مقدمة
الأسرة أساس المجتمع لأنه يتكون من مجموعة من الأسر يرتبط بعضها
ببعض ويقوى المجتمع ويضعف بقدر تماسك الأسر التي يتكون منها أو انفصامها، قويت
الأسرة اشتد ساعد المجتمع وإذا تفرقت وانحلت روابطها تدهورت الأمة ولقد وكلما عنى
القرآن الكريم بترابط الأسرة وتأكيد المودة والرحمة بين أفرادها، فأرشد إلى أن
الناس جميعا أصلهم واحد خلقهم الله من ذكر وأنثى، ووجه إلى أهمية رباط الأسرة في
قوله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل
لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) من الآية رقم 13 من سورة الحجرات وهذه الآية
الكريمة ترشدنا إلى أن الزواج هو أصل الأسرة به تتكون وفي ظله تنمو.
ومن هنا أخذت العلاقة الزوجية حظا وافرا في الشريعة الإسلامية فقد
عنى بها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة فجاءت آيات القرآن مبينة أحكامها
داعية للحفاظ عليها (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين
وحفدة ورزقكم من الطيبات...) من الآية 72 من سورة النحل، (ومن آياته أن خلق لكم من
أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) الآية 21 من سورة الروم.
والزواج عهد وميثاق ميزة الإسلام عن سائر العقود فلا يجري على نفسها
ولا يقاس عليها فقد جعله القرآن ميثاقا غليظا: (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج
وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا وكيف
تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا) من الآية 20 من سورة
النساء.
وبهذا الميثاق ألحق الله عقد الزواج بالعبادات فإن المتتبع لكلمة
(ميثاق) ومواضعها في القرآن الكريم لا يكاد يجدها إلا حيث يأمر الله بعبادته
وتوحيده والأخذ بشرائعه وأحكامه وبعد أن وصف الله الزواج بأنه ميثاق غليظ بين
الزوجين، صور الخلطة بين طرفيه فقال: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) من الآية رقم
17 من سورة البقرة وكانت أهم عناصر الامتزاج بينهما السكن والمودة والرحمة، ثم
امتن الله على الناس بأن ثمرة هذا الرباط المحاط بكل هذه المواثيق البنين والأحفاد
ليعمروا الأرض - وليعبدوا الله.
وإذا كانت شريعة الإسلام تعلو كل الشرائع لأنها من الله وإذا كانت
قواعدها وأصولها قد قطعت في أمور رأت أنها ثابتة لا تتغير فأنها في أمور أخرى وضعت
ضوابط عامة تدور في نطاقها الأحكام وفقا لتطور الأزمان وتغاير الأحداث وأناطت بولي
أمر المسلمين أن يشرع لهم في نطاق أصول الشريعة - ما يصلح به حالهم وتستقيم معه
قناتهم.
وإذا كانت مذاهب فقه الشريعة الإسلامية قد أثرت الفقه التشريعي
استنباطا من القرآن الكريم والسنة الشريفة فإن اختلاف الفقهاء لم يكن على حكم قطعي
وإنما كان مرده إلى أصول الاستنباط وقواعده وفي المسائل التي للاجتهاد فيها النصيب
الأوفى.
ولما كانت مسائل الأسرة محكومة منذ تنظيم المحاكم الشرعية في مصر
بالقواعد التي بينتها المادة 280 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 بلائحة ترتيب
هذه المحاكم والتي جرى نصها بأن:
تصدر الأحكام طبقا للمدون في هذه اللائحة ولأرجح الأقوال من مذهب
أبي حنيفة ما عدا الأحوال التي ينص فيها قانون المحاكم الشرعية على قواعد خاصة
فيجب فيها أن تصدر الأحكام طبقا لتلك القواعد.
وأخذا بسنة التطور التشريعي سبق أن صدر القانون رقم 25 لسنة 1920
ورقم 25 لسنة 1929 ببعض الأحكام الخاصة بالنفقة والعدة والطلاق والمفقود أخذا من
مذاهب أخرى غير المذهب الحنفي.
ولقد مضى على صدور هذين القانونين قرابة الخمسين عاما طرأ فيها على
المجتمع كثيرا من التغيير المادي والأدبي التي انعكست آثارها على العلاقات
الاجتماعية الأمر الذي حمل القضاة عبئا كبيرا في تخريج أحكام الحوادث التي تعرض
عليهم وقد كشف ذلك عن قصور في بعض أحكام القوانين القائمة مما دعا إلى البحث عن
أحكام الأحوال التي استجدت في حياة المجتمع المصري وذلك في نطاق نصوص الشريعة دون
مصادرة أي حق مقرر بدليل قطعي لأي فرد من أفراد الأسرة بل الهدف من المشروع هو
تنظيم استعمال بعض هذه الحقوق على ما يبين فيما بعد.
حق الطاعة
لما كانت الشريعة الإسلامية قد جعلت حقوق الزوجية وواجباتها
متقابلة فحين ألزمت الزوج بالإنفاق على زوجته في حدود استطاعته أوجبت على الزوجة
طاعته وكان مظهر هذه الطاعة أن تستقر الزوجة في مسكن الزوجية الذي هيأه لها الزوج
امتثالا لقول الله تعالى (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا
عليهن.........) من الآية 6 من سورة الطلاق.
ومن هنا قرر الفقهاء أن الأصل في الزوجة الطاعة وأنه إذا امتنعت عن
طاعة الزوج فإنها تكون ناشزا وتسقط نفقتها من تاريخ هذا الامتناع.
وتنظيما لهذا جاءت المادة (6 مكررا ثانيا) حيث قضت بأن امتناع الزوجة
عن طاعة الزوج دون حق يترتب عليه وقف نفقتها من تاريخ الامتناع وتعتبر ممتنعة دون
حق إذا لم تعد لمنزل الزوجية بعد دعوة الزوج إياها للعودة على يد محضر وعلى الزوج
أن يبين في هذا الإعلان المسكن.
وقد أتاح النص للزوجة حق الاعتراض وأوجب عليها أن تبين في صحيفة اعتراضها
الأوجه الشرعية التي تستند إليها في امتناعها عن طاعة زوجها وإذا خلا الاعتراض من
هذه الأوجه كان على المحكمة أن تقضي بعدم قبوله.
الطلاق للضرر
سبق أن قررت المادة السادسة من القانون رقم 25 لسنة 1929 مبدأ
الطلاق للضرر فنصت على أنه:
"إذا أدعت الزوجة إضرار الزوج بها بما لا يستطاع معه دوام العشرة
بين أمثالهما يجوز لها أن تطلب من القاضي التفريق وحينئذ يطلقها القاضي طلقة بائنة
إذا ثبت الضرر وعجز عن الإصلاح بينهما .....". وهذا الحكم مأخوذ من مذهب
الإمام مالك ومثله في مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنهما وخالف في هذا
المبدأ الإمامان أبو حنيفة والشافعي رضي الله عنهما
والأصل في جواز التطليق للضرر قوله تعالى (وإن خفتم شقاق بينهما
فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ....) من
الآية رقم 35 من سورة النساء.
فقد فهم بعض الصحابة أن حق الحكمين مطلق في الإصلاح أو التفريق وإن
على القاضي أن يقضي بما يريانه ومن هؤلاء علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس ولم
يعرف لهما مخالف، وهو يتفق مع المأثور من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم إذ
قال: (لا ضرر ولا ضرار) كما يتفق كذلك مع وصايا القرآن الكريم في مثل قوله تعالى:
(فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) من الآية رقم 229 من سورة البقرة، وإذا فات
الإمساك بالمعروف تعين التسريح بالإحسان.
ولما كانت مشكلة الجمع بين أكثر من زوجة، مشكلة اجتماعية يتعين
علاجها فإن المشروع رأى أن يكون تضرر الزوجة من الزواج عليها بأخرى نوعا خاصا من
الضرر ينص عليه وهو في نطاق القاعدة العامة - للتطليق - فإذا لحق الزوجة الأولى
ضرر من الزواج عليها بأخرى، كان لها حق طلب التطليق للضرر سواء كان الضرر ماديا أو
أدبيا أو نفسيا, ومستند هذا الحكم مذهب الإمام مالك وما توجبه القاعدة الشرعية في
الحديث الشريف (لا ضرر ولا ضرار)
والتخريج على مذهب الإمام أحمد وقواعد فقه أهل المدينة.
الطلاق
إن القرآن الكريم قد اختص الزوج بالطلاق وحل عقد الزواج فقد أسندت
الآيات العديدة الطلاق إلى الرجال ووجهت الخطاب إليهم ومنها الآيات أرقام 230 و
231 و 232 و 236 و 237 من سورة البقرة و49 من سورة الأحزاب والآية الأولى من سورة
الطلاق والخامسة من سورة التحريم ومع هذا الاختصاص قال الرسول صلى الله عليه وسلم
في شأنه: (إن أبغض الحلال عند الله الطلاق) مرشدا بهذا إلى أن على الزوج ألا يلجأ
إلى حل الوثاق بالطلاق إلا عند استحكام الشقاق فهو إلى باب الكراهة أقرب.
ولما كان قد ظهر من استقصاء حالات الطلاق أن بعض الأزواج قد لجأوا
إلى إيقاع الطلاق في غيبة زوجاتهم وأخفوا عنهن خبره وفي هذا إضرار بالمطلقات
وتعليق لهن بدون مبرر، بل إن بعض الأزواج كان يوثق الطلاق رسميا لدى الموثق ثم
يحتفظ بورقتي الطلاق لديه متظاهرا للزوجة باستدامة عشرتها حتى إذا ما وقع خلاف
بينهما أبرز سند الطلاق شاهرا إياه في وجهها محالا به إسقاط حقوقها، وقد سبق لبعض
فقهاء المذهب الحنفي أن واجهوا حال إخفاء الطلاق بتأخير بدء العدة إلى وقت الإقرار
من الزوج بحدوث الطلاق فقالوا: لو كتمتم طلاقها لم تنقض العدة زجرا له، بمعنى أن
الزوج إذا طلق زوجته وأخفى عنها الطلاق ثم أقر بعد ذلك به لم تبدأ العدة إلا من
وقت هذا الإقرار ولا يعتد بإسناد الطلاق إلى تاريخ سابق (الدر المختار للحصكفي
وحاشية رد المختار لابن عابدين الجزء الثاني في باب العدة).
وبناء على هذا ولما كانت الدولة قد نظمت أمر توثيق الطلاق فاختصت
المأذون بتوثيق إشهاد الطلاق بين الأزواج المصريين المسلمين ومكتب التوثيق بالشهر
العقاري بالأزواج إذا اختلفت جنسياتهم أو دياناتهم رأى المشرع أن ينظم طريق علم
الزوجة بطلاقها حتى لا تحدث المشاكل بين الزوجين إذا أخفى الطلاق، فأوجبت المادة
(5 مكررا) على المطلق متى أوقع الطلاق أو رغب في إيقاعه أن يبادر إلى توثيقه
بإثباته بإشهاد لدى الموثق المختص، ورتبت هذه المادة آثار الطلاق طبقا لما قرره
جمهور الفقهاء بأنه من وقت وقوعه، وهذه هي القاعدة العامة في آثار الطلاق وأخذ
المشروع رأي بعض فقهاء الأحناف وابن حزم الظاهري بأن تكون آثار الطلاق من وقت
العلم به بالنسبة للزوجة أو أخفاه عنها. ثم فصل نص هذه المادة طرق علم الزوجة
بالطلاق وفوض وزير العدل في وضع الإجراءات المنفذة لما جاء بها من أحكام. هذا وليس
في إيجاب توثيق الطلاق ولا في تنظيم طريق العلم به أي قيد على حق الطلاق الذي
أسنده الله للزوج. كما لا تشكل تلك الإجراءات أي قيد على جواز إثبات الطلاق قضاء
بكافة الطرق غير أن آثارها بالنسبة للزوجة في حالة إخفائه لا تبدأ إلا من تاريخ
علمه به.
وقرر النص أن النفقة توقفت منذ تاريخ إعلان الزوج إلى الزوجة
بالعودة إلى المسكن وإذا لم تعترض في الميعاد المقرر بذات النص صار وقف النفقة
حتما من تاريخ انتهاء الميعاد.
ثم إذا ما استوفى في الاعتراض شكله القانوني وجب على المحكمة عند
نظر موضوعه التدخل لإنهاء النزاع صلحا بين الطرفين من تلقاء نفسها أو بناء على طلب
أحدهما والمقصود بالصلح هو استمرار المعاشرة بالمعروف ومؤدى هذا أن لها أن تبحث
شرعية المسكن إذا كان اعتراض الزوجة منصبا على انتفاء شرعيته ولها أن تأمر الزوج
بإعداد المسكن المناسب إذا بان لها أن المسكن الذي حدده الزوج في الإعلان غير
مستوف لما يجب توافره شرعا أو عرفا فإذا اتضح من المرافعة أن الخلاف مستحكم بين
الزوجين وطلبت الزوجة الطلاق اتخذت إجراءات التحكيم الموضحة في المواد من 7 - 11
من هذا القانون.
وقد أبانت هذه المواد الشروط الواجب توافرها في الحكمين وأن يشمل
قرار بعثهما على تاريخ بدء وانتهاء مأموريتهما على ألا تجاوز المدة ستة أشهر وعلى
المحكمة إخطار الحكمين الخصوم بمنطوق قرارها وتحليف كل من الحكمين اليمين مهلة
أخرى مرة واحدة لا تزيد على ثلاثة أشهر.
والأصل في بعث الحكمين قول الله سبحانه وتعالى: (وإن خفتم شقاق
بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) فإن هذه الآية قد رسمت طريق تسوية
الشقاق بين الزوجين.
ولا يغيب عن البال أن الأحكام المبينة في المواد 7- 11 من هذا
المشروع تطبق في الحالة المبينة في المادة السادسة من القانون رقم 24 لسنة 1929
وفي المادة السادسة مكررا بهذا المشروع ذلك أنه اتضح من تطبيق أحكام القانون
القائم في التحكيم قصورها عن الوفاء بعناصر الفصل في الأنزعة الخاصة بالطلاق
للضرر، بل إن تلك الأحكام كانت لا تنتهي بالنزاع إلى نتيجة حاسمة وقد تفادى فنظم
عمل الحكمين بما يكفل حسن سير العدالة ويقطع طرائق الإرجاء ومنع عرقلة الحكمين ثم
يبين في المادة العاشرة ما يتبعه الحكمان عند العجز عن الإصلاح من حيث التفريق
والنتائج المالية.
وتفاديا لإطالة مدة التقاضي عند اختلاف الحكمين اقترح المشروع
تعيين حكم ثالث تبعثه المحكمة مع الحكمين وتقضي بما يتفقون عليه أو برأي الأكثرية
وعند اختلافها في الرأي أو عدم تقديم التقرير في الميعاد تسير المحكمة في الإثبات
وتقضي وفق التفصيل الموضح في المادة 11.
وبحث الحكم الثالث لا يخالف من أصول الشريعة فإن القرآن الكريم لم
ينه عنه وقد صار في هذا الزمان أمرا ضروريا كوسيلة لإظهار الحق ورفع الضرر على أن
من أجاز بحث حكم واحد (تفسير المجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ 5 ص 168 وما بعدها).
وإذا عجزت المحكمة عن التوفيق بين الزوجين وتبين لها استحالة
العشرة بينهما وأصرت الزوجة على الطلاق قضت المحكمة بالتفريق بينهما بطلقة بائنة
مع إسقاط حقوق الزوجة المالية كلها أو بعضها وإلزامها التعويض المناسب إن كان لذلك
كله مقتض.
وهذه الأحكام جميعها مأخوذة من مذهب الإمام مالك أما نصا وأما
مخرجة على نصوصه.
المتعة للمطلقة بعد الدخول
لما كان من المستقر عليه شرعا أن الطلاق حق للزوج وكان القانون
القائم لا يوجب المتعة المالية للمطلقة بعد الدخول وحسبها أنها استحقت المهر كله
بالدخول ولها نفقة العدة أما المتعة فهي مستحبة ولا يقضى بها.
وإذا قد تراخت المروءة في هذا الزمن وانعدمت لاسيما بين الأزواج
إذا انقطع حبل المودة بينهما وأصبحت المطلقة في حاجة إلى معونة أكثر من نفقة العدة
تعينها من الناحية المادية على نتائج الطلاق وفي المتعة ما يحقق المعونة وفي الوقت
نفسه منع الكثيرين من التسرع في الطلاق.
ولما كان الأصل في تشريع المتعة هو جبر خاطر وكانت مواساتها من
المروءة التي تطلبتها الشريعة وكان أسس تقديرها قول الله تعالى (ومتعوهن على
الموسع قدره وعلى المقتدر قدره) ومن الآية 236 من سورة البقرة وكان إيجاب المتعة
هو مذهب الشافعي الجديد حيث أوجبها للمطلقة بعد الدخول إن لم تكن الفرقة منها أو
بسببها وهو قول لأحمد اختاره ابن تيمية كما أن إيجابها مذهب أهل الظاهر وهو قول
لمالك أيضا المذهب للشيرازي فقه شافعي (جـ 2 ص 67 - 68 والمحلى لابن حزم ج 10 ص
245 - 249).
وعلى هذا وضعت المادة 18 مكررا بمراعاة ضوابط أقوال هؤلاء الأئمة
وللقاضي أن ينظر في تقديرها عدا ما سبق إلى ظروف الطلاق وإلى إساءة استعمال هذا
الحق. ووضعه في موضعه ولا تقل في تقديرها على نفقة سنتين وتخفيفا على المطلق في
الأداء أجاز النص الترخيص له في سداد جملة المقرر للمتعة على أقساط.
نفقة الصغير
في فقه المذهب الحنفي المعمول به الآن في نفقة الولد على أبيه
أقوال وتفاصيل في استحقاق النفقة بسبب الاشتغال بالتعليم تعرضت لنوع العلم وحال
طالبه، وتبعا لذلك اختلفت اتجاهات المحاكم.
ولما كان الاشتغال بطلب العلم يشمل ما هو ضروري لتكوين الشخص
وإعداده للحياة سواء أكان دينيا أو دنيويا وهذا القدر من العلم بمنزلة الطعام
والكساء، كما يتناول ما ليس بضروري للطالب في الدين أو حياته وقد يكون الملزم
بالنفقة أحد الأبوين أو غيرهما من الأقارب وتعليم الولد أيا كان ذكرا أو أنثى
يراعى فيه وسع أبيه وما يليق بمثله ولا يلزم الإنسان بتعليم ابن أخيه مثلا إلى
المستوى الواجب لأبنه.
من أجل هذا كان من المصلحة أو العدل تقريرا أن الاشتغال بالتعليم
يعتبر عجزا حكميا موجبا للنفقة إذا كان تعليما لعلم ترعاه الدولة ولا ينافي الدين
وبشرط أن يكون الطالب رشيدا في التعليم وفي قدرة من وجبت عليه النفقة الإنفاق عليه
في التعليم. ونفقة الأنثى على أبيها حتى تتزوج أو تتكسب ما يفي بنفقتها لأن
الأنوثة في ذاتها عجز حكمي.
ولا مراء في أن نفقة الأولاد على أبيهم تكون بقدر يساره وبما يكفي
لهم العيش اللائق بأمثاله وتشمل النفقة توفير المسكن لهم
تعزير المطلق إذا أخل بواجباته المبينة في هذا المشروع
التعزير عقوبة مفوضة إلى رأي الحاكم كما يقول فقهاء المذهب الحنفي
ويختلف باختلاف الجريمة وأجاز الفقهاء التعزير بالحبس ويجوز أن تكون العقوبة
الوحيدة وأن يضم إليه عقوبة أخرى كالتغريم وهذه العقوبة الأخيرة أجازها الإمام أبو
يوسف وأجازها بعض فقهاء الشافعية وأجيزت في مواضع مذهب الإمام أحمد.
وإذا كان الفقهاء قد قرروا أن تصرف الإمام على الرعية منوط
بالمصلحة وكان تنظيم أمر توثيق الطلاق وإعلام المطلقة بوقوعه ووصول سنده إليها من
المصالح العامة فإن تجريم المطلق إذا أخل بالواجبات المنوطة به في المادة الخامسة
مكررا من هذا المشروع يكون أمر ذا سند صحيح شرعا وكذلك الحال بالنسبة للواجبات
المبينة في المادة السادسة مكررا.
كما يعاقب الموثق أيضا إذا أخل بالتزاماته التي فرضها عليه هذا
القانون بالعقوبات المبينة بالمادة 23/2/ مكررا.
إذ لا يكفي في الأمور التنظيمية تقريرها بل لابد من حماية هذا
التنظيم حتى يؤتي ثماره.
نفقة الزوجة:
قضت الفقرة الأولى من المادة الثانية بأن تجب نفقة الزوجة على
زوجها من مبدأ العقد الصحيح إذا سلمت نفسها إليه ولو حكما موسرة كانت أو مختلفة
معه في الدين وهذا هو ما قضى به القانون القائم في المادة الأولى من القانون رقم
25 لسنة 1929 ثم جاءت الفقرة الثانية من النص بأنه لا يمنع مرض الزوجة من
استحقاقها للنفقة، وتشمل النفقة الغذاء والكسوة والمسكن ومصاريف العلاج وغير ذلك
مما يقضي به العرف.
ولذا جاء هذا النص في فقرته الأخيرة بما ذهب إليه مذهب الزيدية
وتقتضيه نصوص فقه الإمام مالك من أن ثمن الأدوية وأجرة الطبيب من نفقة الزوجة وعدل
المشروع بهذا عن مذهب الحنيفة في هذا الموضع.
ومن المقرر لدى جميع الفقهاء أن الزوجة المريضة إذا لم تزف إلى زوجها
لا تستحق نفقة قبله في حالة عجزها عن الانتقال إلى منزل الزوجية.
ثم أبان المشروع في الفقرة الرابعة من هذه المادة أحوال سقوط نفقة
الزوجة في حالة ارتدادها عن الإسلام أو امتناعها مختارة عن تسليم نفسها لزوجها
بدون حق أو اضطرارها إلى ذلك بسبب ليس من قبل الزوج كما إذا حبست ولو بغير حكم أو
اعتقلت أو منعها أولياؤها من القرار في بيت زوجها.
كما أفصح المشروع الأحوال التي يعتبر فيها خروج الزوجة بدون زوجها
سببا مسقطا لنفقتها عليه فقال إنها الأحوال التي يباح فيها ذلك بحكم الشرع كخروجها
لتمريض أحد أبويها أو تعهده أو زيارته وإلى القاضي لطلب حقها كذلك خروجها لقضاء
حوائجها التي يقضي بها العرف كما إذا خرجت لزيارة محرم مريض أو تقضي به الضرورة
كإشراف المنزل على الانهدام أو الحريق أو إذا أعسر بنفقتها ومن ذلك الخروج للعمل
المشروع إذا أذنها الزوج بالعمل أو عملت دون اعتراض منه أو تزوجها عالما بعملها.
وذلك ما لم يظهر أن عملها مناف لمصلحة الأسرة أو مشوب بإساءة الحق
وطلب منها الزوج الامتناع عنه.
وغني عن البيان أن الفصل عند الخلاف في كل ذلك للقاضي.
ثم في الفقرة السادسة نص المشروع على أن نفقة الزوجة تعتبر دينا
على الزوج من تاريخ الامتناع عن الإنفاق مع وجوبه ولا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء
وهذا هو الحكم القائم وهو مأخوذ من فقه المذهب الشافعي.
النفقة المتجمدة
أخذ المشروع بقاعدة جواز تخصيص القضاء فنص على ألا تسمع دعوى
النفقة عن مدة ماضية الأكثر من سنة غايتها تاريخ رفع الدعوى.
ذلك لأن في إطلاق إجازة المطالبة بالنفقة عن مدة ماضية سابقة على
تاريخ رفع الدعوى احتمال جواز المطالبة سنين عديدة كما أن المدة التي كانت مقررة
في المادة 99 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 بلائحة المحاكم الشرعية وهي ثلاث
سنوات نهايتها تاريخ رفع الدعوى غدت كثيرة مما رأى معه هذا المشروع الاكتفاء بسنة
واحدة عن طريق منع سماع الدعوى ولا يضار صاحب الحق بهذا الحكم إذ يمكنه المبادرة
إلى طلب حقه حتى لا تمضي عليه سنة فأكثر.
وظاهر أن هذا الحكم خاص بنفقة الزوجة لا يتعداه إلى غير هذا من
الحقوق.
ولما كانت المقاصة جائزة بين أرباب الديون وقد تكون الزوجة مدينة
لزوجها فإنه حماية لحقها في الحصول على ما يفي بحاجتها وقوائم حياتها نص المشروع
على ألا يقبل من الزوج التمسك بالمقاصة بين نفقة الزوجة وبين دين الزوج عليها إلا
فيما يزيد على ما يكفيها ويقيم أود حياتها كما أن امتياز دين نفقة الزوجة عند تزاحم
الديون على الزوج وضيق ماله عن الوفاء بالجميع أمر تقره قواعد فقه المذهب الحنفي
وهذا ما قررته الفقرة الأخيرة في هذه المادة.
قواعد تقدير نفقة الزوجة
جاءت المادة 16 من المشروع بهذه القواعد فنصت على أن تقدر نفقة
الزوجة بحسب حال الزوج وقت استحقاقها يسرا أو عسرا على ألا تقل في حالة العسر عن
القدر الذي يفي بحاجتها الضرورية.
ومن هذا يظهر أن المناط أصلا في تقدير النفقة هو حالة الزوج
المالية في اليسر والعسر وهذا أمر نسبي غاية الأمر أن النفقة إذا كانت عن المدة
الماضية على تاريخ الحكم وتغيرت حال الزوج كان التقدير على قدر حالة وقت الاستحقاق
لا وقت القضاء.
وهذا إذا كان قد حدث تغير في الحالة المالية والقدر الذي يفي
بحاجتها الضرورية هو ما يعبر عنه في العرف القضائي بنفقة الفقراء لا أن يكون فوق
طاقته لأن المعيار هو قول الله تعالى (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق
مما أتاه الله) من الآية السابعة من سورة الطلاق.
ثم قرر المشروع ضرورة القضاء بنفقة مؤقتة للزوجة وأوجب على القاضي
في حالة قيام سبب استحقاق النفقة وتوفر شروطه أن يفرض للزوجة في مدى أسبوعين على
الأكثر من تاريخ رفع الدعوى نفقة مؤقتة بحكم غير مسبب واجب النفاذ فورا إلى حين
الحكم بالنفقة بحكم واجب النفاذ.
والملحوظ في هذا هو ألا تترك الزوجة مدة قد يطول فيها القاضي دون
أن يكون لها مورد تعيش منه فكان من واجبات القاضي أن يبادر إلى تقرير النفقة
المؤقتة بالمقدار الذي يفي بحاجتها الضرورية في ضوء ما استشفه من الأوراق والمرافعة
مادامت قد توافرت أمامه أسباب استحقاق الزوجة للنفقة وتحققت الشروط.
هذا الحكم المؤقت نافذ فورا إلى حين صدور الحكم من محكمة أول درجة
في الدعوى وعندئذ يكون النفاذ لهذا الحكم الأخير دون المؤقت على نحو ما هو وارد في
نصوص لائحة ترتيب المحاكم الشرعية في هذا الموضوع ثم رخص المشروع للزوج في حالة
سداده نفقة لزوجته بمقتضى الحكم المؤقت أن يجري المقاصة بين ما أداه فعلا وبين
المحكوم به عليه نهائيا على ألا يقل ما يفي للزوجة وتقبضه فعلا عن القدر الذي يفي
بحاجتها الضرورية.
الحضانة
كان العمل جاريا على انتهاء حق النساء في الحضانة للصغير إذا بلغ
سن السابعة ويجوز للقاضي أن يأذن ببقائه في يد الحاضنة إذا رأى مصلحته في ذلك إلى
التاسعة وأن تنتهي حضانة الصغيرة لبلوغها التاسعة إلا إذا رأى القاضي مصلحتها في
البقاء في يد الحاضنة فله إبقاؤها حتى الحادية عشرة.
وأنه بتتبع المنازعات الدائرة في شأن الصغار تبين أن المصلحة تقتضي
العمل على استقرارهم حتى يتوفر لهم الأمان والاطمئنان وتهدأ نفوسهم فلا ينزعجون
بنزعهم من الحاضنات ومن أجل هذا ارتأى المشروع إنهاء حضانة النساء للصغير ببلوغه
العاشرة وحضانتهن للصغيرة ببلوغها سن الثانية عشرة ثم أجاز للقاضي بعد هذه السن
إبقاء الصغير في يد الحاضنة حتى سن الخامسة عشرة والصغيرة حتى تتزوج أخذا بمذهب
الإمام مالك في هذا الموضوع على أنه في حال إبقاءهما في يد الحاضنة بهذا الاعتبار
لا يكون للحاضنة الحق في اقتضاء أجرة حضانة وإنما لها الحق في نفقة المحضون الذاتية
من طعام وكساء ومسكن وغير هذا من مصاريف تعليم وعلاج وما يقضي به العرف في حدود
يسار الأب أو من يقوم مقامه.
كما أن وجود الولد ذكرا كان أو أنثى في يد الحاضنة سواء قبل
بلوغهما سن العاشرة أو الثانية عشرة أو بعدها لا يغل يد والدهما عنهما ولا يحد من
ولايته الشرعية عليهما فإن عليه مراعاة أحوالهما وتدبير أمورهما وولايته عليهما
كاملة وإنما يد الحاضنة للحفظ والتربية ولها القيام بالضروريات التي لا تحتمل
التأخير كالعلاج والإلحاق بالمدارس بمراعاة إمكانيات الأب.
ثم نص المشروع على حق كل من الأبوين في رؤية الصغير أو الصغيرة
وأثبت هذا الحق للأجداد عند عدم وجود الأبوين باعتبارهم من الآباء.
وإذا تعذر تنظيم مواعيد الرؤية اتفاقا نظمها القاضي بشرط ألا تتم
في مكان يضر بالصغير أو الصغيرة كأقسام الشرطة وحق رؤية الأبوين للصغير أو الصغيرة
مقرر شرعا لأنه من باب صلة الأرحام التي أمر الله بها (وأولوا الأرحام بعضهم أولى
ببعض في كتاب الله) من الآية رقم 75 من سورة الأنفال ثم منع المشروع تنفيذ حكم
الرؤية جبرا وبالقوة حتى لا يضر هذا بالأولاد، فإذا امتنع من بيده الولد عن تنفيذ
حكم الرؤية بغير عذر أنذره القاضي فإن تكرر منه ذلك جاز للقاضي بحكم واجب النفاذ
نقل الحضانة مؤقتا إلى من يلي هذا الممتنع عن تنفيذ حكم الرؤية من أصحاب الحق فيها
لمدة يقدرها.
ولا مراء في أن تنفيذ الحكم بنقل الحضانة يتم بمجرد صدوره لشموله
بالنفاذ قانونا وبالقوة الجبرية بالإعمال بالمادة 345 من لائحة ترتيب المحاكم
الشرعية ثم بين المشروع ترتيب الحاضنات والحاضنين من العصبة وذوي الأرحام على نحو
ما هو مقرر في النص وما هو جار به العمل وفقا لفقه المذهب الحنفي.
مسكن الحضانة
إذا وقع الطلاق بين الزوجين وبينهما صغار فإن المنازعة تثور بينهما
فيمكن تخصيص مسكن الزوجية المؤجر للزوج هل تنفرد به المطلقة والصغار بوصفها حاضنة
لهم أو ينفرد به المطلق باعتبار أنه المتعاقد وحين نعود لأقوال الفقهاء نجد أنهم
قالوا: إن من لها إمساك الولد وليس لها مسكن فإن على الأب سكناهما جميعا (الدر
المختار للحصفكي فقه حنفي في كتاب الحضانة)
وإذا كان ذلك فإن للمطلقة الحاضنة بعد الطلاق الاستقلال مع محضونها
بمسكن الزوجية المؤجر لمطلقها والد المحضون ما لم يعد لها المطلق مسكنا آخر مناسبا
حتى إذا ما انتهت الحضانة أو تزوجت المطلقة فللمطلق أن يعود ليستقل دونها بذات
المسكن إذا كان من حقه ابتداء الاحتفاظ به قانونا.
ونص المشروع على اختصاص المحكمة الابتدائية بالفصل في الطلبين
المشار إليهما في الفقرة الأولى من المادة الرابعة من المشروع.
وأجازت الفقرة الأخيرة من هذه المادة للنائب العام أو المحامي
العام إصدار قرار مؤقت فيما يثور من منازعات بشأن حيازة المسكن المشار إليه حتى
تفصل المحكمة نهائيا في النزاع.
حكم وقتي
ولما كانت دعاوى الطاعة المنظورة أمام المحاكم الجزئية وقت العمل
بهذا القانون سواء أكانت دعاوى أصلية أو معارضات في أحكام سبق صدورها غيابيا أصبحت
من اختصاص المحاكم الابتدائية فإنه يتعين على المحاكم الجزئية إحالتها بالحالة
التي تكون عليها وإعلان الغائب من الحضور بأمر الإحالة مع تكليفه الحضور في
المواعيد العادية أمام المحكمة التي أحيلت إليها الدعوى ولا يسري هذا الحكم على
الدعاوى المحكوم فيها نهائيا وتبقى خاضعة للأحكام التي كانت جارية قبل العمل بهذا
القانون.
وبديهي أن يلغى كل ما يخالف الأحكام المقررة ضمن هذا القانون ومن
ثم جاءت المادة السادسة مقررة لهذا الحكم.
ومما يجب التنويه به أنه إذا دعت الحاجة لاستجلاء وجه بعض تلك
النصوص وجب الرجوع لمصادرها التشريعية سالفة الذكر وأن الأصل دائما هو الفقه
الحنفي.
وأتشرف بعرض مشروع القرار بقانون المرافق بتعديل بعض أحكام قانون
الأحوال الشخصية على هذا الوجه حتى إذا جاز موافقة مجلس الوزراء اتخذت إجراءات
استصداره.
مقدمة الاقتراح
فاطمة عنان
عضو مجلس الشعب
وبعض السادة الأعضاء