الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 23 فبراير 2020

المذكرة الإيضاحية للقانون 100 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية

مقدمة
الأسرة أساس المجتمع لأنه يتكون من مجموعة من الأسر يرتبط بعضها ببعض ويقوى المجتمع ويضعف بقدر تماسك الأسر التي يتكون منها أو انفصامها، قويت الأسرة اشتد ساعد المجتمع وإذا تفرقت وانحلت روابطها تدهورت الأمة ولقد وكلما عنى القرآن الكريم بترابط الأسرة وتأكيد المودة والرحمة بين أفرادها، فأرشد إلى أن الناس جميعا أصلهم واحد خلقهم الله من ذكر وأنثى، ووجه إلى أهمية رباط الأسرة في قوله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) من الآية رقم 13 من سورة الحجرات وهذه الآية الكريمة ترشدنا إلى أن الزواج هو أصل الأسرة به تتكون وفي ظله تنمو.
ومن هنا أخذت العلاقة الزوجية حظا وافرا في الشريعة الإسلامية فقد عنى بها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة فجاءت آيات القرآن مبينة أحكامها داعية للحفاظ عليها (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات...) من الآية 72 من سورة النحل، (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) الآية 21 من سورة الروم.
والزواج عهد وميثاق ميزة الإسلام عن سائر العقود فلا يجري على نفسها ولا يقاس عليها فقد جعله القرآن ميثاقا غليظا: (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا) من الآية 20 من سورة النساء.
وبهذا الميثاق ألحق الله عقد الزواج بالعبادات فإن المتتبع لكلمة (ميثاق) ومواضعها في القرآن الكريم لا يكاد يجدها إلا حيث يأمر الله بعبادته وتوحيده والأخذ بشرائعه وأحكامه وبعد أن وصف الله الزواج بأنه ميثاق غليظ بين الزوجين، صور الخلطة بين طرفيه فقال: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) من الآية رقم 17 من سورة البقرة وكانت أهم عناصر الامتزاج بينهما السكن والمودة والرحمة، ثم امتن الله على الناس بأن ثمرة هذا الرباط المحاط بكل هذه المواثيق البنين والأحفاد ليعمروا الأرض - وليعبدوا الله.
وإذا كانت شريعة الإسلام تعلو كل الشرائع لأنها من الله وإذا كانت قواعدها وأصولها قد قطعت في أمور رأت أنها ثابتة لا تتغير فأنها في أمور أخرى وضعت ضوابط عامة تدور في نطاقها الأحكام وفقا لتطور الأزمان وتغاير الأحداث وأناطت بولي أمر المسلمين أن يشرع لهم في نطاق أصول الشريعة - ما يصلح به حالهم وتستقيم معه قناتهم.
وإذا كانت مذاهب فقه الشريعة الإسلامية قد أثرت الفقه التشريعي استنباطا من القرآن الكريم والسنة الشريفة فإن اختلاف الفقهاء لم يكن على حكم قطعي وإنما كان مرده إلى أصول الاستنباط وقواعده وفي المسائل التي للاجتهاد فيها النصيب الأوفى.
ولما كانت مسائل الأسرة محكومة منذ تنظيم المحاكم الشرعية في مصر بالقواعد التي بينتها المادة 280 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 بلائحة ترتيب هذه المحاكم والتي جرى نصها بأن:
تصدر الأحكام طبقا للمدون في هذه اللائحة ولأرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة ما عدا الأحوال التي ينص فيها قانون المحاكم الشرعية على قواعد خاصة فيجب فيها أن تصدر الأحكام طبقا لتلك القواعد.
وأخذا بسنة التطور التشريعي سبق أن صدر القانون رقم 25 لسنة 1920 ورقم 25 لسنة 1929 ببعض الأحكام الخاصة بالنفقة والعدة والطلاق والمفقود أخذا من مذاهب أخرى غير المذهب الحنفي.
ولقد مضى على صدور هذين القانونين قرابة الخمسين عاما طرأ فيها على المجتمع كثيرا من التغيير المادي والأدبي التي انعكست آثارها على العلاقات الاجتماعية الأمر الذي حمل القضاة عبئا كبيرا في تخريج أحكام الحوادث التي تعرض عليهم وقد كشف ذلك عن قصور في بعض أحكام القوانين القائمة مما دعا إلى البحث عن أحكام الأحوال التي استجدت في حياة المجتمع المصري وذلك في نطاق نصوص الشريعة دون مصادرة أي حق مقرر بدليل قطعي لأي فرد من أفراد الأسرة بل الهدف من المشروع هو تنظيم استعمال بعض هذه الحقوق على ما يبين فيما بعد.
حق الطاعة
لما كانت الشريعة الإسلامية قد جعلت حقوق الزوجية وواجباتها متقابلة فحين ألزمت الزوج بالإنفاق على زوجته في حدود استطاعته أوجبت على الزوجة طاعته وكان مظهر هذه الطاعة أن تستقر الزوجة في مسكن الزوجية الذي هيأه لها الزوج امتثالا لقول الله تعالى (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن.........) من الآية 6 من سورة الطلاق.
ومن هنا قرر الفقهاء أن الأصل في الزوجة الطاعة وأنه إذا امتنعت عن طاعة الزوج فإنها تكون ناشزا وتسقط نفقتها من تاريخ هذا الامتناع.
وتنظيما لهذا جاءت المادة (6 مكررا ثانيا) حيث قضت بأن امتناع الزوجة عن طاعة الزوج دون حق يترتب عليه وقف نفقتها من تاريخ الامتناع وتعتبر ممتنعة دون حق إذا لم تعد لمنزل الزوجية بعد دعوة الزوج إياها للعودة على يد محضر وعلى الزوج أن يبين في هذا الإعلان المسكن.
وقد أتاح النص للزوجة حق الاعتراض وأوجب عليها أن تبين في صحيفة اعتراضها الأوجه الشرعية التي تستند إليها في امتناعها عن طاعة زوجها وإذا خلا الاعتراض من هذه الأوجه كان على المحكمة أن تقضي بعدم قبوله.
الطلاق للضرر
سبق أن قررت المادة السادسة من القانون رقم 25 لسنة 1929 مبدأ الطلاق للضرر فنصت على أنه:
"إذا أدعت الزوجة إضرار الزوج بها بما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما يجوز لها أن تطلب من القاضي التفريق وحينئذ يطلقها القاضي طلقة بائنة إذا ثبت الضرر وعجز عن الإصلاح بينهما .....". وهذا الحكم مأخوذ من مذهب الإمام مالك ومثله في مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنهما وخالف في هذا المبدأ الإمامان أبو حنيفة والشافعي رضي الله عنهما
والأصل في جواز التطليق للضرر قوله تعالى (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ....) من الآية رقم 35 من سورة النساء.
فقد فهم بعض الصحابة أن حق الحكمين مطلق في الإصلاح أو التفريق وإن على القاضي أن يقضي بما يريانه ومن هؤلاء علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس ولم يعرف لهما مخالف، وهو يتفق مع المأثور من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم إذ قال: (لا ضرر ولا ضرار) كما يتفق كذلك مع وصايا القرآن الكريم في مثل قوله تعالى: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) من الآية رقم 229 من سورة البقرة، وإذا فات الإمساك بالمعروف تعين التسريح بالإحسان.
ولما كانت مشكلة الجمع بين أكثر من زوجة، مشكلة اجتماعية يتعين علاجها فإن المشروع رأى أن يكون تضرر الزوجة من الزواج عليها بأخرى نوعا خاصا من الضرر ينص عليه وهو في نطاق القاعدة العامة - للتطليق - فإذا لحق الزوجة الأولى ضرر من الزواج عليها بأخرى، كان لها حق طلب التطليق للضرر سواء كان الضرر ماديا أو أدبيا أو نفسيا, ومستند هذا الحكم مذهب الإمام مالك وما توجبه القاعدة الشرعية في الحديث الشريف (لا ضرر ولا ضرار)
والتخريج على مذهب الإمام أحمد وقواعد فقه أهل المدينة.
الطلاق
إن القرآن الكريم قد اختص الزوج بالطلاق وحل عقد الزواج فقد أسندت الآيات العديدة الطلاق إلى الرجال ووجهت الخطاب إليهم ومنها الآيات أرقام 230 و 231 و 232 و 236 و 237 من سورة البقرة و49 من سورة الأحزاب والآية الأولى من سورة الطلاق والخامسة من سورة التحريم ومع هذا الاختصاص قال الرسول صلى الله عليه وسلم في شأنه: (إن أبغض الحلال عند الله الطلاق) مرشدا بهذا إلى أن على الزوج ألا يلجأ إلى حل الوثاق بالطلاق إلا عند استحكام الشقاق فهو إلى باب الكراهة أقرب.
ولما كان قد ظهر من استقصاء حالات الطلاق أن بعض الأزواج قد لجأوا إلى إيقاع الطلاق في غيبة زوجاتهم وأخفوا عنهن خبره وفي هذا إضرار بالمطلقات وتعليق لهن بدون مبرر، بل إن بعض الأزواج كان يوثق الطلاق رسميا لدى الموثق ثم يحتفظ بورقتي الطلاق لديه متظاهرا للزوجة باستدامة عشرتها حتى إذا ما وقع خلاف بينهما أبرز سند الطلاق شاهرا إياه في وجهها محالا به إسقاط حقوقها، وقد سبق لبعض فقهاء المذهب الحنفي أن واجهوا حال إخفاء الطلاق بتأخير بدء العدة إلى وقت الإقرار من الزوج بحدوث الطلاق فقالوا: لو كتمتم طلاقها لم تنقض العدة زجرا له، بمعنى أن الزوج إذا طلق زوجته وأخفى عنها الطلاق ثم أقر بعد ذلك به لم تبدأ العدة إلا من وقت هذا الإقرار ولا يعتد بإسناد الطلاق إلى تاريخ سابق (الدر المختار للحصكفي وحاشية رد المختار لابن عابدين الجزء الثاني في باب العدة).
وبناء على هذا ولما كانت الدولة قد نظمت أمر توثيق الطلاق فاختصت المأذون بتوثيق إشهاد الطلاق بين الأزواج المصريين المسلمين ومكتب التوثيق بالشهر العقاري بالأزواج إذا اختلفت جنسياتهم أو دياناتهم رأى المشرع أن ينظم طريق علم الزوجة بطلاقها حتى لا تحدث المشاكل بين الزوجين إذا أخفى الطلاق، فأوجبت المادة (5 مكررا) على المطلق متى أوقع الطلاق أو رغب في إيقاعه أن يبادر إلى توثيقه بإثباته بإشهاد لدى الموثق المختص، ورتبت هذه المادة آثار الطلاق طبقا لما قرره جمهور الفقهاء بأنه من وقت وقوعه، وهذه هي القاعدة العامة في آثار الطلاق وأخذ المشروع رأي بعض فقهاء الأحناف وابن حزم الظاهري بأن تكون آثار الطلاق من وقت العلم به بالنسبة للزوجة أو أخفاه عنها. ثم فصل نص هذه المادة طرق علم الزوجة بالطلاق وفوض وزير العدل في وضع الإجراءات المنفذة لما جاء بها من أحكام. هذا وليس في إيجاب توثيق الطلاق ولا في تنظيم طريق العلم به أي قيد على حق الطلاق الذي أسنده الله للزوج. كما لا تشكل تلك الإجراءات أي قيد على جواز إثبات الطلاق قضاء بكافة الطرق غير أن آثارها بالنسبة للزوجة في حالة إخفائه لا تبدأ إلا من تاريخ علمه به.
وقرر النص أن النفقة توقفت منذ تاريخ إعلان الزوج إلى الزوجة بالعودة إلى المسكن وإذا لم تعترض في الميعاد المقرر بذات النص صار وقف النفقة حتما من تاريخ انتهاء الميعاد.
ثم إذا ما استوفى في الاعتراض شكله القانوني وجب على المحكمة عند نظر موضوعه التدخل لإنهاء النزاع صلحا بين الطرفين من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحدهما والمقصود بالصلح هو استمرار المعاشرة بالمعروف ومؤدى هذا أن لها أن تبحث شرعية المسكن إذا كان اعتراض الزوجة منصبا على انتفاء شرعيته ولها أن تأمر الزوج بإعداد المسكن المناسب إذا بان لها أن المسكن الذي حدده الزوج في الإعلان غير مستوف لما يجب توافره شرعا أو عرفا فإذا اتضح من المرافعة أن الخلاف مستحكم بين الزوجين وطلبت الزوجة الطلاق اتخذت إجراءات التحكيم الموضحة في المواد من 7 - 11 من هذا القانون.
وقد أبانت هذه المواد الشروط الواجب توافرها في الحكمين وأن يشمل قرار بعثهما على تاريخ بدء وانتهاء مأموريتهما على ألا تجاوز المدة ستة أشهر وعلى المحكمة إخطار الحكمين الخصوم بمنطوق قرارها وتحليف كل من الحكمين اليمين مهلة أخرى مرة واحدة لا تزيد على ثلاثة أشهر.
والأصل في بعث الحكمين قول الله سبحانه وتعالى: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) فإن هذه الآية قد رسمت طريق تسوية الشقاق بين الزوجين.
ولا يغيب عن البال أن الأحكام المبينة في المواد 7- 11 من هذا المشروع تطبق في الحالة المبينة في المادة السادسة من القانون رقم 24 لسنة 1929 وفي المادة السادسة مكررا بهذا المشروع ذلك أنه اتضح من تطبيق أحكام القانون القائم في التحكيم قصورها عن الوفاء بعناصر الفصل في الأنزعة الخاصة بالطلاق للضرر، بل إن تلك الأحكام كانت لا تنتهي بالنزاع إلى نتيجة حاسمة وقد تفادى فنظم عمل الحكمين بما يكفل حسن سير العدالة ويقطع طرائق الإرجاء ومنع عرقلة الحكمين ثم يبين في المادة العاشرة ما يتبعه الحكمان عند العجز عن الإصلاح من حيث التفريق والنتائج المالية.
وتفاديا لإطالة مدة التقاضي عند اختلاف الحكمين اقترح المشروع تعيين حكم ثالث تبعثه المحكمة مع الحكمين وتقضي بما يتفقون عليه أو برأي الأكثرية وعند اختلافها في الرأي أو عدم تقديم التقرير في الميعاد تسير المحكمة في الإثبات وتقضي وفق التفصيل الموضح في المادة 11.
وبحث الحكم الثالث لا يخالف من أصول الشريعة فإن القرآن الكريم لم ينه عنه وقد صار في هذا الزمان أمرا ضروريا كوسيلة لإظهار الحق ورفع الضرر على أن من أجاز بحث حكم واحد (تفسير المجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ 5 ص 168 وما بعدها).
وإذا عجزت المحكمة عن التوفيق بين الزوجين وتبين لها استحالة العشرة بينهما وأصرت الزوجة على الطلاق قضت المحكمة بالتفريق بينهما بطلقة بائنة مع إسقاط حقوق الزوجة المالية كلها أو بعضها وإلزامها التعويض المناسب إن كان لذلك كله مقتض.
وهذه الأحكام جميعها مأخوذة من مذهب الإمام مالك أما نصا وأما مخرجة على نصوصه.
المتعة للمطلقة بعد الدخول
لما كان من المستقر عليه شرعا أن الطلاق حق للزوج وكان القانون القائم لا يوجب المتعة المالية للمطلقة بعد الدخول وحسبها أنها استحقت المهر كله بالدخول ولها نفقة العدة أما المتعة فهي مستحبة ولا يقضى بها.
وإذا قد تراخت المروءة في هذا الزمن وانعدمت لاسيما بين الأزواج إذا انقطع حبل المودة بينهما وأصبحت المطلقة في حاجة إلى معونة أكثر من نفقة العدة تعينها من الناحية المادية على نتائج الطلاق وفي المتعة ما يحقق المعونة وفي الوقت نفسه منع الكثيرين من التسرع في الطلاق.
ولما كان الأصل في تشريع المتعة هو جبر خاطر وكانت مواساتها من المروءة التي تطلبتها الشريعة وكان أسس تقديرها قول الله تعالى (ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتدر قدره) ومن الآية 236 من سورة البقرة وكان إيجاب المتعة هو مذهب الشافعي الجديد حيث أوجبها للمطلقة بعد الدخول إن لم تكن الفرقة منها أو بسببها وهو قول لأحمد اختاره ابن تيمية كما أن إيجابها مذهب أهل الظاهر وهو قول لمالك أيضا المذهب للشيرازي فقه شافعي (جـ 2 ص 67 - 68 والمحلى لابن حزم ج 10 ص 245 - 249).
وعلى هذا وضعت المادة 18 مكررا بمراعاة ضوابط أقوال هؤلاء الأئمة وللقاضي أن ينظر في تقديرها عدا ما سبق إلى ظروف الطلاق وإلى إساءة استعمال هذا الحق. ووضعه في موضعه ولا تقل في تقديرها على نفقة سنتين وتخفيفا على المطلق في الأداء أجاز النص الترخيص له في سداد جملة المقرر للمتعة على أقساط.
نفقة الصغير
في فقه المذهب الحنفي المعمول به الآن في نفقة الولد على أبيه أقوال وتفاصيل في استحقاق النفقة بسبب الاشتغال بالتعليم تعرضت لنوع العلم وحال طالبه، وتبعا لذلك اختلفت اتجاهات المحاكم.
ولما كان الاشتغال بطلب العلم يشمل ما هو ضروري لتكوين الشخص وإعداده للحياة سواء أكان دينيا أو دنيويا وهذا القدر من العلم بمنزلة الطعام والكساء، كما يتناول ما ليس بضروري للطالب في الدين أو حياته وقد يكون الملزم بالنفقة أحد الأبوين أو غيرهما من الأقارب وتعليم الولد أيا كان ذكرا أو أنثى يراعى فيه وسع أبيه وما يليق بمثله ولا يلزم الإنسان بتعليم ابن أخيه مثلا إلى المستوى الواجب لأبنه.
من أجل هذا كان من المصلحة أو العدل تقريرا أن الاشتغال بالتعليم يعتبر عجزا حكميا موجبا للنفقة إذا كان تعليما لعلم ترعاه الدولة ولا ينافي الدين وبشرط أن يكون الطالب رشيدا في التعليم وفي قدرة من وجبت عليه النفقة الإنفاق عليه في التعليم. ونفقة الأنثى على أبيها حتى تتزوج أو تتكسب ما يفي بنفقتها لأن الأنوثة في ذاتها عجز حكمي.
ولا مراء في أن نفقة الأولاد على أبيهم تكون بقدر يساره وبما يكفي لهم العيش اللائق بأمثاله وتشمل النفقة توفير المسكن لهم
تعزير المطلق إذا أخل بواجباته المبينة في هذا المشروع
التعزير عقوبة مفوضة إلى رأي الحاكم كما يقول فقهاء المذهب الحنفي ويختلف باختلاف الجريمة وأجاز الفقهاء التعزير بالحبس ويجوز أن تكون العقوبة الوحيدة وأن يضم إليه عقوبة أخرى كالتغريم وهذه العقوبة الأخيرة أجازها الإمام أبو يوسف وأجازها بعض فقهاء الشافعية وأجيزت في مواضع مذهب الإمام أحمد.
وإذا كان الفقهاء قد قرروا أن تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة وكان تنظيم أمر توثيق الطلاق وإعلام المطلقة بوقوعه ووصول سنده إليها من المصالح العامة فإن تجريم المطلق إذا أخل بالواجبات المنوطة به في المادة الخامسة مكررا من هذا المشروع يكون أمر ذا سند صحيح شرعا وكذلك الحال بالنسبة للواجبات المبينة في المادة السادسة مكررا.
كما يعاقب الموثق أيضا إذا أخل بالتزاماته التي فرضها عليه هذا القانون بالعقوبات المبينة بالمادة 23/2/ مكررا.
إذ لا يكفي في الأمور التنظيمية تقريرها بل لابد من حماية هذا التنظيم حتى يؤتي ثماره.
نفقة الزوجة:
قضت الفقرة الأولى من المادة الثانية بأن تجب نفقة الزوجة على زوجها من مبدأ العقد الصحيح إذا سلمت نفسها إليه ولو حكما موسرة كانت أو مختلفة معه في الدين وهذا هو ما قضى به القانون القائم في المادة الأولى من القانون رقم 25 لسنة 1929 ثم جاءت الفقرة الثانية من النص بأنه لا يمنع مرض الزوجة من استحقاقها للنفقة، وتشمل النفقة الغذاء والكسوة والمسكن ومصاريف العلاج وغير ذلك مما يقضي به العرف.
ولذا جاء هذا النص في فقرته الأخيرة بما ذهب إليه مذهب الزيدية وتقتضيه نصوص فقه الإمام مالك من أن ثمن الأدوية وأجرة الطبيب من نفقة الزوجة وعدل المشروع بهذا عن مذهب الحنيفة في هذا الموضع.
ومن المقرر لدى جميع الفقهاء أن الزوجة المريضة إذا لم تزف إلى زوجها لا تستحق نفقة قبله في حالة عجزها عن الانتقال إلى منزل الزوجية.
ثم أبان المشروع في الفقرة الرابعة من هذه المادة أحوال سقوط نفقة الزوجة في حالة ارتدادها عن الإسلام أو امتناعها مختارة عن تسليم نفسها لزوجها بدون حق أو اضطرارها إلى ذلك بسبب ليس من قبل الزوج كما إذا حبست ولو بغير حكم أو اعتقلت أو منعها أولياؤها من القرار في بيت زوجها.
كما أفصح المشروع الأحوال التي يعتبر فيها خروج الزوجة بدون زوجها سببا مسقطا لنفقتها عليه فقال إنها الأحوال التي يباح فيها ذلك بحكم الشرع كخروجها لتمريض أحد أبويها أو تعهده أو زيارته وإلى القاضي لطلب حقها كذلك خروجها لقضاء حوائجها التي يقضي بها العرف كما إذا خرجت لزيارة محرم مريض أو تقضي به الضرورة كإشراف المنزل على الانهدام أو الحريق أو إذا أعسر بنفقتها ومن ذلك الخروج للعمل المشروع إذا أذنها الزوج بالعمل أو عملت دون اعتراض منه أو تزوجها عالما بعملها.
وذلك ما لم يظهر أن عملها مناف لمصلحة الأسرة أو مشوب بإساءة الحق وطلب منها الزوج الامتناع عنه.
وغني عن البيان أن الفصل عند الخلاف في كل ذلك للقاضي.
ثم في الفقرة السادسة نص المشروع على أن نفقة الزوجة تعتبر دينا على الزوج من تاريخ الامتناع عن الإنفاق مع وجوبه ولا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء وهذا هو الحكم القائم وهو مأخوذ من فقه المذهب الشافعي.
النفقة المتجمدة
أخذ المشروع بقاعدة جواز تخصيص القضاء فنص على ألا تسمع دعوى النفقة عن مدة ماضية الأكثر من سنة غايتها تاريخ رفع الدعوى.
ذلك لأن في إطلاق إجازة المطالبة بالنفقة عن مدة ماضية سابقة على تاريخ رفع الدعوى احتمال جواز المطالبة سنين عديدة كما أن المدة التي كانت مقررة في المادة 99 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 بلائحة المحاكم الشرعية وهي ثلاث سنوات نهايتها تاريخ رفع الدعوى غدت كثيرة مما رأى معه هذا المشروع الاكتفاء بسنة واحدة عن طريق منع سماع الدعوى ولا يضار صاحب الحق بهذا الحكم إذ يمكنه المبادرة إلى طلب حقه حتى لا تمضي عليه سنة فأكثر.
وظاهر أن هذا الحكم خاص بنفقة الزوجة لا يتعداه إلى غير هذا من الحقوق.
ولما كانت المقاصة جائزة بين أرباب الديون وقد تكون الزوجة مدينة لزوجها فإنه حماية لحقها في الحصول على ما يفي بحاجتها وقوائم حياتها نص المشروع على ألا يقبل من الزوج التمسك بالمقاصة بين نفقة الزوجة وبين دين الزوج عليها إلا فيما يزيد على ما يكفيها ويقيم أود حياتها كما أن امتياز دين نفقة الزوجة عند تزاحم الديون على الزوج وضيق ماله عن الوفاء بالجميع أمر تقره قواعد فقه المذهب الحنفي وهذا ما قررته الفقرة الأخيرة في هذه المادة.
قواعد تقدير نفقة الزوجة
جاءت المادة 16 من المشروع بهذه القواعد فنصت على أن تقدر نفقة الزوجة بحسب حال الزوج وقت استحقاقها يسرا أو عسرا على ألا تقل في حالة العسر عن القدر الذي يفي بحاجتها الضرورية.
ومن هذا يظهر أن المناط أصلا في تقدير النفقة هو حالة الزوج المالية في اليسر والعسر وهذا أمر نسبي غاية الأمر أن النفقة إذا كانت عن المدة الماضية على تاريخ الحكم وتغيرت حال الزوج كان التقدير على قدر حالة وقت الاستحقاق لا وقت القضاء.
وهذا إذا كان قد حدث تغير في الحالة المالية والقدر الذي يفي بحاجتها الضرورية هو ما يعبر عنه في العرف القضائي بنفقة الفقراء لا أن يكون فوق طاقته لأن المعيار هو قول الله تعالى (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما أتاه الله) من الآية السابعة من سورة الطلاق.
ثم قرر المشروع ضرورة القضاء بنفقة مؤقتة للزوجة وأوجب على القاضي في حالة قيام سبب استحقاق النفقة وتوفر شروطه أن يفرض للزوجة في مدى أسبوعين على الأكثر من تاريخ رفع الدعوى نفقة مؤقتة بحكم غير مسبب واجب النفاذ فورا إلى حين الحكم بالنفقة بحكم واجب النفاذ.
والملحوظ في هذا هو ألا تترك الزوجة مدة قد يطول فيها القاضي دون أن يكون لها مورد تعيش منه فكان من واجبات القاضي أن يبادر إلى تقرير النفقة المؤقتة بالمقدار الذي يفي بحاجتها الضرورية في ضوء ما استشفه من الأوراق والمرافعة مادامت قد توافرت أمامه أسباب استحقاق الزوجة للنفقة وتحققت الشروط.
هذا الحكم المؤقت نافذ فورا إلى حين صدور الحكم من محكمة أول درجة في الدعوى وعندئذ يكون النفاذ لهذا الحكم الأخير دون المؤقت على نحو ما هو وارد في نصوص لائحة ترتيب المحاكم الشرعية في هذا الموضوع ثم رخص المشروع للزوج في حالة سداده نفقة لزوجته بمقتضى الحكم المؤقت أن يجري المقاصة بين ما أداه فعلا وبين المحكوم به عليه نهائيا على ألا يقل ما يفي للزوجة وتقبضه فعلا عن القدر الذي يفي بحاجتها الضرورية.
الحضانة
كان العمل جاريا على انتهاء حق النساء في الحضانة للصغير إذا بلغ سن السابعة ويجوز للقاضي أن يأذن ببقائه في يد الحاضنة إذا رأى مصلحته في ذلك إلى التاسعة وأن تنتهي حضانة الصغيرة لبلوغها التاسعة إلا إذا رأى القاضي مصلحتها في البقاء في يد الحاضنة فله إبقاؤها حتى الحادية عشرة.
وأنه بتتبع المنازعات الدائرة في شأن الصغار تبين أن المصلحة تقتضي العمل على استقرارهم حتى يتوفر لهم الأمان والاطمئنان وتهدأ نفوسهم فلا ينزعجون بنزعهم من الحاضنات ومن أجل هذا ارتأى المشروع إنهاء حضانة النساء للصغير ببلوغه العاشرة وحضانتهن للصغيرة ببلوغها سن الثانية عشرة ثم أجاز للقاضي بعد هذه السن إبقاء الصغير في يد الحاضنة حتى سن الخامسة عشرة والصغيرة حتى تتزوج أخذا بمذهب الإمام مالك في هذا الموضوع على أنه في حال إبقاءهما في يد الحاضنة بهذا الاعتبار لا يكون للحاضنة الحق في اقتضاء أجرة حضانة وإنما لها الحق في نفقة المحضون الذاتية من طعام وكساء ومسكن وغير هذا من مصاريف تعليم وعلاج وما يقضي به العرف في حدود يسار الأب أو من يقوم مقامه.
كما أن وجود الولد ذكرا كان أو أنثى في يد الحاضنة سواء قبل بلوغهما سن العاشرة أو الثانية عشرة أو بعدها لا يغل يد والدهما عنهما ولا يحد من ولايته الشرعية عليهما فإن عليه مراعاة أحوالهما وتدبير أمورهما وولايته عليهما كاملة وإنما يد الحاضنة للحفظ والتربية ولها القيام بالضروريات التي لا تحتمل التأخير كالعلاج والإلحاق بالمدارس بمراعاة إمكانيات الأب.
ثم نص المشروع على حق كل من الأبوين في رؤية الصغير أو الصغيرة وأثبت هذا الحق للأجداد عند عدم وجود الأبوين باعتبارهم من الآباء.
وإذا تعذر تنظيم مواعيد الرؤية اتفاقا نظمها القاضي بشرط ألا تتم في مكان يضر بالصغير أو الصغيرة كأقسام الشرطة وحق رؤية الأبوين للصغير أو الصغيرة مقرر شرعا لأنه من باب صلة الأرحام التي أمر الله بها (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) من الآية رقم 75 من سورة الأنفال ثم منع المشروع تنفيذ حكم الرؤية جبرا وبالقوة حتى لا يضر هذا بالأولاد، فإذا امتنع من بيده الولد عن تنفيذ حكم الرؤية بغير عذر أنذره القاضي فإن تكرر منه ذلك جاز للقاضي بحكم واجب النفاذ نقل الحضانة مؤقتا إلى من يلي هذا الممتنع عن تنفيذ حكم الرؤية من أصحاب الحق فيها لمدة يقدرها.
ولا مراء في أن تنفيذ الحكم بنقل الحضانة يتم بمجرد صدوره لشموله بالنفاذ قانونا وبالقوة الجبرية بالإعمال بالمادة 345 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية ثم بين المشروع ترتيب الحاضنات والحاضنين من العصبة وذوي الأرحام على نحو ما هو مقرر في النص وما هو جار به العمل وفقا لفقه المذهب الحنفي.
مسكن الحضانة
إذا وقع الطلاق بين الزوجين وبينهما صغار فإن المنازعة تثور بينهما فيمكن تخصيص مسكن الزوجية المؤجر للزوج هل تنفرد به المطلقة والصغار بوصفها حاضنة لهم أو ينفرد به المطلق باعتبار أنه المتعاقد وحين نعود لأقوال الفقهاء نجد أنهم قالوا: إن من لها إمساك الولد وليس لها مسكن فإن على الأب سكناهما جميعا (الدر المختار للحصفكي فقه حنفي في كتاب الحضانة)
وإذا كان ذلك فإن للمطلقة الحاضنة بعد الطلاق الاستقلال مع محضونها بمسكن الزوجية المؤجر لمطلقها والد المحضون ما لم يعد لها المطلق مسكنا آخر مناسبا حتى إذا ما انتهت الحضانة أو تزوجت المطلقة فللمطلق أن يعود ليستقل دونها بذات المسكن إذا كان من حقه ابتداء الاحتفاظ به قانونا.
ونص المشروع على اختصاص المحكمة الابتدائية بالفصل في الطلبين المشار إليهما في الفقرة الأولى من المادة الرابعة من المشروع.
وأجازت الفقرة الأخيرة من هذه المادة للنائب العام أو المحامي العام إصدار قرار مؤقت فيما يثور من منازعات بشأن حيازة المسكن المشار إليه حتى تفصل المحكمة نهائيا في النزاع.
حكم وقتي
ولما كانت دعاوى الطاعة المنظورة أمام المحاكم الجزئية وقت العمل بهذا القانون سواء أكانت دعاوى أصلية أو معارضات في أحكام سبق صدورها غيابيا أصبحت من اختصاص المحاكم الابتدائية فإنه يتعين على المحاكم الجزئية إحالتها بالحالة التي تكون عليها وإعلان الغائب من الحضور بأمر الإحالة مع تكليفه الحضور في المواعيد العادية أمام المحكمة التي أحيلت إليها الدعوى ولا يسري هذا الحكم على الدعاوى المحكوم فيها نهائيا وتبقى خاضعة للأحكام التي كانت جارية قبل العمل بهذا القانون.
وبديهي أن يلغى كل ما يخالف الأحكام المقررة ضمن هذا القانون ومن ثم جاءت المادة السادسة مقررة لهذا الحكم.
ومما يجب التنويه به أنه إذا دعت الحاجة لاستجلاء وجه بعض تلك النصوص وجب الرجوع لمصادرها التشريعية سالفة الذكر وأن الأصل دائما هو الفقه الحنفي.
وأتشرف بعرض مشروع القرار بقانون المرافق بتعديل بعض أحكام قانون الأحوال الشخصية على هذا الوجه حتى إذا جاز موافقة مجلس الوزراء اتخذت إجراءات استصداره.
مقدمة الاقتراح
فاطمة عنان
عضو مجلس الشعب
وبعض السادة الأعضاء

المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 25 لسنة 1929 بشأن بعض أحكام الأحوال الشخصية

مجلس الوزراء
1 - الطلاق
شرع الطلاق في الإسلام ليستطيع الزوجان التخلص من رابطة الزوجية إذا تحقق أن المعاشرة بالمعروف والقيام بحقوق الزوجية أصبح غير ميسور فللرجل أن يوقع الطلاق مستقلا بإيقاعه إذا علم ذلك. وللمرأة أن تطلب إلى القاضي التطليق إذا علمت ذلك بعد أن يلحقها الضرر لأي سبب من الأسباب الموجبة.
وأجمع الأئمة وجمهور الفقهاء على أن إيقاع الطلاق لغير سبب شرعي حرام أو مكروه يدل على ذلك ما رواه أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم (ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق) وفي رواية عنه (أبغض الحلال إلى الله الطلاق).
وقد شرع الطلاق على أن يوقع دفعات متعددة (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله. فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به. تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون. فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره).
فالآية الكريمة تكاد تكون صريحة في أن الطلاق لا يكون إلا مرة بعد مرة وجعلت دفعات الطلاق ثلاثا ليجرب الرجل نفسه بعد المرة الأولى والثانية ويروضها على الصبر والاحتمال ولتجرب المرأة نفسها أيضا حتى إذا لم تفد التجارب ووقعت الطلقة الثالثة علم أنه ليس في البقاء خير وأن الانفصال البات بينهما أحق وأولى.
فالواقع أن الدين الإسلامي مع إباحته الطلاق قد ضيق دائرته وجعل هذه الإباحة مقصورة على الحالات التي لا يمكن فيها للزوجين أو أحدهما إقامة حدود الله ولو أن الناس لزموا حدود الله واتبعوا شريعته لما وقعت شكوى من قواعد الطلاق ولبقيت العائلة الإسلامية متينة العرى يرفرف عليها الهناء ولكن ضعف الأخلاق وتراخي عرى المروءات أوجد في العائلة الإسلامية وهنا وجعل هناءها يزول بنزفة من طيش ويمين يحلفها الأحمق في ساعة غضبه أو للتخلص من موقفه أمام دائن أو ظالم.
والمرأة المسلمة مهددة على الدوام بالطلاق لا تدري متى يحصل وقد لا يدري الرجل نفسه متى يحصل فإن الحالف بالطلاق والمعلق له على شيء من الأشياء التي يفعلها أجنبي لا يدري متى تطلق إمرأته.
فسعادة الزوجين والأولاد والأسرة قد ترتبط بعمل من الأعمال الخارجة عن إرادة رب الأسرة وعن إرادة سيدة الأسرة.
وكثير من هذا سببه آراء جمهور الفقهاء الذين يوقعون الطلاق المعلق واليمين بالطلاق والطلاق الثلاث بكلمة واحدة ويوقعون المعلق قبل الزواج إذا علق على الزواج نفسه كما هو رأي الحنفية.
وهذه الآراء كانت منبع شقاء العائلة وكانت سببا في تلمس الحيل وافتنان الفقهاء في ابتداع أنواعها.
ومن الواجب حماية الشريعة المطهرة وحماية الناس من الخروج عليها وقد تكفلت بسعادة الناس دنيا وأخرى وأنها بأصولها تسع الأمم في جميع الأزمنة والأمكنة متى فهمت على حقيقتها وطبقت على بصيرة وهدى.
ومن السياسة الشرعية أن يفتح للجمهور باب الرحمة من الشريعة نفسها وأن يرجع إلى آراء العلماء لتعالج الأمراض الاجتماعية كلما استعصى مرض منها حتى يشعر الناس بأن في الشريعة مخرجا من الضيق وفرجا من الشدة.
لهذا فكرت الوزارة في تضييق دائرة الطلاق بما يتفق مع أصول الدين وقواعده ويوافق أقوال الأئمة وأهل الفقه فيه ولو من غير أهل المذاهب الأربعة فوضعت مشروع القانون بما يتفق مع ذلك.
وليس هناك مانع شرعي من الأخذ بأقوال الفقهاء من غير المذاهب الأربعة خصوصا إذا كان الأخذ بأقوالهم يؤدي إلى جلب صالح عام أو رفع ضرر عام بناء على ما هو الحق من آراء علماء أصول الفقه.
وقد بنيَ مشروع القانون في هذا الموضوع على المبادئ الآتية:
1- طلاق السكران والمكره:
طلاق السكران لا يقع بناء على قول راجح لأحمد وقول في المذاهب الثلاثة ورأي كثير من التابعين وأنه لا يعرف عن الصحابة قول فيه بالوقوع.
وطلاق المكره لا يقع بناء على مذهب الشافعية والمالكية وأحمد وداود وكثير من الصحابة.
2- ينقسم الطلاق إلى منجز وهو ما قصد به إيقاع الطلاق فورا وإلى مضاف كأنت طالق غدا وإلى اليمين نحو عليَ الطلاق لا أفعل كذا وإلى معلق كأن فعلت كذا فأنت طالق.
والمعلق إن كان غرض المتكلم به التخويف أو الحمل على فعل الشيء أو تركه وهو يكره حصول الطلاق ولا وطوله فيه كان في معنى اليمين بالطلاق. وإن كان يقصد به حصول الطلاق عند حصول الشرط لأنه لا يريد المقام مع زوجته عند حصوله لم يكن في معنى اليمين. واليمين في الطلاق وما في معناه لاغ أما باقي الأقسام فيقع فيها الطلاق.
وقد أخذ في إلغاء اليمين بالطلاق برأي متقدمي الحنفية وبعض متأخريهم وهذا موافق لرأي الأمام علي وشريح وداود وأصحابه وطائفة من الشافعية والمالكية. وأخذ في إلغاء المعلق الذي في معنى اليمين برأي الأمام علي وشريح وعطاء والحكم بن عتيبة وداود وأصحابه وابن حزم. وقد وضعت المادة (2) من مشروع القانون متضمنة أحكام هذه الأقسام.
3- الطلاق المتعدد لفظا أو إشارة لا يقع إلا واحدة وهو رأي محمد بن أسحق ونقل عن علي وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف والزبير ونقل عن مشايخ قرطبة ومنهم محمد بن تقي بن مخلد ومحمد بن عبد السلام ونقله ابن المنذر عن أصحاب ابن عباس كعطاء وطاووس وعمرو بن دينار وقد أفتى به عكرمة وداود وقال ابن القيم أنه رأي أكثر الصحابة ورأي بعض أصحاب مالك ورأي بعض الحنفية ورأي بعض أصحاب أحمد (مادة 3 من المشروع).
4- كنايات الطلاق وهي ما تحتمل الطلاق وغيره لا يقع بها الطلاق إلا بالنية دون دلالة الحال كما هو مذهب الشافعي ومالك.
والمراد بالكناية هنا ما كان كناية في مذهب أبي حنيفة (مادة 4 من المشروع).
5- أخذ بمذهب الأمام مالك والشافعي في أن كل طلاق يقع رجعيا إلا ما استثنى في المادة (5) من المشروع.
ومما تحسن الإشارة إليه هنا أن التفريق بالطلاق بسبب اللعان أو العنة أو إباء الزوج عن الإسلام عند إسلام زوجته يبقى الحكم فيه على مذهب أبي حنيفة.
2- الشقاق بين الزوجين والتطليق للضرر
الشقاق بين الزوجين مجلبة لأضرار كبيرة لا يقتصر أثرها على الزوجين بل يتعداها إلى ما خلق الله بينهما من ذرية وإلى كل من له بهما علاقة قرابة أو مصاهرة وليس في أحكام مذهب أبي حنيفة ما يمكن الزوجة من التخلص ولا ما يرجع الزوج عن غيه فيحتال كل إلى إيذاء الآخر قصد الانتقام.
تطالب الزوجة بالنفقة ولا غرض لها إلا إحراج الزوج بتغريم المال.
ويطالب الزوج بالطاعة ولا غرض له إلا أن يتمكن من إسقاط نفقتها وأن تنالها يده فيوقع بها ما شاء من ضروب العسف والجور. هذا فضلا عما يتولد عن ذلك من إشكال في تنفيذ حكم الطاعة وتنفيذ بالحبس لحكم النفقة وما قد يؤدي إليه استمرار الشقاق من الجرائم والآثام تبينت الوزارة هذه الآثار واضحة جلية مما تقدم إليها من الشكايات فرأت أن المصلحة داعية إلى الأخذ بمذهب الأمام مالك في أحكام الشقاق بين الزوجين عدا الحالة التي يتبين للحكمين أن الإساءة من الزوجة دون الزوج فلا يكون ذلك داعيا لإغراء الزوجة المشاكسة على فصم عرى الزوجية بلا مبرر (المواد من 6 إلى 11).
3- التطليق لغيبة الزوج أو لحبسه
كذلك قد يغيب الزوج عن زوجته مدة طويلة بلا عذر مقبول كطلب العلم أو التجارة أو لانقطاع المواصلات ثم لا هو يحمل زوجته إليه ولا هو يطلقها لتتخذ لها زوجا غيره ومقام الزوجة على هذا الحال زمنا طويلا مع محافظتها على العفة والشرف أمر لا تحتمله الطبيعة في الأعم الأغلب وإن ترك لها الزوج مالا تستطيع الإنفاق منه.
وقد يقترف الزوج من الجرائم ما يستحق عقوبة السجن الطويل فتقع زوجته في مثل ما وقعت فيه زوجة الغائب وليس في أحكام مذهب أبي حنيفة ما تعالج به هذه الحالة ومعالجتها واجب اجتماعي محتم ومذهب الأمام مالك يجيز التطليق على الغائب الذي يترك لزوجته ما تنفق منه على نفسها إذا طالت غيبته سنة فأكثر وتضررت الزوجة من بعده عنها بعد أن يضرب له أجل ويعذر إليه بأنه إما أن يحضر للإقامة معها أو ينقلها إليه أو يطلقها وإلا طلقها عليه القاضي هذا إذا أمكن وصول الرسائل إليه وإلا فيطلق القاضي عليه بلا ضرب أجل ولا أعذار.
وواضح أن المراد بغيبة الزوج هنا غيبته عنها بالإقامة في بلد أخر غير بلد الزوجة أما الغيبة عن بيت الزوجة مع الإقامة في بلد واحد فهي من الأحوال التي يتناولها التطليق للضرر.
والزوج الذي حكم عليه نهائيا بالسجن ثلاث سنين فأكثر يساوي الغائب الذي طالت غيبته سنة فأكثر في تضرر زوجته من بعده عنها كما يساوي الأسير في ذلك فيجوز لزوجته طلب التطليق عليه بعد سنة من سجنه إذا تضررت من بعده عنها كزوجة الغائب والأسير لأن المناط في ذلك تضرر الزوجة من بعد الزوج عنها ولا دخل لكون البعد باختياره أو قهرا عنه بدليل النص على أن لزوجة الأسير حق طلب التطليق إذا تضررت من بعد زوجها عنها (المواد من 12 إلى 14).
4- دعوى النسب
بناء على الأحكام الواجب تطبيقها الآن يثبت نسب ولد الزوجة في أي وقت أتت به مهما تباعد الزوجان فيثبت نسب ولد زوجة مشرقية من زوج مغربي عقد الزواج بينهما مع إقامة كل في جهته دون أن يجتمعا من وقت العقد إلى وقت الولادة اجتماعا تصح معه الخلوة وذلك بناء على مجرد جواز الاجتماع بينهما عقلا.
كذلك يثب نسب ولد المطلقة بائنا إذا أتت به لأقل من سنتين من وقت الطلاق ونسب ولد المتوفى عنها زوجها إذا أتت به لأقل من سنتين من وقت الوفاة.
ويثبت نسب ولد المطلقة رجعيا في أي وقت أتت به من وقت الطلاق ما لم تقر بانقضاء العدة. والعمل بهذه الأحكام مع شيوع فساد الذمم وسوء الأخلاق أدى إلى الجرأة على أدعاء نسب أولاد غير شرعيين وتقدمت بذلك شكاوى عديدة.
ولما كان رأي الفقهاء في ثبوت النسب مبنيا على رأيهم في أقصى مدة الحمل ولم يبن أغلبهم رأيه في ذلك إلا على أخبار بعض النساء بأن الحمل مكث كذا سنين والبعض الآخر كأبي حنيفة بنى رأيه في ذلك على أثر ورد عن السيدة عائشة يتضمن أن أقصى مدة الحمل سنتان وليس في أقصى مدة الحمل كتاب ولا سنة فلم تر الوزارة مانعا من أخذ رأي الأطباء في المدة التي يمكنها والحمل فأفاد الطبيب الشرعي بأنه يرى أنه عند التشريع يعتبر أقصى مدة الحمل 365 يوما حتى يشمل جميع الأحوال النادرة.
وبما أنه يجوز شرعا لولي الأمر أن يمنع قضاته من سماع بعض الدعاوى التي يشاع فيها التزوير والاحتيال ودعوى نسب ولد بعد مضي سنة من تاريخ الطلاق بين الزوجين أو وفاة الزوج وكذا دعوى نسب ولد من زوج لم يتلاق مع زوجته في وقت ما ظاهر فيه الاحتيال والتزوير، لذلك وضعت المادة (15) من مشروع القانون.
5- النفقة والعدة
كان المتبع إلى الآن في تقدير نفقة الزوجة على زوجها أن يراعى في ذلك حال الزوجين معا يسارا وإعسارا وتوسطا فإن اختلف حال الزوجين بأن كان أحدهما موسرا والآخر معسرا قدر للزوجة نفقة المتوسطين فإذا كان الزوج هو الموسر أمر بأداء ما فرض وإذا كان هو المعسر أمر بأداء نفقة المعسرين والباقي يكون دينا عليه يؤديه إذا أيسر.
وبما أن هذا الحكم ليس متفقا عليه بين مذاهب الأئمة الأربعة فمذهب الشافعي ورأي صحيح في مذهب أبي حنيفة لا تقدر نفقة الزوجة إلا باعتبار حال الزوج مهما كانت حالة الزوجة استنادا إلى صريح الكتاب الكريم (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسها إلا ما أتاها سيجعل الله بعد عسرا يسرا - أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم).
وبما أنه لا يجب أن تأخذ الزوجة من زوجها أكثر مما يقدر عليه لأنها تعاقدت معه على أن ينفق عليها مما يستطيع حسب اختلاف الأزمان والأحوال فكان من المصلحة الأخذ بمذهب الشافعي والرأي الآخر من مذهب أبي حنيفة في تقدير نفقة الزوجة على زوجها. ولهذا وضعت المادة (16) من المشروع.
كذلك بناء على الأحكام الواجب تطبيقها الآن بمقتضى القانون رقم 25 سنة 1920 تستطيع المطلقة أن تأخذ نفقة عدة مدة طويلة بدون حق فإنها إذا كانت مرضعة قد تدعي أن الحيض لم يأتها طول مدة الرضاعة وهي سنتان ثم تدعي بعد ذلك أنه لا يأتيها إلا مرة واحدة كل سنة وقولها مقبول في ذلك وتتوصل إلى أن تأخذ نفقة عدة مدة خمس سنين وإذا كانت غير موضع قد تدعي أن الحيض يأتيها مرة واحدة في كل سنة فتتوصل إلى أن تأخذ نفقة عدة مدة ثلاث سنين.
ولما كان هذا الادعاء خلاف العادة الشائعة في النساء كثرت شكوى الأزواج من تلاعب المطلقات واحتيالهن لأخذ نفقة عدة بدون حق.
فرأت الوزارة أن المصلحة داعية إلى تعديل هذا الحكم بناء على ما ثبت من تقرير الطبيب الشرعي وهو أن أقصى مدة الحمل سنة وعلى أن لولي الأمر حق منع القضاة من سماع بعض الدعاوى التي شاع فيها التزوير والاحتيال فوضعت الفقرة الأولى من المادة (17) من مشروع القانون.
لاحظت الوزارة أن وضع المادة (5) من المشروع قد يغري بعض النساء المطلقات على الدعاوى الباطلة بعد وفاة أزواجهن فيدعين كذبا أن عدتهن لم تنقض من حين الطلاق إلى وقت الوفاة وأنهن وارثات. وليس هناك من الأحكام الجاري عليها العمل الآن ما يمنعهن من هذه الدعاوى ما دام كل طلاق يقع رجعيا لأن الطلاق الرجعي لا يمنع الزوجة من الميراث إذا مات زوجها في العدة ومن السهل على فاسدات الذمم أن يدعين كذبا أنهن من ذوات الحيض وأنهن لم يحضن ثلاث مرات ولو كانت المدة بين الطلاق والوفاة عدة سنين وعسير على الورثة أن يثبتوا انقضاء عدتها لأن الحيض لا يعلم إلا من جهتها. ودعوى إقرارها بانقضاء العدة لا تسمع إلا طبق القيود المدونة بالمادة (129) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية (القانون رقم 31 سنة 1910) وهيهات أن تحقق هذه القيود. لهذا رؤيَ منع سماع دعوى الوراثة بسبب عدم انقضاء العدة إذا كانت المدة بين الطلاق والوفاة أكثر من سنة سواء أكانت الدعوى من الزوجة أم من ورثتها من بعدها وذلك بناء على ما لولي الأمر من منع قضاته من سماع بعض الدعاوى الظاهر فيها التزوير وبناء على ما سبق بيانه من رأي الطبيب الشرعي قد وضعت الفقرة الثانية من المادة (17) من المشروع وإنما قيد عدم سماع الدعوى هنا بحالة الإنكار لأنه لا مانع شرعا من إقرار الورثة بمن يشاركهم في الميراث.
ولما كانت أحكام النفقة تقدر من غير تحديد مدة رؤى من اللازم وضع الفقرة الأولى من المادة (18) مكملة لحكم المادة (17) لمنع تنفيذ أحكام النفقات بعد مضي سنة من تاريخ الطلاق.
غير أن هنالك من هذه الأحكام ما صدر طبقا للتشريع الحالي فهل تنفذ هذه الأحكام لمدة ثلاث سنين أو خمس سنين طبقا للتشريع الذي صدرت الأحكام بمقتضاه مع سقوط ذلك التشريع من يوم العمل بالقانون الجديد أو يسري حكم القانون الجديد على تلك الأحكام بناء على أنه هو القانون الوحيد الذي يجب العمل به لأنه حل محل القانون القديم رأت الوزارة في هذا الموضوع أن تجعل مدة السنة تبتدئ من تاريخ الطلاق فوضعت الفقرة الثانية من المادة (18) من المشروع. لكن إذا كان وقت العمل بهذا القانون قد مضى على تاريخ الطلاق أكثر من سنة فلا تنفذ المطلقة إلا بما يكون مستحقا لها من النفقة إلى حين العمل بهذا القانون لأنه أصبح حقا مكتسبا لها والحقوق المكتسبة لا تمس.
6- المهر
كانت المادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية (القانون نمرة 31 لسنة 1910) نصها هكذا "يجب أن تكون الأحكام بأرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة وبما دون بهذه اللائحة وبمذهب أبي يوسف عند اختلاف الزوجين قي مقدار المهر".
ولما صدر القانون نمر 25 سنة 1920 وكان مشتملا على أحكام غير ما استثنى في المادة المذكورة زيد عليها الفقرة الآتية "ومع ذلك فإن المسائل المنصوص عليها في القانون نمرة 25 سنة 1920 يكون الحكم فيها طبقا لأحكام ذلك القانون".
والآن وقد وضع مشروع هذا القانون وهو يشتمل على أحكام غير ما استثنى بالمادة المشار إليها لم يكن بد من وضع استثناء آخر وهذا ما دعا الوزارة إلى أن تفكر في وضع نص أعم لهذه المادة يغنيها عن التعديل كلما عن لها أن تضع أحكاما لم ينص على استثنائها.
وفي الوقت نفسه لوحظ أن استثناء مذهب أبي يوسف عند اختلاف الزوجين في مقدار المهر بالصيغة التي هو بها لا محل له مع إدخال أحكام عديدة ليست من أرجح الأقوال في مذهب أبي حنيفة بل ليست من مذهب أبي حنيفة نفسه. فلهذا رؤيَ أن يوضع مذهب أبي يوسف عند اختلاف الزوجين في مقدار المهر بنصه الفقهي اكتفاء بذلك عن استثنائه بالصورة التي هو عليها في المادة 280 أما وجه اختيار مذهب أبي يوسف في هذا الباب فوارد بالمذكرة التفسيرية التي وضعت لمشروع القانون تمرة 31 لسنة 1910 (المادة 19 من مشروع القانون).
7- سن الحضانة
جرى العمل إلى الآن على أن حق الحضانة ينتهي عند بلوغ الصغير سبع سنين وبلوغ الصغيرة تسعا وهي سن دلت التجارب عن أنها قد لا يستغنى فيها الصغير والصغيرة عن الحضانة فيكونان في خطر من ضمهما إلى غير النساء خصوصا إذا كان والدهما متزوجا بغير أمهما ولذلك كثرت شكوى النساء من انتزاع أولادهن منهن في ذلك الوقت.
ولما كان المعول عليه في مذهب الحنفية أن الصغير يسلم إلى أبيه عند الاستغناء عن خدمة النساء والصغيرة تسلم إليه عند بلوغ حد الشهوة وقد اختلفت الفقهاء في تقدير السن التي يكون عندها الاستغناء بالنسبة للصغير فقدرها بعضهم بسبع سنين وبعضهم قدرها بتسع وقدر بعضهم بلوغ حد الشهوة بتسع سنين وبعضهم قدره بإحدى عشرة.
رأت الوزارة أن المصلحة داعية إلى أن يكون للقاضي حرية النظر في تقدير مصلحة الصغير بعد سبع والصغيرة بعد تسع فإن رأى مصلحتهما في بقائهما تحت حضانة النساء قضى بذلك إلى تسع في الصغير وإحدى عشرة في الصغيرة وإن رأى مصلحتهما في غير ذلك قضى بضمهما إلى غير النساء (المادة 30).
8- المفقود
الحكم بموت المفقود إذا مات أقرانه أو بلغ من العمر تسعين سنة حسب أحكام مذهب أبي حنيفة الجاري عليها العمل بالمحاكم الشرعية أصبح لا يتفق الآن مع حالة الرقي التي وصلت إليها طرق المواصلات في العصر الحاضر.
فإن التخاطب بالبريد والتلغراف والتليفون وانتشار مفوضيات وقنصليات المملكة المصرية في أنحاء العالم جعل من السهل البحث عن الغائبين غيبة منقطعة (المفقودين) ومعرفة أن كانوا لا يزالون على قيد الحياة أو لا في وقت قصير.
وقد عنيت الوزارة قبل الآن بأمر زوجة المفقود فوضعت لها أحكاما في القانون نمرة 25 سنة 1920 من مذهب الأمام مالك (مادتي 7 و8).
أما أمر ماله فقد ترك على الحالة الجاري عليها العمل من قبل بالمحاكم ولكن تبين من البحث وجود قضايا كثيرة بالمجالس الحسبية تختص بأموال المفقودين تستدعي الاهتمام والعناية بتصريف أمور هذه الأموال على وجه أصلح فقد بلغت هذه القضايا لغاية فبراير سنة 1927 : 1166 قضية منها 767 قضية تقل قيمتها عن مائة جنيه أو مجهولة القيمة ومنها 36 قضية تزيد قيمتها عن ألف جنيه والباقي قيمته بين هذين المقدارين لهذا رأت الوزارة أن تضع أحكاما لأموال المفقود تصلح من الحالة الموجودة الآن وتتناسب مع حالة العصر الحاضر بقدر المستطاع ولما كان بعض المفقودين يفقد في حالة يظن معها موته كمن يخرج لقضاء حاجة قريبة ثم لا يعود أو يفقد في ميدان القتال والبعض الآخر يفقد في حالة يظن معها بقاؤه سالما كمن يغيب للتجارة أو طلب العلم أو سياحة ثم لا يعود رأت الوزارة الأخذ بمذهب الأمام أحمد بن حنبل في الحالة الأولى وبقول صحيح في مذهبه ومذهب الأمام أبي حنيفة في الحالة الثانية ــ ففي الحالة الأولى ينتظر إلى إتمام أربع سنين من حين فقده فإذا لم يعد وبحث عنه فلم يوجد اعتدت زوجته عدة الوفاة وحلت للأزواج بعدها وقسم ماله بين ورثته وفي الحالة الثانية يفوض أمر تقدير المدة التي يعيش بعدها المفقود إلى القاضي فإذا بحث في مظان وجوده بكل الطرق الممكنة وتحرى عنه بما يوصل إلى معرفة حالة فلم يجده وتبين له أن مثله لا يعيش إلى هذا الوقت حكم بموته.
ولما كان الراجح من مذهب الأمام أبي حنيفة أنه لابد من حكم القاضي بموت المفقود وأنه من تاريخ الحكم بموته تعتد زوجته عدة الوفاة ويستحق تركته ورثته الموجودون وقته رؤيَ الأخذ بمذهبه في الحالتين لأنه أضبط وأصلح لنظام العمل في القضاء. لهذا وضعت المادتان الحادية والعشرون والثانية والعشرون من هذا المشروع.
9- أحكام عامة
سبق أن أوردنا في الباب الخاص بدعوى النسب رأي الطبيب الشرعي في مدة الحمل وأنه يرى عند التشريع اعتبار أقصاها 365 يوما حتى يشمل جميع الأحوال النادرة فلهذا رؤيَ تحديد السنة التي تذكر في معرض أحكام النسب والعدة والتطليق لغيبة الزوج أو حبسه بما يتفق مع هذا الرأي. أما فيما عدا ذلك فالمراد هو السنة الهجرية ولهذا وضعت المادة الثالثة والعشرون.
وإذ قد أصبحت المواد 3 و7 و12 من القانون نمرة 25 سنة 1920 لا ضرورة إليها بعد الأخذ بأحكام المشروع الحالي فقد تعين إلغاؤها ولزم النص على ذلك في المادة الرابعة والعشرين.
وقد رؤيَ من اللازم بمناسبة وضع هذا المشروع تعديل نص المادة 280 من لائحة ترتيب وإجراءات المحاكم الشرعية بما يلزم القضاء بالعمل بكل ما صدر أو يصدر من القوانين في مسائل الأحوال الشخصية تفاديا من الاضطرار إلى تعديلها كلما أريد إصدار قانون في بعض تلك المسائل ولذلك وضعت المادة 280 بصيغتها الجديدة.
وبناء على ما تقدم نتشرف بأن نرفع إلى مجلس الوزراء مشروع القانونين المرافقين لهذه المذكرة ونرجو إذا وافق المجلس أن يتكرم برفعهما لأعتاب حضرة صاحب الجلالة الملك لإصدار المرسوم اللازم.
القاهرة في 24 فبراير سنة 1929
وزير الحقانية

أحمد عهد خشبة