القضية رقم 139 لسنة 29 ق " دستورية ".
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث عشر من يناير سنة 2018م،
الموافق السادس والعشرين من ربيع الآخر سنة 1439 هـ.
برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفى على جبالى ومحمد خيرى طه
النجار والدكتور عادل عمر شريف وحاتم حمد بجاتو والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان
والدكتور طارق عبد الجواد شبل نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / طارق عبدالعليم أبوالعطا رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية
المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 139 لسنة 29 قضائية " دستورية
".
المقامة من
محمود مصطفى بكري
ضــــــد
1 - رئيس الجمهورية
2 - رئيس مجلس الوزراء
3- رئيس مجلس الشعب
4 - النائب العام
5 - عبد الفتاح أحمد مصطفى الشريف
6 - د. إبراهيم الشريف
الإجــراءات
بتاريخ
الثلاثين من مايو سنة 2007، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة،
طالبًا الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة 200 مكررًا (أ) من قانون
العقوبات المضافة بالقانون رقم 147 لسنة 2006.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت
فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير
الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر
الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمــة
بعد الاطلاع
على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق -
فى أن المدعى عليهما الخامس والسادس حركا الدعوى الجنائية، فى الدعوى رقم 29134
لسنة 2006 جنح قسم ثان طنطا، بطريق الادعاء المباشر، قبل المدعى وآخرين، طلبًا
للحكم بمعاقبتهم بالمواد 302، 306، 307، 308، 200 مكررًا (أ) من قانون العقوبات،
وإلزامهم أن يؤدوا لهما مبلغ 2001 جنيها على سبيل التعويض المدني المؤقت، لأنهم في
السابع من أغسطس سنة 2006 - بدائرة قسم ثان طنطا: سبوا وقذفوا عائلة المدعيين
بالعبارات المنشورة بجريدتي الأسبوع والأهرام المسائي؛ بأن نشر المتهم الأول
تحقيقًا بجريدة الأسبوع، في العدد رقم 489، نسب فيه للعائلة الاستيلاء بغير حق على
أحد أكبر شوارع طنطا، وقد تقاعس المتهم الرابع "المدعى فى الدعوى
المعروضة"، حال كونه رئيس التحرير التنفيذي للصحيفة، عن واجباته فى الإشراف
على المتهم الأول، وعن تصحيح تلك المزاعم رغم إنذاره بذلك. وتدوولت الدعوى أمام
محكمة الجنح على النحو الثابت بمحاضر جلساتها، وبجلسة 12 من مارس سنة 2007 دفع
الحاضر عن المدعى بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة 200 مكررًا (أ) من
قانون العقوبات، فقررت المحكمة حجز الدعوى للحكم لجلسة 30 من إبريل سنة 2007،
وبتلك الجلسة قررت إعادة الدعوى للمرافعة لجلسة الرابع من يونيو سنة 2007، وصرحت
للمدعى بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة 200 مكررًا (أ) من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم
58 لسنة 1937، المضافة بالقانون رقم 147 لسنة 2006، تنص على أن : "يكون الشخص
الاعتباري مسئولاً بالتضامن مع المحكوم عليه من العاملين لديه عن الوفاء بما يحكم
به من التعويضات فى الجرائم التي ترتكب بواسطة الشخص الاعتباري من الصحف أو غيرهــا
من طرق النشر، ويكون مسئولاً بالتضامن عن الوفاء بما يحكـم به من عقوبات مالية إذا
وقعت الجريمة من رئيس التحرير أو المحرر المسئول.
وتكون مسئولية رئيس التحرير أو من يقوم مقامه فى الإشراف على النشر
مسئولية شخصية. ويعاقب على أى من الجرائم المشار إليها فى الفقرة السابقة بغرامة
لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه، وذلك إذا ثبت أن النشر كان
نتيجة إخلاله بواجب الإشراف".
وحيث إن قضاء هذه المحكمة، قد جرى على أن المصلحة الشخصية المباشرة،
وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية، مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة فى
الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية لازمًا للفصل فى
الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكانت
الدعوى الموضوعية تدور رحاها حول اتهام المدعى، حال كونه رئيس التحرير التنفيذي
لجريدة الأسبوع، بالإخلال بواجب الإشراف على النشر، مما مكن المتهم الأول من نشر
تحقيق بالجريدة تضمن قذفًا وسبًّا لعائلة المدعى عليهما الخامس والسادس، وهى
الجريمة المؤثمة بالفقرة الثانية من المادة 200 مكررًا (أ) من قانون العقوبات
المضافة بالقانون رقم 147 لسنة 2006، ومن ثم يتحدد نطاق الطعن فى نص هذه الفقرة.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه عدوانه على الحرية الشخصية؛
إذ عاقب من لم يقارف الجريمة التي أضرت بالمجنى عليه، ونيله من مبدأ شخصية العقوبة؛
بافتراضه مسؤولية رئيس التحرير، رغم عدم تحريره للتحقيق محل الجريمة أو مشاركته فى
تحريره، دون أن يلزم النيابة العامة بإثبات مسئوليته الجنائية، فضلاً عن إهدراه
حرية الرأى، والحق فى التعبير بالكتابة والنشر، وافتئاته على حرية الصحافة، وحقها
فى ممارسة رسالتها فى خدمة المجتمع بحرية واستقلال، مما يخالف المواد (41، 47، 48،
66، 207، 209، 210) من دستور 1971، الذى أقيمت الدعوى الدستورية فى ظل العمل
بأحكامه.
وحيث إن من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح
من حيث مطابقتهما للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام
الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً صون الدستور
المعمول به وحمايته من الخروج على أحكامه، باعتبار أن نصوص هذا الدستور تمثل
القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام
العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها
أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المطاعن التى وجهها المدعى للنص المطعون
فيه تندرج تحت المطاعن الموضوعية التى تقوم فى مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة
فى الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على
النص المطعون فيه - الذى مازال ساريًا ومعمولاً بأحكامه - من خلال أحكام الدستور
الحالى الصادر عام 2014.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الأصل فى الجريمة أن عقوبتها
لا يتحمل بها إلا من أدين كمسئول عنها، وهى عقوبة يجب أن تتوازن وطأتها مع طبيعة
الجريمة موضوعها، بما مؤداه أن الشخص لا يزر غير سوء عمله، وأن جريرة الجريمة لا
يؤاخذ بها إلا جناتها، ولا ينال عقابها إلا من قارفها، وأن شخصية العقوبة وتناسبها
مع الجريمة محلها مرتبطان بمن يُعد قانونًا مسئولاً عن ارتكابهـا، ومن ثم تفترض
شخصية العقوبة شخصية المسئولية الجنائية، بما يؤكد تلازمهما، ذلك أن الشخص لا يكون
مسئولاً عن الجريمة ولا تفرض عليه عقوبتها إلا باعتباره فاعلاً لها أو شريكًا
فيها، وهو ما يعبر عن العدالة الجنائية فى مفهومها الحق.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة، كذلك، أن الجريمة في مفهومها القانوني
تتمثل فى الإخلال بنص عقابي، وكان وقوعها لا يكون إلا بفعل أو امتناع يتحقق به هذا
الإخلال. وكان المشرع قد أثم، بالفقرة الثانية من المادة 200 مكررًا (أ) من قانون
العقوبات، إخلال رئيس التحرير، أو من يقوم مقامه، بمسئوليته الإشرافية، إذ نجم عن
هذا الإخلال ارتكاب جريمة بطريق النشر بواسطة الجريدة التي يتولى مسئولية رئاسة
تحريرها. وكانت المادة الرابعة والخمسون من القانون رقم 96 لسنة 1996 بشـأن تنظيم
الصحافة، قد أوجبت أن يكون لكل صحيفة رئيس تحرير مسئول، يشرف إشرافًا فعليًّا على
ما ينشر بها، وعليه فإن الجريمة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 200
مكررًا (أ) من قانون العقوبات تكون إحدى الجرائم غير العمدية، فلا تقع إلا إذا أخل
رئيس التحرير، بخطئه وإهماله، إخلالاً فعليًّا بواجبات الإشراف على العمل
بالمطبوعة التي يترأس تحريرها، مما ينجم عنه نشر ما يعد جريمة بتلك المطبوعة - وهو
ما أكدته الأعمال التحضيرية للقانون رقم 147 لسنة 2006 -، وبهذه المثابة؛ فإنه يجب
لإدانة رئيس التحرير، عن هذه الجريمة، أن يثبت، على وجه القطع واليقين: إهماله
وتقصيره في الاضطلاع بواجبه في الإشراف، وأن هذا الواجب داخل فى سلطاته، وكان فى
مقدوره القيام به، وأن جريمة النشر ما وقعت إلا نتيجة لهذا الإهمال والتقصير.
وتقدير كل هذه العناصر، في كل حالة على حدة، موكل للقاضي، يقدرها بمعيار ما يُنتظر
من الرجل العادي القيام به فى الظروف ذاتها التي وقعت فيها الجريمة المنسوبة
للمتهم، ويقع عبء إثبات أركان الجريمة، من فعل أو امتناع ونتيجة وخطأ، إثباتًا
كاملاً على عاتق النيابة العامة بحسبانها سلطة الاتهام. ومن ثم؛ فإن رئيس التحرير
لا يسأل إلا عن فعله شخصيًّا، وهو ما حرصت الفقرة المطعون عليها على توكيده إذ نصت
في صدرها على أن "وتكون مسئولية رئيس التحرير أو من يقوم مقامه في الإشراف
على النشر مسئولية شخصية". وعلى ذلك، فإن صياغة صدر النص المطعون عليه، تكون
قد كرست شخصية المسئولية، فلا يسأل عن الجريمة المنصوص عليها فيها سوى من قارفها
بالفعل، فالإثم شخصي لا يقبل الاستنابة، ليبرأ، بذلك، النص المطعون عليه من قالة
العدوان على الحرية الشخصية أو افتراض المسئولية الجنائية، ولا يكون قد خالف
المادتين (54/1، 95) من الدستور.
وحيث إن الدستور كفل بموجب المادة (65) حرية الرأي والحق فى التعبير،
كما صان بمقتضى نص المادتين (70، 71) منه للصحافة حريتها، وحظر رقابتها، إلا
استثناءً في زمن الرب أو التعبئة العامة، كما حظر مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها،
بما يحول كأصــل عام دون التدخل فى شئونها، أو إرهاقها بقيود ترد رسالتها على
أعقابها، أو إضعافها من خلال تقليص دورها فى بناء مجتمعها وتطويره، متوخيًا دومًا
أن يكرس بها قيمًا جوهرية، يتصدرها أن يكون الحوار بديلاً عن القهر والتسلط، ونافذة
لإطلال المواطنين على الحقائق التي لا يجوز حجبها عنهم، ومدخلاً لتعميق معلوماتهم
فلا يجوز طمسها أو تلوينها، بل يكون تقييمها عملاً موضوعيًّا محددًا لكل سلطة
مضمونها الحق وفقًا للدستور، فلا تكون ممارستها إلا توكيدًا لصفتها التمثيلية،
وطريقًا إلى حرية أبعد تتعدد مظاهرها وتتنوع توجهاتها· بل إن الصحافة تكفل للمواطن
دورًا فاعلاً، وعلى الأخص من خلال الفرص التي تتيحها معبرًا بوساطتها عن تلك
الآراء التي يؤمن بها individual self- expression ويحقق بها
تكامل شخصيته self – realization. بيد أن هذا الحق وتلك
الحرية، وهما من نسيج واحد، لا يتأبيان على التنظيم التشريعي، متى كان هذا التنظيم
دائرًا في الحدود التي تمنع ممارسة حرية الصحافة والرأي والحق فى التعبير من
مجاوزة التخوم الدستورية، فلا تنقلب عدوانًا على حقوق الأفراد، ونيلاً من كرامتهم،
وطعنًا فى أعراضهم، ومساسًا بحرماتهم، وافتئاتًا على حياتهم. وقد أكد ذلك نص
الفقرة الثانية من المادة (71) من الدستور التي حظرت، فيما عدا الجرائم المتعلقة
بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو بالطعن فى أعراض الأفراد، العقاب
على جرائم النشر بعقوبات سالبة للحرية، مما مؤداه تقرير الدستور حق المشرع فى
العقاب على جرائم النشر، شريطة ألا تصل العقوبة، فى غير ما استثنى النص، إلى
العقوبات السالبة للحرية. لما كان ذلك؛ وكان النص المطعون عليه قد عاقب رئيس
التحرير على إخلاله غير العمدى بواجبات الإشراف إذا نشأ عنها وقوع جريمة بطريق
النشر، فى المطبوعة التى يرأس تحريرها، بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز
عشرة آلاف جنيه، فإنه يكون قد وازن بين حريتي الصحافة والرأي، والحق في التعبير،
وبين حماية سمعة الأفراد وصون أعراضهم، ولم يجاوز حد العقاب المبين بالفقرة
الثانية من المادة (71) من الدستور؛ ولا يكون، من ثم، قد خالف نصوص المواد (65،
70، 71) من الدستور.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يخالف أى نص آخر فى الدستور.
فلهـذه الأسبـاب
حكمت المحكمة
برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل
أتعاب المحاماة.