الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 19 يوليو 2023

الطعنان 525 ، 1162 لسنة 11 ق جلسة 28 / 12 / 1968 إدارية عليا مكتب فني 14 ج 1 ق 18 ص 140

جلسة 28 من ديسمبر سنة 1968

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعادل عزيز زخاري ومحمد طاهر عبد الحميد ويوسف إبراهيم الشناوي المستشارين.

------------------

(18)

القضية رقم 525 والقضية رقم 1162 لسنة 11 القضائية

(أ) - ترخيص (صيدلية) 

- القانون رقم 5 لسنة 1941 بشأن مزاولة مهنة الصيدلة - اشتراطه لنقل أية صيدلية من مكان لآخر الحصول على ترخيص - نصه على أنه ينبغي على وزارة الصحة أن تجيب على طلب الترخيص كتابة خلال ثلاثين يوماً - لم يرتب على عدم الإجابة عليه في هذا الميعاد أي أثر من حيث اعتباره ترخيصاً ضمنياً في النقل - إخطار الطالب الوزارة بأنه أخلى المحل أو إخطاره لها بعد انتهاء الميعاد بأنه أتم النقل - عدم إجابة الوزارة على إخطاراته لا يعتبر بمثابة ترخيص بالنقل - أساس ذلك.
(ب) - حكم "حجيته" 

- صدور حكم بانقضاء الدعوى العمومية وبراءة المتهم مما نسب إليه بشأن نقل صيدلية بدون ترخيص - إقامة الدعوى العمومية عليه مرة ثانية عن ذات الواقعة ولكن بوصف قانوني جديد باعتبار أنه أدار صيدلية قبل الحصول على ترخيص - الحكم ببراءته تأسيساً على أنه لم يقم بفتح صيدلية بدون ترخيص بل نقل صيدلية إلى مكان آخر وانقضت الثلاثون يوماً التي يمكن للوزارة خلالها أن تعثر على طلب النقل - هذا الحكم لا تحوز أسبابه حجية الشيء المقضى به - أساس ذلك أن أسبابه انطوت على إهدار لحجية الحكم الجنائي الأول إذ كان يتعين على المحكمة أن تقضي من تلقاء نفسها بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها دون التعرض لبحث موضوعها ودون حاجة لأن يدفع أمامها بذلك لأن قوة الشيء المحكوم فيه جنائياً من النظام العام - لا محل للقول بأن لهذا الحكم حجية في ثبوت أن نقله للصيدلية قد تم بناء على قرار ضمني بالترخيص - أساس ذلك.
(جـ) - تعويض (خطأ) 

- السير في إجراءات معاينة المحل المراد نقل الصيدلية إليه وما اقتضاه ذلك من طلب إخلائه من شاغليه وما جره هذا الإخلاء على الطالب من نفقات تحملها - حصول ذلك نتيجة لطلبه الذي أصر عليه في الإنذار الموجه منه للوزارة بعد أن أوضح في طلب الترخيص أنه يطلب المعاينة تحت مسئوليته - قيامه بالإخلاء والنقل في هذه الظروف مع علمه بأنه لم يكن قد صدر قرار بالترخيص له في هذا النقل - انتفاء الخطأ من جانب جهة الإدارة.

------------------------
1 - إن المادة 23 من القانون رقم 5 لسنة 1941 التي استند إليها المدعي تنص على أن (نقل أية صيدلية من مكان لآخر يجب الترخيص به مقدماً من وزارة الصحة العمومية ويجب أن يصحب طلب الترخيص بالنقل برسم كروكي ووصف للمحل الجديد وينبغي أن تجيب الوزارة كتابة في خلال ثلاثين يوماً ولا يجوز رفض طلب النقل إلا إذا كان المحل الجديد غير مطابق للشروط المنصوص عليها في المادة 15 السابقة أو غير مستوف للشروط الصحية المطلوبة..) وتضمنت المادة 15 المشار إليها النص على أن يراعى في منح الترخيص بفتح الصيدليات ألا يزيد عدد الصيدليات عن صيدلية واحدة لكل اثنى عشر ألف شخص وألا يرخص بفتح صيدلية بمدينة القاهرة إذا كانت تقع على مسافة أقل من مائتي متر من صيدلية موجودة فعلاً.
وإنه ولئن كان نص المادة 23 من القانون رقم 5 لسنة 1941 واضحاً من حيث حث الوزارة واستنهاضها في أن تجيب على طلب الترخيص بنقل الصيدلية خلال ثلاثين يوماً من تقديم الطلب إلا أنها لم ترتب على عدم الإجابة عليه في الميعاد المذكور أي أثر من حيث اعتباره ترخيصاً ضمنياً له في هذا النقل وكذلك لا يقوم مقام هذا الترخيص مجرد كتابة الوزارة إلى المدعي في 25 من مايو سنة 1950 طالبة إخلاء المحل رقم 17 بميدان السيدة زينب تمهيداً لإعادة معاينته من الناحية الصحية لأن الإجراءات التمهيدية التي تقوم بها الوزارة لا ترتب حقاً لأحد ما دام الترخيص السابق حسبما كان يقضي به القانون لم يتحقق للمدعي وفضلاً عما تقدم فإنه لا يعتبر بمثابة ترخيص بالنقل عدم إجابة الوزارة على ما أرسله المدعي إليها من كتب تتضمن إخطارها بأنه قد أخلى المحل المذكور أو إخطارها بعد ذلك بأنه سيقوم بنقل الصيدلية أو بأنه قد أتم النقل فعلاً - إذ فضلاً عن أن الأمر يتعلق بسلطة مقيدة بشروط معينة يجب توافرها قبل منح الترخيص - فإن النص صريح في وجوب الحصول مقدماً على هذا الترخيص.
ولا يجدي المدعي أن يستند في هذا الشأن إلى الحكم الذي استحدثه القانون رقم 127 لسنة 1955 في شأن مزاولة مهنة الصيدلة بنصه في المادة 12 منه على أنه يعتبر في حكم الموافقة فوات ثلاثين يوماً دون إبلاغ طالب الترخيص بالرأي - إذ أن هذا القانون فيما استحدثه من أحكام لا يسري على وقائع الدعوى التي تمت وتحققت آثارها القانونية قبل العمل به وفي ظل قانون سابق هو القانون رقم 5 لسنة 1941 الذي سبق بيان أحكامه في هذا الشأن.
2 - إن ما يذهب إليه المدعي من أن الحكم الصادر ببراءته في المخالفة رقم 6484 لسنة 1954 السيدة زينب له حجية قاطعة في نفي مقارفته لأية مخالفة بسبب نقله لصيدليته وفي إثبات أن هذا النقل قد تم بناء على قرار ضمني بالترخيص له فيه - ما يستدل به المدعي من ذلك لا تنهض به حجة - ذلك أنه يبين من الرجوع إلى الأوراق (ملف رقم 8 المودع تحت رقم 2 دوسيه بملف الدعوى) - أنه بتاريخ 20 من يناير سنة 1952 حرر مفتش الصيدليات محضر مخالفة ضد المدعي لأنه في ذلك التاريخ (تجارى على نقل صيدلية أبو العز المرخص بها بشارع القصر العيني رقم 49 إلى الملك رقم 17 بميدان السيدة زينب بدون ترخيص من الوزارة بالمخالفة لحكم المادة 23 من قانون الصيدلة رقم 5 لسنة 1941) - وقيدت هذه المخالفة برقم (2777 سنة 1952 السيدة) وطلبت النيابة عقابه عملاً بنص المواد 23، 44، 84، 108 من القانون رقم 5 لسنة 1941 - فدفع بانقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة له مستنداً إلى المواد 15، 16، 17 من قانون الإجراءات الجنائية على أساس أن النقل قد تم في 16 من أغسطس سنة 1950 - وبجلسة 6 من ديسمبر سنة 1953 قضت محكمة السيدة زينب بقبول هذا الدفع وبانقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة له وببراءته مما نسب إليه واستندت في ذلك إلى أن المخالفة المنسوبة إليه وقعت طبقاً للاتهام في 20 من يناير سنة 1952 - وقد استؤنف هذا الحكم وقضى بتأييده بجلسة 8 من مارس سنة 1954 - ثم أعقب ذلك اتهام المدعي بأنه في يوم 24 من مايو سنة 1954 أدار صيدلية قبل الحصول على ترخيص من وزارة الصحة وقيدت الواقعة برقم (6484 سنة 1954 مخالفات السيدة) وطلبت النيابة عقابه بالمواد 1، 12، 18، من القانون رقم 5 لسنة 1941 - ودفع المدعي بسقوط الدعوى لانقضاء أكثر من سنة على وقوع المخالفة في 20 من يناير سنة 1952 وهو تاريخ اكتشاف الواقعة وتحرير محضر المخالفة - ولكن المحكمة رفضت هذا الدفع وقضت بجلسة 20 من مارس سنة 1956 ببراءة المدعي مما نسب إليه تأسيساً على أن العملية التي قام بها ليست عملية فتح صيدلية بدون ترخيص بل عملية نقل صيدليته المرخص بها سابقاً من مكان إلى آخر وعلى أن الثابت أنه تقدم إلى قسم الصيدليات في 7 من مايو سنة 1950 بطلب بنقل صيدليته ولما انقضت مدة الثلاثين يوماً التي يمكن للوزارة فيها الاعتراض على الطلب أرسل إليها إخطاراً بأنه سيبدأ عملية النقل حسب القانون وتم ذلك فعلاً في 16 من أغسطس سنة 1950.
ولئن كان ثاني الحكمين المشار إليهما وهو الحكم الصادر من محكمة السيدة زينب في 20 من مارس سنة 1956 في المخالفة رقم 6484 لسنة 1954 قد انتهى في منطوقه إلى ذات النتيجة التي انتهت إليها تلك المحكمة في حكمها الأول الصادر في 6 من ديسمبر سنة 1953 في المخالفة رقم 2777 سنة 1952 وهي براءة المدعي مما نسب إليه إلا أن ذلك الحكم قد انطوى في أسبابه التي أقام عليها قضاءه على إهدار لحجية الحكم الأول - ذلك أن المحكمة بعد أن عدلت وصف التهمة بما يطابق وصفها الوارد في قيد المخالفة رقم 2777 سنة 1952 رفضت الدفع بانقضاء الدعوى الجنائية وتعرضت لبحث موضوعها - في حين أنه ما كانت تجوز معاودة النظر في تلك الدعوى بعد الحكم فيها نهائياً ما دام موضوع التهمة في حقيقته واحداً وإن تغير في الظاهر وصفه القانوني وهذا ما تقضي به المادة 455 من قانون الإجراءات الجنائية وما يقتضيه احترام قوة الشيء المقضي، فكان يتعين إذن على المحكمة أن تقضي من تلقاء نفسها في المخالفة رقم 6484 لسنة 1954 بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها دون التعرض لبحث موضوعها - وما كانت في حاجة لأن يدفع أمامها بذلك لأن قوة الشيء المحكوم فيه جنائياً من النظام العام.
وإن استناد المدعي إلى أسباب الحكم الصادر في المخالفة رقم 6484 لسنة 1954 للقول بأن لذلك الحكم حجيته في ثبوت أن نقله للصيدلية قد تم بناء على قرار ضمني بالترخيص - مردود بأن الأصل أن منطوق الحكم هو الذي يحوز حجية الشيء المحكوم فيه ولا تثبت الحجية إلا للأسباب المرتبطة بالمنطوق ارتباطاً وثيقاً والتي لا تقوم له قائمة بدونها - ويبين من الرجوع إلى حكمي محكمة السيدة زينب المشار إليهما أنهما ولئن كانا قد انتهيا إلى ذات النتيجة وهي براءة المدعي من مخالفة نقل صيدليته دون ترخيص - إلا أن أولهما قد قضى في منطوقه بانقضاء الدعوى الجنائية - أما منطوق ثانيهما فقد اقتصر على القضاء بالبراءة استناداً إلى أسباب تتحصل في أن المدعي لم يخالف القانون في نقل صيدليته والواقع أن ما تعرضت له هذه الأسباب لم يكن ضرورياً للفصل في الدعوى لو أن المحكمة احترمت حجية الحكم الأول الحائز لقوة الأمر المقضي - بل إن هذه الأسباب - حسبما سبق البيان - قد انطوت على إهدار لتلك الحجية المتعلقة بالنظام العام والتي كان من مقتضاها ألا تتعرض المحكمة في حكمها الثاني لموضوع الدعوى الجنائية وأن تقضي بعدم جواز نظرها لسبق الفصل فيها - وبناء على ذلك فإن الأسباب المذكورة التي أقام عليها الحكم الصادر في المخالفة رقم 6484 سنة 1954 قضاءه بالبراءة - بعد أن كانت الدعوى الجنائية قد انقضت بمضي المدة وقضي بانقضائها بحكم نهائي - هذه الأسباب لا تثبت لها حجية الشيء المحكوم فيه - بل يتعين التعويل في هذا الشأن على ما ورد بمنطوق الحكم الأول الصادر في المخالفة رقم 2777 سنة 1952 من قضاء بانقضاء الدعوى الجنائية كسبب للحكم ببراءة المدعي.
ومن حيث إنه لما تقدم لا تكون لأسباب الحكم الصادر في المخالفة رقم 6484 سنة 1954 أية حجية في نفي مخالفة القانون من المدعي في خصوص نقل صيدليته أو في إثباته أن هذا النقل قد تم بناء على ترخيص ضمني مستفاد من تصرم مدة من المدد دون إجابة الجهة الإدارية، لا حجية للحكم المذكور في هذه النواحي ولا في غيرها وإنما العبرة هي بحقيقة الواقع وهي أنه قام بهذا النقل على مسئوليته، ودون أن يحصل مقدماً على ترخيص به من الجهة المختصة حسبما كان يقضي القانون.
3 - إن السير في إجراءات معاينة المحل رقم 17 بميدان السيدة زينب للتحقق من استيفائه للشروط وما اقتضاه ذلك من طلب إخلائه من شاغليه وما جره هذا الإخلاء على المدعي من نفقات تحملها، كل ذلك كان نتيجة لطلب المدعي الذي أصر عليه في الإنذار الذي وجهه إلى الوزارة في 23 من مايو سنة 1950 بعد أن كان قد بين في الطلب المقدم منه للترخيص بنقل صيدليته أنه إنما طلب إجراء المعاينة تحت مسئوليته وإذ قام المدعي بعد ذلك وفي الظروف السابق بيانها والتي كان على علم تام بها بإخلاء المحل المذكور وبنقل صيدليته إليه رغم أنه لم يكن قد صدر قرار بالترخيص له في هذا النقل - فإنه لا يكون هناك خطأ من جانب الوزارة فيما اتخذته من إجراءات تمهيدية للبت في طلب الترخيص المقدم منه والتي انتهت بعدم حصوله على هذا الترخيص ولا يكون هنا محل لإلزامها بأن تؤدي له تعويضاً بسبب ما حاق به نتيجة خطئه وتعجله بنقل صيدليته دون أن يحصل على ترخيص مسبق بهذا النقل وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد جانب الصواب فيما قضى به من إلزام الوزارة بالتعويض.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن كلاً من الطعنين قد استوفى أوضاعه الشكلية بمراعاة أن الحكم المطعون فيه قد صدر في 4 من إبريل سنة 1965 وأن الدكتور محمد فريد أبو العز قد تقدم في 3 من يونيه سنة 1965 بطلب لإعفائه من رسوم الطعن تقرر رفضه في 28 من يونيه سنة 1965 فأقام طعنه رقم 1162 لسنة 11 القضائية بإيداع تقرير به قلم كتاب المحكمة في 26 من أغسطس سنة 1965.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أنه بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 21 من مارس سنة 1959 أقام الدكتور محمد فريد أبو العز الدعوى رقم 760 لسنة 13 القضائية ضد السيد وزير الصحة طالباً إلزامه بأن يدفع له خمسة آلاف جنيه على سبيل التعويض والمصاريف والأتعاب وقال شرحاً لدعواه إن كلاً من الدكتور عدلي فرج والدكتور فتحي الفيومي تقدم بطلب إلى وزارة الصحة لفتح صيدلية بالمنزل رقم 9 بميدان السيدة، كما قدم هو في 7 من مايو سنة 1950 طلباً لنقل صيدلية من شارع القصر العيني إلى المنزل رقم 17 بميدان السيدة - وفي 22 من مايو سنة 1950 رفض وزير الصحة طلبي الدكتورين عدلي فرج والفيومي اللذين كانا يتنافسان على فتح الصيدلية في مكان واحد - وفي 25 من مايو سنة 1950 أرسلت الوزارة إلى المدعي كتاباً برقم 1496 تطلب إليه فيه سرعة إعداد المحل رقم 17 بميدان السيدة لإجراء المعاينة ثم أخلي المحل المذكور وتمت المعاينة وأثبت مفتش الصحة صلاحيته - وفي 16 من أغسطس سنة 1950 كتب إلى الوزارة ينبه عليها بأنه وقد تم إخلاء المحل ومعاينته وثبوت صلاحيته وأنه قد انقضى أكثر من ثلاثين يوماً دون أن تعترض الوزارة على نقل الصيدلية وأنه شارع في عملية النقل لأن عدم ردها يعتبر قبولاً منها بذلك وبعد ثلاثين يوماً أخرى كتب للوزارة يخبرها بأن النقل قد تم - وحدث بعد ذلك أن رفع الدكتور عدلي فرج الدعوى رقم 530 لسنة 4 القضائية ورفع الدكتور فتحي الدعوى رقم 454 لسنة 4 القضائية وطلب كل منهما إلغاء قرار وزير الصحة القاضي برفض الترخيص لأي منهما بفتح الصيدلية بالمنزل رقم 9 بميدان السيدة وضمت الدعويان وصدر فيهما حكم قضى بإلغاء قرار وزير الصحة الخاص برفض الترخيص للدكتور فتحي الفيومي مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الوزارة بمبلغ ثلاثمائة جنيه كتعويض للدكتور عدلي فرج - ومضى المدعي يقول إنه لما كانت المسافة بين المنزل رقم 9 الذي فتحت به صيدلية الدكتور فتحي الفيومي وبين المنزل رقم 17 الذي نقلت إليه صيدليته هي حوالي خمسين متراً أي أقل من الحد القانوني للبعد بين الصيدليتين فقد بدأت الوزارة ترتب تغطية موقفها فحررت له المخالفة رقم 2777 لسنة 1952 السيدة بمقولة إنه نقل الصيدلية بدون ترخيص ولكن قضي فيها بالبراءة لسقوط المخالفة فتعقبته الوزارة وحررت له الجنحة رقم 6484 سنة 1964 السيدة معدلة الاتهام إلى أنه (فتح - لا نقل) صيدلية بدون ترخيص. وقد قضي فيها بالبراءة في 20 من فبراير سنة 1956 وثبت بذلك خطأ تصرفات الوزارة - وأضاف المدعي أن الدكتور فتحي الفيومي رفع ضده الدعوى رقم 133 لسنة 7 القضائية يطالبه فيها بتعويض لفتحه الصيدلية وقد قضي له بتعويض قدره خمسمائة جنيه - وذكر المدعي أنه أعاد نقل الصيدلية إلى مكانها الأصلي بشارع القصر العيني وأن هذه التصرفات الخاطئة من جانب الوزارة قد ترتبت عليها أضرار جسيمة تربو على خمسة آلاف جنيه وإنه لذلك يطلب القضاء له بالتعويض - وأودع المدعي أربع مذكرات بدفاعه صمم فيها على طلباته وبين عناصر التعويض الذي يطلب الحكم به.
وأجابت الوزارة على الدعوى بمذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً بسقوط الدعوى بالتقادم واحتياطياً برفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة - وأقامت دفعها بالسقوط على أن المدعي قد كيف دعواه بأنها دعوى تعويض عن أفعال خاطئة صادرة من الجهة الإدارية وأنها سببت له أضراراً يطلب التعويض عنها وعلى أنه قد انقضت أكثر من ثلاث سنوات بين تاريخ علم المدعي وبين رفع الدعوى فتكون قد سقطت بالتقادم وفقاً لحكم المادة 172 من القانون المدني - وأقامت الوزارة دفاعها في الموضوع على أنه لم يقع منها خطأ إذ تقدم المدعي بطلب لنقل صيدليته الواقعة بشارع القصر العيني رقم 49 إلى رقم 17 بميدان السيدة زينب وتقدم في الوقت نفسه بطلب فتح صيدلية جديدة بدائرة قسم السيدة زينب بشارع علي باشا إبراهيم رقم 17 وقد أبلغته مصلحة الصيدلة بأن تعداد السكان بهذا الحي لا يسمح إلا بفتح صيدلية واحدة كما أخطرته بالتنافس الدائر بين كل من الدكتورين فتحي الفيومي وعدلي فرج على فتح صيدلية بميدان السيدة زينب فأشر على طلبه بما يفيد علمه بذلك وبأن فتح الصيدلية سيكون تحت مسئوليته ولا يقدح في ذلك أن المستند المذكور خاص بصيدلية علي باشا إبراهيم إذ أن كلاً من الصيدليتين الخاصتين به تقع في نفس الحي وتتأثر بوجود صيدليات أخرى - ولم تصدر من قسم الصيدليات أية موافقة على طلب نقل صيدليته إلى رقم 17 بميدان السيدة زينب إلا أن المدعي قام بنقل صيدليته قبل أن يحصل على الترخيص الذي يستلزمه القانون فلما أقام الدكتور الفيومي دعويي إلغاء النقل والتعويض قضت له المحكمة بما طلبه من إلغاء نقل صيدلية المدعي وإلزامه بدفع تعويض - وانتهت الوزارة إلى القول بأن تصرف المدعي وحده هو الذي أصابه بالأضرار وأنها لم ترتكب أي خطأ تسأله عنه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أن الأخطاء التي ينسبها المدعي إلى المدعى عليه لا تتعلق بأعمال مادية وإنما تتعلق بقرارات إدارية والتعويض عن القرارات الإدارية لا ينسب إلى العمل غير المشروع ولكن إلى القانون فلا تنطبق المادة 172 من القانون المدني فيكون الدفع بسقوط الحق في التعويض على غير أساس سليم من القانون ويتعين رفضه - وأن الثابت من الأوراق أن المدعي أخلى محل الطرابيشي والحلاق اللذين كانا يشغلان مكان الصيدلية رقم 17 بميدان السيدة وأعد المحلين كصيدلية ونقل إليها وافتتحها فعلاً وظل يمارس فيها عمله إلى أن اضطر إلى إخلائها بعد صدور حكم محكمة القضاء الإداري في 9 من مارس سنة 1954 في الدعوى رقم 133 لسنة 7 القضائية بإلزامه بأن يدفع للدكتور فتحي محمد علي الفيومي مبلغ خمسمائة جنيه وإن الثابت أن الأضرار التي أصابت المدعي ناشئة عن فتح الصيدلية في 17 ميدان السيدة زينب واضطراره إلى غلقها بعد ذلك - وأضاف الحكم المطعون فيه أن حكم محكمة القضاء الإداري في 24 من إبريل سنة 1951 في الدعويين رقم 454 لسنة 4 ورقم 530 لسنة 4 القضائية بإلغاء القرار الصادر من وزير الصحة في 22 من مايو سنة 1950 برفض الترخيص للدكتور فتحي محمد علي الفيومي في فتح صيدلية في رقم 9 بميدان السيدة زينب وبإلغاء ما ترتب على ذلك من آثار بالنسبة إلى نقل صيدلية الدكتور فريد أبو العز من رقم 49 شارع القصر العيني إلى رقم 17 بميدان السيدة زينب يعتبر قرينة قانونية قاطعة على أن قرار وزير الصحة الذي صدر في 22 من مايو سنة 1950 برفض الترخيص للدكتور فتحي محمد علي الفيومي بفتح صيدلية في 9 ميدان السيدة زينب قد صدر مخالفاً للقانون وأن المحكمة قد حكمت في ذلك الحكم في مواجهة الدكتور أبو العز بإلغاء نقل صيدليته من 49 شارع القصر العيني إلى 17 ميدان السيدة زينب ولئن كانت قد وصفت هذا النقل بأنه من آثار قرار وزير الصحة الذي ألغته إلا أنها لم تبين في حكمها من المسئول عن هذا النقل - وأشار الحكم المطعون فيه إلى ما تقضي به المادة 23 من القانون رقم 5 لسنة 1941 التي استند إليها المدعي للقول بأنه قد صدر عن الوزارة ترخيص ضمني بنقل صيدليته إلى 17 ميدان السيدة زينب بسكوتها عن الإجابة على طلب النقل أكثر من ثلاثين يوماً وانتهى الحكم إلى أنه لا يمكن الاستناد إلى هذه المادة للقول بأن مضي المدة المذكورة دون رد يكون بمثابة ترخيص بالنقل وأن المدعي إذ فسر المادة المذكورة تفسيراً مخالفاً واعتبر أن السكوت عن طلب النقل مدة ثلاثين يوماً بمثابة ترخيص بالنقل فإنه يتحمل وحده الآثار والأضرار التي ترتبت على فهمه الخاطئ للقانون ولا يكون له الحق في التعويض عن الأضرار التي أصابته من جراء قيامه بنقل صيدليته إلى 17 ميدان السيدة زينب - أما عن تحديد المسئول عن قيام المدعي بإعداد المحل رقم 17 ميدان السيدة زينب كصيدلية وما تحمله في سبيل ذلك من نفقات - فإن الحكم المطعون فيه بعد أن استعرض الوقائع خلص منها إلى أنه كأثر من آثار قرار وزير الصحة المؤرخ 22 من مايو سنة 1950 الذي قضت محكمة القضاء الإداري بإلغائه في الدعوى رقم 454 لسنة 4 القضائية - أمرت الوزارة المدعي بسرعة إخلاء محل الطرابيشي والحلاق وإعداده للمعاينة وبناء على هذا الأمر قام المدعي بإخلائه من الطرابيشي والحلاق وبإعداده وتم هذا الإعداد وعين المحل ووجد أنه مستوف للاشتراطات الصحية وانتهى الحكم المطعون فيه إلى أن أمر الوزارة بإخلاء المحل وإعداده للمعاينة خطأ تسأل الوزارة عما ترتب عليه من أضرار للمدعي وما تحمله من تكاليف في الإخلاء والتجهيز والإعداد لأنه يتضمن موافقة صريحة على موقع المحل وهذه الموافقة تشكل خطأ انبنى على القرار الخاطئ الذي أصدره وزير الصحة في 22 من مايو سنة 1950 وترتب عليه في نظر الوزارة عدم وجود صيدلية في رقم 9 ميدان السيدة واعتبار شرط المسافة متوافراً في المحل رقم 17 بميدان السيدة وقد شارك المدعي الوزارة في هذا الخطأ بقدر يسير إذ أنه أعلن بصحيفة الدعوى رقم 454 لسنة 4 القضائية في 7 من يونيه سنة 1950 التي كان مطلوباً فيها إلغاء قرار وزير الصحة المؤرخ 22 من مايو سنة 1950 وكان مؤدى إجابة طلب الإلغاء أن تكون الصيدلية رقم 17 بميدان السيدة زينب التي طلب المدعي النقل إليها غير مستوفية لشرط المسافة بالنسبة إلى الصيدلية رقم 9 بميدان السيدة زينب التي طلب الدكتور الفيومي الحكم له بفتحها وهو ما قضي له به وقدر الحكم المطعون فيه التعويض المناسب بمبلغ ألف جنيه.
ومن حيث إن طعن وزارة الصحة رقم 525 لسنة 11 القضائية يقوم على الأسباب الآتية:
أولاً: إن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله - ذلك أن سند المدعي في شغل الصيدلية رقم 17 بميدان السيدة زينب هو مضي ثلاثين يوماً من تاريخ شغله دون أن تعترض الوزارة على ذلك واعتبر المدعي هذا السكوت قراراً ضمنياً بالقبول رتب عليه مجموعة من الحقوق في وقت لم تصدر فيه الوزارة أية قرارات أو أوامر بشأن الترخيص في مزاولة مهنة الصيدلة وقد سايرته المحكمة في النتيجة التي انتهى إليها إلا أنها غيرت من أساس المسئولية فلم تقر المدعي على وجود قرار ضمني بالقبول إنما اعتبرت الأمر الصادر من الوزارة باستيفاء الشروط الواردة في القانون رقم 5 لسنة 1941 في شأن مزاولة مهنة الصيدلة هو العنصر الأساسي المكون لركن الخطأ في حين أن كلاً من الأساسين يستبعد الآخر فالأساس الذي يقول به المدعي وهو القبول الضمني برفضه التفسير السليم لحكم المادة 23 من القانون رقم 5 لسنة 1941 فلا يسع المدعي الاستناد إلى سكوت المصلحة مدة ثلاثين يوماً على شغله العقار رقم 17 لتبرير الأساس القانوني للتعويض - أما الأساس الذي استندت إليه المحكمة وهو تكليف المطعون ضده باستيفاء الشروط الواردة بأحكام القانون رقم 5 لسنة 1941 فهو لا يستقيم مع علم المدعي بالنزاع حول الترخيص بالصيدلية الكائنة بالعقار رقم 9 لأن نجاح أحد المتنافسين في الحصول على هذا الترخيص يمنع من إقامة صيدلية أخرى إلا على بعد يزيد على مائتي متر وقد أثبتت المعاينة أن المسافة بين العقار رقم 9 والعقار رقم 17 لا تزيد على خمسين متراً ولذلك حصلت الوزارة على إقرار من المدعي يفيد علمه بهذا النزاع وأنه يتعهد بفتح الصيدلية إن توفرت الشروط على مسئوليته وهو إقرار يتضمن تحمل المدعي مقدماً لكافة النتائج التي تترتب على فتح صيدلية بالعقار رقم 9 ولا يوجد في القانون ما يمنع من ذلك فلا يقبل منه الادعاء بعد ذلك بمسئولية الوزارة عن الآثار التي ترتبت على إلغاء القرار الوزاري الصادر في 22 من مايو سنة 1950 بعد أن تعهد هو بمسئوليته عنها - كما ثبت أنه قام بشغل المحل الكائن بالعقار رقم 17 دون الحصول مقدماً على ترخيص ولم يصدر من الوزارة أي إجراء ملابس لهذه المخالفة حتى يمكن القول بأن مسلك المدعي له ما يبرره - وإذ فتح المدعي الصيدلية دون ترخيص فإنه يسأل عن كافة النتائج التي تترتب على ذلك - أما إخطاره بإعداد المكان للمعاينة وبحث توافر الشروط من عدمه فلا يتصور أن تسأل عنه الوزارة إذا ما رفضت الترخيص وإلا أصبح مجرد طلبه الحصول على ترخيص مصادرة على المطلوب.
ثانياً: إن الحكم المطعون فيه قد شابه قصور في التسبيب ذلك أن المحكمة قدرت التعويض بمبلغ ألف جنيه عن الأضرار التي أصابت المدعي دون أن تعين عناصره أو تكشف عن الأدلة التي تثبت قيام الضرر إذ طلب المدعي في صحيفة الدعوى إلزام الحكومة بمقابل (خلو الرجل) للحلاق والطرابيشي قدره 1500 ج فضلاً عن مبلغ خمسمائة جنيه لصاحبة العقار دون أن يقدم مستندات تثبت ذلك فضلاً عن أن خلو الرجل أمر غير مشروع بطبيعته ولم تحاول المحكمة أن تتأكد من صحة هذه المبالغ أو غيرها مما يزعم المدعي أنه تكبده.
وأودعت الوزارة مذكرة بدفاعها أصرت فيها على طلباتها المبينة بتقرير الطعن كما طلبت رفض الطعن المقام من الدكتور محمد فريد أبو العز مع إلزامه بالمصروفات.
ومن حيث إن طعن المدعي رقم 1162 لسنة 11 القضائية يقوم على الأسباب الآتية:
أولاً: إنه ليس صحيحاً ما ذهبت إليه محكمة القضاء الإداري من أن المدعي يعتبر مسئولاً عن قيامه بنقل صيدليته من شارع القصر العيني إلى ميدان السيدة زينب لعدم إصدار الوزارة ترخيصاً بالنقل إذ أن المدعي أخطر الوزارة في 16 من أغسطس سنة 1950 بأنه قام بإخلاء المحلين تنفيذاً لأمرها وأن المعاينة قد تمت وثبتت صلاحية المكان ليكون صيدلية وانقضى أكثر من ثلاثين يوماً دون أن يتلقى اعتراضاً على نقل الصيدلية ومن ثم فإنه شارع في إتمام هذا النقل وبعد انقضاء ثلاثين يوماً على هذا الكتاب أخطرها بأنه أتم نقل الصيدلية فلم تعترض وسكوتها ينطوي على موافقة ضمنية على النقل وليس بلازم أن يكون هناك نص في القانون ينشئ قرينة ضمنية على سكوت الوزارة لأن القرار الضمني ليس مصدره الوحيد النص عليه في القانون بل هو مما تستخلصه المحكمة من موقف الجهة الإدارية ومن أوراق النزاع.
ثانياً: إن المحكمة قد تناقضت إذ انتهت إلى أن الوزارة تعتبر مسئولة عن قيام المدعي بإعداد المكان الواقع في المبنى رقم 17 بميدان السيدة زينب ليكون مقراً لصيدليته ومع ذلك رتبت على هذه المسئولية ملزومية الوزارة بتعويض بعض الضرر الذي أصاب المدعي تأسيساً على أنه مخطئ في نقل صيدليته دون صدور ترخيص بذلك - كما جانب الحكم الصواب إذ ذهب إلى أن المدعي يتحمل بجانب الخطأ في أمر إعداد المحل ليكون مقراً للصيدلية على أساس أنه أعلن بصحيفة الدعوى رقم 454 لسنة 4 القضائية في 7 من يونيه سنة 1950 وأنه كان عليه أن يتريث في نقل صيدليته إلى أن يفصل في الدعوى إذ أن معنى ذلك أنه كان عليه أن يوقف تنفيذ قرار إداري لمجرد إقامة دعوى موضوعية بطلب إلغائه وهو نظر لا سند له من القانون.
ثالثاً: إن المحكمة لم تحسن تقدير التعويض حتى في الحدود التي رسمتها لمسئولية وزارة الصحة والمدعي عن الأضرار التي نجمت عن القرارات الخاطئة.
وأودع المدعي مذكرة بدفاعه عقب فيها على طعن الوزارة وعلى تقرير هيئة مفوضي الدولة - وأضاف فيها إلى ما ورد بتقرير طعنه أن الوزارة والمفوض قد استندا إلى أنه قد صدر منه إقرار أخذ فيه على عاتقه مسئولية النتائج التي قد تترتب على قيامه بنقل صيدليته من شارع القصر العيني رقم 49 إلى ميدان السيدة زينب رقم 17 ورتبا على إسناد هذا القرار إليه عدم استحقاقه لأي تعويض عن إزالة الصيدلية المنقولة من ميدان السيدة زينب من الوجود وهو استناد خاطئ لأن الإقرار المشار إليه متعلق بالترخيص بفتح الصيدلية الجديدة بشارع علي إبراهيم رقم 17 التي أخذ هو على عاتقه مسئولية فتحها لأنه وقت أن وقع الإقرار كانت الإحصائيات الأخيرة قد أثبتت أن تعداد سكان دائرة السيدة زينب يسمح بفتح صيدليتين لا صيدلية واحدة وكانت المسئولية في هذا الإقرار خاصة بزيادة تعداد سكان قسم السيدة زينب الذي أصبح يسمح بفتح صيدليتين - بدلاً من الصيدلية الواحدة التي كان يتنافس عليها كل من الصيدليين عدلي فرج وفتحي الفيومي بالمحل رقم 9 بميدان السيدة زينب - وذكر المدعي أنه لم ينقل صيدلية ميدان السيدة رقم 17 إلى شارع القصر العيني رقم 49 إذ أن ما نقل إلى هذا المكان هو الصيدلية الجديدة التي رفض فتحها بشارع علي إبراهيم رقم 17 - وقال إن الحكم الصادر ببراءته في الجنحة رقم 6484 لسنة 1954 السيدة زينب قد استند إلى أنه لم يخالف القانون حين نقل صيدليته من شارع القصر العيني إلى ميدان السيدة زينب - وأن لهذا الحكم الجنائي حجيته لأنه نفى عنه مقارفة أية مخالفة قانونية في نقل صيدلية قصر العيني إلى ميدان السيدة زينب لأن الأوراق دلت على أن قسم الصيدليات رخص له في هذا النقل - وأشار المدعي إلى القانون رقم 127 لسنة 1955 الخاص بمزاولة مهنة الصيدلة وقال إن نص هذا القانون على مضي ثلاثين يوماً من تاريخ ورود الطلب دون رد من الوزارة يعتبر في حكم الموافقة - إنما هو في الواقع إيضاح لما كان المشرع يقصده من نص المادة 23 من القانون رقم 5 لسنة 1941 فيكون معنى هذا النص قد انكشف من الصياغة الجديدة المقابلة في قانون 1955.
ومن حيث إنه بالرجوع إلى الأوراق يبين أنه بتاريخ 7 من مايو سنة 1950 تقدم المدعي بطلب للترخيص له بفتح صيدلية جديدة بشارع علي إبراهيم رقم 17 كما تقدم في ذات التاريخ بطلب للترخيص له بنقل صيدليته من شارع القصر العيني رقم 49 إلى محل كائن بالعقار رقم 17 بميدان السيدة زينب وكانت المسافة بين هذا المحل ومحل آخر في العقار رقم 9 بذات الميدان لا تجاوز خمسين متراً وكان هذا المحل الأخير موضوع طلبين سابقين تقدم بهما كل من الدكتور عدلي فرج والدكتور فتحي الفيومي للترخيص لكل منهما بفتح صيدلية فيه إذ كان الدكتور عدلي فرج قد تقدم بطلبه في 12 من يوليه سنة 1949 ولكنه أخطر برفضه تأسيساً على أنه كان موظفاً فتقدم بطلب آخر في 16 من إبريل سنة 1950 - وكان الدكتور الفيومي قد تقدم بطلبه في 18 من فبراير سنة 1950 - وعرض أمر التزاحم بين الدكتورين فتحي الفيومي وعدلي فرج على فتح الصيدلية في المحل رقم 9 على السيد الوزير في 22 من مايو سنة 1950 فقرر رفض طلبيهما تأسيساً على أن الإجراءات التمهيدية التي تقوم بها الوزارة لا ترتب حقاً لأحد ما دام التصريح لم يصدر - وكان المدعي عندما تقدم بطلبيه السابق الإشارة إليهما على علم بهذا التزاحم وبأن تعداد سكان قسم السيدة زينب - وفقاً لما لدى الوزارة من بيانات عنه - لم يكن يسمح في ذلك الوقت إلا بفتح صيدلية واحدة بالإضافة إلى الصيدليات المفتوحة فعلاً في دائرة القسم - وذلك ما سلم به في مذكرته الأولى في هذه الدعوى إذ ذكر في البند الخامس منها أن قسم الصيدليات قد أخبره بأن (تعداد قسم السيدة لا يسمح إلا بترخيص واحد بفتح صيدلية جديدة وأن هذا الترخيص موضع منافسة بين اثنين من الصيادلة للحصول عليه وأن الرسم في المعاينة واستكتبه قسم الصيدليات إقراراً بذلك على الطلب المقدم منه لفتح صيدلية جديدة) وإنه ولئن كان طلب المدعي الخاص بنقل صيدليته إلى ميدان السيدة زينب رقم 17 والأوراق الخاصة بهذا الطلب لم تودع بملف هذه الدعوى إلا أنها كانت مودعة بملف الدعوى رقم 454 لسنة 4 القضائية التي أقامها الدكتور فتحي الفيومي ضد وزارة الصحة وضد الدكتور محمد فريد أبو العز وقد أشار الحكم الصادر في تلك الدعوى إليها وإلى الأوراق الخاصة بطلب المدعي فتح الصيدلية الجديدة إذ جاء في الصفحة الخامسة منه ما نصه:
(1) وفي 23 من إبريل سنة 1950 طلب الدكتور محمد فريد أبو العز الصيدلي نقل الصيدلية المرخص له بها بشارع القصر العيني رقم 49 إلى ميدان السيدة زينب رقم 18 فكتبت له الوزارة في 16 من إبريل سنة 1950 بأن الطلب غير مستوف لعدم إرفاق الرسم الكروكي للمحل الجديد ورسوم الفحص وفي 7 من مايو سنة 1950 صحح طلبه بأن المكان هو رقم 17 وقد أشر على هذا الطلب في 8 من مايو سنة 1950 بعلمه بأنه لا يوجد بقسم السيدة إلا مكان واحد لصيدلية واحدة جار معاينتها وأنه طلب إجراء المعاينة تحت مسئوليته. وقد أجابت مصلحة صحة مصر في 21 من مايو سنة 1950 بأن المحل مشغول بطرابيشي وحلاق وأنه لا يبعد أكثر من خمسين متراً من المكان الذي يطلب المدعي فتح صيدلية فيه.
(ب) ثم قدم الدكتور فريد أبو العز في 7 من مايو سنة 1950 طلباً آخر بالترخيص له بفتح صيدلية جديدة بشارع علي باشا إبراهيم رقم 17 قسم السيدة زينب وأشر على هذا الطلب بتعهده بتقديم شهادتي تحقيق الشخصية وصحيفة السوابق وبأنه يعلم أن هناك طلباً تحت المعاينة عن الصيدلية الوحيدة الممكن فتحها في قسم السيدة زينب - وفي 11 من مايو سنة 1950 قدم الأوراق المطلوبة..
وذكر المدعي الدكتور محمد فريد أبو العز في المذكرتين اللتين تقدم بهما بدفاعه في الدعوى 454 لسنة 4 القضائية سالفة الذكر أن قسم الصيدليات اتخذ من تقرير معاينة المحل رقم 17 بميدان السيدة زينب المشار إليه آنفاً وسيلة لتعطيله حتى لا يقوم بعملية النقل وأنه لذلك وجه إلى الوزارة إنذاراً رسمياً أعلنت به في 23 من مايو سنة 1950 (صفحة 17 من المذكرة رقم 19 دوسيه وصفحة 10، 12 من المذكرة رقم 28 دوسيه) وقد أشار المدعي إلى هذا الإنذار في مذكرته الأولى في الدعوى المماثلة بقوله إنه في 23 من مايو سنة 1950 أنذر قسم الصيدليات مستعجلاً عملية النقل فكتب له القسم في ذات اليوم مبيناً أنه بمعاينة المحل رقم 17 بميدان السيدة وجد مشغولاً بطرابيشي وحلاق وأنه يرجو سرعة إخلائه لإعادة المعاينة - ويذكر المدعي أنه في 28 من يونيه سنة 1950 أرسل كتاباً إلى قسم الصيدليات بأنه قد أخلى المحل وأنه لذلك يطلب السماح له بالنقل وأنه أخطر القسم بأنه تم الإخلاء في 5 من يوليه سنة 1950 كما أخطره في 16 من أغسطس سنة 1950 بأنه نظراً إلى انقضاء أكثر من شهر دون أن يصله رد فإن ذلك يعتبر موافقة على النقل وأنه لذلك يقوم بعملية النقل.
ومن حيث إن الدكتور فتحي علي الفيومي كان قد أقام الدعوى 454 لسنة 4 القضائية السابق الإشارة إليها ضد وزارة الصحة وضد المدعي الدكتور محمد فريد أبو العز بصحيفة أودعها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في أول يونيه سنة 1950 طالباً الحكم ضد الأولى وفي مواجهة الثاني إلغاء القرار المبلغ إليه في 25 من مايو سنة 1950 برفض الترخيص له بفتح صيدلية في المحل رقم 9 بميدان السيدة زينب وأعلنت صحيفة هذه الدعوى إلى الدكتور محمد فريد أبو العز في 7 من يونيه سنة 1950 - كما أقام الدكتور عدلي فرج الدعوى رقم 530 لسنة 4 القضائية ضد وزارة الصحة والدكتور فتحي الفيومي والدكتور محمد فريد أبو العز بصحيفة أودعها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 20 من يوليه سنة 1950 طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر برفض الترخيص له بفتح صيدلية في ذات المحل المذكور - وجلسة 24 من إبريل سنة 1951 قضت محكمة القضاء الإداري في الدعويين بعد ضمهما بإلغاء القرار الصادر من وزير الصحة في 22 من مايو سنة 1950 برفض الترخيص للدكتور فتحي محمد علي الفيومي في فتح صيدلية في الملك رقم 9 بميدان السيدة زينب وبإلغاء ما ترتب على ذلك من آثار بالنسبة إلى نقل صيدلية الدكتور فريد أبو العز من الملك رقم 49 بشارع القصر العيني إلى الملك رقم 17 بميدان السيدة زينب وبإلزام الحكومة بأن تدفع للدكتور عدلي فرج تعويضاً قدره ثلثمائة جنيه - وجاء بأسباب الحكم بالنسبة إلى طلب الدكتور محمد فريد أبو العز نقل صيدليته إلى المحل رقم 17 بميدان السيدة زينب - إنه بعد أن أصبح الدكتور الفيومي صاحب الحق الأول يكون شرط المسافة بين المحلين غير متوافر ومن ثم لا يجوز الترخيص بهذا النقل عملاً بحكم المادة 23 من القانون رقم 5 لسنة 1941.
ومن حيث إن المدعي يبني طلب التعويض على أنه قد تقدم بطلب الترخيص له بنقل صيدلية من شارع القصر العيني رقم 49 إلى محل بميدان السيدة زينب رقم 17 وأن الوزارة قد طلبت منه في 25 من مايو سنة 1950 سرعة إعداد هذا المحل لإجراء المعاينة وأنه بعد أن أخلى المحل المذكور وتمت معاينته وثبتت صلاحيته أخطر الوزارة بأنه سيقوم بالنقل ومضت ثلاثون يوماً دون أن يتلقى رداً منها فيعتبر ذلك بمثابة قرار ضمني بالترخيص بالنقل وفقاً لأحكام المادة 23 من القانون رقم 5 لسنة 1941 بشأن مزاولة مهنة الصيدلة - وأنه بعد صدور الحكم في الدعوى رقم 454 لسنة 4 القضائية اضطر إلى غلق تلك الصيدلية وترتب على هذه التصرفات الخاطئة من جانب الوزارة أضرار جسيمة لحقت به وهي التي يطالب بالتعويض عنها.
ومن حيث إن المادة 23 من القانون رقم 5 لسنة 1941 التي استند إليها المدعي تنص على أن (نقل أية صيدلية من مكان لآخر يجب الترخيص به مقدماً من وزارة الصحة العمومية ويجب أن يصحب طلب الترخيص بالنقل برسم كروكي ووصف للمحل الجديد وينبغي أن تجيب الوزارة كتابة في خلال ثلاثين يوماً ولا يجوز رفض طلب النقل إلا إذا كان المحل الجديد غير مطابق للشروط المنصوص عليها في المادة 15 السابقة أو غير مستوف للشروط الصحية المطلوبة...) وتضمنت المادة 15 المشار إليها النص على أن يراعى في منح الترخيص بفتح الصيدليات ألا يزيد عدد الصيدليات عن صيدلية واحدة لكل اثنى عشر ألف شخص وألا يرخص بفتح صيدلية بمدينة القاهرة إذا كانت تقع على مسافة أقل من مائتي متر من صيدلية موجودة فعلاً.
ومن حيث إنه ولئن كان نص المادة 23 من القانون رقم 5 لسنة 1941 واضحاً من حيث حث الوزارة واستنهاضها في أن تجيب على طلب الترخيص بنقل الصيدلية خلال ثلاثين يوماً من تقديم الطلب إلا أنها لم ترتب على عدم الإجابة عليه في الميعاد المذكور أي أثر من حيث اعتباره ترخيصاً ضمنياً له في هذا النقل وكذلك لا يقوم مقام هذا الترخيص مجرد كتابة الوزارة إلى المدعي في 25 من مايو سنة 1950 طالبة إخلاء المحل رقم 17 بميدان السيدة زينب تمهيداً لإعادة معاينته من الناحية الصحية لأن الإجراءات التمهيدية التي تقوم بها الوزارة لا ترتب حقاً لأحد ما دام الترخيص السابق حسبما كان يقضي به القانون لم يتحقق للمدعي وفضلاً عما تقدم فإنه لا يعتبر بمثابة ترخيص بالنقل عدم إجابة الوزارة على ما أرسله المدعي إليها من كتب تتضمن إخطارها بأنه قد أخلى المحل المذكور أو إخطارها بعد ذلك بأنه سيقوم بنقل الصيدلية أو بأنه قد أتم النقل فعلاً - إذ فضلاً عن أن الأمر يتعلق بسلطة مقيدة بشروط معينة يجب توافرها قبل منح الترخيص - فإن النص صريح في وجوب الحصول مقدماً على هذا الترخيص.
ومن حيث إنه لا يجدي المدعي أن يستند في هذا الشأن إلى الحكم الذي استحدثه القانون رقم 127 لسنة 1955 في شأن مزاولة مهنة الصيدلة بنصه في المادة 12 منه على أنه يعتبر في حكم الموافقة فوات ثلاثين يوماً دون إبلاغ طالب الترخيص بالرأي - إذ أن هذا القانون فيما استحدثه من أحكام لا يسري على وقائع الدعوى التي تمت وتحققت آثارها القانونية قبل العمل به وفي ظل قانون سابق هو القانون رقم 5 لسنة 1941 الذي سبق بيان أحكامه في هذا الشأن.
ومن حيث إن ما يذهب إليه المدعي من أن الحكم الصادر ببراءته في المخالفة رقم 6484 سنة 1954 السيدة زينب له حجية قاطعة في نفي مقارفته لأية مخالفة بسبب نقله لصيدليته وفي إثبات أن هذا النقل قد تم بناء على قرار ضمني بالترخيص له فيه - ما يستدل به المدعي من ذلك لا تنهض به حجة - ذلك أنه يبين من الرجوع إلى الأوراق (ملف رقم 8 المودع تحت رقم 2 دوسيه بملف الدعوى) - أنه بتاريخ 20 من يناير سنة 1952 حرر مفتش الصيدليات محضر مخالفة ضد المدعي لأنه في ذلك التاريخ (تجارى على نقل صيدلية أبو العز المرخص بها بشارع القصر العيني رقم 49 إلى الملك رقم 17 بميدان السيدة زينب بدون ترخيص من الوزارة بالمخالفة لحكم المادة 23 من قانون الصيدلة رقم 5 لسنة 1941) - وقيدت هذه المخالفة برقم (2777 سنة 1952 السيدة) وطلبت النيابة عقابه عملاً بنص المواد 23، 44، 84، 118 من القانون رقم 5 لسنة 1941 - فدفع بانقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة له مستنداً إلى المواد 15، 16، 17، من قانون الإجراءات الجنائية على أساس أن النقل قد تم في 16 من أغسطس سنة 1950 - وبجلسة 6 من ديسمبر سنة 1953 قضت محكمة السيدة زينب بقبول هذا الدفع وبانقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة له وببراءته مما نسب إليه، واستندت في ذلك إلى أن المخالفة المنسوبة إليه وقعت طبقاً للاتهام في 20 من يناير سنة 1952 - وقد استؤنف هذا الحكم وقضي بتأييده بجلسة 8 من مارس سنة 1954 - ثم أعقب ذلك اتهام المدعي بأنه في يوم 24 من مايو سنة 1954 أدار صيدلية قبل الحصول على ترخيص من وزارة الصحة وقيدت الواقعة برقم (6484 سنة 1954 مخالفات السيدة) وطلبت النيابة عقابه بالمواد 1، 12، 18 من القانون رقم 5 لسنة 1941 - ودفع المدعي بسقوط الدعوى لانقضاء أكثر من سنة على وقوع المخالفة في 20 من يناير سنة 1952 وهو تاريخ اكتشاف الواقعة وتحرير محضر المخالفة - ولكن المحكمة رفضت هذا الدفع وقضت بجلسة 20 من مارس سنة 1956 ببراءة المدعي مما نسب إليه تأسيساً على أن العملية التي قام بها ليست عملية فتح صيدلية بدون ترخيص بل عملية نقل صيدليته المرخص بها سابقاً من مكان إلى آخر وعلى أن الثابت أنه تقدم إلى قسم الصيدليات في 7 من مايو سنة 1950 بطلب نقل صيدليته ولما انقضت مدة ثلاثين يوماً التي يمكن للوزارة فيها الاعتراض على الطلب أرسل إليها إخطاراً بأنه سيبدأ عملية النقل حسب القانون وتم ذلك فعلاً في 16 من أغسطس سنة 1950.
ومن حيث إنه ولئن كان ثاني الحكمين المشار إليهما وهو الحكم الصادر من محكمة السيدة زينب في 20 من مارس سنة 1956 في المخالفة رقم 6484 لسنة 1954 قد انتهى في منطوقه إلى ذات النتيجة التي انتهت إليها تلك المحكمة في حكمها الأول الصادر في 6 من ديسمبر سنة 1953 في المخالفة رقم 2777 سنة 1952 وهي براءة المدعي مما نسب إليه - إلا أن ذلك الحكم قد انطوى في أسبابه التي أقام عليها قضاءه على إهدار لحجية الحكم الأول - ذلك أن المحكمة بعد أن عدلت وصف التهمة بما يطابق وصفها الوارد في قيد المخالفة رقم 2777 سنة 1952 رفضت الدفع بانقضاء الدعوى الجنائية وتعرضت لبحث موضوعها - في حين أنه ما كانت تجوز معاودة النظر في تلك الدعوى بعد الحكم فيها نهائياً ما دام موضوع التهمة في حقيقته واحداً وإن تغير في الظاهر وصفه القانوني وهذا ما تقضي به المادة 455 من قانون الإجراءات الجنائية وما يقتضيه احترام قوة الشيء المقضي، فكان يتعين إذن على المحكمة أن تقضي من تلقاء نفسها في المخالفة رقم 6484 لسنة 1954 بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها دون التعرض لبحث موضوعها - وما كانت في حاجة لأن يدفع أمامها بذلك لأن قوة الشيء المحكوم فيه جنائياً من النظام العام.
ومن حيث إن استناد المدعي إلى أسباب الحكم الصادر في المخالفة رقم 6484 لسنة 1954 للقول بأن لذلك الحكم حجيته في ثبوت أن نقله للصيدلية قد تم بناء على قرار ضمني بالترخيص - مردود بأن الأصل أن منطوق الحكم هو الذي يحوز حجية الشيء المحكوم فيه وإلا تثبت الحجية إلا للأسباب المرتبطة بالمنطوق ارتباطاً وثيقاً والتي لا تقوم له قائمة بدونها - ويبين من الرجوع إلى حكمي محكمة السيدة زينب المشار إليهما أنهما ولئن كانا قد انتهيا إلى ذات النتيجة وهي براءة المدعي من مخالفة نقل صيدليته دون ترخيص - إلا أن أولهما قد قضي في منطوقه بانقضاء الدعوى الجنائية - أما منطوق ثانيهما فقد اقتصر على القضاء بالبراءة استناداً إلى أسباب تتحصل في أن المدعي لم يخالف القانون في نقل صيدليته - والواقع أن ما تعرضت له هذه الأسباب لم يكن ضرورياً للفصل في الدعوى لو أن المحكمة احترمت حجية الحكم الأول الحائز لقوة الأمر المقضي - بل إن هذه الأسباب - حسبما سبق البيان - قد انطوت على إهدار لتلك الحجية المتعلقة بالنظام العام والتي كان من مقتضاها ألا تتعرض المحكمة في حكمها الثاني لموضوع الدعوى الجنائية وأن تقضي بعدم جواز نظرها لسبق الفصل فيها - وبناء على ذلك فإن الأسباب المذكورة التي أقام عليها الحكم الصادر في المخالفة رقم 6484 سنة 1954 قضاءه بالبراءة - بعد أن كانت الدعوى الجنائية قد انقضت بمضي المدة وقضي بانقضائها بحكم نهائي - هذه الأسباب لا تثبت لها حجية الشيء المحكوم فيه - بل يتعين التعويل في هذا الشأن على ما ورد بمنطوق الحكم الأول الصادر في المخالفة رقم 2777 سنة 1952 من قضاء بانقضاء الدعوى الجنائية كسبب للحكم ببراءة المدعي.
ومن حيث إنه لما تقدم لا تكون لأسباب الحكم الصادر في المخالفة 6484 سنة 1954 أية حجية في نفي مخالفة القانون من المدعي في خصوص نقل صيدليته أو في إثباته أن هذا النقل قد تم بناء على ترخيص ضمني مستفاد من تصرم مدة من المدد دون إجابة الجهة الإدارية لا حجية للحكم المذكور في هذه النواحي ولا في غيرها وإنما العبرة هي بحقيقة الواقع وهي أنه قام بهذا النقل على مسئوليته، ودون أن يحصل مقدماً على ترخيص به من الجهة المختصة حسبما كان يقضي القانون.
ومن حيث إن ما تضمنه كتاب الوزارة المرسل إلى المدعي في 25 من مايو سنة 1950 من طلب إخلاء المحل رقم 17 بميدان السيدة زينب لإمكان معاينته من الناحية الصحية لا يخرج عن كونه من الإجراءات التمهيدية للبت في الطلب المقدم منه للترخيص له بنقل صيدليته إلى المحل المذكور - وكان اتخاذها لهذا الإجراء استجابة لطلبه إذ المستفاد من الأوراق أن المدعي عندما تقدم بطلب نقل صيدليته إلى ميدان السيدة زينب رقم 17 كان يعلم بالتزاحم على المنطقة بالترخيص في فتح الصيدلية الوحيدة التي كان تعداد قسم السيدة زينب في ذلك الوقت يسمح بفتحها وبأن هذا التزاحم كان يصب على فتح هذه الصيدلية في المحل رقم 9 بميدان السيدة زينب الذي لا تجاوز المسافة بينه وبين المحل رقم 17 بذات الميدان خمسين متراً - كما كان يعلم بأنه كانت هناك إجراءات تتخذ لمعاينة المحل رقم 9 والتحقق من استيفائه للشروط بناء على طلب سابق للترخيص بفتح صيدلية فيه مقدم من الدكتور فتحي الفيومي - ولقد أشر المدعي على طلب الترخيص بالنقل المقدم منه بما يفيد علمه بكل ذلك وبأنه يطلب إجراء معاينة المحل رقم 17 (تحت مسئوليته) ولما تبين من المعاينة أن هذا المحل لا يبعد أكثر من خمسين متراً عن المحل رقم 9 وخشي المدعي أن يترتب على ذلك تعطيل إجراءات البت في طلبه وجه إنذاراً إلى الوزارة في 23 من مايو سنة 1950 طالباً استعجال السير في تلك الإجراءات فأرسلت إليه - حسبما يقول في مذكرته الأولى في هذه الدعوى - كتابها المتضمن طلب إخلاء المحل رقم 17 لإمكان إعادة معاينته ورغم أن المدعي كان طرفاً في الدعوى رقم 454 لسنة 4 القضائية التي أقامها الدكتور الفيومي بطلب إلغاء القرار الصادر برفض الترخيص له بفتح صيدلية في المحل رقم 9 ميدان السيدة - ورغم أنه أعلن بصحيفة هذه الدعوى في 7 من يونيه سنة 1950 وكان حقيقاً عليه أن يتوقع كافة احتمالات تلك الدعوى فإن المستفاد من الأوراق أنه قام بعد هذا التاريخ بإخلاء المحل رقم 17 ثم أقدم مخاطراً على نقل صيدليته وما كان ليخفى عليه أن مؤدى الحكم الذي يصدر لصالح الدكتور الفيومي في تلك الدعوى أن يصبح المحل الذي أراد نقل صيدليته إليه غير مستوف لشرط المسافة بينه وبين المحل رقم 9 موضوع طلب الترخيص المقدم من الدكتور الفيومي.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن السير في إجراءات معاينة المحل رقم 17 بميدان السيدة زينب للتحقق من استيفائه للشروط وما اقتضاه ذلك من طلب إخلائه من شاغليه وما جره هذا الإخلاء على المدعي من نفقات تحملها، كل ذلك كان نتيجة لطلب المدعي الذي أصر عليه في الإنذار الذي وجهه إلى الوزارة في 23 من مايو سنة 1950 بعد أن كان قد بين في الطلب المقدم منه للترخيص بنقل صيدليته أنه إنما طلب إجراء المعاينة تحت مسئوليته وإذ قام المدعي بعد ذلك وفي الظروف السابق بيانها والتي كان على علم تام بها بإخلاء المحل المذكور وبنقل صيدليته إليه رغم أنه لم يكن قد صدر قرار بالترخيص له في هذا النقل - فإنه لا يكون هناك خطأ من جانب الوزارة فيما اتخذته من إجراءات تمهيدية للبت في طلب الترخيص المقدم منه والتي انتهت بعدم حصوله على هذا الترخيص ولا يكون هناك محل لإلزامها بأن تؤدي له تعويضاً بسبب ما حاق به نتيجة خطئه وتعجله بنقل صيدليته دون أن يحصل على ترخيص مسبق بهذا النقل وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد جانب الصواب فيما قضى به من إلزام الوزارة بالتعويض.
ومن حيث إنه لذلك يكون طعن المدعي رقم 1162 لسنة 11 القضائية غير قائم على أساس الأمر الذي يتعين معه رفضه مع إلزامه بالمصروفات - وتكون الوزارة على حق في طعنها رقم 525 لسنة 11 القضائية الأمر الذي يتعين معه القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلزامها بدفع ألف جنيه للمدعي وبرفض دعواه وإلزامه بجميع المصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعنين رقم 525 لسنة 11 القضائية ورقم 1162 لسنة 11 القضائية شكلاً وفي موضوعهما:
أولاً: بالنسبة إلى الطعن رقم 1162 لسنة 11 القضائية المقام من المدعي برفضه وألزمته بمصروفاته.
ثانياً: بالنسبة إلى الطعن رقم 525 لسنة 11 القضائية المقام من وزارة الصحة بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلزام الوزارة المدعى عليها بدفع مبلغ ألف جنيه للمدعي وبرفض دعواه وألزمته بكامل المصروفات.

الطعن 391 لسنة 24 ق جلسة 26 / 3 / 1959 مكتب فني 10 ج 1 ق 41 ص 259

جلسة 26 من مارس سنة 1959

برياسة السيد المستشار محمود عياد، وبحضور السادة: عثمان رمزي، ومحمد زعفراني سالم، والحسيني العوضي، وعباس حلمي سلطان المستشارين.

--------------

(41)
الطعن رقم 391 سنة 24 ق

(أ) ضرائب "ضريبة الأرباح التجارية والصناعية" "وسائل تقدير وعاء الضريبة". حكم "تسبيب كاف". محكمة الموضوع. 

مناط تحديد أرباح الممول على أساس دفاتره وأوراقه أن تكون مطابقة لحقيقة الواقع. حق المحكمة في إطراح دفاتر الممول لأسباب سائغة والأخذ بالتقدير الجزافي. لا يمنع من الاسترشاد بالدفاتر كعنصر من عناصر التقدير اطراحها دفاتر الممول وأخذها بتقدير الخبير. هو من مسائل الواقع التي تستقل به محكمة الموضوع متى أقامت حكمها على أسباب سائغة. لا قصور.
(ب) إثبات "مسائل عامة في الإثبات". 

المعلومات المستقاة من الخبرة بالشئون العامة ليست من قبيل المعلومات الشخصية المحظورة على القاضي أن يبني حكمه عليها. مثال.
(جـ) ضرائب "ضريبة الأرباح التجارية والصناعية" "وسائل تقدير وعاء الضريبة". محكمة الموضوع. 

أخذ الحكم بتقدير الخبير لنسبة إجمالي الربح لأسباب سائغة مستمدة من استخلاص سليم. من مسائل الواقع التي تخضع لتقدير قاضي الموضوع. بمنأى عن رقابة محكمة النقض.
(د) ضرائب "ضريبة الأرباح التجارية والصناعية" "وسائل تقدير وعاء الضريبة". إثبات "سلطة محكمة الموضوع في تقدير الدليل". محكمة الموضوع. 

اعتمادها في تقدير المصاريف التي يريد الممول احتسابها إلى تقرير الخبير. إطراحها أوراقاً قدمها الممول لأسباب سائغة أوردتها. مما يدخل في سلطتها التقديرية. بمنأى عن رقابة محكمة النقض.

----------------
1 - إذا كان يبين مما أورده الحكم المطعون فيه أنه أقر الخبير على اطراح دفاتر الطاعن وعدم التعويل عليها لاعتبارات سائغة أوردها، وكان مناط الأخذ بما ورد بدفاتر الممول وأوراقه في تقدير أرباحه هو أن يكون الثابت بهذه الدفاتر والأوراق مطابقاً لحقيقة الواقع - وإلا حددت هذه الأرباح بطريق التقدير، وكان اطراح دفاتر الممول لا يمنع من الاسترشاد بها كعنصر من العناصر التي تؤدي إلى الوصول إلى هذا التقدير، كما أن وجود فارق بسيط بين النسب التي انتهى إليها الخبير في تقديره وبين ما هو ثابت بدفاتر الممول لا يبرر الأخذ بالنسب الواردة بهذه الدفاتر ما دام أن الأرباح أصبحت خاضعة لطريق التقدير، وكان إطراح دفاتر الممول والأخذ بتقدير الخبير هو من مسائل الواقع التي تستقل بتقديرها محكمة الموضوع متى أقامت حكمها على أسباب سائغة، لما كان ذلك فإن النعي على الحكم المطعون فيه بالقصور أو التناقض في هذا الخصوص يكون نعياً غير سديد.
2 - إذا كان الحكم المطعون فيه إذ عرض للنزاع في شأن تحديد ما يخصم مقابل طعام عمال المؤسسة قد قرر أنه "ليس صحيحاً أن يقدم للخدم ما يقدم للعملاء من طعام بل يجهز لهم عادة طعام قليل التكاليف"، فإن هذا الذي قرره الحكم ليس من قبيل المعلومات الشخصية المحظور على القاضي أن يبني حكمه عليها ولكنه من المعلومات المستقاة من الخبرة بالشئون العامة.
3 - إذا كان الحكم المطعون فيه قد أخذ بتقديرات نسبة إجمالي الربح التي أشار إليها الخبير في تقريره - لما تبينه من أنها تتناسب ونشاط المؤسسة وتتفق وما جرى عليه العمل بالنسبة لحالات المثل، وكان هذا التقدير المستمد من استخلاص سليم من مسائل الواقع التي تخضع لتقدير قاضي الموضوع بلا معقب عليه، فإن النعي على الحكم في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً هو بمنأى عن رقابة محكمة النقض.
4 - إذا كان الحكم المطعون فيه قد اعتمد في تقدير المصاريف التي يريد الطاعن احتسابها إلى ما ورد بتقرير الخبير بشأنها، وكان الحكم قد أطرح الأوراق التي قدمها الطاعن قبيل الفصل في الدعوى في مرحلتها النهائية ولم يعول عليها لأسباب سائغة أوردها وتؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها في هذا الصدد، وكان الأخذ بما في المستندات أو إطراحها مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع التقديرية التي تنأى عن رقابة محكمة النقض متى كان استخلاصها سليماً ومستمداً من أوراق الدعوى، فإن النعي على الحكم المطعون فيه في هذا الصدد بالقصور يكون نعياً غير سديد.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن الطاعن يملك فندق لونابرك بميدان قنطرة الدكة بالقاهرة وتخضع أرباحه من نشاطه في استغلال هذا الفندق لضريبة الأرباح التجارية والصناعية المقررة بالقانون رقم 14 لسنة 1939 - ولما قدم الطاعن إقراراته بأرباحه عن السنوات من 39/ 40 إلى 46/ 47 إلى مأمورية الضرائب المختصة لم تأخذ بدفاتره وأخضعت أرباحه بطريقة التقدير وقدرتها بمبالغ معينة اعترض عليها وأحيل الخلاف إلى لجنة التقدير التي أصدرت في 13 من يونيه سنة 1949 قراراً بتحديد أرباح الطاعن في سنوات النزاع. فطعن في هذا القرار أمام محكمة القاهرة الابتدائية بالدعوى رقم 2606 سنة 1949 كلي تجاري القاهرة طالباً إلغاء قرار اللجنة واعتبار أرباحه عن السنوات من 1939 إلى 1947 مطابقة لما ورد بالإقرارات المقدمة منه مع إلزام مصلحة الضرائب بالمصاريف والأتعاب وبجلسة 28 من إبريل سنة 1951 حكمت محكمة القاهرة الابتدائية في الدعوى المذكورة بندب مكتب خبراء القاهرة لأداء المأمورية المبينة بأسباب هذا الحكم. وبعد أن باشر الخبير المأمورية وقدم تقريره قضت المحكمة في 30 من مايو سنة 1953 في موضوع الطعن باعتبار صافي أرباح الطاعن عن سنة 39/ 40 مبلغ 707 جنيهاً وعن سنة 40/ 41 مبلغ 1882 جنيهاً وعن 41/ 42 مبلغ 2758 جنيهاً وعن 42/ 43 مبلغ 4368 جنيهاً وعن 43/ 44 مبلغ 4898 جنيهاً وعن 44/ 45 مبلغ 3596 جنيهاً وعن 45/ 46 مبلغ 2609 جنيهاً وعن 46/ 47 مبلغ 2289 جنيهاً مع إلزام المطعون عليها بالمصاريف المناسبة لما تخفض من تقدير لجنة التقدير وأمرت بالمقاصة في أتعاب المحاماة. وذلك أخذاً بالنتيجة التي انتهى إليها الخبير في تقريره - فاستأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 446 تجاري سنة 70 ق طالباً قبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف والقضاء بإلغاء قرار لجنة التقدير الصادر في 13 يونيه سنة 1949 واعتبار أرباحه عن السنوات من 39/ 40 إلى 46/ 47 هي طبقاً لما ورد بالإقرارات المقدمة منه مع إلزام المستأنف ضدها "المطعون عليها" بالمصاريف والأتعاب عن الدرجتين. وبتاريخ 13 من مايو سنة 1954 قضت محكمة استئناف القاهرة بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. وقد طعن الطاعن على هذا الحكم بطريق النقض وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون وأصر الطاعن على طلباته وصممت النيابة على ما جاء بمذكرتها التي طلبت فيها رفض الطعن. فقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة لنظره بجلسة 5 من مارس سنة 1959 حيث صمم كل من طرفي الخصومة والنيابة العامة على طلباته.
ومن حيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب يتحصل أولها في أن الحكم المطعون فيه إذ لم يرد الاعتداد بدفاتر الطاعن في شأن عدد النزلاء ونسبة الخلوات قد شابه قصور وتناقض في التسبيب وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن محكمة أول درجة كلفت الخبير بفحص دفاتره وتحقيق ما أبدته المأمورية من ملاحظات على هذه الدفاتر. وقد أثبت الخبير في تقريره أن المنشأة تقيد حساباتها في دفاتر يومية مسجلة وأنه لا يعتمد على الدفاتر وحدها وعدم الاعتماد على الدفاتر وحدها لا يؤدي إلى أن الخبير قد طرحها جانباً كما تصور الحكم الابتدائي خطأ منه في النقل عن التقرير - كما أن الخبير سلم بشكوى الطاعن عن مغالاة مصلحة الضرائب في تحقيق نسبة الخلوات في الفندق في سنوات النزاع ورأى تقدير هذه النسبة بمتوسط نسبتي ما ورد في الدفاتر وتقدير المصلحة لأنها نسبة تتفق وظروف المنشأة الخاصة ولكن الخبير لم يفطن هو ولا الحكم الذي سايره إلى أن الأخذ بمتوسط نسبتي الدفاتر وتقدير المصلحة يوجب الأخذ بالثابت بالدفاتر إذ يكون الفارق بين هذا المتوسط الذي أساسه التخمين وبين الثابت بالدفاتر ضئيلاً يستوجب قانوناً الأخذ بالأصل وهو الدفاتر لأنه يشهد بأن الظاهر يؤيد هذا الأصل. وهذا الظاهر المؤيد للأصل لم يبين الحكم ظاهراً آخر يعارضه ويقر عدم الأخذ به مما يقدح في سلامة نسبته على أن التقارب بين ما ورد بدفاتر الطاعن وبين ما قدره الخبير من نسب كان من شأنه أن تأخذ المحكمة الثابت بالدفاتر. يضاف إلى ذلك أن الخبير صرح في تقريره بأن دفتر البوليس هو السند الوحيد لتأييد عدد النزلاء الثابت بدفاتر الطاعن ونوه في أكثر من موضع بأهمية هذا الدفتر - وأنه غير موجود بالنسبة للفترة من 28/ 4/ 1942 إلى 23/ 11/ 1945 ولكن الدفتر المذكور كان موجوداً تحت نظر الخبير ومحكمة الموضوع عن المدة السابقة وعن المدة التالية لهذا التاريخ - وقد طلب الطاعن من الخبير ومحكمة الموضوع الأخذ بالدفاتر في هذه المدة ولكنهما لم يلتفتا لهذا الدفاع الجوهري.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه أورد بأسبابه في خصوص هذا النعي ما يأتي: "فأما عن الأخذ ببيانات دفاتر المنشأة بحجة أنها منتظمة فقد كان الخبير على حق في عدم الاعتماد عليها فضياع دفتر البوليس للسبب الذي ذكره المستأنف أو لغيره ينقصه معه دليل قوي من أدلة تقدير بيانات وحسابات المنشأة في فترة طويلة من مدة المحاسبة كذلك فإن عدم وجود مستندات تؤيد إيرادات المنشأة وخاصة إيرادات المطعم والبار يجعل من العسير التأكد من صحة الأرقام والقيود الواردة بالدفاتر وقد أصاب الخبير لما تقدم لأن المنشأة لا تحتفظ بصور فواتير حسابات العملاء وكل هذا مما يعيب الدفاتر بحيث لا تصلح في ذاتها مرآة جلية لصافي أرباح المنشأة - ولعل موافقة المستأنف على تحديد أرباحه بطريق التقدير في السنوات من 39/ 40 إلى 41/ 42 كما رأت اللجنة وهو يزيد كثيراً عما أظهرته دفاتره مما يعد إقراراً منه على عدم نظافة دفاتره - وأما نسبة الخلوات فقد كان تقدير الخبير لها وسطاً بين تقديري الطرفين وهو لا يزيد كثيراً عن تقدير المستأنف". ولما كان يبين من هذا الذي أورده الحكم المطعون فيه أنه أقر الخبير على إطراح دفاتر الطاعن وعدم التعويل عليها لاعتبارات سائغة أوردها هي ضياع دفتر البوليس عن مدة طويلة تدخل ضمن سنوات النزاع وعدم وجود مستندات تؤيد إيرادات المنشأة وعدم احتفاظها أيضاً بصور فواتير حسابات العملاء وموافقة الطاعن على تحديد أرباحه بطريق التقدير في السنوات من 39/ 40 إلى 41/ 42 رغم أن هذا التقدير يزيد كثيراً عما ورد بدفاتره. وكان مناط الأخذ بما ورد بدفاتر الممول وأوراقه في تقدير أرباحه هو أن يكون الثابت بهذه الدفاتر والأوراق مطابقاً لحقيقة الواقع وإلا حددت هذه الأرباح بطريق التقدير - وكان إطراح دفاتر الممول لا يمنع من الاسترشاد بها كعنصر من العناصر التي تؤدي الوصول إلى هذا التقدير - كما أن وجود فارق بسيط بين النسب التي انتهى إليها الخبير في تقريره وبين ما هو ثابت بدفاتر الممول لا يبرر الأخذ بالنسب الواردة بهذه الدفاتر ما دام أن الأرباح أصبحت خاضعة بطريقة التقدير وكان إطراح دفاتر الممول والأخذ بتقدير الخبير هو من مسائل الواقع التي تستقل بتقديرها محكمة الموضوع متى أقامت حكمها على أسباب سائغة - لما كان ذلك فإن النعي على الحكم المطعون فيه بالقصور أو التناقض في هذا الخصوص يكون نعياً غير سديد مما يتعين معه رفض هذا السبب.
ومن حيث إن السبب الثاني يتحصل في أن الحكم المطعون فيه جاء مشوباً بالقصور ومخالفاً للقانون فيما أقام عليه قضاءه بشأن تحديد ما يخصم مقابل طعام عمال المؤسسة وحدها - ذلك أن من حق الطاعن أن يخصم من إيراداته الخاضعة للضريبة مقابل طعام عمال الفندق إذ هو جزء من أجرتهم - ولم تنازع اللجنة ولا الخبير ولا محكمة الموضوع في عدد هؤلاء العمال ولا في عدد وجباتهم - ولكن الخبير ساير اللجنة في خصم 15% من تكلفة المبيعات في مطعم الفندق وباره مقابل طعام العمال. وهذه النسبة تجعل مقابل طعام العامل في اليوم أربعة قروش ونصف مع أن الطاعن قدم لمحكمة ثاني درجة شهادة من غرفة السياحة والصناعة تتضمن أن هذا المقابل يتراوح بين 11 و13 قرشاً - وقد رد الحكم المطعون فيه على هذا الدفاع رداً انطوى على سقطات منها أن المحكمة لم تلتفت إلى أن من حق الطاعن أن يخصم المقابل الحقيقي لطعام عماله سواء كسبت المؤسسة أو خسرت وسواء تناسبت تكاليف هذا الطعام مع أرباحه أو لم تتناسب ومنها أن الحكم المطعون فيه خالف القانون إذ قضى من أصدروه بعلمهم الخاص في واقعة ليس أمرها معهوداً للكافة ولا يعلمه القاضي بحكم صناعته أو خبرته العامة في الحياة ومظهر هذه المخالفة ما قرره الحكم المطعون فيه من أنه "ليس صحيحاً أن يقدم للخدم ما يقدم للعملاء من طعام بل يجهز لهم طعام قليل التكاليف" وليس في أوراق الدعوى ما يفيد ذلك وقد ساقت محكمة الموضوع هذه الواقعة لتطرح بها الشهادة الصادرة من هيئة مختصة هي غرفة صناعة السياحة.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه إذ عرض للنزاع في شأن تحديد مقابل استهلاك الخدم قال "أما الاعتراض على خصم 15% من تكلفة مبيعات المطعم مقابل استهلاك الخدم فإنه لا محل له أيضاً إذ بلغت في العام مقداراً كبيراً فهي في سنة 1943 حوالي 500 وفي سنة 1944 حوالي 585 جنيهاً وفي سنة 1945 حوالي 650 جنيهاً وفي سنة 1946 حوالي 518 جنيهاً وهي مبالغ متناسقة مع إيراد المنشأة وباقي مصروفاتها ولا تطمئن المحكمة إلى الخطاب الذي قدمه المستأنف بحافظته تحت رقم 5 دوسيه والموجه إليه من سكرتير غرفة صناعات السياحة لأن تقديره لمتوسط نفقة إطعام العمال من 11 قرشاً إلى 13 قرشاً غير مقبول. ولعل المستأنف نفسه يحس بهذا إذ يطلب احتساب عشرة قروش فقط وكيف تكون النسبة التي ذكرتها تلك الغرفة موضع احترام والفنادق تختلف درجاتها وما يقدم فيها من أكل تتفاوت أرقام تكاليفه. وأخيراً فليس صحيحاً أن يقدم للخدم ما يقدم للعملاء من طعام بل يجهز لهم عادة طعام خاص قليل التكاليف". ولما كان يبين من هذا الذي أورده الحكم المطعون فيه أنه استعرض دفاع الطاعن الذي أثاره في هذا السبب ثم أفاض في الرد عليه وبين الأسباب التي دعته إلى الأخذ بالتقديرات التي انتهى إليها الخبير باعتبار أنها تمثل التكاليف الفعلية لطعام هؤلاء العمال. وكانت هذه الأسباب التي أقام الحكم عليها قضاءه في هذا الصدد مبررة بأدلة وافية تؤدي إلى ما انتهى إليه في هذا الخصوص وتدخل في حدود تقديره الموضوعي الذي ينأى عن رقابة محكمة النقض. لما كان ذلك فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم بالقصور في هذا الخصوص يكون على غير أساس. أما ما ينعاه الطاعن في الشق الأخير من هذا السبب - فمردود - بأن ما قرره الحكم المطعون فيه من أنه "ليس صحيحاً أن يقدم للخدم ما يقدم للعملاء من طعام بل يجهز لهم عادة طعام قليل التكاليف" - هذا الذي قرره الحكم - ليس من قبيل المعلومات الشخصية المحظور على القاضي أن يبني حكمه عليها ولكنه من المعلومات المستقاة من الخبرة بالشئون العامة.
ومن حيث إنه لذلك يتعين رفض هذا السبب بشقيه.
ومن حيث إن الطاعن ينعى في السبب الثالث على الحكم المطعون فيه قصور تسبيبه إذ أغفل الرد على دفاع جوهري في خصوص تحديد إيرادات البار والمطعم الملحقين بالفندق ويقول في بيان ذلك إنه اعترض على تقرير الخبير في هذا الصدد باعتراضات مبناها أن البار صغير ومن الدرجة الثانية في فندق من الدرجة الثانية كذلك وأن المطعم شأن أمثاله من المطاعم الملحقة بالفنادق والنوادي مصدر خسارة مستمرة وأن الإبقاء على هذا النوع من المطاعم بزعم ذلك يرجع إلى فائدته في اجتذاب العملاء إلى الفندق أو النادي وقد تناسى الخبير هذا الفارق الجوهري وعامل المطعم الملحق بالفندق معاملة المطاعم المستقلة التي لا تدار إلا للاستغلال والربح ولا يقصد من وجودها خدمة مؤسسة أخرى كفندق أو بار كما أن الطاعن اعترض على تقدير الخبير لنسبة إجمالي الربح إذ قدرها على أساس تكلفة المبيعات لا على أساس تكاليف الشراء وجعل نسبة الربح 40% من تكلفة المبيعات وهذه تساوي 66.6% من ثمن المشتريات ولكن الحكم المطعون فيه لم يلتفت إلى شيء من هذا ولم يعن بالرد عليه واكتفى بأن أحال على تقرير الخبير وأخذ بما انتهى إليه.
ومن حيث إن هذا السبب مردود في شقه الأول الخاص بأن المطعم والبار مصدر خسارة مستمرة بأن دفاع الطاعن في هذا الشأن دفاع جديد لم يسبق طرحه والتمسك به أمام محكمة الموضوع مما يمتنع عليه إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض. وهو مردود في شقه الثاني الخاص بالاعتراض على نسبة إجمالي الربح بأنه ثابت من تقرير الخبير المقدمة صورته الرسمية بملف الطعن. أنه قدر لمجمل نسبتي الربح في البار والمطعم نسبة 40% للبار، 30% للمطعم - وقد أقام الخبير هذا التقدير على ما استدل به استدلالاً سائغاً من أن هاتين النسبتين مقبولتان وتتفقان وحالات المثل التي هي النسب النموذجية في دائرة المأمورية لمثل هذا النوع من النشاط وإذا كان الحكم المطعون فيه قد أخذ بهذه التقديرات التي أشار إليها الخبير لما تبينه من أنها تتناسب ونشاط المؤسسة وتتفق وما جرى عليه العمل بالنسبة لحالات المثل - وكان هذا التقدير المستمد من استخلاص سليم من مسائل الواقع التي تخضع لتقدير قاضي الموضوع بلا معقب عليه. فإن النعي على الحكم في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً هو بمنأى عن رقابة محكمة النقض مما يتعين معه رفض هذا السبب.
ومن حيث إن السبب الرابع يتحصل في أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وشابه قصور وفساد في التسبيب فيما أقام عليه قضاءه في شأن النزاع الخاص بمصاريف التركيبات والإصلاحات ذلك أن الطاعن أخذ على تقرير الخبير أمام محكمة الموضوع أنه خفض مصاريف التركيبات والإصلاحات التي نفذت في سنة 45/ 46 من 1137 جنيهاً، 780 مليماً كما هي ثابتة في الدفاتر إلى 500 جنيهاً والتي نفذت في سنة 46/ 47 من 368 جنيهاً، 330 مليماً إلى 150 جنيه بحجة عدم وجود المستندات المؤيدة لها. وقد قدم الطاعن مستندات هذه الإصلاحات والتركيبات لمحكمة الاستئناف وهي تؤيد دفاتره وتؤيد الرقم الذي حدده - ولكن الحكم المطعون فيه أطرح الدليل الكتابي الذي تحمله هذه المستندات بحجة أنها مصطنعة - لعدم تقديمها من بادئ الأمر وتقديمها لأول مرة أمام محكمة الاستئناف دون أن يسبب قضاءه في هذا الخصوص تسبيباً منتجاً.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه أورد بأسبابه في هذا الخصوص ما يأتي: "وأما عن المصاريف التي يريد المستأنف احتسابها مقابل التركيبات والإصلاحات ويعتمد فيها على ما قدمه من أوراق بحافظته رقم 5 دوسيه فإن ما قدره الخبير كان تقديراً سليماً وكذلك ما أجراه من استهلاك ولو أن المستأنف كان لديه مستندات يعتقد صحتها وسلامتها ولا يخشى مناقشة الخبير لها أو المأمورية أو اللجنة من قبله لقدم تلك المستندات وطلبت تطبيقها فتقديم تلك الأوراق التي يريد أن يؤيد بها الأرقام التي يحتسبها بعد أن جرت المناقشات بينه وبين جهات متعددة في سنين عديدة عن نواحي الإيراد والمصاريف ليدل كما تقول مصلحة الضرائب بحق على أنها أوراق مصطنعة لخدمة القضية" - ولما كان يبين من هذا الذي أورده الحكم المطعون فيه أنه اعتمد في تقدير هذه التركيبات والإصلاحات إلى ما ورد بتقرير الخبير بشأنها. وكان الحكم قد أطرح الأوراق التي قدمها الطاعن قبيل الفصل في الدعوى في مرحلتها النهائية ولم يعول عليها لأسباب سائغة أوردها وتؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها في هذا الصدد. وكان الأخذ بما في المستندات أو طرحها مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع التقديرية التي تنأى عن رقابة محكمة النقض متى كان استخلاصها سليماً ومستمداً من أوراق الدعوى. لما كان ذلك فإن النعي الوارد بهذا السبب يكون نعياً غير سديد.
ومن حيث إنه من جميع ما تقدم يبين أن الطعن لا يستند إلى أساس ويتعين رفضه.

الطعن 260 لسنة 33 ق جلسة 8 / 2 / 1968 مكتب فني 19 ج 1 ق 37 ص 243

جلسة 8 من فبراير سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، وسليم راشد أبو زيد، ومحمد صدقي البشبيشي، ومحمد سيد أحمد حماد.

------------------

(37)
الطعن رقم 260 لسنة 33 القضائية

(أ) قانون. "تفويض تشريعي". تموين.
تفويض المشرع إلى وزير التموين اتخاذ التدابير المنصوص عليها في المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 وشرط موافقة لجنة التموين العليا. ليس للوزير إنابة غيره في اتخاذ أي من هذه التدابير.
(ب) تموين. "تحديد أسس الأسعار". "السعر الجبري للقمح والدقيق".
لم يخول المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 وزير التموين سلطة تحديد أجور نقل القمح المسلم من وزارة التموين لأصحاب المطاحن أو تحديد السعر الجبري له أو للدقيق. وضع أسس تحديد أسعار الحبوب والغلال والدقيق - بما في ذلك تكاليف الإنتاج وأجور النقل من اختصاص اللجنة العليا التي يصدر بتأليفها قرار من مجلس الوزراء. اختصاص لجان التسعير المحلية بتعيين أقصى الأسعار طبقاً لهذه الأسس.
(ج) تموين. "تحديد السعر الجبري للقمح". "أجرة النقل".
تحديد السعر الجبري للقمح الذي يتسلمه أصحاب المطاحن من وزارة التموين وللدقيق الذي تنتجه بمراعاة احتساب أربعين مليماً في تكاليف الإنتاج نظير أجرة نقل الإردب من الشون المحلية إلى المطحن فإن كان الاستلام من شون بعيدة تصرف لهم الوزارة ما زاد من أجرة النقل على ذلك. ليس لوزارة التموين فرض زيادة في السعر الجبري بزيادة أجرة النقل. عدم مشروعية منشور الوزارة الصادر في 9 ديسمبر سنة 1947 بفرض هذه الزيادة.
(د) تموين. "البيع بأكثر من السعر الجبري". جريمة.
البيع بأكثر من السعر الجبري جريمة معاقب عليها قانوناً ولو قبل المشتري الزيادة في السعر. عدم الاعتداد بقبول صاحب المطحن للزيادة في أجرة النقل التي فرضتها وزارة التموين بغير الطريق القانوني.
(هـ) تموين. "التزام وزارة التموين بتسليم القمح". "أجرة النقل". إثراء بلا سبب.
التزام وزارة التموين أصلاً بتسليم القمح لأصحاب المطاحن من الشون المحلية لأن تحديد سعر القمح وضع على هذا الأساس. عدم المساس بهذا السعر بزيادة أجرة النقل ليس للوزارة أن تحتج بإثراء صاحب المطحن من هذا العمل على حسابها بغير سبب مشروع.

------------------
1 - يبين من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 أن التفويض باتخاذ التدابير المنصوص عليها في المادة الأولى منه صادر من المشرع إلى وزير التموين وبشرط موافقة لجنة التموين العليا ولم ينص في هذا المرسوم بقانون على تخويل الوزير الحق في إنابة غيره في اتخاذ أي من هذه التدابير ولهذا فلا يكون لغير الوزير من موظفي وزارة التموين اتخاذ شيء منها كما لا يجوز للوزير نفسه إصدار قرارات باتخاذ تلك التدابير أو بعضها إلا بموافقة لجنة التموين العليا (1).
2 - ليس من بين السلطات المخولة لوزير التموين بمقتضى المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 المذكور سلطة تحديد أجور نقل القمح المسلم من وزارة التموين لأصحاب المطاحن أو تحديد السعر الجبري له أو للدقيق وإنما وقد ورد ذكر الحبوب والغلال بأنواعها والدقيق ومشتقاته في الجدول رقم (1) الملحق بالمرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1945 الخاص بشئون التسعير الجبري ومن ثم فإن وضع أسس تحديد أسعارها - بما في ذلك تكاليف الإنتاج التي تدخل فيها أجور النقل يكون - على ما تقضي به المادة الثالثة من هذا المرسوم بقانون - من اختصاص اللجنة العليا المنصوص عليها في تلك المادة والتي يصدر بتأليفها قرار من مجلس الوزراء. كما يكون تحديد الأسعار الجبرية للغلال والدقيق على الأسس التي تضعها تلك اللجنة من اختصاصها أو اختصاص لجان التسعير المحلية المنصوص عليها في المادة الأولى من المرسوم بقانون ذاته. وقد أبقى المرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950 - الذي حل محل المرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1945 - على اختصاص اللجنة العليا بوضع أسس تعيين الأسعار للجان التسعير المحلية كما أبقى على اختصاص هذه اللجان الأخيرة بتعيين أقصى الأسعار للمواد المبينة بالجدول الملحق به ومن بينها الغلال والحبوب والدقيق ومشتقاته.
3 - متى تحدد السعر الجبري للقمح الذي يتسلمه أصحاب المطاحن من وزارة التموين وللدقيق الذي ينتجه هؤلاء من هذا القمح وروعي عند وضع أسس تحديد أسعار الدقيق بواسطة اللجنة العليا المشار إليها بالمرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1945 احتساب مبلغ أربعين مليماً في تكاليف الإنتاج نظير أجرة نقل الإردب من القمح من الشون المحلية إلى المطحن وأنه في حالة استلام المطاحن القمح من شون بعيدة عن مطاحنهم تصرف لهم وزارة التموين ما زاد من أجرة نقله على هذه الأربعين مليماً. متى كان ذلك فإن وزارة التموين لم تكن تملك فرض مبلغ العشرين مليماً الذي فرضته على أصحاب المطاحن بمنشورها الصادر في 9 ديسمبر سنة 1947 لأن ذلك يؤدي إلى زيادة في السعر الجبري لبيع القمح بغير الطريق القانوني المشار إليه بالمرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1945 كما يؤدي إلى زيادة في أجرة نقل القمح السابق تحديدها بواسطة لجنة التسعير العليا عند وضعها أسس تحديد أسعار بيع الدقيق وهو ما لا تملكه وزارة التموين بغير الرجوع إلى تلك اللجنة ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أصاب في عدم اعتداده بمنشور الوزارة سالف الذكر لعدم مشروعيته.
4 - إذ لا تملك وزارة التموين فرض زيادة في السعر الجبري للقمح أو زيادة تكاليف إنتاج الدقيق وكان البيع بأكثر من السعر الجبري جريمة يعاقب عليها القانون ولو كان المشتري قابلاً للزيادة في السعر ومن ثم فإن قبول صاحب المطحن للزيادة في أجرة النقل التي فرضتها وزارة التموين لا يعتد به لمخالفته للقانون.
5 - متى كانت وزارة التموين ملتزمة أصلاً بتسليم القمح لأصحاب المطاحن من الشون المحلية لأن سعر القمح حدد على هذا الأساس وأنها في سبيل عدم المساس بهذا السعر كانت تصرف لهم في حالة استلامهم القمح من شون بعيدة ما يزيد من أجرة النقل على مبلغ الأربعين مليماً المحددة في تكاليف إنتاج الدقيق نظير نقل القمح من تلك الشون المحلية إلى المطحن، ومتى كانت الوزارة هي الملتزمة أصلاً بنقل القمح إلى الشون المحلية فإنه لا يقبل منها القول بأن صاحب المطحن قد أثرى من هذا العمل على حسابها بغير سبب مشروع.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن وزارة التموين الطاعنة أقامت في 27 من مايو سنة 1957 الدعوى رقم 227 سنة 1957 كلي دمنهور على المطعون ضده طالبة الحكم بإلزامه بأن يدفع لها مبلغ 322 ج و324 م وقالت في بيان دعواها إنها في عام 1947 رأت تنظيم صرف أجور نقل القمح لأصحاب المطاحن فأصدرت المنشور الدوري رقم 9 لسنة 1947 الذي يقضي بأن تحتسب الأجرة التي تصرف لهم نظير قيامهم بنقل حبوب التموين المسلمة لهم من شون البنوك بدائرة المديرية على أساس المسافة مضروبة في أجرة النقل للإردب وهي الأجرة التي حددتها الوزارة أو الأجرة التي تسفر عنها مناقصات النقل داخل المديرية أيهما أقل على أن يخصم من الأجور التي تستحق لأصحاب المطاحن على هذا الأساس أجرة النقل المحتسبة لهم في تكاليف وأرباح المطحن وقدرها أربعون مليماً عن كل أردب - وبتاريخ 9 ديسمبر سنة 1947 صدر منشور دوري آخر أشار إلى شكوى أصحاب المطاحن من الصعوبات التي يلاقونها في نقل الحبوب من الشون البعيدة عن مطاحنهم حيث تتوافر لديهم وسائل النقل وأنه في سبيل تنظيم هذه العملية وعدم إرهاق أصحاب المطاحن قررت الوزارة (أولاً) أن يقتصر صرف أجور النقل لأصحاب المطاحن على حالة النقل من الشون التي تقع على بعد لا يجاوز ثلاثين كيلو متراً وأن يجرى الحساب عن مصاريف النقل في هذه الحالة طبقاً للمنشور رقم 9 لسنة 1947 (ثانياً) في حالة وجود الحبوب في شون تبعد أكثر من هذه المسافة تنقل بمعرفة بنك التسليف إلى شونه بالجهة الكائن بها المطحن وعندئذ يلزمه صاحبه بدفع عشرين مليماً عن كل إردب يتسلمه من هذه الشونة. ولما اتضح للوزارة أن بعض أصحاب المطاحن ما زال مديناً بقيمة العشرين مليماً المستحقة طبقاً للمنشور الأخير عن كل إردب تسلموه من الشون المحلية فقد أصدرت الوزارة كتاباً دورياً في أول فبراير سنة 1953 بتكليف مراقبات التموين بالاتصال بفروع البنوك المحلية وحصر المبالغ المستحقة على كل مطحن وكميات الحبوب التي استحقت عنها هذه المبالغ. وإذ تبين من سجلات البنك أن المبالغ المستحقة على المطعون ضده - وهو صاحب مطحن بمدينة دمنهور - طبقاً للمنشور آنف الذكر مقدارها 322 ج و324 م لم تجد المطالبة الودية في حصول الوزارة عليها فقد أقامت هذه الدعوى عليه بطلب إلزامه بها وقد أجاب المطعون ضده على الدعوى بأنه مع عدم تسليمه بأي حق للوزارة في مطالبته بهذا المبلغ فإنه يدفع بسقوط حقها في هذه المطالبة بالتقادم طبقاً للمادة 180 من القانون المدني لأن مصدر التزامه بالمبلغ المطالب به حسب تكييف الوزارة هو الإثراء بلا سبب وقد انقضى أكثر من ثلاث سنوات على تاريخ علمها بحقها في هذا المبلغ قبل أن ترفع دعواها. فردت الوزارة على هذا الدفع بأن عملية الطحن تعتبر مرفقاً عاماً تديره الدولة بطريق الاستغلال المباشر عن طريق موظفيها ومن تستعين بهم من أصحاب المطاحن وتتمتع بامتيازات السلطة العامة في قيامها على هذا المرفق وأنه على هذا الأساس تكون علاقتها بالمطعون ضده علاقة تنظيمية تحددها القوانين والقرارات الصادرة بتنظيم المرفق والتي تملك الوزارة تعديلها دون توقف على رضائه وأنه بذلك يكون أساس التزامه بالمبلغ المطالب به هو المنشور المؤرخ 9 ديسمبر سنة 1947 وليس الإثراء بلا سبب وأن هذا المنشور من مستلزمات تسيير المرفق ويرجع أساسه القانوني إلى المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 - وبتاريخ 31 مايو سنة 1960 أصدرت المحكمة الابتدائية حكماً نفت في أسبابه قيام مرفق لطحن الغلال وانتهت إلى أن علاقة الوزارة بأصحاب المطاحن بالنسبة للحبوب التي يتسلمونها منها هي علاقة بائع بمشتر إذ الوزارة تبيعهم القمح بثمن مسعر على أن يستخرجوا منه الدقيق ويبيعونه لأصحاب المخابز بالسعر الرسمي بمقتضى أذونات تصدرها الوزارة إليهم وقضى هذا الحكم في منطوقه برفض دفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة كان قد أبداه المطعون ضده وبضم الدفع بسقوط الحق في المطالبة بالتقادم إلى الموضوع وبإعادة الدعوى للمرافعة فيه وبتاريخ 29 يونيه سنة 1960 قضت تلك المحكمة برفض الدعوى. فاستأنفت الوزارة الطاعنة هذا الحكم لدى محكمة استئناف الإسكندرية وقيد استئنافها برقم 603 سنة 18 قضائية وذهبت في صحيفة استئنافها إلى أن أساس التزام المطعون ضده بالمبلغ المطالب به هو المنشورات التنظيمية التي أصدرتها بالاستناد إلى المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 والقوانين واللوائح اللاحقة له ثم عدلت الوزارة عن هذا الأساس في مذكرتها الختامية المودعة ملف الاستئناف برقم 8 دوسيه حيث ذكرت أن الأساس القانوني لالتزام المطعون ضده هو الفعل المادي الذي قامت به لمصلحته بنقلها الحبوب إلى الشون القريبة من مطحنه وأنها قد أنفقت في سبيل القيام بهذا العمل مصاريف فإن من حقها أن ترجع بها عليه ومن ثم فلم يكن المبلغ المطالب به رسماً بلا سند كما ذهب إلى ذلك الحكم المستأنف لأن المطالبة ليس مصدرها القوانين أو الأوامر الصادرة من الوزارة وإنما مصدرها القواعد العامة وما قامت به الوزارة من عمل للمطعون ضده يلزمه دفع المقابل عنه حتى لا يثري على حسابها وبتاريخ 23 من أبريل سنة 1963 قضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف فطعنت الوزارة في قضائها بطريق النقض بتقرير تاريخه 19 من يونيه سنة 1963 وقدمت النيابة العامة مذكرة رأت فيها رفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره صممت النيابة على هذا الرأي.
وحيث إن الطعن بني على سبب واحد تنعى فيه الطاعنة على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله وفي بيان ذلك تقول أن ذلك الحكم أقام قضاءه بتأييد الحكم المستأنف فيما انتهى إليه من رفض دعواها على ما ذهب إليه من اعتبارات مؤداها أن الطاعنة تؤسس مطالبتها بالمبلغ موضوع الدعوى على المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 وعلى المنشور رقم 9 لسنة 1947 وما تلاه من منشورات وأن المرسوم بقانون المذكور لم يخول لأحد من مرءوسي وزير التموين ولا لأية مصلحة من المصالح التابعة له سلطة إصدار قرارات بفرض رسم على السلع المسعرة وأنه لذلك تكون هذه المنشورات لا سند لها من القانون وللمحاكم أن تمتنع عن تطبيقها وأن تأسيس المطالبة على القواعد العامة لا يجدي الطاعنة لأن تلك القواعد لا تبيح لها زيادة السعر المقرر لتسليم الحبوب للمطاحن من الشون المحلية تحت ستار إلزام أصحابها بمصروفات نقل من شون بعيدة لا شأن لهم بها أصلاً وأن هذا العمل من الطاعنة ما هو إلا محاولة لرفع السعر المقرر بغير الطريق القانوني وترى الطاعنة أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في هذا الذي أقام عليه قضاءه ذلك أن من العمليات الأساسية التي يتولاها مرفق التموين في صنع الرغيف والتي تنظمها الحكومة بقرارات ومنشورات عملية نقل القمح إلى المطاحن وقد جرت الوزارة الطاعنة منذ سنة 1943 على أن تصدر إلى أصحاب المطاحن أذونات استلام القمح على مختلف الشون القريب منها والبعيد وحددت أجرة نقل الإردب بأربعين مليماً أياً كانت المسافة بين الشونة والمطحن ولما تظلم أصحاب المطاحن قررت الوزارة الطاعنة محاسبتهم على التكاليف الفعلية للنقل وصدر بذلك المنشور الدوري رقم 9 لسنة 1947 في 23 يناير سنة 1947 وكان من الطبيعي أن يخصم من هذه القيمة الفعلية مبلغ الأربعين مليماً المقرر جزافاً كأجرة للنقل والذي أجازت لجنة التسعير العليا لأصحاب المطاحن إضافته إلى سعر الدقيق وأصبحت الطاعنة تتحمل الفرق الذي كان يصرف لأصحاب المطاحن إذا ما زادت أجرة النقل الفعلية على أربعين مليماً حتى لا تمس سعر الدقيق المحدد بمعرفة تلك اللجنة وعلى أثر شكوى أصحاب المطاحن من عدم توافر وسائل النقل لديهم رأت الوزارة الطاعنة أن تكلف البنوك بنقل القمح من الشون البعيدة إلى شون قريبة من المطاحن بقدر الإمكان على أن تتسلمه هذه المطاحن من تلك الشون المحلية في نظير قيامهم بدفع مبلغ عشرين مليماً عن كل إردب يتسلمونه من هذه الشون وبهذا صدر منشور دوري في 9 ديسمبر سنة 1947 إلحاقاً للمنشور رقم (9) الصادر في 23 يناير سنة 1947 ومن ذلك يبين أن المبلغ المطالب به ليس رسماً كما ذهب إلى ذلك الحكم المطعون فيه وإنما هو في حقيقته عبارة عن استرداد لجزء من المبالغ التي سبق أن دفعتها الطاعنة لأصحاب المطاحن عند تحديدها لأسعار الدقيق مقابل تحملهم بتكاليف نقل القمح من أي مكان في البلاد إلى مطاحنهم وهذا الاسترداد أساسه قيام الوزارة بدلاً من أصحاب المطاحن بنقل القمح من الشون البعيدة إلى شون محلية قريبة من مطاحنهم وأنه وإن كانت علاقة الوزارة بالمطعون ضده هي علاقة بائع بمشتر إلا أن هذا البيع يخضع للقيود والضوابط التي وضعتها الطاعنة بما لها من سلطة عامة وبغية تحقيق الصالح العام واستناداً إلى أحكام القانون التي تخولها هذا الحق وتعتبر منشوراتها سالفة الذكر بعض شروط العقد الذي تم بينها وبين المطعون ضده لأنه تقدم لاستلام القمح وهو قابل لها ويتعين لذلك إعمالها باعتبارها جزءاً من العقد الذي يربطه بالطاعنة كما أن هذه المنشورات وقد صدرت من الوزارة الطاعنة استناداً إلى المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 والقوانين والقرارات اللاحقة له فإنه ما كان يجوز للحكم المطعون فيه إهدارها بحجة أنها لم تصدر من الوزير شخصياً لأن المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 لم يقصد بتعبير وزير التموين شخص الوزير وإنما قصد وزارة التموين بأكملها بوصفها هيئة عليا في الدولة وبذلك يكون ما يصدر منها من قرارات استناداً إلى المرسوم بقانون سالف الذكر قانونياً سواء صدر من الوزير شخصياً أو من هيئات الوزارة المختلفة ما دام قد صدر في حدود السياسة التموينية التي رسمها الوزير ومن ثم يكون ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من إهدار منشورات الوزارة المشار إليها لعدم صدورها من الوزير شخصياً مخالفاً للقانون كما يكون خطأ أيضاً ما ذهب إليه ذلك الحكم من اعتبار المبالغ المطالب بها رسمياً إذ أنها لا تخرج عن كونها مبالغ أنفقتها الوزارة في عمل قامت به لمصلحة المطعون ضده وبدلاً منه فيحق لها استردادها.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أنه علاوة على أنه يبين من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 أن التفويض باتخاذ التدابير المنصوص عليها في المادة الأولى منه صادر من المشرع إلى وزير التموين وبشرط موافقة لجنة التموين العليا ولم ينص في هذا المرسوم بقانون على تخويل الوزير الحق في إنابة غيره في اتخاذ أي من هذه التدبيرات وبذلك لا يكون لغير الوزير من موظفي وزارة التموين اتخاذ شيء منها كما لا يجوز للوزير نفسه إصدار قرارات باتخاذ تلك التدابير أو بعضها إلا بموافقة لجنة التموين العليا - علاوة على هذا فإنه ليس من بين السلطات المخولة لوزير التموين بمقتضى المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 المذكور سلطة تحديد أجور نقل القمح المسلم من وزارة التموين لأصحاب المطاحن أو تحديد السعر الجبري له أو للدقيق وإنما وقد ورد ذكر الحبوب والغلال بأنواعها والدقيق ومشتقاته في الجدول رقم (1) الملحق بالمرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1945 الخاص بشئون التسعير الجبري فإن وضع أسس تحديد أسعارها ومن بين هذه الأسس تكاليف الإنتاج التي يدخل فيها أجور النقل يكون - على ما تقضي به المادة الثالثة من هذا المرسوم بقانون - من اختصاص اللجنة العليا المنصوص عليها في تلك المادة والتي يصدر بتأليفها قرار من مجلس الوزراء وكان يرأسها وزير التجارة والصناعة كما يكون تحديد الأسعار الجبرية للغلال والدقيق على الأسس التي تضعها تلك اللجنة من اختصاصها أو اختصاص لجان التسعير المحلية المنصوص عليها في المادة الأولى من المرسوم بقانون ذاته وهي اللجان التي كان يصدر بتشكيلها قرار من وزير التجارة والصناعة بالاتفاق مع وزير الداخلية ولم يحل وزير التموين محل وزير التجارة في الاختصاص المقرر له في المرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1945 إلا بالمرسوم الصادر في 31 من ديسمبر سنة 1951 الذي نص على أن يباشر وزير التموين الاختصاص المقرر لوزير التجارة والصناعة بموجب المرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950 الخاص بالتسعير الجبري وتحديد الأرباح وهو المرسوم بقانون الذي أبطل العمل بالمرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1945 وحل محله وأبقى على اختصاص اللجنة العليا بوضع أسس تعيين الأسعار للجان التسعير المحلية كما أبقى على اختصاص هذه اللجان الأخيرة بتعيين أقصى الأسعار للمواد المبينة بالجدول الملحق به ومن بينها الغلال والحبوب والدقيق ومشتقاته - لما كان ذلك وكان الثابت من تقريرات الحكم المطعون فيه ومما أوردته الطاعنة في تقرير الطعن بصدد بيانها للوقائع أنه حدد سعر جبري للقمح الذي يتسلمه أصحاب المطاحن من وزارة التموين وللدقيق الذي ينتجه هؤلاء من هذا القمح وأنه روعي عند وضع أسس تحديد أسعار الدقيق بواسطة اللجنة العليا المشار إليها في المرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1945 احتساب مبلغ أربعين مليماً في تكاليف الإنتاج نظير أجرة نقل الإردب من القمح من الشون المحلية إلى المطحن وأنه في حالة استلام المطاحن القمح من شون بعيدة عن مطاحنهم كانت وزارة التموين تصرف لهم ما زاد من أجرة نقله على هذه الأربعين مليماً فإن هذه الوزارة لم تكن تملك فرض مبلغ العشرين مليماً الذي فرضته عليهم بالمنشور الصادر في 9 ديسمبر سنة 1947 من مراقبة الحبوب والمطاحن بحجة تغطية بعض النفقات التي تكبدتها في نقل القمح من الشون النائية إلى الشون المحلية ذلك بأنه وقد حدد السعر الجبري لبيع القمح لأصحاب المطاحن على أساس استلامهم له من الشون المحلية فإن فرض مبلغ العشرين مليماً يؤدي إلى زيادة في هذا السعر بغير الطريق القانوني المشار إليه فيما سبق والمنصوص عليه في المرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1945 الذي صدر منشور الوزارة بفرض هذه الزيادة في ظله كما يؤدي فرض هذا المبلغ أيضاً إلى زيادة في أجرة نقل القمح السابق تحديدها بواسطة لجنة التسعيرة العليا عند وضعها أسس تحديد أسعار بيع الدقيق وهو ما لا تملكه وزارة التموين بغير الرجوع إلى تلك اللجنة لما كان ما تقدم فإن الحكم المطعون فيه يكون مصيباً في عدم اعتداده بمنشور الوزارة سالف الذكر لعدم مشروعيته أما عن استناد الطاعنة في المطالبة بهذا المبلغ إلى القول بأن علاقتها بالمطعون ضده وهي علاقة بائع بمشتر تخضع للقيود التي تضعها في سبيل تحقيق الصالح العام وأن منشوراتها تعتبر بعض شروط العقد الذي تم بينهما لأن المطعون ضده تقدم لاستلام القمح وهو قابل لها وأنها قد أنفقت المبلغ المطالب به في عمل أفاد منه المطعون ضده فيلزمه رده - هذا الدفاع مردود بأنه لو جاز للوزارة الطاعنة أن تفرض بعض القيود على أصحاب المطاحن المشترين للقمح منها فإنه لا يجوز أن يترتب على أي من هذه القيود زيادة السعر الجبري للقمح أو زيادة تكاليف إنتاج الدقيق لأن الوزارة لا تملك فرض هذه الزيادة كما سلف القول كما أن البيع بأكثر من السعر الجبري جريمة يعاقب عليها القانون ولو كان المشتري قابلاً للزيادة في السعر ومن ثم فإنه حتى مع التسليم جدلاً بأن المطعون ضده قد قبل قبولاً ضمنياً الزيادة في أجرة النقل التي فرضتها الطاعنة عليه فإن هذا القبول لا يعتد به لمخالفته للقانون كما أنه لا وجه للقول بأن المطعون ضده قد أفاد من نقل القمح من الشون البعيدة إلى الشون المحلية فيلزمه رد بعض ما أنفقته الوزارة في هذا العمل حتى لا يثري على حسابها ذلك بأن الوزارة - على ما سلف بيانه وعلى ما قرره الحكم المطعون فيه بحق - كانت ملتزمة أصلاً بتسليمه القمح من الشون المحلية لأن سعر القمح حدد على هذا الأساس وأنها في سبيل عدم المساس بهذا السعر كانت تصرف لأصحاب المطاحن في حالة استلامهم القمح من شون بعيدة ما يزيد من أجرة النقل على مبلغ الأربعين مليماً المحددة في تكاليف إنتاج الدقيق نظير نقل القمح من تلك الشون المحلية إلى المطحن ومتى كانت الوزارة هي الملتزمة أصلاً بنقل القمح إلى الشون المحلية فإنه لا يقبل منها القول بأن المطعون ضده قد أثرى من هذا العمل على حسابها بغير سبب مشروع.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه.


(1) صدر ذات المبدأ في الحكم رقم 180 لسنة 33 ق - جلسة 5/ 3/ 1968.

الطعن 102 لسنة 33 ق جلسة 8 / 2 / 1968 مكتب فني 19 ج 1 ق 36 ص 237

جلسة 8 من فبراير سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: السيد عبد المنعم الصراف، وسليم راشد أبو زيد، ومحمد صدقي البشبيشي، ومحمد سيد أحمد حماد.

----------------

(36)
الطعن رقم 102 لسنة 33 القضائية

استئناف. "الحكم في الاستئناف". "أثره". حكم. "حجية الحكم".
قضاء المحكمة الاستئنافية برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف بعد أن بحثت أسباب الاستئناف دون أن تتنبه إلى أن طلبات المستأنف فيه هي وقف تنفيذ الحكم المستأنف. استنفاد المحكمة ولايتها بالنسبة للنزاع ولو كان حكمها باطلاً إذ سبيل إصلاح ذلك الخطأ هو الطعن بالنقض. الحكم في استئناف آخر مرفوع عن ذات الحكم وعلى ذات أسباب الاستئناف، بانتهاء الخصومة في الاستئناف. قضاء صحيح لا يعاب عليه عدم تمسك أي من الخصوم بحجية الحكم الأول عند نظر الاستئناف الثاني.

------------------
متى كان يبين من الحكم المطعون فيه أن محكمة الاستئناف قضت بانتهاء الخصومة في الاستئناف لسبق قضائها فيها في استئناف آخر كان مرفوعاً عن ذات الحكم المستأنف وأقيم على ذات أسباب الاستئناف الذي صدر فيه الحكم المطعون فيه وكان الثابت أن ذلك الاستئناف الآخر كان قد أقيم من الطاعن على المطعون عليهما وطلب فيه وقف تنفيذ الحكم المستأنف لذات الأسباب التي بني عليها الاستئناف الذي صدر فيه الحكم المطعون فيه فقضت محكمة الاستئناف في الاستئناف الأول برفضه وبتأييد الحكم المستأنف بعد أن بحثت الأسباب التي بني عليها الاستئنافان وتناولتها بالرد دون أن تتنبه إلى ما كان مطلوباً في هذا الاستئناف من طلب وقف تنفيذ الحكم المستأنف فإنه لا يجوز أن يعاب على الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق المادة 405 من القانون المدني لعدم تمسك أي من الخصوم بحجية الحكم الأول عند نظر الاستئناف الثاني ذلك بأن قضاء المحكمة في الاستئناف الأول هو قضاء قطعي في أصل النزاع موضوع الاستئناف الثاني وبه تكون المحكمة قد استنفدت ولايتها بالنسبة لهذا النزاع بحيث يمتنع عليها أن تعود فتقضي فيه بقضاء آخر يستوي في ذلك أن يكون حكمها فيه صحيحاً أو باطلاً إذ يترتب على صدوره انتهاء النزاع بين الخصوم على أصل الحق وخروجه عن ولايتها وإذا كانت محكمة الاستئناف قد أخطأت في قضائها في الاستئناف الأول حيث لم تقصر قضاءها فيه على طلب وقف التنفيذ الذي كان الهدف من رفع ذلك الاستئناف فإن سبيل إصلاح هذا الخطأ كان الطعن بطريق النقض في هذا القضاء ولا تملك المحكمة التي أصدرته تصحيحه والرجوع فيما فصلت فيه قطعياً وأنهت به النزاع الذي كان يتناوله موضوع الاستئنافين.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدهما أقامتا الدعوى رقم 1704 سنة 1958 مدني كلي إسكندرية على الطاعن طلبتا فيها الحكم بإلزامه بأن يدفع لهما مبلغ 2385 ج منه مبلغ 1750 ج باقي المستحق لهما من ثمن الأطيان المبيعة له من تركة المرحوم ملتيلاً بسيخة وآخرين ومبلغ 635 ج قيمة الفوائد القانونية المستحقة لهما عن باقي الثمن من 24 مايو سنة 1949 حتى رفع الدعوى فدفع الطاعن بعدم اختصاص المحكمة محلياً بنظر الدعوى، وبتاريخ 9 يناير سنة 1960 قضت محكمة الدرجة الأولى برفض الدفع وباختصاصها بنظر الدعوى وفي موضوعها بإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون ضدهما مبلغ 1750 وفوائده بواقع 4% سنوياً ابتداء من 24 مايو سنة 1949 حتى السداد فاستأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف الإسكندرية وقيد استئنافه برقم 93 سنة 16 ق إسكندرية وبتاريخ 21 يناير سنة 1963 قضت تلك المحكمة بانتهاء الخصومة في الاستئناف تأسيساً على أن الطاعن كان قد رفع الاستئناف رقم 121 سنة 16 ق إسكندرية المنضم ملفه يطلب فيه الحكم بوقف تنفيذ ذات الحكم المستأنف بالتطبيق لنص المادة 472 مرافعات وأسس طلبه على ذات الأسباب التي أبداها في الاستئناف الحالي - وأن نفس محكمة الاستئناف بهيئة سابقة استعرضت هذه الأسباب وقضت حضورياً برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف دون أن تتحدث في أسباب ذلك الحكم عن طلب وقف النفاذ وأنه بهذا الحكم ينتهي النزاع بين الطرفين ويصبح الاستئناف الحالي غير ذي موضوع - طعن الطاعن في الحكم المذكور بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرتين أبدت فيهما الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره صممت النيابة على رأيها.
وحيث إن الطعن بني على سببين ينعى الطاعن في أولهما على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون وفي بيان ذلك يقول أن الحكم المطعون فيه إذ اعتبر الحكم الصادر في طلب وقف النفاذ في الاستئناف رقم 121 سنة 16 ق حكماً قطعياً حائزاً لقوة الشيء المقضي فيه ومن شأنه إنهاء النزاع على وجه نهائي، يكون قد أخطأ في تطبيق المادة 405 من القانون المدني من وجوه ثلاث (الأول) أن الحكم الصادر في الاستئناف المذكور لا يعدو أن يكون صادراً بإجراء وقتي في حدود المادة 472 مرافعات وفي طلب إيقاف تنفيذ أمر لا مساس له بأصل الحق ولا تأثير له عليه (الثاني) أن الاستئناف الصادر فيه ذلك الحكم يختلف في موضوعه عن الاستئناف رقم 93 سنة 16 ق الذي صدر فيه الحكم المطعون فيه إذ الاستئناف الأول ينصب على طلب وقف نفاذ الحكم المستأنف والاستئناف الثاني خاص بطلب إلغائه ورفض الدعوى موضوعاً، وإذا كانت محكمة الاستئناف قد تعرضت في الاستئناف الأول الخاص بطلب وقف التنفيذ لغير ما هو مطروح عليها فإن حكمها ليست له أية حجية في هذا الخصوص (الثالث) أن الحكم المطعون فيه أعمل من تلقاء نفسه وبغير طلب من الخصوم قاعدة حجية الأمر المقضى به في الاستئناف رقم 121 سنة 16 ق إسكندرية رغم أنها ليست من النظام العام.
وحيث إن هذا النعي في جميع وجوهه غير سديد ذلك بأن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بانتهاء الخصومة في الاستئناف على قوله. وحيث إن المستأنف كان قد رفع الاستئناف رقم 121 سنة 16 ق المنضم ملفه طلب فيه الحكم بوقف النفاذ المعجل المشمول به الحكم المستأنف بالتطبيق لنص المادة 472 مرافعات وأسس طلبه المذكور على نفس الأسباب التي أبداها في الاستئناف الحالي وقد استعرضت المحكمة موضوع الدعوى - دون أن تتكلم عن طلب وقف النفاذ - وقضت حضورياً في 25 ديسمبر سنة 1960 بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف مع إلزام المستأنف المصروفات ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة - وقالت في أسبابها أن الدفعين بعدم الاختصاص وبعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة لا سند لهما من القانون كما تعرضت لموضوع الدعوى وفسرت شروط عقد البيع بما يؤيد وجهة نظر المستأنف عليهما من حلول الدين المرفوع به الدعوى مما يتعين معه إلزام المستأنف به وانتهت من هذا كله إلى القول بأن الحكم المستأنف في محله متعيناً تأييده وحيث إن الحكم المذكور قد صدر من هذه المحكمة بهيئة سابقة وقد انتهى به النزاع فأصبح الاستئناف الحالي غير ذي موضوع - لذلك يتعين القضاء بانتهاء الخصومة".
ويبين من ذلك أن محكمة الاستئناف لم تقض بعدم جواز نظر الاستئناف المعروض عليها لسبق الفصل فيه بالحكم الصادر في الاستئناف الآخر حتى يعاب عليها بخطئها في تطبيق المادة 405 من القانون المدني وبعدم تمسك أي من الخصوم بحجية الحكم الأول عند نظر الاستئناف الثاني المعروض عليهما بل قضت بانتهاء الخصومة فيه لسبق قضائها في هذه الخصومة في الاستئناف رقم 121 لسنة 16 ق الذي كان مرفوعاً عن ذات الحكم المستأنف وأقيم على ذات أسباب الاستئناف المعروض عليها. ولما كان يبين أن الاستئناف رقم 121 لسنة 16 ق إسكندرية قد أقيم من الطاعن على المطعون عليهما وطلب فيه وقف تنفيذ الحكم المستأنف رقم 1704 لسنة 1958 مدني كلي إسكندرية لذات الأسباب التي بني عليها الاستئناف رقم 93 لسنة 16 ق إسكندرية المرفوع عن نفس الحكم فقضت محكمة الاستئناف في الاستئناف الأول رقم 121 سنة 16 ق برفضه وبتأييد الحكم المستأنف بعد أن بحثت الأسباب التي بني عليها الاستئنافان وتناولتها بالرد - على ما أوضحه الحكم المطعون فيه - دون أن تتنبه إلى ما كان مطلوباً في هذا الاستئناف من طلب وقف تنفيذ الحكم المستأنف، وكان هذا القضاء منها هو قضاء قطعي في أصل النزاع موضوع الاستئناف رقم 93 لسنة 16 ق الذي كان معروضاً عليها، فإن المحكمة تكون بذلك قد استنفدت ولايتها بالنسبة لهذا النزاع بحيث يمتنع عليها أن تعود فتقضي في هذا النزاع ذاته بقضاء آخر يستوي في ذلك أن يكون حكمها فيه صحيحاً أو باطلاً إذ يترتب على صدوره انتهاء النزاع بين الخصوم على أصل الحق وخروجه عن ولايتها، ولا يغير من ذلك قول الطاعن إنه لم يكن قد طلب في استئنافه الأول إلا وقف تنفيذ الحكم المستأنف وأن محكمة الاستئناف إذ فصلت في الموضوع فإنها تكون قد قضت بما لم يطلبه في هذا الاستئناف. ذلك بأنه وإن كان صحيحاً أن محكمة الاستئناف قد أخطأت في قضائها في الاستئناف الأول لم تقصر قضاءها فيه على طلب وقف التنفيذ الذي كان الهدف من رفع الاستئناف إلا أن سبيل إصلاح هذا الخطأ كان الطعن في هذا القضاء بطريق النقض ولا تملك المحكمة ذاتها تصحيحه والرجوع فيما فصلت فيه قطعياً وأنهت به النزاع الذي كان يتناوله موضوع الاستئنافين - لما كان ما تقدم فإن النعي بهذا السبب يكون في جميع ما تضمنه على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول أن الحكم لم يشر إلى ما إذا كان أحد الخصوم قد دفع بعدم جواز الاستئناف لسابقة الفصل فيه بالحكم الصادر في الاستئناف رقم 121 سنة 16 ق ولم يشر إلى الأساس القانوني الذي تقوم عليه قاعدة حجية الأمر المقضى به وهي المادة 405 مدني. وكان يتعين عليه تحديد الوصف الصحيح لذلك الحكم وما إذا كانت تتوافر له أوصاف الحكم أم لا ومدى اتحاد الخصومة في الاستئنافين من حيث موضوعهما وأصل الحق فيهما وما إذا كان ذلك قد صدر فيما هو معروض عليه أم في أمر خارج عن نطاق النزاع. وإذ أغفل الحكم المطعون فيه بحث ذلك فقد شابه قصور يبطله.
وحيث إن هذا النعي مردود. ذلك بأن محكمة الاستئناف - على ما سلف بيانه في الرد على السبب الأول - لم تستند في قضائها بانتهاء الخصومة بين الطرفين إلى سبق الفصل فيها عملاً بأحكام المادة 405 من القانون المدني وإنما أسست قضاءها على أنها قد استنفدت ولايتها بالحكم القطعي الصادر منها في أصل النزاع في الاستئناف رقم 121 سنة 16 ق المقام من الطاعن على المطعون عليهما والذي بني على ذات أسباب الاستئناف المعروض عليها لما كان ذلك فإنه ليس على الحكم المطعون فيه وهو لم يستند في قضائه إلى حكم المادة 405 من القانون المدني أن يبحث توافر شروطها وما إذا كان المطعون عليهما قد دفعا بعدم جواز نظر الاستئناف لسبق الفصل فيه - وحسب الحكم المطعون فيه إنه أقام قضائه على أن المحكمة استنفدت ولايتها بالفصل في الاستئناف الأول في ذات موضوع الاستئناف المعروض عليها وبين نفس الخصوم - لما كان ما تقدم فإن النعي على الحكم المطعون فيه بالقصور في التسبيب يكون على غير أساس.

الطعن 326 لسنة 24 ق جلسة 26 / 3 / 1959 مكتب فني 10 ج 1 ق 40 ص 252

جلسة 26 من مارس سنة 1959

برياسة السيد المستشار محمود عياد، وبحضور السادة: إبراهيم عثمان يوسف، والحسيني العوضي، ومحمد رفعت، وعباس حلمي سلطان المستشارين.

-------------

(40)
الطعن رقم 326 سنة 24 ق

(أ) دعوى "نظر الدعوى أمام المحكمة". تقرير التلخيص. حكم "تسبيبه" "تسبيب الحكم الاستئنافي". 

عدم تلاوة تقرير التلخيص قبل بدء المرافعة. إجراء يترتب على إغفاله بطلان الحكم. القضاء بغير ذلك مخالف للقانون. الطعن المستند إلى هذا الأساس لا يفيد منه الطاعن إذا كانت الأسباب التي أضافتها محكمة الاستئناف إلى حكم محكمة أول درجة كافية في حد ذاتها مستقلة لحمل قضاء حكمها في موضوع الدعوى.
(ب) إثبات "الإثبات بالبينة". "مبدأ الثبوت بالكتابة". حكم "تسبيب معيب". 

مفاد الخطابات المتبادلة إقرار المطعون عليه بحصول اتفاق بينه وبين الطاعنة قبل دخول المزاد. طلب الطاعنة تكملة الإثبات بالبينة بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات واقعة الاتفاق على أن يكون المزاد صورياً. تقرير الحكم أنها لم تقدم مبدأ ثبوت بالكتابة على أن من الشروط المتفق عليها ألا تؤول ملكية منزل النزاع إلى المطعون عليه. رفضه طلب الإحالة إلى التحقيق. اعتباره من قبيل المصادرة على المطلوب. قصور.

-------------------
1 - إن عدم تلاوة تقرير التلخيص قبل بدء المرافعة هو إجراء واجب الإتباع يترتب على إغفاله بطلان الحكم - على ما جرى به قضاء محكمة النقض - وإذ قضى الحكم المطعون فيه بغير ذلك يكون قد خالف القانون، إلا أن الطاعنين لا يفيدون من الطعن المستند إلى بطلان حكم محكمة الدرجة الأولى لعدم تلاوة التقرير - إذا كانت الأسباب التي أضافتها محكمة الاستئناف إلى حكم محكمة أول درجة غير معيبة وكافية في حد ذاتها مستقلة عن أسباب الحكم المستأنف لحمل قضاء حكمها في موضوع الدعوى.
2 - إذا كان يبين من نص الخطابات المتبادلة بين الطاعنة الأولى والمطعون عليه ما يفيد إقراره بحصول اتفاق بينه وبينها قبل دخول المزاد، وكانت الواقعة المدعاة التي طلب الطاعنون إحالة الدعوى إلى التحقيق لتكملة إثباتها بالبينة أن الاتفاق قد انعقد على أن يكون المزاد صورياً على حد قولهم، وكان ما قرره الحكم من أنهم لم يقدموا مبدأ ثبوت بالكتابة على أن من الشروط المتفق عليها ألا تؤول ملكية المنزل المتنازع عليه إلى المطعون عليه - يعتبر من قبيل المصادرة على المطلوب، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض طلب إحالة الدعوى إلى التحقيق يكون معيباً بالقصور.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن مورث الطاعنين المرحوم محمد عبادي سليم كان مديناً لناتان كاتس وصدر لهذا الأخير حكم من المحكمة المختلطة اتخذ بمقتضاه إجراءات التنفيذ العقاري على منزل مملوك لمدينه وقبل إتمام هذه الإجراءات تنازل الدائن عن حقوقه إلى حامد عبد الحميد زيد الذي استمر في الإجراءات حتى رسا عليه مزاد المنزل المذكور في 15 من مايو سنة 1943 بثمن مقداره 265 جنيهاً بخلاف المصاريف. وفي 22 من مايو سنة 1943 قرر المطعون عليه بزيادة العشر فتحدد يوم 12 من يونيو سنة 1943 لإجراء المزايدة من جديد فقرر حامد عبد الحميد - طالب البيع - أنه أحل المطعون عليه محله في كافة حقوقه ودعاويه ورسا المزاد على المطعون عليه بثمن مقداره 291 جنيهاً، 500 مليم والمصاريف التي قدرت بمبلغ 150 جنيهاً، 886 مليماً وقد سجل المطعون ضده حكم مرسى المزاد ونفذه بمحضر تسليم رسمي في 7 يونيو سنة 1945، وفي 3 من إبريل سنة 1946 رفع المطعون عليه الدعوى رقم 876 سنة 1946 مدني جزئي إدفو ضد الطاعنين وآخرين طالباً الحكم بإلزامهم بأن يدفعوا له ريع المنزل من تاريخ محضر التسليم حتى تاريخ رفع الدعوى وما يستجد. ونازعته الطاعنة الأولى في ملكية المنزل فقضى بوقف السير في الدعوى حتى يفصل نهائياً في النزاع على الملكية، رفع المطعون عليه الدعوى رقم 21 سنة 1949 أسوان على الطاعنين وآخرين طالباً الحكم بتثبيت ملكيته إلى المنزل موضوع النزاع مستنداً في ذلك إلى حكم مرسى المزاد ومحضر التسليم سالفي الذكر وإلى خطابات أرسلتها إليه الطاعنة الأولى ووكيلها الأستاذ يوسف الباجه فدفعت الطاعنة الأولى الدعوى طالبة رفضها بمقولة إن حكم مرسى المزاد حكم صوري وأن التزايد كان في الحقيقة لحسابها إذ كانت قد اتفقت مع المطعون عليه على إيقاع البيع له ليكون المنزل ضماناً للحقوق التي حل فيها محل الدائن الأصلي - وضماناً للمبالغ التي دفعها ثمناً للعقار وللمبالغ التي صرفها في سبيل إيقاع البيع واتفقت معه شفوياً على أن يتنازل لها عن المنزل مقابل استلامه هذه المبالغ، وطلبت إحالة الدعوى على التحقيق لإثبات ذلك الاتفاق وقالت تبريراً لهذا الطلب إن المطعون عليه زوج لابنتها فكانت هذه الصلة مانعاً أدبياً منعهما من إثبات الاتفاق بالكتابة كما قدمت أربعة خطابات أرسلها إليها المطعون عليه في 15 مايو، 10 من يونيو، 16 من نوفمبر سنة 1943، 12 من إبريل سنة 1944 اعتبرتها مبدأ ثبوت بالكتابة تكمل بالإحالة إلى التحقيق، قضى في 8 من إبريل سنة 1951 بتثبيت ملكية المطعون عليه للمنزل موضوع النزاع.... فاستأنف الطاعنون هذا الحكم وقيد الاستئناف برقم 256 سنة 26 ق استئناف أسيوط. وفي 10 من يونيو سنة 1954 قضى بتأييد الحكم المستأنف للأسباب التي أضافتها محكمة الاستئناف ولما لا يتعارض معها من أسباب الحكم المستأنف فطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض. وقد عرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى هذه الدائرة لنظره بجلسة 19 من فبراير سنة 1959 وفي هذه الجلسة صممت النيابة على مذكرتها طالبة رفض الطعن.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه بالسبب الأول من أسباب الطعن مخالفة القانون، ذلك أنهم كانوا قد ضمنوا أسباب استئنافهم لحكم محكمة أول درجة سبباً نعوا فيه على هذا الحكم بطلانه إذ أغفل إجراء جوهرياً نصت المادة 116 من قانون المرافعات على وجوب اتباعه وهو أن تكون الإحالة إلى جلسة المرافعة بتقرير من قاضي التحضير وأن يتلى هذا التقرير في الجلسة قبل بدء المرافعة وإغفال هذا الإجراء يترتب عليه بطلان الحكم حتماً وكان يتعين على الحكم المطعون فيه أن يأخذ بهذا النظر فيقضي ببطلان الحكم الابتدائي ولكنه خالفه وأخذ يدافع عن ذلك الحكم الباطل بمقولة إن كل ما تتطلبه المادة 116 سالفة الذكر هو أن تكون الإحالة من التحضير إلى المرافعة بتقرير من قاضي التحضير أما تلاوة التقرير فليست إجراء يترتب على إغفاله بطلان، وبهذا القول خالف الحكم المطعون فيه ما استقر عليه قضاء محكمة النقض.
وحيث إن عدم تلاوة تقرير التلخيص قبل بدء المرافعة هو إجراء واجب الاتباع يترتب على إغفاله بطلان الحكم على ما جرى به قضاء هذه المحكمة وعلى ذلك يكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بغير ذلك قد خالف القانون إلا أن الطاعنين لا يفيدون من الطعن المستند إلى هذا الأساس إذا كانت الأسباب التي أضافتها محكمة الاستئناف غير معيبة وكافية في حد ذاتها - مستقلة عن أسباب الحكم المستأنف لحمل قضاء حكمها في موضوع الدعوى.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى بتأييد حكم محكمة أول درجة بتثبيت ملكية المطعون عليه إلى المنزل موضوع النزاع وتسليمه إليه أقام قضاءه - في أسبابه هو - على أن المستأنفة الأولى - الطاعنة الأولى - قد فسرت الخطابات المتبادلة بينها وبينه على أن المزاد رسا على المطعون عليه بناءً على شروط متفق عليها بينهما ثم قال الحكم إنه على اعتبار أن هناك اتفاقاً فإن الطاعنة الأولى لم تقدم دليلاً كتابياً أو مبدأ ثبوت بالكتابة على أن من بين تلك الشروط ألا تؤول ملكية المنزل إلى المطعون عليه كما أن العلاقة بين الطرفين لم تكن مانعة من الحصول على دليل كتابي وانتهى الحكم من ذلك إلى رفض ما طلبه الطاعنون من إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات حصول الاتفاق على أن يكون التزايد لحسابهم، ثم عاد الحكم بعد ذلك إلى التحدث عن تلك الخطابات فقال إنه حتى على أساس حصول الاتفاق فإن الطاعنة الأولى لم تقم بتنفيذ ما التزمت به فيها ومن ثم حق للمطعون عليه أن يدفع بعدم التنفيذ وبالفسخ وأن العقد يعتبر مفسوخاً بسبب تقصيرها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنون في السبب الخامس تعييب الحكم المطعون فيه بالقصور فيما أضافه من أسباب ويقولون في بيان ذلك إنهم تمسكوا بصورية حكم رسو المزاد وقدموا تأييداً لدعواهم خطابات مرسلة من المطعون عليه إلى الطاعنة الأولى من 15 من مايو، 10 من يونيو، 16 من نوفمبر سنة 1943، 12 من إبريل سنة 1944 وقالوا إنه إن لم تعتبر هذه الخطابات دليلاً كاملاً على الصورية فلا أقل من اعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة يشفع لهم في طلب إحالة الدعوى إلى التحقيق لتكملة الإثبات بالبينة وكان مسلك الحكم في هذا الخصوص مقصوراً على إثبات نص الخطابين المؤرخين 16 من نوفمبر سنة 1943 و12 من إبريل سنة 1944 والتعليق عليهما بمجرد القول بأن الطاعنين لم يقدموا دليلاً كتابياً أو مبدأ ثبوت بالكتابة على أن من بين الشروط المتفق عليها ألا تؤول ملكية المنزل إلى المطعون عليه ورتب الحكم على ذلك رفض طلب الإحالة على التحقيق دون أن يبين علة عدم اعتباره ما ورد في هذين الخطابين مبدأ ثبوت بالكتابة كما أنه لم يلتفت إلى ما ورد في الخطابين اللذين أورد نصهما من إقرار المطعون عليه بحصول اتفاق بينه وبين الطاعنة الأولى قبل دخوله في المزاد.
وحيث إن هذا النعي في محله ذلك أنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه أورد في هذا الخصوص ما يلي: - "وحيث إنه فيما يختص بالموضوع فإنه يتبين من تتبع المستندات المقدمة من الطرفين.... أن المستأنف عليه - المطعون عليه - خاطب المستأنفة الأولى - الطاعنة الأولى - بخطاب مؤرخ 16 من نوفمبر سنة 1943 استهله بالعبارة الآتية: "أذكركم بالموعد لأن الستة أشهر تنتهي يوم 30 نوفمبر الحالي وهذا كان كلامنا الشفوي قبل دخولي في الموضوع وقبل الجلسة تم كلامي التحريري لك ولمصطفى أفندي حسن بعد الجلسة مباشرة وهي نيتي الصريحة التي عرضتها عليك وأكدتها لك قبل الجلسة وقت أن كنت في إدفو وأني في احتياج شديد للمبلغ.... وعلى كل حال فأنا متمسك بكلامي إكراماً للوعد الذي وعدته وكفاية نحو 500 جنيه تمكث 6 أشهر ويكفي أني مستعد لتنفيذ وعدي وقبول فلوسي" كما حاطها بتاريخ 12 من إبريل سنة 1944 بخطاب قال فيه حرفياً "ثم أرجو أن تفتكري أن ميعادنا كان أول ديسمبر سنة 1943 ثم تحول بناءً على طلب الأستاذ إلى 4 يناير سنة 1944 وأنا لازم آخذ مبالغي كلها حالاً حالاً حالاً وبعد أسبوعين أو ثلاثة إذا لم تريحوني فإني أتخذ كل إجراءات قانونية.... وإن كنتم غير قادرين على الدفع الآن فيمكنكم الاتفاق معنا على الشيء المعقول..." ولما كان يبين من نص الخطابين على هذا الوجه ما يفيد إقرار المطعون عليه بحصول اتفاق بينه وبين الطاعنة الأولى قبل دخول المزاد وكانت الواقعة المدعاة التي طلب الطاعنون إحالة الدعوى إلى التحقيق لتكملة إثباتها بالبينة أن الاتفاق قد انعقد على أن يكون المزاد صورياً على حد قولهم وكان ما قرره الحكم من أنهم لم يقدموا مبدأ ثبوت بالكتابة على أن من الشروط المتفق عليها أن لا تؤول ملكية المنزل إلى المطعون عليه يعتبر من قبيل المصادرة على المطلوب، لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض طلب إحالة الدعوى إلى التحقيق يكون معيباً بالقصور.
وحيث إن ما بقي من الأسباب التي أضافها الحكم المطعون فيه يقوم على افتراض أن الاتفاق قد انعقد على أن يمتلك المطعون عليه المنزل نتيجة لحكم مرسى المزاد مع تعهده برده إلى الطاعنة الأولى إذا هي سددت المبالغ التي دفعها وأنها لم تقم بسداد هذه المبالغ مما يبيح للمطعون عليه الدفع بعدم تنفيذ تعهده أو بفسخه - وهو افتراض لمضمون الاتفاق بما يختلف في أساسه عما تمسك به الطاعنون وطلبوا إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثباته ومن ثم فلا يصلح أساساً لحمل قضاء الحكم.
وحيث إنه لما تقدم يتعين نقض الحكم المطعون فيه.

الطعن 995 لسنة 13 ق جلسة 14 / 12 / 1968 إدارية عليا مكتب فني 14 ج 1 ق 17 ص 131

جلسة 14 من ديسمبر سنة 1968

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز زخاري وعبد الستار عبد الباقي آدم ويوسف إبراهيم الشناوي ومحمد صلاح الدين محمد السعيد المستشارين.

-----------------

(17)

القضية رقم 995 لسنة 13 القضائية

عامل - عامل بالقطاع العام "تأديبه". 

صدور عبارات شائنة منه بقصد النيل من رؤسائه - مخالفة تأديبية - لا حجة في القول بأن هذه العبارات صدرت في اجتماع سياسي بالشركة فلم يكن خلاله قائماً بأعمال وظيفته - أساس ذلك.

-------------------
إن العبارات التي صدرت من المطعون ضده شائنة بذاتها وتحمل معنى الإهانة بحيث لا تترك مجالاً لافتراض حسن النية بل تقطع بأنه قصد بها النيل من اثنين من رؤسائه والتشهير بهما والحط من قدرهما أثناء مناقشة موضوعات تدخل في صميم اختصاصهما باعتبارهما من مديري الشركة وذلك في اجتماع ضم كثيراً من العاملين فيها - وهي عبارات لم يكن المقام يقتضيها ولا يبررها قول المطعون ضده إنها كانت وليدة لحظة انفعال بعد مهاجمة السيد/..... لقسم الصيانة إذ أن ما أدلى به هذا الأخير أثناء الاجتماع قد خلا من أي استفزاز أو تعد - ومسلك المطعون ضده على الوجه السابق بيانه ينطوي على خروج عما تقتضيه وظيفته من احترام لرؤسائه وتوقيرهم.
ولا حجة في قوله إن الاجتماع كان سياسياً وأنه لم يكن خلاله قائماً بأعمال وظيفته بل كان يباشر حقوقه السياسية متحرراً من السلطة الرئاسية وعلاقة العمل - لا حجة في ذلك إذ فضلاً عن أن واجب كل من يشترك في اجتماع أن يتجنب الألفاظ الجارحة وأن يصون لسانه عما فيه تشهير بغيره وإهانة له دون مقتض - فإن الاجتماع سالف الذكر قد انعقد بدعوة من رئيس مجلس الإدارة والتقى فيه أعضاء مجلس الإدارة وكثير من مديري الشركة بأعضاء لجان الوحدات الأساسية للاتحاد الاشتراكي واللجنة النقابية للعاملين بالشركة وكان الغرض من انعقاده مناقشة ما أنجزته الشركة وما هو منوط بها في الخطة المقبلة - وبذلك كان الموضوع المطروح للبحث هو عمل الشركة وإنتاجها وما قد يقتضيه ذلك من التعرض لمسئولية واختصاصات القائمين على إدارتها والمنفذين لأوجه نشاطها - وأنه ولئن كان لكل من المشتركين في هذا الاجتماع أن يبدي رأيه بحرية وصراحة تامة وأن يتناول بالنقد ما يراه جديراً بذلك من أعمال الشركة أياً كان المسئول عنه - وأن يقترح ما يراه كفيلاً بعلاج ما فيها من عيوب - إلا أنه ليس له أن يجاوز ذلك إلى الطعن والتجريح والتطاول دون مقتض على الزملاء والرؤساء وإلا أصبح مثل هذا الاجتماع مجالاً للنيل من الرؤساء والتشهير بهم والحط من كرامتهم الأمر الذي لا يتفق مع المصلحة العامة وما تقتضيه من قيام الثقة والتعاون بين العاملين رؤساء ومرؤوسين - بل ومن شأنه أن يفوت الغرض الذي من أجله عقد الاجتماع.
لذلك فإن وقوع المخالفة المنسوبة إلى المطعون ضده أثناء الاجتماع سالف الذكر - وهو حسبما سبق البيان اجتماع وثيق الصلة بأعمال الشركة وباختصاصات العاملين فيها ومسئولياتهم - ليس من شأنه إعفاؤه من المسئولية عما بدر منه من عبارات غير لائقة تنطوي على خروج على مقتضيات وظيفته على وجه يستوجب مؤاخذته تأديبياً.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة حسبما يبين من الأوراق تتحصل في أنه بتاريخ 15 من أكتوبر سنة 1966 أودعت النيابة الإدارية سكرتيرية المحكمة التأديبية المختصة بمحاكمة العاملين بوزارة الصناعة أوراق الدعوى التأديبية التي قيدت بسجل تلك المحكمة برقم 19 لسنة 9 القضائية وكذلك تقرير اتهام ضد السيد/ أحمد بسطاوي علي - رئيس إدارة صيانة الطلمبات بشركة النصر للبترول متضمناً اتهامه بأنه في 12 من يوليه سنة 1966 بشركة النصر للبترول بدائرة محافظة السويس خرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته بأن وجه للسيدين محمود حامد الحفناوي مدير عام الشئون الفنية وأحمد نور الدين أحمد مدير قطاع العمليات بالشركة بعض العبارات الغير لائقة خلال اجتماع مجلس إدارة الشركة بأعضاء لجان الوحدات الأساسية للاتحاد الاشتراكي واللجنة النقابية بالشركة وذلك على النحو الموضح بالتحقيقات وبذلك يكون ارتكب المخالفة الإدارية المنصوص عليها في المادة 53 من القرار الجمهوري رقم 3546 لسنة 1962 - وطلبت النيابة الإدارية محاكمته بالمادة سالفة الذكر وتطبيقاً للمواد 2/ 3، 5، 6 من القانون رقم 19 لسنة 1959 و14 من القانون رقم 117 لسنة 1958 - وبسطت النيابة الإدارية الوقائع في مذكرتها المرافقة لتقرير الاتهام وهي تتحصل في أنه بتاريخ 11 من يوليه سنة 1966 اجتمع رئيس مجلس إدارة شركة النصر للبترول مع أعضاء مجلس الإدارة ولجان الوحدات الأساسية للاتحاد الاشتراكي - وعلى أثر ما عرضه السيد/ محمود حامد الحفناوي مدير عام الشئون الفنية لما حققته الشركة خلال عام 65/ 1966 من زيادة في الإنتاج رد على ذلك السيد أحمد بسطاوي رئيس إدارة صيانة الطلمبات بما مفاده أن إدارة العمليات تقوم في سبيل تحقيقها للخطة - بتشغيل الأجهزة والمعدات بأكثر من طاقتها المصممة عليها - فرد عليه المدير العام نافياً ذلك - واستدعى رئيس مجلس الإدارة السيد/ أحمد نور الدين مدير العمليات المختص بهذا الموضوع للاجتماع حيث أعيدت المناقشة فنفى ما جاء بأقوال السيد/ أحمد بسطاوي مقرراً أن إصلاح الطلمبات لم يعد يتم على الوجه المرغوب وعزا ذلك إلى عدة أسباب منها عدم توافر قطع الغيار وأن المختصين بالإصلاح حالياً تنقصهم الخبرة والتدريب لأن ذوي الخبرة العملية العالية منهم أبعدوا عن العمل نتيجة لترقيتهم حيث تركت العمليات الهامة لعمال محدودي الخبرة والتمرين - فما كان من السيد/ أحمد بسطاوي إلا أن وصف كلاً من السيد/ محمود الحفناوي مدير عام الشركة والسيد/ أحمد نور الدين بالكذب كما وجه بعض العبارات الغير لائقة والجارحة إلى الأول - فغادرا مقر الاجتماع.
وأودع المتهم حافظة بمستنداته ومذكرة بدفاعه انتهى فيها إلى طلب الحكم ببراءته.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه ببراءة المتهم على أن الثابت أن الاجتماع الذي عقده رئيس مجلس الإدارة كان مع لجان الوحدات الأساسية للاتحاد الاشتراكي واللجنة النقابية بالشركة لمناقشة ما تم من أعمال وما هو موكل إلى الشركة من مشروعات في الخطة الثانية ولإبراز المشاكل والصعاب التي تعترض العاملين بالشركة - وأن الاجتماع بهذه الصورة يعد في المقام الأول اجتماعاً سياسياً وليس وظيفياً فانتفت الصفة الوظيفية عن المشتركين فيه لتبرز صفتهم السياسية باعتبارهم أعضاء في لجان الوحدات الأساسية للاتحاد الاشتراكي واللجنة النقابية - إذ أن الغاية من الاجتماعات السياسية لا يمكن أن تتحقق إلا بممارسة الموجودين في الاجتماع لحقهم المشروع في القول والفكر وإبداء وجهات النظر دون التقيد بالرابطة التقليدية الوظيفية بين الأعضاء بحكم مراكزهم في الشركة أو التقيد بأي قيد آخر إلا تحقيق الصالح العام والتنزه عن الأغراض الشخصية - ومتى انتفت الصفة الوظيفية عن الاجتماع الذي حدث فيه التعدي يبقى النظر في الأقوال التي بدرت من المتهم وهل تعتبر من قبيل الأفعال التي تمس ما يجب أن يتحلى به العامل سواء خارج الوظيفة أو داخلها من احترام للذات وللأخلاق والعرف العام والمعلوم أن الاجتماعات السياسية تصطبغ مناقشاتها بالحدة مما يعرض المتناقشين لزلات اللسان ولذلك تنص الدساتير على عدم مسئولية أعضاء البرلمان عما يبدر منهم أثناء انعقاد الجلسات فإذا نعت المتهم المدير العام للشئون الفنية ومدير العمليات بالشركة بالكذب أو الانحراف فإن هذا القول من جانبه وبمراعاة الظروف التي قيل فيها لا يعد انتهاكاً للعرف العام والواضح من وقائع الحال أن المتهم لم يكن يقصد إهانة المعتدى عليهما وإنما كان يقصد التدليل على عدم صحة البيانات التي أدلى بها كل منهما فلا تشكل الواقعة المنسوبة إليه مخالفة تأديبية يمكن محاسبته عنها.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن المحكمة التأديبية قد أخطأت إذ اعتبرت الاجتماع الذي تعدى فيه المطعون ضده على مدير عام الشئون الفنية ومدير قطاع العمليات بالشركة اجتماعاً سياسياً وليس وظيفياً ذلك أن الاجتماع قد تم في مقر الشركة ومن أشخاص يشترط فيهم لحضوره أن يكونوا أصلاً موظفين في الشركة ولولا هذه الصفة لما جاز انتخابهم في لجنة العشرين ولا في اللجنة النقابية وكان الموضوع المطروح للبحث هو عمل الشركة وإنتاجها وهو أمر متعلق بصميم عملهم وصفتهم كموظفين ومن ثم يجب مراعاة الحدود العامة لمسئولية الموظف في علاقته بزملائه ورؤسائه لأن هذه الحدود لم تشرع لحماية شخص الموظف والرئيس بقدر ما شرعت لحماية المصلحة العامة التي يمثلها والتي تهدر عند التعدي عليه بصورة خارجة عن الحدود العامة لحق الشكوى والمناقشة الموضوعية القائمة على التزام الحقيقة دون قذف أو تجريح - أما ما ذهبت إليه المحكمة من أن الموظف في هذا الاجتماع يخلع صفة الموظف ويتحول إلى عضو في برلمان صغير يكتسب حصانة تعطيه حق القذف فغير مقبول إذ فضلاً عن عدم صحة التصوير الذي ذهبت إليه المحكمة فإن الاجتماع لم يكن بحكم القانون بل كان اجتماعاً استشارياً دعا إليه رئيس مجلس إدارة الشركة للتشاور والاسترشاد بآراء العاملين حول شئون متعلقة بالعمل دون أن تكون هناك قوة إلزامية للآراء التي تبدى لأن الأمر مرجعه إلى مجلس الإدارة ورئيسه - وقد صدرت من المتهم ألفاظ تشكل بطبيعتها قذفاً حتى خارج نطاق الوظيفة إذ أنها تخالف السلوك العام الواجب ولا تحمل حسن النية بل وليس مما يقبل حتى في مجال الاجتماعات السياسية أن ينعت الشخص بصفات تدل على الخيانة الوطنية - فتكون الواقعة المنسوبة إلى المطعون ضده مخالفة تأديبية وتكون المحكمة إذ قضت ببراءته رغم ذلك قد أخطأت في تطبيق القانون.
ومن حيث إن المطعون ضده قد عقب على الطعن بمذكرة قال فيها إن الاتهام المنسوب إليه قد تركز على كونه قد خرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته وذلك يقتضي أن تكون هناك أعمال وظيفية يقوم بها وأن يكون هناك خروج على مقتضى الواجب أثناء قيامه بالأعمال المذكورة وكلا الأمرين غير متوافرين إذ أنه لم يكن قائماً بأي عمل من أعمال الوظيفة بل كان يباشر حقوقه السياسية كمواطن وعضو لجنة عشرين بالاتحاد الاشتراكي في الشركة متحرراً من السلطة الرئاسية وعلاقة العمل فإن زلة لسان تقع من أحد الموجودين في الاجتماع المشار إليه فضلاً عن كونها غير مقصودة لا يمكن أن تعتبر اعتداء من مرؤوس على رئيسه يستوجب المؤاخذة - وإذا كان قد خانه التعبير في اختيار اللفظ المناسب بسبب حماسه فإن الاجتماعات السياسية عموماً طابعها الحماس والدفاع عن الصالح العام وأية زلات يغفرها الغرض الاسمى الذي من أجله عقد الاجتماع وهو محاسبة كل رئيس عن الأعمال التي يشرف عليها - وأشار المطعون ضده إلى كفاحه الطويل في النشاط النقابي وفي دائرة العمل بالشركة وذكر أنه عندما وقف ليتكلم في الاجتماع كان يقصد التنبيه إلى خطورة تحميل وسائل الإنتاج أكثر من طاقتها حرصاً على مصلحة الإنتاج في الشركة مستقبلاً وكان تحت يده الأدلة التي أودع جزءاً منها في حافظة مستنداته المقدمة للمحكمة التأديبية كما أشار إلى تحامل وتحيز بعض الرؤساء ضده لأسباب شخصية وإلى محاولة الشهود إلصاق تهم كيدية به - وقال إنه بسبب الخلافات بينه وبين السيد/ الحفناوي سعى المذكور إلى نقله من الشركة ونقل فعلاً إلى شركة بترول خليج السويس اعتباراً من 12 من إبريل سنة 1967 ونفذ قرار النقل - وبنقله أصبح من غير المجدي الاستمرار في محاكمته عن وقائع نسبت إليه إبان عمله في الشركة الأولى بعد أن انقطعت صلته بها وما يترتب على ذلك من استحالة توقيع أي جزاء عليه الأمر الذي أصبحت معه الدعوى غير ذات موضوع - وأضاف المطعون ضده في مذكرة ثانية تقدم بها أن شركة بترول خليج السويس شركة خاصة تخضع للقوانين الخاصة ولا تعتبر من شركات القطاع العام الخاضعة لأحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 3546 لسنة 1962 بل يخضع العاملون فيها لأحكام قانون عقد العمل الفردي كما هو ثابت في عقد العمل المحرر بينه وبين تلك الشركة وإذ انقطعت صلته بشركة النصر للبترول ولم يعد خاضعاً للقوانين المتعلقة بشركات القطاع العام فإنه لا يتصور تطبيق أي جزاء من الجزاءات التأديبية عليه وانتهى المطعون ضده إلى طلب رفض الطعن.
ومن حيث إن المخالفة المنسوبة إلى المطعون ضده هي أنه خرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته بأن وجه إلى السيدين محمود حامد الحفناوي مدير عام الشئون الفنية وأحمد نور الدين مدير قطاع العمليات بالشركة بعض العبارات غير اللائقة خلال اجتماع مجلس إدارة الشركة بأعضاء لجان الوحدات الأساسية للاتحاد الاشتراكي واللجنة النقابية بالشركة وذلك على النحو الموضح بالتحقيقات.
ومن حيث إنه بالرجوع إلى الأوراق وإلى ما أجرته النيابة الإدارية من تحقيقات يبين أنه بناء على دعوة رئيس مجلس إدارة شركة النصر للبترول عقد في 11 من يوليه سنة 1966 اجتماع بمقر الشركة حضره بض أعضاء مجلس إدارة الشركة وأعضاء الوحدات الأساسية للاتحاد الاشتراكي بالشركة وأعضاء اللجنة النقابية وذلك لعرض ومناقشة ما تم إنجازه بالشركة والمشروعات المسندة إليها في الخطة المقبلة ولدراسة الوسائل الكفيلة برفع مستوى الكفاية الإنتاجية بها - وطلب رئيس مجلس الإدارة من مديري الإدارات العامة وأعضاء مجلس الإدارة أن يشرح كل منهم في حدود اختصاصه تفاصيل الأعمال المذكورة - وبعد أن ذكر السيد/ محمود حامد الحفناوي مدير الشئون الفنية أن الشركة جاوزت ما كان محدداً لها في الخطة بزيادة قدرها مائة وستة آلاف طن في تكرير البترول خلال عام 1965/ 1966 - عقب المطعون ضده على ذلك بقوله إن إدارة العمليات لكي تحقق الخطة تجرى على تشغيل الأجهزة والمعدات بأكثر من الطاقة التي صممت على أساسها مما سيؤدي إلى الإضرار بهذه الأجهزة والمعدات في وقت لا تتوافر فيه الكفاية من قطع الغيار - واستدعى السيد/ أحمد نور الدين مدير العمليات إلى الاجتماع للإدلاء برأيه في هذا الشأن فنفى ما قرره المطعون ضده في شأن تشغيل الطلمبات بأكثر من طاقتها وقرر أن إصلاح الطلمبات أصبح لا يتم على الوجه المرغوب وعزا ذلك إلى عدم توافر قطع الغيار وإلى أن المختصين بالإصلاح تنقصهم الخبرة والتدريب لأن ذوي الخبرة العملية العالية منهم حصلوا أخيراً على ترقيات أبعدتهم عن العمل بأيديهم تاركين ذلك لعمال محدودي الخبرة والمران - وأضاف أنه بنقده لا يريد أن يجرح أحداً ولكنه يثير هذا الموضوع بصراحة تامة لأنه جدير بأن يحوز اهتمام المجتمعين بغية الوصول إلى حل بشأنه - وما انتهى مدير العمليات من قوله حتى انبرى المطعون ضده قائلاً بصوت مرتفع إن مدير الشئون الفنية ومدير العمليات قد أدليا ببيانات كاذبة كما قال إن الحفناوي كذاب وأحمد نور الدين كذاب وأنهما مخربان فانسحب السيد/ أحمد نور الدين من الاجتماع - وقال السيد/ محمود الحفناوي لرئيس مجلس الإدارة إن ما حدث يحتاج إلى تحقيق فثار المطعون ضده قائلاً (مش أنت اللي تحقق معايا - أنت كان الواجب تكون في محكمة الدجوى - أنا أعرف أوديك في داهية - أنا الوحيد اللي عارفك يا حفناوي والحق على أني ماوديتكش زي مصطفى راغب - أنت حجيت وأنت بتكذب - أنت بتحج على جبل المقطم مش على جبل عرفات - أنا أقل عامل عندي يفهم أحسن منك وأحسن من نور الدين) - وقد أدى ذلك إلى حدوث اضطراب في الاجتماع الأمر الذي اضطر معه رئيس مجلس الإدارة إلى إنهائه - وقرر المطعون ضده في أقواله في التحقيق أن الألفاظ التي وجهها إلى السيدين محمود الحفناوي وأحمد نور الدين لم يقصد بها إهانة أي منهما ولكنها كانت وليدة لحظة انفعال بعد أن هاجم السيد/ أحمد نور الدين قسم صيانة الطلمبات.
ومن حيث إن العبارات التي صدرت من المطعون ضده شائنة بذاتها وتحمل معنى الإهانة بحيث لا تترك مجالاً لافتراض حسن النية بل تقطع بأنه قصد بها النيل من اثنين من رؤسائه والتشهير بهما والحط من قدرهما أثناء مناقشة موضوعات تدخل في صميم اختصاصهما باعتبارهما من مديري الشركة وذلك في اجتماع ضم كثيراً من العاملين فيها - وهي عبارات لم يكن المقام يقتضيها ولا يبررها قول المطعون ضده أنها كانت وليدة لحظة انفعال بعد مهاجمة السيد/.... لقسم الصيانة إذ أن ما أدلى به هذا الأخير أثناء الاجتماع قد خلا من أي استفزاز أو تعد - ومسلك المطعون ضده على الوجه السابق بيانه ينطوي على خروج عما تقتضيه وظيفته من احترام لرؤسائه وتوقيرهم.
ومن حيث إنه لا حجة في قوله أن الاجتماع كان سياسياً وأنه لم يكن خلاله قائماً بأعمال وظيفته بل كان يباشر حقوقه السياسية متحرراً من السلطة الرئاسية وعلاقة العمل - لا حجة في ذلك إذ فضلاً عن أن واجب كل من يشترك في اجتماع أن يتجنب الألفاظ الجارحة وأن يصون لسانه عما فيه تشهير بغيره وإهانة له دون مقتض - فإن الاجتماع سالف الذكر قد انعقد بدعوة من رئيس مجلس الإدارة والتقى فيه أعضاء مجلس الإدارة وكثير من مديري الشركة بأعضاء لجان الوحدات الأساسية للاتحاد الاشتراكي واللجنة النقابية للعاملين بالشركة وكان الغرض من انعقاده مناقشة ما أنجزته الشركة وما هو منوط بها في الخطة المقبلة - وبذلك كان الموضوع المطروح للبحث هو عمل الشركة وإنتاجها وما قد يقتضيه ذلك من التعرض لمسئولية واختصاصات القائمين على إدارتها والمنفذين لأوجه نشاطها - وإنه ولئن كان لكل من المشتركين في هذا الاجتماع أن يبدي رأيه بحرية وصراحة تامة وأن يتناول بالنقد ما يراه جديراً بذلك من أعمال الشركة أياً كان المسئول عنه - وأن يقترح ما يراه كفيلاً بعلاج ما فيها من عيوب - إلا أنه ليس له أن يجاوز ذلك إلى الطعن والتجريح والتطاول دون مقتض على الزملاء والرؤساء وإلا أصبح مثل هذا الاجتماع مجالاً للنيل من الرؤساء والتشهير بهم والحط من كرامتهم الأمر الذي لا يتفق مع المصلحة العامة وما تقتضيه من قيام الثقة والتعاون بين العاملين رؤساء ومرؤوسين - بل ومن شأنه أن يفوت الغرض الذي من أجله عقد الاجتماع.
ومن حيث إنه لذلك فإن وقوع المخالفة المنسوبة إلى المطعون ضده أثناء الاجتماع سالف الذكر - وهو حسبما سبق البيان اجتماع وثيق الصلة بأعمال الشركة وباختصاصات العاملين فيها ومسئولياتهم - ليس من شأنه إعفاؤه من المسئولية عما بدر منه من عبارات غير لائقة تنطوي على خروج على مقتضيات وظيفته على وجه يستوجب مؤاخذته تأديبياً.
ومن حيث إن المطعون ضده قد ذهب في دفاعه إلى أنه وقد نقل إلى شركة بترول خليج السويس اعتباراً من 27 من إبريل سنة 1967 وهي شركة خاصة لا تخضع للقوانين واللوائح المتعلقة بشركات القطاع العام فإنه من غير الجائز أن يوقع عليه أي جزاء من الجزاءات التأديبية.
ومن حيث إن الشركة المذكورة قد تكونت من المؤسسة المصرية العامة للبترول وشركة بان أمريكان وفقاً لأحكام المادة السابعة من اتفاقية الامتياز البترولي التي رخص لوزير الصناعة في إبرامها معهما بمقتضى القانون رقم 58 لسنة 1964 - وقد اشتركت المؤسسة المصرية العامة للبترول في تكوين (شركة بترول خليج السويس) المشار إليها بنصف رأس المال - وإنه ولئن كانت المادة السابعة سالفة الذكر والتي أسبغ القانون رقم 58 لسنة 1964 على أحكامها قوة القانون قد استثنت الشركة المذكورة من الخضوع لبعض القوانين وأحد القرارات الجمهورية إلا أنها فيما عدا ما استثنيت منه تخضع للقوانين السارية في الجمهورية العربية المتحدة ومن بينها القانون رقم 19 لسنة 1959 في شأن سريان أحكام قانون النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية على موظفي المؤسسات والهيئات العامة والشركات والجمعيات الخاصة - وينص هذا القانون في المادة الأولى منه على أنه (مع عدم الإخلال بحق الجهة التي يتبعها الموظف في الرقابة وفحص الشكاوى والتحقيق تسري أحكام المواد من 3 إلى 11 و14 و17 من القانون رقم 117 لسنة 1958 المشار إليه على... (3) موظفي الشركات التي تساهم فيها الحكومة أو المؤسسات والهيئات العامة بنسبة لا تقل عن 25% من رأسمالها أو تضمن لها حداً أدنى من الأرباح) وإذ كانت المؤسسة المصرية العامة للبترول قد اشتركت في تكوين (شركة بترول خليج السويس) بنسبة 50% من رأسمالها فإن العاملين في هذه الشركة يخضعون لأحكام القانون رقم 19 لسنة 1959 وتختص المحكمة التأديبية المنصوص عليها في المادة الخامسة منه بمحاكمة من يجاوز مرتبه منهم خمسة عشر جنيهاً.
ومن حيث إنه لذلك فإن نقل المطعون ضده إلى (شركة بترول خليج السويس) لا أثر له على مسئوليته التأديبية عما ثبت في حقه وليس من شأنه أن يؤثر على جعل تأديبه من اختصاص المحكمة التأديبية باعتبارها مختصة بمحاكمة موظفي الشركات التي سبق بيانها.
ومن حيث إنه وقد ثبت في حق المطعون ضده ما يستوجب مؤاخذته تأديبياً على الوجه السابق بيانه - فإن الحكم المطعون فيه إذ ذهب غير هذا المذهب وقضى ببراءته يكون قد جانب الصواب الأمر الذي يتعين معه إلغاؤه وتوقيع الجزاء المناسب لما فرط منه وتقدر المحكمة هذا الجزاء بالخصم من مرتبه لمدة خمسة عشر يوماً وذلك مع إلزامه بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبمجازاة السيد/ أحمد بسطاوي على المطعون ضده بالخصم من مرتبه لمدة خمسة عشر يوماً وألزمته بالمصروفات.

الطعن 239 لسنة 32 ق جلسة 8 / 2 / 1968 مكتب فني 19 ج 1 ق 35 ص 230

جلسة 8 من فبراير سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، والسيد عبد المنعم الصراف، ومحمد صدقي البشبيشي، ومحمد سيد أحمد حماد.

----------------

(35)
الطعن رقم 239 لسنة 32 القضائية

(أ) هيئات عامة. "هيئة قناة السويس". أشخاص اعتبارية. "الأشخاص العامة". نزع الملكية للمنفعة العامة. "التخصيص للمنفعة العامة".
هيئة قناة السويس هيئة عامة ذات شخصية اعتبارية مستقلة. اختصاصها وحدها بإصدار وتنفيذ اللوائح اللازمة لحسن سير المرفق. لها تملك الأراضي والعقارات بأية طريقة بما في ذلك نزع الملكية للمنفعة العامة وبالتالي لها تخصيص أي عقار من عقاراتها لخدمة مرفق قناة السويس وهو نوع من المنفعة العامة.
(ب) هيئات عامة. "هيئة قناة السويس". نزع الملكية للمنفعة العامة. قانون.
نص المادة 11 من القانون رقم 146 لسنة 1957. تخويله هيئة قناة السويس سلطة نزع الملكية للمنفعة العامة. وروده بصيغة عامة مطلقة. شموله العقارات التي في حيازة الهيئة أو في حيازة الغير وسواء تعلق بها حقوق لهذا الغير أم لا.
(ج) هيئات عامة "هيئة قناة السويس". نزع الملكية للمنفعة العامة. أموال. "أموال خاصة".
اعتبار المنزل المملوك لهيئة قناة السويس مالاً خاصاً لا يمنع من تخصيصه بالطريق القانوني للمنفعة العامة ومنها خدمة مرفق قناة السويس.
(د) قرار إداري "مقومات القرار الإداري". اختصاص "اختصاص ولائي". مجلس الدولة.
قرار مجلس إدارة هيئة قناة السويس بتخصيص عقار - مؤجر للغير - لخدمة مرفق قناة السويس وإخلائه من شاغليه. قرار إداري استكمل مقوماته ولا يشوبه في ظاهره عيب يجرده من الصفة الإدارية وينحدر به إلى درجة العدم. عدم اختصاص المحاكم العادية - ومنها القضاء المستعجل وهو فرع منها - بالفصل في طلب إلغائه أو وقف تنفيذه. الاختصاص بذلك لمجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره.

---------------
1 - نص القانون رقم 146 لسنة 1957 بنظام هيئة قناة السويس الذي أنشأ هذه الهيئة على اعتبارها هيئة عامة ذات شخصية اعتبارية مستقلة وعلى أنها تختص دون غيرها بإصدار وتنفيذ اللوائح التي يقتضيها حسن سير المرفق وعلى أن يكون لها في سبيل القيام بواجباتها ومباشرة اختصاصاتها جميع السلطات اللازمة لذلك وبوجه خاص يكون لها تملك الأراضي والعقارات بأية طريقة بما في ذلك نزع الملكية للمنفعة العامة. وإذ كان القرار بنزع ملكية العقار للمنفعة العامة يتضمن في ذاته تخصيص هذا العقار لتلك المنفعة فإن المشرع بتخويله هيئة قناة السويس سلطة نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة يكون بذلك قد خولها تخصيص أي عقار من عقاراتها لخدمة مرفق قناة السويس وهو نوع من المنفعة العامة لأن من يملك نزع عقار مملوك للغير لمنفعة عامة يملك من باب أولى تخصيص عقار مملوك له لهذا الغرض.
2 - نص المادة 11 من القانون رقم 146 لسنة 1957 - الذي خول هيئة قناة السويس سلطة نزع الملكية للمنفعة العامة - قد ورد بصيغة عامة مطلقة بحيث يشمل العقارات التي في حيازة الهيئة أو في حيازة الغير وسواء تعلق بها حقوق لهذا الغير قبل الهيئة أو لم يتعلق ومن ثم لا يجوز تخصيص هذا النص بغير مخصص.
3 - اعتبار المنزل محل النزاع مالاً خاصاً لهيئة قناة السويس لا يمنع من تخصيصه بالطريق القانوني للمنفعة العامة ومنها خدمة مرفق قناة السويس.
4 - إذ أصدر مجلس إدارة هيئة قناة السويس في 11 مارس سنة 1961 استناداً إلى السلطة المخولة له في القانون رقم 146 لسنة 1957 - قراراً يقضي بأن المباني والمساكن المبينة فيه والتي آلت ملكيتها إلى الدولة بمقتضى المادة الأولى من قانون التأميم رقم 285 لسنة 1956 والتي يشغلها الغير حالياً بمقتضى عقود أبرمت مع شركة قناة السويس (المؤممة) تعتبر مخصصة لخدمة مرفق قناة السويس ويجرى إخلاؤها لهذا الغرض من شاغليها، فإن هذا القرار يكون قد استكمل بحسب البادي من الأوراق مقومات القرار الإداري ولا يشوبه في ظاهره عيب يجرده من الصفة الإدارية وينحدر به إلى درجة العدم ومن ثم فلا تختص المحاكم العادية - ومنها القضاء المستعجل وهو فرع منها - بالفصل في طلب إلغائه أوقف تنفيذه وإنما يكون الاختصاص بالفصل في هذا الطلب لمجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره وذلك بالتطبيق للمادة 15 من قانون السلطة القضائية رقم 56 لسنة 1959 والمادة 8 من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد نائب رئيس المحكمة والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده أقام في 16 من ديسمبر سنة 1961 على هيئة قناة السويس (الطاعنة) الدعوى رقم 391 سنة 1961 أمام قاضي الأمور المستعجلة بمحكمة بور سعيد الابتدائية طالباً الحكم بصفة مستعجلة بإيقاف التنفيذ عليه بالإخلاء بالطريق الإداري وقال في بيان دعواه إنه بعقد إيجار مؤرخ في أول يناير سنة 1940 استأجر من شركة قناة السويس المؤممة والتي حلت محلها هيئة قناة السويس المنزل رقم 260/ 5 بشارع رشيد بمدينة بور سعيد بأجرة شهرية قدرها 288 قرشاً ونصف زيدت إلى 593 قرشاً و6 مليمات وظل قائماً بالوفاة بالتزاماته ومنها دفع الأجرة في الميعاد إلى أن فوجئ بإنذار من مدير الهيئة يخطره فيه بأن مجلس إدارتها قرر بجلسته المنعقدة في 11 من مارس سنة 1961 بتخصيص هذا المنزل لخدمة مرفق قناة السويس وينبه عليه بتسليمه إلى الهيئة بعد إخلائه في مدة لا تجاوز 30 سبتمبر سنة 1961 ثم أعادت الهيئة إخطاره بالإخلاء في أجل غايته 18 ديسمبر سنة 1962 وإلا أخلى بالطريق الإداري ثم منحته مهلة أخرى حتى نهاية الشهر المذكور وأنه إذ كان لا يجوز إجراء التنفيذ بغير سند تنفيذي وكان لا يوجد بيد الهيئة هذا السند وكانت العلاقة بينها وبينه علاقة إيجارية يحكمها القانون رقم 121 سنة 1947 الذي لا يجيز إخلاءه ما دام قائماً بالوفاء بالتزاماته فإنه يحق له الالتجاء إلى القضاء المستعجل لوقف تنفيذ الإخلاء المحدد له 31 ديسمبر سنة 1961 وقد دفعت الهيئة الطاعنة بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى تأسيساً على أن القرار الصادر من مجلس إدارتها في 11 من مارس سنة 1961 بتخصيص المنزل للمطعون ضده لخدمة المرفق وبإخلائه لهذا الغرض هو قرار إداري يمتنع على المحاكم العادية وقف تنفيذه وأضافت أن أموال المرفق ومن بينها هذا المنزل تعتبر أموالاً عامة وانتفاع الأفراد بها يكون بطريق الترخيص لا بطريق الإيجار ومن حق الإدارة إنهاء هذا الترخيص في أي وقت. ورد المطعون ضده على هذا الدفع بأن العلاقة بينه وبين الهيئة يحكمها عقد الإيجار المبرم بينهما وأنه لذلك فالقانون رقم 121 لسنة 1947 يحميه من الإخلاء بأي طريق ما دام قائماً بالوفاء بالتزاماته وبتاريخ 15 من يناير سنة 1962 قضى قاضي الأمور المستعجلة برفض هذا الدفع وباختصاص المحكمة ولائياً بالفصل في الدعوى وبقبول الإشكال شكلاً وفي الموضوع بوقف تنفيذ القرار المستشكل فيه الخاص بإخلاء المستشكل من العين المؤجرة له بعقد الإيجار المؤرخ أول يناير سنة 1940 بالطريق الإداري فاستأنفت هيئة قناة السويس هذا الحكم لدى محكمة بور سعيد الابتدائية وقيد استئنافها برقم 5 لسنة 1962 وتمسكت بالدفع بعدم الاختصاص الولائي وبتاريخ 8 من أبريل سنة 1962 قضت تلك المحكمة منعقدة - بهيئة استئنافية - بتأييد الحكم المستأنف فطعنت هيئة قناة السويس في قضائها هذا بطريق النقض بتقرير تاريخه 6 من مايو سنة 1962 وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت بهذا الرأي.
وحيث إن الطاعنة تؤسس طعنها على أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في القانون في مسألة اختصاص متعلق بولاية المحاكم وفي بيان ذلك تقول إنه استند في قضائه برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى على أن القرار الصادر من مجلس إدارة الهيئة في 11 مارس سنة 1961 بتخصيص المنزل المؤجر للمطعون ضده لخدمة المرفق هو قرار منعدم لصدوره من جهة لا تملك إصداره ولما فيه من اعتداء على اختصاص السلطة القضائية، هذا في حين أن هذا القرار قد صدر من مجلس إدارة هيئة السويس بتخصيص جميع المساكن المؤجرة لغير موظفيها وعمالها لخدمة المرفق أي للمنفعة العامة وقد استوفى هذا القرار كافة الأركان التي يقوم عليها القرار الإداري بما يمتنع معه على المحاكم المدنية التعرض له بإلغاء أو وقف تنفيذ ذلك أنه صدر من مجلس إدارة هيئة القناة وهي هيئة عامة بصريح نص القانون رقم 146 لسنة 1957 وفي حدود السلطة المخولة لها بالقانون المذكور فقد خولت المادة السابعة منه للهيئة إصدار وتنفيذ اللوائح التي يقتضيها حسن سير المرفق ومنحتها المادة الحادية عشر جميع السلطات اللازمة لقيامها بواجباتها ومباشرة اختصاصها وبوجه خاص سلطة تملك الأراضي والعقارات بأية طريقة بما في ذلك نزع الملكية للمنفعة العامة ولا شك أن من يملك نزع ملكية الغير للمنفعة العامة يملك من باب أولى تخصيص مال مملوك له للمنفعة العامة ولا محل لما ذهب إليه الحكم فيه من أن سلطة الهيئة في نزع الملكية قاصرة فقط على العقارات التي تكون في حوزتها فعلاً ولم تتعلق بها حقوق للغير قبلها لأن هذا تخصيص للنص بغير مخصص وعلاوة على ذلك فإن مجلس إدارة الهيئة هو المهيمن على شئون المرفق وله في سبيل ذلك سلطة الوزير وبمقتضى هذه السلطة يملك تخصيص أي مال للمنفعة العامة ولا عبرة بما جاء بالحكم المطعون فيه من وجوب صدور القرار بالتخصيص لخدمة المرفق من رئيس الجمهورية لما في ذلك من حرمان للهيئة من وسيلة قانونية للتخصيص دون سند من القانون ومتى كان القرار صادراً من هيئة عامة وفي المجال الإداري وبقصد إحداث أثر قانوني فإنه لا يمكن القول بانعدامه أو بأن فيه اعتداءاً على السلطة القضائية ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ أيد حكم محكمة الأمور المستعجلة الذي قضى باختصاص المحاكم المدنية بنظر النزاع وبوقف تنفيذ القرار المذكور على أساس انعدامه وانطوائه على اعتداء على اختصاص السلطة القضائية فإنه يكون قد بني على خطأ في القانون في مسألة اختصاص متعلق بولاية المحاكم وبالتالي يجوز الطعن فيه بطريق النقض رغم صدوره من محكمة ابتدائية بهيئة استئنافية ويتعين نقضه بسبب هذا الخطأ.
وحيث إن هذا النعي سديد ذلك بأن القانون رقم 146 لسنة 1957 بنظام هيئة قناة السويس والذي أنشأ هذه الهيئة قد نص على اعتبارها هيئة عامة ذات شخصية اعتبارية مستقلة ونصت المادة السابعة من هذا القانون على اختصاص تلك الهيئة دون غيرها بإصدار وتنفيذ اللوائح التي يقتضيها حسن سير المرفق كما نصت المادة الحادية عشر على أن يكون للهيئة في سبيل القيام بواجباتها ومباشرة اختصاصاتها جميع السلطات اللازمة لذلك وبوجه خاص يكون لها تملك الأراضي والعقارات بأية طريقة بما في ذلك نزع الملكية للمنفعة العامة. وإذ كان القرار بنزع ملكية العقار للمنفعة العامة يتضمن في ذاته تخصيص هذا العقار لتلك المنفعة فإن المشرع بتخويله هيئة قناة السويس سلطة نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة يكون بذلك قد خولها تخصيص أي عقار من عقاراتها لخدمة مرفق قناة السويس وهو نوع من المنفعة العامة لأن من يملك نزع عقار مملوك للغير لمنفعة عامة يملك من باب أولى تخصيص عقار مملوك له لهذا الغرض ولا وجه لما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن السلطة المخولة للهيئة في المادة الحادية عشر سالفة الذكر في نزع الملكية للمنفعة العامة مقصورة على العقارات التي تكون في حوزة الهيئة فعلاً وقت صدور قرار نزع الملكية ولم تتعلق بها حقوق للغير قبل الهيئة ذلك بأن نص هذه المادة قد ورد بصيغة عامة مطلقة بحيث يشمل العقارات التي في حيازة الهيئة أو في حيازة الغير وسواء تعلق بها حقوق لهذا الغير قبل الهيئة أو لم يتعلق ولا يجوز تخصيص النص بغير مخصص هذا إلى أن حق المطعون ضده على المنزل الذي يشغله وهو حق مستأجر مهما بلغ من قوة فإنه لا يسمو إلى مرتبة حق الملكية الذي أجاز القانون للهيئة نزعه لغرض المنفعة العامة كذلك لا جدوى من بحث الحكم فيه في صفة العقار الذي يشغله المطعون ضده وهل هو مال خاص للهيئة أم مال عام ذلك أنه بفرض صحة ما انتهى إليه الحكم من أنه يعتبر مالاً خاصاً لها فإن ذلك لا يمنع من تخصيصه بالطريق القانوني للمنفعة العامة ومنها خدمة المرفق. لما كان ذلك وكان مجلس إدارة هيئة قناة السويس قد أصدر في 11 مارس سنة 1961 استناداً إلى السلطة المخولة له في القانون رقم 146 سنة 1957 المشار إليه قراراً يقضي بأن المباني والمساكن المبينة فيه والتي آلت ملكيتها إلى الدولة بمقتضى المادة الأولى من قانون التأميم رقم 285 لسنة 1956 والتي يشغلها الغير حالياً بمقتضى عقود أبرمت مع الشركة تعتبر مخصصة لخدمة المرفق ويجرى إخلاؤها لهذا الغرض من شاغليها الحاليين المبينة أسماؤهم في هذا القرار ومن بينهم المطعون ضده فإن هذا القرار يكون قد استكمل بحسب البادي من الأوراق مقومات القرار الإداري ولا يشوبه في ظاهره عيب يحرره من الصفة الإدارية وينحدر به إلى درجة العدم ومن ثم فلا تختص المحاكم العادية - ومنها القضاء المستعجل لأنه فرع منها - بالفصل في طلب إلغائه أو وقف تنفيذه وإنما يكون الاختصاص بالفصل في هذا الطلب لمجلس الدولة - بهيئة قضاء إداري - دون غيره وذلك بالتطبيق للمادة 15 من قانون السلطة القضائية رقم 56 لسنة 1959 والمادة 8 من القانون رقم 55 سنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى باختصاص قاضي الأمور المستعجلة بالفصل في دعوى المطعون ضده وبوقف تنفيذ قرار الهيئة المستشكل فيه تأسيساً على انعدام هذا القرار وانطوائه على اعتداء على حق السلطة القضائية فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه في مسألة اختصاص متعلق بولاية المحاكم مما يجوز الطعن فيه بطريق النقض رغم صدوره من محكمة ابتدائية بهيئة استئنافية عملاً بالمادة الثانية من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض والذي رفع الطعن في ظله.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه لمخالفته القانون وخطئه في تطبيقه على النحو السالف بيانه.
وحيث إن الاستئناف صالح للحكم فيه. ولما تقدم ذكره يتعين إلغاء الحكم المستأنف وقبول الدفع والقضاء بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى.