الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 23 فبراير 2020

المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 25 لسنة 1929 بشأن بعض أحكام الأحوال الشخصية

مجلس الوزراء
1 - الطلاق
شرع الطلاق في الإسلام ليستطيع الزوجان التخلص من رابطة الزوجية إذا تحقق أن المعاشرة بالمعروف والقيام بحقوق الزوجية أصبح غير ميسور فللرجل أن يوقع الطلاق مستقلا بإيقاعه إذا علم ذلك. وللمرأة أن تطلب إلى القاضي التطليق إذا علمت ذلك بعد أن يلحقها الضرر لأي سبب من الأسباب الموجبة.
وأجمع الأئمة وجمهور الفقهاء على أن إيقاع الطلاق لغير سبب شرعي حرام أو مكروه يدل على ذلك ما رواه أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم (ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق) وفي رواية عنه (أبغض الحلال إلى الله الطلاق).
وقد شرع الطلاق على أن يوقع دفعات متعددة (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله. فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به. تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون. فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره).
فالآية الكريمة تكاد تكون صريحة في أن الطلاق لا يكون إلا مرة بعد مرة وجعلت دفعات الطلاق ثلاثا ليجرب الرجل نفسه بعد المرة الأولى والثانية ويروضها على الصبر والاحتمال ولتجرب المرأة نفسها أيضا حتى إذا لم تفد التجارب ووقعت الطلقة الثالثة علم أنه ليس في البقاء خير وأن الانفصال البات بينهما أحق وأولى.
فالواقع أن الدين الإسلامي مع إباحته الطلاق قد ضيق دائرته وجعل هذه الإباحة مقصورة على الحالات التي لا يمكن فيها للزوجين أو أحدهما إقامة حدود الله ولو أن الناس لزموا حدود الله واتبعوا شريعته لما وقعت شكوى من قواعد الطلاق ولبقيت العائلة الإسلامية متينة العرى يرفرف عليها الهناء ولكن ضعف الأخلاق وتراخي عرى المروءات أوجد في العائلة الإسلامية وهنا وجعل هناءها يزول بنزفة من طيش ويمين يحلفها الأحمق في ساعة غضبه أو للتخلص من موقفه أمام دائن أو ظالم.
والمرأة المسلمة مهددة على الدوام بالطلاق لا تدري متى يحصل وقد لا يدري الرجل نفسه متى يحصل فإن الحالف بالطلاق والمعلق له على شيء من الأشياء التي يفعلها أجنبي لا يدري متى تطلق إمرأته.
فسعادة الزوجين والأولاد والأسرة قد ترتبط بعمل من الأعمال الخارجة عن إرادة رب الأسرة وعن إرادة سيدة الأسرة.
وكثير من هذا سببه آراء جمهور الفقهاء الذين يوقعون الطلاق المعلق واليمين بالطلاق والطلاق الثلاث بكلمة واحدة ويوقعون المعلق قبل الزواج إذا علق على الزواج نفسه كما هو رأي الحنفية.
وهذه الآراء كانت منبع شقاء العائلة وكانت سببا في تلمس الحيل وافتنان الفقهاء في ابتداع أنواعها.
ومن الواجب حماية الشريعة المطهرة وحماية الناس من الخروج عليها وقد تكفلت بسعادة الناس دنيا وأخرى وأنها بأصولها تسع الأمم في جميع الأزمنة والأمكنة متى فهمت على حقيقتها وطبقت على بصيرة وهدى.
ومن السياسة الشرعية أن يفتح للجمهور باب الرحمة من الشريعة نفسها وأن يرجع إلى آراء العلماء لتعالج الأمراض الاجتماعية كلما استعصى مرض منها حتى يشعر الناس بأن في الشريعة مخرجا من الضيق وفرجا من الشدة.
لهذا فكرت الوزارة في تضييق دائرة الطلاق بما يتفق مع أصول الدين وقواعده ويوافق أقوال الأئمة وأهل الفقه فيه ولو من غير أهل المذاهب الأربعة فوضعت مشروع القانون بما يتفق مع ذلك.
وليس هناك مانع شرعي من الأخذ بأقوال الفقهاء من غير المذاهب الأربعة خصوصا إذا كان الأخذ بأقوالهم يؤدي إلى جلب صالح عام أو رفع ضرر عام بناء على ما هو الحق من آراء علماء أصول الفقه.
وقد بنيَ مشروع القانون في هذا الموضوع على المبادئ الآتية:
1- طلاق السكران والمكره:
طلاق السكران لا يقع بناء على قول راجح لأحمد وقول في المذاهب الثلاثة ورأي كثير من التابعين وأنه لا يعرف عن الصحابة قول فيه بالوقوع.
وطلاق المكره لا يقع بناء على مذهب الشافعية والمالكية وأحمد وداود وكثير من الصحابة.
2- ينقسم الطلاق إلى منجز وهو ما قصد به إيقاع الطلاق فورا وإلى مضاف كأنت طالق غدا وإلى اليمين نحو عليَ الطلاق لا أفعل كذا وإلى معلق كأن فعلت كذا فأنت طالق.
والمعلق إن كان غرض المتكلم به التخويف أو الحمل على فعل الشيء أو تركه وهو يكره حصول الطلاق ولا وطوله فيه كان في معنى اليمين بالطلاق. وإن كان يقصد به حصول الطلاق عند حصول الشرط لأنه لا يريد المقام مع زوجته عند حصوله لم يكن في معنى اليمين. واليمين في الطلاق وما في معناه لاغ أما باقي الأقسام فيقع فيها الطلاق.
وقد أخذ في إلغاء اليمين بالطلاق برأي متقدمي الحنفية وبعض متأخريهم وهذا موافق لرأي الأمام علي وشريح وداود وأصحابه وطائفة من الشافعية والمالكية. وأخذ في إلغاء المعلق الذي في معنى اليمين برأي الأمام علي وشريح وعطاء والحكم بن عتيبة وداود وأصحابه وابن حزم. وقد وضعت المادة (2) من مشروع القانون متضمنة أحكام هذه الأقسام.
3- الطلاق المتعدد لفظا أو إشارة لا يقع إلا واحدة وهو رأي محمد بن أسحق ونقل عن علي وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف والزبير ونقل عن مشايخ قرطبة ومنهم محمد بن تقي بن مخلد ومحمد بن عبد السلام ونقله ابن المنذر عن أصحاب ابن عباس كعطاء وطاووس وعمرو بن دينار وقد أفتى به عكرمة وداود وقال ابن القيم أنه رأي أكثر الصحابة ورأي بعض أصحاب مالك ورأي بعض الحنفية ورأي بعض أصحاب أحمد (مادة 3 من المشروع).
4- كنايات الطلاق وهي ما تحتمل الطلاق وغيره لا يقع بها الطلاق إلا بالنية دون دلالة الحال كما هو مذهب الشافعي ومالك.
والمراد بالكناية هنا ما كان كناية في مذهب أبي حنيفة (مادة 4 من المشروع).
5- أخذ بمذهب الأمام مالك والشافعي في أن كل طلاق يقع رجعيا إلا ما استثنى في المادة (5) من المشروع.
ومما تحسن الإشارة إليه هنا أن التفريق بالطلاق بسبب اللعان أو العنة أو إباء الزوج عن الإسلام عند إسلام زوجته يبقى الحكم فيه على مذهب أبي حنيفة.
2- الشقاق بين الزوجين والتطليق للضرر
الشقاق بين الزوجين مجلبة لأضرار كبيرة لا يقتصر أثرها على الزوجين بل يتعداها إلى ما خلق الله بينهما من ذرية وإلى كل من له بهما علاقة قرابة أو مصاهرة وليس في أحكام مذهب أبي حنيفة ما يمكن الزوجة من التخلص ولا ما يرجع الزوج عن غيه فيحتال كل إلى إيذاء الآخر قصد الانتقام.
تطالب الزوجة بالنفقة ولا غرض لها إلا إحراج الزوج بتغريم المال.
ويطالب الزوج بالطاعة ولا غرض له إلا أن يتمكن من إسقاط نفقتها وأن تنالها يده فيوقع بها ما شاء من ضروب العسف والجور. هذا فضلا عما يتولد عن ذلك من إشكال في تنفيذ حكم الطاعة وتنفيذ بالحبس لحكم النفقة وما قد يؤدي إليه استمرار الشقاق من الجرائم والآثام تبينت الوزارة هذه الآثار واضحة جلية مما تقدم إليها من الشكايات فرأت أن المصلحة داعية إلى الأخذ بمذهب الأمام مالك في أحكام الشقاق بين الزوجين عدا الحالة التي يتبين للحكمين أن الإساءة من الزوجة دون الزوج فلا يكون ذلك داعيا لإغراء الزوجة المشاكسة على فصم عرى الزوجية بلا مبرر (المواد من 6 إلى 11).
3- التطليق لغيبة الزوج أو لحبسه
كذلك قد يغيب الزوج عن زوجته مدة طويلة بلا عذر مقبول كطلب العلم أو التجارة أو لانقطاع المواصلات ثم لا هو يحمل زوجته إليه ولا هو يطلقها لتتخذ لها زوجا غيره ومقام الزوجة على هذا الحال زمنا طويلا مع محافظتها على العفة والشرف أمر لا تحتمله الطبيعة في الأعم الأغلب وإن ترك لها الزوج مالا تستطيع الإنفاق منه.
وقد يقترف الزوج من الجرائم ما يستحق عقوبة السجن الطويل فتقع زوجته في مثل ما وقعت فيه زوجة الغائب وليس في أحكام مذهب أبي حنيفة ما تعالج به هذه الحالة ومعالجتها واجب اجتماعي محتم ومذهب الأمام مالك يجيز التطليق على الغائب الذي يترك لزوجته ما تنفق منه على نفسها إذا طالت غيبته سنة فأكثر وتضررت الزوجة من بعده عنها بعد أن يضرب له أجل ويعذر إليه بأنه إما أن يحضر للإقامة معها أو ينقلها إليه أو يطلقها وإلا طلقها عليه القاضي هذا إذا أمكن وصول الرسائل إليه وإلا فيطلق القاضي عليه بلا ضرب أجل ولا أعذار.
وواضح أن المراد بغيبة الزوج هنا غيبته عنها بالإقامة في بلد أخر غير بلد الزوجة أما الغيبة عن بيت الزوجة مع الإقامة في بلد واحد فهي من الأحوال التي يتناولها التطليق للضرر.
والزوج الذي حكم عليه نهائيا بالسجن ثلاث سنين فأكثر يساوي الغائب الذي طالت غيبته سنة فأكثر في تضرر زوجته من بعده عنها كما يساوي الأسير في ذلك فيجوز لزوجته طلب التطليق عليه بعد سنة من سجنه إذا تضررت من بعده عنها كزوجة الغائب والأسير لأن المناط في ذلك تضرر الزوجة من بعد الزوج عنها ولا دخل لكون البعد باختياره أو قهرا عنه بدليل النص على أن لزوجة الأسير حق طلب التطليق إذا تضررت من بعد زوجها عنها (المواد من 12 إلى 14).
4- دعوى النسب
بناء على الأحكام الواجب تطبيقها الآن يثبت نسب ولد الزوجة في أي وقت أتت به مهما تباعد الزوجان فيثبت نسب ولد زوجة مشرقية من زوج مغربي عقد الزواج بينهما مع إقامة كل في جهته دون أن يجتمعا من وقت العقد إلى وقت الولادة اجتماعا تصح معه الخلوة وذلك بناء على مجرد جواز الاجتماع بينهما عقلا.
كذلك يثب نسب ولد المطلقة بائنا إذا أتت به لأقل من سنتين من وقت الطلاق ونسب ولد المتوفى عنها زوجها إذا أتت به لأقل من سنتين من وقت الوفاة.
ويثبت نسب ولد المطلقة رجعيا في أي وقت أتت به من وقت الطلاق ما لم تقر بانقضاء العدة. والعمل بهذه الأحكام مع شيوع فساد الذمم وسوء الأخلاق أدى إلى الجرأة على أدعاء نسب أولاد غير شرعيين وتقدمت بذلك شكاوى عديدة.
ولما كان رأي الفقهاء في ثبوت النسب مبنيا على رأيهم في أقصى مدة الحمل ولم يبن أغلبهم رأيه في ذلك إلا على أخبار بعض النساء بأن الحمل مكث كذا سنين والبعض الآخر كأبي حنيفة بنى رأيه في ذلك على أثر ورد عن السيدة عائشة يتضمن أن أقصى مدة الحمل سنتان وليس في أقصى مدة الحمل كتاب ولا سنة فلم تر الوزارة مانعا من أخذ رأي الأطباء في المدة التي يمكنها والحمل فأفاد الطبيب الشرعي بأنه يرى أنه عند التشريع يعتبر أقصى مدة الحمل 365 يوما حتى يشمل جميع الأحوال النادرة.
وبما أنه يجوز شرعا لولي الأمر أن يمنع قضاته من سماع بعض الدعاوى التي يشاع فيها التزوير والاحتيال ودعوى نسب ولد بعد مضي سنة من تاريخ الطلاق بين الزوجين أو وفاة الزوج وكذا دعوى نسب ولد من زوج لم يتلاق مع زوجته في وقت ما ظاهر فيه الاحتيال والتزوير، لذلك وضعت المادة (15) من مشروع القانون.
5- النفقة والعدة
كان المتبع إلى الآن في تقدير نفقة الزوجة على زوجها أن يراعى في ذلك حال الزوجين معا يسارا وإعسارا وتوسطا فإن اختلف حال الزوجين بأن كان أحدهما موسرا والآخر معسرا قدر للزوجة نفقة المتوسطين فإذا كان الزوج هو الموسر أمر بأداء ما فرض وإذا كان هو المعسر أمر بأداء نفقة المعسرين والباقي يكون دينا عليه يؤديه إذا أيسر.
وبما أن هذا الحكم ليس متفقا عليه بين مذاهب الأئمة الأربعة فمذهب الشافعي ورأي صحيح في مذهب أبي حنيفة لا تقدر نفقة الزوجة إلا باعتبار حال الزوج مهما كانت حالة الزوجة استنادا إلى صريح الكتاب الكريم (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسها إلا ما أتاها سيجعل الله بعد عسرا يسرا - أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم).
وبما أنه لا يجب أن تأخذ الزوجة من زوجها أكثر مما يقدر عليه لأنها تعاقدت معه على أن ينفق عليها مما يستطيع حسب اختلاف الأزمان والأحوال فكان من المصلحة الأخذ بمذهب الشافعي والرأي الآخر من مذهب أبي حنيفة في تقدير نفقة الزوجة على زوجها. ولهذا وضعت المادة (16) من المشروع.
كذلك بناء على الأحكام الواجب تطبيقها الآن بمقتضى القانون رقم 25 سنة 1920 تستطيع المطلقة أن تأخذ نفقة عدة مدة طويلة بدون حق فإنها إذا كانت مرضعة قد تدعي أن الحيض لم يأتها طول مدة الرضاعة وهي سنتان ثم تدعي بعد ذلك أنه لا يأتيها إلا مرة واحدة كل سنة وقولها مقبول في ذلك وتتوصل إلى أن تأخذ نفقة عدة مدة خمس سنين وإذا كانت غير موضع قد تدعي أن الحيض يأتيها مرة واحدة في كل سنة فتتوصل إلى أن تأخذ نفقة عدة مدة ثلاث سنين.
ولما كان هذا الادعاء خلاف العادة الشائعة في النساء كثرت شكوى الأزواج من تلاعب المطلقات واحتيالهن لأخذ نفقة عدة بدون حق.
فرأت الوزارة أن المصلحة داعية إلى تعديل هذا الحكم بناء على ما ثبت من تقرير الطبيب الشرعي وهو أن أقصى مدة الحمل سنة وعلى أن لولي الأمر حق منع القضاة من سماع بعض الدعاوى التي شاع فيها التزوير والاحتيال فوضعت الفقرة الأولى من المادة (17) من مشروع القانون.
لاحظت الوزارة أن وضع المادة (5) من المشروع قد يغري بعض النساء المطلقات على الدعاوى الباطلة بعد وفاة أزواجهن فيدعين كذبا أن عدتهن لم تنقض من حين الطلاق إلى وقت الوفاة وأنهن وارثات. وليس هناك من الأحكام الجاري عليها العمل الآن ما يمنعهن من هذه الدعاوى ما دام كل طلاق يقع رجعيا لأن الطلاق الرجعي لا يمنع الزوجة من الميراث إذا مات زوجها في العدة ومن السهل على فاسدات الذمم أن يدعين كذبا أنهن من ذوات الحيض وأنهن لم يحضن ثلاث مرات ولو كانت المدة بين الطلاق والوفاة عدة سنين وعسير على الورثة أن يثبتوا انقضاء عدتها لأن الحيض لا يعلم إلا من جهتها. ودعوى إقرارها بانقضاء العدة لا تسمع إلا طبق القيود المدونة بالمادة (129) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية (القانون رقم 31 سنة 1910) وهيهات أن تحقق هذه القيود. لهذا رؤيَ منع سماع دعوى الوراثة بسبب عدم انقضاء العدة إذا كانت المدة بين الطلاق والوفاة أكثر من سنة سواء أكانت الدعوى من الزوجة أم من ورثتها من بعدها وذلك بناء على ما لولي الأمر من منع قضاته من سماع بعض الدعاوى الظاهر فيها التزوير وبناء على ما سبق بيانه من رأي الطبيب الشرعي قد وضعت الفقرة الثانية من المادة (17) من المشروع وإنما قيد عدم سماع الدعوى هنا بحالة الإنكار لأنه لا مانع شرعا من إقرار الورثة بمن يشاركهم في الميراث.
ولما كانت أحكام النفقة تقدر من غير تحديد مدة رؤى من اللازم وضع الفقرة الأولى من المادة (18) مكملة لحكم المادة (17) لمنع تنفيذ أحكام النفقات بعد مضي سنة من تاريخ الطلاق.
غير أن هنالك من هذه الأحكام ما صدر طبقا للتشريع الحالي فهل تنفذ هذه الأحكام لمدة ثلاث سنين أو خمس سنين طبقا للتشريع الذي صدرت الأحكام بمقتضاه مع سقوط ذلك التشريع من يوم العمل بالقانون الجديد أو يسري حكم القانون الجديد على تلك الأحكام بناء على أنه هو القانون الوحيد الذي يجب العمل به لأنه حل محل القانون القديم رأت الوزارة في هذا الموضوع أن تجعل مدة السنة تبتدئ من تاريخ الطلاق فوضعت الفقرة الثانية من المادة (18) من المشروع. لكن إذا كان وقت العمل بهذا القانون قد مضى على تاريخ الطلاق أكثر من سنة فلا تنفذ المطلقة إلا بما يكون مستحقا لها من النفقة إلى حين العمل بهذا القانون لأنه أصبح حقا مكتسبا لها والحقوق المكتسبة لا تمس.
6- المهر
كانت المادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية (القانون نمرة 31 لسنة 1910) نصها هكذا "يجب أن تكون الأحكام بأرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة وبما دون بهذه اللائحة وبمذهب أبي يوسف عند اختلاف الزوجين قي مقدار المهر".
ولما صدر القانون نمر 25 سنة 1920 وكان مشتملا على أحكام غير ما استثنى في المادة المذكورة زيد عليها الفقرة الآتية "ومع ذلك فإن المسائل المنصوص عليها في القانون نمرة 25 سنة 1920 يكون الحكم فيها طبقا لأحكام ذلك القانون".
والآن وقد وضع مشروع هذا القانون وهو يشتمل على أحكام غير ما استثنى بالمادة المشار إليها لم يكن بد من وضع استثناء آخر وهذا ما دعا الوزارة إلى أن تفكر في وضع نص أعم لهذه المادة يغنيها عن التعديل كلما عن لها أن تضع أحكاما لم ينص على استثنائها.
وفي الوقت نفسه لوحظ أن استثناء مذهب أبي يوسف عند اختلاف الزوجين في مقدار المهر بالصيغة التي هو بها لا محل له مع إدخال أحكام عديدة ليست من أرجح الأقوال في مذهب أبي حنيفة بل ليست من مذهب أبي حنيفة نفسه. فلهذا رؤيَ أن يوضع مذهب أبي يوسف عند اختلاف الزوجين في مقدار المهر بنصه الفقهي اكتفاء بذلك عن استثنائه بالصورة التي هو عليها في المادة 280 أما وجه اختيار مذهب أبي يوسف في هذا الباب فوارد بالمذكرة التفسيرية التي وضعت لمشروع القانون تمرة 31 لسنة 1910 (المادة 19 من مشروع القانون).
7- سن الحضانة
جرى العمل إلى الآن على أن حق الحضانة ينتهي عند بلوغ الصغير سبع سنين وبلوغ الصغيرة تسعا وهي سن دلت التجارب عن أنها قد لا يستغنى فيها الصغير والصغيرة عن الحضانة فيكونان في خطر من ضمهما إلى غير النساء خصوصا إذا كان والدهما متزوجا بغير أمهما ولذلك كثرت شكوى النساء من انتزاع أولادهن منهن في ذلك الوقت.
ولما كان المعول عليه في مذهب الحنفية أن الصغير يسلم إلى أبيه عند الاستغناء عن خدمة النساء والصغيرة تسلم إليه عند بلوغ حد الشهوة وقد اختلفت الفقهاء في تقدير السن التي يكون عندها الاستغناء بالنسبة للصغير فقدرها بعضهم بسبع سنين وبعضهم قدرها بتسع وقدر بعضهم بلوغ حد الشهوة بتسع سنين وبعضهم قدره بإحدى عشرة.
رأت الوزارة أن المصلحة داعية إلى أن يكون للقاضي حرية النظر في تقدير مصلحة الصغير بعد سبع والصغيرة بعد تسع فإن رأى مصلحتهما في بقائهما تحت حضانة النساء قضى بذلك إلى تسع في الصغير وإحدى عشرة في الصغيرة وإن رأى مصلحتهما في غير ذلك قضى بضمهما إلى غير النساء (المادة 30).
8- المفقود
الحكم بموت المفقود إذا مات أقرانه أو بلغ من العمر تسعين سنة حسب أحكام مذهب أبي حنيفة الجاري عليها العمل بالمحاكم الشرعية أصبح لا يتفق الآن مع حالة الرقي التي وصلت إليها طرق المواصلات في العصر الحاضر.
فإن التخاطب بالبريد والتلغراف والتليفون وانتشار مفوضيات وقنصليات المملكة المصرية في أنحاء العالم جعل من السهل البحث عن الغائبين غيبة منقطعة (المفقودين) ومعرفة أن كانوا لا يزالون على قيد الحياة أو لا في وقت قصير.
وقد عنيت الوزارة قبل الآن بأمر زوجة المفقود فوضعت لها أحكاما في القانون نمرة 25 سنة 1920 من مذهب الأمام مالك (مادتي 7 و8).
أما أمر ماله فقد ترك على الحالة الجاري عليها العمل من قبل بالمحاكم ولكن تبين من البحث وجود قضايا كثيرة بالمجالس الحسبية تختص بأموال المفقودين تستدعي الاهتمام والعناية بتصريف أمور هذه الأموال على وجه أصلح فقد بلغت هذه القضايا لغاية فبراير سنة 1927 : 1166 قضية منها 767 قضية تقل قيمتها عن مائة جنيه أو مجهولة القيمة ومنها 36 قضية تزيد قيمتها عن ألف جنيه والباقي قيمته بين هذين المقدارين لهذا رأت الوزارة أن تضع أحكاما لأموال المفقود تصلح من الحالة الموجودة الآن وتتناسب مع حالة العصر الحاضر بقدر المستطاع ولما كان بعض المفقودين يفقد في حالة يظن معها موته كمن يخرج لقضاء حاجة قريبة ثم لا يعود أو يفقد في ميدان القتال والبعض الآخر يفقد في حالة يظن معها بقاؤه سالما كمن يغيب للتجارة أو طلب العلم أو سياحة ثم لا يعود رأت الوزارة الأخذ بمذهب الأمام أحمد بن حنبل في الحالة الأولى وبقول صحيح في مذهبه ومذهب الأمام أبي حنيفة في الحالة الثانية ــ ففي الحالة الأولى ينتظر إلى إتمام أربع سنين من حين فقده فإذا لم يعد وبحث عنه فلم يوجد اعتدت زوجته عدة الوفاة وحلت للأزواج بعدها وقسم ماله بين ورثته وفي الحالة الثانية يفوض أمر تقدير المدة التي يعيش بعدها المفقود إلى القاضي فإذا بحث في مظان وجوده بكل الطرق الممكنة وتحرى عنه بما يوصل إلى معرفة حالة فلم يجده وتبين له أن مثله لا يعيش إلى هذا الوقت حكم بموته.
ولما كان الراجح من مذهب الأمام أبي حنيفة أنه لابد من حكم القاضي بموت المفقود وأنه من تاريخ الحكم بموته تعتد زوجته عدة الوفاة ويستحق تركته ورثته الموجودون وقته رؤيَ الأخذ بمذهبه في الحالتين لأنه أضبط وأصلح لنظام العمل في القضاء. لهذا وضعت المادتان الحادية والعشرون والثانية والعشرون من هذا المشروع.
9- أحكام عامة
سبق أن أوردنا في الباب الخاص بدعوى النسب رأي الطبيب الشرعي في مدة الحمل وأنه يرى عند التشريع اعتبار أقصاها 365 يوما حتى يشمل جميع الأحوال النادرة فلهذا رؤيَ تحديد السنة التي تذكر في معرض أحكام النسب والعدة والتطليق لغيبة الزوج أو حبسه بما يتفق مع هذا الرأي. أما فيما عدا ذلك فالمراد هو السنة الهجرية ولهذا وضعت المادة الثالثة والعشرون.
وإذ قد أصبحت المواد 3 و7 و12 من القانون نمرة 25 سنة 1920 لا ضرورة إليها بعد الأخذ بأحكام المشروع الحالي فقد تعين إلغاؤها ولزم النص على ذلك في المادة الرابعة والعشرين.
وقد رؤيَ من اللازم بمناسبة وضع هذا المشروع تعديل نص المادة 280 من لائحة ترتيب وإجراءات المحاكم الشرعية بما يلزم القضاء بالعمل بكل ما صدر أو يصدر من القوانين في مسائل الأحوال الشخصية تفاديا من الاضطرار إلى تعديلها كلما أريد إصدار قانون في بعض تلك المسائل ولذلك وضعت المادة 280 بصيغتها الجديدة.
وبناء على ما تقدم نتشرف بأن نرفع إلى مجلس الوزراء مشروع القانونين المرافقين لهذه المذكرة ونرجو إذا وافق المجلس أن يتكرم برفعهما لأعتاب حضرة صاحب الجلالة الملك لإصدار المرسوم اللازم.
القاهرة في 24 فبراير سنة 1929
وزير الحقانية

أحمد عهد خشبة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق