الدعوى رقم 126 لسنة 38 ق " دستورية " جلسة 4 / 1 / 2020
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من يناير سنة 2020م،
الموافق التاسع من جمادى الأولى سنة 1441 هـ.
برئاسة السيد المستشار/ سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر
شريف وبولس فهمى إسكندر والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان
وطارق عبدالعليم أبو العطا نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 126 لسنة 38
قضائية " دستورية ".
المقامة من
أسماء زكريا أبو الوفا حسنين
ضد
1 – رئيس مجلس الوزراء
2 – وزير الصحة
3 – محافظ أسوان
4 – مدير عام مديرية الشئون الصحية بأسوان
الإجراءات
بتاريخ الثاني
عشر من ديسمبر سنة 2016، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة
الدستورية العليا، طلبًا للحكم بعدم دستورية: أولاً: نص المادة (12) من قانون
تنظيم شئون أعضاء المهن الطبية العاملين بالجهات التابعة لوزارة الصحة والسكان من
غير المخاطبين بقوانين أو لوائح خاصة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 14
لسنة 2014. ثانيًا: المادة رقم (1) من قرار وزير الصحة والسكان رقم 575 لسنة 2014
بشأن صرف حافز مناطق نائية للمخاطبين بأحكام قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 14
لسنة 2014.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة
المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر
الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمـة
بعد الاطلاع
على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق -
في أن المدعية كانت قد أقامت، بتاريخ 30/4/2015، الدعوى رقم 6649 لسنة 2 قضائية،
أمام المحكمة الإدارية بأسوان، طالبة الحكم بأحقيتها في صرف حافز المناطق النائية
المنصوص عليه بقرار وزير الصحة والسكان رقم 575 لسنة 2014، بواقع 400% من الأجر الأساسي
شهريًّا، اعتبارًا من 1/1/2014، مع ما يترتب على ذلك من آثار، قولاً منها؛ بأنها
من خريجي كليات العلوم، وتقيم بمركز إدفو محافظة أسوان، وتعمل أخصائي تحاليل
بالإدارة الصحية بإدفو، ولم يُصرف لها حافز المناطق النائية، على الرغم من أنها من
الفئات المخاطبة بأحكام القرار بقانون رقم 14 لسنة 2014 المشار إليه. وإبان تحضير
الدعوى أمام هيئة مفوضي الدولة بمجلس الدولة، دفعت المدعية بعدم دستورية المادة (12)
من ذلك القرار بقانون، والمادة الأولى من قرار وزير الصحة والسكان رقم 575 لسنة
2014. وإذ تدوولت الدعوى أمام المحكمة الإدارية بأسوان فقد صرحت بجلسة 22/11/2016
للمدعية بإقامة الدعوى الدستورية طعنًا على قرار وزير الصحة والسكان رقم 575 لسنة
2014، والمادة (12) من قانون تنظيم شئون أعضاء المهن الطبية العاملين بالجهات
التابعة لوزارة الصحة والسكان من غير المخاطبين بقوانين أو لوائح خاصة الصادر
بالقرار بقانون رقم 14 لسنة 2014، فأقامت المدعية دعواها الدستورية المعروضة.
وحيث إن المادة رقم (1) من قانون تنظيم شئون أعضاء المهن الطبية
العاملين بالجهـات التابعـــة لوزارة الصحة والسكان من غير المخاطبين بقوانين أو
لوائح خاصة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 14 لسنة 2014 تنص على أن
"تسري أحكام هذا القانون على الأطباء البشريين وأطباء الأسنان والأطباء البيطريين
والصيادلة وممارسي وأخصائيى العلاج الطبيعي والتمريض العالي وخريجي كليات العلوم
من الكيميائيين والفيزيقيين وهيئات التمريض الفنية والفنيين الصحيين الخاضعين
لأحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978،
العاملين بالجهات الداخلة في الموازنة العامة للدولة وهى:
* ديوان عام وزارة الصحة والسكان.
* مستشفيات الصحة النفسية.
* المراكز الطبية المتخصصة.
* مديريات الشئون الصحية بالمحافظات والمستشفيات والوحدات الطبية
التابعة لها.
* الهيئة العامة للمستشفيات والمعاهد التعليمية والمستشفيات التابعة
لها.
* الهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية.
* الهيئة القومية للبحوث والرقابة على المستحضرات الحيوية.
* مرافق الإسعاف التى لم تضم إلى هيئة الإسعاف المصرية.
وذلك من غير المخاطبين بقوانين أو لوائح خاصة".
وحيث إن المادة رقم (12) من القرار
بقانون المشار إليه تنص على أن "يصرف حافز مناطق نائية بنسبة تتراوح بين
(200%) إلى (600%) من الأجر الأساسى للأطباء البشريين وأطباء الأسنان والصيادلة
وممارسى وأخصائيى العلاج الطبيعى والتمريض العالى وفنيى التمريض والفنيين الصحيين
المغتربين العاملين بالمستشفيات ووحدات الرعاية الصحية التى تقدم خدمة علاجية
بمحافظات مطروح والوادى الجديد وأسوان وشمال وجنوب سيناء والبحر الأحمر ومناطق
القنطرة شرق بمحافظة الإسماعيلية ومنطقة الواحات البحرية بمحافظة الجيزة، وغيرها
من المناطق التى يصدر بشأنها قرار من رئيس مجلس الوزراء باعتبارها منطقة نائية.
ويُصرف هذا
الحافز لغير المغتربين من العاملين المشار إليهم حال بعد مقر عملهم عن عواصم تلك
المحافظات، وذلك وفقًا للضوابط التى تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
وتحدد اللائحة التنفيذية قواعد وشروط
صرف هذا الحافز، وكذلك ضوابط الاغتراب بين المحافظات.
ولا يخل صرف الحافز المنصوص عليه في الفقرة
الأولى من هذه المادة بما قد يصرف من مزايا لهؤلاء العاملين، من موازنة المحافظة
للغرض ذاته في تاريخ العمل بهذا القانون".
وحيث إن المادة (15) من قرار وزارة
الصحة والسكان رقم 236 لسنة 2014، بإصدار اللائحة التنفيذية للقانون رقم 14 لسنة
2014 بتنظيم شئون أعضاء المهن الطبية، تنص على أنه "مع عدم الإخلال بأحكام
المادة (12) من القانون، يصرف حافز مناطق نائية للمغتربين من الفئات المنصوص عليها
في المادة المذكورة، للعاملين بالمحافظات المحددة بتلك المادة، وما يصدر بشأنه
قرار من رئيس مجلس الوزراء باعتبارها منطقة نائية.
كما يصرف هذا
الحافز لغير المغتربين العاملين بهذه المحافظات، إذا كان مقر عملهم يقع على بعد 40
كيلو مترًا على الأقل من عاصمة المحافظة.
ويصدر بتحديد نسبة الحافز المستحق
قرار من وزير الصحة والسكان بناءً على عرض من القطاع العلاجى، يتضمن الحدين الأدنى
والأقصى للحافز بالنسبة لكل محافظة على حده في ضوء ما نصت عليه المادة (12) من
القانون، وكذلك تدرج الاستحقاق فيما بين الحدين، سواء بالنسبة للمغتربين أو غير
المغتربين".
وحيث إن المادة (1) من قرار وزير
الصحة والسكان رقم 575 لسنة 2014 بشأن حافز مناطق نائية للمخاطبين بأحكام قرار
رئيس الجمهورية بقانون رقم 14 لسنة 2014، تنص على: "يصرف حافز مناطق نائية
لأعضاء المهن الطبية المنصوص عليهم بالمادة (12) من قرار رئيس الجمهورية بقانون
رقم 14 لسنة 2014، المغتربين وغير المغتربين، العاملين بالمستشفيات ووحدات الرعاية
الصحية التى تقدم خدمة علاجية بالمحافظات والمناطق النائية على النحو الوارد
بالجدول المرافق لهذا القرار على أن يصرف الحافز لغير المغتربين حال بعد مقر عملهم
عن عواصم تلك المحافظات بمسافة لا تقل عن 50 كيلو متر".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة
تُعد شرطًا لقبول الدعوى الدستورية، ومناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين
المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية
لازمًا للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع. متى كان ذلك،
وكانت المدعية قد أقامت دعواها الموضوعية بطلب أحقيتها في صرف حافز المناطق
النائية المقررة للفئات المخاطبة بأحكام قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 14 لسنة
2014 المشار إليه، وكانت المادة (12) منه بفقرتيها الأولى والثانية، والمادة رقم
(1) من قرار وزير الصحة والسكان رقم 575 لسنة 2014 السابق بيانه، قد حالت بينها
وبين صرف ذلك الحافز، ومن ثم فإن المصلحة الشخصية والمباشرة للمدعية يتحدد نطاقها
في نصى الفقرتين الأولى والثانية من المادة (12) من قانون تنظيم شئون أعضاء المهن
الطبية العاملين بالجهات التابعة لوزارة الصحة والسكان من غير المخاطبيـــــن
بقوانين أو لوائح خاصـــــة الصادر بقـــــرار رئيس الجمهورية بالقانـــــون
رقـــــم 14 لسنة 2014، والمادة رقم (1) من قرار وزير الصحة والسكان رقم 575 لسنة
2014 بشأن صرف حافز مناطق نائية للمخاطبين بأحكام قرار رئيس الجمهورية بقانون رقم
14 لسنة 2014 والجدول المرافق له.
وحيث إن المدعية تنعى على نص المادة
(12) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون المشار إليه أنه مايز بين الكيميائيين
والفيزيقيين والأطباء البيطريين، وبين باقى الفئات المخاطبة بنص المادة (1) من
القرار بالقانون ذاته، بأن حرمهم من حافز المناطق النائية، كما أقام النص المطعون
فيه، ومعه نص المادة (1) من قرار وزير الصحة والسكان رقم 575 لسنة 2014 والجدول
المرافق له، تفرقة غير مبررة في نسبة الحافز بين المغتربين وغير المغتربين
العاملين بالمحافظات والمناطق النائية، بالمخالفة لنصوص المواد (8، 14، 18، 53) من
دستور 2014.
وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة
الدستورية العليا أن الاستيثاق من توافر الأوضاع الشكلية التى يتطلبها الدستور في قانون
ما يعتبر سابقًا بالضرورة على الخوض في أمر اتفاقهما أو تعارضهما مع الأحكام
الموضوعية للدستور.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر
على أن "الأوضاع الشكلية للنصوص التشريعية المتصلة باقتراحها أو إقرارها أو
إصدارها، إنما يتحدد على ضوء ما قررته في شأنها أحكام الدستور المعمول به حين
صدورها.
وحيث إن قرار رئيس الجمهورية بالقانون
رقم 14 لسنة 2014 بتنظيم شئون أعضاء المهن الطبية العاملين بالجهات التابعة لوزارة
الصحة والسكان من غير المخاطبين بقوانين أو لوائح خاصة، عُمل به اعتبارًا من
9/2/2014، ومن ثم فـــــإن أوضاعه الشكلية تحكمها المادة (156) من الدستور
الحالـــــى الصـــــادر في 18 يناير 2014.
وحيث إن المادة (156) من الدستور تنص
على أنه "إذا حدث في غير دور انعقاد مجلس النواب ما يوجب الإسراع في اتخاذ
تدابير لا تحتمل التأخير، يدعو رئيس الجمهورية المجلس لانعقاد طارئ لعرض الأمر
عليه. وإذا كان مجلس النواب غير قائم، يجوز لرئيس الجمهورية إصدار قرارات بقوانين،
على أن يتم عرضها ومناقشتها والموافقة عليها خلال خمسة عشر يومًا من انعقاد المجلس
الجديد، فإذا لم تعرض وتناقش أو إذا عرضت ولم يقرها المجلس، زال بأثر رجعى ما كان
لها من قوة القانون، دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك، إلا إذا رأى المجلس اعتماد
نفاذها في الفترة السابقة، أو تسوية ما ترتب عليها من آثار".
وحيث إن مفاد نص المادة (156) من
دستور 2014 أنه وإن جعل لرئيس الجمهورية اختصاصًا في إصدار قرارات تكون لها قوة
القانون إذا كان مجلس النواب غير قائم، فقد رسم لهذا الاختصاص الاستثنائى حدودًا
ضيقة تفرضها طبيعته الاستثنائية، منها ما يتعلق بشروط ممارسته، ومنها ما يتصل بمآل
ما قد يصدر من قرارات استنادًا إليه. فأوجب لإعمال سلطة التشريع الاستثنائية أن يكون
مجلس النواب غير قائم، وأن تطرأ خلال هذه الغيبة ظروف تتوافر معها حالة الضرورة
التى تسوغ لرئيس الجمهورية سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير إلى حين انعقاد
مجلس النواب، باعتبار أن تلك الظروف هى مناط هذه السلطة وعلة تقريرها. وإذ كان
الدستور يتطلب هذين الشرطين لممارسة ذلك الاختصاص التشريعى الاستثنائى، فقد تغيا
بهما ألا يتحول هذا الاختصاص إلى سلطة تشريعية كاملة مطلقة لا قيد عليها.
وحيث إن حالة الضرورة التى يجوز
بمقتضاها لرئيس الجمهورية إصدار قرارات بقوانين – طبقًا للشطر الثانى من المادة
(156) من الدستور - إنما ينضبط مفهومها بالتماهى مع الاحتياجات التى يوجبها صون
مقومات المجتمع الأساسية، وتتقيد حدودها بالمسائل التى ترتبط بمسئولية الدولة
قِبَل مواطنيها، وتلتزم تخومها بضمان سير المرافق العامة على نحو يتوخى الصالح
العام، ويقارنها حتمًا الاستجابة لما تمليه الاستحقاقات الدستورية في الدولة
المدنية، وذلك كله بمراعاة أن تتخذ التشريعات الصادرة في ظل حالة الضرورة من كفالة
الحقوق والحريات العامة سياجًا لأهدافها، ومن سيادة القانون ملاذًا يعصمهـا من
الخروج على مقتضيـــات الشرعية الدستورية. ولا يعزب عن نظر أن تَحَقُّقَ حالة
الضرورة تلك، مع لزوم ما تقدم من ضماناتها، رهن بوجود واقع دستورى مؤقت، ينشأ عن
كون السلطة التشريعية الأصلية غير قائمة – مهمــــا كان سبب ذلك أو مدته -، فلا
يكتمل في غيبتها البناء الدستورى لنظام الحكم، بالمفهوم الموافق لأحكام الباب
الخامس من الدستور، مما يستنهـض تدخلاً استثنائيًّا من رئيس الجمهورية، بإصدار
قرارات بقوانين، تلازمها شرعية دستورية مؤقتة، حتى تخضع لرقابة مجلس النواب
الجديد، في المواعيد وبالإجراءات المقـــــــــــررة في نص المادة (156) من
الدستور، ولا يحول إقرارها منه، دون خضوعها لرقابة قضائية على دستورية الأوضاع
الشكلية، والأحكام الموضوعية للقرارات بالقوانين المشار إليها، التى تباشرها
المحكمة الدستورية العليا، دون غيرها، طبقًا للأوضاع المقررة في قانونها، وليغدو
التنظيم الدستورى لإصدار رئيس الجمهورية قرارات بقوانين – وفق السياق الفائت بيانه
– محققًا الفصل بين سلطات الدولة، مقيمًا التوازن بينها، ضامنًا قوامًا
ديمقراطيًّا لنظام الدولة ، وذلك على ما تجرى به أحكام المادتين (1، 5) من الدستور
ذاته.
وحيث إن البين من مطالعة تقرير لجنة
الشئون الصحية والبيئية لمجلس النواب، المعقودة في 13 من يناير سنة 2016 - المنوط
بها مناقشة القرار بالقانون المشار إليه - أن فلسفته وأهدافه قوامها رعاية مصالح
المخاطبين بأحكامه، وقد أورد التقرير في هذا السياق ما نصه "إن بعض المهن
الطبية، وعلى الأخص المهن المعاونة لها، لم تصدر بشأنها قرارات تنظيم الشئون
الوظيفية لمزاولتها، كما أن الأجور والمزايا المالية التى يتلقاها أعضاء هذه المهن
لا تتناسب مع أعباء مسئوليتهم، خاصة إذا ما قورنت بالأجور والمزايا المالية التى
يحصل عليها أقرانهم بالقطاع الخاص أو الجهات التى ينظم شئونها قوانين ولوائح خاصة،
في الوقت الذى تتضاءل فيه القيمة السوقية للأجور التى يحصلون عليها، وتزداد
إغراءات العمل بالقطاع غير الحكومى سواء كان المحلى أو الخارجى، مما يقتضى إعادة
النظر في المعاملة المالية لهذا القطاع من قطاعات الدولة، مما يشجع على استمرار
العاملين به في البقاء بمواقعهم وعدم الاستجابة للإغراءات التى يلوح بها القطاع
الخاص، لا سيما وأن السياسة العامة للدولة تتجه إلى تطوير القطاع الصحى وتحسين
الخدمات الطبية المقدمة للمواطنين، ولن ينهض هذا القطاع إلا بتوفير الرعاية
المادية والمعنوية المناسبة للعاملين الذين هم العمود الفقرى لتقديم خدمة صحية ذات
جودة وفاعلية". متى كان ذلك، وكان ثبوت تدنى المعاملة المالية لأعضاء المهن
الطبية العاملين بالجهات التابعة لوزارة الصحة والسكان من غير المخاطبين بقوانين
أو لوائح خاصة، قبل صدور القرار بالقانون المشار إليه، في ظل عدم اكتمال البنيان
الدستورى للدولة وقتئذ، وفى غيبة رئيس جمهورية منتخب، وعدم وجود حياة نيابية، لعدم
انتخاب مجلس النواب القائم على شئون السلطة التشريعية الأصلية، فقد كان من شأن
اجتماع هذه الظروف الاستثنائية التى ألمت بالبلاد ما أوجب على رئيس الجمهورية
المؤقت الإسراع في إصدار القرار بالقانون المشار إليه، إيقانًا بحلول خطر جسيم هدد
سير المرافق الصحية الحكومية، على نحو كان معه التراخى في مواجهته، يُعد إخلالاً
من الدولة بالتزامها الدستورى بالرعاية الصحية المتكاملة للمواطنين، وتحقيق
العدالة الاجتماعية لقطاع منهم بما يضمن حياة كريمة لهم. ومن ثم يكون إصدار رئيس
الجمهورية المؤقت القرار بالقانون رقم 14 لسنة 2014 المشار إليه، قد التزم ضوابط
حالة الضرورة المعدودة قيدًا أوليًّا على مباشـــــــــرة رئيس الجمهورية
اختصاصــــــــــــــــــــــه الاستثنائى بإصدار قرارات بقوانين. إذ كان ذلك،
وكان البين أن مجلس النواب التالى في انتخابه لصدور القرار بالقانون المشار إليه،
قد تمت دعوته للانعقاد للدور العادى السنوى الأول بتاريخ 10/1/2016، وذلك طبقًا
لقرار رئيس الجمهورية المنتخب رقم 561 لسنة 2015، وكان هذا المجلس قد أحال بجلسته
المعقودة في 12/1/2016 ذلك القرار بالقانون إلى لجنة الشئون الصحية والبيئية به،
وكان المجلس ذاته قد وافق عليه بجلسته المعقودة في 19/1/2016، بما يكون معه قرار
رئيس الجمهورية بالقانون رقم 14 لسنة 2014 المشار إليه، وقد تم عرضه ومناقشته
والموافقة عليه خلال خمسة عشر يومًا من انعقاد المجلس الجديد، جاء مستوفيًا
للأوضاع الشكلية التالية لصدوره، على النحو الذى انتظمته أحكام المادة (156) من
الدستور القائم.
وحيث إنه عن مدى توافق النصوص
التشريعية التى تحدد فيها نطاق الدعوى المعروضة، مع الضوابط الموضوعية التى حواها
الدستور، فقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن "الأصل في السلطة التى يملكها
المشرع في مجال تنظيمه الحقوق هو إطلاقها ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة، منها
أن هذا التنظيم ينبغى ألا يؤدى إلى إجراء تمييز تحكمى فيما بين أصحاب المراكز
القانونية المتكافئة بلا أساس موضوعى يبرره".
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة
أن "المراكز القانونية التى يتعلق بها تطبيق مبدأ المســــــــــــاواة أمام
القانون وفقًا لنص المادة (40) من دستور 1971 - المقابلة للمادة 53 من الدستور
الحالى - هى تلك التى تتحدد في العناصر التى تكون كلاً منها – لا باعتبارها عناصر
واقعية – بل بوصفها عناصر أدخلها المشرع في اعتباره مرتبًا عليها أثرًا قانونيًّا،
فلا يكون ترابطها إلا منشئًا لذلك المركز القانونى الذى يضمها".
وحيث استقر قضاء المحكمة الدستورية
العليا على أن الدستور وإن قرن العدل بكثير من النصوص التى تضمنها، فنصت عليه
المواد (4، 8، 27، 38، 177) منه، وخلا في الوقت ذاته من كل تحديد لمعناه، فإن
مفهوم العدل – سواء بمبناه أو أبعاده – يتعين أن يكون محددًا من منظور اجتماعى،
باعتبار أن العدل يتغيا التعبير عن تلك القيم الاجتماعية التى لا تنفصل عن الجماعة
في حركتها، والتى تتبلور مقاييسها في شأن ما يعتبر حقًا لديها، فلا يكون العدل
مفهومًا مطلقًا باطراد بل مرنًا متغيرًا وفقًا لمعايير الضمير
الاجتمـــــــــــــــــاعى ومستوياتها، وهو بذلك لا يعدو أن يكون نهجًا متواصلاً
منبسطًا على أشكال من الحياة تتعدد ألوانها، وازنًا بالقسط تلك الأعباء التى
يفرضها المشرع على المواطنين، فلا تكون وطأتها على بعضهم عدوانًا، بل تطبيقها
بينهم إنصافًا، وإلا كان القانون منهيًّا للتوافق في مجال تنفيذه وغدا إلغاؤه
لازمًا".
وحيث اطرد قضـــــــــــــــــــاء
المحكمـــــــــــة الدستورية العليا على أن "عدالة الأجر لا تنفصل عن
الأعمال التى يؤديها العامل، ســـــــــــــــواء في نوعها أو كمها، فلا عمل بلا
أجر، ولا يكون الأجر مقابلاً للعمل إلا بشرطين، أولهما: أن يكون متناسبًا مع
الأعمال التى أداها العامل، مُقدرًا بمراعاة أهميتها وصعوبتها وتعقدها وزمن
إنجازها وغير ذلك من العناصر الواقعية التى يتحدد على ضوئها نطاقها ووزنها.
ثانيهما: أن يكون ضابط التقدير موحدًا، فلا تتعدد معايير هذا التقدير بما يباعد
بينها وبين الأسس الموضوعية لتحديد الأجر، وهو ما يعنى بالضرورة ألا يكون مقدار
الأجر محددًا التواءً أو انحرافًا، فلا يمتاز بعض العمال عن بعض إلا بالنظر إلى
طبيعة الأعمال التى يؤدونها وأهميتها، فإذا كان عملهم واحدًا، فإن الأجر المقرر
لجميعهم ينبغى أن يكون متماثلاً، بما مؤداه أن قاعدة التماثل في الأجر للأعمال
ذاتها تفرضها وتقتضيها موضوعية الشروط التى يتحدد الأجر في نطاقها".
وحيث إن "ضمان الدستور للحق في الملكية
– وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - لا يقتصر على صون ما يكون قائمًا منها
فعلاً، وإنما تمتد حمايته إلى فرص كسبها، والأصل فيها الإطلاق، فلا يجوز تقييدها
دون ما ضرورة تقتضيها مصلحة مشروعة.
وحيث إن الدستور نص في المادة (18)
على أن "تلتزم الدولة بتحسين أوضاع الأطباء وهيئات التمريض والعاملين في القطاع
الصحى"، وعُنى بضمان توفير الرعاية الصحية لكل مواطن، وفقًا لمعايير الجودة،
بحسبانها العمود الفقرى للحياة الكريمة للإنسان، فأقر ذلك حقًا لكل مواطن، يستوجب
التزام الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى على الصحة لا يقل عن 3% من إجمالى
الناتج القومى، يتصاعد تدريجيًّا حتى تتفق مع المعدلات العالمية. وإذ كان ذلك محور
اهتمام الدستور ومبتغاه، فقد أفصح الدستور عن المفترض الرئيسى لضمان بلوغ هذا
الهدف، بإلقائه التزامًا على الدولة لتحسين أوضاع سائر العاملين في القطاع الصحى،
قاصدًا من ذلك توفير الدعائم الأساسية لتحقيق هذا الهدف. وهكذا فقد بات تحسين
أوضاعهم أحد التزامات الدولة التى ألقاها الدستور على عاتق المشرع، وسائر أجهزة
الدولة، كلّ في حدود اختصاصه.
متى كان ما تقدم، وكان نصا الفقرتين
الأولى والثانية من المادة (12) من قانون تنظيم شئون أعضاء المهن الطبية العاملين
بالجهات التابعة لوزارة الصحة والسكان من غير المخاطبين بقوانين أو لوائح خاصة
الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 14 لسنة 2014، قد قصرا صرف حافز المناطق
النائية على المغتربين وغير المغتربين من الفئات المبينة بنص تلك المادة، دون
الأطباء البيطريين وخريجى كليات العلوم من الكيميائيين والفيزيقيين المخاطبين
بأحكام القرار بالقانون ذاته، على ما جرى به نص المادة الأولى منه، فإن النصين
المطعون عليهما يكونان قد أقاما تمييزًا تحكميًّا منهيًّا عنه بين أصحــــــاب
مراكز قانونية ذات عناصر متكافئة، في خصوص سبب استحقـاق الحافـــز الفائت
بيانــــــه، ومن ثم يغدو هذان النصان قد أخلا بمبدأى المساواة والعدل، وجاءا
مصادمين للحق في العمل، ومفتئتين على حق الملكية الخاصة، مهدرين التزامًا على
الدولة بتحسين أوضاع العاملين في المجال الصحى، ولازمه مخالفتهما للمواد (4، 8،
12، 18، 35، 53) من دستور سنة 2014.
وحيث إنه نظرًا للارتباط الذى لا يقبل
الفصل أو التجزئة بين نصى الفقرتين الأولى والثانية من المادة (12) من قرار رئيس
الجمهورية بالقانون رقم 14 لسنة 2014 المشار إليه، وبين نص المادة (15) من قرار
وزارة الصحة والسكان رقم 236 لسنة 2014 بإصدار اللائحة التنفيذية لذلك القرار
بقانون، وإذ انتهت المحكمة فيما تقدم إلى عدم دستورية نصى الفقرتين الأولى
والثانية من المادة (12) المار بيانهما، فمن ثم يترتب على ذلك سقوط نص المادة (15)
من اللائحة التنفيذية المشار إليها في مجال تطبيق النصين المقضى بعدم دستوريتهما.
وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة
الدستورية العليا أن "إخطار المخاطبين بالقاعدة القانونية بمضمونها يعتبر
شرطًا لإنبائهم بمحتواها، وكان نفاذها من ثمَّ يفترض إعلانها من خلال نشرها، وحلول
الميعاد المحدد لبدء سريانها، وكان ذلك مؤداه: أن دخول القاعدة القانونية مرحلة
التنفيذ مرتبط بواقعتين تجريان معًا وتتكاملان، هما نشرها وانقضاء المدة التى
حددها المشرع لبدء العمل بها.
وحيث استقر قضاء هذه المحكمة على أن
"كل قاعدة قانونية لا تكتمل في شأنها الأوضاع الشكلية التى تطلبها الدستور
فيها، كتلك المتعلقة باقتراحها أو إقرارها أو إصدارها أو شروط نفادها، إنما تفقد
مقوماتها باعتبارها كذلك، فلا يستقيم بنيانها، وكان تطبيقها في شأن المشمولين
بحكمها – مع افتقارها لقوالبها الشكلية – لا يلتئم ومفهوم الدولة القانونية التى
لا يتصور وجودها ولا مشروعية مباشرتها لسلطاتها، بعيدًا عن خضوعها للقانون وسموه
عليها باعتباره قيدًا على كل تصرفاتها وأعمالها".
وحيث إن قرار وزير الصحة والسكان رقم
575 لسنة 2014 المشار إليه، قد صدر استنادًا إلى نص المادة (12) من قانون تنظيم
شئون أعضاء المهن الطبية العاملين بالجهات التابعة لوزارة الصحة والسكان من غير
المخاطبين بقوانين أو لوائح خاصة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 14
لسنة 2014، وقرار وزارة الصحة والسكان رقم 236 لسنة 2014 بإصدار اللائحة التنفيذية
للقانون المشار إليه، وقد تضمن قواعد عامة مجردة تناولت بالتنظيم الأوضاع الخاصة
لصرف حافز المناطق النائية المقرر بنص المادة (12) من قرار رئيس الجمهورية
بالقانون رقم 14 لسنة 2014 سالفة البيان، كما تضمن تعديل أحكام المادة (15) من
اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
وحيث إن الثابت من كتاب الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية المؤرخ
20/7/2017، عدم نشر قرار وزير الصحة والسكان رقم 575 لسنة 2014 المشار إليه
بالجريدة الرسمية، فلا يكون له وجود قانونًا، لعدم اكتمال مقومات نفاذه التي اعتبر
الدستور توافرها شرطًا لتنظيم الحقوق والحريات، والواجبات المتصلة بها، مما يكون
معه القرار المشار إليه مخالفًا لنصى المادتين (94، 225/1) من الدستور.
فلهــذه الأسبــاب
حكمت
المحكمة:
أولاً: بعدم دستورية نصى الفقرتين الأولى والثانية من
المادة (12) من قانون تنظيم شئون أعضاء المهن الطبية العاملين بالجهات التابعة
لوزارة الصحة والسكان من غير المخاطبين بقوانين أو لوائح خاصة الصادر بقرار رئيس
الجمهورية بالقانون رقم 14 لسنة 2014، فيما تضمناه من قصر صرف حافز مناطق نائية
على المغتربين وغير المغتربين من الفئات المخاطبة بحكم المادة الأولى من قرار رئيس
الجمهوريــة بالقانون المشار إليه دون الأطبـاء البيطريين وخريجي كليات العلوم من
الكيميائيين والفيزيقيين.
ثانيًا: بعدم دستورية قرار وزير الصحة والسكان رقم 575
لسنة 2014 بشأن صرف حافز مناطق نائية للمخاطبين بأحكام قرار رئيس الجمهورية
بالقانون رقم 14 لسنة 2014 المشار إليه.
ثالثًا: بسقوط نص المادة (15) من قرار وزارة الصحة
والسكان رقم 236 لسنة 2014 بإصدار اللائحة التنفيذية لقرار رئيس الجمهورية
بالقانون رقم 14 لسنة 2014 بتنظيم شئون أعضاء المهن الطبية، في مجال تطبيق نصى
الفقرتين الأولى والثانية من المادة (12) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون المشار
إليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق