول درجة حضوريا بجلسة 11/11/2015 بمعاقبة المتهم بالحبس لمدة سنة واحدة وبتغريمه مائة ألف درهم وإبعاده عن الدولة.
طعن المحكوم عليه في هذا الحكم بالاستئناف رقم 8130 لسنة 2015. وبتاريخ 14/1/2016 حكمت محكمة ثاني درجة حضوريا بقبول الاستئناف شكلا وفي الموضوع بالاكتفاء بحبس المتهم المستأنف لمدة أربعة أشهر وإبعاده عن الدولة وبإرجاع مبلغ تأمين الاستئناف.
طعن المحكوم عليه في هذا الحكم بالتمييز الماثل بموجب تقرير طعن مؤرخ 8/2/2016 مرفق به مذكرة بأسباب الطعن موقع عليها من محاميه الموكل طلب فيها نقضه.
--------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وتلاوة تقرير التلخيص الذي أعده القاضي/ ..... وسماع المرافعة والمداولة قانونا.
وحيث إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر له في القانون.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ذلك أنه تمسك في دفاعه أمام محكمة الموضوع بانتفاء أركان الجريمة المسندة إليه بيد أن الحكم التفت عن الرد على هذا الدفاع رغم جوهريته مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إنه من المقرر أن الطرق الاحتيالية في جريمة النصب يجب أن يكون من شأنها الإيهام بمشروع كاذب أو واقعة مزورة أو إحداث الأمل بحصول ربح وهمي أو غير ذلك من الأمور المبينة على سبيل الحصر في المادة 399 عقوبات والمادة 11 من قانون رقم من القانون رقم (5) في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات وكان من المقرر أن مجرد الأقوال والادعاءات الكاذبة مهما بالغ قائلها في تأكيد صحتها لا تكفي وحدها لتوافر الطرق الاحتيالية بل يجب لتحقق هذه الطرق في جريمة النصب أن يكون الكذب مصحوبا بأعمال مادية أو مظاهر خارجية تحمل المجني عليه على الاعتقاد بصحته. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه بيانا لتوافر الطرق الاحتيالية لا يعدو مجرد أقوال وادعاءات كاذبة وليس هنالك أعمال مادية أو مظاهر خارجية تؤكد صحتها كما خلت أوراق الدعوى من ذلك. لما كان ذلك، فإن ما صدر عن الطاعن من قيامه بادعاء أن لديه محلا صرافة وباستطاعته توفير عملة التومان الإيراني بسرعة وإرسال صورة محل للمجني عليه - عن طريق الواتس آب - ما هو إلا مجرد كذب لا تتوافر به أركان جريمة النصب حسبما نص عليها القانون، فضلا عن أن البين من الحكم المطعون فيه ومن المفردات أن المجني عليه كان يعلم أن الطاعن يتاجر في العملة وله مكتب في دبي يباشر منه نشاطه، ومن ثم فإنه يجب على الحكم - على هدي ما سلف - أن يعني ببيان واقعة الاحتيال وما صدر من المتهم من قول أو فعل في حضرة المجني عليه مما حمله على تسليم ماله، فإذا قصر في هذا البيان كان في ذلك تفويت على محكمة النقض لحقها في مراقبة تطبيق القانون علي الواقعة الثابتة بالحكم. لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه يكون مشوبا بالقصور في التسبيب مما يعيبه ويوجب نقضه والإحالة بغير حاجة لبحث باقي أوجه الطعن.

الطعن 137 لسنة 2016 ق جلسة 29 / 2 / 2016 جزائي دبي مكتب فني 27 ق 20 ص 175

جلسة الاثنين 29 فبراير 2016
برئاسة السيد القاضي/ عبد العزيز عبد الله الزرعوني رئيس الدائرة وعضوية السادة القضاة: مصطفى عطا محمد الشناوي، محمود مسعود متولي شرف، محمود فهمي سلطان وأحمد عبدالله حسين.
----------------
(20)
الطعن رقم 137 لسنة 2016 "جزاء"
(1) حكم "بيانات الحكم" "تسبيب الحكم: تسبيب غير معيب".
عدم رسم القانون شكلا خاصا لصياغة الحكم. كفاية تفهم الواقعة بأركانها وظروفها من مجموع ما أورده. م 216 إجراءات.
(2) جريمة "أركانها". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الأدلة".
تقدير الوقائع والأدلة ومدى توافر أركان الجريمة المنسوبة إلى المتهم. من سلطة محكمة الموضوع. ما دام سائغا.
(3) إثبات "عبء الإثبات". تقليد" تقليد العلامات التجارية". جريمة "أركانها" "بعض أنواع الجرائم: جريمة بيع أو حيازة منتجات مقلدة". قصد جنائي. حكم "تسبيبه: تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع" سلطتها في التقليد".
جريمة البيع أو الحيازة بقصد البيع لمنتجات مقلدة. مناط تحقق ركنيها المادي والمعنوي. م 37/ 3ق 37 لسنة 1992 في شأن العلامات التجارية المعدل. سبق تسجيل العلامة المعتدى عليها مثل الجرائم المنصوص عليها في المادة 37/ 1، 2 من القانون السابق. غير لازم. علة ذلك. تقدير علم من قام بالبيع أو العرض أو الحيازة بأن ما يعرضه مقلد أو مزور. من سلطة محكمة الموضوع. تحدث الحكم صراحة واستقلالا عن كل ركن من أركان جريمة التقليد. غير لازم. ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه. القصد الجنائي الذي يتطلبه القانون في جريمة حيازة البضائع المقلدة بقصد البيع. خاص. إثبات عكسه. وقوعه على المتهم.
(4) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في الإثبات: في شهادة الشهود".
وزن أقوال الشاهد والتعويل عليها مهما وجه إليها من مطاعن. من سلطة محكمة الموضوع. أخذها بشهادته. مفاده. إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
(5) تقليد" تقليد العلامات التجارية". جريمة "أركانها" "بعض أنواع الجرائم: جريمة بيع أو حيازة منتجات مقلدة". تمييز" أسباب الطعن: ما لا يقبل منها".
جريمة البيع أو الحيازة بقصد البيع لمنتجات مقلدة. م 37/ 3ق 37 لسنة 1992 في شأن العلامات التجارية المعدل. لا يشترط لقيامها سبق تسجيل العلامة مثل الجرائم المنصوص عليها في المادة 37/ 1، 2 منه. علة ذلك. كفاية أن يكون من قام بالبيع أو العرض أو الحيازة بقصد البيع عالما بأن ما يعرضه مقلد أو مزور. نعى الطاعن بتساند الحكم في الإدانة إلى شهادة وزارة الاقتصاد رغم أن الثابت منها أن العلامة التجارية معترض عليها وأنها ما زالت غير مسجلة بما تنحسر عنها الحماية الجنائية. غير مقبول.
-----------------
المقرر أن القانون لم يرسم شكلا خاصا يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها فمتى كان مجموع ما أورده الحكم - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - كافيا في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة كان ذلك محققا لحكم القانون حسبما تقضي به المادة 216 من قانون الإجراءات الجزائية.
2 - المقرر أن تقدير الوقائع والأدلة ومدى توافر أركان الجريمة المنسوبة إلى المتهم من عدمه من سلطة محكمة الموضوع وحسبها أن تقيم قضاءها على أسباب سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق وكافية لحمله.
3 - مفاد نص الفقرة الثالثة من المادة 37 من القانون الاتحادي رقم (37) لسنة 1992 في شأن العلامات التجارية المعدلة بالقانون الاتحادي رقم (8) لسنة 2002 والتي تعاقب على: ((كل من باع أو عرض للبيع أو للتداول أو حاز بقصد البيع منتجات عليها علامة تجارية مزورة أو مقلدة أو موضوعة بغير حق مع علمه بذلك)). إن جريمة البيع أو الحيازة بقصد البيع لمنتجات مقلدة يتحقق ركنها المادي المتمثل في البيع أو العرض للبيع أو الحيازة بقصد البيع لبضاعة أو منتجات عليها علامات تجارية مقلدة وفي ركنها المعنوي المتمثل في ثبوت علم من قام بذلك بكون تلك البضاعة عليها علامة مزورة أو مقلدة، ولا يشترط لقيام هذه الجريمة سبق تسجيل العلامة مثل الجرائم الأخرى المنصوص عليها في المادة 37 المشار إليها بالفقرتين الأولى والثانية ففي هذه الجرائم لا بد من توافر شرط التسجيل للعلامة المعتدى عليها إذ قصد المشرع حماية العلامات التجارية المسجلة أما الجريمة المنصوص عليها بالفقرة الثالثة من تلك المادة فإن المشرع قصد من سن هذا النص حماية المستهلك من الغش والتضليل لهذا اشترط أن يكون من قام بالبيع أو العرض أو الحيازة للبيع عالما بأن ما يعرضه مقلد أو مزور وهو الركن المعنوي لهذه الجريمة، وأن تقدير هذا الركن مما تستقل به محكمة الموضوع تستخلصه من ظروف الواقعة ولا يلزم أن يتحدث الحكم صراحة واستقلالا عن كل ركن من أركان جريمة التقليد ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه، كما أنه وأن كان القصد الجنائي الذي يتطلبه القانون في جريمة حيازة البضائع المقلدة بقصد البيع هو قصد خاص إلا أنه مفترض من حيازة البضاعة المقلدة وعلى المتهم وحده إثبات عكس هذا القصد.
4 - المقرر أن لمحكمة الموضوع وزن أقوال الشاهد والتعويل عليها مهما وجه إليها من مطاعن ومتى أخذت بشهادته فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
5 - مفاد نص الفقرة الثالثة من المادة 37 من القانون الاتحادي رقم (37) لسنة 1992 في شأن العلامات التجارية المعدلة بالقانون الاتحادي رقم (8) لسنة 2002 أنه لا يشترط لقيام جريمة البيع أو الحيازة بقصد البيع لمنتجات مقلدة سبق تسجيل العلامة مثل الجرائم الأخرى المنصوص عليها في المادة 37 المشار إليها بالفقرتين الأولى والثانية إذ إنه لا بد من توافر شرط التسجيل للعلامة المعتدى عليها في هذه الجرائم لأن المشرع قصد حماية العلامات التجارية المسجلة أما في الجريمة محل الدعوى المطروحة المنصوص عليها بالفقرة الثالثة من المادة 37 سالفة الذكر فإن المشرع قصد حماية المستهلك من الغش والتضليل ومن ثم لم يشترط سبق تسجيل العلامة وإنما اكتفى باشتراط أن يكون من قام بالبيع أو العرض أو الحيازة بقصد البيع عالما بأن ما يعرضه مقلد أو مزور ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن بتساند الحكم في الإدانة إلى شهادة وزارة الاقتصاد رغم أن الثابت منها أن العلامة التجارية موضوع الدعوى الراهنة معترض عليها وأنها ما زالت غير مسجلة بما تنحسر عنها الحماية الجنائية يكون في غير محله.
-------------
الوقائع
وحيث إن النيابة العامة اتهمت: ........ لأنه بتاريخ 2/6/2014 بدائرة اختصاص مركز شرطة جبل علي.
حاز بقصد البيع على منتجات مقلدة (عدد 1000 كرتونة سجائر تحمل العلامة التجارية (.......) مع علمه بذلك على النحو الثابت بالأوراق.
وطلبت معاقبته بالمواد 2، 37/ 3، 43 من القانون الاتحادي رقم (37) لسنة 1992 والمعدل بالقانون الاتحادي رقم (8) لسنة 2002 في شأن العلامات التجارية.
وبجلسة 19/2/2015 حكمت محكمة أول درجة حضوريا بتغريم المتهم مبلغ خمسة آلاف درهما وبمصادرة المضبوطات وبإتلافها. لم يرتض المحكوم عليه هذا الحكم فطعن فيه بالاستئناف بتاريخ 22/2/2015 برقم 1344/ 2015.
وبجلسة 31/3/2015 حكمت المحكمة الاستئنافية غيابيا بقبول الاستئناف شكلا وفي الموضوع برفضه وبتأييد الحكم المستأنف. وإذ أعلن المحكوم عليه بالحكم الغيابي الاستئنافي بتاريخ 15/11/2015 فقد طعن فيه بطريق المعارضة في نفس التاريخ. وبجلسة 19/1/2016 حكمت المحكمة الاستئنافية بقبول المعارضة شكلا وفي الموضوع برفضها وبتأييد الحكم الغيابي المعارض فيه. طعن المحكوم عليه في هذا الحكم بالتمييز الماثل بموجب تقرير مؤرخ 16/2/2016 مرفق به مذكرة بأسباب الطعن موقع عليها من محاميه الموكل طلب فيها نقضه وسدد مبلغ التأمين المقرر.
---------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وتلاوة تقرير التلخيص الذي أعده السيد القاضي المقرر/ ........ وسماع المرافعة والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون ذلك أنه لم يحط بواقعة الدعوى ولم يلم بعناصرها ولم يبين مدى توافر أركان الجريمة المسندة إلى الطاعن في حقه ولم يورد مؤدى الأدلة التي خلص منها إلى ثبوت وقوعها منه، كما أن أوراق الدعوى خلت مما يفيد تسجيل العلامة التجارية من عدمه ولم يستظهر الحكم ذلك رغم أنه مناط الحماية الجنائية للعلامة ورغم وجود شهادة صادرة من وزارة الاقتصاد تفيد بأن العلامة التجارية - موضوع الدعوى - معترض عليها ولم تقدم الشركة الشاكية ما يفيد ما إذا كانت العلامة التجارية مسجلة من عدمه، هذا فضلا عن انتفاء القصد الجنائي للجريمة في حق الطاعن وذلك لخلو أوراق الدعوى من ثمة دليل على علمه بكنه المنتجات المقلدة التي ضبطت بحيازته وبأنها مشمولة بالحماية الجنائية ومسجلة بالدولة من عدمه لا سيما وأنه اعتصم منذ فجر التحقيقات بعدم علمه بأن هذه المضبوطات كانت بغرض البيع داخل الدولة أو خارجها لاقتصار دوره على شحن الحاوية القادمة من الهند (بلد المنشأ) بقصد تصديرها إلى ليبيا مرورا بميناء جبل علي بإمارة دبي كما هو ثابت ببوليصة شحن البضاعة الثابتة بالأوراق، وعول الحكم في قضائه بالإدانة إلى شهادة المدعو/ ...... بأن البضاعة المضبوطة عائدة للطاعن رغم أن الثابت من الأوراق أن الأخير قرر بأنها تخص المتهم الهارب في الدعوى، وأخيرا فقد تساند الحكم في الإدانة إلى شهادة وزارة الاقتصاد رغم أن الثابت منها أن العلامة التجارية - موضوع الدعوى - معترض عليها بما مفاده أنها ما زالت غير مسجلة ومن ثم لا تخضع للحماية الجنائية. وذلك بما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة لها معينها الصحيح بأوراق الدعوى ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها مستمدة مما ثبت بمحضر الضبط، ومما شهد به كل من العريف/ ......، ......، و......، ومما ثبت بتقرير الإدارة العامة للأدلة الجنائية، ومما ثبت بالشهادتين الصادرتين من وزارة الاقتصاد والتخطيط "إدارة التسجيل الجنائي". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلا خاصا يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها فمتى كان مجموع ما أورده الحكم - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - كافيا في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة كان ذلك محققا لحكم القانون حسبما تقضي به المادة 216 من قانون الإجراءات الجزائية، كما أنه من المقرر أن تقدير الوقائع والأدلة ومدى توافر أركان الجريمة المنسوبة إلى المتهم من عدمه من سلطة محكمة الموضوع وحسبها أن تقيم قضاءها على أسباب سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق وكافية لحمله لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه في مدوناته وفي رده على دفاع الطاعن كافيا وسائغا في بيان واقعة الدعوى بما تتحقق به الأركان القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وفي بيان أدلة الثبوت فيها ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان مفاد نص الفقرة الثالثة من المادة 37 من القانون الاتحادي رقم (37) لسنة 1992 في شأن العلامات التجارية المعدلة بالقانون الاتحادي رقم (8) لسنة 2002 والتي تعاقب على: ((كل من باع أو عرض للبيع أو للتداول أو حاز بقصد البيع منتجات عليها علامة تجارية مزورة أو مقلدة أو موضوعة بغير حق مع علمه بذلك)). إن جريمة البيع أو الحيازة بقصد البيع لمنتجات مقلدة يتحقق ركنها المادي المتمثل في البيع أو العرض للبيع أو الحيازة بقصد البيع لبضاعة أو منتجات عليها علامات تجارية مقلدة وفي ركنها المعنوي المتمثل في ثبوت علم من قام بذلك بكون تلك البضاعة عليها علامة مزورة أو مقلدة، ولا يشترط لقيام هذه الجريمة سبق تسجيل العلامة مثل الجرائم الأخرى المنصوص عليها في المادة 37 المشار إليها بالفقرتين الأولى والثانية ففي هذه الجرائم لا بد من توافر شرط التسجيل للعلامة المعتدى عليها إذ قصد المشرع حماية العلامات التجارية المسجلة أما الجريمة المنصوص عليها بالفقرة الثالثة من تلك المادة فإن المشرع قصد من سن هذا النص حماية المستهلك من الغش والتضليل لهذا اشترط أن يكون من قام بالبيع أو العرض أو الحيازة للبيع عالما بأن ما يعرضه مقلد أو مزور وهو الركن المعنوي لهذه الجريمة، وأن تقدير هذا الركن مما تستقل به محكمة الموضوع تستخلصه من ظروف الواقعة ولا يلزم أن يتحدث الحكم صراحة واستقلالا عن كل ركن من أركان جريمة التقليد ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه، كما أنه وإن كان القصد الجنائي الذي يتطلبه القانون في جريمة حيازة البضائع المقلدة بقصد البيع هو قصد خاص إلا أنه مفترض من حيازة البضاعة المقلدة وعلى المتهم وحده إثبات عكس هذا القصد. لما كان ذلك، وكان الثابت من مدونات الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه أنه بعد أن استعرض وقائع الاتهام ضد الطاعن انتهى إلى ثبوت قيام جريمة الحيازة بقصد البيع لمنتجات تحمل علامة تجارية مقلدة وموضوعة عليها بغير حق مع علمه بذلك في حقه مما أورده من أدلة سائغة لها معينها الصحيح من أوراق الدعوى - والتي لا ينازع الطاعن في أن لها أصلا ثابتا بالأوراق - وخلص إلى ثبوت توافر علم الطاعن بتقليد العلامة التجارية حيث أورد الحكم الابتدائي قوله: ((أن المحكمة تستخلص من استيراد المتهم لتلك الشحنة المضبوطة وهي تحمل اسم لسجائر لشركة مالكة لعلامة تجارية بذات الاسم دليلا على علمه بتقليد تلك العلامة)) وأضاف الحكم المطعون فيه قوله: ((اطمئنان المحكمة لتوافر علم المتهم المستأنف بطبيعة البضاعة المضبوطة لأن العلم هو من الأمور الباطنية التي يخفيها الجاني ولمحكمة الموضوع أن تستخلص ذلك العلم من علمه من الظروف والملابسات المحيطة بواقعة الدعوى، ومتى كان ما تقدم وكان الثابت من التحقيقات التي أجريت مع المتهم أنه قد أقر بتحقيقات النيابة العامة بأن البضاعة المضبوطة مملوكة له وبأنه اشتراها من دولة الهند في حين أنه مثبت على العلب كلمة ((........)) وكانت علب السجائر المقلدة المضبوطة تتشابه مع الأصلية الأمر الذي ترى معه هذه المحكمة أن المتهم قد استغل الشكل الخاص بعلب السجائر الأصلية التي تحمل العلامة التجارية ((..........)) واستورد من دولة الهند سجائر مشابهة لها للاستفادة من سمعة هذه العلامة التجارية وتحقيق مكسب من وراء بيعها الأمر الذي تستخلص معه المحكمة توافر العلم في جانب المتهم بأن البضاعة المضبوطة مقلدة)) وهي أسباب سائغة وكافية لحمل قضاء الحكم في هذا الخصوص ومن ثم فإن كافة ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون سديدا. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن بانتفاء حيازته للبضاعة بقصد البيع لأن الغرض من الحيازة كان بقصد الشحن إلى ليبيا وأطرحه بقوله: ((فهو لا يجديه ذلك بأن المقرر في قضاء محكمة تمييز دبي من أن المشرع لم يشترط أن تكون الحيازة أو العرض للبيع داخل الدولة أو خارجها الأمر الذي يضحى ما أثاره المدافع مع المتهم في هذا الخصوص غير قويم حريا بالرفض)). وهذا الذي أورده الحكم - على نحو ما سلف - يكفي ويسوغ به إطراح دفاع الطاعن في هذا المنحى ومن ثم فإن ما يثيره في هذا الصدد يكون غير مقبول. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع وزن أقوال الشاهد والتعويل عليها مهما وجه إليها من مطاعن ومتى أخذت بشهادته فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكانت المحكمة قد اطمأنت لشهادة الشاهد/ ....... بأن البضاعة المضبوطة عائدة للطاعن لا سيما وأن الثابت مما حصله الحكم المطعون فيه من أقوال المتهم بتحقيقات النيابة العامة - والتي لا ينازع الطاعن في أن لها أصلا ثابتا بالأوراق - أنه أقر بأن البضاعة المضبوطة مملوكة له وبأنه اشتراها من دولة الهند ومن ثم فإن منعى الطاعن بقالة تعويل الحكم على أقوال الشاهد المذكور بأن البضاعة المضبوطة مملوكة للطاعن رغم أن الأخير قرر أنها تخص المتهم الهارب في الدعوى يكون لا محل له. لما كان ذلك، وكان مفاد نص الفقرة الثالثة من المادة 37 من القانون الاتحادي رقم (37) لسنة 1992 في شأن العلامات التجارية المعدلة بالقانون الاتحادي رقم (8) لسنة 2002 - على نحو ما سلف بيانه - أنه لا يشترط لقيام جريمة البيع أو الحيازة بقصد البيع لمنتجات مقلدة سبق تسجيل العلامة مثل الجرائم الأخرى المنصوص عليها في المادة 37 المشار إليها بالفقرتين الأولى والثانية إذ إنه لا بد من توافر شرط التسجيل للعلامة المعتدى عليها في هذه الجرائم لأن المشرع قصد حماية العلامات التجارية المسجلة أما في الجريمة محل الدعوى المطروحة المنصوص عليها بالفقرة الثالثة من المادة 37 سالفة الذكر فإن المشرع قصد حماية المستهلك من الغش والتضليل ومن ثم لم يشترط سبق تسجيل العلامة وإنما اكتفى باشتراط أن يكون من قام بالبيع أو العرض أو الحيازة بقصد البيع عالما بأن ما يعرضه مقلد أو مزور ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن بتساند الحكم في الإدانة إلى شهادة وزارة الاقتصاد رغم أن الثابت منها أن العلامة التجارية موضوع الدعوى الراهنة معترض عليها وأنها ما زالت غير مسجلة بما تنحسر عنها الحماية الجنائية يكون في غير محله. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يضحى على غير أساس متعين الرفض مع مصادرة مبلغ التأمين.

الجمعة، 4 يوليو 2025

الطعن 1054 لسنة 53 ق جلسة 2 / 4 / 1987 مكتب فني 38 ج 1 ق 117 ص 547

جلسة 2 من إبريل سنة 1987

برياسة السيد المستشار/ يوسف أبو زيد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين وليم رزق بدوي نائب رئيس المحكمة، أحمد نصر الجندي، د. محمد بهاء الدين باشات وأحمد أبو الحجاج.

----------------

(117)
الطعن رقم 1054 لسنة 53 القضائية

تزوير. إثبات "إجراءاته". حكم "تسبيبه".
الادعاء بالتزوير دون سلوك إجراءاته. اعتباره إنكاراً للتوقيع. م 14 إثبات. عدم تحقيق المحكمة لهذا الادعاء. خطأ وقصور.

------------------
تمسك الطاعنة في صحيفة الاستئناف بتزوير الإقرار المؤرخ 17/ 10/ 1971 دون أن تسلك إجراءات الادعاء بالتزوير المنصوص عليها في المادة 49 وما بعدها من قانون الإثبات بما يعد منها - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - إنكاراً لما نسب إليها من توقيع ببصمة الختم على الإقرار المشار إليه وفقاً للمادة 145 من القانون المذكور، فإن الحكم المطعون فيه إذ لم يحقق لها هذا الادعاء بالإنكار وأيد الحكم الابتدائي على سند من مجرد أن الطاعنة لم تنكر صراحة الختم المنسوب إليها على الإقرار سالف البيان - يكون فضلاً عن خطئه في تطبيق القانون معيباً بالقصور في التسبيب.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعنة أقامت الدعوى رقم 2943/ 1981 مدني كلي دمنهور على المطعون ضدهما طالبة الحكم بثبوت ملكيتها لقطعة الأرض المبينة بالصحيفة وما عليها من مبان، وقالت بياناً لها إنها كانت زوجة للمرحوم....... ابن المطعون ضدهما الذي كان قد اشترى - قبل وفاته - باسمه لحسابها قطعة الأرض موضوع النزاع وقامت هي بسداد ثمنها من مالها الخاص وأقامت مبان عليها من مالها ومال أولادها القصر منه وإذ نازعها المطعون ضدهما في ذلك فقد أقامت الدعوى ليحكم لها بطلباتها. قدم المطعون ضدهما إقراراً مؤرخاً 17/ 10/ 1971 نسب صدوره للطاعنة تقر فيه باستحقاقها الثمن في تركة مورثها. بتاريخ 1/ 4/ 1982 قضت المحكمة برفض الدعوى. استأنفت الطاعنة هذا الحكم لدى محكمة استئناف الإسكندرية - مأمورية دمنهور - بالاستئناف رقم 329/ 38 ق طالبة إلغاءه والحكم لها بطلباتها. بتاريخ 9/ 2/ 1983 قضت المحكمة بالتأييد. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض أودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفضه، عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة في السبب الأول من سببي الطعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور، وفي بيان ذلك تقول إنها تمسكت أمام محكمة الاستئناف بإنكار صدور الورقة المؤرخة 17/ 10/ 1971 منها والمقدمة من المطعون ضدهما، مما كان يتعين معه على المحكمة أن تفصل في دفعها هذا الإنكار وفقاً للمادة 30 من قانون الإثبات، وإذ أغفلت المحكمة تحقيق هذا الدفاع والفصل فيه يكون حكمها معيباً بالخطأ في تطبيق القانون والقصور بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله ذلك أن الثابت من صحيفة الاستئناف أن الطاعنة تمسكت بتزوير الإقرار المؤرخ 17/ 10/ 1971 دون أن تسلك إجراءات الادعاء بالتزوير المنصوص عليها في المادة 49 وما بعدها من قانون الإثبات، بما يعد منها - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - إنكاراً لما نسب إليها من توقيع ببصمة الختم على الإقرار المشار إليه وفقاً للمادة 14 من القانون المذكور فإن الحكم المطعون فيه إذ لم يحقق لها هذا الادعاء بالإنكار وأيد الحكم الابتدائي على سند من مجرد أن الطاعنة لم تنكر صراحة الختم المنسوب إليها على الإقرار سالف البيان يكون فضلاً عن خطئه في تطبيق القانون معيباً بالقصور في التسبيب بما يوجب نقضه دون حاجة إلى بحث باقي أسباب الطعن.
ولما تقدم يتعين نقض الحكم.