الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 18 يوليو 2023

الطعن 192 لسنة 24 ق جلسة 5 / 2 / 1959 مكتب فني 10 ج 1 ق 18 ص 128

جلسة 5 من فبراير سنة 1959

برياسة السيد المستشار محمود عياد، وبحضور السادة: عثمان رمزي، والحسيني العوضي، ومحمد رفعت، وعباس حلمي سلطان المستشارين.

----------------

(18)
الطعن رقم 192 سنة 24 ق

تموين. 

ماهية المعارضة في قرارات لجان التقدير طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945. طعن من نوع خاص له إجراءات متميزة تحكمه أحكام موضوعية محددة. مدى ولاية المحكمة بالنظر فيه. ليست مطلقة. عكس الحال في الدعوى المبتدئة أو دعوى التعويض الأصلية.

-----------------
يبين من مطالعة نصوص المواد 43 إلى 46 من المرسوم بقانون رقم 95 سنة 1945 أن المعارضة في قرارات لجان التقدير ليست معارضة بالمعنى المتعارف عليه في قانون المرافعات وإنما هي طعن من نوع خاص في قرارات لجان إدارية له إجراءات متميزة وتحكم فيه المحكمة وفق أحكام موضوعية محددة هي المنصوص عليها في ذلك المرسوم بقانون ويكون حكمها باتاً غير قابل لأي طعن فلا تسري عليها أحكام المعارضة المقررة في قانون المرافعات بل أحكام التشريع الاستثنائي الذي نظم هذا الطريق من الطعن والذي لا يمكن بأحكامه الخاصة أن يتسع لغيره من الأحكام فمناط اختصاص المحكمة في شأنه هو الفصل فيه دون سواه، وولاية المحكمة بالنظر في أمر الطعن الموجه إلى قرار لجنة تقدير التعويض لا يتعدى النظر فيما إذا كان هذا القرار قد صدر من اللجنة في حدود اختصاصها وعدم مجاوزة هذا الاختصاص ثم النظر فيما إذا كان هذا القرار قد صدر بموافقة أحكام المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 أم بمخالفته - بعكس الحال في الدعوى المبتدئة أو دعوى التعويض الأصلية فإن ولاية المحكمة عليها مطلقة والنصوص القانونية التي تحكمها متغايرة، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ أغفل الفصل في أمر المعارضة وحكم في نفس الوقت بقبول دعوى التعويض الأصلية التي رفعت أثناء النظر في قضية المعارضة وأقحمت عليها يكون قد خالف القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن وقائع النزاع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أنه بتاريخ 28 إبريل سنة 1948 كانت الباخرة "باليتني" تجري تفريغ بعض بضاعتها بميناء الإسكندرية مما اضطرها في سبيل ذلك إلى إنزال إحدى عشرة سيارة ضمن شحنة قوامها خمس عشرة سيارة نقل صنع شركة فيات الإيطالية ومبيعة لشركة سيارات البحر الأبيض المتوسط ببغداد ومرسلة إليها ترانزيت تل أبيب ثم صدر أمر مصلحة الجمارك بإنزال الأربعة سيارات الباقية إلى رصيف الميناء وبذلك احتجزت شحنة السيارات بأكملها - وفي 15 مايو سنة 1948 أعلنت الأحكام العرفية وصدر في اليوم التالي الأمر العسكري رقم 6 الذي انبنى عليه بعد ذلك الأمر الصادر في 26 مايو سنة 1948 من وزير الدفاع بالاستيلاء على هذه السيارات التي تبودلت بشأنها عدة مراسلات فأحالت وزارة الحربية والبحرية أمر التعويضات عن السيارات إلى لجنة تقدير التعويضات بمحافظة الإسكندرية - وبجلسة 14 مارس سنة 1950 أثبت الحاضر عن الشركة أنه بعد الاطلاع على الأوراق التي قدمت فإن حضوره أمام اللجنة لا يعني بحال إقراره للإجراءات التي انتهت بعرض الأمر عليها وحدد عناصر التعويض بالآتي (1) 98760 دولاراً أمريكياً ثمناً للسيارات بواقع 6584 دولاراً للوحدة (2) 2864.04 دولاراً تأمينات (3) 1278.5 جنيهاً إنجليزاً مصاريف شحن (4) 1200 جنيه إنجليزي مستحقة على بوليصة الشحن (5) 175 جنيهاً إنجليزياً وكسور مقابل تأخير الباخرة - ثم 75 جنيهاً مصرياً مصاريف تفريغ السيارات، 90 جنيهاً مصاريف قضائية ونثرية أخرى. فصدر قرار اللجنة في 14 مارس سنة 1950 أولاً: باعتبار الثمن 26591 جنيهاً و476 مليماً مصرياً على أساس ثمن السيارة الواحدة 7315 دولاراً بما في ذلك مصاريف الشحن والنقل وأن سعر الدولار وقت الاستيلاء 24 قرشاً و233 مليماً وعلى أن يكون الصرف بالعملة المصرية ثانياً: مع فائدة بواقع 4% لمدة 21 شهراً ومبلغ 90 جنيهاً أتعاب محاماة ومصاريف قضائية ورفض ما غاير ذلك من الطلبات - عارضت المطعون ضدها في هذا القرار إلى المحكمة الابتدائية عملاً بأحكام القانون 95 سنة 1945 طالبة قبول المعارضة شكلاً وفي الموضوع بإلزام المعارض ضدهم متضامنين بأن يدفعوا إليها 101624.04 دولاراً أمريكيا + 7 بنس و15 شلن و2653 جنيهاً قابلة للتحويل إلى إيطاليا و165 جنيهاً مصرياً مع فوائد هذه المبالغ القانونية بواقع 6% سنوياً من تاريخ الاستيلاء لغاية السداد بالإضافة إلى مصاريف المعارضة ومقابل أتعاب. وبطلب مقدم بجلسة 14/11/1950 عدلت الشركة طلباتها إلى طلب الحكم أولاً: بصفة أصلية بإلزام المدعى عليهم متضامنين بأن يدفعوا لها تعويضاً قدره 109732.55 دولاراً و7 بنس و15 شلن و2653 جنيهاً عملة و165 جنيهاً مصرياً مع فوائده هذه المبالغ بواقع 6% من تاريخ الغصب الواقع على السيارات في 29/ 4/ 1948 لغاية تمام السداد. ثانياً: وعلى سبيل الاحتياط إجابة المدعية إلى طلباتها المبينة في المعارضة. دفع المعارض ضدهم بعدم جواز إقحام الطلبات الجديدة على الطلبات الواردة في عريضة المعارضة والجمع بين المعارضة التي رسم لها القانون رقم 95 سنة 1945 المحال إليه الأمر العسكري رقم/ 6 الصادر في 16 مايو سنة 1948 طريقاً معيناً وحدد لها أوضاعاً خاصة وبين دعوى الشركة الجديدة بطلباتها المعدلة وأضاف المعارض ضدهم أن الشركة المعارضة تعتبر في هذه الحالة متنازلة عن معارضتها ويصبح بذلك قرار اللجنة نهائياً بالنسبة لها، وفي 22 يناير سنة 1952 قضت محكمة مصر الابتدائية برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وقبولها ثانياً بإلزام المدعى عليهم (الطاعنين) متضامنين بأن يدفعوا للشركة المدعية مبلغ 9941 جنيهاً و43 مليماً والفوائد القانونية بواقع 4% على مبلغ الثمن جميعه وقدره 38266 جنيهاً و91 مليماً من 28 إبريل سنة 1948 حتى تمام الوفاء والمصروفات ومبلغ 20 جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات - وأقامت المحكمة قضاءها على أنها وهي بسبيل البحث عن التكييف القانوني للدعوى تتطرق إلى كنة العمل الذي انبنت عليه الخصومة فإن كان عملاً من أعمال الغصب التي لا تستند إلى القانون فيقتضي تعويضاً وفقاً للقواعد العامة للمسئولية التقصيرية وإن كان وقع تنفيذاً لأمر الاستيلاء فيكون التعويض عنه وفقاً لأحكام القانون رقم 95 سنة 1945. وأنه لما كان أمر الاستيلاء رقم 633 وقد صدر نفاذاً للأمر العسكري رقم 6 الصادر في 16 من مايو سنة 1948 فقد جاء لاحقاً على فعل الاستيلاء المادي الذي وقع قبل ذلك في 28 إبريل سنة 1948 بمقتضى مجرد أمر إداري شفوي دون سند إلى قانون قائم وقت مباشرة العمل المادي الذي تضافر المدعى عليهم على تنفيذه وكان أمر الاستيلاء على هذه الصورة - ودون النص على أثر رجعي في الأمر العسكري رقم 6 - لا يصحح الغصب المادي السابق عليه والذي تولدت عنه حقوق الشركة المدعية فإن التعويض المستحق في الدعوى يخرج عن نطاق التقدير المبين بالمرسوم بقانون رقم 95 سنة 1945 القاصر على حالات التعويض عن أوامر الاستيلاء إلى وجوب تحقيق التكافؤ بين الضرر والتعويض ولا يحول دون ذلك ما تحدى به المدعى عليهم من أن الدعوى رفعت أصلاً بطريق المعارضة في قرار لجنة التعويضات وأنه لا يصح في القانون الجمع بينها وبين الدعوى الجديدة ذلك أنه وقد طرحت الخصومة أمام المحكمة بطريقة أو بأخرى جاز لصاحب الحق قانوناً أن يوجه طلباته في الجلسة بعد أن تم تحضيرها في الدور الذي مرت به بحسبانها معارضة في قرار لجنة التقدير. استأنف الطاعنون هذا القضاء إلى محكمة استئناف القاهرة فقضت بحكمها الصادر في 23/ 1/ 1954 برفض الاستئناف وبتأييد الحكم المستأنف فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض بتقرير في قلم كتاب المحكمة العليا في الميعاد وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون وقدمت النيابة مذكرة بالرأي طالبة الإحالة إلى هذه المحكمة لأن الحكم مرجح نقضه للوجه الأول من السبب الأول وحده وصدر قرار الدائرة بالإحالة وصممت النيابة بالجلسة على مذكرتها.
وحيث إن حاصل ما ينعاه الطاعنون في السبب الأول مخالفة الحكم للقانون وذلك من وجوه ثلاثة أولها أنه ما كان يجوز للشركات المطعون عليها ودعواها مجرد معارضة مرفوعة طبقاً لأحكام المرسوم بقانون 95 سنة 1945 أن تعدل طلباتها بجلسة 14 نوفمبر سنة 1950 إلى طلب الحكم أصلياً بإلزام الطاعنين أن يدفعوا لها متضامنين المبالغ التي طلبتها ومن باب الاحتياط بطلباتها المبينة في التظلم (المعارضة) وأنه تلقاء هذا التعديل دفع الطاعنون بعدم قبول هذه الطلبات المعدلة شكلاً وأنه برفع دعوى التعويض على هذه الصورة تكون الشركات المعارضة قد تنازلت عن معارضتها وبذلك يصبح قرار لجنة التقدير نهائياً وأن الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدفع وبقبول الدعوى على صورتها المعدلة قد خالف القانون بأن أجاز للمطعون عليها إقحام دعوى مبتدأة على طعن قائم ويستوي في ذلك أن يتم هذا الإقحام بإعلان مستوف شرائطه أو بغير إعلان عن طريق التدخل أو التقدم به في محضر الجلسة مما تأباه أصول التقاضي وأوضاعه وكان حرياً بالحكم المطعون فيه أن يقصر نشاطه على موضوع الطعن الأصلي وهو المعارضة التي أهمل الفصل فيها وعني بدعوى مدسوسة عليها لا تتصل بها ولا يحتملها نطاق الطعن.
وحيث إن البين من مطالعة نصوص المواد 43 إلى 46 من المرسوم بقانون رقم 95 سنة 1945 أن المعارضة في قرارات لجان التقدير ليست معارضة بالمعنى المتعارف عليه في قانون المرافعات وإنما هي طعن من نوع خاص في قرارات لجان إدارية له إجراءات متميزة وتحكم فيه المحكمة وفق أحكام موضوعية محددة هي المنصوص عليها في ذلك المرسوم بقانون ويكون حكمها باتاً غير قابل لأي طعن فلا تسري عليها أحكام المعارضة المقررة في قانون المرافعات بل أحكام التشريع الاستثنائي الذي نظم هذا الطريق من الطعن والذي لا يمكن بأحكامه الخاصة أن يتسع لغيره من الأحكام فمناط اختصاص المحكمة في شأنه هو الفصل فيه دون سواه فولاية المحكمة بالنظر في أمر الطعن الموجه إلى قرار اللجنة لا يتعدى النظر فيما إذا كان هذا القرار قد صدر من اللجنة في حدود اختصاصها وعدم مجاوزة هذا الاختصاص ثم النظر فيما إذا كان هذا القرار قد صدر بموافقة أحكام المرسوم بقانون رقم 95 سنة 1945 أم بمخالفته بعكس الحال في الدعوى المبتدئة أو دعوى التعويض الأصلية المبنية على الغصب فإن ولاية المحكمة عليها مطلقة والنصوص القانونية التي تحكمها متغايرة ومن هذا يبدو خطأ الحكم فيما ذهب إليه من إغفال الفصل في أمر المعارضة والحكم في نفس الوقت بقبول دعوى التعويض الأصلية التي رفعت أثناء النظر في قضية المعارضة وأقحمت عليها.
وحيث إنه لما تقدم يكون وجه النعي في محله فيتعين نقض الحكم المطعون فيه لمخالفته القانون.
ومن حيث إن موضوع الاستئناف صالح للفصل فيه.
ومن حيث إنه للأسباب السابق بيانها يتعين إلغاء الحكم المستأنف والقضاء بعدم قبول الدعوى المرفوعة من المطعون عليها أثناء نظر المعارضة.

الطعن 79 لسنة 33 ق جلسة 25 / 1 / 1968 مكتب فني 19 ج 1 ق 20 ص 125

جلسة 25 من يناير سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، والسيد عبد المنعم الصراف، وسليم راشد أبو زيد، ومحمد صدقي البشبيشي.

----------------

(20)
الطعن رقم 79 لسنة 33 القضائية

(أ) دعوى. "إجراءات نظر الدعوى". "تقديم المذكرات والطلبات".
إيداع مذكرة الدفاع بعد الميعاد المحدد لذلك. عدم التزام محكمة الموضوع بالرد على ما جاء بها أو الالتفات إلى طلب إعادة الدعوى للمرافعة الذي أبدى بها.
(ب) نقض. "أسباب الطعن". "أسباب واقعية". خبرة.
اقتناع محكمة الموضوع بعمل الخبير. ما تثيره الطاعنة بشأن عدم كفاية الدليل المستمد منه. جدل موضوعي لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.

---------------
1 - إذا كانت مذكرة الدفاع قد أودعت بعد الميعاد الذي حددته المحكمة لإيداع المذكرات فإن محكمة الموضوع لا تكون ملزمة بالرد على ما جاء بهذه المذكرة ولا عليها إذا هي لم تلتفت إلى طلب إعادة الدعوى للمرافعة الذي أبدى في تلك المذكرة (1).
2 - متى اقتنعت المحكمة بكفاية الأبحاث التي أجرها الخبير وبسلامة الأسس التي بني عليها رأيه فإن ما يثيره الطاعن بشأن عدم كفاية الخرائط المساحية التي اطلع الخبير عليها يكون جدلاً موضوعياً في كفاية الدليل الذي اقتنعت به محكمة الموضوع مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المرحوم محمد إبراهيم عزوز مورث المطعون ضدهم أقام الدعوى رقم 3969 مدني كلي سنة 1956 القاهرة على الطاعنين وانتهى فيها إلى طلب الحكم بتثبيت ملكيته لنصف المنزل الموضح بالصحيفة وتسليمه إليه وقال شرحاً لدعواه إن عمته المرحومة عيوشة عزوز توفيت في سنة 1934 وانحصر إرثها فيه وفي ابنتها المرحومة نفيسة سيد فخر الدين مورثة الطاعنين وتركت ذلك المنزل. ولما كان يرث نصفه وقد تركه تحت يد ابنتها الوارثة للنصف الآخر ثم بعد وفاتها تحت يد وارثيها الطاعنين وذلك على سبيل التسامح لاستغلاله وإعطائه نصيبه في الريع، ولكنهما أهملا صيانة المنزل ثم أنكرا عليه حقه في نصفه مدعيين ملكيتهما وحدهما للمنزل جميعه فقد أقام عليهما الدعوى بطلباته سالفة الذكر. وقد أجاب الطاعنان على الدعوى بأن المرحومة السيدة عيوشه عزوز لم تكن المالكة للمنزل محل النزاع بل كان مملوكاً لزوجها المرحوم سيد فخر الدين، وإذ توفى المذكور عن زوجته عيوشه وابنته نفيسه (مورثة الطاعنين) فقد ورثت زوجته الثمن ثم تخارجت عنه وعن نصيبها في باقي تركة زوجها لابنتها نفيسة مقابل مبلغ 30 ج بمقتضى إشهاد تخارج شرعي مؤرخ 26 ربيع أول سنة 1313 هـ - ورد مورث المطعون ضدهم على ذلك بأن التخارج المذكور إنما ينصرف إلى نصيب عيوشه في تركة زوجها المرحوم سيد فخر الدين وأن المنزل محل النزاع ليس من هذه التركة وإنما هو مملوك للمرحومة عيوشه بوضع اليد المدة الطويلة المكسبة للملكية - وبتاريخ 17 مايو سنة 1958 قضت محكمة الدرجة الأولى قبل الفصل في الموضوع بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت مورث المطعون ضدهم بكافة الطرق القانونية أن مورثته المرحومة عيوشه عزوز كانت تملك المنزل موضوع الدعوى بوضع اليد المدة الطويلة المكسبة للملكية ولينفي الطاعنان ذلك - وبعد أن سمعت المحكمة أقوال شاهدي مورث المطعون ضدهم إذ لم يشهد الطاعنان أحداً قضت في 10 يناير سنة 1959 بتثبيت ملكية مورث المطعون ضدهم لنصف المنزل المبين بالصحيفة وبالتسليم. استأنف الطاعنان الحكم المذكور وقيد الاستئناف برقم 207 سنة 36 ق القاهرة. وإذ تبين لمحكمة الاستئناف أن إشهاد التخارج لم تبين فيه الأعيان التي حصل التخارج عنها فقد قدم الطاعنان للتدليل على ملكية المرحوم سيد فخر الدين للمنزل محل النزاع إعلاماً شرعياً مؤرخاً 15 من ذي القعدة سنة 1256 بوفاة المرحوم مصطفى زيدان وانحصار إرثه في زوجته خديجة إبراهيم وولدى عميه خليل إسماعيل زيدان وسيد أحمد زيدان وتركة عبارة عن منزل مبين بهذا الإشهاد، وحرر على هامشه حجة تبايع تفيد انتقال ملكية المنزل من الورثة المذكورين إلى سيد فخر الدين وهذه الحجة تاريخها أول ربيع سنة 1276 هـ - وبتاريخ 26/ 3/ 1960 قضت محكمة الاستئناف قبل الفصل في الموضوع بندب مكتب الخبراء الحكومي لمعاينة منزل النزاع وتطبيق الإعلام الشرعي المؤرخ 15 من ذي القعدة سنة 1256 هـ وحجة التبايع المؤرخة أول ربيع أول سنة 1276 هـ على المنزل المذكور لبيان هل ينطبقان عليه أم لا، وليحقق الخبير وضع اليد على المنزل ومدته وسببه، ولدى مباشرة الخبير مأموريته قدم له الطاعنان حجة تبايع شرعية مؤرخة 11 من جماد آخر سنة 1281 على أساس أنها تثبت تملك مورثهما بطريق الشراء المنزل محل النزاع، وبتاريخ 17/ 6/ 1962 أودع الخبير تقريره الذي انتهى فيه إلى أن هذه الحجة والإشهاد الشرعي المؤرخ من 15 ذي القعدة سنة 1256 هـ لا ينطبقان على المنزل محل النزاع، وبجلسة 17 نوفمبر سنة 1962 قررت محكمة الاستئناف حجز القضية للحكم فيه بجلسة 29/ 12/ 1962 مع التصريح للطاعنين بإيداع مذكرات تعقيباً على تقرير الخبير حتى 9 ديسمبر سنة 1962 - وفي التاريخ المحدد للنطق بالحكم قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف - فطعن الطاعنان في قضائها بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرتين أبدت فيهما الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره أمام هذه الدائرة صممت النيابة على رأيها.
وحيث إن الطعن بني على ثلاثة أسباب ينعى الطاعنان في أولها على الحكم المطعون فيه الخطأ في الإسناد، وفي بيان ذلك يقولان إن الحكم المطعون فيه استند في الأخذ بتقرير الخبير إلى أنه انتقل إلى مكتب المساحة واطلع على ما به من خرائط، مع أن محضر أعمال الخبير لا يبين منه حصول هذا الانتقال، وبذلك يكون الحكم المطعون فيه قد استند إلى ما ليس له أصل في الأوراق مما يبطله.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه إذ أخذ بتقرير الخبير فقد استند في ذلك إلى قوله "وحيث إن الخبير المنتدب باشر مأموريته وأثبت في تقريره المؤرخ 17/ 6/ 1962 أن المنزل المذكور في الإعلام الشرعي وحجة التبايع الشرعية سالفي الذكر ليس هو المنزل محل النزاع لما تبين له من تطبيق المستندات على الطبيعة من عدم وجود حارة متفرعة من درب الكحالة في حين أنه ذكر في الإعلام الشرعي المحرر في سنة 1256 هـ - أن المنزل المشار إليه فيه هو بحارة المغاربة داخل الدرب المذكور وذكر أيضاً في الحجة أنه يقع بحارة الجارية داخل ذلك الدرب وأن الخبير قد وصل إلى هذه النتيجة بعد المعاينة ومن الرجوع إلى الخرائط التفصيلية سواء ما قدم منها بملف الدعوى وما اطلع عليه بعد انتقاله لمكتب المساحة من خرائط أخرى ممسوحة في سنة 1912 وخاصة اللوحة رقم 675 منطقة 44 - غ وهي قاطعة في عدم وجود حارة متفرعة من درب الكحالة وهذا إلى جانب ما أثبته الخبير في تقريره من أوصاف المنزل المبينة بالمستندين سالفي الذكر قد خلت من بيان مسطحاته وأطواله. وحيث إن ما أثبته الخبير على هذه الصورة فيه الرد الكافي على ما أثاره المستأنفان من التشكيك في سلامة النتيجة التي انتهى إليها في تقريره بمقولة إنه لم يطلع على الخرائط الخاصة بموقع النزاع، ولهذا ولأن الأسباب التي استند عليها الخبير توصل للنتيجة التي انتهى إليها على النحو المبين بتقريره ومحاضر أعماله فيتعين الأخذ بتقريره واعتماده" كما يبين من تقرير الخبير أنه أثبت فيه أنه "بالرجوع للطبيعة حالياً يتضح عدم وجود حارة متفرعة من درب الكحالة كما أنه بالرجوع للخرائط المساحية المقدمة بالملف والخرائط المساحية الموجودة بالمكتب والممسوحة سنة 1912 ميلادية أي منذ حوالي خمسون عاماً - لوحة رقم 675 منطقة 44 - غ - يتضح عدم وجود أي حارة متفرعة من درب الكحالة" كما يبين من تقرير الخبير أيضاً أن من بين الخرائط التي اطلع عليها خريطة مساحية قدمت إليه من الطاعنين بمحضر أعماله المؤرخ 14/ 10/ 1961 ولم يطلب منه الطاعنان الاطلاع على خرائط أخرى - ولما كان يتضح من هذا الذي أثبته الخبير في تقريره أنه اطلع على الخرائط المساحية التي أشار إليها الحكم المطعون فيه واستند إليها في قضائه فإنه يستوي بعد ذلك أن يكون الخبير قد اطلع على هذه الخرائط في مكتب المساحة أو في مكتب الخبراء إذ أن نتيجة الاطلاع لا تتغير في الحالين. ومن ثم يكون النعي على الحكم المطعون فيه بأنه أسند إلى الخبير أنه انتقل إلى مكتب المساحة للاطلاع على تلك الخرائط مع أنه لم ينتقل نعياً غير منتج ما دام هذا الخطأ في الإسناد غير مؤثر في النتيجة التي انتهى إليها الحكم.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقولان إنهما تمسكا أمام محكمة الموضوع بأن رجوع الخبير إلى خريطة حديثة لا يجدي في تطبيق مستنداتهما على منزل النزاع وهي مستندات قديمة وأنه يتعين لذلك الاستعانة في عملية التطبيق بالخرائط القديمة المعاصرة لتلك المستندات، ولكن الحكم المطعون فيه قد خلا من مناقشة هذا الدفاع وتفنيده رغم أنه أساسي في النزاع مما يعيب الحكم بالقصور.
وحيث إنه يبين من مطالعة ملف الاستئناف المضموم أن الطاعنين أبديا الدفاع المشار إليه في سبب الطعن في المذكرة المقدمة منهما لمحكمة الاستئناف بتاريخ 15 ديسمبر سنة 1962 وإذ كانت هذه المذكرة قد أودعت بعد انقضاء الميعاد الذي كانت قد حددته المحكمة المذكورة في قرارها الصادر بجلسة 17 نوفمبر سنة 1962 بحجز القضية للحكم لإيداع مذكرات من الطاعنين، إذ قد نصت المحكمة في هذا القرار على التصريح للطاعنين بإيداع مذكرات تعقيباً على تقرير الخبير حتى يوم 9 ديسمبر سنة 1962 فإن محكمة الاستئناف لا تكون ملزمة بالرد على ما جاء بهذه المذكرة المودعة بعد الميعاد المحدد لتقديم المذكرات - هذا إلى أنه لما كان الثابت من تقرير الخبير أن الطاعنين قد قدما إليه أثناء مباشرته مأموريته في يوم 14 من أكتوبر سنة 1961 خريطة مساحية لتطبيق مستنداتهما عليها ولم يطلبا منه الاطلاع على خرائط أخرى قديمة، وقد خلص الخبير من تطبيق مستندات الطاعنين على تلك الخريطة المقدمة منهما وعلى الخرائط الأخرى التي اطلع عليها ومن المعاينة التي أجراها على الطبيعة إلى الرأي الذي انتهى إليه والذي اعتمده الحكم المطعون فيه بعد أن اقتنعت المحكمة بكفاية الأبحاث التي أجراها الخبير وبسلامة الأسس التي بني عليها رأيه. لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا السبب في شأن عدم كفاية الخرائط المساحية التي اطلع عليها الخبير يكون جدلاً موضوعياً في كفاية الدليل الذي اقتنعت به محكمة الموضوع مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إن الطاعنين ينعيان في السبب الثالث على الحكم المطعون فيه الإخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك يقولان إن تقرير الخبير أودع ملف الاستئناف في فترة العطلة الصيفية ولم يعلما بهذا الإيداع إلا في جلسة 17 نوفمبر سنة 1962 وفيها قررت المحكمة قفل باب المرافعة وحجز الاستئناف للحكم لجلسة 29 ديسمبر سنة 1962 التي أصدرت فيها حكمها المطعون فيه وأنه على الرغم من تنبيههما المحكمة إلى ما في حجز القضية للحكم من حرج لهما وأنه يستحيل عليهما الاطلاع على تقرير الخبير وتفنيده فإنها لم تلق بالاً لاعتراضهما هذا وأصرت على حجز الاستئناف للحكم ولما طلبا في مذكرتهما فتح باب المرافعة لتحقيق دفاعهما لم تستجب المحكمة إلى هذا الطلب وأصدرت حكمها ضدهما وبهذا تكون قد حرمتهما من تحقيق دفاعهما وأخلت بذلك بحق الدفاع.
وحيث إن هذا النعي غير صحيح. ذلك أنه يبين من مطالعة محضر جلسة 17 نوفمبر سنة 1962 الذي قررت المحكمة فيها حجز الاستئناف للحكم أن كل ما طلبه الحاضر عن الطاعنين بتلك الجلسة هو التأجيل لتقديم مذكرة تعقيباً على تقرير الخبير وورد بالمحضر بعد إثبات هذا الطلب ما يأتي "وصمم كل طرف على طلباته وطلب حجز القضية للحكم" ومفاد ذلك أن الطاعنين لم يعارضا في حجز الاستئناف للحكم على أن يمكنا من تقديم مذكرة تعقيباً على تقرير الخبير، ولما كانت المحكمة حين حجزت الاستئناف للحكم لجلسة 29 ديسمبر سنة 1962 قد صرحت للمستأنفين (الطاعنين) بتقديم مذكرات تعقيباً على تقرير الخبير في أجل غايته 9 ديسمبر سنة 1962 أي أنها منحتهما ثلاثة أسابيع لتقديم هذه المذكرات فإنها تكون قد أتاحت لهما الفرصة الكافية لإبداء دفاعهما بشأن تقرير الخبير ولم تخل بحقهما في الدفاع - لما كان ذلك، وكان الطاعنان قد فوتا هذه الفرصة ولم يتقدما بمذكرتهما إلا بعد انقضاء الميعاد المحدد لتقديم مذكرتهما فإنه لا على المحكمة إذ هي لم تلتفت إلى طلب إعادة الاستئناف للمرافعة الذي أبدياه في تلك المذكرة سيما وأن الطاعنين قد قصدا من هذا الطلب على ما صرحا به في تلك المذكرة إعادة المأمورية للخبير للاطلاع على الخرائط المساحية المعمولة في سنة 1892 وهي الخرائط التي رأت المحكمة في غيرها من الخرائط التي اطلع عليها الخبير ما يكفي لتكوين عقيدتها في الدعوى على ما سلف ذكره في الرد على السبب الثاني من أسباب الطعن.


(1) راجع نقض 10/ 6/ 1965 مجموعة المكتب الفني س 16 ص 760.

الطعن 348 لسنة 9 ق جلسة 3 / 11 / 1968 إدارية عليا مكتب فني 14 ج 1 ق 2 ص 7

جلسة 3 من نوفمبر سنة 1968

برئاسة السيد الأستاذ مصطفى كامل إسماعيل نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد مختار العزبي ومحمد فتح الله بركات وسليمان محمود جاد وإبراهيم خليل الشربيني المستشارين.

----------------

(2)

القضية رقم 348 لسنة 9 القضائية

(أ) المحكمة الإدارية العليا. "مراحل إجراءات المنازعة أمامها".
تبدأ المنازعة أمام المحكمة الإدارية العليا بطعن يرفع إليها وتنتهي بحكم يصدر منها إما من دائرة فحص الطعون المشكلة من ثلاثة من مستشاري المحكمة الإدارية العليا وإما من إحدى دوائر المحكمة المشكلة من خمسة من مستشاريها وفي أي من الحالين يعتبر حكماً صادراً من المحكمة الإدارية العليا.
إذا قررت دائرة فحص الطعون إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا فإن المنازعة لا تنتهي بقرار الإحالة - أثر ذلك - اعتبار إجراءات نظر المنازعة في مرحلتيها متصلة ومتكاملة - إذا شاب إجراء من الإجراءات عيب أمام دائرة فحص الطعون أمكن الدائرة الأخرى تصحيحه.
(ب) قضاء إداري. "طبيعة الإجراءات المتبعة أمامه وأساسها".
تتميز الإجراءات المتبعة أمام القضاء الإداري بخصائص ذاتية تغاير تلك المأخوذ بها أمام محاكم القضاء العادي - الإجراءات أمام القضاء الإداري إيجابية يوجهها القاضي على خلاف الإجراءات المدنية والتجارية التي يهيمن الخصوم على تسيير الجانب الأكبر منها - قيام نظام القضاء الإداري أساساً على مبدأ المرافعات التحريرية وعلى تحضير الدعوى من هيئة مفوضي الدولة - أثر ذلك - لا يجوز إعمال الأثر الذي رتبه الشارع من عدم حضور الخصوم أمام المحاكم المدنية في مجال الدعوى الإدارية - ليس من حق ذوي الشأن أن يصروا على طلب المرافعة الشفوية - لرئيس المحكمة أن يطلب إليهم أو إلى المفوض ما يراه لازماً من إيضاحات.
(جـ) قضاء إداري "بطلان إعلان عريضة الدعوى" 

- إن بطلان إعلان العريضة ومرفقاتها إلى أي من ذوي الشأن ليس مبطلاً لإقامة الدعوى ذاتها - أساس ذلك - اقتصار البطلان على الإعلان وحده إن كان لذلك وجه - البطلان في هذه الحالة يتحدد أثره بالقدر الذي استهدفه الشارع - العيب الذي يشوب إبلاغ المطعون ضده بتاريخ الجلسة المعينة لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون - ليس من شأنه أن يخل بحقوقه في حالة إحالة الطعن للمحكمة الإدارية العليا - أساس ذلك.
(د) المحكمة الإدارية العليا 

- للمطعون ضده أن يتدارك أمامها ما يكون قد فاته من دفاع أمام دائرة فحص الطعون - قرار الإحالة لا يتضمن في ذاته فصلاً في أمر يفوت على ذوي الشأن حقاً في الطعن على إجراء معيب أو في إبداء ما يراه من دفاع - أثره يقتصر على نقل الطعن من دائرة فحص الطعون إلى الدائرة الخماسية.
(هـ) المحكمة الإدارية العليا "الطعن أمامها - أثره - تصديها للمنازعات في الحكم المطعون فيه" 

- إن الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا يطرح المنازعة في الحكم المطعون فيه برمتها ويفتح الباب أمامها لتزن هذا الحكم وزناً مناطه استظهار ما إذا كانت قد قامت به حالة أو أكثر من الأحوال التي تعيبه والمنصوص عليها في المادة 15 من قانون تنظيم مجلس الدولة - أساس ذلك - إذ تبين لها مشوبة الحكم بالبطلان أو أن إجراء من الإجراءات التي سبقت عرض الطعن عليها كان باطلاً، لا تقضي بإعادة الدعوى إلى المحكمة التي أصدرت الحكم أو وقع أمامها الإجراء الباطل بل يتعين عليها أن تتصدى للمنازعة لكي تنزل حكم القانون على الوجه الصحيح - مثال.
(و) موظف "ترقية" .

ولاية الترقية قبل نفاذ القانون رقم 210 لسنة 1951 كانت ولاية اختيارية مناطها الجدارة حسبما تقدره جهة الإدارة مع مراعاة الأقدمية - تقدير الكفاية لم يكن يستمد من التقارير السرية وحدها.

--------------------
1 - يبين من جماع النصوص الواردة بقانون تنظيم مجلس الدولة أن المنازعة المطروحة أمام المحكمة الإدارية العليا تبدأ بطعن يقدم من ذوي الشأن بتقرير يودع قلم كتابها، وتنتهي بحكم يصدر من هذه المحكمة إما من دائرة فحص الطعون المشكلة من ثلاثة من مستشاري المحكمة الإدارية العليا، وإما من إحدى دوائر المحكمة المشكلة من خمسة من مستشاريها، وسواء صدر الحكم من هذه الدائرة، أو من تلك فإنه في كلا الحالين يعتبر حكماً صادراً من المحكمة الإدارية العليا، فإذا رأت دائرة فحص الطعون بإجماع الآراء أن الطعن غير مقبول شكلاً أو أنه باطل أو غير جدير بالعرض حكمت برفضه، ويعتبر حكماً في هذه الحالة منهياً للمنازعة أمام المحكمة الإدارية العليا، أما إذا رأت أن الطعن مرجح القبول أو أن الفصل فيه يقتضي تقرير مبدأ قانوني لم يسبق للمحكمة تقريره فإنها تصدر قراراً بإحالته إلى المحكمة الإدارية العليا، وقرارها في هذه الحالة لا ينهي النزاع بل ينقله تلقائياً برمته - وبدون أي إجراء إيجابي من جانب الخصوم - إلى دائرة المحكمة الإدارية العليا المشكلة من خمسة من مستشاريها لتواصل نظر المنازعة التي بدأت مرحلتها الأولى أمام دائرة فحص الطعون ثم انتقلت بعد ذلك إلى الدائرة الخماسية لتستمر في نظرها إلى أن تنتهي بحكم يصدر فيها. وإذ كانت المنازعة لا تنتهي بالقرار الصادر من دائرة فحص الطعون بالإحالة بل تستمر أمام الدائرة الأخرى التي أحيلت إليها فإن إجراءات نظر المنازعة في مرحلتيها تعتبر متصلة ومتكاملة بحيث إذا شاب أي إجراء من الإجراءات التي تمت فيها عيب أمام دائرة فحص الطعون أمكن تصحيحه أمام الدائرة الأخرى بل إن هذه مهمتها، فإذا ما زال هذا العيب استمرت المحكمة في نظر الطعن إلى أن يتم الفحص في المنازعة بحكم يصدر من المحكمة المذكورة.
2 - إن الإجراءات المتبعة أمام القضاء الإداري تتميز بخصائص ذاتية تغاير تلك المأخوذ بها أمام محاكم القضاء العادي أهمها أن الإجراءات الإدارية إجراءات إيجابية يوجهها القاضي، وهي بهذه السمة تفترق عن الإجراءات المدنية والتجارية التي يهيمن الخصوم على تسيير الجانب الأكبر منها، وقد سبق لهذه المحكمة أن قضت فيما يتعلق بحضور ذوي الشأن بالجلسات بأن النظام القضائي لمجلس الدولة يتأبى الأخذ بالنظام الإجرائي الذي تجرى عليه المحاكم المدنية في حالة غياب الخصوم عن حضور الجلسات المحددة لنظر دعاويهم، ومن ثم لا يجوز إعمال الأثر الذي رتبه الشارع على عدم حضور الخصوم أمام المحاكم المدنية في مجال الدعوى الإدارية، لأن هذا الأثر مقرر كجزاء على الخصم الذي يهمل في متابعة دعواه وحضور الجلسة المحددة لنظرها، بيد أن النظام القضائي الإداري يعتد في المقام الأول بتحضير الدعوى وتهيئتها للفصل فيها وفقاً للإجراءات التي ألزم القانون هيئة مفوضي الدولة القيام بها قبل طرح المنازعة على القضاء، إذ يقوم هذا النظام أساساً على مبدأ المرافعات التحريرية في مواعيد محددة منضبطة يستطيع ذوو الشأن فيها أن يقدموا مذكراتهم مع مستنداتهم، كما يقوم على تحضير الدعوى من هيئة مفوضي الدولة، وليس من حق ذوي الشأن أن يصروا أمام المحكمة على طلب المرافعة الشفوية، وإنما لرئيس المحكمة أن يطلب إليهم أو إلى المفوض ما يراه لازماً من إيضاحات.
3 - إن بطلان إعلان عريضة الدعوى ومرفقاتها إلى أي من ذوي الشأن ليس مبطلاً لإقامة الدعوى ذاتها، مادامت قدمت صحيحة في الميعاد القانوني بإجراء سابق حسبما حدد قانون مجلس الدولة، وإنما البطلان لا ينصب إلا على الإعلان وحده، إن كان لذلك وجه، ولا يترتب على البطلان أثر إلا في الحدود وبالقدر الذي استهدفه الشارع، وعلى مقتضى ما تقدم فإن العيب الذي يشوب إبلاغ المطعون عليه بتاريخ الجلسة المعينة لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون، ليس من شأنه أنه يخل بحقوقه التي كفلها له القانون، إذا ما انتهت الدائرة المذكورة - دون أن تطلب مزيداً من الإيضاحات إلى إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا، ذلك أن الدعوى كان قد تم تحضيرها قبل إحالتها إلى دائرة فحص الطعون، وكان في مقدور المحكمة - إذا رأت موجباً لذلك - أن تطلب ما تراه لازماً من إيضاحات فيها سواء حضر ذوو الشأن أو لم يحضروا، فإذا هي لم تطلب ذلك فإنه لا يكون من حق المطعون عليه أن يصر على طلب المرافعة الشفوية أمامها.
4 - إن من حق المطعون عليه - ما دامت المنازعة لم يتم الفصل فيها - أن يتدارك أمام المحكمة الإدارية العليا التي أحيل إليها الطعن ما يكون قد فاته من دفاع أمام دائرة فحص الطعون ومهما يكون من أمر فإن قرار الإحالة، لا يتضمن في ذاته فصلاً في أمر يفوت على ذوي الشأن حقاً في الطعن على أي إجراء معيب أو في إبداء ما يراه من دفاع، إذ أن أثره يقتصر على نقل الطعن من دائرة فحص الطعون إلى الدائرة الخماسية ولا يحرمه من أن يبدي أمام هذه الأخيرة ما هو متاح له مما كان متاحاً بالمثل أمام الأولى.
5 - إن الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا يطرح المنازعة في الحكم المطعون فيه برمتها، ويفتح الباب أمامها لتزن هذا الحكم بميزان القانون وزناً مناطه استظهار ما إذا كانت قد قامت به حالة أو أكثر من الأحوال التي تعيبه والمنصوص عليها في المادة 15 من قانون تنظيم مجلس الدولة فتلغيه ثم تنزل حكم القانون في المنازعة على الوجه الصحيح، أم أنه لم تقم به حالة من تلك الأحوال وكان صائباً في قضائه فتبقي عليه وترفض الطعن، والمرد في ذلك هو إلى مبدأ المشروعية نزولاً على سيادة القانون في رابطة من روابط القانون العام التي تختلف في طبيعتها عن روابط القانون الخاص، ذلك أن رقابة القضاء الإداري على القرارات الإدارية هي رقابة قانونية تسلطها عليها لتعرف مدى مشروعيتها من حيث مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون، ومن ثم فإنه إذا تبينت المحكمة الإدارية العليا عند نظر الطعن المطروح عليها أن الحكم المطعون فيه شابه البطلان أو أن إجراء من الإجراءات التي سبقت عرض الطعن عليها كان باطلاً فإنها في هذه الحالة لا تقضي بإعادة الدعوى إلى المحكمة التي صدر منها الحكم أو وقع أمامها الإجراء الباطل، بل يتعين عليها - إعمالاً للولاية التي أسبغها عليها القانون - أن تتصدى للمنازعة لكي تنزل فيها حكم القانون على الوجه الصحيح.
وإذا كان الثابت من الأوراق أن المطعون عليه قد أبلغ في 11 من يناير سنة 1968 بتحديد جلسة 10 من فبراير سنة 1968 لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون، وأن هذا الإخطار قد تم إلى مكتب محاميه وهو محله المختار الوارد في عريضة دعواه على حين أنه كان قد أبلغ مجلس الدولة بكتاب مؤرخ 15 من ديسمبر سنة 1963 - مرفق بملف الدعوى - بعدوله عن توكيل محاميه المذكور وتعيينه محل عمله بكفر الزيات ليتم إبلاغه فيه، هو ما كان يقتضي أن يتم الإخطار بالجلسة المحددة في المحل الجديد الذي عينه وذلك إعمالاً لحكم المادة 26 من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة التي تنص على أن "يعتبر مكتب المحامي الموقع على العريضة محلاً مختاراً للطالب، كما يعتبر مكتب المحامي الذي ينوب عن ذوي الشأن في تقديم ملاحظاتهم محلاً مختاراً لهم - كل ذلك إلا إذا عينوا محلاً مختاراً غيره". ومن ثم فإن هذا الإخطار يكون معيباً إلا أن هذا العيب قد صحح بالإخطار التالي الذي أرسل إلى المطعون عليه شخصياً في 12 من فبراير سنة 1968 بمحل عمله الجديد ينبئه بتعيين جلسة 17 من مارس سنة 1968 لنظر الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا، وهو الإخطار الذي أعقبه حضور المطعون عليه شخصياً بالجلسة المذكورة التي طلب فيها التأجيل للاستعداد فأجابته المحكمة إلى طلبه وأفسحت له بعد ذلك المجال لإبداء دفاعه الذي أبداه فعلاً في الطعن، ومن ثم يكون البطلان قد زال إعمالاً لنص المادة 140 من قانون المرافعات معدلة بالقانون رقم 100 لسنة 1962، التي تقضي بأن - بطلان أوراق التكليف بالحضور الناشئ عن عيب في الإعلان أو في بيان المحكمة أو تاريخ الجلسة يزول بحضور المعلن إليه في الجلسة". ويكون على المحكمة والحالة هذه أن تعرض لموضوع المنازعة لتصدر حكمها فيها، ولا يسوغ لها أن تعيدها ثانياً إلى دائرة فحص الطعون وإلا كانت منكرة لولايتها التي أسندها إليها القانون.
6 - قبل العمل بالقانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة كانت ولاية الترقية في ظل القوانين واللوائح السارية وقتذاك ولاية اختيارية مناطها الجدارة حسبما تقدره الإدارة مع مراعاة الأقدمية، ولم يكن تقدير الكفاية ومدى صلاحية الموظف للوظيفة التي يرقى إليها أمراً يستخلص من التقارير السرية وحدها بل كان متروكاً لسلطة الإدارة تقدره حسبما تلمسه في الموظف بمراعاة شتى الاعتبارات وما تأنسه فيه من كفاية ملحوظة في أثناء قيامه بعمله وما يتجمع لديها عن ماضيه وحاضره من عناصر تعين على الحكم في ذلك وتقدير الإدارة في هذا الصدد له وزنه بلا معقب عليه متى خلا من مجاوزة حدود الصالح العام، ولم يقترن بأي ضرب من ضروب الانحراف بالسلطة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إنه ولئن كان تقرير الطعن قد أودع قلم كتاب هذه المحكمة في يوم 28 من فبراير سنة 1963 على حين صدر الحكم المطعون فيه بجلسة 29 من ديسمبر سنة 1962، إلا أن يوم 27 من فبراير سنة 1963، وهو آخر ميعاد للطعن، قد صادف عطلة رسمية هي ثالث أيام عيد الفطر، ومن ثم امتد الميعاد بالتطبيق لحكم المادة 23 من قانون المرافعات المدنية والتجارية المعمول به وقتذاك، إلى أول يوم عمل بعدها وهو يوم 28 من فبراير سنة 1963 الذي أودع فيه تقرير الطعن، وبذا يكون الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - في أن المدعي أقام الدعوى رقم 207 لسنة 9 القضائية ضد السيد وزير الخزانة بعريضة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية لوزارة الخزانة في 11 من فبراير سنة 1962، طلب فيها "الحكم للمدعي بتعديل أقدميته في الدرجة السادسة الكتابية إلى 8 من يوليه سنة 1950، وفي الدرجة الخامسة الكتابية إلى 27 من مارس سنة 1957، وما يترتب على ذلك من آثار". وقال بياناً لدعواه إنه علم مصادفة أن مصلحة الضرائب أصدرت في 8 من يوليو سنة 1950 قراراً تضمن ترقية بعض من يلونه في أقدمية الدرجة السابعة الكتابية إلى الدرجة السادسة الكتابية بالاختيار، فتظلم إلى الجهة الإدارية في 23 من أكتوبر سنة 1961 طالباً إلغاء هذا القرار فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة السادسة الكتابية، وكأثر لذلك إلغاء القرار الصادر في 27 من مارس سنة 1957 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الخامسة الكتابية، وفي أول فبراير سنة 1962 أبلغته الجهة الإدارية بحفظ تظلمه فأقام هذه الدعوى طالباً الحكم له بالطلبات السالفة الذكر استناداً منه إلى أنه أقدم من كثيرين ممن رقوا بالقرار الصادر في 8 من يوليه سنة 1950 وأن تقاريره السرية تنطق بامتيازه مما لا يسوغ معه تخطيه في الترقية وقد أجابت مصلحة الضرائب عن الدعوى بمذكرة دفعت فيها بعدم قبول الدعوى شكلاً بمقولة إن القرار الصادر في 8 من يوليه سنة 1950 قد نشر ووزعت صورته على جميع أقسام المصلحة ومن بينها الجهة التي كان يعمل بها المدعي، كما دفعت احتياطياً بسقوط حق المدعي في المطالبة بالفروق المالية بالتقادم استناداً إلى المادة 375 من القانون المدني، وفي الموضوع ذكرت أن المدعي لم يكن ليلحقه الدور للترقية بالأقدمية في قرار 8 من يوليه سنة 1950 إذ أن من رقوا بالاختيار في هذا القرار كانت ترقيتهم سليمة غير مشوبة بأي عيب لأنهم جميعاً من الممتازين، وانتهت من هذا إلى طلب عدم قبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً. وبجلسة 29 من ديسمبر سنة 1962 قضت المحكمة الإدارية "أولاً: بالنسبة للقرار الصادر في 8 من يوليه سنة 1950 بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإرجاع أقدمية المدعي في الدرجة السادسة الكتابية إلى 8 من يوليه سنة 1950 على أن يكون أسبق في ترتيب أقدمية هذه الدرجة على جميع من رقوا بالاختيار إليها بالقرار المشار إليه، وما يترتب على ذلك من آثار. ثانياً: بالنسبة للقرار الصادر في 27 من مارس سنة 1957 بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإرجاع أقدمية المدعي في الدرجة الخامسة الكتابية إلى 27 من مارس 1957 على أن يكون أسبق في ترتيب أقدميته هذه الدرجة على السيد/ جورج إلياس بقطان، وما يترتب على ذلك من آثار. ثالثاً: إلزام الجهة الإدارية المصروفات ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة". وأقامت قضاؤها في خصوص الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً على أن المصلحة لم تقدم أي دليل جدي يثبت علم المدعي بالقرار الصادر في 8 من يوليه سنة 1950 علماً يقينياً شاملاً نافياً للجهالة قبل تاريخ تقديم تظلمه في 23 من أكتوبر سنة 1961، ومن ثم فإنه يتعين الاعتداد بهذا التاريخ بدءاً لميعاد رفع الدعوى بالطعن في هذا القرار، وفي خصوص الموضوع أقامت قضاءها على أن المدعي كان أقدم من جميع من رقوا بالاختيار بالقرار الصادر في 8 من يوليه سنة 1950، وأن تقديرات كفايته لا تقل عن كفاية المرقين اختياراً بالقرار المذكور، ذلك أنه ولئن كان لم يقدر بتقدير ممتاز في الأخلاق والأمانة والمواظبة، وهو التقدير الذي حصل عليه زملاؤه المطعون في ترقيتهم بالاختيار، بل قدر بأن أخلاقه حسنة وأنه أمين ومواظب فحسب، إلا أنه قبل العمل بأحكام قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 لم تكن هناك ضوابط معينة لوضع التقارير السرية، وإنما كانت العبارات المقدرة لكفاية الموظف تتفاوت في ألفاظها وأن اتفقت في مدلولها، ومن ثم فلم يكن من الجائز تخطي المدعي في الترقية بمن هم أحدث منه في الأقدمية ولا يجاوزونه في الكفاية.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن قرار 8 من يوليه سنة 1950 المطعون فيه قد صدر قبل العمل بقانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 حين كانت الترقية ولاية اختيارية لجهة الإدارة لا يحدها إلا عيب إساءة استعمال السلطة، وأن لجنة شئون الموظفين عند إجرائها للترقية المطعون فيها لم تنظر إلى تقارير الكفاية وحدها بل استرشدت بماضي المرشحين للترقية وأعمالهم الأخرى، وأنه بمقارنة حالة المدعي بالمطعون في ترقياتهم يبين أنه يقل عنهم كفاية، كما أنه جوزي بالإنذار في أول يناير سنة 1958 (صحة التاريخ أول يناير سنة 1948) في حين أنه لم توقع على المطعون في ترقيتهم أية جزاءات طوال مدة خدمتهم.
ومن حيث إنه يجدر قبل التصدي للفصل في موضوع هذا الطعن التعرض بداءة لما أثاره المطعون عليه في مذكرته المقدمة بجلسة 14 من إبريل سنة 1968، وكذا في مذكرته المقدمة في 22 من أكتوبر سنة 1968 من بطلان قرار الإحالة إلى المحكمة الإدارية العليا الصادر من دائرة فحص الطعون، وهو البطلان القائم على أنه لم يعلمه بتاريخ الجلسة التي نظر فيها الطعن أمام الدائرة المذكورة إعلاناً صحيحاً، ذلك أنه أرسل في 15 من سبتمبر سنة 1963 خطاباً بالبريد الموصى عليه إلى السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة بالمحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة يبلغه فيه بانتهاء التوكيل الصادر منه إلى الأستاذ محمود عنبر المحامي بالقاهرة ويطلب إبلاغه بكل ما يتعلق بالطعن رقم 348 لسنة 9 القضائية المرفوع ضده من مصلحة الضرائب في محل عمله بكفر الزيات، وإذ لم يعلن في هذا العنوان بتاريخ الجلسة التي عينت لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون، فإن قرار الإحالة الصادر في تلك الجلسة من الدائرة المذكورة يكون باطلاً لأن هذه الدائرة تعتبر درجة من درجات التقاضي، ومن ثم فقد طلب إعادة الدعوى إلى دائرة فحص الطعون.
ومن حيث إن المادة الرابعة من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة تنص في فقرتها الرابعة على أنه "ويرأس المحكمة الإدارية العليا رئيس المجلس وتصدر أحكامها من دوائر من خمسة مستشارين. وتكون بها دائرة أو أكثر لفحص الطعون وتشكل من ثلاثة مستشارين". وجاء في صدر المادة 15 من القانون المذكور أنه "يجوز الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري أو المحاكم الإدارية أو المحاكم التأديبية وذلك في الأحوال الآتية:
1 - إذا كان الحكم المطعون فيه مبنياً على مخالفة القانون أو خطأ في تطبيقه أو تأويله.
2 - إذا وقع بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر في الحكم.
3 - إذا صدر الحكم خلافاً لحكم سابق حاز قوة الشيء المحكوم فيه سواء دفع بهذا الدفع أو لم يدفع. وتنص المادة 26 من القانون ذاته على أن "يقدم الطعن من ذوي الشأن بتقرير يودع قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا".. كما تنص المادة 17 من هذا القانون على أن "تنظر دائرة فحص الطعون الطعن بعد سماع إيضاحات مفوضي الدولة وذوي الشأن إن رأى رئيس الدائرة وجهاً لذلك، وإذا رأت دائرة فحص الطعون أن الطعن جدير بالعرض على المحكمة الإدارية العليا إما لأن الطعن مرجح القبول أو لأن الفصل في الطعن يقتضي تقرير مبدأ قانوني لم يسبق للمحكمة تقريره أصدرت قراراً بإحالته إليها، إما إذا رأت بإجماع الآراء أنه غير مقبول شكلاً أو باطل أو غير جدير بالعرض حكمت برفضه ويكتفي بذكر القرار أو الحكم بمحضر الجلسة وتبين المحكمة في المحضر بإيجاز وجهة النظر إذا كان الحكم صادراً بالرفض ولا يجوز الطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن. وإذا قررت دائرة فحص الطعون إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا يؤشر قلم كتاب المحكمة بذلك على تقرير الطعن ويخطر ذوو الشأن وهيئة مفوضي الدولة بقرار المحكمة" كذلك تنص المادة 18 من القانون المشار إليه على أن" تسري القواعد المقررة لنظر الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا على الطعن أمام دائرة فحص الطعون. ويجوز أن يكون من بين أعضاء المحكمة الإدارية العليا من اشترك من أعضاء دائرة فحص الطعون في إصدار قرار الإحالة.
ومن حيث إنه يبين من جماع هذه النصوص أن المنازعة المطروحة أمام المحكمة الإدارية العليا تبدأ بطعن يقدم من ذوي الشأن بتقرير يودع قلم كتابها، وتنتهي بحكم يصدر من هذه المحكمة إما من دائرة فحص الطعون المشكلة من ثلاثة من مستشاري المحكمة الإدارية العليا، وإما من إحدى دوائر المحكمة المشكلة من خمسة مستشاريها، وسواء صدر الحكم من هذه الدائرة، أو من تلك فإنه في كلا الحالين يعتبر حكماً صادراً من المحكمة الإدارية العليا، فإذا رأت دائرة فحص الطعون بإجماع الآراء أن الطعن غير مقبول شكلاً أو أنه باطل أو غير جدير بالعرض حكمت برفضه، ويعتبر حكماً في هذه الحالة منهياً للمنازعة أمام المحكمة الإدارية العليا، أما إذا رأت أن الطعن مرجح القبول أو أن الفصل فيه يقتضي تقرير مبدأ قانوني لم يسبق للمحكمة تقريره فإنها تصدر قراراً بإحالته إلى المحكمة الإدارية العليا، وقرارها في هذه الحالة لا ينهي النزاع بل ينقله تلقائياً برمته - وبدون أي إجراء إيجابي من جانب الخصوم - إلى دائرة المحكمة الإدارية العليا المشكلة من خمسة من مستشاريها لتواصل نظر المنازعة التي بدأت مرحلتها الأولى أمام دائرة فحص الطعون ثم انتقلت بعد ذلك إلى الدائرة الخماسية لتستمر في نظرها إلى أن تنتهي بحكم يصدر فيها. وإذ كانت المنازعة لا تنتهي بالقرار الصادر من دائرة فحص الطعون بالإحالة بل تستمر أمام الدائرة الأخرى التي أحيلت إليها فإن إجراءات نظر المنازعة في مرحلتيها تعتبر متصلة ومتكاملة بحيث إذا شاب أي إجراء من الإجراءات التي تمت فيها عيب أمام دائرة فحص الطعون أمكن تصحيحه أمام الدائرة الأخرى بل إن هذه مهمتها، فإذا مازال هذا العيب استمرت المحكمة في نظر الطعن إلى أن يتم الفصل في المنازعة بحكم يصدر من المحكمة المذكورة.
ومن حيث إنه مما يؤيد هذا النظر أن الإجراءات المتبعة أمام القضاء الإداري تتميز بخصائص ذاتية تغاير تلك المأخوذ بها أمام محاكم القضاء العادي أهمها أن الإجراءات الإدارية إجراءات إيجابية يوجهها القاضي، وهي بهذه السمة تفترق عن الإجراءات المدنية والتجارية التي يهيمن الخصوم على تسيير الجانب الأكبر منها، وقد سبق لهذه المحكمة أن قضت فيما يتعلق بحضور ذوي الشأن بالجلسات بأن النظام القضائي لمجلس الدولة يتأبى الأخذ بالنظام الإجرائي الذي تجرى عليه المحاكم المدنية في حالة غياب الخصوم عن حضور الجلسات المحددة لنظر دعاواهم، ومن ثم لا يجوز إعمال الأثر الذي رتبه الشارع على عدم حضور الخصوم أمام المحاكم المدنية في مجال الدعوى الإدارية، لأن هذا الأثر مقرر كجزاء على الخصم الذي يهمل في متابعة دعواه، وحضور الجلسة المحددة لنظرها، بيد أن النظام القضائي الإداري يعتد في المقام الأول بتحضير الدعوى وتهيئتها للفصل فيها وفقاً لإجراءات ألزم القانون هيئة مفوضي الدولة القيام بها قبل طرح المنازعة على القضاء، إذ يقوم هذا النظام أساساً على مبدأ المرافعات لتحريرية في مواعيد محددة منضبطة يستطيع ذوو الشأن فيها أن يقدموا مذكراتهم مع مستنداتهم، كما يقوم على تحضير الدعوى من هيئة مفوضي الدولة، وليس من حق ذوي الشأن أن يصروا أمام المحكمة على طلب المرافعة الشفوية، وإنما لرئيس المحكمة أن يطلب إليهم أو إلى المفوض ما يراه لازماً من إيضاحات، كما قضت بأن بطلان إعلان عريضة الدعوى ومرفقاتها إلى أي من ذوي الشأن ليس مبطلاً لإقامة الدعوى ذاتها، مادامت قدمت صحيحة في الميعاد القانوني بإجراء سابق حسبما حدده قانون مجلس الدولة، وإنما البطلان لا ينصب إلا على الإعلان وحده، إن كان لذلك وجه، ولا يترتب على البطلان أثر إلا في الحدود وبالقدر الذي استهدفه الشارع، وعلى مقتضى ما تقدم فإن العيب الذي يشوب إبلاغ المطعون عليه بتاريخ الجلسة المعينة لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون، ليس من شأنه أنه يخل بحقوقه التي كفلها له القانون، إذ ما انتهت الدائرة المذكورة - دون أن تطلب مزيداً من الإيضاحات - إلى إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا، ذلك أن الدعوى كان قد تم تحضيرها قبل إحالتها إلى دائرة فحص الطعون، وكان في مقدور المحكمة - إذا رأت موجباً لذلك - أن تطلب ما تراه لازماً من إيضاحات فيها سواء حضر ذوو الشأن أو لم يحضروا، فإذا هي لم تطلب ذلك فإنه لا يكون من حق المطعون عليه أن يصر على طلب المرافعة الشفوية أمامها، كذلك فإن من حق المطعون عليه - ما دامت المنازعة لما يتم الفصل فيها - أن يتدارك أمام المحكمة الإدارية العليا التي أحيل إليها الطعن ما يكون قد فاته من دفاع أمام دائرة فحص الطعون. ومهما يكن من أمر فإن قرار الإحالة، لا يتضمن في ذاته فصلاً في أمر يفوت على ذوي الشأن حقاً في الطعن على أي إجراء معيب أو في إبداء ما يراه من دفاع، إذ أن أثره يقتصر على نقل الطعن من دائرة فحص الطعون إلى الدائرة الخماسية ولا يحرمه من أن يبدي أمام هذه الأخيرة ما هو متاح له مما كان متاحاً بالمثل أمام الأولى.
ومن حيث إنه يضاف إلى ما تقدم - في مجال الرد على ما يطلبه المطعون عليه من إعادة الدعوى ثانية إلى دائرة فحص الطعون - أن قضاء هذه المحكمة قد تواتر على أن الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا يطرح المنازعة في الحكم المطعون فيه برمتها، ويفتح الباب أمامها لتزن هذا الحكم بميزان القانون وزناً مناطه استظهار ما إذا كانت قد قامت به حالة أو أكثر من الأحوال التي تعيبه والمنصوص عليها في المادة 15 من قانون تنظيم مجلس الدولة، فتلغيه ثم تنزل حكم القانون في المنازعة على الوجه الصحيح، أم أنه لم تتم به حالة من تلك الأحوال وكان صائباً في قضائه فتبقي عليه وترفض الطعن، والمرد في ذلك هو إلى مبدأ المشروعية نزولاً على سيادة القانون في روابط من روابط القانون العام التي تختلف في طبيعتها عن روابط القانون الخاص، ذلك أن رقابة القضاء الإداري على القرارات الإدارية هي رقابة قانونية تسلطها عليها لتعرف مدى مشروعيتها من حيث مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون، ومن ثم فإنه إذا تبينت المحكمة الإدارية العليا عند نظر الطعن المطروح عليها أن الحكم المطعون فيه قد شابه البطلان أو أن إجراء من الإجراءات التي سبقت عرض الطعن عليها كان باطلاً فإنها في هذه الحالة لا تقضي بإعادة الدعوى إلى المحكمة التي صدر منها الحكم أو وقع أمامها الإجراء الباطل، بل يتعين عليها - إعمالاً للولاية التي أسبغها عليها القانون - أن تتصدى للمنازعة لكي تنزل فيها حكم القانون على الوجه الصحيح.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المطعون عليه قد أبلغ في 11 من يناير سنة 1968 بتحديد جلسة 10 من فبراير سنة 1968 لنظر لطعن أمام دائرة فحص الطعون، وأن هذا الإخطار قد تم إلى مكتب محاميه وهو محله المختار الوارد في عريضة دعواه، على حين أنه كان قد أبلغ مجلس الدولة بكتاب مؤرخ 15 من سبتمبر سنة 1963 - مرفق بملف الدعوى - بعدوله عن توكيل محاميه المذكور وتعيين محل عمله بكفر الزيات ليتم إبلاغه فيه، وهو ما كان يقتضي أن يتم الإخطار بالجلسة المحددة في المحل الجديد الذي عينه وذلك إعمالاً لحكم المادة 26 من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة التي تنص على أن "يعتبر مكتب المحامي الموقع على العريضة محلاً مختاراً للطالب، كما يعتبر مكتب المحامي الذي ينوب عن ذوي الشأن في تقديم ملاحظاتهم محلاً مختاراً لهم - كل ذلك إلا إذا عينوا محلاً مختاراً غيره" ومن ثم فإن هذا الإخطار يكون معيباً، إلا أن هذا العيب قد صحح بالإخطار التالي الذي أرسل إلى المطعون عليه شخصياً في 12 من فبراير سنة 1968 بمحل عمله الجديد ينبئه بتعيين جلسة 17 من مارس سنة 1968 بنظر الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا، وهو الإخطار الذي أعقبه حضور المطعون عليه شخصياً بالجلسة المذكورة التي طلب فيها التأجيل للاستعداد فأجابته المحكمة إلى طلبه وأفسحت له بعد ذلك المجال لإبداء دفاعه الذي أبداه فعلاً في الطعن، ومن ثم يكون البطلان قد زال إعمالاً لنص المادة 140 من قانون المرافعات معدلة بالقانون رقم 100 لسنة 1962 م، التي تقضي بأن - بطلان أوراق التكيف بالحضور الناشئ عن عيب في الإعلان أو في بيان المحكمة أو تاريخ الجلسة يزول بحضور المعلن إليه في الجلسة". ويكون على المحكمة والحالة هذه أن تعرض لموضوع المنازعة لتصدر حكمها فيها، ولا يسوغ لها أن تعيدها ثانية إلى دائرة فحص الطعون وإلا كانت منكرة لولايتها التي أسندها إليها القانون.
ومن حيث إنه على مقتضى ما تقدم فإن طلب المطعون عليه الحكم ببطلان قرار الإحالة وإعادة الطعن إلى دائرة فحص الطعون يكون غير قائم على أساس سليم من القانون متعيناً رفضه.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بموضوع الطعن أن المدعي لا يختصم القرار الصادر في 8 من يوليه سنة 1950 فيما تضمنه من ترقية بالأقدمية، يقيناً منه بأن أقدميته لم تكن لتؤهله للترقية بالأقدمية في هذا القرار، وإنما يختصم القرار المذكور فيما تضمنه من ترقية بعض زملائه إلى الدرجة السادسة بالاختيار. قولاً منه بأنه يسبقهم في ترتيب الأقدمية ولا يقل عنهم كفاية، وإذا كان الثابت من أوراق الطعن أن المدعي أقدم في الدرجة السابعة من جميع من شملتهم الترقية بالاختيار في هذا القرار إذ ترجع أقدميته في هذه الدرجة إلى 4 من مارس سنة 1946 على حين أن أقدميتهم جميعاً ترجع فيها إلى أول مايو سنة 1946، إلا أنه في مجال تقدير الكفاية يتضح من البيان المقارن المقدم من مصلحة الضرائب في 11 من ديسمبر سنة 1960 أن السادة الذين رقوا بالاختيار إلى الدرجة السادسة الكتابية وهم عبد الحميد المتولي أحمد وجورج إلياس قبطان، ومحمد حسين نجاتي، وفؤاد عبد الغني المهيلي، وعرفة عبد اللطيف خطاب قد حصلوا جميعاً على تقدير ممتاز في كل من الأخلاق والأمانة والمواظبة والإنتاج فيما عدا السيد عرفة عبد اللطيف خطاب الذي حصل على تقدير ممتاز في جميع البنود عدا الإنتاج إذ أدرج أمامه أنه يؤدي عمله بإتقان وأمانة، على حين أن المدعي حصل في الأخلاق على حسن وفي الأمانة على أمين وفي المواظبة على مواظب وفي الإنتاج على ممتاز وهو ما يؤخذ منه أنه أقلهم في مرتبة الكفاية، وذلك على خلاف ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه إذا أهدر بغير حق تقديرات الكفاية الخاصة بالمطعون في ترقيتهم وذهب دون ما سند من الأوراق إلى أن تقديرات الامتياز التي حصلوا عليها لا تجاوز التقديرات التي حصل عليها المدعي، وأن الأمر لا يعدو أن يكون تفاوتاً في الألفاظ لا يرقى إلى درجة التفاوت في المدلول.
ومن حيث إن المدعي تقدم بمذكرة في 22 من أكتوبر سنة 1968 ينعى فيها على تقديرات الكفاية التي حصل عليها زملاؤه المطعون في ترقيتهم عدم مطابقتها للواقع بمقولة إن السيد عبد الحميد المتولي أحمد كان معتقلاً في الفترة من 12 من ديسمبر سنة 1948 حتى 26 من يناير سنة 1950. وأن السيدين/ محمد حسن نجاتي وجورج إلياس قبطان كانا منتدبين في جهات أخرى، وأن الأخير منهما قد وقعت عليه عدة جزاءات بعد صدور القرار المطعون فيه.
ومن حيث إنه بافتراض صحة الوقائع التي عددها المدعي في المذكرة المشار إليها - دون حاجة إلى التصدي للبحث في مدى مطابقتها للواقع جميعاً لا تغير من وجه الرأي في هذه الدعوى ذلك أن ندب الموظف لا يؤدي إلى عدم وضع تقارير كفاية عنه، ولا يحول دون ترقيته بالاختيار، كما أن الجزاءات اللاحقة على صدور القرار المطعون فيه لا يصح أن يكون لها أثر في تقدير كفاية الموظف في الفترة السابقة على صدور هذا القرار إذ العبرة بالحالة التي كان عليها كل من المدعي والمطعون في ترقيتهم وقت صدور القرار المطعون فيه، أما عن واقعة اعتقال السيد/ عبد الحميد المتولي أحمد وما قد تثيره في خصوص تقييم درجات الكفاية التي حصل عليها باعتبار أن المدة التي قضاها في العمل بعد الاعتقال لم تكن كافية بالقدر الذي يسمح بتقديره تقديراً سليماً فإنها بدورها لا تؤثر في سلامة القرار المطعون فيه ذلك أن هذا القرار قد صدر قبل العمل بالقانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة حين كانت ولاية الترقية في ظل القوانين واللوائح السارية وقتذاك ولاية اختيارية مناطها الجدارة حسبما تقدره الإدارة مع مراعاة الأقدمية، ولم يكن تقدير الكفاية ومدى صلاحية الموظف للوظيفة التي يرقى إليها أمراً يستخلص من التقارير السرية وحدها بل كان متروكاً لسلطة الإدارة تقدره حسبما تلمسه في الموظف بمراعاة شتى الاعتبارات وما تأنسه فيه من كفاية ملحوظة في أثناء قيامه بعمله، وما يتجمع لديها عن ماضيه وحاضره من عناصر تعين على الحكم في ذلك، وتقدير الإدارة في هذا الصدد له وزنه بلا معقب عليه متى خلا من مجاوزة حدود الصالح العام، ولم يقترن بأي ضرب من ضروب الانحراف بالسلطة ومتى كان الأمر كذلك وكان البادي من الأوراق، أنه بالإضافة إلى درجات الكفاية السالفة الذكر فإن المطعون في ترقيتهم جميعاً كانوا أقدم من المدعي في تاريخ حصولهم على المؤهل فضلاً عن أن السيد/ محمد حسين نجاتي يمتاز على المدعي بحصوله على مؤهلين آخرين هما الشهادة التكميلية في سنة 1945 والشهادة التكميلية العالية في سنة 1948، كما أن المدعي سبق أن جوزي بالإنذار في أول يناير سنة 1948، فإن ما ينعاه المدعي على القرار المطعون فيه لا تقوم له حجة، ولا ينهض به دليل على قيام عيب الانحراف بالسلطة بالقرار الصادر في 8 من يوليه سنة 1950، وتكون دعواه بالنسبة إلى هذا القرار غير مستندة إلى أساس سليم من الواقع أو القانون متعيناً لذلك رفضها وإذ أخفق المدعي فيما سعى إليه من إرجاع أقدميته في الدرجة السادسة إلى تاريخ صدور القرار آنف الذكر، فإن هذا الإخفاق ينسحب بحكم اللزوم إلى طلبه الآخر الخاص بإرجاع أقدميته في الدرجة الخامسة إلى تاريخ القرار الصادر في 27 من مارس سنة 1957، وهو الطلب الذي أسسه على نجاحه في طلبه الخاص بالترقية بالاختيار في قرار 8 من يوليه سنة 1950، ويكون هذا الطلب أيضاً بدوره حقيقاً بالرفض كذلك. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، ويتعين والحالة هذه القضاء بإلغائه، وبرفض الدعوى، مع إلزام المدعي بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.

الطعن 79 لسنة 24 ق جلسة 5 / 2 / 1959 مكتب فني 10 ج 1 ق 17 ص 119

جلسة 5 من فبراير سنة 1959

برياسة السيد المستشار محمود عياد، وبحضور السادة عثمان رمزي، ومحمد زعفراني سالم، والحسيني العوضي، ومحمد رفعت المستشارين.

-----------------

(17)
الطعن رقم 79 سنة 24 ق

(أ) دعوى "المسائل التي تعترض سير الخصومة" "وقف الخصومة". حكم "الأحكام التحضيرية". قوة الأمر المقضي. 

الحكم الصادر بوقف السير في الدعوى مع تكليف أحد الخصوم خلال ميعاد برفع النزاع المثار للقاضي المختص. هو حكم في شقه الأخير تحضيري. لا يحوز قوة الأمر المقضي.
(ب) معارضة. دفاع. 

قاعدة سماع دفاع المحكوم عليه متى عارض. تعلقها بالنظام العام لا يحول دونها كون الحكم صدر نهائياً بالنسبة إلى زملائه الحاضرين.
(جـ) وصية. وقف. قوة الأمر المقضي. 

الحكم الصادر بعدم سماع دعوى بطلان إشهاد الوقف لعدم قبول مسوغ الرجوع عن الوصية به لا يتضمن قضاء في الموضوع. حجيته قاصرة على المدعي وموقوتة بخلوها من مسوغ السماع.
(د) دعوى "المسائل التي تعترض سير الخصومة" "وقف الخصومة". 

لا على المحكمة إذا رأت ضرورة الفصل من المحكمة المختصة في الدفع المثير لنزاع أمامها يخرج عن اختصاصها.
(هـ) حكم "تسبيب كاف" معارضة. 

لا على الحكم الصادر في المعارضة إذا أعرض عن الرد كل ما ورد في الحكم الملغي. حسبه أن يكون مقاماً على دعائم كافية لحمله.

---------------------
1 - إذا صدر حكم بوقف السير في الدعوى مع تكليف الورثة برفع النزاع إلى القضاء الشرعي المختص في خلال أجل معين، فإن هذا الحكم في شقه الأخير لا يعدو أن يكون حكماً تحضيرياً لا يحوز بطبيعته قوة الأمر المقضي ولا يكسب الخصم حقاً يصح التمسك به فيجوز العدول عنه من المحكمة التي أصدرته.
2 - سماع دفاع المحكوم عليه متى عارض في الحكم الصادر في غيبته هو من القواعد الأساسية المتعلقة بالنظام العام ولا يمكن أن يحول دونه كون الحكم صدر نهائياً بالنسبة إلى زملائه الحاضرين.
3 - إذا كان الواقع في الدعوى أن الطاعنة "وزارة الأوقاف" قد أشهدت في 10 من يونيه سنة 1937 بوقف العقارات التي كان مورث المطعون عليهما قد أوصى بوقفها بالوصية المؤرخة في 30 من مايو سنة 1930 ثم أعلنت الطاعنة الورثة بإنذار كلفتهم فيه بتسليمها الأعيان المذكورة لاستغلالها وصرف ريعها في الشئون التي اشتملت عليها الوصية فرفع أحد الورثة دعوى على الطاعنة أمام المحكمة الشرعية طلب فيها الحكم عليها ببطلان إشهاد الوقف الصادر منها وبمنعها من التعرض له في العقارات المذكورة في صحيفتها فدفعت الطاعنة الدعوى بعدم السماع لعدم وجود أوراق رسمية أو مكتوبة جميعها بخط المتوفى وتحمل إمضاءه تدل على رجوعه عن الوصية ورد الوارث أن دعاوى الأفعال لا يتوقف شيء منها على مسوغ كتابي وأن رجوع الموصي في الوصية كان رجوعاً فعلياً فهو بخلاف الرجوع القولي لا يشترط فيه ذلك - إلا أن المحكمة الشرعية قضت ابتدائياً واستئنافياً بقبول دفع الطاعنة وبعدم سماع الدعوى دون أن تتطرق إلى موضوعها، فإنه وإن كان حكماً ما انتهى إليه القضاء الشرعي بدرجتيه في الدعوى المذكورة من مجرد عدم سماعها تأسيساً على عدم قبول المسوغ إلا أنه لا يتضمن قضاء في موضوع النزاع فليس له بهذه المثابة غير حجية قاصرة على المدعي وموقوتة بخلوها من مسوغ السماع.
4 - إذا كان الحكم المطعون فيه قد صرح في أسبابه بأن "ما أثاره طرفا الخصومة من أبحاث شرعية عديدة كقول المعارضتين أن الموصي رجع عن وصيته قولاً وفعلاً وأن العبرة بأن المال الموصى به هو ما كان موجوداً وقت الوصية وأن الوقف على ما لم يتهيأ باطل شرعاً وأنه يقع باطلاً لعدم تهيئة المصرف المختص له باستهلاك المبلغ السابق تخصيصه لتنفيذ الوصية... إلخ مما يخرج عن اختصاص القضاء الأهلي" فإن هذا يفيد ضمناً أن المحكمة رأت ضرورة الفصل في الدفع من الجهة المختصة قبل الفصل في موضوع النزاع المطروح أمامها ولا مخالفة في ذلك للقانون.
5 - لا على الحكم الصادر في المعارضة إذا هو أعرض عن الرد على كل ما ورد في الحكم الملغي إذ حسبه أن يكون مقاماً على دعائم كافية لحمله ومؤدية إلى النتيجة التي انتهى إليها في منطوقه لأن في ذلك إهداراً ضمنياً لأسباب الحكم الذي ألغاه فلم يأخذ بها لما أورده من الأسباب الجديدة التي أقام عليها قضاءه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق أن واقعة النزاع تجمل في أنه في صيف سنة 1929 كتب المرحوم محمد باشا أحمد مورث المطعون ضدهما قبيل إجراء جراحة له بمدينة باريس وصية بأعمال خيرية ناط تنفيذها بوزير الأوقاف ثم استودعها قنصل مصر الذي حرر محضراً بإيداعها ذكر فيه احتفاظ الموصي بحقه في أن يتسلم الوصية إذا ما قدر له الشفاء من الجراحة فلما كان ذلك استرد وصيته من القنصلية ثم عاوده المرض في العام التالي فكتب وصية أخرى مماثلة صاغها في إشهاد بمحكمة القاهرة الشرعية وناط فيها بوزير الأوقاف أن ينشئ الوقف على الجهات الخيرية التي عددها وأن يسحب من ماله في بنك مصر ما يلزم لإنشاء المؤسسات وأن يكمل النفقات من ريع العقارات التي أوصى بوقفها وقام المورث بعد ذلك بتسليم صورة الوصية إلى وزارة الأوقاف بإيصال ثم شفي من الجراحة الثانية فتقدم إلى الوزارة كتابة بطلب سحب هذه الوصية وسلمت إليه بإيصال مؤرخ في أول نوفمبر سنة 1931 وحدث بعد ذلك أن اشترى من مصلحة الأملاك أطياناً استنفد ثمنها رصيده النقدي لدى بنك مصر في سنة 1934. وفي فبراير سنة 1937 توفى المرحوم محمد باشا أحمد فأشهد وزير الأوقاف في 10 يونيه سنة 1937 بوقف العقارات التي كان المورث قد أوصى بوقفها بالوصية المؤرخة في 13 مايو سنة 1930 ثم أعلن الوزير الورثة بإنذار كلفهم فيه بتسليمه الأعيان المذكورة ليستغلها ويصرف ريعها في الشئون التي اشتملت عليها الوصية فرفع أحد الورثة - السيد/ أحمد فريد - الدعوى رقم 170 سنة 1936 - 1937 على وزير الأوقاف أمام محكمة مصر الابتدائية الشرعية طلب فيها الحكم عليه ببطلان إشهاد الوقف الصادر منه وبمنعه من التعرض له في العقارات المذكورة في الصحيفة فدفع المدعى عليه الدعوى بعدم السماع لعدم وجود أوراق رسمية أو مكتوبة جميعها بخط المتوفى وتحمل إمضاءه تدل على رجوعه عن الوصية ورد المدعي أن دعاوى الأفعال لا يتوقف شيء منها على مسوغ كتابي وأن رجوع الموصي في الوصية كان رجوعاً فعلياً فهو بخلاف الرجوع القولي لا يشترط فيه ذلك - إلا أن المحكمة الشرعية قضت في 11 سبتمبر سنة 1938 واستئنافياً في 16 يناير سنة 1939 بقبول دفع الوزارة وبعدم سماع الدعوى دون أن تتطرق إلى موضوعها فيه الوزير فور ذلك على الورثة بتسليم أعيان الوقف بعد أن استصدر قراراً من هيئة التصرفات بتمكينه من النظر إلا أن وارثة أخرى هي السيدة "حميدة نوفل" رفعت ضده وضد قلم المحضرين وباقي الورثة الدعوى رقم 730 سنة 1939 مستعجل مصر تطلب الحكم ببطلان التنبيه ومنع تنفيذ قرار التمكين ومنع تعرض الوزارة لها في حيازتها للأعيان الواردة بذلك القرار، كما استشكلت في تنفيذه بالدعوى رقم 838 سنة 1939 فقضى بضم الإشكال إلى الدعوى المستعجلة وصدر فيهما حكم ابتدائي في 5 إبريل سنة 1939 بعدم اختصاص المحاكم الأهلية (آنذاك) بالفصل فيهما، ثم قضي استئنافياً في 5 يونيه سنة 1939 بوقف قرار التمكين حتى يصدر حكم بتسليم الأعيان وطعنت الوزارة في هذا الحكم بطريق النقض بمقولة إنه تعرض لتأويل معنى قرار التمكين في حين أن القضاء الأهلي كان ممنوعاً من ذلك ولأن الحكم قد أبطل نص المادة 327 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية التي كانت تقضي بأن قرارات التمكين تصدر مشمولة بالنفاذ فحكمت المحكمة العليا (محكمة النقض) في 7 مارس سنة 1940 برفض الطعن وفي هذه الأثناء كانت وزارة الأوقاف رفعت الدعوى رقم 1792 سنة 1939 مستعجل مصر تطلب الحكم على ورثة المرحوم محمد باشا أحمد برفع يدهم عن أعيان الوقف المحرر عنه الإشهاد بالوصية وتسليمها للوزارة ومن باب الاحتياط بتعيين الوزير حارساً عليها فقضى ابتدائياً في 28 أغسطس سنة 1939 بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها بالحكم الصادر في الإشكال واستئنافياً برفض طلب الحراسة مع تأييد الحكم المستأنف بالنسبة لطلب التسليم ومنع التعرض. وفي ديسمبر سنة 1941 رفعت وزارة الأوقاف الدعوى 484 سنة 1942 لدى محكمة مصر الأهلية بطلب تسليم الأعيان المتنازع على وقفها ودفعت السيدة "حميدة نوفل" تلك الدعوى بوجود نزاع حول الأعيان يخرج عن ولاية القضاء الأهلي عملاً بالمادة 16 من لائحة ترتيبه وبأن الموصي قد عدل عن الوصية قولاً وفعلاً وأضافت أن حكم النقض الصادر في 7 مارس سنة 1940 قد وصف وقف تلك الأعيان بأنه وقف متنازع على أصله فحكمت محكمة مصر الابتدائية الأهلية في 7 فبراير سنة 1944 بإيقاف الدعوى حتى يفصل نهائياً في النزاع القائم حول صحة الوصية وكلفت الورثة المدعى عليهم إثارته خلال ستة شهور أمام جهة القضاء المختصة. فاستأنفت حميدة هذا الحكم طالبة إلغاءه ورفض دعوى الوزارة واحتياطياً تعديله بتكليف الوزارة أن تثير هي هذا النزاع لدى القضاء الشرعي - بينما عجلت الوزارة الدعوى أمام المحكمة الابتدائية بعد انقضاء الأجل الذي كان مضروباً للورثة لرفع النزاع إلى القضاء المختص فقضت محكمة مصر الابتدائية في 18 نوفمبر سنة 1944 بالإيقاف مرة أخرى إلا أنها تركت "لمن يهمه الأمر طرح النزاع على الجهة المختصة" - وفي 24 فبراير سنة 1945 قررت حميدة بترك المرافعة في استئنافها حكم 7 فبراير سنة 1944 الذي لم يعلن - بينما استأنفت الوزارة حكم 18/ 11/ 1944، فقضت محكمة استئناف مصر غيابياً بالنسبة للسيدتين سميرة هانم وعفت هانم محمد أحمد "المطعون ضدهما في الطعن الحالي" وحضورياً بالنسبة لباقي الورثة بإلغاء الحكم المستأنف وبإعادة القضية لمحكمة الدرجة الأولى للفصل في الموضوع على أساس إغفال الدفع بالإيقاف، فلجأ المطعون عليهما إلى محكمة الاستئناف معارضتين في ذلك الحكم وقضت المحكمة في 20 سبتمبر سنة 1953 بإلغاء الحكم المعارض فيه وبتأييد الحكم المستأنف الذي كان قد قضى بوقف السير في الدعوى مع تكليف وزارة الأوقاف - الطاعنة - بطرح النزاع على الجهة المختصة وحددت لها ميعاد ستة أشهر لتستصدر خلاله حكماً نهائياً من القضاء المختص فطعنت وزارة الأوقاف - بطعنها الحالي - في هذا الحكم الاستئنافي الصادر في المعارضة وعرض الطعن على دائرة الفحص التي قررت إحالته إلى هذه المحكمة وصممت النيابة العمومية بالجلسة على ما جاء بمذكرتها طالبة رفض الطعن.
وحيث إن حاصل ما ينعاه الطاعن في السبب الأول هو مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون وقصور تسبيبه وذلك من وجوه أربعة:
أولها - إن قضاء المحكمة الابتدائية في 7 فبراير سنة 1944، بوقف السير في الدعوى وبتكليف الورثة رفع النزاع خلال ستة شهور إلى الجهة المختصة هو قضاء نهائي مقيد لتلك المحكمة لا تملك بعده - متى انقضى الأجل المضروب وتراخي الورثة عما كلفوا به - لا تملك المحكمة إلا أن تفصل في موضوع الدعوى بحالتها. وأن حكم 18 نوفمبر سنة 1944 إذ أعاد الدعوى إلى الإيقاف وعدل عن هذا التكليف إلى ترك إثارة النزاع لدى الجهة الأخرى لمن يهمه الأمر من الخصوم يكون قد خالف القانون بخروجه على تلك القاعدة وعلى قاعدة عدم جواز أن تضار الوزارة الطاعنة باستئنافها حكم 18 نوفمبر سنة 1944.
والثاني - إن الحكم الاستئنافي الصادر في غيبة المطعون ضدهما حجة عليهما شأنهما في ذلك شأن باقي الورثة الصادر في مواجهتهم لعدم قابلية موضوعه للانقسام لصدوره في خصوص تركة - فما كان يصح للحكم الصادر في المعارضة أن يخرج عليه حتى لا تنهار الأحكام ولا تتبعض في نزاع واحد.
والثالث - أن القول من جانب الحكم المطعون فيه الصادر في المعارضة بأن ما صدر من المحكمة الشرعية في الدعوى رقم 170 سنة 1936 - 1937 بعدم السماع إنما هو قرار لا يجوز الاحتجاج به على غير السيد/ أحمد فريد من الورثة وليس حكماً يحتج به على المعارضتين (المطعون ضدهما) هو قول مخالف للقانون في مسألة لا تقبل الجدل وهي أن ما صدر من المحكمة الشرعية حكم لا قرار وأنه صدر في شأن تركة انتصب أحد الورثة ممثلاً لها فيه فله حجيته على التركة برمتها - فضلاً عما شاب الحكم المطعون فيه من قصور يعيبه ويبطله لعدم دعم رأيه في هذا الصدد بأكثر من جملة عابرة لا تصلح سنداً له.
والوجه الرابع - مخالفة الحكم المطعون فيه لمقتضى نص الفقرة الثانية من المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية ونص المادة 17 من قانون نظام القضاء التي ناطت بالمحكمة تقدير مدى وجاهة الدفع بالإيقاف ومبلغ جديته وبالتالي لزوم الفصل فيه من الجهة المختصة أو عدمه وقد أعرض الحكم عن تقدير هذه الجدية وجعل من مجرد إثارة نزاع تختص به جهة أخرى موجباً لطرحه عليها. فأسقط عن نفسه ولاية كانت له في تقدير جدية هذا الطلب. وحرم الطاعنة من فرصة استعمال المحكمة حقها في هذا النزاع على وجه سليم كان من شأنه أن يؤدي بها حتماً إلى رفض الدفع بالإيقاف.
وحيث إنه عن السبب الأول من هذا النعي فإن حكم 7 فبراير سنة 1944 الصادر بوقف السير في الدعوى مع تكليف الورثة برفع النزاع إلى القضاء الشرعي المختص في خلال ستة شهور لا يعدو أن يكون في شقه الأخير حكماً تحضيرياً لا يحوز بطبيعته قوة الأمر المقضي ولا يكسب الخصم حقاً يصح التمسك به أما قول الطاعنة بأنه ما كان ينبغي للحكم المطعون فيه الصادر في معارضة المطعون ضدهما بتكليف الوزارة الطاعنة الموجه إليها الدفع بالالتجاء إلى القضاء المختص أن يجعلها تضار في النهاية باستئنافها لحكم 18 نوفمبر سنة 1944 الذي لم يكلفها إثارة النزاع، فإن هذا القول مردود بأنه فضلاً عما سبق بيانه من انعدام حجية الأمر المقضي في الأحكام التحضيرية وجواز العدول عنها من المحكمة التي أصدرتها فإن استئناف الطاعنة إنما انصب على قضاء وقف الدعوى لا على ما قضى به من ترك أمر إثارة النزاع لمن يهمه الأمر ومن ثم يكون النعي في هذا الوجه على غير أساس.
وحيث إنه عن النعي بعدم جواز خروج الحكم المطعون فيه الصادر في معارضة المطعون ضدهما على الحكم الاستئنافي الصادر في غيبتهما بمقولة إن هذا الأخير حجة عليهما أيضاً شأنهما في ذلك شأن باقي الورثة الذين حضروا في الدعوى لعدم قابلية موضوعه للانقسام بصدوره في خصوص تركة فإن هذا النعي مردود بأن سماع دفاع المحكوم عليه متى عارض في الحكم الصادر في غيبته هو من القواعد الأساسية المتعلقة بالنظام العام ولا يمكن أن يحول دونه كون الحكم صدر نهائياً بالنسبة إلى زملائه الحاضرين.
وحيث إنه عن النعي بمخالفة القانون فيما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن ما صدر من المحكمة الشرعية في دعوى السيد/ أحمد فريد رقم 170 سنة 1936 - 1937 بعدم سماعها إنما هو قرار لا يحتج به على غير المدعي مع أنه حكم صدر في شأن تركة انتصب الوارث المذكور مثلاً لها فيه فله حجيته على الورثة جمعاء بما فيهم المعارضتين (المطعون ضدهما). هذا بالإضافة إلى ما شاب الحكم من قصور في هذا الصدد. فإن هذا النعي بدوره غير سديد ذلك أنه وإن كان حكماً ما انتهى إليه القضاء الشرعي بدرجتيه في الدعوى المذكورة من مجرد عدم سماعها تأسيساً على عدم مثول المسوغ إلا أنه لا يتضمن قضاء في موضوع النزاع. فليس له بهذه المثابة غير حجية قاصرة على المدعي وموقوتة بخلوها من مسوغ السماع.
وحيث إن الطاعنة تأخذ أخيراً على الحكم المطعون فيه مخالفته لمقتضى نص الفقرة الثانية من المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية والمادة 17 من قانون نظام القضاء لجعله من مجرد إثارة المعارضتين للدفع. موجباً لطرح النزاع على جهة القضاء الأخرى. وحرمان الطاعنة من فرصة استعمال المحكمة حقها على وجه سليم.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن الحكم المطعون فيه قد صرح في أسبابه بأن "ما أثاره طرفا الخصومة من أبحاث شرعية عديدة كقول المعارضتين إن الموصي رجع عن وصيته قولاً وفعلاً وإن العبرة بأن المال الموصى به هو ما كان موجوداً وقت الوصية وإن الوقف على ما لم يتهيأ باطل شرعاً وأنه يقع باطلاً لعدم تهيئة المصرف المختص له باستهلاك المبلغ السابق تخصيصه لتنفيذ الوصية... إلخ. مما يخرج عن اختصاص القضاء الأهلي" يفيد ضمناً أن محكمة الاستئناف رأت ضرورة الفصل في الدفع من الجهة المختصة قبل الفصل في موضوع النزاع المطروح أمامها، ولا مخالفة في ذلك القانون.
وحيث إن مبنى السبب الثاني من الطعن هو قصور الحكم في التسبيب ويقول الطاعن شرحاً لذلك إن الحكم الصادر من محكمة الاستئناف في 29 ديسمبر سنة 1946 حين قضى بإلغاء الحكم المستأنف وإعادة القضية لمحكمة الدرجة الأولى للفصل في موضوعها أقام قضاءه على أسباب سائغة لم يعن الحكم المطعون فيه بالرد حين ألغاه في المعارضة مما يشوبه بقصور يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إنه فضلاً عن أن صياغة هذا النعي قد وردت في عبارة عامة مجهلة اكتفاء من الطاعنة بالقول بأن أسباب الحكم المطعون فيه لا تصلح رداً على ما قاله الحكم الغيابي المعارض فيه فإنه من المقرر أنه لا على الحكم الصادر في المعارضة إذا هو أعرض عن الرد على كل ما ورد في الحكم الملغي إذ حسبه أن يكون مقاماً على دعائم كافية لحمله ومؤدية إلى النتيجة التي انتهى إليها في منطوقه لأن في ذلك إهداراً ضمنياً لأسباب الحكم الذي ألغاه فلم يأخذ بها لما أورده من الأسباب الجديدة التي أقام عليها قضاءه.
وحيث إنه لكل ما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس ويتعين رفضه.

الطعن 4 لسنة 27 ق جلسة 29 / 1 / 1959 مكتب فني 10 ج 1 أحوال شخصية ق 16 ص 113

جلسة 29 من يناير سنة 1959

برياسة السيد المستشار محمود عياد. وبحضور السادة: عثمان رمزي، وإبراهيم عثمان يوسف، ومحمد رفعت، وعباس حلمي سلطان المستشارين.

-----------------

(16)
الطعن رقم 4 سنة 27 (أحوال شخصية)

أهلية. "عوارض الأهلية". "الغفلة". تعريف الغفلة. 

استناد الحكم في توقيع الحجر للغفلة إلى تصرفات ترددت بين أم وولديها أن يكون في تباينها مظهر من مظاهر الاضطراب أو دليل على الانقياد وعدم الإدراك. قيام اعتبارات من شأنها أن تدفع عن تصرفاتها شبهة الاستئثار أو التسلط عليها. صدورها عن مصلحة ارتأتها هي جديرة بالاعتبار. يجعل الحكم مقاماً على أساس يخالف القانون.

----------------
الغفلة - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هي ضعف بعض الملكات الضابطة في النفس ترد على حسن الإدارة والتقدير ويترتب على قيامها بالشخص أن يغبن في معاملاته مع الغير. وإذن فمتى كانت التصرفات التي أخذ الحكم المطعون فيه الطاعنة بها إنما ترددت بينها وبين ولديها يحدو الطاعنة فيها طابع الأمومة بما جبلت عليه من العطف والرعاية تبعاً لما تستشعره هي تلقاءهما من أحاسيس الرضا والغضب دون أن يكون في تباين هذه التصرفات معها أو مع أي منهما مظهر من مظاهر الإضراب أو دليل على الانقياد وعدم الإدراك، وكان البيع الصادر من الطاعنة لأحد ولديها قد بررته هي - على ما ورد في الحكم المطعون فيه بأن ابنها المتصرف إليه قد أدى عنها جميع الديون التي خلفها لها ابنها الآخر وقت وكالته، فإن قيام هذا الاعتبار لدى الطاعنة من شأنه أن يدفع عن هذا التصرف شبهة الاستئثار أو التسلط عليها مما ينأى به عن مجال الغفلة سواء كان الثمن المقدر للمبيع أقل من قيمته الحقيقية أو كان البيع قد حصل تبرعاً من الطاعنة لولدها المذكور طالما أنها لم تصدر في هذا التصرف إلا عن مصلحة تراها هي جديرة بالاعتبار، لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه يكون قد استند في قضائه بتوقيع الحجر على الطاعنة للغفلة على أساس مخالف للقانون مما يستوجب نقضه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون عليه قدم بتاريخ 22/ 11/ 1955 طلباً إلى نيابة القاهرة الكلية للأحوال الشخصية للحجر على والدته الطاعنة للعته والغفلة والسفه نظراً لأن شقيقه جان يعقوب ديون يستغل كهولتها وضعف صحتها وعدم إدراكها حتى حملها على التجرد من أكثر من نصف ما تمتلك من الأطيان بأن حررت له عقداً ببيع 16 ف من 31 ف تمتلكها لا تعرف عن ثمنها شيئاً وبعد أن قامت النيابة بتحقيق هذا الطلب قدمته إلى محكمة القاهرة الكلية للأحوال الشخصية حيث قيد بجدولها تحت رقم 322 ق سنة 1955 وايلي وبتاريخ 25/ 6/ 1956 حكمت المحكمة برفض طلب توقيع الحجز وألزمت المطعون عليه الأول بالمصاريف فاستأنف الأخير هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة تحت رقم 44 سنة 1956 أحوال شخصية طالباً إلغاءه وتوقيع الحجر على الطاعنة. وبتاريخ 2 من يناير سنة 1957 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المذكور وبتوقيع الحجر على الطاعنة للغفلة وجعلت المصروفات عن الدرجتين على عاتق القوامة وأمرت بإعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة للنظر في أمر تعيين القيم فطعنت الطاعنة في هذا الحكم بتاريخ 20 من يناير سنة 1957 بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة طلبت فيها نقض الحكم. وبتاريخ 29 من إبريل سنة 1958 عرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت إحالته على الدائرة المدنية والتجارية ومسائل الأحوال الشخصية لنظره وبتاريخ 5 من مايو سنة 1958 أمر السيد رئيس المحكمة بإعلان تقرير الطعن إلى المطعون عليهما وحدد لهما خمسة عشر يوماً من تاريخ إعلانهما لإيداع مذكرة بدفاعهما مشفوعة بالمستندات التي يريان تقديمها وللنيابة الواحد وعشرين يوماً التالية لإبداء رأيها في هذا الطعن. وبتاريخ 18 من مايو سنة 1958 أودعت الطاعنة مذكرة شارحة لأسباب الطعن وبتاريخ 25، 27 من مايو سنة 1958 أعلن المطعون عليهما بتقرير الطعن. وبتاريخ 9 من يونيه سنة 1958 قدم المطعون عليه الأول مذكرة بدفاعه طلب فيها رفض الطعن ثم قدمت النيابة العامة مذكرة ثانية أصرت فيها على رأيها السابق وحدد رئيس المحكمة بعد ذلك جلسة أول يناير سنة 1959 أمام هذه الدائرة لنظر الطعن وفيها صممت النيابة على رأيها.
وحيث إن الطعن يقوم على سببين حاصل أولهما خطأ الحكم في تطبيق القانون وتأويله ذلك أن ذا الغفلة - كما عرفه فقهاء الشريعة الإسلامية وكما استقرت على وصفه أحكام القضاء - هو الذي لا يهتدي إلى التصرفات الرابحة فيغبن في المبايعات لسلامة قلبه، مع كونه غير مفسد ولا قاصد للفساد وقد قام الحكم الابتدائي الذي صدر برفض طلب الحجر على الطاعنة للغفلة على فهم صحيح لمعنى الغفلة - ولكن الحكم الاستئنافي جانب الصواب، فصور للغفلة معنى آخر غير المعنى الذي انعقد عليه الإجماع في الشريعة، وفي فقه القانون وفي أحكام المحاكم ولذلك اعتبر عارض الغفلة قائماً بالطاعنة وقضى بتوقيع الحجر عليها. واستند في ذلك إلى القول بأنها - بسبب كبر سنها - قد أصبحت سهلة الانقياد ويمكن التأثير عليها وأن ولديها استغلا ذلك لمصلحتهما كل بعد الآخر وهذا الذي تقوله محكمة الاستئناف يقوم على خطأ في تسمية الشيء بغير اسمه وإعطائه وصفاً غير وصفه ويقوم كذلك على خطأ في تصور معنى الغفلة الموجبة للحجر ينطوي على خطأ في تطبيق أحكام القانون الخاصة بعارض الغفلة في ناحيتين إحداهما أنها وصفت موقف الطاعنة في البيع لابنها جان بعد أن استصدرت حكماً بطرده من الغرفة التي كان يقيم فيها مع أسرته بأنه موقف متناقض. ووصفت موقفها من كشف الحساب المؤرخ 21/ 4/ 1948 وأقوالها في شأن التصرف الذي صدر منها إلى ابنها "جان" والعوض الذي تقاضته منه بأنهما ينبئان عن عدم إدراك لتصرفاتها - مع أنه لم يكن شيء من ذلك يخاف على الطاعنة - وليس فيما قالته ما يدل على عدم إدراكها للتصرفات المنوه عنها - ولقد جر المحكمة إلى هذا الخطأ أنها لم تعمل على استجلاء ما غمض عليها من شئون - سواء من واقع أوراق الدعوى، أو من سؤال الطاعنة فيما اعتوره نقص من التحقيقات. والناحية الأخرى أن المحكمة الاستئنافية بسبب ما قام في ذهنها من وجود تناقض بين أقوال الطاعنة في شأن التصرف إلى ابنها "جان" في حد ذاته، وفي شأن العوض الذي تقاضته من هذا الابن - اعتبرتها من ذوي الغفلة ولكي تظهر قضاءها في مظهر المطابق لأحكام القانون قالت بأنها أصبحت في يد ابنيها يوجهها كل منهما الوجهة التي توافق مصلحته دون أن تفطن هي إلى غرض كل منهما وبغير أن تهتدي إلى مدى الأثر الذي ينتج عن هذه التصرفات... في حين أن الطاعنة لم تغفل عن شيء ولم توجه على الرغم منها إلى أي تصرف ولم يبد منها ما يدل على جهلها بمدى أي تصرف.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه قد أورد ما يأتي "وحيث إنه على العكس من ذلك فإن تصرفات المطلوب الحجر عليها حسبما تنم عنها أوراق الدعوى ومحاضر مناقشاتها سواء بتحقيقات النيابة أو أمام محكمة أول درجة أو بالجلسة أمام هذه المحكمة تفصح عن عدم اهتدائها لحقيقة هذه التصرفات وخضوعها لتأثير ابنيها "جورج" "وجان" الواحد بعد الآخر حسبما توحي بذلك الظروف في كل حالة وقد ترتب على ذلك الاضطراب والتناقض في أفعالها وأقوالها". ثم أشار الحكم إلى تصرفات الطاعنة مع ولديها جورج وجان من توكيلها للأول في إدارة أطيانها في سنة 1932 قرابة خمسة عشر عاماً انتهت بكشف حساب أقرت فيه بمديونيتها له في مبلغ 874 جنيهاً و498 مليماً إلى رفعها دعوى طرد ضد ابنها الثاني "جان" من منزلها حكم فيها لمصلحتها فتنازلت عن هذا الحكم ثم حررت له عقب ذلك عقداً ببيع نصف أطيانها إليه أعقبته بعزل ابنها الآخر من الوكالة واستطرد الحكم قائلاً إن الطاعنة عندما نوقشت في هذه التصرفات أنكرت ما أقرت به في كشف الحساب من نفقة دفعتها لابنها "جان" وتنكرت لما أقرت فيه من دين لابنها "جورج" مما يدل في نظر المحكمة - على أنها لم تفطن لفحوى كشف الحساب عند التوقيع عليه - ولم تدرك مدى تعهدها فيه - كما أن أقوالها قد اضطربت بصدد البيع الصادر منها لابنها "جان" فقد أنكرته في بادئ الأمر ثم عادت وقررت أنها لم تقبض فيه ثمناً ثم قالت بعد ذلك إنها قبضت ثمناً لم تستطع تحديده وبررت هذا البيع بأنه كان وفاء لديون عليها قام ولدها "جان" بأدائها عنها - قالت المحكمة إن هذه الديون تقل كثيراً عن ثمن الأطيان المبيعة وخلصت المحكمة من كل ذلك إلى القول "وحيث إن المحكمة تستخلص مما تقدم أن السيدة "نازلي ونيس نخنوخ" قد أصبحت لكبر سنها سهلة الانقياد، ويمكن التأثير عليها - وقد استغل ابناها "جورج" "وجان" هذه الحالة لديها إلى أقصى حد فجعلاها تجري تصرفات من شأنها مساءلتها عن ديون للأول وإخراج نصف أطيانها عن ملكها لمصلحة الثاني وذلك دون أن تفطن إلى غرض كل منهما من دفعها على ذلك، وبغير أن تهتدي إلى مدى الأثر الذي ينتج عن هذه التصرفات وفي ذلك ما يلحقها بذوي الغفلة ويوجب توقيع الحجر عليها". وهذا الذي استند إليه الحكم المذكور في توقيع الحجر على الطاعنة للغفلة لا يتفق مع التطبيق الصحيح للقانون ذلك أن الغفلة - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هي ضعف بعض الملكات الضابطة في النفس ترد على حسن الإدارة والتقدير ويترتب على قيامها بالشخص أن يغبن في معاملاته مع الغير. والتصرفات التي أخذ الحكم المطعون فيه الطاعنة بها إنما ترددت بينها وبين ولديها يحدو الطاعنة فيها طابع الأمومة بما جبلت عليه من العطف والرعاية حيناً والقسوة والزجر حيناً آخر تبعاً لما تستشعره هي تلقاءهما من أحاسيس الرضا والغضب دون أن يكون في تباين هذه التصرفات معهما أو مع أي منهما مظهر من مظاهر الاضطراب أو دليل على الانقياد وعدم الإدراك. ولما كان البيع الصادر من الطاعنة لولدها "جان" قد بررته هي - على ما ورد في الحكم المطعون فيه - بأن ابنها المتصرف إليه قد أدى عنها جميع الديون التي خلفها لها ابنها الآخر "جورج" وقت وكالته فإن قيام هذا الاعتبار لدى الطاعنة من شأنه أن يدفع عن هذا التصرف شبهة الاستئثار أو التسلط عليها مما ينأى به عن مجال الغفلة سواء كان الثمن المقدر للمبيع أقل من قيمته الحقيقة أو كان البيع قد حصل تبرعاً من الطاعنة لولدها المذكور طالما أنها لم تصدر في هذا التصرف إلا عن مصلحة تراها هي جديرة بالاعتبار. ومن ثم يكون النعي في محله ويتعين لذلك نقض الحكم المطعون فيه لهذا السبب دون حاجة لبحث السبب الثاني من أساس النعي.
وحيث إن موضوع الدعوى صالح للفصل فيه - ويبين مما سبق أن ما ساقه الحكم المطعون فيه من أسباب لا تصلح قانوناً لقيام عارض الغفلة بالطاعنة ومن ثم يكون الحكم المستأنف في محله ويتعين تأييده لأسبابه.

الاثنين، 17 يوليو 2023

الطعن 374 لسنة 24 ق جلسة 29 / 1 / 1959 مكتب فني 10 ج 1 ق 15 ص 108

جلسة 29 من يناير سنة 1959

برياسة السيد محمود عياد المستشار، وبحضور السادة: عثمان رمزي، وإبراهيم عثمان يوسف، ومحمد زعفراني سالم، ومحمد رفعت المستشارين.

-----------------

(15)
الطعن رقم 374 سنة 24 ق

استئناف. شكل الاستئناف "عريضة الاستئناف". 

لم يتطلب القانون صيغة معينة خاصة بعريضة الاستئناف مجرد تصدير العريضة بما يفيد إعدادها للإعلان لا يدل على أنه قصد بها أن تكون تكليفاً بالحضور. المواد 405، 406 مكرراً، 407، 407 مكرراً (1)، 407 مكرراً (2)، 408 من ق المرافعات.

-----------------
لم يتطلب القانون صيغة معينة خاصة لعريضة الاستئناف وإنما نص في المادة 405 معدلة من قانون المرافعات على بيانات أوجب أن تشملها العريضة، فإذا كان الواقع في الدعوى أن هذه البيانات كلها تضمنتها عريضة الاستئناف، وكان مجرد تصدير العريضة بما يفيد إعدادها للإعلان لا يدل على أنه قصد بها أن تكون تكليفاً بالحضور، وكان الطاعن قد توخى في الإجراءات التالية لتقديمها ما نصت عليه المواد 406 مكرراً، 407، و407 مكرراً (1)، 407 مكرراً (2)، 408 من قانون المرافعات المعدل بعضها والمضاف بعضها الآخر بالقانون رقم 264 سنة 1953 وترسم الخطوات المنصوص عليها فيها، فإن الاستئناف يكون قد رفع بعريضة طبقاً للأوضاع والإجراءات التي نصت عليها الفقرة الأولى من المادة 405 من قانون المرافعات وما بعدها، ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بغير ذلك قد خالف القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتلخص في أن المطعون عليه الأول رفع الدعوى رقم 484 سنة 49 كلي أمام محكمة الزقازيق الابتدائية على الطاعن والمطعون عليه الثاني طلب فيها الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع الصادر له من الطاعن بتاريخ 17 من يناير سنة 1949 ببيع 17 ف شيوعاً في 36 ف و2 ط و10 س مقابل ثمن مقداره 765 جنيهاً وبإبطال عقد البيع المسجل برقم 1526 بتاريخ 11 من مارس سنة 1951 الصادر من الطاعن ببيع نفس هذه المساحة للمطعون عليه الثاني شيوعاً في 25 ف و8 ط و2 س ومحو ما ترتب عليه من تسجيلات وتأشيرات فيما زاد عن 8 ف و8 ط و2 س. وبتاريخ 13/ 4/ 1953 حكمت المحكمة بصحة التعاقد الحاصل بموجب عقد البيع الصادر من الطاعن للمطعون عليه الأول وبرفض طلب إبطال البيع الصادر من الطاعن للمطعون عليه الثاني. فاستأنف الطاعن هذا الحكم بصحيفة أعلنت في 16، 18 من أغسطس سنة 1953 طالباً إلغاءه بالنسبة للشق الأول ورفض دعوى المطعون عليه الأول واحتياطياً إلزام هذا الأخير بدفع الثمن كله مع إلزامه بالمصاريف والأتعاب عن الدرجتين قيد استئنافه أمام محكمة استئناف المنصورة برقم 256 سنة 50 ق. وبتاريخ 2 من أغسطس سنة 1954 حكمت المحكمة حضورياً بعدم قبول الاستئناف شكلاً - فقرر الطاعن بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض وبعد استيفاء الإجراءات قدمت النيابة العامة مذكرة طلبت فيها عدم قبول الطعن شكلاً بالنسبة للمطعون عليه الثاني لبطلان إعلانه بتقرير الطعن وقبوله بالنسبة للمطعون عليه الأول ونقض الحكم. وبتاريخ 11 من نوفمبر سنة 1958 عرض الطعن على دائرة فحص الطعون وصممت النيابة على ما جاء بمذكرتها فقررت الدائرة إحالته إلى هذه الدائرة لنظره بجلسة 25 من ديسمبر سنة 1958 وفيها أصرت النيابة على رأيها.
وحيث إن مبنى الدفع بعدم قبول الطعن شكلاً بالنسبة المطعون عليه الثاني أن هذا الأخير أعلن بتقرير الطعن مخاطباً مع شيخ الناحية لغيابه وغلق محله ولم يثبت المحضر في ورقة الإعلان الخطوات السابقة لتسليم الصورة إلى شيخ الناحية مما يترتب عليه بطلان هذا الإعلان.
وحيث إن هذا الدفع في محله، ذلك أنه يبين من الاطلاع على ورقة إعلان الطعن إلى المطعون عليه الثاني أن المحضر انتقل في يوم 2/ 11/ 1954 إلى محل إقامته بناحية قصاصين السباخ مركز كفر صقر وأعلنه مخاطباً مع شيخ الناحية حسن عبد العال لغيابه وغلق محله دون أن يثبت في محضر الإعلان الخطوات التي سبقت تسليم الصورة إلى شيخ الناحية كما تقضي بذلك المادتان 11، 12 من قانون المرافعات. فمن ثم يكون هذا الإعلان باطلاً طبقاً لنص المادة 24 من قانون المرافعات، ويتعين لذلك الحكم بعدم قبول الطعن شكلاً بالنسبة للمطعون عليه الثاني.
وحيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية بالنسبة للمطعون عليه الأول.
وحيث إن مبنى الطعن مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون ذلك أنه أقام قضاءه على أن الطاعن اختار لرفع استئنافه طريقة التكليف بالحضور المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 405 من قانون المرافعات في حين أنه كان يتعين عليه رفع الاستئناف بعريضة وفقاً لنص الفقرة الأولى من المادة المذكورة واستند الحكم في قضائه هذا إلى أن الورقة التي اشتملت على استئناف الحكم هي تكليف بالحضور وإن كان قد خلا من ذكر اليوم والساعة المحددين للحضور فهو تكليف باطل إلا أن بطلانه لا يحيله إلى عريضة تقدم إلى قلم الكتاب. ويقول الطاعن إن الحكم أخطأ تطبيق القانون ذلك أنه - الطاعن - إنما قدم استئنافه بعريضة وفقاً لنص الفقرة الأولى من المادة 405 مرافعات وأن القانون لم يستلزم أوضاعاً خاصة لتحرير العريضة. ومما يؤكد تقديم الاستئناف بعريضة لا بتكليف بالحضور أن الطاعن قد راعى في باقي الإجراءات ما يتطلبه القانون في هذا الخصوص. ذلك أنه قام بإعلان الاستئناف خلال ميعاد الثلاثين يوماً المنصوص عليه في المادة 406 مكرراً كما قدم مذكرته ومستنداته خلال ميعاد الأربعين يوماً المنصوص عليه في المادة 407 من القانون. ولما انتهت المواعيد المنصوص عليها في المادة 407 مكرر (1) أعذر المطعون عليهما بوجوب إيداع مستنداتهما ومذكراتهما في الميعاد وإلا اعتبر الحكم حضورياً. وبعد فوات المواعيد الخاصة بتحضير الدعوى بقلم الكتاب قدمت القضية للمرافعة.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه قد أورد ما يأتي: "وحيث إن الورقة التي اشتملت على استئناف الحكم هي تكليف بالحضور وإن كان قد خلا من ذكر اليوم والساعة المحددين للحضور فهو تكليف باطل إلا أن بطلانه لا يحيله إلى عريضة تقدم إلى قلم الكتاب... ومتى كان الاستئناف قد رفع بتكليف بالحضور في غير حالاته وكان هذا التكليف باطلاً - ومتى كان متعيناً في خصوص هذه الدعوى أن يرفع الاستئناف فيها بعريضة تقدم إلى قلم كتاب المحكمة فإن رفع الاستئناف على خلاف القانون يجعله متعين البطلان ومن ثم يكون الاستئناف غير مقبول شكلاً". وهذا الذي أقام الحكم قضاءه عليه مخالف للقانون. ذلك أن القانون لم يتطلب صيغة معينة خاصة بعريضة الاستئناف وإنما نص في المادة 405 معدلة من قانون المرافعات على بيانات أوجب أن تشملها العريضة، وهذه البيانات كلها تضمنتها عريضة هذا الاستئناف ولا يدل مجرد تصدير العريضة بما يفيد إعدادها للإعلان على أنه قصد بها أن تكون تكليفاً بالحضور. ومما يؤيد أن هذا الاستئناف قد رفع بعريضة أن الطاعن قد توخى في الإجراءات التالية لتقديمها ما نصت عليه المواد 406 مكرراً و407 و407 مكرراً (1)، 407 مكرراً (2)، 408 من قانون المرافعات المعدل بعضها والمضاف بعضها الآخر بالقانون رقم 264 لسنة 1953 وترسم الخطوات المنصوص عليها فيها إذ يبين من الاطلاع على الصورة الرسمية لعريضة الاستئناف والشهادة الرسمية المستخرجة من قلم كتاب محكمة استئناف المنصورة والصورة الرسمية للأعذار وكلها مقدمة من الطاعن بملف الطعن - أن الطاعن تقدم بعريضة الاستئناف إلى قلم كتاب محكمة الاستئناف بتاريخ 16 من أغسطس سنة 1953 ثم قام بإعلان الاستئناف إلى المطعون عليهما في يومي 16، 18 من أغسطس سنة 1958 قبل مضي الميعاد المحدد بنص القانون لهذا الإجراء وبعد تمام الإعلان وتسليم ورقتيه إلى قلم الكتاب أودع الطاعن مستنداته ومذكراته في المواعيد المحددة له، ولما لم يقم أي من المطعون عليهما بإيداع مذكرة بدفاعه في المواعيد المحددة لهما أعاد الطاعن إعلانهما في الميعاد بوجوب إيداع هذه المذكرة وإلا يصبح الحكم الذي يصدر في الدعوى حضورياً وعلى هذا النحو يكون الاستئناف قد رفع بعريضة طبقاً للأوضاع والإجراءات التي نصت عليها الفقرة الأولى من المادة 405 من قانون المرافعات وما بعدها من المواد المعدلة والمضافة بالقانون رقم 264 لسنة 1953 ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بغير ذلك قد خالف القانون ويتعين لذلك نقضه.

الطعن 633 لسنة 9 ق جلسة 27 / 10 / 1968 إدارية عليا مكتب فني 14 ج 1 ق 1 ص 1

جلسة 27 من أكتوبر سنة 1968

برئاسة السيد الأستاذ مصطفى كامل إسماعيل نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد مختار العزبي ومحمد فتح الله بركات وسليمان محمود جاد وإبراهيم خليل الشربيني المستشارين.

----------------

(1)

القضية رقم 633 لسنة 9 القضائية

موظف - خطأ - مسئولية - قيام الموظف بالعمل طواعية واختياراً مجاملة لزميله أثناء غيابه - يلقي عليه تبعات هذا العمل ومسئولياته كاملة - أساس ذلك.
إن المدعي وإن لم يكلف بصفة رسمية الحلول محل زميله بالإشراف على المنحل مدة غيابه إلا أنه قد قام بهذا العمل فعلاً باختياره مجاملة منه لهذا الزميل, ولم تعترض إدارة المدرسة على ذلك لأن وجود المدعي أو زميله يحقق الغرض الذي من أجله وزع العمل عليهما خلال العطلة باعتبارهما مختصين بتدريس فلاحة البساتين وبالتالي بالإشراف على المنحل وقيام المدعي بالإشراف على المنحل محل زميله المذكور في العطلة الصيفية طواعية واختياراً يلقي على المدعي تبعات هذا العمل ومسئولياته كاملة ولا يحله من التزامه بالعناية به، كما لا يعفيه من وجوب قيامه بالإشراف الفعلي المنتج دون تراخ أو إهمال، ذلك أن المسئولية الإدارية إنما ترتبط بالإخلال بالواجب وتتولد عنه فتتحقق بوقوع الإهمال، بوصفه السبب المنشئ لها ولا يتوقف كيانها وجوداً أو عدماً - متى توفرت أركانها المادية والقانونية على أن الموظف الذي وقع منه الإخلال بالواجب يقوم بالعمل طواعية واختياراً بدلاً من زميل له إذ يجب على الموظف أن يولي العمل الذي يقوم به، العناية الكافية لتحقيق الغرض منه، بصرف النظر عن ظروف إسناده إليه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة, تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أن المدعي أقام الدعوى رقم 397 لسنة 8 القضائية, ضد وزارة التربية والتعليم بعريضة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم، في 17 من يونيه سنة 1961، بناء على قرار صادر لصالحه بجلسة 17 من إبريل سنة 1961 من لجنة المساعدة القضائية، بالمحكمة الإدارية المذكورة، في طلب الإعفاء رقم 330 لسنة 8 القضائية، المقدم منه ضد وزارة التربية والتعليم في 21 من مارس سنة 1961 وطلب في عريضة الدعوى "الحكم بصفة مستعجلة، بوقف تنفيذ القرار الصادر بمجازاته وبخصم ثمن المنحل من مرتبه، وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار" وقال بياناً لدعواه إنه كان يعمل مدرساً في سنة 1952 بمدرسة صهرجت الكبرى الابتدائية وقد وزع العمل بها في العطلة الصيفية بينه وبين زميله السيد/ محمد عبد الحميد إبراهيم فقام هو بالعمل في النصف الأول من هذه العطلة وقام بالعمل في نصفها الثاني زميله الذي تسلم منحل المدرسة منه سليماً وبحالة جيدة وفي أثناء قيام الزميل المذكور بالعمل أتلفته حشرة الدبور الموجودة بكثرة في النخيل المجاور لمكان المنحل وأضاف المدعي أنه فوجئ في يناير سنة 1961 بإبلاغه بخصم أجر يوم من مرتبه وكذلك بخصم مبلغ 24.200 مليمجـ قيمة نصف ثمن المنحل وقد بدئ بالخصم فعلاً اعتباراً من مرتب شهر فبراير سنة 1961 في حين أنه غير مسئول عن تلف المنحل لوجوده في إجازة وقت حصول هذا التلف. ومن ثم فقد أقام هذه الدعوى وقد أجابت الوزارة المدعى عليها عن الدعوى بأن المهندس الزراعي بمنطقة المنصورة التعليمية، توجه بصحبة مرشد النحل في يوم 23 من سبتمبر سنة 1952 إلى مدرسة صهرجت الكبرى الابتدائية النموذجية لفرز العسل من منحلها فلم يجدا به عسلاً أو نحلاً، وإنما وجدا جثث نحل وشنافير "فقدما تقريراً بذلك إلى المنطقة التي أحالت الموضوع إلى النيابة الإدارية التي تولت تحقيقه في القضية رقم 220 لسنة 1960 وانتهت إلى قيد الواقعة مخالفة مالية ضد كل من المدعي والسيد محمد عبد الحميد إبراهيم" لأنهما خلال شهري أغسطس وسبتمبر سنة 1952 بمدرسة صهرجت الكبرى النموذجية بصفتهما مدرسين للفلاحة بالمدرسة ومنوطا بهما الإشراف على منحل المدرسة، ارتكبا تقصيراً, أدى إلى ضياع حق من الحقوق المالية للدولة وذلك بأن أهملا في مراقبة وصيانة المنحل المذكور مما أدى إلى هلاك النحل وفقد العسل "وبناء على ذلك قررت المنطقة في 28 من ديسمبر سنة 1960 مجازاة كل من المدرسين المذكورين بخصم أجر يوم من ماهية كل منهما مع إلزامهما مناصفة بدفع مبلغ 48.400 مليمجـ، قيمة خلايا النحل التالفة والعسل المفقود وقد أعلن المدعي بهذا القرار في 18 من يناير سنة 1961 فتظلم منه ببرقية وبعد بحث هذا التظلم قررت المنطقة حفظه وأبلغته بذلك في 6 من فبراير سنة 1961 وقد قدم المدعي إلى هيئة مفوضي الدولة بجلسة 25 من يونيه سنة 1962 تحضير، مذكرة بدفاعه قال فيها إن التحقيق الذي أجري في موضوع تلف المنحل قد أسفر عن ثلاث حقائق هي:
1 - إن المدعي قام بمراقبة المنحل حتى آخر يوليه سنة 1952.
2 - إن السيد / محمد عبد الحميد إبراهيم هو الذي كان منوطاً بمراقبة المنحل من أول أغسطس سنة 1952 حتى آخر العطلة الصيفية.
3 - إن المهندس الزراعي وجد المنحل بحالة طيبة عندما زار المدرسة في 16 من أغسطس سنة 1952 فيكون المنحل قد تلف بعد هذا التاريخ. وخلص المدعي من هذا إلى أنه غير مسئول عن تلف المنحل، وإنما يسأل عنه زميله ولا يغير من ذلك دفاع هذا الأخير بأنه كان في مدة مراقبته للمنحل متغيباً بإذن من ناظر المدرسة, وأن المدعي حل محله في المراقبة إذ أنه دفاع غير مقبول، لأن إذن ناظر المدرسة عبارة عن خطاب مؤرخ 11 من أغسطس سنة 1952 صادر منه إلى الزميل المذكور, وهو خطاب شخصي لا رسمي, حرره ناظر المدرسة وهو في إجازة, لا يملك حلاً ولا عقداًَ في هذا الشأن، وأن الموظف المختص بإدارة المدرسة في ذلك الوقت لم يخاطب في هذا الخصوص ولم يكلف المدعي رسمياً من ناظر المدرسة أو من سواه بالإشراف على المنحل في شهري أغسطس وسبتمبر سنة 1952, وأضاف المدعي أن النيابة الإدارية حملت زميله مسئولية تلف المنحل, ولم تعتبر غيابه مرخصاً فيه، وهو ما يكفي لنفي المسئولية عن المدعي, إلا أن النيابة المذكورة انتهت إلى مسئوليته تأسيساً على أنه قام بالعمل فعلاً, حسبما هو ثابت من إشاراته التي أرسلها إلى المنطقة في شهري أغسطس وسبتمبر في شأن المنحل, مع أنه إنما أرسل تلك الإشارات من قبيل الفضالة أو التطوع, مدفوعاً إلى ذلك باهتمامه بالمنحل، ووجوده بالبلدة, باعتباره من أهالي صهرجت ونعى المدعي على قيام الوزارة بخصم نصف قيمة المنحل من مرتبه مخالفته للقانون، لأن الخصم من المرتب طبقاً لأحكام القانون رقم 111 لسنة 1951 بشأن عدم جواز الحجز، على مرتبات الموظفين والقوانين المعدلة له, مقصور على ما يكون مطلوباً لجهة الإدارة من الموظف "بسبب يتعلق بأداء وظيفته" وهو ما لا يتسع لثمن المنحل ومن ثم فقد كان يتعين على الوزارة أن تلجأ إلى القضاء للحصول على المبلغ الذي قامت بخصمه من مرتبه خاصة وأن المنحل لا يعتبر من العهد الشخصية التي يجوز خصم قيمتها من المرتب، كما أن التعويض عن الضرر، دين احتمالي لا يثبت إلا بثبوت المسئولية التقصيرية لكل أركانها واختتم المدعي مذكرته بأن تعهده كتابة بدفع ثمن المنحل, لا أثر له في مركزه القانوني الذاتي باعتبار هذا التعهد من الاتفاقات الخاصة كما أنه لا يهدر حقه في المنازعة في مسئوليته عن تلف المنحل, ولا يسقط حقه في الحماية المستمدة من مبدأ عدم التزام الموظف بالضرر - ولو كان مخطئاً - إذا كان خطؤه خطأ مصلحياً هذا إلى أن التعهد المذكور لا يجيز للوزارة الخصم التلقائي من المرتب وقد تنازل المدعي عن طلب وقف التنفيذ بجلسة 19 من نوفمبر سنة 1961 إذ كان الاستقطاع قد تم بالنسبة إلى كل المبلغ المقرر خصمه من مرتبه. وبجلسة 14 من فبراير سنة 1963 قضت المحكمة "أولاً: بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد بالنسبة إلى طلب إلغاء القرار الصادر من المنطقة التعليمية بتاريخ 28 من ديسمبر سنة 1960 فيما تضمنه من مجازاة المدعي بخصم يوم من راتبه وألزمت المدعي مصروفات هذا الطلب. ثانياً: بعدم أحقية المدعى عليها في الخصم من راتب المدعي، وفاء لنصف قيمة ثمن النحل والعسل، وبأحقية المدعي في استرداد ما خصم منه لهذا السبب, وألزمت المدعى عليها مصروفات هذا الطلب". وأقامت قضاءها على أن الدعوى تضمنت طلبين الأول خاص بإلغاء قرار الجزاء الصادر بخصم يوم من مرتب المدعي, وقد أقيمت الدعوى به بعد الميعاد المقرر قانوناً فهو غير مقبول شكلاً، والطلب الثاني خاص - باسترداد ما خصم من راتب المدعي وفاء لنصف قيمة ثمن المنحل والعسل وقد ثبت من التحقيقات أن التلف الذي أصاب المنحل, قد وقع في المدة التي كان خلالها السيد/ محمد عبد الحميد إبراهيم مسئولاً عن المنحل، ولم يكلف المدعي رسمياً مراقبة المنحل إبان المدة المذكورة، ومن ثم فإنه لا يكون قد أخطأ خطأً شخصياً، يجعله مسئولاً عن تعويض الضرر الناشئ عنه.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الثابت من التحقيقات، أن المدعي قد قبل أن يحل محل زميله السيد/ محمد عبد الحميد إبراهيم في عمله - خلال شهري أغسطس وسبتمبر سنة 1952 في أثناء مرض هذا الزميل وسفره إلى القاهرة للعلاج، وأن المدعي قام فعلاً بعمل زميله المذكور كما قرر ناظر المدرسة، وكما هو ثابت من الإشارات التي أرسلها المدعي إلى المنطقة في شأن إعداد الصفائح اللازمة لجني العسل، وقد ثبت إهمال هذا الأخير في الإشراف على العمال في الشهرين المذكورين، من تقرير مراقبة فلاحة البساتين المرفق بأوراق التحقيق إذ جاء بهذا التقرير. أن ما أصاب المنحل من تلف، ماثل في هجر النحل لخلاياه، وأن فقدان العسل، يرجع إلى مهاجمة الدبور للنحل نتيجة لزحزحة خلاياه من فوق قواعدها، وتحريك الأغطية من فوقها، لأن العمال - الذين كانوا يقاومون الدبور - كانوا يضربونه فوق الخلايا من كل جوانبها، بعراجين البلح الجافة، وقد أدى ذلك إلى تحريك الصناديق فوق قواعدها ومن ثم تمكن الدبور - من دخول الخلايا ويبين من ذلك توفر أركان المسئولية، من خطأ وضرر وعلاقة سببية بينهما في جانب المدعي، كما يبين أن الوزارة الطاعنة محقة في خصم نصف قيمة المنحل من مرتبه، بسبب تعلق المبلغ المخصوم بأداء وظيفته.
ومن حيث إنه يبين من استقراء ملف التحقيقات التي أجريت في شأن تلف منحل مدرسة صهرجت الكبرى الابتدائية , أن إدارتها قامت بتوزيع الإشراف على المنحل في عطلة صيف سنة 1952، بين مدرسي فلاحة البساتين بها، وهما المدعي والسيد/ محمد عبد الحميد إبراهيم , الأول في شهر يوليه سنة 1952والثاني في شهري أغسطس وسبتمبر سنة 1952 بيد أن هذا الأخير اضطر إلى التغيب عن المدرسة بسبب سفره إلى القاهرة، في 11 من أغسطس سنة 1952 للعلاج من مرض ألم به، بعد أن رخص له ناظر المدرسة - الذي كان في إجازة - في السفر للعلاج على أن يتولى المدعي الإشراف على المنحل بدلاً من هذا الزميل الذي تغيب عن المدرسة من ذلك التاريخ إلى أن استدعي من قريته - شبرا حلفون - لحضور عملية فرز العسل التي كان محدداً لها يوم 23 و24 من أغسطس سنة 1952 فحضر إلى المدرسة، ثم تغيب بعد أن أجل فرز العسل ولم يحضر إلى المدرسة إلا بعد أن استدعي ثانية لحضور عملية فرز العسل في 23 من سبتمبر سنة 1952، كما يبين أن المنحل ظل بحالة جيدة حتى يوم 16 من أغسطس سنة 1952 - حسبما قرر المهندس الزراعي المختص إثر زيارته للمدرسة في ذلك التاريخ - ويبين أيضاً أن المدعي كان يتولى الإشراف على المنحل في أثناء غياب زميله عن المدرسة في شهري أغسطس وسبتمبر سنة 1952، وأن المدعي أرسل عدة إشارات تليفونية إلى المنطقة التعليمية المختصة في شأن المنحل في 25 من أغسطس و9 و13 من سبتمبر سنة 1952، وأخيراً ثابت بالأوراق أن المدعي وزميله قد تعهدا بدفع القيمة التي قدرت تعويضاً عن ثمن المنحل.
ومن حيث إن المدعي وإن لم يكلف بصفة رسمية الحلول محل زميله في الإشراف على المنحل مدة غيابه إلا أنه قد قام بهذا العمل فعلاً باختياره مجاملة منه لهذا الزميل، ولم تعترض إدارة المدرسة على ذلك لأن وجود المدعي أو زميله يحقق الغرض الذي من أجله وزع العمل عليهما خلال العطلة باعتبارهما مختصين بتدريس فلاحة البساتين وبالتالي بالإشراف على المنحل.
ومن حيث إن قيام المدعي بالإشراف على المنحل محل زميله المذكور في العطلة الصيفية طواعية واختياراً يلقي على المدعي تبعات هذا العمل ومسئولياته كاملة و لا يحله من التزامه بالعناية به، كما لا يعفيه من وجوب قيامه بالإشراف الفعلي المنتج دون أي تراخ أو إهمال، ذلك، إن المسئولية الإدارية إنما ترتبط بالإخلال بالواجب وتتولد عنه فتتحقق بوقوع الإهمال، بوصفه السبب المنشئ لها ولا يتوقف كيانها وجوداً أو عدماً - متى توفرت أركانها المادية والقانونية على أن الموظف الذي وقع منه الإخلال بالواجب يقوم بالعمل طواعية واختياراً بدلاً من زميل له إذ يجب على الموظف أن يولي العمل الذي يقوم به، العناية الكافية لتحقيق الغرض منه، بصرف النظر عن ظروف إسناده إليه.
ومن حيث إنه يؤخذ من التحقيقات أن المدعي قد أخطأ خطأ شخصياً مرده إلى عدم عنايته في القيام بأداء أعمال وظيفته، إذ قصر في الإشراف على المنحل ولم يحسن توجيه العاملين المكلفين بحمايته من حشرة الدبور في مقاومة هذه الحشرة بالطريقة السليمة بل فرط في مراقبتهم وإرشادهم فشارك بهذا الخطأ في تلف المنحل، وقد نشأ عن ذلك ضرر قدر المختصون بمنطقة المنصورة التعليمية قيمته ونصيب المدعي فيه، وأقر المذكور سلامة هذا التقدير حين تعهد بدفع نصيبه في قيمة الضرر، ولما لم يقم بالوفاء بتعهده، قامت الوزارة باستقطاع المبلغ المستحق عليه من مرتبه بالتطبيق لأحكام القانون رقم 111 لسنة 1951 معدلاً بالقانون رقم 324 لسنة 1956 الذي تجيز أحكامه لجهة الإدارة خصم المبالغ المستحقة لها لدى الموظف بسبب يتعلق بأداء وظيفته في الحدود التي أوضحتها أحكام هذا القانون.
ومن حيث إنه، بناء على ما تقدم، يكون اعتبار المدعي شريكاً في المسئولية عن تلف المنحل وتقدير قيمة الضرر، الناشئ عن هذا التلف، ونصيب المدعي في هذه القيمة، وخصمه من مرتبه، يكون كل أولئك، على أساس سليم من القانون وبالتالي يكون ما قضى به الحكم المطعون فيه على خلاف هذا النظر في هذا الشق من طلبات المدعي قد جانب الصواب في تأويل القانون وتطبيقه، ومن ثم يتعين القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم أحقية المدعى عليها في الخصم من راتب المدعي، وفاء لنصف قيمة ثمن النحل والعسل ومن أحقيته في استرداد ما خصم منه لهذا السبب ومن إلزام المدعى عليها بمصروفات هذا الطلب، ورفض الدعوى في خصوص الطلب المذكور مع إلزام المدعي بمصروفاته.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه أولاً: بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم أحقية المدعى عليها في الخصم من راتب المدعي وفاء لنصف قيمة ثمن النحل والعسل ومن أحقيته في استرداد ما خصم منه لهذا السبب ومن إلزام المدعى عليها بمصروفات هذا الطلب (ثانياً) برفض هذا الطلب وألزمت المدعي بمصروفاته.