الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 18 يوليو 2023

الطعن 4 لسنة 27 ق جلسة 29 / 1 / 1959 مكتب فني 10 ج 1 أحوال شخصية ق 16 ص 113

جلسة 29 من يناير سنة 1959

برياسة السيد المستشار محمود عياد. وبحضور السادة: عثمان رمزي، وإبراهيم عثمان يوسف، ومحمد رفعت، وعباس حلمي سلطان المستشارين.

-----------------

(16)
الطعن رقم 4 سنة 27 (أحوال شخصية)

أهلية. "عوارض الأهلية". "الغفلة". تعريف الغفلة. 

استناد الحكم في توقيع الحجر للغفلة إلى تصرفات ترددت بين أم وولديها أن يكون في تباينها مظهر من مظاهر الاضطراب أو دليل على الانقياد وعدم الإدراك. قيام اعتبارات من شأنها أن تدفع عن تصرفاتها شبهة الاستئثار أو التسلط عليها. صدورها عن مصلحة ارتأتها هي جديرة بالاعتبار. يجعل الحكم مقاماً على أساس يخالف القانون.

----------------
الغفلة - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هي ضعف بعض الملكات الضابطة في النفس ترد على حسن الإدارة والتقدير ويترتب على قيامها بالشخص أن يغبن في معاملاته مع الغير. وإذن فمتى كانت التصرفات التي أخذ الحكم المطعون فيه الطاعنة بها إنما ترددت بينها وبين ولديها يحدو الطاعنة فيها طابع الأمومة بما جبلت عليه من العطف والرعاية تبعاً لما تستشعره هي تلقاءهما من أحاسيس الرضا والغضب دون أن يكون في تباين هذه التصرفات معها أو مع أي منهما مظهر من مظاهر الإضراب أو دليل على الانقياد وعدم الإدراك، وكان البيع الصادر من الطاعنة لأحد ولديها قد بررته هي - على ما ورد في الحكم المطعون فيه بأن ابنها المتصرف إليه قد أدى عنها جميع الديون التي خلفها لها ابنها الآخر وقت وكالته، فإن قيام هذا الاعتبار لدى الطاعنة من شأنه أن يدفع عن هذا التصرف شبهة الاستئثار أو التسلط عليها مما ينأى به عن مجال الغفلة سواء كان الثمن المقدر للمبيع أقل من قيمته الحقيقية أو كان البيع قد حصل تبرعاً من الطاعنة لولدها المذكور طالما أنها لم تصدر في هذا التصرف إلا عن مصلحة تراها هي جديرة بالاعتبار، لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه يكون قد استند في قضائه بتوقيع الحجر على الطاعنة للغفلة على أساس مخالف للقانون مما يستوجب نقضه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون عليه قدم بتاريخ 22/ 11/ 1955 طلباً إلى نيابة القاهرة الكلية للأحوال الشخصية للحجر على والدته الطاعنة للعته والغفلة والسفه نظراً لأن شقيقه جان يعقوب ديون يستغل كهولتها وضعف صحتها وعدم إدراكها حتى حملها على التجرد من أكثر من نصف ما تمتلك من الأطيان بأن حررت له عقداً ببيع 16 ف من 31 ف تمتلكها لا تعرف عن ثمنها شيئاً وبعد أن قامت النيابة بتحقيق هذا الطلب قدمته إلى محكمة القاهرة الكلية للأحوال الشخصية حيث قيد بجدولها تحت رقم 322 ق سنة 1955 وايلي وبتاريخ 25/ 6/ 1956 حكمت المحكمة برفض طلب توقيع الحجز وألزمت المطعون عليه الأول بالمصاريف فاستأنف الأخير هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة تحت رقم 44 سنة 1956 أحوال شخصية طالباً إلغاءه وتوقيع الحجر على الطاعنة. وبتاريخ 2 من يناير سنة 1957 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المذكور وبتوقيع الحجر على الطاعنة للغفلة وجعلت المصروفات عن الدرجتين على عاتق القوامة وأمرت بإعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة للنظر في أمر تعيين القيم فطعنت الطاعنة في هذا الحكم بتاريخ 20 من يناير سنة 1957 بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة طلبت فيها نقض الحكم. وبتاريخ 29 من إبريل سنة 1958 عرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت إحالته على الدائرة المدنية والتجارية ومسائل الأحوال الشخصية لنظره وبتاريخ 5 من مايو سنة 1958 أمر السيد رئيس المحكمة بإعلان تقرير الطعن إلى المطعون عليهما وحدد لهما خمسة عشر يوماً من تاريخ إعلانهما لإيداع مذكرة بدفاعهما مشفوعة بالمستندات التي يريان تقديمها وللنيابة الواحد وعشرين يوماً التالية لإبداء رأيها في هذا الطعن. وبتاريخ 18 من مايو سنة 1958 أودعت الطاعنة مذكرة شارحة لأسباب الطعن وبتاريخ 25، 27 من مايو سنة 1958 أعلن المطعون عليهما بتقرير الطعن. وبتاريخ 9 من يونيه سنة 1958 قدم المطعون عليه الأول مذكرة بدفاعه طلب فيها رفض الطعن ثم قدمت النيابة العامة مذكرة ثانية أصرت فيها على رأيها السابق وحدد رئيس المحكمة بعد ذلك جلسة أول يناير سنة 1959 أمام هذه الدائرة لنظر الطعن وفيها صممت النيابة على رأيها.
وحيث إن الطعن يقوم على سببين حاصل أولهما خطأ الحكم في تطبيق القانون وتأويله ذلك أن ذا الغفلة - كما عرفه فقهاء الشريعة الإسلامية وكما استقرت على وصفه أحكام القضاء - هو الذي لا يهتدي إلى التصرفات الرابحة فيغبن في المبايعات لسلامة قلبه، مع كونه غير مفسد ولا قاصد للفساد وقد قام الحكم الابتدائي الذي صدر برفض طلب الحجر على الطاعنة للغفلة على فهم صحيح لمعنى الغفلة - ولكن الحكم الاستئنافي جانب الصواب، فصور للغفلة معنى آخر غير المعنى الذي انعقد عليه الإجماع في الشريعة، وفي فقه القانون وفي أحكام المحاكم ولذلك اعتبر عارض الغفلة قائماً بالطاعنة وقضى بتوقيع الحجر عليها. واستند في ذلك إلى القول بأنها - بسبب كبر سنها - قد أصبحت سهلة الانقياد ويمكن التأثير عليها وأن ولديها استغلا ذلك لمصلحتهما كل بعد الآخر وهذا الذي تقوله محكمة الاستئناف يقوم على خطأ في تسمية الشيء بغير اسمه وإعطائه وصفاً غير وصفه ويقوم كذلك على خطأ في تصور معنى الغفلة الموجبة للحجر ينطوي على خطأ في تطبيق أحكام القانون الخاصة بعارض الغفلة في ناحيتين إحداهما أنها وصفت موقف الطاعنة في البيع لابنها جان بعد أن استصدرت حكماً بطرده من الغرفة التي كان يقيم فيها مع أسرته بأنه موقف متناقض. ووصفت موقفها من كشف الحساب المؤرخ 21/ 4/ 1948 وأقوالها في شأن التصرف الذي صدر منها إلى ابنها "جان" والعوض الذي تقاضته منه بأنهما ينبئان عن عدم إدراك لتصرفاتها - مع أنه لم يكن شيء من ذلك يخاف على الطاعنة - وليس فيما قالته ما يدل على عدم إدراكها للتصرفات المنوه عنها - ولقد جر المحكمة إلى هذا الخطأ أنها لم تعمل على استجلاء ما غمض عليها من شئون - سواء من واقع أوراق الدعوى، أو من سؤال الطاعنة فيما اعتوره نقص من التحقيقات. والناحية الأخرى أن المحكمة الاستئنافية بسبب ما قام في ذهنها من وجود تناقض بين أقوال الطاعنة في شأن التصرف إلى ابنها "جان" في حد ذاته، وفي شأن العوض الذي تقاضته من هذا الابن - اعتبرتها من ذوي الغفلة ولكي تظهر قضاءها في مظهر المطابق لأحكام القانون قالت بأنها أصبحت في يد ابنيها يوجهها كل منهما الوجهة التي توافق مصلحته دون أن تفطن هي إلى غرض كل منهما وبغير أن تهتدي إلى مدى الأثر الذي ينتج عن هذه التصرفات... في حين أن الطاعنة لم تغفل عن شيء ولم توجه على الرغم منها إلى أي تصرف ولم يبد منها ما يدل على جهلها بمدى أي تصرف.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه قد أورد ما يأتي "وحيث إنه على العكس من ذلك فإن تصرفات المطلوب الحجر عليها حسبما تنم عنها أوراق الدعوى ومحاضر مناقشاتها سواء بتحقيقات النيابة أو أمام محكمة أول درجة أو بالجلسة أمام هذه المحكمة تفصح عن عدم اهتدائها لحقيقة هذه التصرفات وخضوعها لتأثير ابنيها "جورج" "وجان" الواحد بعد الآخر حسبما توحي بذلك الظروف في كل حالة وقد ترتب على ذلك الاضطراب والتناقض في أفعالها وأقوالها". ثم أشار الحكم إلى تصرفات الطاعنة مع ولديها جورج وجان من توكيلها للأول في إدارة أطيانها في سنة 1932 قرابة خمسة عشر عاماً انتهت بكشف حساب أقرت فيه بمديونيتها له في مبلغ 874 جنيهاً و498 مليماً إلى رفعها دعوى طرد ضد ابنها الثاني "جان" من منزلها حكم فيها لمصلحتها فتنازلت عن هذا الحكم ثم حررت له عقب ذلك عقداً ببيع نصف أطيانها إليه أعقبته بعزل ابنها الآخر من الوكالة واستطرد الحكم قائلاً إن الطاعنة عندما نوقشت في هذه التصرفات أنكرت ما أقرت به في كشف الحساب من نفقة دفعتها لابنها "جان" وتنكرت لما أقرت فيه من دين لابنها "جورج" مما يدل في نظر المحكمة - على أنها لم تفطن لفحوى كشف الحساب عند التوقيع عليه - ولم تدرك مدى تعهدها فيه - كما أن أقوالها قد اضطربت بصدد البيع الصادر منها لابنها "جان" فقد أنكرته في بادئ الأمر ثم عادت وقررت أنها لم تقبض فيه ثمناً ثم قالت بعد ذلك إنها قبضت ثمناً لم تستطع تحديده وبررت هذا البيع بأنه كان وفاء لديون عليها قام ولدها "جان" بأدائها عنها - قالت المحكمة إن هذه الديون تقل كثيراً عن ثمن الأطيان المبيعة وخلصت المحكمة من كل ذلك إلى القول "وحيث إن المحكمة تستخلص مما تقدم أن السيدة "نازلي ونيس نخنوخ" قد أصبحت لكبر سنها سهلة الانقياد، ويمكن التأثير عليها - وقد استغل ابناها "جورج" "وجان" هذه الحالة لديها إلى أقصى حد فجعلاها تجري تصرفات من شأنها مساءلتها عن ديون للأول وإخراج نصف أطيانها عن ملكها لمصلحة الثاني وذلك دون أن تفطن إلى غرض كل منهما من دفعها على ذلك، وبغير أن تهتدي إلى مدى الأثر الذي ينتج عن هذه التصرفات وفي ذلك ما يلحقها بذوي الغفلة ويوجب توقيع الحجر عليها". وهذا الذي استند إليه الحكم المذكور في توقيع الحجر على الطاعنة للغفلة لا يتفق مع التطبيق الصحيح للقانون ذلك أن الغفلة - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هي ضعف بعض الملكات الضابطة في النفس ترد على حسن الإدارة والتقدير ويترتب على قيامها بالشخص أن يغبن في معاملاته مع الغير. والتصرفات التي أخذ الحكم المطعون فيه الطاعنة بها إنما ترددت بينها وبين ولديها يحدو الطاعنة فيها طابع الأمومة بما جبلت عليه من العطف والرعاية حيناً والقسوة والزجر حيناً آخر تبعاً لما تستشعره هي تلقاءهما من أحاسيس الرضا والغضب دون أن يكون في تباين هذه التصرفات معهما أو مع أي منهما مظهر من مظاهر الاضطراب أو دليل على الانقياد وعدم الإدراك. ولما كان البيع الصادر من الطاعنة لولدها "جان" قد بررته هي - على ما ورد في الحكم المطعون فيه - بأن ابنها المتصرف إليه قد أدى عنها جميع الديون التي خلفها لها ابنها الآخر "جورج" وقت وكالته فإن قيام هذا الاعتبار لدى الطاعنة من شأنه أن يدفع عن هذا التصرف شبهة الاستئثار أو التسلط عليها مما ينأى به عن مجال الغفلة سواء كان الثمن المقدر للمبيع أقل من قيمته الحقيقة أو كان البيع قد حصل تبرعاً من الطاعنة لولدها المذكور طالما أنها لم تصدر في هذا التصرف إلا عن مصلحة تراها هي جديرة بالاعتبار. ومن ثم يكون النعي في محله ويتعين لذلك نقض الحكم المطعون فيه لهذا السبب دون حاجة لبحث السبب الثاني من أساس النعي.
وحيث إن موضوع الدعوى صالح للفصل فيه - ويبين مما سبق أن ما ساقه الحكم المطعون فيه من أسباب لا تصلح قانوناً لقيام عارض الغفلة بالطاعنة ومن ثم يكون الحكم المستأنف في محله ويتعين تأييده لأسبابه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق