جلسة 10 من ديسمبر سنة 1966
برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى ومحمد طاهر عبد الحميد ويوسف إبراهيم الشناوي وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.
------------------
(36)
القضية رقم 1019 لسنة 9 القضائية
عقد إداري. " الجزاءات التي تملك الإدارة توقيعها على المتعاقد المقصر".
جواز الجمع بين مصادرة التأمين والمطالبة بالتعويضات في حالة الفسخ - شرط ذلك ألا يحظر العقد صراحة هذا الجمع وأن يكون الضرر مجاوزاً قيمة التأمين المصادر.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص - على ما يبين من أوراق الطعن - في أن المدعي أقام دعواه بصحيفة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري "هيئة العقود الإدارية وطلبات التعويض" في 10 من أكتوبر سنة 1959 ضد السيد/ محمود أحمد أبو السعود طالباً الحكم "بإلزام المدعى عليه بأن يدفع لها مبلغ 116 جنيهاً و398 مليماً والفوائد بواقع 4% من تاريخ المطالبة الرسمية والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة" وفي بيان دعواه قال إنه رسى على المدعى عليه مزاد استغلال بوفيه مراقبة الشئون البلدية والقروية لمدة سنة اعتباراً من أول يناير سنة 1958 مقابل جعل شهري قدره (15 جنيهاً و834 مليماً) يضاف إليه 250 مليماً ثمن المياه المستهلكة، على أن يدفع هذا الجعل في الأسبوع الأول من كل شهر إلا أن المدعى عليه توقف عن دفعه في شهر مارس سنة 1958 فقامت المراقبة بمصادرة التأمين وقدره (15 جنيهاً و834 مليماً) لحساب هذا الشهر. وبعد أن سدد المدعى عليه جعل شهر إبريل سنة 1958 ومبلغ 3 جنيهات و834 مليماً من جعل شهر مايو سنة 1958 توقف نهائياً عن الدفع بالرغم من التسهيلات التي أتاحتها المراقبة له بتقسيطها بغية جعل هذا الشهر على أقساط شهرية قيمة الواحد منها 1 جنيه و500 مليم، وأنه نظراً إلى أن المدعى عليه لم يدفع مبلغ التأمين الذي سبق للمراقبة أن صادرته لحساب شهر مارس سنة 1958 وكانت المادة الثالثة من شروط الترخيص تنص على أن للمراقبة إلغاء الترخيص في حالة امتناع المرخص له عن سداده، فقد قامت المراقبة بإلغاء الترخيص في آخر يوليه سنة 1958 وإغلاق البوفيه وقد ترتب على ذلك أن استحق للمراقبة قبل المتعهد 116 جنيهاً و398 مليماً بيانها كالآتي:
12 جنيه قيمة جعل شهر مايو سنة 1958.
16.114 مليمجـ جعل شهر يونيه سنة 1958.
16.114 مليمجـ جعل شهر يوليه سنة 1958.
79.170 مليمجـ جعل الأشهر من أغسطس إلى ديسمبر سنة 1958 بواقع 15 جنيهاً و834 مليماً.
123.398 مليمجـ يستنزل من هذا المبلغ سبعة جنيهات قيمة ما دفعه المدعى عليه في شهر يوليو 1958 فيكون الباقي 116 جنيهاً و398 مليماً.
ومن حيث إن المدعي عقب على الدعوى بقوله إن الإدارة لم تسلمه الحجرة المخصصة لتشغيل المقصف لأن المتعهد السابق ظل يشغلها فلم يبدأ العمل إلا في 10 يناير سنة 1958 بعد أن سلمته حجرة صغيرة، كذلك فإن المتعهد السابق الذي كان مستغلاً لمقصف الإدارة العامة للمباني ظل ينافسه بتقديم الطلبات في مكاتب المراقبة، ولم يلتفت أحد إلى شكواه في هذا الشأن. وأضاف أنه طلب من الإدارة إعفاءه من دفع الجعل طوال شهر رمضان أسوة بما يجرى به العمل في المصالح الأخرى ورفض دفع الجعل فبادرت الإدارة إلى مصادرة التأمين. وفي 26 من يوليه سنة 1958 فوجئ بأحد موظفي المراقبة يطالبه بدفع مبلغ 37 جنيهاً بزعم أنه تأخر في الوفاء بها ولما أفهمه أنه قام بالسداد لم يستمع إليه وطرد العمال وأغلق المقصف، ولم تجد شكواه بعد ذلك إلى الجهات المختصة ولم يمكن من فتح المقصف، مما دعاه إلى توجيه إنذار إلى المراقب يطالب فيه بتسليم المقصف وإيراد اليوم الذي تم فيه الغلق والمبالغ المستحقة في ذمة الموظفين. وانتهى إلى أنه يستحق المبالغ الآتية في ذمة المراقبة:
50 جنيه قيمة المبالغ المتأخرة لدى الموظفين.
75.300 مليمجـ أدوات ومنقولات موضحة بكشف الجرد.
75 جنيه ما فاته من كسب عن خمسة أشهر.
5.400 مليمجـ إيراد اليوم الذي تم فيه الغلق.
12 جنيه قيمة نظارة طبية تركها بالمقصف.
فيكون المجموع 217 جنيهاً و700 مليم، وطلب المدعي لذلك رفض الدعوى مع حفظ حقه في التعويض.
ومن حيث إن الحكومة بادرت أثناء نظر الخصومة أمام محكمة القضاء الإداري إلى تصحيح شكل الدعوى بتوجيهها من السيد وزير الإسكان والمرافق صاحب الصفة في تمثيل الوزارة وقدمت مذكرة أشارت فيها إلى أن المراقبة قامت بإعادة طرح المقصف في مزايدة عامة رست على السيد/ كمال إسماعيل لقاء جعل شهري قدره 24 جنيهاً و500 مليم اعتباراً من 1/ 10/ 1958 وأضافت أن الراسي عليه المزاد لم يدفع التأمين النهائي فقامت المراقبة بمصادرة التأمين الابتدائي.
ومن حيث إنه بتاريخ 28 من إبريل سنة 1963 قضت المحكمة بإلزام المدعى عليه بأن يدفع إلى الوزارة مبلغ 37 جنيهاً و302 مليمات والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 10/ 10/ 1959 والمصروفات المناسبة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. وأقامت قضاءها على أنه لا حق للمدعى عليه في الامتناع عن الوفاء بجعل شهر مارس سنة 1958 لوقوعه في شهر رمضان، لأن شروط الاستغلال لا تعفيه من الجعل في هذا الشهر، ومن ثم تكون المراقبة على حق في خصم التأمين مقابل جعل الشهر المذكور ولها طبقاً لنص البند الثاني من شروط الاستغلال مطالبته بدفع تأمين جديد. وأنه على الرغم من أن المدعى عليه قد تأخر في سداد التأمين السابق خصمه فقد تأخر أيضاً في سداد ما استحق في ذمته من جعل ابتداء من أول مايو سنة 1958 - ومن ثم تكون المراقبة على حق فيما رأته من إلغاء العقد وغلق المقصف طبقاً لنص البند الثاني من شروط الاستغلال والبند الثاني عشر منها والذي يقضي بأنه إذا أخل المرخص له بأي شرط من الشروط فلها (أي المراقبة) أن تعتبر هذا الترخيص ملغياً بدون حاجة إلى إنذار أو تنبيه أو اتخاذ أي إجراء قضائي، ويترتب على هذا الإلغاء اعتبار التأمين من حق المراقبة دون حاجة إلى إثبات الضرر ودون مساس بحقها في الرجوع على المرخص له بالتعويض عن الأضرار التي تلحقها نتيجة الإخلال بتعهداته في حالة ما إذا زاد قدر التعويض عن قيمة التأمين. واستطردت المحكمة إلى أن المراقبة وقد قامت بإلغاء العقد، فإنه يكون من حقها طبقاً للنص المذكور مصادرة التأمين فضلاً عن المطالبة بالجعل المستحق لها حتى تاريخ الإلغاء الذي تم في 26 يوليه سنة 1958، ولا حق لها في المطالبة بالجعل المستحق بعد ذلك ابتداء من أول أغسطس سنة 1958 حتى نهاية مدة الاستغلال في آخر ديسمبر سنة 1958، ذلك لأنها وقد اختارت إلغاء العقد فلا يحق لها بعد إنهائه أن تطالب بالمدة التالية لهذا الإنهاء إذ لا يجوز أن تقوم بتنفيذ العقد المنهي على حساب المدعى عليه ويقتصر حقها فقط على مصادرة التأمين طبقاً لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة من عدم جواز الجمع بين إلغاء العقد ومصادرة التأمين وبين تنفيذه على حساب المتعهد المتخلف وانتهى الحكم إلى أن المبلغ المستحق في ذمة المدعي للمراقبة 37 جنيهاًًً و302 مليماً. ذلك أن الثابت من أوراق الدعوى والقسائم المقدمة من المدعى عليه بحافظته أنه قام بالوفاء بجعل أشهر يناير وفبراير وإبريل سنة 1958. أما جعل شهر مارس سنة 1958 فقد خصم التأمين وفاء له وقدره (15 جنيهاً و834 مليماً) فيكون الباقي منه 28 مليماً وهو ما يوازي ثمن استهلاك المياه والإنارة ورسم الدمغة وبذلك تكون المبالغ المستحقة في ذمة المدعى عليها على الوجه الآتي:
280 مليم قيمة الباقي من جعل شهر مارس سنة 1958.
48.342 مليمجـ قيمة الجعل عن شهور مايو ويونيه ويوليه سنة 1958 بواقع 16 جنيهاً و114 مليماً.
ويستنزل من مجموع هذه المبالغ التي قام المدعى عليه بسدادها طبقاً للقسائم المقدمة بحافظة مستنداته وما ورد بأوراق الدعوى وهي:
3.970 مليمجـ في 24/ 5/ 1958 بقسيمة رقم 463639 من جعل شهر مايو خلاف رسم الدمغة.
5 جنيهاً في 25/ 5/ 1958 بقسيمة رقم 463653 من أصل التأمين خلاف رسم الدمغة.
7.114 مليمجـ في 3/ 6/ 1958 بقسيمة رقم 363740 كمالة التأمين خلاف رسم الدمغة.
4.110 مليمجـ في 11/ 6/ 1958 بقسيمة رقم 141783 من جعل شهر مايو خلاف رسم الدمغة.
7 جنيهاً في 12/ 7/ 1958 بقسيمة رقم 149613 وهو المبلغ الذي أشارت إليه المدعية في عريضة الدعوى.
27.194 مليمجـ يخصم منه مبلغ 15 جنيهاً و834 مليماً قيمة التأمين السابق لجعل شهر مارس 1958 وهو الواجب مصادرته طبقاً لشروط الاستغلال، فيكون الباقي بعد ذلك مبلغ 11 جنيهاً و360 مليماً وبخصمه من الجعل المستحق على المدعى عليه ومقداره 48 جنيهاً و662 مليماً يكون الباقي عليه مبلغ 37 جنيهاً و302 مليماً وهو ما يتعين الحكم به مع فوائده القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة الرسمية طبقاً للمادة 226 من القانون المدني والمصروفات المناسبة ورفض ما عدا ذلك من الطلبات.
ومن حيث إن الحكومة نصت في طعنها على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون، بمقولة إن الحكم انبنى على قاعدة عدم جواز الجمع بين إلغاء العقد وتنفيذه على الحساب في حين أنها إنما تطالب بتعويض يتمثل في جعل الشهور من أغسطس إلى آخر ديسمبر 1958 وهو ما حرمت منه بسبب خطأ المطعون ضده وتقصيره في تنفيذ التزاماته العقدية، وقد سجل عليه الحكم المطعون فيه هذا الخطأ، ولا يمنع إلغاء العقد بسبب تقصير المتعاقد من المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي أصابتها بسبب خطئه، وفضلاً عن ذلك فإنه طبقاً لنص المادة 12 من الشروط يكون من حق جهة الإدارة في حالة إلغاء العقد بسبب إخلال المتعهد بالتزاماته أن تصادر التأمين دون حاجة إلى إثبات الضرر كما يكون من حقها أيضاً الرجوع على المرخص له بالتعويض عن الأضرار التي تلحقها نتيجة إخلاله بتعهداته، وقد يكون تحديد التعويض بالجعل الذي كانت ستتقاضاه من المطعون ضده في الشهور من أغسطس إلى آخر ديسمبر 1958 هو الذي يسبب الخلط في فهم المقصود.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة عقبت على الطعن بمذكرة بالرأي القانوني أشارت فيها إلى ما سبق أن قضت به المحكمة العليا من جواز الجمع في حالة فسخ العقد بين مصادرة التأمين والحصول على تعويض متى كان العقد لا يحظر صراحة هذا الجمع وكانت مصادرة التأمين غير كافية في جبر الضرر، وأن البند الثاني عشر من شروط الاستغلال صريح في أن حق الإدارة في اعتبار الترخيص ملغياً عند وقوع إخلال من المتعهد في تنفيذ التزاماته، وأنه يترتب على هذا الإلغاء اعتبار التأمين من حق الإدارة دون حاجة إلى إثبات الضرر ودون مساس بحقها في الرجوع على المرخص له بالتعويض في حالة ما إذا زاد قدر هذا التعويض عن قيمة التأمين. وإن الثابت أن المدعى عليه قد أخل بالتزاماته بأن امتنع عن إعادة التأمين المخصوم والوفاء بالجعول المتأخرة، ومن ثم فإن الوزارة المدعية تكون على حق فيما تقدمت بطلبه من إلزام المدعى عليه بدفع التعويض عما لحقها من الأضرار عن الفترة التالية لإنهاء العقد ما دامت هذه الأضرار تربو على قيمة التأمين.
ومن حيث إن المستفاد مما سبق إيراده أن الوزارة المدعية قامت بإلغاء العقد استناداً إلى المادتين 2 و6 منه بعد أن أخل المتعهد بتنفيذ التزاماته بالوفاء مقابل الاستغلال وفي تكملة التأمين الذي خصم مقابل جعل شهر مارس سنة 1958، ثم أقامت الحكومة دعواها لتطالبه بمقابل الاستغلال في الفترة السابقة على إنهاء العقد وبتعويض يعادل هذا المقابل عن الفترة اللاحقة. وقد اقتصر الحكم المطعون فيه على الحكم بمقابل الاستغلال عن الفترة السابقة على إنهاء العقد بمقولة إن حقها يقف عند حد مصادرة التأمين دون أية مطالبة عن فترة تالية لإنهاء العقد وإلا كان معنى ذلك تنفيذ العقد بعد إنهائه على حساب المتعاقد المقصر وهو ما لا يتأتى. في حين بني الطعن على أن مطالبة الحكومة بمقابل الاستغلال عن الفترة اللاحقة لا تعدو أن تكون مطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بها من جراء خطأ المدعى عليه لا تنفيذاً للعقد على حسابه، وأن هذا التعويض يمثل ما فاتها من مقابل الاستغلال عن الفترة اللاحقة.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن فسخ العقد - أياً كان هذا العقد - يخضع لقاعدة قانونية عامة مؤداها أن للدائن في حالة فسخ العقد أن يرجع بالتعويض عما أصابه من ضرر على المدين إذا كان عدم قيام هذا المدين بتنفيذ التزاماته راجعاً إلى خطئه، وترتب على هذا الخطأ ضرر بالدائن "وهذه القاعدة بحكم عموميتها تطبق في حالة فسخ العقد الإداري كما تطبق في حالة فسخ العقد المدني على حد سواء، ومن ثم فإن هذا التعويض الذي مرده إلى القواعد العامة - مختلف في طبيعته وغايته عن شرط مصادرة التأمين، وهو أحد الجزاءات المالية التي جرى العرف الإداري على اشتراطها في العقد الإداري، والتي مردها إلى ما يتميز به العقد الإداري عن العقد المدني من طابع خاص مناطه احتياجات المرفق العام الذي يستهدف العقد تسييره وتغليب وجه المصلحة العامة في شأنه. وهذا الطابع الخاص هو الذي يترتب عليه تمتع الإدارة في العقد الإداري بسلطات متعددة منها سلطة توقيع الجزاءات المالية ومنها مصادرة التأمين. وما دامت طبيعة كل من مصادرة التأمين والتعويض مختلفة فلا تثريب أن اجتمع في حالة فسخ العقد الإداري مع مصادرة التأمين استحقاق التعويض، إذ لا يعتبر الجمع بينهما ازدواجاً للتعويض محظوراً، حتى ولو لم ينص في العقد الإداري على استحقاق التعويض، لأن استحقاقه كما سلف البيان إنما هو تطبيق للقواعد العامة. على أن الجمع بين مصادرة التأمين والتعويض رهين بألا يحظر العقد الإداري صراحة هذا الجمع، وأن يكون الضرر مجاوزاً قيمة التأمين المصادر، أما إذا كانت مصادرة التأمين قد جبرت الضرر كله فلا محل للتعويض ما لم يتفق على غير ذلك.
ومن حيث إن البند الثاني عشر من شروط الاستغلال ينص على أنه "إذا أخل المرخص له بأي شرط من الشروط فللمراقبة أن تعتبر هذا الترخيص ملغياً بدون حاجة إلى أعذار أو تنبيه أو إلى اتخاذ أي إجراء قضائي ويترتب على هذا الإلغاء اعتبار التأمين المودع من حق المراقبة دون حاجة إلى إثبات الضرر ودون مساس بحقها في الرجوع على المرخص له بالتعويض عن الأضرار التي تلحقها نتيجة إخلاله بتعهداته في حالة ما إذا زاد قدر هذا التعويض عن قيمة التأمين.
ومن حيث إن مؤدى هذا النص الصريح أن مصادرة التأمين تقع كأثر حتمي لإنهاء العقد، وليس ما ورد به بشأن التعويض إلا ترديداً لحكم القواعد العامة في المسئولية العقدية، فيجوز للإدارة الرجوع على المتعهد بالتعويضات متى جاوزت الأضرار قيمة التأمين ورجوعها في هذه الحالة لا يستند إلى اعتبار العقد قائماً ومنفذاً على حساب المدعى عليه في الوقت الذي تم فيه إنهاؤه - على نحو ما ذهب الحكم المطعون فيه - وإنما يستند ذلك الرجوع إلى أحكام القواعد العامة في المسئولية العقدية.
ومن حيث إن أحكام المادتين 170 و221 في القانون المدني وهي من الأصول العامة في الالتزامات - قد رسمت مدى التعويض عن الضرر المترتب على الخطأ، فنصت المادة 170 على أن يقدر القاضي مدى التعويض عن الضرر الذي لحق المضرور طبقاً لأحكام المادتين 221، 222 مراعياً في ذلك الظروف الملابسة، ونصت المادة 221 على أن "يشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب، بشرط أن يكون هذا نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالالتزام أو للتأخير في الوفاء به، ويعتبر الضرر نتيجة طبيعية إذا لم يكن في استطاعة الدائن أن يتوقاه ببذل جهد معقول.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن الجهة الإدارية لجأت بعد أن ألغت العقد في 26 من يوليه سنة 1958 إلى استطلاع رأي إدارة الفتوى والتشريع المختصة في 2 من أغسطس سنة 1958، ووفاها الرد في 27 من أغسطس سنة 1958 بعدم إمكان التنفيذ على حساب المدعى عليه وبإجراء مزايدة جديدة، فأعلنت عن هذه المزايدة، وحدد يوم 20 من سبتمبر سنة 1958 آخر يوم لتقديم الطلبات ثم قامت في 25 سبتمبر سنة 1958 بفتح المقصف وجرد محتوياته ورست المزايدة الجديدة على السيد/ كمال إسماعيل اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1958، وقد دفع المتعهد الجديد تأميناً ابتدائياً قدره جنيهان ولم يستدل عليه بعد ذلك.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالتعويض عن الفترة السابقة على رسو المزاد، فإن الإجراءات التي قامت بها المراقبة بعد فسخ العقد من استطلاعها رأي إدارة الفتوى والتشريع المختصة، وفتح المقصف وجرد محتوياته، والإعلان عن مزايدة جديدة وإرسائها كل ذلك استغرق قرابة شهرين، وهي فترة معقولة بالقياس إلى المدى الذي يمكن أن تستغرقه مثل هذه الإجراءات. وترى المحكمة أنه لم يكن بوسع الجهة الإدارية توقي مضي هذه الفترة دون استغلال للمقصف ببذل جهد معقول، ومن ثم فإن المدعى عليه يكون مسئولاً عن تعويض الإدارة عن حرمانها من الانتفاع طوال هذه الفترة.
ومن حيث إنه عن الفترة التالية لإرساء المزايدة على المتعهد الجديد والتي تبدأ من أول أكتوبر 1958، فإنه وقد تم التعاقد مع متعهد آخر لا يكون ثمة وجه لمساءلة المدعى عليه عن التعويض عنها، إذ لا يسوغ أن يحمل المدعى عليه نتائج خطأ المتعهد الثاني، ذلك أن علاقة السببية بين خطأ المدعى عليه وبين الضرر الذي يتمثل في حرمان المراقبة من مقابل الاستغلال عن الأربعة أشهر الأخيرة قد انقطعت بالتعاقد الجديد أي أن الضرر في هذه الحالة ليس نتيجة طبيعية أو مباشرة لخطأ المدعى عليه، إذ كان بوسع الإدارة توقيه لو أنها أحسنت اختيار المتعاقد الجديد أو رجعت عليه.
ومن حيث إنه لما كان ما فات الحكومة كسب إنما يتمثل في مقابل الاستغلال عن شهري أغسطس وسبتمبر 1958 على ما سبق البيان، وكان التأمين المدفوع عن المدعى عليه لا يعادل إلا مقابل الاستغلال عن شهر واحد ومن ثم فإن مصادرته أو اعتباره حقاً للطاعن بإلغاء العقد لا تكون كافية لجبر ما حاق بالطاعنة من ضرر ويكون متعيناً إلزام المطعون ضده بتعويض معادل لقيمة مقابل الاستغلال عن شهر واحد.
واستناداً إلى ما تقدم فإن المبالغ التي تستحق للوزارة قبل المدعى عليه تنحصر فيما يلي:
280 مليماً الباقي من جعل شهر مارس سنة 1958.
48.342 مليمجـ قيمة مقابل الاستغلال عن مايو ويونيه ويوليه بواقع 16 جنيهاً و114 مليماً.
15.834 مليمجـ التعويض المستحق.
64.456 مليمجـ المجموع ويخصم منه المبالغ التي سددها المدعى عليه.
11.360
ــــــــــ
53.096 مليمجـ الباقي وهو ما تستحقه الوزارة المدعية قبل المدعى عليه، على أن يلزم بالفوائد القانونية من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام الوفاء وبالمصروفات المناسبة.
"فلهذه الأسباب"
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بتعديل الحكم المطعون فيه وذلك بإلزام المدعى عليه بأن يدفع إلى الوزارة المدعية مبلغ 53 جنيهاً و96 مليماً والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 10 من أكتوبر سنة 1959 حتى تمام الوفاء وألزمت المدعى عليه بالمصروفات المناسبة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق