الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 8 يوليو 2023

الطعن 1571 لسنة 7 ق جلسة 17 / 12 / 1966 إدارية عليا مكتب فني 12 ج 1 ق 40 ص 395

جلسة 17 من ديسمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى ومحمد طاهر عبد الحميد ويوسف إبراهيم الشناوي وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.

--------------------

(40)

القضية رقم 1571 لسنة 7 القضائية

(أ) إدارة النقل العام لمنطقة الإسكندرية "موظفوها".
اعتبارها من المؤسسات العامة - موظفوها يعتبرون موظفين عموميين.
(ب) قانون. "لائحة تنفيذية".
إلغاء القانون وعدم النص في القانون اللاحق على بقاء اللوائح التنفيذية الصادرة تنفيذاً للقانون السابق - اعتبار اللوائح السابقة ملغاة دون أن يحل محلها شيء.
(جـ) إدارة النقل العام لمنطقة الإسكندرية "موظفوها".
فصل بغير الطريق التأديبي - يكون من اختصاص مجلس الإدارة - أساس ذلك من نصوص القانون رقم 22 لسنة 1954.
(د) موظف "نهاية الخدمة. فصل بغير الطريق التأديبي". قرار إداري. "ركن السبب".
الإدارة غير ملزمة بتسبيب قراراتها بفصل الموظفين بغير الطريق التأديبي - إذا ذكرت أسباباً لقرارها فإن هذه الأسباب تكون خاضعة لرقابة القضاء الإداري للتحقق من مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون.
(هـ) قرار إداري "ركن السبب". موظف "فصل".
تذرع الإدارة في محضر جلسة مجلس الإدارة بأن الفصل كان بناء على طلب الموظف - علم الموظف بذلك وتظلمه منه حتى قبل أن يخطر بالقرار على أساس أنه لم يقدم استقالته - إبلاغ الموظف بقرار الفصل بعد ذلك دون الإشارة إلى أنه كان بناء على طلبه - محاولة الإدارة إسناد هذا القرار إلى أسباب أخرى تثبت عدم صحتها - ذلك يدل على أن قرار الفصل قد صدر مفتقداً ركن السبب.
(و) موظف "فصل". دعوى الإلغاء.
إلغاء قرار الفصل - لا يترتب عليه أن يعود للموظف حقه في المرتب تلقائياً.
(ز) موظف "معاش".
نص المادة 60 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 بشأن المعاشات المدنية - انطباق قاعدة عدم جواز الجمع بين أكثر من معاش أو مكافأة على المعاشات المستحقة لدى مؤسسة عامة ذات ميزانية مستقلة.
(ح) موظف "معاش".
إذا اتحدث المدة التي يستحق عنها الموظف أكثر من معاش أو مكافأة - حظر الجمع يكون من المسلمات التي لا تحتاج إلى نص بتقريره.

------------------
1 - إن إدارة النقل العام لمنطقة الإسكندرية تعتبر بحكم إنشائها ومنحها الشخصية المعنوية وقيامها على مرفق النقل بمدينة الإسكندرية وضواحيها وتشكيل مجلس إدارتها والسلطات المخولة له واستقلال ميزانيتها من المؤسسات العامة ويبني على ذلك اعتبار موظفيها من الموظفين العموميين وعلاقتهم بالإدارة علاقة تنظيمية والمستفاد من الأحكام المتقدمة أيضاً أن مجلس الإدارة هو السلطة العليا المهيمنة على شئون هذا المرفق.
2 - إن اللوائح التنفيذية إنما تستمد وجودها وقوتها من القانون الذي تصدر تنفيذاً لأحكامه فإذا ما ألغي هذا القانون، ولم ينص القانون اللاحق على بقاء اللوائح التنفيذية الصادرة تنفيذاً للقانون السابقة قائمة ومعمولاً بها إلى أن تعدل أو تلغى طبقاً للقانون الجديد، فإن ذلك يستتبع حتماً وبالضرورة اعتبار اللوائح السابقة ملغاة دون أن يحل محلها شيء et non remplacée abrogée لأنها إنما تنبثق عن القانون ويتوقف مصيرها عليه وجوداً وعدماً.
3 - إنه وإن كان من الممتنع قانوناً الاستناد إلى اللائحة التنفيذية السابقة في تقرير اختصاص مجلس الإدارة بفصل مدير إدارة النقل من غير الطريق التأديبي، إلا أن في أحكام القانون رقم 22 لسنة 1959 ما يسعف في هذا الشأن، فهو قد خول لمجلس الإدارة، السلطة العليا النهائية التي تفصل في كل شئون الإدارة، وخوله في وضع اللائحة الداخلية على أن يبين فيها النظم المتعلقة بالموظفين دون التقيد بنظام موظفي الدولة، وهذا إلى أن مجلس الإدارة هو الذي يملك وحده تعيين المدير وقرارات مجلس الإدارة سواء فيما يتعلق بوضع اللائحة الداخلية أو بتعيين المدير هي من القرارات النهائية التي لا معقب عليها من السلطة القضائية. ومن ثم فإن لا شبهة في اختصاص مجلس الإدارة بفصل مورث المدعيين بغير الطريق التأديبي في الفترة ما بين نفاذ القانون رقم 22 لسنة 1954 وصدور اللائحة الجديدة.
4 - إنه ولئن كانت الإدارة غير ملزمة بتسبيب قراراتها بفصل الموظفين من غير الطريق التأديبي إلا أنها إذا ما ذكرت أسباباً لقرارها فإن هذه الأسباب تكون خاضعة لرقابة القضاء الإداري للتحقق من مطابقتها وعدم مطابقتها للقانون وأثر ذلك على النتيجة التي انتهى إليها قرارها. فإذا استبان لها أنها غير مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانوناً فقد القرار الأساس القانوني الذي ينبغي أن يقوم عليه وكان مشوباً بعيب مخالفة القانون.
5 - إذا تذرعت الإدارة بادئ الأمر في إنهاء خدمة المدعي بأن ذلك بناء على طلبه على نحو ما هو ثابت بمحضر جلسة مجلس الإدارة. وما أن علم المدعي بهذا القرار حتى بادر قبل أن يبلغ إليه بالتظلم منه، وإذ أيقنت الإدارة أنه لن يسكت على حقه وأنه لا بد لائذ بالقضاء لمخاصمتها لعدم تقديمه أية استقالة عمدت في كتاب التبليغ الموجه إليه إلى إغفال الإشارة إلى أن ثمة طلباً منه باعتزال الخدمة وضمنت هذا الكتاب أن مجلس الإدارة قرر الاستغناء عن خدماته، ولم تفصح في هذا الكتاب عن الأسباب التي استندت إليها في إصدار القرار فمسلك الإدارة على الوجه المتقدم إن دل على شيء فإنما يدل على أن قرارها المطعون فيه قد صدر مفتقداً ركن السبب وأن الإدارة كانت عليمة بذلك وأنها ذهبت بعد صدوره تتلمس الأسباب التي يمكن أن تتذرع بها لحمل القرار.
6 - إن إلغاء قرار الفصل لا يترتب عليه أن يعود للموظف حقه في المرتب تلقائياً بل إن ذلك يخضع لاعتبارات أهمها أن هذا الحق يقابله واجب وهو أداء العمل الذي حيل بين الموظف وبين أدائه كما حرمت منه الجهة الإدارية بالفصل. ومتى كان ذلك فإن الحكم للورثة بمرتب مورثهم خلال فترة الفصل بمقولة إن ذلك مترتب على عدم مشروعية القرار يكون على غير أساس سليم من القانون.
7 - إن المادة 60 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 بشأن المعاشات المدنية والتي يسري حكمها على المدعي تنص على أنه "لا يجوز بحال من الأحوال الاستيلاء على أكثر من معاش واحد من خزانة الدولة، فإذا كان لشخص حق في أكثر من معاش فله أن يختار المعاش الأكثر فائدة له". ويبين من هذا النص أن المخاطبين بحكمه هم الموظفون أو المستحقون عنهم الذين يتقاضون معاشات أو مكافآت بمقتضى أحكام القانون رقم 37 لسنة 1929 فيمتنع عليهم الجمع بين هذا المعاش أو المكافأة وبين أي معاش أو مكافأة مرتب على خزانة الدولة أياً كانت القاعدة التنظيمية التي تقرره وذلك ما لم ينص قانون لاحق أو خاص على إجازة مثل هذا الجمع. وإذ كانت عبارة النص واضحة فإنه لا يجوز الانحراف عنها عن طريق تأويل النص بدعوى أنه من القيود التي ترد على أصل الاستحقاق والتي يلزم عدم التوسع في تفسيرها وذلك توطئة للقول بأن المقصود به إنما هو تحريم الجمع بين معاشات أو مكافآت مرتبه بمقتضى قوانين المعاشات الحكومية دون غيرها، وأنه من ثم يجوز الجمع بين المعاش المستحق من الحكومة بمقتضى أحكام القانون 37 لسنة 1929 وبين المعاش أو المكافأة المستحقة لدى مؤسسة عامة ذات ميزانية مستقلة - ذلك التأويل هو تخصيص بغير مخصص من النص أو حكمة التشريع، إذ أن المؤسسات والهيئات العامة لا تعدو أن تكون مصالح عامة منحت الشخصية المعنوية.
8 - إذا كان الأصل الوارد بالمادة 60 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 أنه لا يجوز الجمع بين أكثر من معاش مرتب على خزانة الدولة بصورة مطلقة وبصرف النظر عن اتحاد أو اختلاف المدة التي يستحق عنها كل من المعاشين إلا أن الواقع أنه إذا اتحدث المدة التي يستحق عنها الموظف أكثر من المعاش أو مكافأة فإن حظر الجمع يكون من المسلمات التي لا تحتاج إلى نص بتقريره، فما دامت الفترة الزمنية التي يستحق عنها كل من المعاشين واحدة لم يعد ثمة موجب للنص على حظر الجمع بينهما لأن هذا الحكم يكون تطبيقاً للقواعد العامة من حيث عدم الإثراء على حساب الغير بدون سبب ولأنه يتنافى مع الأصول المقررة في منح المعاشات. 


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص - على ما يبين من الأوراق - في أن المرحوم حسن راسم كان قد أقام دعواه بصحيفة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري "هيئة الفصل بغير الطريق التأديبي" في 14 من أغسطس سنة 1954 ضد السيد وزير المواصلات والسيد عضو مجلس الإدارة المنتدب لإدارة النقل بالإسكندرية، طالباً: الحكم أصلياً بإلغاء القرار الصادر من إدارة النقل العام بمنطقة الإسكندرية في 11/ 2/ 1954 بالاستغناء عن خدماته وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام المعلن إليهما بأن يدفعا مبلغ خمسة آلاف جنيه مصري على سبيل التعويض والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. واحتياطياً: بإلزام المدعى عليهما بصفتهما بأن يؤديا 15 ألف جنيه على سبيل التعويض مع الحكم باستحقاقه لمكافأته القانونية من 1/ 1/ 1934 حتى بلوغه 65 سنة وإلزامهما المصروفات ومقابل الأتعاب.
وقال المدعي في شرح دعواه - إنه حصل على دبلوم الهندسة من جامعة ميونخ بألمانيا بعد أن حصل على شهادة الدراسة الثانوية قسم ثان، وعمل مهندساً بمصلحة السكك الحديدية، ثم ندب منها في أول يناير سنة 1934 كبيراً لمهندسي إدارة النقل وكان ذلك بناء على قرار مجلس إدارة سكك حديد الرمل الكهربائية صادر في 4 من نوفمبر سنة 1933، نص فيه على أن يصرف له بدل ندب قدره تسعة عشرة جنيهاً علاوة على مرتبه الحكومي، ثم رفع بدل الندب في سنة 1938 إلى 30 جنيهاً حيث عين مديراً الإدارة النقل. وفي 19 من يوليه سنة 1945 صدر قرار من مجلس الإدارة برفع مرتبه ابتداء من أول أغسطس سنة 1945 إلى مائة جنيه شهرياً، ثم رفع المرتب إلى 1300 جنيه سنوياً في أول مايو سنة 1948. وبتاريخ أول أكتوبر سنة 1950 أحالته مصلحة السكك الحديدية إلى المعاش وانقطعت صلته بها ابتداء من أول نوفمبر سنة 1950، وظل يعمل مديراً لإدارة النقل العام لمنطقة الإسكندرية إلى أن فوجئ بقرار مجلس الإدارة في 11 من فبراير سنة 1954 بالاستغناء عن خدماته دون إنذار سابق أو تحقيق أو إبداء أسباب، بل إنه صدر في الوقت الذي كان متمتعاً فيه بثقة مجلس الإدارة مما يجعل القرار الإداري الصادر بالاستغناء عن خدماته لا يمت إلى الصالح العام ولا يرتكن إلى أساس من القانون، ولم تراع فيه الإجراءات الشكلية التي نص عليها القانون رقم 22 لسنة 1954 بإنشاء إدارة النقل العام لمنطقة الإسكندرية، وأضاف المدعي أنه تظلم من هذا القرار تلغرافياً في 10/ 4/ 1954 فلم يتلق رداً، وأن القرار المطعون فيه يمس مركزه الأدبي خصوصاً وأنه قد صاحبته حملة تشهير مفرضة، لذلك فإنه يكون من حقه أن يطلب مع الحكم بإلغائه تعويضاً أدبياً قدره خمسة آلاف جنيه، وعن الطلب الاحتياطي قال إنه يطلب تعويضاً قدره 15 ألف جنيه منها خمسة آلاف جنيه كتعويض أدبي مقابل الألم النفسي وما أصابه في قدره من جراء هذا الفصل، فضلاً عن حملة التشهير التي صاحبت هذا الفصل مع الحكم بأحقيته في المكافأة اعتباراً من أول يناير سنة 1934 إلى حين بلوغه الخامسة والستين.
دفعت الجهة الإدارية الدعوى بعدم قبولها بالنسبة لوزير المواصلات لرفعها على غير ذي صفة، استناداً إلى ما نصت عليه المادة الثامنة من القانون رقم 22 لسنة 1954 بإنشاء إدارة النقل العام لمنطقة الإسكندرية من أن عضو مجلس الإدارة المنتدب هو الذي يمثل الإدارة أمام القضاء، وقد بادر المدعي إلى التنازل عن اختصامه.
وفي 7 من مايو سنة 1958 توفى المدعي فقررت المحكمة بجلسة 21 من مايو سنة 1958 انقطاع سير الخصومة، إلا أن وارثيه السيدة فتحية أحمد فايق أبو أصبع والسيد/ محمد حسن راسم قاما بتعجيل الدعوى، وعدلا الطلبات فيها على الوجه الآتي:
1 - إلغاء القرار الصادر من إدارة النقل العام بمنطقة الإسكندرية في 11/ 2/ 1954 مع إلزام الإدارة بدفع ما كان يستحقه من مرتبات من هذا التاريخ إلى تاريخ وفاته في 6/ 5/ 1958 على أساس أن مرتبه الأصلي 108 جنيه، 333 مليماً وعلاوة الغلاء 15 جنيهاً وبدل التخصص 14 جنيهاً في الشهر الواحد.
2 - ما يستحقه مورثهما من مكافأة قانونية من 1/ 1/ 1934 حتى تاريخ وفاته في 6/ 5/ 1958.
3 - أداء تعويض قدره 15 ألف جنيه.
4 - كافة المصاريف والأتعاب.
ومن حيث إن الجهة الإدارية عقبت على الدعوى بأن القرار المطعون فيه صدر خالياً من الأسباب لأن الإدارة غير ملزمة ببيان أسباب قرارها، وأن الغرض أن القرار الإداري قد صدر بقصد تحقق المصلحة العامة وعلى من يدعي العكس إثبات ذلك، غير أنها لوثوقها من سلامة الأسباب التي بني عليها قرارها وسلامة الهدف الذي قصدت إلى تحقيقه ستقيم الدليل على سلامة تلك الأسباب وخلوها من أي عيب - ذلك أن القرار صدر ممن يملكه وفي حدود اختصاصه طبقاً للمادة الخامسة من القانون رقم 22 لسنة 1954 بإنشاء إدارة النقل العام لمنطقة لإسكندرية التي نصت على أن "مجلس الإدارة هو السلطة العليا النهائية التي تفصل في كل شئون الإدارة وأن له على وجه أخص... وضع اللوائح الداخلية للإدارة على أن يبين فيها على الأخص النظم الخاصة بالموظفين والعمال دون التقيد بنظام موظفي الدولة" وأن اللائحة التي أقرها مجلس الإدارة تنفيذاً لهذا النص خولت مجلس الإدارة حق الاستغناء عن خدمات الموظفين الذين يشغلون الوظائف الرئيسية، وأن سلطته في هذا غير مقيدة إلا بما تفرضه المبادئ القانونية العامة، وهي أن يستهدف مصلحة المرفق فيما يتخذه من قرارات، فهو صاحب الرأي الأعلى في تقدير ما يحقق مصلحة المرفق بما لا معقب على قراراته في حدود سلطته التقديرية وأن سلطة الإدارة التقديرية في فصل الموظفين الذين يعملون في خدمة المرافق الصناعية والتجارية دون محاكمة تأديبية ودون تحقيق أوسع من سلطتها في فصل من يعملون في خدمة المرافق الإدارية البحتة، وأن الواقع أن الحكومة تنبهت إلى فساد النظام المتبع في إدارة المرفق ورأت وجوب التدخل لإصلاحه، فأصدرت القانون رقم 22 لسنة 1954 بإنشاء إدارة النقل العام بمنطقة الإسكندرية لإعادة تنظيم هذا المرفق وأصدر وزير المواصلات قراراً بتعيين عضو منتدب لمجلس الإدارة وفقاً لأحكام هذا القانون، وعقد مجلس الإدارة الجديد أولى جلساته في 9 من يناير سنة 1954 مستهدفاً إصلاح العمل في المرفق وعرض لتقارير ديوان المحاسبة وأحالها إلى العضو المنتدب لتحقيقها وموافاة المجلس بالنتائج وقد تقدم بنتيجة بحثه إلى المجلس في جلسته المنعقدة بتاريخ 11 من فبراير سنة 1954 وفي تلك الجلسة أصدر المجلس، في ضوء النتيجة التي عرضت عليه القرار المطعون فيه.. وقالت إن المدعي كان يشغل وظيفة مدير إدارة النقل بطريق الندب ثم بطريق التعيين اعتباراً من 21/ 6/ 1938 وكان المرسوم الصادر في 17/ 10/ 1946 يمنح الشخصية المعنوية لإدارة النقل المشترك بمنطقة الإسكندرية ينص في المادة العاشرة على أن "يدير إدارة النقل المشترك مدير يعينه مجلس الإدارة كما أن اللائحة الداخلية الصادرة استناداً إلى هذا المرسوم تنص على أن مدير الإدارة هو المكلف بتنفيذ قرارات المجلس وهو الذي يدير الأقسام المختلفة للإدارة سواء من حيث التنظيم الداخلي أو كيفية الاستغلال ويكون مسئولاً عن سير العمل جمعيه" وهذه النصوص قاطعة في مسئولية المدير قانوناً عن سير العمل في الأقسام المختلفة.
أما عن أسباب القرار فهي (أولاً) - وبصفة عامة عجز في ميزانية المرفق وخسارة مالية محققة في استغلاله سجلتها تقارير ديوان المحاسبة ومراجع الحسابات. (ثانياً) - فساد واضطراب وفوضى في التنظيم الداخلي لأقسام المرفق المختلفة من ناحية وإهمال وتقصير خطير من جانب كبار الموظفين وعلى رأسهم المدعي في أداء واجباتهم من ناحية أخرى.
ففيما يتعلق بالعجز في الميزانية سجل الحساب الختامي للإدارة عن سنة 1952 عجزاً قدره 25.962.150 جنيهاً وعن سنة 1953 عجزاً قدره 26.797.849 جنيهاً في حين أن الحسابات الختامية عن سنة 1954 وهي السنة التي تم في مطلعها الاستغناء عن المدعي دلت على زيادة في الإيرادات عن المصروفات مقدارها 102.487.463 جنيه ولهذه النتيجة دلالة قاطعة إذ أن مرفق النقل بالإسكندرية من المرافق التجارية والصناعية التي يتبع في إدارتها الأساليب المتبعة في إدارة المشروعات الصناعية والتجارية، ومن ثم فإنه يجب أن يحقق ربحاً. وإنه وإن كان يمكن أن لا يقام للخسارة كبير وزن إذا كانت الخسارة نتيجة ظروف عوامل خارجية لا صلة بها بسوء الإدارة، إلا أنه متى ثبت أنها نتيجة خلل وفساد خطير فإن هذا العجز يكون دليلاً قاطعاً على عدم صلاحية القائمين على إدارة المرفق.
وفيما يتعلق بفساد التنظيم الداخلي للمرفق فإن المدعي أهمل إهمالاً جسيماً في اتخاذ الإجراءات التي تكفل تنظيم العمل في أقسام المرفق رغم تنبيهه لذلك غيره مرة، وإن هذا الإهمال أشاع الاضطراب في سير المرفق وذلك على الوجه الآتي:
إهمال المدعي في اتخاذ الإجراءات اللازمة لضبط العمل في أقسام المخازن والمشتريات فقد أشار ديوان المحاسبة إلى هذه الإهمال في تقريره المقدم في أول مارس 1952 عن سنة 1950 وفي تقريره عن سنة 1951 المقدم في 15 يوليه سنة 1953 ففي التقرير الأول أشار إلى أنه نبه الإدارة في السنوات الماضية إلى وجوب وضع لائحة للمخازن والمشتريات لكنه لم يتلق رداً إلى تاريخ إعداد التقرير، وفي التقرير الثاني أشار إلى وجود اضطراب في الأعمال المالية والإدارية وإلى وجوب تنفيذ ما سبق أن أشار به من وضع لائحة للمخازن والمشتريات وأخرى للأعمال المالية والحسابية، وأن الإدارة كانت قد وعدت بوضع اللائحتين لكنها لم تف بشيء مما وعدت به.
عدم تنظيم الأرشيف، فقد سجل تقرير ديوان المحاسبة المقدم في 15 يوليه سنة 1953 عن سنة 1951 أن إدارة النقل لا يوجد بها أرشيف وأن كلاً من أقسامها يحفظ أوراقه وصور مكاتباته وفي كثير من الأحيان يحتفظ كل موظف بالأوراق التي تتصل بالعمل الذي يمارسه.
عدم العناية بتوفير الضمانات الكافية في أرباب العهد، وذلك بتعيين عدد من الأمناء أقل من حاجة المخازن واختيارهم من المستخدمين في أدنى الدرجات العمومية دون أن يشترط فيهم تقديم ضمانات.
الإسراف في منح التراخيص المجانية الممنوحة خلال عام 1952، حيث بلغت التراخيص السنوية 10129 ترخيصاً والتراخيص الصيفية 3435 ترخيصاً بما تبلغ قيمته 62 ألف جنيه وهو مبلغ يزيد على مثلى الخسارة المحققة في هذه السنة، في حين أن جملة التراخيص التي منحت سنة 1954 لم تزد على 3218 ترخيصاً.
الإسراف في منح تليفونات مجانية لكبار الموظفين، فقد أثبت تقرير الديوان عن سنة 1951 أن عدد الأجهزة المركبة بمنازل الموظفين بلغت عشرين جهازاً مع أن حاجة العمل لا تدعو لذلك علاوة على أنه خصم على ميزانية الإدارة قيمة اشتراك حبال وتركيبات خاصة ببعض تلك التليفونات.
المخالفات المتعلقة بتوسيع عيادة سيدي جابر، أثبت الديوان في تقريره عن سنة 1951 أن إدارة النقل بعد أن حصلت على موافقة مجلس الإدارة على توسيع العيادة الخارجية بسيدي جابر لازدياد عدد المترددين عليها استخدمت الاعتماد المخصص لتوسيع العيادة في غير الأغراض التي خصصت لها، حيث صرف جزء كبير من الاعتماد في توسيع السكن الخاص في الدور العلوي من المبنى، وفضلاً عن ذلك تجاوزت الإدارة في التنفيذ الاعتماد الذي وافق عليه المجلس دون الرجوع إليه ولم تكن طريقة عرض الموضوع على مجلس الإدارة تسمح للأعضاء بتكوين فكرة صحيحة من الأغراض التي سينفق فيها الاعتماد.
مخالفات تتعلق بالمناقصات والمزايدات، أثبتت تقارير الديوان عن السنوات 1950، 1951، 1952 وقوع مخالفات في إجراءات المناقصات منها ( أ ) إغفال النشر عن المناقصات وقبول العطاء الوحيد المقدم مع مخالفة ذلك للقواعد المالية (ب) الاتفاق المباشر دون إجراء مناقصة بشأن تصليح سيارات ولاحظ الديوان في شأن هذه العملية أن الشركة المتعاقد معها قبلت تخفيض 52% من أصل القيمة المتفق عليها مما يثير الشك حول سلامة العملية. (ج) أثبت الديوان في تقريره عن سنة 1950 أن الإدارة وافقت على بيع صفقة سيارات خردة بمبلغ ألف جنيه دون الرجوع إلى مجلس الإدارة مع مخالفة ذلك للوائح.
مخالفات تتعلق بشئون الموظفين والعمال:
( أ ) تأخر إحالة المخالفات التأديبية إلى مجلس التأديب وتأخر الفصل في القضايا وفي تنفيذ قرارات مجلس التأديب. إذ تبين لعضو مجلس الإدارة المنتدب أن 1440 قضية تأديبية تأخر الفصل فيها في مدة ثمان سنوات من سنة 1946 إلى فبراير سنة 1954 وأن الأحكام التأديبية التي لم تنفذ رغم انقضاء مدة طويلة على صدورها 72 حالة.
(ب) ندب العمال الفنيين من عملهم الأصلي بالورش لأعمال كتابية رغم حاجة العمل إليهم في الورش.
(ج) صرف مرتبات إضافية لموظفين بالمخالفة لأحكام اللوائح.
(د) الترخيص لبعض كبار الموظفين بالاشتغال في الخارج بالمخالفة لأحكام اللوائح، فقد رخص للسيد المهندس أحمد رضا كامل لقيد اسمه في جدول الخبراء رغم أن عضو مجلس الإدارة المنتدب كان قد رفض هذا الطلب كما صرح للسيد عبد العزيز فهمي بالعمل في خارج المرفق.
(هـ) منح إعانة غلاء معيشة لموظف بمصلحة السكك الحديدية ومنتدب للعمل بإدارة النقل رغم عدم استحقاقه لهذه الإعانة.
(و) رفع ماهية أحد الموظفين بدون مبرر بالمخالفة لأحكام اللوائح.
(ز) الترخيص لأحد الموظفين باستخدام عامل بالإدارة لقيادة سيارته الخاصة في غير أعمال الإدارة.
مخالفات مالية أثبتها مراجع الحسابات في تقريره عن سنة 1952:
أثبت المراجع أن كثيراً من أذونات الصرف وحوافظ توريد الخزينة لا تحمل توقيع مدير الإدارة وأن معظم أذونات الصرف بشيكات غير مرفق بها إيصالات الاستلام وأن الكشوف الخاصة بالأجور والمهايا غير ممضاة من مدير الحسابات وغير معتمدة من مدير الإدارة ولا تحمل توقيع الصراف بما يفيد صرفها.
وأضافت إدارة النقل العام أنه ولئن كان القضاء الإداري يملك رقابة أسباب القرار الإداري، من حيث وجودها ومن حيث تكييفها إلا أن سلطته في مراقبة القرار الإداري تقف عند هذا الحد فليس له أن يتدخل فيما للإدارة من حرية تقدير الإجراء أو القرار الذي تراه ملائماً للظروف والوقائع التي يبنى عليها القرار. وأنه متى كان القرار المطعون فيه قد صدر سليماً مستوفياً أركانه غير مشوب بأي عيب فإنه يكون قراراً مشروعاً ولا يستحق المدعي أي تعويض ولا وجه للقول بأن المدعي يستحق تعويضاً عن الضرر الأدبي الذي نتج عن مجرد الفصل حتى ولو لم يحكم بإلغاء القرار لأن هذا القول تأباه المبادئ القانونية السليمة فضلاً عن أن إدارة النقل لا تتحمل مسئولية نشر القرار بالصحف.
أما عن المكافأة فقد أوضحت الإدارة أن المدعي كان يشغل وظيفة مفتش بالدرجة الخامسة بمصلحة المساحة وفي 4/ 1/ 1933 وافق مجلس إدارة سكة حديد الرمل الكهربائية على ندبه للقيام بعمل وظيفة كبير المهندسين بدرجته وماهيته على أن يمنح 19 جنيهاً من الإدارة زيادة على مرتبه ثم نقل من مصلحة المساحة إلى مصلحة السكك الحديدية اعتباراً من أول مايو سنة 1934، وفي 21/ 6/ 1938 قرر مجلس إدارة سكك حديد الرمل الكهربائية ندبه للقيام بأعمال مدير الإدارة ورفع مكافأته إلى 30 جنيهاً شهرياً وكانت مصلحة السكك الحديدية تدفع له ماهيته وعلاواته ويتدرج في درجاتها بطريق الترقية إلى أن بلغ الدرجة الأولى وأحيل إلى المعاش بناء على طلبه في 1/ 10/ 1950، وكان طوال المدة من 1/ 1/ 1934 إلى 1/ 10/ 1950 يقوم بعمله بسكة حديد الرمل ثم بإدارة النقل المشترك بطريق الندب. وكانت إدارة النقل مدة ندبه تتولى صرف مرتبه وتحصل قيمتها من إدارة النقل المشترك.
وتنفيذاً لقرار مجلس إدارة النقل العام الصادر في 11 فبراير سنة 1954 بالاستغناء عن خدمات المدعي مع صرف مكافأته القانونية عن مدة خدمته بالإدارة استفتت الإدارة شعبة الرأي المختص بمجلس الدولة في كيفية احتساب هذه المكافأة، فأفادت الشعبة الداخلية والسياسية في 22 مايو سنة 1954 بأن المدة التي تستحق عنها المكافأة هي المدة من 1/ 10/ 1951 تاريخ إحالته إلى المعاش من مصلحة السكك الحديدية إلى 11/ 2/ 1954 تاريخ الاستغناء عنه بإدارة النقل، وبناء على هذه الفتوى سويت مكافأته وأودعت خزانة الإدارة تحت تصرفه وأخطرته بذلك. ومضت الإدارة تقول إنه لا سند لما يطالب به المدعي أو ورثته بصرف مكافأة عن المدة السابقة على 1/ 10/ 1950 فقد كان طوال الفترة السابقة على هذا التاريخ موظفاً بمصلحة السكك الحديدية منتدباً للعمل بإدارة النقل العام، وكانت إدارة النقل تدفع لمصلحة السكك الحديدية ماهية المدعي إلا أن ذلك ليس معناه أن المرتب الأصلي للمدعي كان يدفع من إدارة النقل إذ لا شأن له هو بهذه التسوية. بل إن الثابت فوق ذلك أنه أنشئت بميزانية مصلحة السكك الحديدية في عام 1934/ 1935 درجة مخصصة لوظيفة كبير المهندسين بسكة حديد الرمل نقل عليها المدعي وبهذا تكون مصلحة السكك الحديدية قد حملت ميزانيتها درجة أنشأتها لموظف تابع لها ولكنها خصصته للعمل في إدارة النقل، أي أن مركزه القانوني في مصلحة السكك الحديدية وعمله في إدارة النقل يؤيد ذلك أن عمله بإدارة خط الرمل قد تم بقرار من وزير المالية في 11/ 12/ 1933 وكانت مصلحة السكك الحديدية هي صاحبة الحق في تقرير إجازته، وأنه مما ينبغي الإشارة إليه أن إدارة سكة حديد الرمل لم تتمتع بالشخصية المعنوية إلا اعتباراً من سنة 1939 تاريخ صدور المرسوم الذي منحها الشخصية الاعتبارية أما قبل ذلك فكانت مجرد إدارة حكومية.
عقب المدعي ومن يعده وارثاه على دفاع الإدارة بأن قرار الاستغناء الصادر من مجلس الإدارة إنما بني على أن المدعي قدم استقالته بشرط دفع مرتب سنتين في حين أن المدعي لم يقدم استقالته مما يجعل القرار الصادر بقبولها غير قائم على سببه. على أن الإدارة أخذت تتصيد أسباباً لقرارها في صورة مآخذ استمدتها من تقارير بالية لديوان المحاسبة. وأنه لا يجدي الإدارة التنقيب عن أسباب الفصل بعد صدور القرار به، إذ إنه متى ثبت أن القرار الإداري قد بني على سبب معين قام الدليل على عدم صحته فلا يجوز إضافة أسباب جديدة بعد صدور القرار المطعون فيه ويتعين الحكم بإلغائه. ونعى المدعيان على القرار أنه صدر بغير تحقيق أو إحالة إلى سلطة تأديبية، وأنه صدر من هيئة تضم عضواً غير صالح للمداولة وهو عضو مجلس الإدارة المنتدب الذي عهد إليه بمهمة بحث مناقضات الديوان، وأن محضر الجلسة لم يتضمن ما أثير من مناقشات عند بحثه بالمخالفة لأحكام المادة 7 من القانون رقم 22 لسنة 1954، وأنه إذا كانت الإدارة قد استندت في إصدار القرار على اللائحة الداخلية للمرفق الصادرة في 1/ 1/ 1948 فإن هذا الاستناد مخالف للقانون لأن هذه اللائحة قد ألغيت بصدور القانون رقم 22 لسنة 1954 وبفرض أنها لم تلغ فإنها باطلة لعدم عرضها على مجلس الدولة، وأضاف المدعيان أنه لا وجه لما أثارته إدارة النقل العام بشأن أسباب القرار فالفرض أن مرفق النقل متحلل من الروتين الحكومي، ومن ثم فكل نعي تعاب به الإدارة لأنها لم تتبع الأساليب الحكومية هو نعي ينبغي أخذه بحذر وإطراحه إذا بدأ متجافياً مع ما ينبغي للمشروعات الحرة من مناهج الإدارة. وإذ كان النقل مرفقاً عاماً يتصل أشد الاتصال بخدمة الشعب فإنه لا ينبغي أن ينظر فيه إلى الربح بقدر ما ينظر فيه إلى تحقيق الخدمة ولو بالتضيحة وأن من الجور القول بأن الخسارة تمثل فساداً في إدارة المرفق، كذلك فإن نقدات ديوان المحاسبة لم تسلم منها إدارة حكومية فكل تقرير له يحوي مثلها. وهي لا تعني في حد ذاتها اتهاماً، وفضلاً عن ذلك فإن المدعى عليها قد تجاهلت أن ثمة عضواً منتدباً يمثل إدارة النقل العام ويشرف عليها ومجلس إدارة هو السلطة العليا النهائية التي تفصل في كل شئون الإدارة وألقت المسئولية كلها على عاتق المدير.
وتناول المدعيان الرد على أسباب الفصل على الوجه الآتي:
ففيما يتعلق بالعجز في ميزانية المرفق، نفى المدعيان مسئولية مورثهما ودليل ذلك ما أورده عضو مجلس الإدارة المنتدب والذي كان متحاملاً على المورث في مقدمة مشروع الميزانية الذي قدمه عن عام 1954 بشأن العجز في إيرادات المرفق في سنتي 1952، 1953 بقوله إنه "كان من الطبيعي أن يأخذ صافي الربح في التناقص بعد عام 1948 حتى تصل زيادة المصروفات إلى الحد الذي يستغرق صافي الربح وتصبح زيادة المصروفات بعد ذلك خسارة وهو ما حدث في عامي 1952، 1953 وما ينتظر حدوثه في عام 1954". وفي بيان زيادة المصروفات التي استغرقت الربح قال إنها عبارة عن زيادة في الأجور وتطبيق كادر العمال وزيادة إعانة غلاء المعيشة. يضاف إلى ذلك أنه بمقارنة الحساب الختامي لسنتي 1953، 1954 تبين أن المصروفات في سنة 1953 كانت تزيد بمقدار 77 جنيهاً و476 مليماً ويتمثل هذا الفرق في الإجازات المرضية ومكافآت ترك الخدمة والاستهلاكات فقد عدل نظام الإجازات الذي أدخله المورث في 7/ 10/ 1953 بجعل الإجازة المرضية 45 يوماً بنصف أجر مدفوع بعد أن كانت 21 يوماً بأجر كامل. وهو ما أقر به مجلس الإدارة ذاته في مقدمة مشروع ميزانية 1954، ويعزى الوفر في مصاريف ترك الخدمة عام 1954 إلى تعديل سن التقاعد إلى 65 سنة بدلاً من ستين. كذلك فقد حققت الإدارة إيراداً جديداً عام 1954 من رسوم الإعلانات. ومن جهة أخرى فقد لوحظ أن الإدارة الجديدة عمدت بعد فصل المدعي إلى الأخذ بقاعدة جديدة بأن نقلت بعض مصروفات الصيانة والتشغيل إلى بند الأعمال الجديدة وهي تتعلق بتحديد الأسلاك والقضبان والكابلات والموتورات، وبذلك يكون الربح المزعوم صورياً في حقيقته - ليس ذلك فحسب، بل إن الثابت من مشروع ميزانية المرفق لعام 1952 أنه كان يتضمن في أول الأمر تحقيق ربح قدره 24.600 جنيهاً ثم صدر قرار وزاري برفع سعر الوقود اعتباراً من أول يناير سنة 1952 وهي زيادة بلغت 37.300 جنيهاً مما استتبع تعديل الميزانية.
وفيما يتعلق بلائحة المخازن والمشتريات: ذهب المدعيان إلى أن الإدارة استندت على ما جاء بتقرير الديوان من التوصية بوضع لائحة للمخازن والمشتريات على خلاف ما ينبغي لمرفق النقل من تحرر من الروتين، ولم يطلب ديوان المحاسبة صراحة عمل لائحة في تقريره عامي 48، 1949 بل أشار مجرد إشارة عابرة إلى عدم وجود لائحة، ثم نوه بذلك في 11/ 11/ 1951 فوعدت الإدارة بالعمل على ذلك وشكلت بالفعل لجنة لوضع اللائحة على نحو ما هو ثابت من تأشيرة المدير على تقرير ديوان المحاسبة عن عام 1951 وقامت اللجنة فعلاً بوضع اللائحة، ولما كان الديوان قد أشار بأن تستعين الإدارة باللوائح الحكومية، وكانت الحكومة قد شرعت في تعديل لائحة المخازن والمشتريات، فقد رؤى إرجاء عرض المشروع على مجلس الإدارة لحين إعادة النظر فيه في ضوء التعديل الجديد في اللائحة الحكومية. وحتى بعد فصل المدعي فإن الإدارة الجديدة لم تصدر اللائحة المعنية إلا بعد صدور لائحة الحكومة وقد عرضت اللائحة الجديدة على المجلس بعد عاملين من الفصل.
وعن الأرشيف قالا إن الإدارة الجديدة قد أقرت بعد إصدارها لقرار الفصل بوجود صعوبة عملية في إنشاء الأرشيف لعدم توفر المكان المناسب من ناحية ولتفرق أقسام الإدارة المختلفة بين مصطفى كامل ومحرم بك ومبنى الإدارة الرئيسي من جهة أخرى، أما عن توفير الضمانات الكافية في أرباب العهد فيقول المدعيان إن الإدارة لم تقل بأن أحداً من هؤلاء قد خان الأمانة، وقد كان هذا الأمر متوقفاً على وضع لائحة المخازن وتضمينها نصاً ينظمه.
وفيما يتعلق بالتصاريح المجانية: ذهب المدعيان إلى أن مورثهما لم يستحدث هذا النظام، وأن العمل قد جرى به من قديم بالنسبة لكافة مرافق العمل، وقد عرض أمر هذه التصاريح على اللجنة المالية المنبثقة من مجلس الإدارة وانتهت اللجنة إلى وضع لائحة تصرف بموجبها هذه التصاريح إلا أن اللجنة رأت بعد ذلك أن ترجئ تنفيذ هذه اللائحة إلى أول يناير سنة 1954 وقد اعترض الديوان عليها ورأى إلغاء جميع التصاريح، ثم عرض الأمر على المجلس بمذكرة من السيد عضو مجلس الإدارة المنتدب ورئيس اللجنة ضمنها أنه يرى الموافقة على استمرار صرف هذه التصاريح إذ أن ذلك إجراء تتبعه جميع مؤسسات النقل بصرف النظر عن قيمتها الاسمية لما تجنيه المؤسسة من فوائد من وراء هذه التصاريح مع تحديد مدتها والحد منها. وسبق أن عرض أمر هذه التصاريح على مجلس الإدارة فقرر استمرار العمل بتصاريح سنة 1952 إلى 31 ديسمبر سنة 1953 وإعادة مشروع اللائحة إلى اللجنة المالية للمراجعة النهائية. وقد عدل ديوان المحاسبة موقفه من هذه التصاريح فيما بعد مشيراً إلى إجراء ضغط فيها - ويضيف المدعيان أن مجلس الإدارة أصدر جملة قرارات بعد فصل المدعي بمنح تصاريح جديدة، بل إنه قرر في جلسة 11/ 2/ 1954 التي تقرر فيها فصل المدعي المجانية المطلقة للاشتراكات المدرسية التي كان يدفع منها ربع أجرة والممنوحة لأبناء الموظفين والعمال.
أما التليفونات: فإن مرفق النقل بطبيعته يقوم بنشاط مستمر ليل نهار والفنيون فيه مجندون للخدمة الدائمة مما يقتضي أن يزود هؤلاء بعدد من التليفونات ليتسنى لهم مداومة الإشراف على سير المرفق، وقد كانت تكاليف هذه التليفونات تعرض على مجلس الإدارة سنوياً وعلى عضو مجلس الإدارة المنتدب المنوط به تقديم ميزانية المرفق، ومع ذلك فإن المدعي أمر بتحميل المستفيدين قيمة التركيبات الإضافية اعتباراً من أول عام 1952 ونصف الاشتراك الثابت اعتباراً من أول عام 1953.
وفيما يتعلق بتوسيع عيادة سيدي جابر، فإن الموضوع قد عرض على مجلس الإدارة في صورته الواقعية وأن المختص بهذا العرض هو عضو مجلس الإدارة المنتدب وليس المدعي، ومع ذلك فقد زوده المدعي بجميع الأوراق المتعلقة بهذا الموضوع إلا أن الموضوع نظر على وجه الاستعجال ولا علم للمدعي بكيفية العرض على المجلس، وفضلاً عن ذلك فإن توسيع السكن الواقع في أعلى العيادة لم يكن للمدعي مصلحة فيه، وقد ترتب على هذا التوسيع زيادة القيمة الإيجارية من أربعة جنيهات إلى خمسة وعشرين، وفيما يتعلق بتجاوز الاعتماد فقد جرت الإدارة على عرض التكلفة النهائية لمثل هذه العمليات لاعتماد التجاوز وهو ما يتفق مع النظام التجاري السائد في المرفق ومع ذلك فقد وافقت اللجنة المالية برئاسة العضو المنتدب على هذا التجاوز واعتمده مجلس الإدارة.
وأما ما أشار إليه الديوان بشأن مخالفة القواعد المالية بشأن النشر عن المناقصات فلا سند له إذ ليس ثمة قواعد في هذا الشأن ولأن نظام العمل يجرى من قديم على أساس تجاري، وأما فيما يتعلق بالتعاقد المباشر مع شركة فورد على إصلاح السيارات فالواقع أن السيارات مشتراة منها وكان الأمر يقتضي إصلاحها ومعلوم أنها الشركة المنتجة والمحتكرة القادرة على هذا الإصلاح، وقد كتب الديوان في هذا الشأن يسأل عن مخالفة أحكام اللائحة الداخلية التي لم تجز للمدير الترخيص بالقيام بالأعمال الجديدة التي تجاوز قيمتها ألف جنيه وكان رد المسئول واضحاً في أن الأعمال المتعاقد عليها ليست أعمالاً جديدة وإنها من أعمال الصيانة.
وعن تأخير البت في المخالفات التأديبية. فلا يسأل عنه المدعي إذ يدخل ذلك في اختصاص مدير المستخدمين وهيئة التأديب وندب العمال الفنيين من عملهم الأصلي لأعمال كتابية كان أمراً يقتضيه حسن سير العمل، إذ كان هؤلاء العمال من ذوي المؤهلات وأصدرت الحكومة كادراً لذوي المؤهلات الصناعية فطالب هؤلاء بتطبيقه عليهم، وكان من شأن هذا التطبيق أن يخل بالمساواة بينهم وبين زملائهم ورؤسائهم غير المؤهلين بينما كانت الإدارة في حاجة ماسة إلى موظفين كتابيين فرأى أن من صالح العمل ندب هؤلاء العمال في هذه الوظائف.
أما عن صرف مرتب إضافي لموظفين فقد اقتضى ذلك عملهم في غير أوقات العمل الرسمية وكان الاعتماد المخصص لهذا الغرض يعرض على مجلس الإدارة للموافقة عليه، كذلك فإن لم يكن للمدعي يد في التصريح لبعض كبار الموظفين بالاشتغال في الخارج فضلاً عن أن القواعد المنظمة لهذا الحظر لم تكن قد صدرت بعد. أما عن رفع ماهية أحد الموظفين أو منح علاوة غلاء لآخر خطأ فتلك مسئولية رئيس المستخدمين الذي جوزي عن الواقعة الأولى بالفصل. وفيما يتعلق بالترخيص للمشرف الرياضي باستخدام سائق في نوبة بعد الظهر فليس فيه ما يمكن أن يؤاخذ عليه المدعي. إذ كان هذا المشرف يستعمل سيارته الخاصة دون مقابل وكانت مهمته تقتضي الانتقال اليومي إلى النادي وإلى المباريات المختلفة في الأندية، وكانت الإدارة تتجه دائماً إلى تشجيع هذا النشاط بين موظفي المرفق وعماله وكان لها ناد تليد يعرف باسم ناد الترام.. وأخيراً فإن ما أثير حول أذونات الصرف وحوافظ التوريد فذلك من اختصاص إدارة الحسابات وليس من عمل المدعي، وأن الأمر لا يعدو أن إدارة الحسابات كانت ترى حفظ الإيصالات في الملفات الخاصة بها ولا ترفقها بالأذونات لأن ذلك كان متعذراً عليها لأسباب مادية بحتة.
وقد تحدثت مذكرة المدعين عن مآثر مورثهما على إدارة النقل وما حققه لهذا المرفق خلال عشرين عاماً واستندت في أحقيته في المكافأة على قرار مجلس إدارة النقل العام الصادر في 29/ 7/ 1949 والذي جاء به أنه قد تقرر فيما يختص بالموظفين المنتدبين من السكك الحديدية أن تشمل مرتباتهم المهايا الحكومية وفرق المرتب الذي يعطى لهم من إدارة النقل فإذا زيد المرتب الكلي فتخصم هذه الزيادة من فرق المرتب المشار إليه وتحسب المكافأة عند تركهم الخدمة على أساس جميع ما يتقاضونه من الحكومة ومن إدارة النقل المشترك". وهذا القرار يثبت حق الورثة في المكافأة عن مدة خدمة مورثهم اعتباراً من تاريخ ندبه للعمل بإدارة النقل حتى تاريخ وفاته أي من 1/ 1/ 1934 حتى 6/ 5/ 1958.
ومن حيث إنه بجلسة 7 من يونيه سنة 1961 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها بأحقية ورثة المرحوم حسن راسم في صرف مرتب مورثهم عن المدة من 11/ 2/ 1954 إلى تاريخ وفاته في 6/ 5/ 1958 وصرف المكافأة عن مدة خدمة المورث ابتداء من 1/ 10/ 1950 تاريخ إحالته إلى المعاش لغاية 11/ 2/ 1954 تاريخ فصله من إدارة النقل المشترك مع إلزام الطرفين بالمصروفات مناصفة. وأقامت قضاءها على أنه ظاهر من الفقرة ح من قرار مجلس الإدارة الصادر بجلسة 11/ 2/ 1954 أن المجلس قرر الاستغناء عن المهندس حسن راسم اعتقاداً منه بسبق طلب اعتزاله الخدمة. وإذ ثبت أنه لم تقدم استقالة من المذكور - وذلك مسلم به - فإن قرار الاستغناء بهذه المثابة يفقد ركنه وهو الاستقالة ولا يصادف محلاً فيقع باطلاً.@
وفيما يتعلق بصدور القرار المطعون فيه بغير تحقيق أو محاكمة فإنه لما كان مجلس إدارة النقل العام هو السلطة العليا النهائية التي تفصل في كل شئون الإدارة وفقاً لحكم المادة الخامسة من القانون رقم 22 لسنة 1954 فإن ذلك يتطلب إطلاق يده في تنظيم المرفق وفي إدارته باختيار أقدر الأشخاص على العمل في خدمته وإبعاد من يرى أنه غير صالح لإدارته متى توفرت لديه الأسباب التي تبرر هذا العزل وذلك دون محاكمة تأديبية ودون أن يكون ملزماً بذكر الأسباب التي يؤسس عليها قراره في هذا الشأن وهذا من الملاءمات المتروكة لتقدير مجلس الإدارة بلا معقب عليه ما دام خلا من عيب إساءة استعمال السلطة فلم يستهدف سوى المصلحة العامة. وأن هذه السلطة تجد لها سنداً كذلك فيما ورد في لائحة الإدارة الصادرة في أول يناير سنة 1948 التي فصل المدعي في ظلها قبل صدور اللائحة الجديدة إذ جاء في فقرتها العاشرة أن البت في شئون الموظفين الذين يشغلون الوظائف الرئيسية من حيث التعيين وتحديد المرتب والترقية ومنح العلاوات والمكافآت والجزاءات والاستغناء وإلغاء وظائفهم من اختصاص مجلس الإدارة - وأنه لا شك في أن ورود عبارتي الجزاءات والاستغناء على هذا الوجه من التتابع يفصح في الدلالة على أن الفصل من الخدمة قد يكون بالطريق التأديبي بعد تحقيق ومحاكمة وقد يكون بغير الطريق التأديبي بقرار يصدره المجلس دون تحقيق أو محاكمة. وأنه ما دام أن الإدارة قد أفصحت عن الأسباب التي تبرر الفصل فإنه يتعين النظر فيما إذا كانت هذه الأسباب تؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها الإدارة بتقرير فصل مورث المدعين من الخدمة.
ثم عرض الحكم لهذه الأسباب فقال إن تقارير ديوان المحاسبة من سنة 1950 إلى سنة 1953 قد تضمنت ملاحظات ومخالفات وأخطاء، وأنه يبدو من الاطلاع عليها أن ملاحظات الديوان ليست مقصورة على المدعي بل تشمل أشخاصاً آخرين لهم اختصاص معين حدده مجلس الإدارة الذي يعد المدير القانوني للمرفق يليه عضو مجلس الإدارة المنتدب الذي يعد وكيل المجلس في الإدارة والمسئول عنها، وليس من المعقول أن يعد المدعي مسئولاً عن مسائل تدخل في اختصاص مجلس الإدارة والعضو المنتدب كما أنه ليس من المعقول أن يسأل عن أعمال غيره من الموظفين، وأنه بالنسبة لما نسب إلى المدعي بشأن توسيع عيادة سيدي جابر أو منح التصاريح المجانية فإن هذه المسائل لم تصدر من المدعي وحده بل كان ذلك بإذن وموافقة مجلس الإدارة وكذلك الحال بالنسبة للتراخيص المجانية. والتليفونات للموظفين وغير ذلك من المسائل. وأنه فيما يتعلق بأرباح المرفق فإن مرفق النقل لا يعد مصدراً للربح، وأن المقارنة بين عامي 1953، 1954 لا تعد مقارنة صحيحة بسبب تغيير نظام الإجازات وتعديل سن التقاعد. كما أن الثابت من مشروع ميزانية 1952 ارتفاع أسعار الوقود مما أدى إلى تعديل رقم الأرباح إلى خسائر. أما عن عدم وجود لائحة المخازن والمشتريات فإن الإدارة وعدت بخطابها المؤرخ 27/ 12/ 1951 بالعمل على وضعها وشكلت بالفعل لجنة لهذا الغرض وكما يستفاد من ردها على الديوان في 18/ 3/ 1953 أن اللجنة فرغت من عملها وأنها ستعرض المشروع على مجلس الإدارة إلا أنها أرجئت ريثما تفرغ الحكومة من تعديل لائحتها. كما أنه بالنسبة لعدم إنشاء الأرشيف فإن صعوبة عملية في إنشائه واجهت الإدارة أثناء قيام المدعي بالعمل وبعد فصله. وعن التصاريح المجانية فهذا الأمر لا يعد خطأ ينسب إليه لأن العمل كان يجرى على هذه السنة في مرفق ترام الرمل وفي إدارة النقل منذ عام 1949 وقد سبق للمجلس أن وافق على استمرار العمل بالتصاريح الممنوحة سنة 1952 إلى 31 ديسمبر سنة 1953 كما أن عضو مجلس الإدارة المنتدب سبق أن تقدم إلى مجلس الإدارة في 26/ 9/ 1951 بمذكرة كان من نتيجتها أن انتهت اللجنة المالية إلى وضع اللائحة تصرف بموجبها هذه التصاريح ثم أرجأت اللجنة تنفيذها إلى أول يناير 1954 كما أن مجلس الإدارة منح تصاريح مختلفة بعد الاستغناء عن خدمات المدعي.
وإنه بالنسبة للتليفونات فإن المدعي لم يرتكب عملاً يؤاخذ عليه لأن منحها كان لضرورات العمل فضلاً عن أن تكاليفها كانت تعرض سنوياً على مجلس الإدارة. كذلك فإن توسيع عيادة سيدي جابر إنما عرض على مجلس الإدارة من عضو مجلس الإدارة المنتدب ولا مصلحة للمدعي فيه ولم يترتب عليه أي ضرر بالإدارة بل إن القيمة الإيجارية قد زادت من أربعة جنيهات إلى خمسة وعشرين وأن ما تضمنته تقارير الديوان من وقائع أخرى كإغفال النشر عن العطاءات وقبول العطاء الوحيد والاتفاق مع التجار مباشرة فالواقع أن العمل جرى في إدارة النقل العام على أساس تجاري، فلم تكن هناك قواعد مالية سارية على المصلحة وليس في رأي الديوان إلا التنبيه إلى اقتباس النظم الحكومية. وأنه يفهم من كتاب الديوان أن الأمر يتعلق بعملية إصلاح سيارات أسندت إلى شركة فورد بشأن سيارات كانت الإدارة قد ابتاعتها منها، فكان طبيعياً أن تعهد إليها بإصلاحها بحكم كونها الشركة المنتجة والمحتكرة.
وفيما يتعلق بتأخر إحالة المخالفات التأديبية إلى مجلس التأديب وتأخر الفصل فيها وتأخر تنفيذها فإن من المسلم به أن المخالفات التأديبية لموظفي الإدارة من اختصاص مدير قسم المستخدمين ومن واجباته، وأن الفصل في هذه المخالفات من اختصاص مجلس التأديب فلا سبيل لمساءلة المدعي في هذا الشأن وإلقاء عبء تقصير غيره عليه. أما عن ندب العمال الفنيين من عملهم الأصلي بالورش لأعمال كتابية رغم حاجة العمل إليهم فإن ذلك قد حدث بمناسبة إصدار الحكومة كادراً لذوي المؤهلات الصناعية فطالب هؤلاء العمال بتطبيقه عليهم وكانت لائحة الإدارة لا تمنع من تعيين العمال في وظائف كتابية فرأى المدعي أن من صالح العمل ندب هؤلاء للقيام بأعمال المخازن والحسابات بدلاً من تعيين موظفين من الخارج. وأنه إذا علم أن مجلس إدارة النقل قرر في جلسته المنعقدة في 20/ 5/ 1954 بعد نقل المدعي تخويل الإدارة سلطة توجيه العمل في أي اتجاه تراه للانتفاع بجهودهم وكفاءتهم لدل ذلك على أن المدعي لم يخالف واجباً أو لائحة وأن تصرفه كان قائماً على أساس سليم درجت عليه الإدارة بعد فصله.
أما عن القول بصرف مرتبات إضافية بالمخالفة لأحكام اللوائح فالواقع أن الديوان عنى المكافأة التي كانت تصرف لمساعد مدير الحسابات، ويرد على ذلك بأن عمل مساعد مدير الحسابات كان يجاوز ساعات العمل الرسمية، وكان يصرف له المرتب الإضافي مقابل إشرافه على العمل بأقلام التذاكر والمانفستات والخزانة وكان هذا العمل يتطلب منه الانتقال من مكان إلى آخر. وقد تم صرف هذه المكافأة في حدود الاعتماد المدرج بالميزانية المعتمدة من مجلس الإدارة، وينطبق ذلك على المكافأة التي تصرف لموظف بقسم صيانة السيارات والتي أشار إليها الديوان وقدرها جنيهان إذ كان صرفها في حدود الاعتماد المدرج في الميزانية. ولا وجه لمساءلة المدعي عن الترخيص لأحد كبار الموظفين بقيد اسمه في جدول الخبراء إذ قد صدر هذا الترخيص من المدير العام على ما يبين من الكتاب الموجه إلى المدعي في 4/ 5/ 1946، كذلك فإنه لا وجه لمساءلته عن رفع ماهية أحد الموظفين وهو السيد عبد اللطيف ناصف إذ أجريت تسوية مرتبه بمعرفة رئيس المستخدمين الذي جوزي عن هذا الإهمال. أما الترخيص للمشرف الرياضي باستخدام أحد عمال الإدارة لقيادة سيارته الخاصة فالواقع أن المشرف تطوع للتنقل بسيارته الخاصة في المباريات المختلفة التي يشترك فيها نادي الترام وأن الإدارة وافقت على أن يندب أحد السائقين لقيادة سيارته في نوبة بعد الظهر ولا يمكن نسبة الخطأ إلى المدعي في هذا التصرف إزاء الاهتمام بالنشاط الرياضي.
وخلص الحكم المطعون فيه إلى أنه يتضح مما تقدم أن ما وجه إلى المدعي من ادعاء غير قائم على أساس سليم، وأن الرجوع إلى اللوائح وما جرى عليه العمل ليبعد كل شبهة عن المدعي في نسبة التقصير إليه، وأنه من الأنصاف أن يذكر للمدعي أنه أمضى في خدمة مرفق النقل قرابة العشرين عاماً وكان نشاط الإدارة مقصوراً يوم بدأ العمل فيها على خط ترام الرمل فتوسع نشاطها على مر الأيام فأصبح في الإسكندرية للنقل شبكة متكاملة تجمع ما بين أطرافها وضواحيها القاصية وتضم خدمة النقل كلها من ترام الرمل إلى ترام المدينة إلى أتوبيس الرمل وأتوبيس المدينة تحت إدارة واحدة شاملة فضلاً عما كان له من أعمال مجيدة أخرى إذ صنعت هياكل الأتوبيسات لأول مرة في إدارة النقل وكان هو واضع التصميم ومباشر صنعها وأنه أدار المرفق بشعبة الأربعة وأمكنه أن يحل في هذه الإدارة محل شركات الامتياز وقد غل لهذه الإدارة ربحاً وفيراً تشهد به حصة البلدية من هذا الربح دون الالتجاء إلى القروض وكان المدعي إلى جانب ذلك خبيراً في شئون النقل يرجع إليه في شتى شئونها من كل الجهات.
واستطرد الحكم إلى القول بأنه وبعد كل ما تقدم فإن القرار الصادر بالاستغناء عن خدمات المدعي في 11/ 2/ 1954 فضلاً عن بطلانه لصدوره استناداً إلى استقالة غير موجودة فإنه لم يستند إلى سبب سليم يبرره، ويعد في الواقع قراراً بالفصل من الخدمة لم يتضمن أسباباً تؤدي إليه ومن ثم يتعين الحكم لوارثي المدعي بكافة ما كان يستحقه من مرتبات من تاريخ الاستغناء عنه إلى تاريخ وفاته وفي إجالة هذا الطلب جبر لكل طلب خاص بالتعويض ومن ثم فإنه يتعين إطراح طلب التعويض لهذا السبب. أما عن طلب المكافأة فإنه يتعين صرفها إلى وارثيه عن المدة من 1/ 10/ 1950 لغاية 11/ 2/ 1954 وذلك على أساس أن المدة من أول يناير سنة 1934 لغاية 11 فبراير سنة 1954 كان يتقاضى عنها معاشاً وأنه لا يجوز أن يجمع بين المعاش والمكافأة وأما عن المدة من 11 فبراير سنة 1954 لغاية تاريخ وفاته فإنه لا يستحق عنها مكافأة كذلك لأنه لم يؤد خلالها عملاً وإنما قصد بصرف المرتب عنها أن يكون تعويضاً عن الفصل.
ومن حيث إن طعن السيد/ محمد حسن راسم والسيدة فتحية أحمد أبو أصبع يقوم على أن الحكم في خصوصية ما قضى به بالنسبة لمكافأة مدة خدمة مورث الطاعنين قد أخطأ في تطبيق القانون وصدر مشوباً بعيب القصور في التسبيب مما يجعله باطلاً خليقاً بالإلغاء. فهو قد أخطأ في تطبيق القانون لأن حق مورثهما في المكافأة إنما يستند إلى القرار الصادر من مجلس إدارة النقل العام في 28/ 7/ 1949 وأما قول الحكم بعدم جواز الجمع بين المكافأة والمعاش فلا سند له، ذلك أن المادة 60 من قانون المعاشات رقم 37 لسنة 1959 إنما حظرت الاستيلاء على أكثر من معاش واحد من خزانة الدولة فلا وجه لتطبيق هذا الخطر الذي لا يقوم حكمه إلا إذا كانت المعاشات كلها مستحقة بالتطبيق لقوانين المعاشات الحكومية الخاصة بموظفي الدولة ولما كان الثابت أن إدارة النقل ذات ميزانية مستقلة كل الاستقلال عن الميزانية العامة للدولة وغير ملحقة بها، ولا تخضع للنظم الحكومية بل لها لوائحها ونظمها الخاصة فإن الجمع بين مرتب أو معاش وبين المكافأة التي تقررها لائحة خاصة عمل جائز لا يصادفه الحظر - وفيما يتعلق بقصور التسبيب فإن الحكم لم يبين الأساس القانوني الذي استمد منه حكمه في شأن المكافأة ولم يرد على ما أثارته إدارة النقل بشأن تطبيق قرار مجلس الإدارة الصادر في 19/ 7/ 1945، وتخاذلت أسبابه فيما يتعلق بهذه الواقعة بين الفصل والوفاة إذ رفض الحكم بالمكافأة عن هذه الفترة بمقولة إن المورث لم يؤد عملاً خلالها في حين أن من النتائج المباشرة لبطلان قرار الفصل استعادة المورث مركزه القانوني بكافة حقوقه ومنها استحقاقه المكافأة عن المدة التالية لقرار الفصل الذي أبطله الحكم حتى يوم وفاته.
ونعت إدارة النقل العام في صحيفة طعنها على الحكم مخالفته للقانون إذ قضى للورثة بالتعويض ورددت ما سبق لها من دفاع في هذا الشأن.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قدمت تقريراً بالرأي القانوني انتهت فيه إلى القول بأن قرار الفصل قد قام على أسباب غير سليمة مما يضفي عليه صفة عدم المشروعية بل إنه بالصورة التي صدر بها يمثل انحرافاً في استعمال السلطة مما يستتبع الحكم بتعويض جزافي للورثة. وأنه فيما يتعلق باستحقاق المكافأة فإنه لا شك في استحقاق الورثة للمكافأة اعتباراً من أول يناير سنة 1934 تاريخ التحاق المورث بالعمل في إدارة المرفق إلى أول أكتوبر سنة 1950 إذ أن تحريم الجمع بين المعاش والمكافأة بموجب حكم المادة 60 من القانون رقم 37 لسنة 1929 منوط بأن يكون مما تتحمله الخزانة العامة للدولة على حين أن إدارة النقل العام مؤسسة عامة ذات ميزانية مستقلة كل الاستقلال عن ميزانية الدولة وعلى ذلك فإن الجمع بين المعاش الحكومي وبين المكافأة المستحقة من إدارة النقل يكون عملاً جائزاً.
ومن حيث إنه يبين من تقصي المراحل التي مر بها مرفق النقل بمدينة الإسكندرية والقواعد التنظيمية التي وضعت في شأنه والتي عاصرها مورث المدعين وسرت بعض أحكامها عليه أنه بتاريخ 12 من أغسطس سنة 1928 صدر قرار مجلس الوزراء بإنشاء إدارة لاستغلال خطوط ترام وسيارات سكة حديد الرمل الكهربائية طبقاً للشروط المقررة بالاتفاقات المعقودة بين بلدية الإسكندرية من جهة ووزارات المالية والمواصلات والداخلية من جهة أخرى. وقد منحت هذه الإدارة الشخصية المعنوية بمرسوم صادر في 13 من إبريل سنة 1939. إذ نصت مادته الأولى على أن تعتبر إدارة سكة حديد الرمل الكهربائية شخصاً معنوياً باسم "إدارة النقل المشترك بالرمل" وأعيد تنظيم هذه الإدارة بالمرسوم الصادر في 19 من أكتوبر سنة 1949 بعد انتهاء امتياز شركة ترام الإسكندرية ونصت المادة الأولى من هذا المرسوم على أن تنشأ إدارة الاستغلال شئون النقل جميعاً بمنطقة الإسكندرية وضواحيها ونصت المادة الثالثة على أن تقصر جميع أعمال النقل المشترك في منطقة الإسكندرية على هذه الإدارة بحيث لا يمنح أي ترخيص لغيرها من الشركات أو الأفراد ونصت المواد 8، 9، 10 على أن مجلس الإدارة هو السلطة العليا النهائية التي تفصل في كل شئون الإدارة، وأن يتولى عضو مجلس الإدارة المنتدب الإشراف على الإدارة المذكورة، وعلى أن يدير إدارة النقل المشترك مدير يعينه مجلس الإدارة. ونصت المادة 11 على أن يضع مجلس الإدارة لائحة للنظام الداخلي تحدد فيها المسئوليات والاختصاصات واستناداً إلى هذه المادة أصدر مجلس الإدارة في أول يناير سنة 1948 اللائحة الداخلية لإدارة النقل المشترك ونصت في مادتها العاشرة على أن يختص مجلس الإدارة بالبت في شئون الموظفين الذين يشغلون الوظائف الرئيسية - ومنها وظيفة المدير - من حيث التعيين وتحديد المرتب والترقية ومنح العلاوات والمكافآت والجزاءات والاستغناء وإلغاء الوظيفة. وفي 9 من يناير سنة 1954 صدر القانون رقم 22 لسنة 1954 بإنشاء إدارة النقل العام بمنطقة الإسكندرية فألغي المرسوم الصادر في 19 من أكتوبر سنة 1949 ونصت المادة الخامسة منه على أن مجلس الإدارة هو السلطة العليا النهائية التي تفصل في كل شئون الإدارة وأن له على وجه خاص وضع اللائحة الداخلية على أن يبين فيها النظم الخاصة بالموظفين والعمال دون التقيد بنظام موظفي الدولة واختصاصات مدير الإدارة ونصت المادة الثامنة على أن يدير إدارة النقل العام مدير يعينه مجلس الإدارة كما نصت المادة التاسعة على أن يكون لإدارة النقل ميزانية مستقلة وفي 24 من إبريل سنة 1954 أصدر مجلس الإدارة اللائحة الداخلية التي نصت على اختصاص المجلس بفصل كبار الموظفين والاستغناء عنهم.
ومن حيث إنه يخلص من الأحكام السابقة أن إدارة النقل العام لمنطقة الإسكندرية تعتبر بحكم إنشائها ومنحها الشخصية المعنوية وقيامها على مرفق النقل بمدينة الإسكندرية وضواحيها وتشكيل مجلس إداراتها والسلطات المخولة له واستقلال ميزانيتها من المؤسسات العامة وينبني على ذلك اعتبار موظفيها من الموظفين العموميين وعلاقتهم بالإدارة علاقة تنظيمية والمستفاد من الأحكام المتقدمة أيضاً أن مجلس الإدارة هو السلطة العليا المهيمنة على شئون هذا المرفق.
ومن حيث إن الثابت أن مجلس الإدارة أصدر قراره بفصل المرحوم حسن راسم في 11 فبراير سنة 1954 أي في أعقاب نفاذ القانون رقم 22 لسنة 1954 وقبل صدور لائحته التنفيذية. وإذ خلا القانون من النص على الجهة المختصة بفصل مدير الإدارة على حين عقدت اللائحة السابقة هذا الاختصاص لمجلس الإدارة فقد نازع المدعيان في اختصاص المجلس بهذا القرار استناداً إلى أن اللائحة لم يعد لها بعد نفاذ القانون الجديد من قيام، في حين تمسكت الإدارة بقيام هذه اللائحة.
ومن حيث إن اللوائح التنفيذية إنما تستمد وجودها وقوتها من القانون الذي تصدر تنفيذاً لأحكامه فإذا ما ألغي هذا القانون، ولم ينص القانون اللاحق على بقاء اللوائح التنفيذية الصادرة تنفيذاً للقانون السابق قائمة ومعمولاً بها إلى أن تعدل أو تلغى طبقاً للقانون الجديد، فإن ذلك يستتبع حتماً وبالضرورة اعتبار اللوائح السابقة ملغاة دون أن يحل محلها شيء abrogée et non remplacée لأنها إنما تنبثق عن القانون ويتوقف مصيرها عليه وجوداً وعدماً.
ومن حيث إنه وإن كان من الممتنع قانوناً الاستناد إلى اللائحة التنفيذية السابقة في تقرير اختصاص مجلس الإدارة بفصل مدير إدارة النقل من غير الطريق التأديبي، إلا أن في أحكام القانون رقم 22 لسنة 1954 ما يسعف في هذا الشأن، فهو قد وسد لمجلس الإدارة، السلطة العليا النهائية التي تفصل في كل شئون الإدارة، وخوله في وضع اللائحة الداخلية على أن يبين فيها النظم المتعلقة بالموظفين دون التقيد بنظام موظفي الدولة، هذا إلى أن مجلس الإدارة هو الذي يملك وحده تعيين المدير. وقرارات مجلس الإدارة سواء فيما يتعلق بوضع اللائحة الداخلية أو بتعيين المدير هي من القرارات النهائية التي لا معقب عليها من السلطة الوصائية. ومن ثم فإنه لا شبهة في اختصاص مجلس الإدارة بفصل مورث المدعيين بغير الطريق التأديبي في الفترة ما بين نفاذ القانون رقم 22 لسنة 1954 وصدور اللائحة الجديدة.
ومن حيث إنه يبين من الرجوع إلى محضر الجلسة الثالثة لمجلس إدارة النقل العام لمنطقة الإسكندرية التي تقرر فيها الاستغناء عن خدمة مورث المدعيين أنه ورد بها ما يلي:
ح - عن مقدمي الاستقالة بشرط دفع مرتب سنتين.
قرر المجلس الاستغناء ابتداء من 11/ 2/ 1954 عن خدمات السادة: المهندس حسن راسم مدير الإدارة.
وقد أبلغ المرحوم حسن راسم بكتاب تضمن أن مجلس الإدارة قرر الاستغناء عن خدماته دون أن يشار فيه إلى أن ثمة استقالة مقدمة منه ودون أن تبين أسباب هذا الاستغناء على أن الإدارة عمدت أثناء نظر الدعوى إلى تقديم الأسباب والتي تتحصل أولاً وبصفة عامة في وقوع عجز في ميزانية المرفق في السنتين 1952 و1953 على التوالي وثانياً في فساد التنظيم الداخلي لأقسام المرفق المختلفة من ناحية وإهمال من جانب كبار الموظفين وعلى رأسهم المدعي من جهة أخرى، وأن هذا الإهمال يتمثل في عدم وضع لائحة للمخازن والمشتريات وعدم تنظيم الأرشيف، وعدم توفير الضمانات الكافية لأرباب العهد، والإسراف في منح تراخيص الركوب المجانية وفي منح تليفونات للموظفين، واستخدام اعتماد مالي في غير الغرض المخصص له وتجاوز الاعتماد دون الرجوع إلى مجلس الإدارة، ومخالفات تتعلق بالمناقصات وأخرى تتعلق بالموظفين وثالثة تتصل بأعمال الحسابات والشئون المالية.
ومن حيث إنه ولئن كانت الإدارة غير ملزمة بتسبيب قراراتها بفصل الموظفين من غير الطريق التأديبي إلا أنها إذا ما ذكرت أسباباً لقرارها فإن هذه الأسباب تكون خاضعة لرقابة القضاء الإداري للتحقق من مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون وأثر ذلك على النتيجة التي انتهى إليها قرارها. فإن استبان لها أنها غير مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانوناً فقد القرار الأساس القانوني الذي ينبغي أن يقوم عليه وكان مشوباً بعيب مخالفة القانون.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد فند الأسباب التي تذرعت بها الإدارة لإلغاء القرار الصادر بفصل مورث المدعيين وانتهى إلى عدم مشروعية القرار لاستناده إلى استقالة لم تقدم ولعدم قيامه على سبب يبرره.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أصاب وجه الحق فيما انتهى إليه من عدم مشروعية القرار الصادر بفصل مورث المدعيين للأسباب السائغة التي ارتكن إليها والتي من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها والتي تضيف إليها هذه المحكمة أن الإدارة إنما تذرعت بادئ الأمر في إنهاء خدمته بأن ذلك كان بناء على طلبه على نحو ما هو ثابت بمحضر جلسة مجلس الإدارة. وما أن علم المدعي بهذا القرار حتى بادر قبل أن يبلغ إليه بالتظلم منه، وإذ أيقنت الإدارة أنه لن يسكت على حقه وأنه لا بد لائذ بالقضاء لمخاصمتها لعدم تقديمه أية استقالة عمدت في كتاب التبليغ الموجه إليه إلى إغفال الإشارة إلى أن ثمة طلباً منه باعتزال الخدمة وضمنت هذا الكتاب أن مجلس الإدارة قرر الاستغناء عن خدماته، ولم تفصح في هذا الكتاب عن الأسباب التي استندت إليها في إصدار القرار بيد أنها وفي أثناء نظر الدعوى ساقت للفصل أسباباً عدة، ويبين من العرض لهذه الأسباب أنها لم تكن محل بحث الإدارة وتمحيصها وأنها نقلت من ملاحظات لديوان المحاسبة كان قد ضمنها تقاريره الدورية عن المؤسسة في سنوات مختلفة وظهر أن جانباً من هذه الأسباب لم يؤيده الواقع وأقرت الإدارة نفسها بعدم كفايته في مساءلة المدعي وأن الجانب الآخر هو مما لا يجوز مؤاخذة المدعي عنه على ما سبقت الإشارة إليه في أسباب الحكم المطعون فيه والتي تأخذ بها هذه المحكمة.
ومن حيث إن مسلك الإدارة على الوجه المتقدم إن دل على شيء فإنما يدل على أن قرارها المطعون فيه قد صدر مفتقداً ركن السبب وأن الإدارة كانت عليمة بذلك وأنها راحت بعد صدوره تتلمس الأسباب التي يمكن أن تتذرع بها لحمل القرار فزعمت بادئ الأمر أن سبب القرار هو الاستقالة ثم لجأت آخر الأمر إلى تقارير ديوان المحاسبة علها تجد فيها ما تصح نسبته إليه إلا أن الأسباب التي استندت إليها لم تنهض بدورها على أساس مكين.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد رتب على عدم مشروعية قرار الفصل أحقية الورثة فيما كان يستحقه مورثهم من مرتبات عن المدة من تاريخ الاستغناء عنه في 11 من فبراير سنة 1954 إلى تاريخ وفاته في 6 من مايو سنة 1958.
ومن حيث إنه سبق لهذه المحكمة أن قضت أن إلغاء قرار الفصل لا يترتب عليه أن يعود للموظف حقه في المرتب تلقائياً بل إن ذلك يخضع لاعتبارات أهمها أن هذا الحق يقابله واجب وهو أداء العمل الذي حيل بين الموظف وبين أدائه كما حرمت منه الجهة الإدارية بالفصل. ومتى كان ذلك فإن الحكم للورثة بمرتب مورثهم خلال فترة الفصل بمقولة إن ذلك مترتب على عدم مشروعية القرار يكون على غير أساس سليم من القانون.
ومن حيث إن المحكمة ترى - في ضوء ظروف الدعوى وملابساتها - أن تقدر لورثة المدعي تعويضاً جزافياً شاملاً قدره ألفان وخمسمائة جنيه مصري لقاء ما أصاب مورثهم من أضرار وما فاته من كسب نتيجة لقرار الفصل غير المشروع، ويدخل في عناصر ذلك التعويض بطبيعة الحال ما فات المورث من مرتب أو مكافأة في الفترة الواقعة بين تاريخ فصله إلى تاريخ وفاته.
ومن حيث إن مبنى الطعن المقدم من ورثة المدعي أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون إذ قضى بعدم أحقية مورثهم في مكافأة نهاية الخدمة بإدارة النقل العام عن المدة من أول يناير سنة 1934 إلى أول أكتوبر سنة 1950 بحجة أنه لا يجوز الجمع بين المعاش المستحق له من مصلحة السكك الحديدية وبين مكافأة نهاية الخدمة المستحقة له من إدارة النقل فضلاً عن ما شابه من القصور في التسبيب إذ قضي بحرمان مورثهم من هذه المكافأة عن المدة من تاريخ فصله بغير الطريق التأديبي في 11 من فبراير سنة 1954 إلى تاريخ وفاته في 6 من مايو 1958.
ومن حيث إن القاعدة التنظيمية التي يستند إليها ورثة المدعي في صرف مكافأة نهاية الخدمة عن مدة عمله بإدارة النقل وقد وردت بالقرار الصادر من مجلس إدارة النقل المشترك في 19 من يوليه سنة 1945 بشأن المعاملة المالية للموظفين المنتدبين من مصلحة السكك الحديدية، وقد ظل هذا القرار سارياً حتى تاريخ وفاة مورثهم. وينص هذا القرار على أنه "فيما يختص بالموظفين المنتدبين من مصلحة السكك الحديدية تشمل مرتباتهم المهايا الحكومية وفرق المرتب الذي يعطى لهم من إدارة النقل المشترك فإذا زيد المرتب الحكومي فتخصم هذه الزيادة من فرق المرتب المشار إليه، وتحسب المكافأة عند تركهم الخدمة على أساس جملة ما يتقاضونه من الحكومة ومن إدارة النقل المشترك.
ومن حيث إنه قد يؤخذ من هذا النص أن إدارة النقل العام قد رتبت للموظفين المنتدبين للعمل فيها من مصلحة السكك الحديدية حقاً في مكافأة نهاية الخدمة المقررة في الأصل لموظفيها وصرف النظر عن استحقاقهم لمعاش ومكافأة في وظائفهم الأصلية عن ذات مدة الخدمة.
ومن حيث إن المادة 60 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 بشأن المعاشات المدنية والتي يسري حكمها على المدعي تنص على أنه "لا يجوز بحال من الأحوال الاستيلاء على أكثر من معاش واحد من خزانة الدولة، فإذا كان لشخص حق في أكثر من معاش فله أن يختار المعاش الأكثر فائدة له". ويبين من هذا النص أن المخاطبين بحكمه هم الموظفون أو المستحقون عنهم الذين يتقاضون معاشات أو مكافآت بمقتضى أحكام القانون رقم 37 لسنة 1929، فيمتنع عليهم الجمع بين هذا المعاش أو المكافأة وبين أي معاش أو مكافأة مرتب على خزانة الدولة أياً كانت القاعدة التنظيمية التي تقرره وذلك ما لم ينص قانون لاحق أو خاص على إجازة مثل هذا الجمع. وإذ كانت عبارة النص واضحة فإنه لا يجوز الانحراف عنها عن طريق تأويل النص بدعوى أنه من القيود التي ترد على أصل الاستحقاق والتي يلزم عدم التوسع في تفسيرها وذلك توطئة للقول بأن المقصود به إنما هو تحريم الجمع بين معاشات أو مكافآت مرتبه بمقتضى قوانين المعاشات الحكومية دون غيرها، وأنه من ثم يجوز الجمع بين المعاش المستحق من الحكومة بمقتضى أحكام القانون 37 لسنة 1929 وبين المعاش أو المكافأة المستحقة لدى مؤسسة عامة ذات ميزانية مستقلة - ذلك التأويل هو تخصيص بغير مخصص من النص أو حكمة التشريع، إذ أن المؤسسات والهيئات العامة لا تعدو أن تكون مصالح عامة منحت الشخصية المعنوية لتتمتع بقدر من الاستقلال في ممارسة النشاط المرفقي التي تخصصت للقيام عليه فهي من أجهزة الدولة الإدارية وموظفوها موظفون عموميون وأموالها مملوكة للدولة وعلى ذلك فإن المعاشات أو المكافآت التي تصرف من خزانتها تعتبر مصروفة من خزانة الدولة فلا يجوز الجمع بينهما وفقاً للنص المشار إليه. يساند ذلك أن المادة 51 من القانون رقم 37 لسنة 1929 نصت على أنه إذا أعيد صاحب المعاش إلى الخدمة سواء بصفة نهائية أو وقتية أو بصفة مستخدم خارج الهيئة يوقف صرف معاشه. وقد صدر استثناء من حكم هذا النص القانون رقم 25 لسنة 1957 الذي نصت المادة الأولى منه على أنه استثناء من أحكام قوانين المعاشات - ومنها القانون رقم 37 لسنة 1929 - يجوز للوزير وللرئيس المختص بعد موافقة وزير المالية الترخيص في الجمع بين المرتب والمعاش الذي يتقاضاه الموظف السابق الذي يعود للعمل في الحكومة أو في إحدى الهيئات أو المؤسسات العامة ذات الميزانية المستقلة أو الملحقة". وبهذا التشريع يكون المشرع قد أفصح عن مقاصده في تحديد نطاق تطبيق حكم حظر الجمع بين المعاشات والمرتبات فساوى بين المرتبات المستحقة عن الحكومة من جهة وتلك المستحقة من الهيئات العامة والمؤسسات العامة من جهة أخرى، وهو ما يتعين الأخذ به في مجال الحكم الخاص يحظر الجمع بين المعاشات أو المكافآت باعتبار أن المعاشات هي في الواقع من الأمر مرتبات آجلة.
ومن حيث إنه إذا كان الأصل الوارد بالمادة 60 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 أنه لا يجوز الجمع بين أكثر من معاش مرتب على خزانة الدولة بصورة مطلقة وبصرف النظر عن اتحاد أو اختلاف المدة التي يستحق عنها كل من المعاشين إلا أن الواقع أنه إذا اتحدت المدة التي يستحق عنها الموظف أكثر من معاش أو مكافأة فإن حظر الجمع يكون من المسلمات التي لا تحتاج إلى نص بتقريره، فمادامت الفترة الزمنية التي يستحق عنها كل من المعاشين واحدة لم يعد ثمة موجب للنص على حظر الجمع بينهما لأن هذا الحكم يكون تطبيقاً للقواعد العامة من حيث عدم الإثراء على حساب الغير بدون سبب ولأنه يتجافى مع الأصول المقررة في منح المعاشات.
ومن حيث إنه بالبناء على ما تقدم فإنه يمتنع الجمع بين المعاش المستحق لمورث المدعين من الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية وبين مكافأة نهاية الخدمة المستحقة له بإدارة النقل العام في الفترة من أول يناير 1934 تاريخ ندبه للعمل بإدارة النقل إلى أول أكتوبر سنة 1950 تاريخ إحالته إلى المعاش من وظيفته بمصلحة السكك الحديدية.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً وفي موضوعهما بتعديل الحكم المطعون فيه وذلك بإلزام إدارة النقل العام بالإسكندرية بأن تدفع لورثة المدعي تعويضاً قدره ألفان وخمسمائة جنيه مصري وألزمت الإدارة المذكورة بالمصروفات وبتأييد الحكم فيما عدا ذلك.

الطعن 14 لسنة 9 ق جلسة 11 / 12 / 1966 إدارية عليا مكتب فني 12 ج 1 ق 39 ص 389

جلسة 11 من ديسمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ مصطفى كامل إسماعيل نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد مختار العزبى وأحمد علي البحراوي والدكتور أحمد ثابت عويضة وسليمان محمود جاد المستشارين.

--------------

(39)

القضية رقم 14 لسنة 9 القضائية

(أ) مرفق سكك حديد الدلتا. "موظفوه". موظف عام "مركز تنظيمي".

إدارة الدولة مرفق سكك حديد الدلتا بوصفه مرفقاً عاماً بالطريق المباشر. أثره. اعتبار موظفيه وعماله ومستخدميه في عداد الموظفين العموميين - لا يحول دون ذلك استمرار خضوعهم في جميع شئونهم الوظيفية للقواعد والأحكام المنظمة لعلاقتهم بالإدارة القديمة - ليس ثمة ما يمنع قانوناً من استعارة بعض الأحكام التي تنظم العلاقات العقدية لكي تحكم حالات خاصة بموظفي الدولة.
(ب) مرفق سكك حديد الدلتا. "موظفوه. مكافآتهم" موظفون أجانب.
قرار مجلس الوزراء في 10 من يونيه سنة 1953 بالإبقاء على نظم التوظف المعمول بها في مرفق سكك حديد الدلتا. لا يكسب موظفيه غير المتمتعين بجنسية الجمهورية العربية المتحدة حقاً في الحصول على مكافأة نهاية الخدمة.

--------------
1 - إن مرفق سكك حديد الدلتا بوصفه مرفقاً عاماً قد أخذت الدولة على عاتقها إدارته بالطريق المباشر اعتباراً من 10 من يونيه سنة 1953. بمقتضى قرار مجلس الوزراء سالف الذكر. ومن ثم فإن موظفيه ومستخدميه وعماله يعتبرون بهذه المثابة في عداد الموظفين العموميين منذ ذلك التاريخ وإن استمروا طبقاً للإحالة الواردة في قرار مجلس الوزراء المشار إليه خاضعين في جميع شئونهم الوظيفية للقواعد والأحكام المنظمة لعلاقتهم بالإدارة القديمة وهي التي تضمنتها مجموعة الأوامر المستديمة التي أصدرتها شركة سكك حديد الدلتا مكملة بقانون عقد العمل الفردي، إذ ليس ثمة ما يمنع قانوناً من استعارة بعض الأحكام التي تنظم العلاقات العقدية لكي تحكم حالات خاصة بموظفي الدولة، وعندئذ تعتبر هذه الأحكام المستعارة بناء على النص عليها أو الإحالة إليها أحكاماً تنظيمية عامة بكل ما يترتب على ذلك من آثار.
2 - لا اعتداد بما أقام عليه الحكم المطعون فيه قضاءه من أن مجلس الوزراء حين أصدر قراره في 10 من يونيو سنة 1953 بالإبقاء على نظم التوظف المعمول بها في مرفق سكك حديد الدلتا يكون قد انتهى من مباشر السلطة الاستثنائية التي كانت مخولة بمقتضى المادة 12 من القانون رقم 44 لسنة 1936 آنف الذكر قبل تعديلها بالقانون رقم 1 لسنة 1954 النافذ اعتباراً من يناير سنة 1954 بما من شأنه أن يكسب المدعين حقاً في الحصول على مكافأة نهاية الخدمة لا ينال منه القانون رقم 1 لسنة 1954 بأثر رجعي، لا اعتداد بذلك كله لأن هذه السلطة الاستثنائية إنما خولت آنذاك لمجلس الوزراء لإعمالها في حالات فردية بالنسبة إلى موظفين أجانب انتهت مدة خدمتهم ويرى المجلس لأسباب معينة قائمة بهم يكون تقديرها موكولاً إليه منحهم مكافأة خاصة الأمر الذي لا تحتمله نصوص قرار مجلس الوزراء الصادر في 10 من يونيو سنة 1953 السابق الإشارة إليه أو مفهومها الضمني مما ينفي معه انطواء هذا القرار على معنى الإقرار للمدعين بمراكز ذاتية لا يجوز المساس بها بأثر رجعي.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن - المدعين أقاموا الدعوى رقم 402 لسنة 8 القضائية ضد الإدارة الحكومية لسكك حديد الدلتا ووزارة المواصلات بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية بالإسكندرية في 10 من ديسمبر سنة 1960. بعد أن صدر قرار لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة المذكورة في 6 من ديسمبر سنة 1960 بقبول طلب إعفائهم من الرسوم المقيد بجدولها تحت رقم 84 لسنة 8 القضائية في 19 من أكتوبر سنة 1960. وطلبوا في صحيفة دعواهم الحكم "باستحقاقهم مكافأة عن مدة خدمتهم من تاريخ تسلم الإدارة الحكومية لمرفق سكك حديد الدلتا حتى إنهاء خدمتهم، وذلك طبقاً للوائح شركة سكك حديد الدلتا مع إلزام الإدارة بالمصروفات" وقالوا شرحاً للدعوى إنهم كانوا يعملون في خدمة مرفق سكك حديد الدلتا، وقد قرر مجلس الوزراء أن يعهد بالمرفق المذكور إلى مصلحة السكك الحديدية لإدارته بالوضع الذي كان عليه لموظفي الدلتا وطبقاً للوائحها وقواعدها وقد قررت الإدارة الاستغناء عن خدمتهم خلال سنة 1960، بحجة أنهم لم يستطيعوا الحصول على الجنسية المصرية، ورفضت أن تصرف إليهم مكافآت نهاية خدمتهم من تاريخ تسلم الإدارة الحكومية لمرفق سكك حديد الدلتا إلى تاريخ الفصل مستندة في رفضها صرف هذه المكافآت إلى حكم المادة 12 من القانون رقم 44 لسنة 1936 الخاص بتوظيف الأجانب. ولما كان القرار الصادر من مجلس الوزراء الذي عهد بمرفق سكك حديد الدلتا إلى الإدارة الحكومية قد نص على أن تكون إدارتها بالوضع الحالي لموظفي الدلتا وطبقاً للوائحها، فإنه يكون من حقهم الحصول على مكافأة مدة خدمتهم طبقاً للوائح شركة سكك حديد الدلتا عن المدة من تاريخ تولي الإدارة الحكومية للمرفق حتى تاريخ فصلهم. وبجلسة 4 من سبتمبر سنة 1962. حكمت المحكمة الإدارية بالإسكندرية "باستحقاق" المدعين مكافآت نهاية الخدمة عن مدة خدمتهم بمرفق سكك حديد الدلتا من وقت تولي مصلحة السكك الحديدية إدارتها حتى تاريخ انتهاء خدمتهم في شهر أغسطس سنة 1960 طبقاً لأحكام قانون عقد العمل الفردي واللوائح المعمول بها في المرفق المذكور قبل الإدارة الحكومية، وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الإدارة المصروفات ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة". وأقامت قضاءها على أنه يبين من نص المادة 12 من القانون رقم 44 لسنة 1936 الخاص بشروط توظيف الأجانب أن الأصل هو عدم استحقاق الموظفين العموميين الأجانب أي معاش أو مكافأة عن مدة خدمتهم الحكومية، إلا أن المشرع أجاز لمجلس الوزراء أن يقرر منح الموظفين العموميين الأجانب مكافآت خاصة كلما قضت بذلك مبررات استثنائية - يترخص مجلس الوزراء وحده في تقديرها بلا معقب عليه ما دام تقديره مبرءاً من إساءة استعمال السلطة. وقد تولى مجلس الوزراء استعمال الرخصة المخولة له بالقانون المذكور حين قرر بجلسته المنعقدة في 10 من يونيه سنة 1953 إبقاء نظام التوظيف المعمول به في مرفق سكك حديد الدلتا طبقاً للوائح والقواعد المقررة فيه في ظل اضطلاع مصلحة السكك الحديدية بإدارة هذا المرفق ومقتضى الإبقاء على النظام الوظيفي المتبع في المرفق المذكور أن يستحق موظفوه وعماله مكافآت نهاية الخدمة بالفئات وفي الحالات المنصوص عليها في قانون عقد العمل الفردي أو لوائح الشركة أيهما أفضل للموظفين والعمال وأكثر سخاء أياً كانت جنسية هؤلاء الموظفين والعمال حتى ولو كانوا من الأجانب كما هو الشأن بالنسبة إلى المدعين. ولا وجه للاستناد إلى القانون رقم 1 لسنة 1954 المعمول به من 4 من يناير سنة 1954، والذي سلب مجلس الوزراء سلطته في تقرير منح مكافآت خاصة استثنائية للموظفين والعمال الأجانب، لأنه في وقت نفاذ هذا القانون كان مجلس الوزراء قد انتهى من مباشرة سلطته في تقرير منح مكافآت استثنائية بقراره الصادر في 10 من يونيه سنة 1953، ومن ثم فلا تسري أحكام القانون المشار إليه في حق المدعين لما لها من أثر مباشر فقط.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن مدة خدمة الأجنبي لا يستحق عنها أية مكافأة أو معاش، وأنه تطبيقاً للأثر المباشر للقانون رقم 1 لسنة 1954 الذي سلب مجلس الوزراء سلطته في تقرير منح مكافآت استثنائية يتعين عدم حساب أية مكافأة عن مدة خدمة المطعون عليهم التالية لصدور هذا القانون، بوصفهم موظفين أجانب، حتى لا يؤدي الأخذ بغير ذلك إلى تغليب تشريع أدنى، وهو قرار مجلس الوزراء الصادر في 10 من يونيه سنة 1953، على تشريع أعلى، وهو القانون رقم 1 لسنة 1954، الأمر الذي لا يسوغ.
ومن حيث إنه يؤخذ مما سلف إيراده أن المدعين يطلبون بدعواهم الراهنة الحكم باستحقاقهم مكافأة نهاية الخدمة المنصوص عليها في لوائح شركة سكك حديد الدلتا استناداً إلى قرار مجلس الوزراء الصادر في 10 من يونيه سنة 1953، وذلك عن المدة من تاريخ تسلم الإدارة الحكومية لمرفق سكك حديد الدلتا حتى تاريخ فصلهم بينما تنكر عليهم الجهة الإدارية هذا الطلب تأسيساً على أنهم من الأجانب الذين يسري في حقهم حكم المادة 12 من القانون رقم 44 لسنة 1936 المعدلة بالقانون رقم 1 لسنة 1954 وهي التي تحظر منح الموظف الأجنبي أي معاش أو أية مكافأة عن مدة خدمته.
ومن حيث إنه يبين من أوراق الدعوى أن وزارة المواصلات تقدمت إلى مجلس الوزراء بمذكرة أشارت فيها إلى أنه بناء على اقتراح سابق للوزارة وافق مجلس الوزراء في 2 من يونيه سنة 1953، على إسقاط التزام شركة سكك حديد الدلتا المساهمة الممنوح لها لإدارة مرفق السكك الحديدية ومصادرة التأمين المدفوع منها على أن تعلن الحكومة عن مزايدة عامة لبيع المرفق وأدواته وفقاً لأحكام عقد الالتزام والشروط الملحقة به. وانتهت هذه المذكرة إلى أنه لما كانت المصلحة العامة تقتضي بقاء سير هذا المرفق أثناء المدة التي تستغرقها إجراءات المزايدة فإن وزارة المواصلات تطلب الموافقة على اعتبار الحراسة السابق وضع الشركة تحتها منتهية على أن تقوم السكك الحديدية بإدارة المرفق باعتبار أن أعمالها وثيقة الصلة به وعلى أن تكون إدارتها بالوضع الحالي لموظفي الدلتا وطبقاً للوائحها وقواعدها، مع تخويل مجلس إدارة السكك الحديدية سلطة البت في شئون هذا المرفق خلال فترة إدارته بوساطة المصلحة. وفي 10 من يونيه سنة 1953 وافق مجلس الوزراء على طلبات وزارة المواصلات المبينة في هذه المذكرة. ومفاد ما تقدم أن مرفق سكك حديد الدلتا بوصفه مرفقاً عاماً قد أخذت الدولة على عاتقها إدارته بالطريق المباشر اعتباراً من 10 من يونيه سنة 1953 بمقتضى قرار مجلس الوزراء سالف الذكر ومن ثم فإن موظفيه ومستخدميه وعماله يعتبرون بهذه المثابة في عداد الموظفين العموميين من ذلك التاريخ وإن استمروا طبقاً للإحالة الواردة في قرار مجلس الوزراء المشار إليه خاضعين في جميع شئونهم الوظيفية للقواعد والأحكام المنظمة لعلاقتهم بالإدارة القديمة وهي التي تضمنتها مجموعة الأوامر المستديمة التي أصدرتها شركة سكك حديد الدلتا مكملة بقانون عقد العمل الفردي إذ ليس ثمة ما يمنع قانوناً من استعارة بعض الأحكام التي تنظم العلاقات العقدية لكي تحكم حالات خاصة بموظفي الدولة، وعندئذ تعتبر هذه الأحكام المستعارة بناء على النص عليها أو الإحالة إليها أحكاماً تنظيمية عامة بكل ما يترتب على ذلك من آثار وعلى هذا الأساس فإن المدعين شأنهم في ذلك شأن جميع موظفي ومستخدمي وعمال سكك حديد الدلتا قد أضحوا اعتباراً من تاريخ إسناد إدارة هذا المرفق إلى مصلحة السكك الحديدية في 10 من يونيه سنة 1953 من عداد الموظفين العموميين الذين تربطهم بالمرفق المذكور علاقة لائحية تخضع لأحكام القانون العام وإذ اتضح للجهة الإدارية القائمة على شئون المرفق أن المدعين من غير المتمتعين بجنسية الجمهورية العربية المتحدة، فقد قامت بإنهاء خدمتهم بغير منازعة منهم وتم هذا بالنسبة إلى الأول والرابع في 31 من أغسطس سنة 1960 وبالنسبة إلى الثاني والثالث في 25 من أغسطس سنة 1960 مستندة في ذلك إلى سلطتها اللائحية طبقاً للمادة الأولى من القانون رقم 44 لسنة 1936 الخاص بشروط توظيف الأجانب معدلة بالقانون رقم 96 لسنة 1957 التي تقضي بعدم جواز إسناد أية وظيفة مدنية كانت أو عسكرية إلى أجنبي إلا في أحوال استثنائية وبعد أن يتبين أن الوظيفة تتطلب مؤهلات علمية خاصة لا تتوفر لمصري، ثم أعملت في شأنهم كنتيجة لازمة لهذا أحكام المادة 12 من القانون رقم 44 لسنة 1936 المشار إليه معدلة بالقانون رقم 1 لسنة 1954 التي تحظر منح الموظف الأجنبي أي معاش أو أية مكافأة عن مدة خدمته؛ ومن ثم فإنها تكون قد طبقت القانون في حق المدعين على وجهه الصحيح ولا اعتداد بما أقام عليه الحكم المطعون فيه قضاءه من أن مجلس الوزراء حين أصدر قراره في 10 من يونيه سنة 1953 بالإبقاء على نظم التوظف المعمول بها في مرفق سكك حديد الدلتا يكون قد انتهى من مباشرة السلطة الاستثنائية التي كانت مخولة له بمقتضى المادة 12 من القانون رقم 44 لسنة 1936 آنف الذكر قبل تعديلها بالقانون رقم 1 لسنة 1954 النافذ اعتباراً من يناير سنة 1954 بما من شأنه أن يكسب المدعين حقاً في الحصول على مكافأة نهاية الخدمة لا ينال منه القانون رقم 1 لسنة 1954 بأثر رجعي لا اعتداد بذلك كله لأن هذه السلطة الاستثنائية إنما خولت آنذاك لمجلس الوزراء لإعمالها في حالات فردية بالنسبة إلى موظفين أجانب انتهت مدة خدمتهم ويرى المجلس لأسباب معينة قائمة بهم يكون تقديرها موكولاً إليه منحهم مكافآت خاصة الأمر الذي لا تحتمله نصوص قرار مجلس الوزراء الصادر في 10 من يونيه سنة 1953 السابق الإشارة إليه أو مفهومها الضمني مما ينتفي معه انطواء هذا القرار على معنى الإقرار للمدعين بمراكز ذاتية لا يجوز المساس بها بأثر رجعي.
ومن حيث إن الثابت مما تقدم أن المدعين بوصفهم من الموظفين العموميين الأجانب قد صدرت في أغسطس سنة 1960 قرارات نهائية بإنهاء خدمتهم وقد تم ذلك في ظل العمل بأحكام القانون رقم 1 لسنة 1954 التي تحظر منح الموظف الأجنبي أي معاش أو أية مكافأة مما لا يتسع لرخصة ولا يرد عليه استثناء. ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى باستحقاق المذكورين وهم من الأجانب مكافأة نهاية الخدمة، يكون قد جانب الصواب وأخطأ في تطبيق القانون وتأويله ويتعين - والحالة هذه - القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى مع إلزام المدعين بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعين بالمصروفات.

الطعن 821 لسنة 7 ق جلسة 11 / 12 / 1966 إدارية عليا مكتب فني 12 ج 1 ق 38 ص 382

جلسة 11 من ديسمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ مصطفى كامل إسماعيل نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد مختار العزبى والدكتور أحمد ثابت عويضة وسليمان محمود جاد ومحمد فهمي طاهر المستشارين.

----------------

(38)

القضية رقم 821 لسنة 7 القضائية

دعوى. "دعوى الإلغاء". موظف "علاوة دورية". تقرير سنوي.
طلب إلغاء قرار سحب العلاوة الدورية لابتناء هذا القرار على غير أساس سليم من القانون. يتضمن بحكم اللزوم مخاصمة قرار لجنة شئون الموظفين بتقدير الكفاية. أساس ذلك (1).

-----------------
إن طلب المدعي إلغاء قرار سحب علاوته الدورية المطعون فيه رقم 110 الصادر في 24 من يوليو 1958 لابتناء هذا القرار على غير أساس سليم من القانون يتضمن بحكم اللزوم مخاصمته للقرار الصادر من لجنة شئون الموظفين بتقرير كفاية المدعي لارتباط قرار سحب العلاوة أو الحرمان منها بقاء أو إلغاء بما يتقرر في شأن قرار تقدير الكفاية لارتباط العلة بالمعلول، إذ لو قضى ببطلان هذا التقرير لافتقد قرار سحب العلاوة أو الحرمان منها سببه وعلة وجوده، ولو بقى التقدير لانعدمت جدوى الطعن في هذا القرار لعدم إمكان إلغائه مع قيام سببه وعدم جواز المساس بهذا السبب أو تجريح صحته ومن ثم يتعين البحث فيما إذا كان الطعن قد تم في الميعاد القانوني لإلغاء قرار تقدير الكفاية أو بعد فوات هذا الميعاد وتحسن القرار المذكور.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين في الأوراق - تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 1098 لسنة 6 القضائية ضد وزارة التربية والتعليم بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم في 14 من يونيه سنة 1959، بناء على قرار صادر من لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة المذكورة في 24 من مايو سنة 1959، في طلب الإعفاء رقم 219 لسنة 6 القضائية المقدم من المدعي في 9 من نوفمبر سنة 1958 ضد السيد وزير التربية والتعليم وطلب المدعي في صحيفة دعواه الحكم بإلغاء قرار سحب العلاوة الدورية الصادرة في 14 من يوليو سنة 1958، وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الوزارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال شرحاً للدعوى إنه حصل على دبلوم المعهد العالي للموسيقى العربية في سنة 1943، وعلى دبلوم المعهد العالي للموسيقى المسرحية في سنة 1947، ويشغل إحدى الدرجات الخامسة بالكادر الفني المتوسط وقد أعير للسودان للعمل بمدرسة الأقباط. وقام ناظر المدرسة المذكورة بتقديم تقرير عنه بدرجة ضعيف ترتب عليه حرمانه من العلاوة الدورية التي يستحقها في أول مايو سنة 1958، والتي منحت له ثم صدر قرار بسحبها في 14 من يوليو سنة 1958، وقد تظلم من هذا القرار في 26 من يوليو سنة 1958، وذكر أن تقدير كفايته بدرجة ضعيف قد بني على أسباب غير صحيحة كما انطوى على إساءة استعمال السلطة لأن ناظر المدرسة نسب إليه أنه حضر إلى السودان لجمع المال وأنه يرفض العمل بالجمعية الموسيقية ولم يقدم أي دليل على ادعائه، بل إن التقارير المقدمة من السفير العربي بالخرطوم ومن رئيس البعثة التعليمية يناهض هذا الادعاء فضلاً عن أن ناظر المدرسة بعيد كل البعد عن فن الموسيقى، ومع ذلك فقد قرر له 30/ 60 في الكفاية والإنتاج وقدر لمواظبته 5/ 10 والصفات الشخصية والسلوك 8/ 20 وللاستعداد الذهني 5/ 10، مع أن مواظبته على عمله واستقامته واستعداده الذهني كل أولئك كان موضع تقدير السفير والملحق العسكري ورئيس البعثة التعليمية وزملائه ولا أساس لكل هذه التقديرات من الواقع.
وقد أجابت الوزارة عن الدعوى بأن المادة 31 من قانون نظام موظفي الدولة المعدلة بالقانون رقم 73 لسنة 1957، قد نصت على حرمان الموظف من علاوته الدورية إذا قدم عنه تقرير بدرجة ضعيف في ذات السنة.
وبجلسة 15 من ديسمبر سنة 1960، قضت المحكمة الإدارية بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار رقم 110 الصادر في 24 من يوليو سنة 1958، فيما تضمنه من حرمان المدعي من العلاوة الدورية التي استحقها بالأمر رقم 35 الصادر في 23 من إبريل سنة 1958، وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الوزارة المدعى عليها بالمصروفات وأقامت قضاءها على أن الثابت من الأوراق أن المدعي لم يفتش عليه فنياً من قبل تفتيش الموسيقى بالوزارة وهي الجهة التي تستطيع تقدير عمله الفني، ومن ثم فإن هذا التقدير الذي وضعه ناظر المدرسة في التقرير السري السنوي للمدعي عن عام 1958، بالنسبة لهذه المادة من مواد التقدير قد يكون غير متفق مع ما عليه المدعي فعلاً وتبعاً لذلك لا يمكن التعويل على التقرير السري سالف الذكر ويكون حرمان المدعي من علاوته المستحقة بناء على هذا التقرير قد جاء مخالفاً للقانون. وأضافت المحكمة إلى ما تقدم أن رئيس البعثة التعليمية قدر المدعي بدرجة مرضي بدلاً من ضعيف، وأن هذا الأخير حصل في التقرير السري عن عام 1958 على 48 درجة على الرغم ما في هذا التقرير من فساد، ومن ثم فإن تقديره طبقاً للمادة 136 من قانون موظفي الدولة يعتبر مرضياً وليس ضعيفاً.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون لأن المدعي كان يتعين عليه الطعن في قرار تقدير كفايته وليس في قرار حرمانه من العلاوة إذ القرار الأول قرار إداري نهائي يؤثر مآلاً في الترقية أو العلاوة أو يرتب الفصل من الخدمة أما القرار الثاني فلا يعدو أن يكون قراراً تنفيذياً يستند إلى القرار الأول ومن ثم يكون القرار المطعون فيه أثراً حتمياً للقرار الأول الذي أصبح حصيناً من كل طعن، ويكون الطعن على قرار الحرمان من العلاوة غير مقبول أما عن الموضوع فإن تقدير الكفاية مرده إلى لجنة شئون الموظفين وحدها التي لها أن تعتمد في تقدير الكفاية على العناصر التي تراها دون معقب على تقديرها، وبذلك يكون الحكم المطعون فيه قد جانب الصواب في تطبيق القانون حينما اعتمد في قضائه على أن التفتيش على المطعون عليه لم يتم من جانب التفتيش الفني بالوزارة، مع أن القانون لم يشترط إجراء تفتيش على الموظف قبل وضع التقرير السنوي عنه.
( أ ) عن الدفع بعدم قبول الدعوى:
من حيث إن طلب المدعي إلغاء قرار سحب علاوته الدورية المطعون فيه رقم 11 الصادر في 24 من يوليو سنة 1958 لابتناء هذا القرار على غير أساس سليم من القانون يتضمن بحكم اللزوم مخاصمته للقرار الصادر من لجنة شئون الموظفين بتقدير كفاية المدعي لارتباط قرار سحب العلاوة أو الحرمان منها بقاء أو إلغاء بما يتقرر في شأن قرار تقدير الكفاية، ارتباط العلة بالمعلول، إذ لو قضي ببطلان هذا التقرير لافتقد قرار سحب العلاوة أو الحرمان منها سببه وعلة وجوده، ولو بقي التقدير لانعدمت جدوى الطعن في هذا القرار لعدم إمكان إلغائه مع قيام سببه وعدم جواز المساس بهذا السبب أو تجريح صحته ومن ثم يتعين البحث فيما إذا كان الطعن قد تم في الميعاد القانوني لإلغاء قرار تقدير الكفاية أم بعد فوات هذا الميعاد وتحصن القرار المذكور.
ومن حيث إن الثابت من الاطلاع على كتاب مراقب عام المستخدمين رقم 64 - 28/ 32 المؤرخ في 23 من أغسطس سنة 1958 الموجه إلى مكتب التظلمات الإدارية بوزارة التربية والتعليم أن الوزارة أرسلت صورة من تقدير كفاية المدعي بدرجة ضعيف إلى الكلية القبطية بالخرطوم لتسليمها إليه في 25 من مايو سنة 1958، ثم ورد الرد بأنه مسافر إلى القاهرة ولذلك أعيدت الصورة للكلية مرة أخرى لإرسالها إليه على عنوانه المعروف بالكلية، وأخيراً ورد كتاب الكلية رقم 89 في 2 من أغسطس سنة 1958 بعد تسليمه الصورة عن طريق مصلحة البريد.
ومن حيث إنه يتضح من أوراق الدعوى أن المدعي قدم تظلماً إدارياً في 26 من يوليو سنة 1958 عن التقرير المقدم عنه في ذلك العام بدرجة ضعيف، وأنه إزاء عدم إجابة الجهة الإدارية عن تظلمه تقدم إلى لجنة المساعدة القضائية بمحكمة التربية والتعليم يطلب إعفاءه من رسوم الدعوى الحالية في 9 من نوفمبر سنة 1958، أي خلال الميعاد المقرر قانوناً وتناول في هذا الطلب بالتنفيذ والتجريح قرار تقدير كفايته المشار إليه الذي بني عليه قرار سحب علاوته. منتهياً من ذلك إلى أنه يهدف إلى "إلغاء القرار الصادر بحرمانه من العلاوة المستحقة له في مايو سنة 1958" وقد صدر قرار اللجنة في طلب المساعدة القضائية رقم 219 لسنة 6 القضائية بإعفائه من الرسوم القضائية المستحقة على هذه الدعوى بجلسة 24 من مايو سنة 1959، فتقدم إلى قلم كتاب المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم مودعاً به صحيفة دعواه في 14 من يونيه سنة 1959، أي في الميعاد ومن ثم يكون الدفع بعدم قبول الدعوى على غير أساس سليم من القانون متعيناً رفضه وقبول الدعوى.
(ب) عن الموضوع:
ومن حيث إنه سبق لهذه المحكمة أن قضت بأن المادة 31 من القانون رقم 210 لسنة 1951، بشأن نظام موظفي الدولة بعد تعديلها بالقانون رقم 73 لسنة 1957، قد نصت على أن التقرير السري السنوي عن الموظف يقدم من رئيسه المباشر ثم يعرض على المدير المحلي للإدارة فرئيس المصلحة لإبداء ملاحظاتهما، ثم يعرض بعد ذلك على لجنة شئون الموظفين لتقدير درجة الكفاية التي تراها بعد أن كانت قبل تعديلها تقصر اختصاص اللجنة على تسجيل التقدير إذا لم تؤثر الملاحظات في الدرجة العامة لتقدير الكفاية كما قضت بأن لجنة شئون الموظفين هي المرجع النهائي في تقدير درجة كفاية الموظفين الخاضعين لنظام التقارير السنوية، وإنها تباشر اختصاصها في هذا الصدد عن طريق الإشراف والتعقيب على تقديرات الرؤساء المباشرين، ولها أن تعدل هذه التقديرات بما تراه على أساس ما هو وارد بملف الخدمة بحسب الطريق المرسوم لذلك في القانون، وأنها تترخص في تقديرها لدرجة كفاية الموظف بسلطتها التقديرية ولا سبيل إلى مناقشتها في هذا التقدير لتعلقه بصميم اختصاص الإدارة، كما أن القانون لم يعين لها طريقاً معيناً تلتزمه في تقدير الكفاية في التقرير السنوي بل يتم تقديرها بكافة الطرق التي تراها موصلة لهذا التقدير على وجه سليم دقيق يتفق مع الحق والواقع، وقد خصها القانون بسلطة تقديرية مطلقة في أن تستمد تقديرها من أية عناصر ترى الاستعانة بها في تقدير درجات كفاية الموظفين لحكمة ظاهرة وهي أنها تضم عدداً من كبار موظفي الوزارة أو المصلحة التي يعمل بها الموظف، وهم القمة الذين لهم من خبراتهم ومرانهم وإلمامهم وإشرافهم على أعمال الموظفين ما يمكنهم من وزن كفاية كل موظف وتقدير درجة هذه الكفاية تقديراً دقيقاً سليماً يتفق مع الحق والواقع كذلك سبق لهذه المحكمة أن انتهت إلى أن المادة 30 من القانون رقم 210 لسنة 1951، وفقاً لتعديلها الأخير قد نصت على أن تكتب التقارير السنوية على النماذج وبحسب الأوضاع التي يقررها وزير المالية والاقتصاد بقرار منه بعد أخذ رأي ديوان الموظفين. وقد أصدر وزير المالية تنفيذاً - لهذا النص وبعد الاتفاق مع ديوان الموظفين القرار رقم 629 لسنة 1957، بشأن النموذج الخاص بتقدير كفاية موظفي الدولة، وتضمن مراتب كفاية الموظفين وعناصر تحديد هذه الكفاية، وحدد لكل عنصر من هذه العناصر درجة مئوية. وقد نص البند الرابع منه على أن تحول الدرجات المقدرة إلى مراتب الكفاية على النحو الآتي: أقل من 50 درجة (ضعيف) - وهذا النص وحده هو الذي ينطبق على تقريري المطعون ضده عن عامي 1958، 1959، لكونهما موضوعين بعد العمل بالقانون رقم 73 لسنة 1957، في 4 من إبريل سنة 1957، وأن المادة 136 من القانون رقم 210 لسنة 1951، إنما وضعت حكماً انتقالياً بالنسبة إلى التقارير السنوية السابقة على العمل بأحكام القانون رقم 73 لسنة 1957، من مقتضاه إعادة تقويم الدرجات المئوية التي كانت تقدر بها كفاية الموظفين بما يقابلها من مراتب جديدة استحدثها المشرع وبموجب القانون المذكور ومن ثم فلا يؤثر هذا النص على الأحكام الدائمة التي ضمنها المشرع المادة 30 من قانون التوظف معدلة بالقانون رقم 73 لسنة 1957، كما لا يضع قيداً على سلطة وزير المالية والاقتصاد في تحديد الأوضاع التي تقدر على أساسها كفاية الموظفين تنفيذاً لحكم المادة 30 المشار إليها. وعلى هذا المقتضى فإن قرار وزير المالية والاقتصاد رقم 629 لسنة 1957، بشأن النموذج الخاص بتقدير كفاية موظفي الدولة الصادر تنفيذاً لحكم المادة 30 من قانون التوظف يكون صحيحاً قانوناً ولا ينطوي على أية مخالفة لحكم المادة 136 من القانون المذكور إذ لكل منهما مجال زمني يجرى فيه ومن ثم فلا تعارض البتة بين حكميهما.
ومن حيث إن الثابت من أوراق الدعوى أن التقرير السري السنوي الذي أعد عن المدعي في عام 1958، وقد تضمن تقدير كفايته وفقاً للنموذج الذي صدر به قرار وزير المالية والاقتصاد رقم 629 لسنة 1957. وقد قدر الرئيس المباشر هذه الكفاية بمرتبة ضعيف، وكان المجموع الكلي بحسب الأرقام لعناصر الكفاية ثمان وأربعين درجة ثم رأى المدير المحلي تقدير كفاية المدعي بدرجة مرضي بيد أن رئيس المصلحة هبط بهذا التقدير إلى درجة ضعيف وأبدت لجنة شئون الموظفين تقدير كل من الرئيس المباشر ورئيس المصلحة لكفاية المدعي بدرجة (ضعيف) ومن ثم يكون الحكم المطعون قد خالف القانون إذ قضى بإطراح التقرير السري السنوي المشار إليه بمقولة إن الرئيس المباشر لا يملك تقدير عمل المدعي في الموسيقى وأن الدرجات التي حصل عليها تجعل تقدير كفايته "مرضياً" ذلك لأن لجنة شئون الموظفين حسبما سلف البيان تملك السلطة التقديرية الكاملة في تقدير الكفاية كما أن الدرجات التي حصل عليها المدعي في تقرير كفايته تجعل التقدير "ضعيفاً" وفقاً لحكم البند الرابع من قرار وزير المالية والاقتصاد آنف الذكر ولا محل إزاء هذا للالتفات إلى ما قدمه المدعي من شهادات صداقة عرفية صادرة من غير الأشخاص الذين ناط بهم القانون تقدير هذه الكفاية.
ومن حيث إنه وقد انتهت المحكمة إلى أنه لا وجه للنعي على تقدير كفاية المدعي في 1958، بدرجة "ضعيف" بعيب ينال من سلامته، فإن الجهة الإدارية تكون قد طبقت القانون في حق المدعي تطبيقاً صحيحاً إذ رأت حرمانه من العلاوة المستحقة له في سنة 1958، كأثر حتمي لهذا التقدير نزولاً على حكم القانون ويكون الحكم المطعون فيه، إذ قضى بخلاف ذلك، قد جانب الصواب في تأويل القانون وتطبيقه ويتعين والحالة هذه القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدفع بعدم قبول الدعوى، وبقبولها شكلاً، ورفضها موضوعاً، وألزمت المدعي بالمصروفات.


(1) راجع حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر بجلسة 24/ 5/ 1964 في القضية رقم 1789 لسنة 6 القضائية والمنشور بمجموعة السنة التاسعة - مبدأ 94 - ص 1042.

الطعن 807 لسنة 10 ق جلسة 10 / 12 / 1966 إدارية عليا مكتب فني 12 ج 1 ق 37 ص 365

جلسة 10 من ديسمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى ومحمد طاهر عبد الحميد ويوسف إبراهيم الشناوي وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.

-------------------

(37)

القضية رقم 807 لسنة 10 القضائية

(أ) دعوى "دفع بعدم الاختصاص". 

ينبغي أن يكون الفصل فيه سابقاً على البحث في موضوع الدعوى - على المحكمة استثناء نظر الموضوع إذا كان الفصل في الدفع متوقفاً على البحث في الموضوع وذلك بالقدر اللازم للفصل في الاختصاص.
(ب) دعوى "دفع بعدم الاختصاص". 

لا يجوز للمحكمة بعد قبولها الدفع بعدم الاختصاص الخوض في موضوع الدعوى.
(جـ) دعوى "إثبات في الدعوى. الطعن بالتزوير". مرافعات.
المادة 484 من قانون المرافعات - لا إلزام على المحكمة بإحالة الدعوى على التحقيق لإثبات الادعاء بالتزوير متى كانت وقائع الدعوى ومستنداتها كافية.
(د) أعمال السيادة. اختصاص "اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري". 

الأصل أن معيار التفرقة بين الأعمال الإدارية وأعمال السيادة مرده إلى القضاء - يجوز للمشرع استثناء أن يتدخل لخلع صفة السيادة على بعض الأعمال الإدارية - يلتزم القضاء بالوصف الذي خلعه المشرع على هذه الأعمال والقرارات.
(هـ) اختصاص "اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري". أعمال السيادة. تفسير. 

قرارات رئيس الجمهورية بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم بغير الطريق التأديبي - تعد بحسب طبيعتها قرارات إدارية عادية مما يخضع في الأصل لرقابة القضاء - اعتبارها من أعمال السيادة بموجب القانون رقم 31 لسنة 1963 - ينبغي أن يلتزم في تفسر وتحديد مداها قواعد التفسير الضيق المرتبط بعلة الحكم - اقتصار الحصانة التي أضفاها المشرع على القرارات الصادرة من رئيس الجمهورية دون غيره - أثر ذلك - لا يسري الحكم الذي شرعه القانون المذكور على القرارات التي صدرت من مجلس الوزراء بفصل الموظفين بغير الطريق التأديبي تطبيقاً لأحكام القانون رقم 181 لسنة 1952.

--------------------
1 - إنه ولئن كان الأصل أن البحث في الاختصاص والفصل فيه ينبغي أن يكون سابقاً على البحث في موضوع الدعوى، إلا أنه متى كان الفصل في الدفع بعدم الاختصاص متوقفاً على بحث الموضوع، فإنه يتعين على المحكمة نظر الموضوع بالقدر اللازم للفصل في الاختصاص باعتباره من المسائل الأولية التي يلزم بحثها أولاً وقبل الفصل في مسألة الاختصاص.
2 - إنه ما كان يجوز للمحكمة وقد انتهت إلى الحكم بقبول هذا الدفع أن تستطرد في أسباب حكمها إلى تقرير مشروعية القرار المطعون فيه من حيث قيامه على أسباب سليمة وعدم الانحراف بالسلطة في إصداره، إذ أن ذلك يعد خوضاً في صميم موضوع الدعوى بما يقتضيه الفصل في الدفع بعدم الاختصاص فضلاً عن كونه مجافياً لما انتهت إليه من الحكم بقبول هذا الدفع.
3 - إنه لا وجه لما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من أن المحكمة لم تستجب إلى ما طلبه من إحالة الدعوى إلى التحقيق - ذلك أن المادة 484 من قانون المرافعات إذ نصت على أنه "إذا كان الادعاء بالتزوير منتجاً في النزاع ولم تكف وقائع الدعوى ومستنداتها لاقتناع المحكمة بصحة الورقة أو بتزويرها ورأت أن إجراء التحقيق منتج وجائز أمرت بالتحقيق" - قد أفادت بأنه لا إلزام على المحكمة بإحالة الدعوى على التحقيق لإثبات الادعاء بالتزوير متى كانت وقائع الدعوى ومستنداتها كافية لتكوين عقيدتها فلها أن تستدل على انتفاء التزوير بما تستظهره من ظروف الدعوى وملابساتها وما تستخلصه من عجز المدعي عن إثبات ما ادعاه.
4 - إن الأصل أن معيار التفرقة بين الأعمال الإدارية التي تباشرها الحكومة في حدود وظيفتها الإدارية وبين أعمال السيادة التي تباشرها باعتبارها سلطة حكم مرده إلى القضاء الذي ترك له المشرع سلطة تقرير الوصف القانوني للعمل المطروح عليه وما إذا كان يعد عملاً إدارياً عادياً يختص بنظره أو عملاً من أعمال السيادة يمتنع عليه النظر فيه، وأن ما يعتبر في بعض الظروف عملاً إدارياً عادياً قد يرقى في ظروف أخرى إلى مرتبة أعمال السيادة لارتباطه في ظل الظروف الجديدة بسياسة الدولة العليا أو بأحوالها الاجتماعية أو الاقتصادية المتطورة - وإذا كان الأصل على ما تقدم فإن للمشرع أن يتدخل من جانبه لخلع صفة السيادة على بعض الأعمال الإدارية ليخرجها بالتبع من ولاية القضاء ولا عليه أن يمارس هذه السلطة وهو مانحها, وفي هذه الحالة يلتزم القضاء بالوصف الذي خلعه المشرع على هذه الأعمال أو القرارات.
5 - إن القرارات الجمهورية بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو بفصلهم بغير الطريق التأديبي إنما تعد بحكم طبيعتها قرارات إدارية عادية مما يخضع في الأصل لرقابة القضاء، وقد كانت معتبرة كذلك إلى أن صدر القانون المشار إليه الذي أدخل تعديلاً على اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالاستثناء منه عن طريق اعتبار القرارات المشار إليها من قبيل أعمال السيادة وبذلك ينحسر عنها ولاية القضاء الإداري بعد أن كانت تشملها في ظل القوانين السابقة.
ويبين من هذا التعديل أن المشرع نزع من ولاية القضاء الإداري - على خلاف الأصل - النظر في القرارات المشار إليها ومن ثم فإنه ينبغي، لكون هذا التعديل استثناء أن يلتزم في تفسيره وتحديد مداه قواعد التفسير الضيق المرتبط بعلة الحكم.
كما يبين من نص المادة الأولى من القانون رقم 31 لسنة 1963 أن المشرع لم يخلع وصف السيادة على قرارات الفصل أياً كانت السلطة التي أصدرتها وإنما خص به القرارات التي يصدرها رئيس الجمهورية دون سواها، بمعنى أن المعيار الذي وضعه المشرع في تحديد هذه القرارات ليس معياراً مادياً بحتاً ويتمثل في كنة القرار وطبيعته وإنما يرتبط إلى جانب ذلك بمصدر القرار ذاته إذ يلزم أن يكون القرار صادراً من رئيس الجمهورية وذلك لاعتبارات قدرها تتصل بالضمانات التي تحيط بهذا النوع من القرارات دون غيرها - ولا ينال من سلامة هذا النظر أن يعتبر قرار الفصل بغير الطريق التأديبي عملاً من أعمال السيادة إذا كان صادراً من رئيس الجمهورية وعملاً إدارياً عادياً إذا صدر بأداة أخرى، إذ الأصل هو اختصاص القضاء الإداري بهذه القرارات إلا ما جرى النص على استثنائه ولو أراد الشارع أن يبسط الحصانة على القرارات الأخرى التي سبق صدورها من مجلس الوزراء لما أعوزه النص على ذلك ومن ثم فإن الحكم الذي شرعه القانون رقم 31 لسنة 1963 لا يسري على القرارات التي صدرت من مجلس الوزراء بفصل الموظفين من غير الطريق التأديبي تطبيقاً لأحكام القانون رقم 181 لسنة 1952.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية بمراعاة أن الحكم المطعون فيه صدر بجلسة 30 من يناير سنة 1964 وأن الطاعن محمد يس حسن كان قد تقدم في 26 من مارس سنة 1964 إلى لجنة المساعدة القضائية بطلب إعفائه من رسوم الطعن وصدر القرار بقبول طلبه في 6 من إبريل سنة 1964.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص - على ما بين من الأوراق - في أن السيد/ محمد يس حسن أقام دعواه بصحيفة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في أول أغسطس سنة 1954، بطريق المعافاة، ضد وزارة التربية والتعليم طالباً الحكم بإلزام المدعى عليها بأن تدفع له مبلغ ألفين من الجنيهات كتعويض من الأضرار المادية والأدبية التي لحقته بسبب فصله في 6 من يناير سنة 1953 مع إلزام المدعى عليها المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وبجلسة 24 من فبراير سنة 1957 قضت محكمة القضاء الإداري بإحالة الدعوى إلى المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم لاختصاصها بنظرها استناداً إلى أن المدعي كان من موظفي الكادر المتوسط.
ومن حيث إن المدعي ذكر في صحيفة دعواه أنه كان مدرساً بمدرسة دراو الابتدائية الجديدة للبنين وفي 3 من فبراير سنة 1953 أعلن بفصله من الخدمة اعتباراً من 6 يناير سنة 1953 مع معاملته بالمادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 بشأن فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي وأنه لما كان قد فصل فصلاً تعسفياً دون مبرر، إذ لم يمثل أمام لجنة التحقيق المنصوص عليها في المادة الثانية من المرسوم بقانون المشار إليه ولم تتح له الفرصة للدفاع عما ينسب إليه بغير وجه حق حيث لم يسبق أن نسب إليه ما يمس كرامة الوظيفة أو النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة منذ التحاقه بخدمة الوزارة سنة 1931 حتى تاريخ فصله قبل بلوغه السن القانونية وبذلك يكون قد حرم من مورد رزقه الوحيد بالإضافية إلى الإساءة التي لحقته بسبب تطبيق هذا المرسوم عليه والذي تضمن النص على عدم جواز الطعن في قرارات فصل الموظفين تطبيقاً لأحكامه مما جعله يقتصر على التعويض.
ومن حيث إن الوزارة قدمت بعض الأوراق المتعلقة بالمدعي وصورة من ملف لجنة التطهير الثالثة بوزارة المعارف والذي انتهت فيه اللجنة إلى الموافقة على فصل المدعي، بعد أن تبين لها سبق توقيع جزاءات متعددة عليه ولما حفل به ملفه من الشكايات التي تطعن في خلقه وسلوكه المشين، وبذلك يكون قد قامت شبهات وشوائب تمس أخلاقه وكرامته، فضلاً عما استظهرته اللجنة من الجزاءات الموقعة عليه لإهماله من أنه غير منتج مما يتعين فصله طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952.
ومن حيث إن المدعي عمد في 16 من نوفمبر سنة 1958 إلى الطعن بالتزوير في الأوراق المقدمة من الجهة الإدارية والمنسوبة إلى لجنة التطهير الثالثة وقرار مجلس الوزراء الصادر في 6/ 1/ 1953، وأعلن الوزارة بشواهد التزوير في 22/ 11/ 1958 وتتحصل هذه الشواهد فيما يلي:
1 - إن اسمه لم يرد بكشوف المفصولين في قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 يناير سنة 1953.
2 - إن الثابت من الخطاب رقم 35/ 281 سرى الموجه من الوزارة إلى إدارة التشريع والتحقيقات أن لجنة التطهير الثانية قررت التخلي عن النظر في أمره لضيق الوقت وكان ذلك في 7/ 1/ 1953 بعد صدور قرار مجلس الوزراء في 6/ 1/ 1953.
3 - إن تحقيقاً أجري في 9/ 4/ 1953 بفصله إدارياً، وكان ذلك بعد انتهاء العمل بقانون التطهير رقم 181 لسنة 1952، مما يدل على أن أمره لم يعرض على لجنة التطهير الثالثة، وأن تخلي لجنة التطهير الثانية لم تبلغ إلى الوزارة إلا بعد انتهاء العمل بالقانون بشهر ونصف.
4 - إن إذن الفصل الذي أرسل إليه والمؤرخ في 28/ 1/ 1953 قد صدر من المستخدمين دون الرجوع إلى سجلات وأوراق محاضر التطهير التي تؤكد تخلي اللجنة عن النظر في أمره لضيق الوقت.
5 - إن الثابت من محضر التحقيق والمذكرة بملف التحقيقات رقم 13011 أن الإذن بفصله صدر في 2/ 4/ 1953 اعتباراً من 6/ 1/ 1953 مع أن قانون التطهير كان انتهى العمل به في 10/ 1/ 1953.
6 - إن الحكومة لم تقدم أصل ملف لجنة التطهير الثالثة رغم أن المحكمة طلبت ذلك منها غير مرة.
7 - إنه لم يثبت بأي دليل أن اللجنة الثالثة كانت مختصة بنظر موضوعه فكل ما ينسب إليه يعتبر مزوراً وباطلاً.
8 - إن اللجنة الثانية كانت طلبت ملف خدمته بكتابها المؤرخ 5/ 1/ 1953 ولم يرد إليها مما يؤيد أنها لم تتمكن من النظر في أمره واتخاذها القرار بالتخلي.
وبجلسة 14 من يناير سنة 1959 عدل المدعي طلباته في مواجهة الحاضر عن المدعى عليها إلى طلب "إلغاء قرار الفصل مع ما يترتب على ذلك من آثار وهي صرف مرتبه من تاريخ الفصل حتى الآن والحكم بتعويض قدره ألفان من الجنيهات مع إلزام المدعى عليها المصروفات والأتعاب" وقال إن تعديل طلبه لا يعد طلباً جديداً ذلك أنه أقام دعواه مطالباً بالتعويض عن قرار الفصل، على أساس أنه صدر استناداً إلى قانون التطهير الذي منع الطعن بالإلغاء في القرارات الصادرة بالتطبيق لأحكامه إلا أنه بعد أن أطلع على الأوراق المقدمة من الوزارة اتضح له أنه لم يفصل إعمالاً للقانون المذكور، بل فصل بعد انتهاء العمل به وأن الاسم المقصود بالفصل يغاير اسمه. وفيما يتعلق بميعاد رفع دعوى الإلغاء، فإنه لا يسري إلا من تاريخ العلم اليقيني بالقرار والذي لم يكتمل بالنسبة له إلا من تاريخ اطلاعه على القرار الصحيح. وطلب المدعي أن تضم أصول ملفات لجنتي التطهير الثانية والثالثة والملف رقم 13091 لسنة 1953 تحقيقات وزارة المعارف. وبالرغم من أن الوزارة تقدمت بأصل ملف لجنة التطهير الثالثة وملف تحقيقات التربية والتعليم فقد أصر المدعي على التمسك بالطعن بالتزوير.
ومن حيث إن الحكومة دفعت بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى بالتطبيق لأحكام المادة 12 من القانون 55 لسنة 1959 بشأن تنظيم مجلس الدولة معدلة بالقانون 31 لسنة 1963 والتي تنص على أن "لا يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالنظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة ويعتبر من قبيل أعمال السيادة قرارات رئيس الجمهورية الصادرة بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم بغير الطريق التأديبي.." وأشارت إلى أن المذكرة الإيضاحية للقانون المعدل تقطع في وجوب إسباغ الحصانة التي تلحق كل أعمال السيادة على كافة القرارات الصادرة بالفصل بغير الطريق التأديبي، أياً كانت الإدارة التي صدرت بها هذه القرارات، سواء أكانت مرسوماً أو قراراً جمهورياً أو قراراً من مجلس الوزراء لأنها تصدر جميعها من السلطة التنفيذية بصفتها المهيمنة على مصالح الدولة والمسئولة عن تسيير أمورها، وأن هذه الإجراءات إنما تتخذها الحكومة بقصد صيانة النظام العام وضمان سير المرافق العامة بانتظام واضطراد، وأن المقصود إذن هو حماية طائفة معينة من القرارات التي حددها النص وهي قرارات إحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم بغير الطريق التأديبي أياً كانت الأداة التي تصدر بها إذ يتوافر بالنسبة لهذه القرارات جميعها العلة التي دعت إلى اعتبارها عملاً من أعمال السيادة، وأنه إذا كان الشارع قد ذكر القرارات الجمهورية في عبارة نص المادة الأولى من القانون رقم 31 لسنة 1963 فذلك لأنها أصبحت الصورة الوحيدة التي تصدر بها تلك القرارات منذ إلغاء النظام الملكي وقيام النظام الجمهوري في يونيه سنة 1953 وإلغاء مجلس الوزراء منذ عام 1956 - وانتهت الحكومة إلى أن الثابت أن المدعي فصل بغير الطريق التأديبي بقرار من مجلس الوزراء في 6/ 1/ 1953 وأن هذا الأمر من قبيل أعمال السيادة طبقاً للقانون 31 لسنة 1963 التي تخرج من ولاية القضاء عامة. وإذ كان من المقرر أن قواعد الاختصاص تسري بأثر مباشر على كافة الدعاوى التي لم يتم الفصل فيها في أية مرحلة كانت عليها الدعوى فإن الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى إلغاء وتعويضاً يكون قائماً على سند من القانون. أما ادعاء المدعي بالتزوير فلاً يقوم على أساس، فالثابت أن منطقة أسوان التعليمية أرسلت إلى الوزارة كتاباً سرياً في 17/ 12/ 1952 بالجزاءات التي وقعت عليه وقد أشر عليه بإحالته إلى لجنة التطهير الثالثة وأن ثمة مكاتبات متبادلة بين اللجنة والمنطقة بشأن التقارير السرية وملف الخدمة. وأن الثابت من الاطلاع على أصل محاضر لجنة التطهير الثالثة أن أمر المدعي عرض عليها بجلستها المنعقدة في أول يناير سنة 1953 وقررت الموافقة على فصله وأنها استندت إلى الجزاءات التي وقعت عليه وعددها ستة عشر جزاء استنتجت منها أنه قد قامت به شبهات قوية وشوائب تعيب أخلاقه وكرامته، ومن ثم فقد قررت فصله عملاً بأحكام المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952، مؤدي ذلك أن إجراء فصل المدعي بغير الطريق التأديبي قد تمت طبقاً لأحكامه، وأنه لا حجة فيما يذهب إليه المدعي من أن أمره لم يعرض على اللجنة الثالثة إذ أن الثابت بالمحاضر يقطع في عدم صحة ما يدعيه. وقد تم فصله في الميعاد المحدد لسريان القانون. وأما ما أشار إليه المدعي بشأن الاسم الوارد في قرار مجلس الوزراء فلا يعدو أن يكون خطأ مادياً، وأن ما اتخذته الوزارة من إجراءات لاحقة بعد صدور قرار مجلس الوزراء بفصله بشأن النظر في أمره إدارياً فيما نسب إليه إنما كان نتيجة لبس وقع نتيجة الخطأ المادي. وانتهت إلى طلب الحكم برفض الادعاء بالتزوير مع الحكم عليه بالغرامة المقررة بالمادة 288 مرافعات وبعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى مع إلزام المدعي المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث إنه بجلسة 30 من يناير سنة 1964 قضت المحكمة الإدارية بعدم اختصاص مجلس الدولة بنظر الدعوى وألزمت الحكومة المصروفات وأقامت قضاءها على أن ما أثاره المدعي بشأن الطعن بالتزوير مردود بما قدمته الوزارة من مستندات يبين منها أن منطقة أسوان التعليمية أرسلت إلى الوزارة كتابها السري رقم 49 في 27/ 12/ 1952 موضحاً به العقوبات التي وقعت على المدعي منذ دخوله الخدمة وما صدر منها ماساً بكرامة الوظيفة وقد تأشر عليه في 20/ 12/ 1952 بإحالة المدعي إلى لجنة التطهير الثالثة التي شكلت أخيراً وأحيلت الأوراق الخاصة بالمدعي إلى اللجنة تحت رقم 27 محافظة اشتملت على مذكرة موضحاً به العقوبات التي وقعت عليه والكتاب السري رقم 59 في 28/ 12/ 1952 من منطقة أسوان التعليمية إلى رئيس لجنة التطهير الثالثة رداً على كتابه بطلب التقارير السرية الخاصة بالمدعي والكتاب السري رقم 37 من المنطقة إلى اللجنة الثالثة رداً على كتابها بطلب ملف خدمة المدعي. وأنه بالاطلاع على أصل محاضر لجنة التطهير الثالثة المودعة ملف الدعوى يبين أن المدعي قد عرض أمره عليها بجلستها المنعقدة في أول يناير سنة 1953، فقررت الموافقة على فصل المدعي "محمد يس حسن المدرس بمنطقة أسوان" وقد استندت اللجنة في إصدار قرارها إلى كثرة الجزاءات التي وقعت عليه وعددها 16 جزاء عددت في صدر القرار، وانتهت أنه قام بالمدعي شبهات قوية شوائب تعيب أخلاقه وكرامته، بالإضافة إلى ما تستظهر اللجنة من كثرة الجزاءات الموقعة عليه لإهماله إلى أنه غير منتج لهذا قررت اللجنة فصله طبقاً لأحكام المرسوم بقانون 181 لسنة 1952 ومخاطبة وزارة العدل لفصله من وظيفة المأذونية بسبب ما نسب إليه من أمور طبقاً لما جاء بكتاب وزارة العدل المرفق بالملف واستخلصت المحكمة من ذلك أن إجراءات فصل المدعي قد تمت طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 وأنه لا حجة فيما ذهب إليه المدعي من أن أمره لم يعرض على لجنة التطهير الثالثة إذ أن هذا الادعاء تدحضه عيون الأوراق وقرائن الأحوال. وأضافت المحكمة أن الثابت من الكتاب رقم 35/ 281 سرى الموجه من المراقبة العامة للمستخدمين إلى المدير العام للتشريع والتحقيقات أن اللجنة الثانية للتطهير قررت التخلي لضيق الوقت عن النظر في المسائل المنسوبة إلى المدعي، فأحيل الأمر إلى إدارة التحقيقات لإجراء تحقيق تمهيداً للنظر في أمره إدارياً، وقد ثبت في محضر التحقيق أنه بالاطلاع على ملف خدمة المدعي تبين أنه صدر إذن بفصله من الخدمة في 2/ 4/ 1953 اعتباراً من 6/ 1/ 1953 طبقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في هذا التاريخ. وتضمن محضر التحقيق أن الاسم الذي ورد بكشف المفصولين هو "محمد السيد حسن مدرس بمنطقة أسوان"، وأن المراقبة العامة للمستخدمين قد أفادت بكتابها المؤرخ 29 يناير سنة 1953 أن صحة اسمه "محمد يس حسن"، وانتهت إدارة التحقيقات إلى أن المسائل المنسوبة إلى محمد يس حسن قد انتهى أمرها بفصله بغير الطريق التأديبي فلا محل لإعادة النظر فيها إدارياً، وأنه يبدو أن طلب النظر فيها إدارياً كان نتيجة الخطأ الذي وقع في اسمه في إذن الفصل الصادر من مجلس الوزراء بتاريخ 6 من يناير سنة 1953 وقد صحح الوضع وأشر على هذه المذكرة بالحفظ من مدير التحقيقات في 17/ 6/ 1953.
وانتهت المحكمة إلى أن أصل محاضر اللجنة الثالثة تقطع بأن أمره عرض عليها فقررت الموافقة على فصله طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 وأن مجلس الوزراء قد ضمن قراره الصادر في 6 يناير سنة 1953 اسم المدعي ولا عبرة بما وقع من خطأ مادي إذ أن الخطأ المادي لا يرتب آثاراً قانونية ولا يعتد به فضلاً عن أن الوزارة قد صححت هذا الخطأ.
واستطردت المحكمة إلى القول بأنه متى كان الثابت أن لجنة التطهير الثالثة قد استخلصت النتيجة التي انتهى إليها قرارها المطعون فيه استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها بدلائل من عيون الأوراق وقرائن الأحوال تبرر هذا الفهم فانتهت إلى أن المدعي قامت به شبهات قوية وشوائب تعيب أخلاقه وكرامته وأنه غير منتج ويتعين فصله طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 ولم يقم دليل على إساءة استعمال السلطة. ومن ثم فإن استعمال الإدارة للرخصة المخولة لها بالمرسوم بقانون المشار إليه يكون عملاً مشروعاً ومضت المحكمة تقول إنه وقد ثبت من الأوراق بأن الجهة الإدارية قد وقعت في خطأ مادي في كتابة اسم المدعي في قرار مجلس الوزراء وإن كان ذلك لا يعد تزويراً في صحيح القانون إلا أنه يعد مبرراً لإعفاء المدعي من الغرامة الوجوبية المنصوص عليها في المادة 288 مرافعات وعلى ذلك فإنه يتعين القضاء برفض ادعاء المدعي بالتزوير لعدم قيامه على أساس سليم من القانون مع إعفائه من الغرامة الوجوبية.
وفيما يتعلق بالدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى، ذهبت المحكمة بعد أن عرضت لنص المادة 12 من قانون مجلس الدولة بعد تعديله بالقانون رقم 31 لسنة 1963 والمذكرة الإيضاحية وإلى أن عبارات المذكرة المتقدم بيانها تقطع بوجوب إسباغ الحصانة التي تلحق كل أعمال السيادة على كافة القرارات الصادرة بالفصل غير التأديبي، أياً كانت الأداة التي صدرت بها مرسوماً أو قراراً جمهورياً أو قرار من مجلس الوزراء لأنها تصدر جميعها من السلطة التنفيذية بصفتها المهيمنة على مصالح الدولة العليا والمسئولة عن تسيير أمورها والمحافظة على الأمن فيها.. وإذا كان الشارع قد ذكر القرارات الجمهورية وحدها فذلك لأنها أصبحت الصورة الوحيدة التي تصدر بها هذه القرارات منذ إعلان الجمهورية في 17/ 6/ 1953 وبعد إلغاء مجلس الوزراء منذ عام 1956 حيث صدر القانون رقم 283 لسنة 1956 متضمناً إدخال بعض التعديلات على التشريعات القائمة عند صدوره ناصاً في مادته الأولى على أن تستبدل بعبارة رئيس مجلس الوزراء ومجلس الوزراء في جميع القوانين وغيرها من التشريعات القائمة عبارة "رئيس الجمهورية"، كما أن المشرع سوى بين هذه القرارات في الحكم حيث نص في المادة 107 من القانون 210 لسنة 1951 على أن تنتهي خدمة الموظف المعين على وظيفة دائمة لأحد الأسباب الآتية:
9 - الفصل بمرسوم أو بأمر جمهوري أو بقرار خاص من مجلس الوزراء وأن القول بغير ذلك معناه أن يعتبر قرار الفصل بغير الطريق التأديبي عملاً من أعمال السيادة إذا صدر بقرار جمهوري في حين يعتبر القرار عملاً إدارياً إذا صدر بأداة أخرى مع أن الشارع إنما اعتد بطبيعة العمل وفحوى القرار... وخلصت المحكمة إلى القول بأن قرار مجلس الوزراء المطعون فيه يعتبر عملاً من أعمال السيادة ويخرج بذلك من ولاية القضاء الإداري وأنه فيما يتعلق بمصروفات الدعوى فإن زوال الاختصاص بعد رفع الدعوى لصدور القانون رقم 31 لسنة 1963 والعمل به قبل قفل باب المرافعة فيها يوجب إلزام الحكومة بالمصروفات، وأضافت المحكمة إلى أنه وإن كان المدعي ممنوعاً قانوناً من الطعن بإلغاء القرار الصادر بفصله من الخدمة بالتطبيق لأحكام المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 دون طلب التعويض إلا أنه لم يطعن بالإلغاء إلا تبعاً لطعنه بالتزوير الذي انتهت المحكمة إلى عدم ثبوته ومن ثم يتعين القضاء بإلزام الحكومة بالمصروفات لزوال اختصاص مجلس الدولة بعد رفعها فيما يتعلق بطلب التعويض. وانتهت المحكمة إلى الحكم بعدم اختصاص مجلس الدولة بنظر الدعوى وألزمت الحكومة بالمصروفات.
وحيث إن مبنى طعن هيئة المفوضين أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون إذ اعتبر قرارات الفصل بغير الطريق التأديبي الصادرة من مجلس الوزراء من قبيل أعمال السيادة وسوى في الحكم بينها وبين القرارات الجمهورية إذ يبين من القانون رقم 31 لسنة 1963 المعدل للمادة 12 من قانون مجلس الدولة أنه خص بهذا الوصف القرارات الصادرة من رئيس الجمهورية ولم يكن ذلك عن غير قصد وإنما لحكمة مقصودة قدرها وبينها وأسندها إلى ظروف الأحوال والملابسات والضمانات والأوضاع القائمة وقت إصدار القانون المذكور كما أن تخصيص المشرع للقرارات الجمهورية هو استثناء من الأصل. إذ أن القرارات المذكورة لا تخرج في الأصل من حيث طبيعتها عن كونها قرارات إدارية والاستثناء لا يصح التوسع في تفسيره أو القياس عليه هذا إلى جانب عدم توفر العلة التي يرتبط بها الحكم أو الحكمة التي توخاها المشرع لأن السلطة التي أراد المشرع إطلاق يدها وتحصين قراراتها من هذا القبيل هي سلطة رئيس الجمهورية وليست سلطة أخرى لأن حصانة هذه السلطة هي وليدة ظروف الأحوال والملابسات والضمانات والأوضاع القائمة وقت إصدار القانون المذكور وليست وليدة ظروف الأحوال المالية التي صدرت في كنفها أوامر ملكية أو مراسيم أو قرارات خاصة من مجلس الوزراء وأنه لا وجه للاحتجاج بأحكام القانون رقم 311 لسنة 1953 أو بأحكام القانون رقم 283 لسنة 1956 للقول بسريان أحكام القانون 31 لسنة 1963 على الأوامر الملكية والمراسيم وقرارات مجلس الوزراء التي صدرت في الماضي بفصل الموظفين عن غير الطريق التأديبي ذلك أن القانون رقم 311 لسنة 1953 إنما ينص على استبدال لفظ جمهوري بلفظ "ملكي" في التشريعات القائمة كما أن المادة الأولى من القانون رقم 283 لسنة 1956 إنما تنص على أن تستبدل بعبارتي رئيس مجلس الوزارة ومجلس الوزراء عبارة رئيس الجمهورية في التشريعات القائمة. وأعمال الأثر المباشر لهذين القانونين في مجال فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي إنما يقتضي فقط أن ما كان يصدر من قرارات فردية بأوامر ملكية فإنه يصدر من تاريخ العمل بالقانون رقم 311 لسنة 1953 بأوامر جمهورية وإن ما كان يصدر قبل تاريخ العمل بالقانون رقم 283 لسنة 1956 من رئيس مجلس الوزراء يصدر من رئيس الجمهورية وأما ما سبق إصداره قبل تاريخ العمل بهذين القانونين من قرارات فردية تظل بوصفها الذي صدرت به دون أن يلحقها أي تعديل. وانتهى التقرير إلى أنه لا يجوز اعتبار قرار فصل المدعي من أعمال السيادة وأن الحكم المطعون فيه إذ جرى على خلاف هذا النظر فإنه يكون مخالفاً للقانون.
ومن حيث إن المحكوم ضده ردد في صحيفة طعنه دفاعه أمام المحكمة الإدارية فيما يتعلق بتمسكه بالطعن بالتزوير ونعى على الحكم مخالفته للقانون إذ قضي بعدم اختصاص مجلس الدولة بنظر الدعوى، قائلاً إن اختصاص مجلس الدولة بالفصل في الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات الإدارية الصادرة بإحالتهم إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم بغير الطريق التأديبي قد ورد في المادة 13 من قانون مجلس الدولة وأن الاستثناء الذي ورد بالمادة 12 قصر على القرارات الجمهورية ونعى على الحكم أن المحكمة لم تأمر بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات الادعاء بالتزوير وانتهى إلى طلب رفض الدفع بعدم الاختصاص والحكم بطلباته.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن الحكومة دفعت بعدم اختصاص مجلس الدولة بنظر الدعوى استناداً إلى أن المدعي قد فصل فصلاً تأديبياً بقرار من مجلس الوزراء في 6 من يناير سنة 1953 بالتطبيق لأحكام القانون 181 لسنة 1952 وأن هذا القرار قد أضحى من أعمال السيادة التي يمتنع على المجلس نظرها أسوة بقرارات رئيس الجمهورية الصادرة بفصل الموظفين والتي اعتبرها القانون رقم 31 لسنة 1963 من قبيل أعمال السيادة، في حين نفى المدعي أن فصله تم بقرار من مجلس الوزراء وادعى بتزوير الأوراق المتعلقة بفصله والمقدمة من الحكومة.
ومن حيث إنه ولئن كان الأصل أن البحث في الاختصاص والفصل فيه ينبغي أن يكون سابقاً على البحث في موضوع الدعوى، إلا أنه متى كان الفصل في الدفع بعدم الاختصاص متوقفاً على بحث الموضوع، فإنه يتعين على المحكمة نظر الموضوع بالقدر اللازم للفصل في الاختصاص، وإذ كان الفصل في الاختصاص في النزاع الراهن يتوقف على مدى جدية الادعاء بالتزوير فإنه لا يتصور الحكم في الدفع بعدم الاختصاص قبل الفصل في الادعاء بالتزوير.
ومن حيث إنه وإن يكن سديداً ما اتجهت إليه المحكمة الإدارية المطعون في حكمها من نظر الادعاء بالتزوير قبل البت في الدفع بعدم الاختصاص، إلا أنه ما كان يجوز للمحكمة وقد انتهت إلى الحكم بقبول هذا الدفع أن تستطرد في أسباب حكمها إلى تقرير مشروعية القرار المطعون فيه من حيث قيامه على أسباب سليمة وعدم الانحراف بالسلطة في إصداره، إذ إن ذلك يعد خوضاً في صميم موضوع الدعوى بما لا يقتضيه الفصل في الدفع بعدم الاختصاص فضلاً عن كونه مجافياً لما انتهت إليه من الحكم بقبول هذا الدفع.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالادعاء بالتزوير، فإن الثابت من الاطلاع على أصول أوراق ملف لجنة التطهير الثالثة لوزارة المعارف أن أمر الطاعن قد أحيل إليها في 20 من ديسمبر سنة 1952 بناء على مذكرة صادرة من منطقة أسوان التعليمية في 17 من ديسمبر سنة 1952 تضمنت قائمة بالجزاءات الستة عشر التي وقعت عليه وأن اللجنة كتبت إلى المنطقة تطلب ملف خدمته والتقارير السرية عنه، بدليل أصل الكتابين الموجهين من المنطقة إلى اللجنة في هذا الشأن المرفقين بالملف والمؤرخين 27 و28 من ديسمبر سنة 1952، والثابت كذلك من الاطلاع على أصل محاضر اللجنة المشار إليه أن اللجنة بعد أن استعرضت الجزاءات الموقعة على المدعي وافقت على فصله بجلستها المنعقدة في أول يناير سنة 1953، وأصدرت في ذات التاريخ قراراً مسبباً بهذا الفصل تناولت فيه هذه الجزاءات ونوهت بخطورة بعض الذنوب الإدارية التي ارتكبها ودلالتها على انحرافه وانتهت إلى قيام شبهات قوية وشوائب تعيب أخلاقه وكرامته، فضلاً عما استظهرته من كثرة الجزاءات المتعلقة بإهماله في عمله من كونه غير منتج أما ما أشار إليه المدعي من أن الأوراق الأخرى تدل على أن أمره عرض على اللجنة الثانية وأنها قررت التخلي عن نظر المسائل المنسوبة إليه لضيق الوقت، فإن ذلك مرده إلى ما وقع من لبس أدى إلى شيء من الازدواج في العرض على كلتا اللجنتين وقد أوقفت الإجراءات بمجرد اكتشاف هذا الخطأ على النحو الذي أورده الحكم المطعون فيه وإذا كان قد وقع خطأ مادي في ذكر اسم المدعي ضمن المفصولين بقرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من يناير سنة 1953 إلا أن الواضح أن القرار إنما نبى على قرار لجنة التطهير الثالثة مما يدل على أن المدعي كان هو المقصود دون غيره وقد تم بالفعل تصحيح هذا الخطأ، ولم يقدم المدعي ما يدل على وقوع تزوير في الأوراق المقدمة من الجهة الإدارية أو في الوقائع التي تضمنتها هذه الأوراق.
ومن حيث إنه متى كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أصاب الحق فيما انتهى إليه من رفض الادعاء بالتزوير للأسباب السابقة التي بنى عليها قضاءه، والتي من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها.
ومن حيث إنه لا وجه لما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من أن المحكمة لم تستجب إلى ما طلبه من إحالة الدعوى إلى التحقيق ذلك أن المادة 484 من قانون المرافعات إذ نصت على أنه "إذا كان الادعاء بالتزوير منتجاً في النزاع ولم تكف وقائع الدعوى ومستنداتها لاقتناع المحكمة بصحة الورقة أو بتزويرها ورأت أن إجراء التحقيق منتج وجائز أمرت بالتحقيق" - قد أفادت بأنه لا إلزام على المحكمة بإحالة الدعوى على التحقيق لإثبات الادعاء بالتزوير متى كانت وقائع الدعوى ومستنداتها كافية لتكوين عقيدتها فلها أن تستدل على انتفاء التزوير بما تستظهره من ظروف الدعوى وملابساتها وما تستخلصه من عجز المدعي عن إثبات ما ادعاه.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالدفع بعدم الاختصاص استناداً إلى حكم المادة 12 من القانون رقم 55 لسنة 1959 بشأن تنظيم مجلس الدولة بعد تعديلها بالقانون رقم 31 لسنة 1963 والتي يجري نصها بأن لا يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالنظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة، ويعتبر من أعمال السيادة قرارات رئيس الجمهورية الصادرة بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم بغير الطريق التأديبي.
ومن حيث إن مفاد هذا القانون أن المشرع رأى للعلة التي أشار إليها في المذكرة الإيضاحية. أن يضفي على طائفة من القرارات الإدارية التي تصدر في شأن الموظفين العموميين، وهي تلك التي يصدرها رئيس الجمهورية بإحالتهم إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم بغير الطريق التأديبي حصانة تعصمها من الطعن فيها أمام القضاء الإداري باعتباره إياها من أعمال السيادة.
ومن حيث إن الأصل أن معيار التفرقة بين الأعمال الإدارية التي تباشرها الحكومة في حدود وظيفتها الإدارية وبين أعمال السيادة التي تباشرها باعتبارها سلطة حكم مرده إلى القضاء الذي ترك له المشرع سلطة تقرير الوصف القانوني للعمل المطروح عليه وما إذا كان يعد عملاً إدارياً عادياً يختص بنظره أو عملاً من أعمال السيادة يمتنع عليه النظر فيه، وأن ما يعتبر في بعض الظروف عملاً إدارياً عادياً قد يرقى في ظروف أخرى إلى مرتبة أعمال السيادة لارتباطه في ظل الظروف الجديدة بسياسة الدولة العليا أو بأحوالها الاجتماعية أو الاقتصادية المتطورة - وإذا كان الأصل على ما تقدم فإن للمشرع أن يتدخل من جانبه لخلع صفة السيادة على بعض الأعمال الإدارية ليخرجها بالتبع من ولاية القضاء ولا عليه أن يمارس هذه السلطة وهو مانحها، وفي هذه الحالة يلتزم القضاء بالوصف الذي خلعه المشرع على هذه الأعمال أو القرارات.
ومن حيث إن القرارات الجمهورية بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو بفصلهم بغير الطريق التأديبي إنما تعد بحكم طبيعتها قرارات إدارية عادية مما يخضع في الأصل لرقابة القضاء، وقد كانت معتبرة كذلك إلى أن صدر القانون المشار إليه الذي أدخل تعديلاً على اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالاستثناء منه عن طريق اعتبار القرارات المشار إليها من قبيل أعمال السيادة وبذلك ينحسر عنها ولاية القضاء الإداري بعد أن كانت تشملها في ظل القوانين السابقة.
ومن حيث إنه يتبين من هذا التعديل أن المشرع نزع من ولاية القضاء الإداري - على خلاف الأصل - النظر في القرارات المشار إليها ومن ثم فإنه ينبغي، لكون هذا التعديل استثناء أن يلتزم في تفسيره وتحديد مداه قواعد التفسير الضيق المرتبط بعلة الحكم.
ومن حيث إنه يبين من نص المادة الأولى من القانون رقم 31 لسنة 1963 - أن المشرع لم يخلع وصف السيادة على قرارات الفصل أياً كانت السلطة التي أصدرتها وإنما خص به القرارات التي يصدرها رئيس الجمهورية دون سواها، بمعنى أن المعيار الذي وضعه المشرع في تحديد هذا القرارات ليس معياراً مادياً بحتاً يتمثل في كنة القرار وطبيعته وإنما يرتبط إلى جانب ذلك بمصدر القرار ذاته إذ يلزم أن يكون القرار صادراً من رئيس الجمهورية وذلك لاعتبارات قدرها تتصل بالضمانات التي تحيط بهذا النوع من القرارات دون غيرها - ولا ينال من سلامة هذا النظر أن يعتبر قرار الفصل بغير الطريق التأديبي عملاً من أعمال السيادة إذا كان صادراً من رئيس الجمهورية وعملاً إدارياً عادياً إذا صدر بأداة أخرى، إذ الأصل هو اختصاص القضاء الإداري بهذه القرارات إلا ما جرى النص على استثنائه، ولو أراد الشارع أن يبسط الحصانة على القرارات الأخرى التي سبق صدورها من مجلس الوزراء لما أعوزه النص على ذلك. ومن ثم فإن الحكم الذي شرعه القانون رقم 31 لسنة 1963 لا يسري على القرارات التي صدرت من مجلس الوزراء بفصل الموظفين من غير الطريق التأديبي تطبيقاً لأحكام القانون رقم 181 لسنة 1952.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم بعدم اختصاص مجلس الدولة بنظر الدعوى على غير أساس سليم من القانون يتعين القضاء بإلغائه وباختصاص المجلس بنظرها وإعادتها إلى المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم للفصل فيها بهيئة أخرى بعد أن وضح أن الحكم المطعون فيه قد أفصح عن اتجاهه في موضوع الدعوى.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعنين رقم 807 لسنة 10 القضائية ورقم 1151 لسنة 10 القضائية شكلاً وفي موضوعهما بإلغاء الحكم المطعون فيه وباختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى وبإعادتها إلى المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم للفصل فيها.

الطعن 1019 لسنة 9 ق جلسة 10 / 12 / 1966 إدارية عليا مكتب فني 12 ج 1 ق 36 ص 355

جلسة 10 من ديسمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى ومحمد طاهر عبد الحميد ويوسف إبراهيم الشناوي وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.

------------------

(36)

القضية رقم 1019 لسنة 9 القضائية

عقد إداري. " الجزاءات التي تملك الإدارة توقيعها على المتعاقد المقصر". 

جواز الجمع بين مصادرة التأمين والمطالبة بالتعويضات في حالة الفسخ - شرط ذلك ألا يحظر العقد صراحة هذا الجمع وأن يكون الضرر مجاوزاً قيمة التأمين المصادر.

------------------
إن فسخ العقد - أياً كان هذا العقد - يخضع لقاعدة قانونية عامة مؤداها أن للدائن في حالة فسخ العقد أن يرجع بالتعويض عما أصابه من ضرر على المدين إذا كان عدم قيام هذا المدين بتنفيذ التزاماته راجعاً إلى خطئه، وترتب على هذا الخطأ ضرر للدائن. وهذه القاعدة بحكم عموميتها تطبق في حالة فسخ العقد الإداري كما تطبق في حالة فسخ العقد المدني على حد سواء، ومن ثم فإن هذا التعويض - الذي مرده إلى القواعد العامة - مختلف في طبيعته وغايته عن شرط مصادرة التأمين، وهو أحد الجزاءات المالية التي جرى العرف الإداري على اشتراطها في العقد الإداري والتي مردها إلى ما يتميز به العقد الإداري عن العقد المدني من طابع خاص مناطه احتياجات المرفق العام الذي يستهدف العقد تسييره وتغليب وجه المصلحة العامة في شأنه، وهذا الطابع الخاص هو الذي يترتب عليه تمتع الإدارة في العقد الإداري بسلطات متعددة منها سلطة توقيع الجزاءات المالية ومنها مصادرة التأمين، وما دامت طبيعة كل من مصادرة التأمين والتعويض مختلفة فلا تثريب إن اجتمع في حالة فسخ العقد الإداري مع مصادرة التأمين استحقاق التعويض، إذ لا يعتبر الجمع بينهما ازدواجاً للتعويض محظوراً حتى ولو لم ينص في العقد الإداري على استحقاق التعويض، لأن استحقاقه كما سلف البيان إنما هو تطبيق للقواعد العامة على أن الجمع بين مصادرة التأمين والتعويض رهين بألا يحظر العقد الإداري صراحة هذا الجمع، وأن يكون الضرر مجاوزاً قيمة التأمين المصادر، أما إذا كانت مصادرة التأمين قد جبرت الضرر كله فلا محل للتعويض ما لم يتفق على غير ذلك.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص - على ما يبين من أوراق الطعن - في أن المدعي أقام دعواه بصحيفة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري "هيئة العقود الإدارية وطلبات التعويض" في 10 من أكتوبر سنة 1959 ضد السيد/ محمود أحمد أبو السعود طالباً الحكم "بإلزام المدعى عليه بأن يدفع لها مبلغ 116 جنيهاً و398 مليماً والفوائد بواقع 4% من تاريخ المطالبة الرسمية والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة" وفي بيان دعواه قال إنه رسى على المدعى عليه مزاد استغلال بوفيه مراقبة الشئون البلدية والقروية لمدة سنة اعتباراً من أول يناير سنة 1958 مقابل جعل شهري قدره (15 جنيهاً و834 مليماً) يضاف إليه 250 مليماً ثمن المياه المستهلكة، على أن يدفع هذا الجعل في الأسبوع الأول من كل شهر إلا أن المدعى عليه توقف عن دفعه في شهر مارس سنة 1958 فقامت المراقبة بمصادرة التأمين وقدره (15 جنيهاً و834 مليماً) لحساب هذا الشهر. وبعد أن سدد المدعى عليه جعل شهر إبريل سنة 1958 ومبلغ 3 جنيهات و834 مليماً من جعل شهر مايو سنة 1958 توقف نهائياً عن الدفع بالرغم من التسهيلات التي أتاحتها المراقبة له بتقسيطها بغية جعل هذا الشهر على أقساط شهرية قيمة الواحد منها 1 جنيه و500 مليم، وأنه نظراً إلى أن المدعى عليه لم يدفع مبلغ التأمين الذي سبق للمراقبة أن صادرته لحساب شهر مارس سنة 1958 وكانت المادة الثالثة من شروط الترخيص تنص على أن للمراقبة إلغاء الترخيص في حالة امتناع المرخص له عن سداده، فقد قامت المراقبة بإلغاء الترخيص في آخر يوليه سنة 1958 وإغلاق البوفيه وقد ترتب على ذلك أن استحق للمراقبة قبل المتعهد 116 جنيهاً و398 مليماً بيانها كالآتي:
12 جنيه قيمة جعل شهر مايو سنة 1958.
16.114 مليمجـ جعل شهر يونيه سنة 1958.
16.114 مليمجـ جعل شهر يوليه سنة 1958.
79.170 مليمجـ جعل الأشهر من أغسطس إلى ديسمبر سنة 1958 بواقع 15 جنيهاً و834 مليماً.
123.398 مليمجـ يستنزل من هذا المبلغ سبعة جنيهات قيمة ما دفعه المدعى عليه في شهر يوليو 1958 فيكون الباقي 116 جنيهاً و398 مليماً.
ومن حيث إن المدعي عقب على الدعوى بقوله إن الإدارة لم تسلمه الحجرة المخصصة لتشغيل المقصف لأن المتعهد السابق ظل يشغلها فلم يبدأ العمل إلا في 10 يناير سنة 1958 بعد أن سلمته حجرة صغيرة، كذلك فإن المتعهد السابق الذي كان مستغلاً لمقصف الإدارة العامة للمباني ظل ينافسه بتقديم الطلبات في مكاتب المراقبة، ولم يلتفت أحد إلى شكواه في هذا الشأن. وأضاف أنه طلب من الإدارة إعفاءه من دفع الجعل طوال شهر رمضان أسوة بما يجرى به العمل في المصالح الأخرى ورفض دفع الجعل فبادرت الإدارة إلى مصادرة التأمين. وفي 26 من يوليه سنة 1958 فوجئ بأحد موظفي المراقبة يطالبه بدفع مبلغ 37 جنيهاً بزعم أنه تأخر في الوفاء بها ولما أفهمه أنه قام بالسداد لم يستمع إليه وطرد العمال وأغلق المقصف، ولم تجد شكواه بعد ذلك إلى الجهات المختصة ولم يمكن من فتح المقصف، مما دعاه إلى توجيه إنذار إلى المراقب يطالب فيه بتسليم المقصف وإيراد اليوم الذي تم فيه الغلق والمبالغ المستحقة في ذمة الموظفين. وانتهى إلى أنه يستحق المبالغ الآتية في ذمة المراقبة:
50 جنيه قيمة المبالغ المتأخرة لدى الموظفين.
75.300 مليمجـ أدوات ومنقولات موضحة بكشف الجرد.
75 جنيه ما فاته من كسب عن خمسة أشهر.
5.400 مليمجـ إيراد اليوم الذي تم فيه الغلق.
12 جنيه قيمة نظارة طبية تركها بالمقصف.
فيكون المجموع 217 جنيهاً و700 مليم، وطلب المدعي لذلك رفض الدعوى مع حفظ حقه في التعويض.
ومن حيث إن الحكومة بادرت أثناء نظر الخصومة أمام محكمة القضاء الإداري إلى تصحيح شكل الدعوى بتوجيهها من السيد وزير الإسكان والمرافق صاحب الصفة في تمثيل الوزارة وقدمت مذكرة أشارت فيها إلى أن المراقبة قامت بإعادة طرح المقصف في مزايدة عامة رست على السيد/ كمال إسماعيل لقاء جعل شهري قدره 24 جنيهاً و500 مليم اعتباراً من 1/ 10/ 1958 وأضافت أن الراسي عليه المزاد لم يدفع التأمين النهائي فقامت المراقبة بمصادرة التأمين الابتدائي.
ومن حيث إنه بتاريخ 28 من إبريل سنة 1963 قضت المحكمة بإلزام المدعى عليه بأن يدفع إلى الوزارة مبلغ 37 جنيهاً و302 مليمات والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 10/ 10/ 1959 والمصروفات المناسبة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. وأقامت قضاءها على أنه لا حق للمدعى عليه في الامتناع عن الوفاء بجعل شهر مارس سنة 1958 لوقوعه في شهر رمضان، لأن شروط الاستغلال لا تعفيه من الجعل في هذا الشهر، ومن ثم تكون المراقبة على حق في خصم التأمين مقابل جعل الشهر المذكور ولها طبقاً لنص البند الثاني من شروط الاستغلال مطالبته بدفع تأمين جديد. وأنه على الرغم من أن المدعى عليه قد تأخر في سداد التأمين السابق خصمه فقد تأخر أيضاً في سداد ما استحق في ذمته من جعل ابتداء من أول مايو سنة 1958 - ومن ثم تكون المراقبة على حق فيما رأته من إلغاء العقد وغلق المقصف طبقاً لنص البند الثاني من شروط الاستغلال والبند الثاني عشر منها والذي يقضي بأنه إذا أخل المرخص له بأي شرط من الشروط فلها (أي المراقبة) أن تعتبر هذا الترخيص ملغياً بدون حاجة إلى إنذار أو تنبيه أو اتخاذ أي إجراء قضائي، ويترتب على هذا الإلغاء اعتبار التأمين من حق المراقبة دون حاجة إلى إثبات الضرر ودون مساس بحقها في الرجوع على المرخص له بالتعويض عن الأضرار التي تلحقها نتيجة الإخلال بتعهداته في حالة ما إذا زاد قدر التعويض عن قيمة التأمين. واستطردت المحكمة إلى أن المراقبة وقد قامت بإلغاء العقد، فإنه يكون من حقها طبقاً للنص المذكور مصادرة التأمين فضلاً عن المطالبة بالجعل المستحق لها حتى تاريخ الإلغاء الذي تم في 26 يوليه سنة 1958، ولا حق لها في المطالبة بالجعل المستحق بعد ذلك ابتداء من أول أغسطس سنة 1958 حتى نهاية مدة الاستغلال في آخر ديسمبر سنة 1958، ذلك لأنها وقد اختارت إلغاء العقد فلا يحق لها بعد إنهائه أن تطالب بالمدة التالية لهذا الإنهاء إذ لا يجوز أن تقوم بتنفيذ العقد المنهي على حساب المدعى عليه ويقتصر حقها فقط على مصادرة التأمين طبقاً لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة من عدم جواز الجمع بين إلغاء العقد ومصادرة التأمين وبين تنفيذه على حساب المتعهد المتخلف وانتهى الحكم إلى أن المبلغ المستحق في ذمة المدعي للمراقبة 37 جنيهاًًً و302 مليماً. ذلك أن الثابت من أوراق الدعوى والقسائم المقدمة من المدعى عليه بحافظته أنه قام بالوفاء بجعل أشهر يناير وفبراير وإبريل سنة 1958. أما جعل شهر مارس سنة 1958 فقد خصم التأمين وفاء له وقدره (15 جنيهاً و834 مليماً) فيكون الباقي منه 28 مليماً وهو ما يوازي ثمن استهلاك المياه والإنارة ورسم الدمغة وبذلك تكون المبالغ المستحقة في ذمة المدعى عليها على الوجه الآتي:
280 مليم قيمة الباقي من جعل شهر مارس سنة 1958.
48.342 مليمجـ قيمة الجعل عن شهور مايو ويونيه ويوليه سنة 1958 بواقع 16 جنيهاً و114 مليماً.
ويستنزل من مجموع هذه المبالغ التي قام المدعى عليه بسدادها طبقاً للقسائم المقدمة بحافظة مستنداته وما ورد بأوراق الدعوى وهي:
3.970 مليمجـ في 24/ 5/ 1958 بقسيمة رقم 463639 من جعل شهر مايو خلاف رسم الدمغة.
5 جنيهاً في 25/ 5/ 1958 بقسيمة رقم 463653 من أصل التأمين خلاف رسم الدمغة.
7.114 مليمجـ في 3/ 6/ 1958 بقسيمة رقم 363740 كمالة التأمين خلاف رسم الدمغة.
4.110 مليمجـ في 11/ 6/ 1958 بقسيمة رقم 141783 من جعل شهر مايو خلاف رسم الدمغة.
7 جنيهاً في 12/ 7/ 1958 بقسيمة رقم 149613 وهو المبلغ الذي أشارت إليه المدعية في عريضة الدعوى.
27.194 مليمجـ يخصم منه مبلغ 15 جنيهاً و834 مليماً قيمة التأمين السابق لجعل شهر مارس 1958 وهو الواجب مصادرته طبقاً لشروط الاستغلال، فيكون الباقي بعد ذلك مبلغ 11 جنيهاً و360 مليماً وبخصمه من الجعل المستحق على المدعى عليه ومقداره 48 جنيهاً و662 مليماً يكون الباقي عليه مبلغ 37 جنيهاً و302 مليماً وهو ما يتعين الحكم به مع فوائده القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة الرسمية طبقاً للمادة 226 من القانون المدني والمصروفات المناسبة ورفض ما عدا ذلك من الطلبات.
ومن حيث إن الحكومة نصت في طعنها على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون، بمقولة إن الحكم انبنى على قاعدة عدم جواز الجمع بين إلغاء العقد وتنفيذه على الحساب في حين أنها إنما تطالب بتعويض يتمثل في جعل الشهور من أغسطس إلى آخر ديسمبر 1958 وهو ما حرمت منه بسبب خطأ المطعون ضده وتقصيره في تنفيذ التزاماته العقدية، وقد سجل عليه الحكم المطعون فيه هذا الخطأ، ولا يمنع إلغاء العقد بسبب تقصير المتعاقد من المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي أصابتها بسبب خطئه، وفضلاً عن ذلك فإنه طبقاً لنص المادة 12 من الشروط يكون من حق جهة الإدارة في حالة إلغاء العقد بسبب إخلال المتعهد بالتزاماته أن تصادر التأمين دون حاجة إلى إثبات الضرر كما يكون من حقها أيضاً الرجوع على المرخص له بالتعويض عن الأضرار التي تلحقها نتيجة إخلاله بتعهداته، وقد يكون تحديد التعويض بالجعل الذي كانت ستتقاضاه من المطعون ضده في الشهور من أغسطس إلى آخر ديسمبر 1958 هو الذي يسبب الخلط في فهم المقصود.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة عقبت على الطعن بمذكرة بالرأي القانوني أشارت فيها إلى ما سبق أن قضت به المحكمة العليا من جواز الجمع في حالة فسخ العقد بين مصادرة التأمين والحصول على تعويض متى كان العقد لا يحظر صراحة هذا الجمع وكانت مصادرة التأمين غير كافية في جبر الضرر، وأن البند الثاني عشر من شروط الاستغلال صريح في أن حق الإدارة في اعتبار الترخيص ملغياً عند وقوع إخلال من المتعهد في تنفيذ التزاماته، وأنه يترتب على هذا الإلغاء اعتبار التأمين من حق الإدارة دون حاجة إلى إثبات الضرر ودون مساس بحقها في الرجوع على المرخص له بالتعويض في حالة ما إذا زاد قدر هذا التعويض عن قيمة التأمين. وإن الثابت أن المدعى عليه قد أخل بالتزاماته بأن امتنع عن إعادة التأمين المخصوم والوفاء بالجعول المتأخرة، ومن ثم فإن الوزارة المدعية تكون على حق فيما تقدمت بطلبه من إلزام المدعى عليه بدفع التعويض عما لحقها من الأضرار عن الفترة التالية لإنهاء العقد ما دامت هذه الأضرار تربو على قيمة التأمين.
ومن حيث إن المستفاد مما سبق إيراده أن الوزارة المدعية قامت بإلغاء العقد استناداً إلى المادتين 2 و6 منه بعد أن أخل المتعهد بتنفيذ التزاماته بالوفاء مقابل الاستغلال وفي تكملة التأمين الذي خصم مقابل جعل شهر مارس سنة 1958، ثم أقامت الحكومة دعواها لتطالبه بمقابل الاستغلال في الفترة السابقة على إنهاء العقد وبتعويض يعادل هذا المقابل عن الفترة اللاحقة. وقد اقتصر الحكم المطعون فيه على الحكم بمقابل الاستغلال عن الفترة السابقة على إنهاء العقد بمقولة إن حقها يقف عند حد مصادرة التأمين دون أية مطالبة عن فترة تالية لإنهاء العقد وإلا كان معنى ذلك تنفيذ العقد بعد إنهائه على حساب المتعاقد المقصر وهو ما لا يتأتى. في حين بني الطعن على أن مطالبة الحكومة بمقابل الاستغلال عن الفترة اللاحقة لا تعدو أن تكون مطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بها من جراء خطأ المدعى عليه لا تنفيذاً للعقد على حسابه، وأن هذا التعويض يمثل ما فاتها من مقابل الاستغلال عن الفترة اللاحقة.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن فسخ العقد - أياً كان هذا العقد - يخضع لقاعدة قانونية عامة مؤداها أن للدائن في حالة فسخ العقد أن يرجع بالتعويض عما أصابه من ضرر على المدين إذا كان عدم قيام هذا المدين بتنفيذ التزاماته راجعاً إلى خطئه، وترتب على هذا الخطأ ضرر بالدائن "وهذه القاعدة بحكم عموميتها تطبق في حالة فسخ العقد الإداري كما تطبق في حالة فسخ العقد المدني على حد سواء، ومن ثم فإن هذا التعويض الذي مرده إلى القواعد العامة - مختلف في طبيعته وغايته عن شرط مصادرة التأمين، وهو أحد الجزاءات المالية التي جرى العرف الإداري على اشتراطها في العقد الإداري، والتي مردها إلى ما يتميز به العقد الإداري عن العقد المدني من طابع خاص مناطه احتياجات المرفق العام الذي يستهدف العقد تسييره وتغليب وجه المصلحة العامة في شأنه. وهذا الطابع الخاص هو الذي يترتب عليه تمتع الإدارة في العقد الإداري بسلطات متعددة منها سلطة توقيع الجزاءات المالية ومنها مصادرة التأمين. وما دامت طبيعة كل من مصادرة التأمين والتعويض مختلفة فلا تثريب أن اجتمع في حالة فسخ العقد الإداري مع مصادرة التأمين استحقاق التعويض، إذ لا يعتبر الجمع بينهما ازدواجاً للتعويض محظوراً، حتى ولو لم ينص في العقد الإداري على استحقاق التعويض، لأن استحقاقه كما سلف البيان إنما هو تطبيق للقواعد العامة. على أن الجمع بين مصادرة التأمين والتعويض رهين بألا يحظر العقد الإداري صراحة هذا الجمع، وأن يكون الضرر مجاوزاً قيمة التأمين المصادر، أما إذا كانت مصادرة التأمين قد جبرت الضرر كله فلا محل للتعويض ما لم يتفق على غير ذلك.
ومن حيث إن البند الثاني عشر من شروط الاستغلال ينص على أنه "إذا أخل المرخص له بأي شرط من الشروط فللمراقبة أن تعتبر هذا الترخيص ملغياً بدون حاجة إلى أعذار أو تنبيه أو إلى اتخاذ أي إجراء قضائي ويترتب على هذا الإلغاء اعتبار التأمين المودع من حق المراقبة دون حاجة إلى إثبات الضرر ودون مساس بحقها في الرجوع على المرخص له بالتعويض عن الأضرار التي تلحقها نتيجة إخلاله بتعهداته في حالة ما إذا زاد قدر هذا التعويض عن قيمة التأمين.
ومن حيث إن مؤدى هذا النص الصريح أن مصادرة التأمين تقع كأثر حتمي لإنهاء العقد، وليس ما ورد به بشأن التعويض إلا ترديداً لحكم القواعد العامة في المسئولية العقدية، فيجوز للإدارة الرجوع على المتعهد بالتعويضات متى جاوزت الأضرار قيمة التأمين ورجوعها في هذه الحالة لا يستند إلى اعتبار العقد قائماً ومنفذاً على حساب المدعى عليه في الوقت الذي تم فيه إنهاؤه - على نحو ما ذهب الحكم المطعون فيه - وإنما يستند ذلك الرجوع إلى أحكام القواعد العامة في المسئولية العقدية.
ومن حيث إن أحكام المادتين 170 و221 في القانون المدني وهي من الأصول العامة في الالتزامات - قد رسمت مدى التعويض عن الضرر المترتب على الخطأ، فنصت المادة 170 على أن يقدر القاضي مدى التعويض عن الضرر الذي لحق المضرور طبقاً لأحكام المادتين 221، 222 مراعياً في ذلك الظروف الملابسة، ونصت المادة 221 على أن "يشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب، بشرط أن يكون هذا نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالالتزام أو للتأخير في الوفاء به، ويعتبر الضرر نتيجة طبيعية إذا لم يكن في استطاعة الدائن أن يتوقاه ببذل جهد معقول.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن الجهة الإدارية لجأت بعد أن ألغت العقد في 26 من يوليه سنة 1958 إلى استطلاع رأي إدارة الفتوى والتشريع المختصة في 2 من أغسطس سنة 1958، ووفاها الرد في 27 من أغسطس سنة 1958 بعدم إمكان التنفيذ على حساب المدعى عليه وبإجراء مزايدة جديدة، فأعلنت عن هذه المزايدة، وحدد يوم 20 من سبتمبر سنة 1958 آخر يوم لتقديم الطلبات ثم قامت في 25 سبتمبر سنة 1958 بفتح المقصف وجرد محتوياته ورست المزايدة الجديدة على السيد/ كمال إسماعيل اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1958، وقد دفع المتعهد الجديد تأميناً ابتدائياً قدره جنيهان ولم يستدل عليه بعد ذلك.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالتعويض عن الفترة السابقة على رسو المزاد، فإن الإجراءات التي قامت بها المراقبة بعد فسخ العقد من استطلاعها رأي إدارة الفتوى والتشريع المختصة، وفتح المقصف وجرد محتوياته، والإعلان عن مزايدة جديدة وإرسائها كل ذلك استغرق قرابة شهرين، وهي فترة معقولة بالقياس إلى المدى الذي يمكن أن تستغرقه مثل هذه الإجراءات. وترى المحكمة أنه لم يكن بوسع الجهة الإدارية توقي مضي هذه الفترة دون استغلال للمقصف ببذل جهد معقول، ومن ثم فإن المدعى عليه يكون مسئولاً عن تعويض الإدارة عن حرمانها من الانتفاع طوال هذه الفترة.
ومن حيث إنه عن الفترة التالية لإرساء المزايدة على المتعهد الجديد والتي تبدأ من أول أكتوبر 1958، فإنه وقد تم التعاقد مع متعهد آخر لا يكون ثمة وجه لمساءلة المدعى عليه عن التعويض عنها، إذ لا يسوغ أن يحمل المدعى عليه نتائج خطأ المتعهد الثاني، ذلك أن علاقة السببية بين خطأ المدعى عليه وبين الضرر الذي يتمثل في حرمان المراقبة من مقابل الاستغلال عن الأربعة أشهر الأخيرة قد انقطعت بالتعاقد الجديد أي أن الضرر في هذه الحالة ليس نتيجة طبيعية أو مباشرة لخطأ المدعى عليه، إذ كان بوسع الإدارة توقيه لو أنها أحسنت اختيار المتعاقد الجديد أو رجعت عليه.
ومن حيث إنه لما كان ما فات الحكومة كسب إنما يتمثل في مقابل الاستغلال عن شهري أغسطس وسبتمبر 1958 على ما سبق البيان، وكان التأمين المدفوع عن المدعى عليه لا يعادل إلا مقابل الاستغلال عن شهر واحد ومن ثم فإن مصادرته أو اعتباره حقاً للطاعن بإلغاء العقد لا تكون كافية لجبر ما حاق بالطاعنة من ضرر ويكون متعيناً إلزام المطعون ضده بتعويض معادل لقيمة مقابل الاستغلال عن شهر واحد.
واستناداً إلى ما تقدم فإن المبالغ التي تستحق للوزارة قبل المدعى عليه تنحصر فيما يلي:
280 مليماً الباقي من جعل شهر مارس سنة 1958.
48.342 مليمجـ قيمة مقابل الاستغلال عن مايو ويونيه ويوليه بواقع 16 جنيهاً و114 مليماً.
15.834 مليمجـ التعويض المستحق.
64.456 مليمجـ المجموع ويخصم منه المبالغ التي سددها المدعى عليه.
11.360
ــــــــــ
53.096 مليمجـ الباقي وهو ما تستحقه الوزارة المدعية قبل المدعى عليه، على أن يلزم بالفوائد القانونية من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام الوفاء وبالمصروفات المناسبة.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بتعديل الحكم المطعون فيه وذلك بإلزام المدعى عليه بأن يدفع إلى الوزارة المدعية مبلغ 53 جنيهاً و96 مليماً والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 10 من أكتوبر سنة 1959 حتى تمام الوفاء وألزمت المدعى عليه بالمصروفات المناسبة.