الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 7 فبراير 2018

دستورية مسئولية الشخص الاعتباري عن جرائم الصحف والنشر و الوفاء بالعقوبات المالية .

القضية رقم 139 لسنة 29 ق " دستورية ".
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث عشر من يناير سنة 2018م، الموافق السادس والعشرين من ربيع الآخر سنة 1439 هـ.
برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفى على جبالى ومحمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وحاتم حمد بجاتو والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبد الجواد شبل         نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / طارق عبدالعليم أبوالعطا رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع      أمين السر
أصدرت الحكم الآتى

      فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 139 لسنة 29 قضائية " دستورية ".


المقامة من

محمود مصطفى بكري
ضــــــد
1 - رئيس الجمهورية
2 - رئيس مجلس الوزراء
3- رئيس مجلس الشعب
4 - النائب العام
5 - عبد الفتاح أحمد مصطفى الشريف
6 - د. إبراهيم الشريف
الإجــراءات
 بتاريخ الثلاثين من مايو سنة 2007، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة 200 مكررًا (أ) من قانون العقوبات المضافة بالقانون رقم 147 لسنة 2006.
    وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمــة
  بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - فى أن المدعى عليهما الخامس والسادس حركا الدعوى الجنائية، فى الدعوى رقم 29134 لسنة 2006 جنح قسم ثان طنطا، بطريق الادعاء المباشر، قبل المدعى وآخرين، طلبًا للحكم بمعاقبتهم بالمواد 302، 306، 307، 308، 200 مكررًا (أ) من قانون العقوبات، وإلزامهم أن يؤدوا لهما مبلغ 2001 جنيها على سبيل التعويض المدني المؤقت، لأنهم في السابع من أغسطس سنة 2006 - بدائرة قسم ثان طنطا: سبوا وقذفوا عائلة المدعيين بالعبارات المنشورة بجريدتي الأسبوع والأهرام المسائي؛ بأن نشر المتهم الأول تحقيقًا بجريدة الأسبوع، في العدد رقم 489، نسب فيه للعائلة الاستيلاء بغير حق على أحد أكبر شوارع طنطا، وقد تقاعس المتهم الرابع "المدعى فى الدعوى المعروضة"، حال كونه رئيس التحرير التنفيذي للصحيفة، عن واجباته فى الإشراف على المتهم الأول، وعن تصحيح تلك المزاعم رغم إنذاره بذلك. وتدوولت الدعوى أمام محكمة الجنح على النحو الثابت بمحاضر جلساتها، وبجلسة 12 من مارس سنة 2007 دفع الحاضر عن المدعى بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة 200 مكررًا (أ) من قانون العقوبات، فقررت المحكمة حجز الدعوى للحكم لجلسة 30 من إبريل سنة 2007، وبتلك الجلسة قررت إعادة الدعوى للمرافعة لجلسة الرابع من يونيو سنة 2007، وصرحت للمدعى بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة 200 مكررًا (أ) من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937، المضافة بالقانون رقم 147 لسنة 2006، تنص على أن : "يكون الشخص الاعتباري مسئولاً بالتضامن مع المحكوم عليه من العاملين لديه عن الوفاء بما يحكم به من التعويضات فى الجرائم التي ترتكب بواسطة الشخص الاعتباري من الصحف أو غيرهــا من طرق النشر، ويكون مسئولاً بالتضامن عن الوفاء بما يحكـم به من عقوبات مالية إذا وقعت الجريمة من رئيس التحرير أو المحرر المسئول.
وتكون مسئولية رئيس التحرير أو من يقوم مقامه فى الإشراف على النشر مسئولية شخصية. ويعاقب على أى من الجرائم المشار إليها فى الفقرة السابقة بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه، وذلك إذا ثبت أن النشر كان نتيجة إخلاله بواجب الإشراف".
وحيث إن قضاء هذه المحكمة، قد جرى على أن المصلحة الشخصية المباشرة، وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية، مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية لازمًا للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكانت الدعوى الموضوعية تدور رحاها حول اتهام المدعى، حال كونه رئيس التحرير التنفيذي لجريدة الأسبوع، بالإخلال بواجب الإشراف على النشر، مما مكن المتهم الأول من نشر تحقيق بالجريدة تضمن قذفًا وسبًّا لعائلة المدعى عليهما الخامس والسادس، وهى الجريمة المؤثمة بالفقرة الثانية من المادة 200 مكررًا (أ) من قانون العقوبات المضافة بالقانون رقم 147 لسنة 2006، ومن ثم يتحدد نطاق الطعن فى نص هذه الفقرة.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه عدوانه على الحرية الشخصية؛ إذ عاقب من لم يقارف الجريمة التي أضرت بالمجنى عليه، ونيله من مبدأ شخصية العقوبة؛ بافتراضه مسؤولية رئيس التحرير، رغم عدم تحريره للتحقيق محل الجريمة أو مشاركته فى تحريره، دون أن يلزم النيابة العامة بإثبات مسئوليته الجنائية، فضلاً عن إهدراه حرية الرأى، والحق فى التعبير بالكتابة والنشر، وافتئاته على حرية الصحافة، وحقها فى ممارسة رسالتها فى خدمة المجتمع بحرية واستقلال، مما يخالف المواد (41، 47، 48، 66، 207، 209، 210) من دستور 1971، الذى أقيمت الدعوى الدستورية فى ظل العمل بأحكامه.
وحيث إن من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح من حيث مطابقتهما للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً صون الدستور المعمول به وحمايته من الخروج على أحكامه، باعتبار أن نصوص هذا الدستور تمثل القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المطاعن التى وجهها المدعى للنص المطعون فيه تندرج تحت المطاعن الموضوعية التى تقوم فى مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة فى الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون فيه - الذى مازال ساريًا ومعمولاً بأحكامه - من خلال أحكام الدستور الحالى الصادر عام 2014.

وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الأصل فى الجريمة أن عقوبتها لا يتحمل بها إلا من أدين كمسئول عنها، وهى عقوبة يجب أن تتوازن وطأتها مع طبيعة الجريمة موضوعها، بما مؤداه أن الشخص لا يزر غير سوء عمله، وأن جريرة الجريمة لا يؤاخذ بها إلا جناتها، ولا ينال عقابها إلا من قارفها، وأن شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها مرتبطان بمن يُعد قانونًا مسئولاً عن ارتكابهـا، ومن ثم تفترض شخصية العقوبة شخصية المسئولية الجنائية، بما يؤكد تلازمهما، ذلك أن الشخص لا يكون مسئولاً عن الجريمة ولا تفرض عليه عقوبتها إلا باعتباره فاعلاً لها أو شريكًا فيها، وهو ما يعبر عن العدالة الجنائية فى مفهومها الحق.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة، كذلك، أن الجريمة في مفهومها القانوني تتمثل فى الإخلال بنص عقابي، وكان وقوعها لا يكون إلا بفعل أو امتناع يتحقق به هذا الإخلال. وكان المشرع قد أثم، بالفقرة الثانية من المادة 200 مكررًا (أ) من قانون العقوبات، إخلال رئيس التحرير، أو من يقوم مقامه، بمسئوليته الإشرافية، إذ نجم عن هذا الإخلال ارتكاب جريمة بطريق النشر بواسطة الجريدة التي يتولى مسئولية رئاسة تحريرها. وكانت المادة الرابعة والخمسون من القانون رقم 96 لسنة 1996 بشـأن تنظيم الصحافة، قد أوجبت أن يكون لكل صحيفة رئيس تحرير مسئول، يشرف إشرافًا فعليًّا على ما ينشر بها، وعليه فإن الجريمة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 200 مكررًا (أ) من قانون العقوبات تكون إحدى الجرائم غير العمدية، فلا تقع إلا إذا أخل رئيس التحرير، بخطئه وإهماله، إخلالاً فعليًّا بواجبات الإشراف على العمل بالمطبوعة التي يترأس تحريرها، مما ينجم عنه نشر ما يعد جريمة بتلك المطبوعة - وهو ما أكدته الأعمال التحضيرية للقانون رقم 147 لسنة 2006 -، وبهذه المثابة؛ فإنه يجب لإدانة رئيس التحرير، عن هذه الجريمة، أن يثبت، على وجه القطع واليقين: إهماله وتقصيره في الاضطلاع بواجبه في الإشراف، وأن هذا الواجب داخل فى سلطاته، وكان فى مقدوره القيام به، وأن جريمة النشر ما وقعت إلا نتيجة لهذا الإهمال والتقصير. وتقدير كل هذه العناصر، في كل حالة على حدة، موكل للقاضي، يقدرها بمعيار ما يُنتظر من الرجل العادي القيام به فى الظروف ذاتها التي وقعت فيها الجريمة المنسوبة للمتهم، ويقع عبء إثبات أركان الجريمة، من فعل أو امتناع ونتيجة وخطأ، إثباتًا كاملاً على عاتق النيابة العامة بحسبانها سلطة الاتهام. ومن ثم؛ فإن رئيس التحرير لا يسأل إلا عن فعله شخصيًّا، وهو ما حرصت الفقرة المطعون عليها على توكيده إذ نصت في صدرها على أن "وتكون مسئولية رئيس التحرير أو من يقوم مقامه في الإشراف على النشر مسئولية شخصية". وعلى ذلك، فإن صياغة صدر النص المطعون عليه، تكون قد كرست شخصية المسئولية، فلا يسأل عن الجريمة المنصوص عليها فيها سوى من قارفها بالفعل، فالإثم شخصي لا يقبل الاستنابة، ليبرأ، بذلك، النص المطعون عليه من قالة العدوان على الحرية الشخصية أو افتراض المسئولية الجنائية، ولا يكون قد خالف المادتين (54/1، 95) من الدستور.
وحيث إن الدستور كفل بموجب المادة (65) حرية الرأي والحق فى التعبير، كما صان بمقتضى نص المادتين (70، 71) منه للصحافة حريتها، وحظر رقابتها، إلا استثناءً في زمن الرب أو التعبئة العامة، كما حظر مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها، بما يحول كأصــل عام دون التدخل فى شئونها، أو إرهاقها بقيود ترد رسالتها على أعقابها، أو إضعافها من خلال تقليص دورها فى بناء مجتمعها وتطويره، متوخيًا دومًا أن يكرس بها قيمًا جوهرية، يتصدرها أن يكون الحوار بديلاً عن القهر والتسلط، ونافذة لإطلال المواطنين على الحقائق التي لا يجوز حجبها عنهم، ومدخلاً لتعميق معلوماتهم فلا يجوز طمسها أو تلوينها، بل يكون تقييمها عملاً موضوعيًّا محددًا لكل سلطة مضمونها الحق وفقًا للدستور، فلا تكون ممارستها إلا توكيدًا لصفتها التمثيلية، وطريقًا إلى حرية أبعد تتعدد مظاهرها وتتنوع توجهاتها· بل إن الصحافة تكفل للمواطن دورًا فاعلاً، وعلى الأخص من خلال الفرص التي تتيحها معبرًا بوساطتها عن تلك الآراء التي يؤمن بها individual self- expression  ويحقق بها تكامل شخصيته   self – realization. بيد أن هذا الحق وتلك الحرية، وهما من نسيج واحد، لا يتأبيان على التنظيم التشريعي، متى كان هذا التنظيم دائرًا في الحدود التي تمنع ممارسة حرية الصحافة والرأي والحق فى التعبير من مجاوزة التخوم الدستورية، فلا تنقلب عدوانًا على حقوق الأفراد، ونيلاً من كرامتهم، وطعنًا فى أعراضهم، ومساسًا بحرماتهم، وافتئاتًا على حياتهم. وقد أكد ذلك نص الفقرة الثانية من المادة (71) من الدستور التي حظرت، فيما عدا الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو بالطعن فى أعراض الأفراد، العقاب على جرائم النشر بعقوبات سالبة للحرية، مما مؤداه تقرير الدستور حق المشرع فى العقاب على جرائم النشر، شريطة ألا تصل العقوبة، فى غير ما استثنى النص، إلى العقوبات السالبة للحرية. لما كان ذلك؛ وكان النص المطعون عليه قد عاقب رئيس التحرير على إخلاله غير العمدى بواجبات الإشراف إذا نشأ عنها وقوع جريمة بطريق النشر، فى المطبوعة التى يرأس تحريرها، بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه، فإنه يكون قد وازن بين حريتي الصحافة والرأي، والحق في التعبير، وبين حماية سمعة الأفراد وصون أعراضهم، ولم يجاوز حد العقاب المبين بالفقرة الثانية من المادة (71) من الدستور؛ ولا يكون، من ثم، قد خالف نصوص المواد (65، 70، 71) من الدستور.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يخالف أى نص آخر فى الدستور.
فلهـذه الأسبـاب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

دستورية نظام الادعاء المباشر في الجنح (بخصوص تكافؤ الفرص والمساواة وتحريك الدعوى الجنائية)


في القضية رقم 39 لسنة 27 ق " دستورية ".
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث عشر من يناير سنة 2018م، الموافق السادس والعشرين من ربيع الآخر سنة 1439 هـ.
برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق             رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفى على جبالى ومحمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبد الجواد شبل     نواب رئيس المحكمة
وحضور    السيد المستشار / طارق عبدالعليم أبو العطا          رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع                            أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
      فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 39 لسنة 27 قضائية " دستورية ".
المقامة من
...........
ضــــــد
1 - وزير العـــــــــدل
2 - رئيس مجلس الــوزراء
3 - ........
الإجراءات
 بتاريخ الثامن من شهر فبراير سنة 2005، أودعت المدعية صحيفة الدعوى المعروضة قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبت في ختامها الحكم بعدم دستورية نص المادة (232) من قانون الإجراءات الجنائية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمــــة
 بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
 حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – فى أن المدعى عليه الأخير كان قد أقام ضد المدعية، بطريق الادعاء المباشر الجنحة رقم 2803 لسنة 2003، أمام محكمة جنح الزيتون، بطلب الحكم بمعاقبتها بمقتضى نص المادة (341) من قانون العقوبات، وإلزامها بأن تؤدى إليه تعويضًا مؤقتًا مقداره 2001 جنيه، لتصرفها بالبيع في السيارة 274092 ملاكي القاهرة، والمحجوز عليها قضائيًّا لصالحه، والمعينة عليها حارسًا. وبجلسة 9/3/2003 قضت المحكمة غيابيًّا بحبس المدعية شهرين، وكفالة خمسمائة جنيه لإيقاف التنفيذ، مع إلزامها بأن تؤدى للمدعى عليه الأخير مبلغ التعويض المدني المؤقت المطالب به. عارضت المدعية فى هذا الحكم، وبجلسة 15/6/2003 قضت المحكمة برفض المعارضة، فطعنت على هذا الحكم بطريق الاستئناف أمام محكمة جنح مستأنف الزيتون، بالاستئناف رقم 10768 لسنة 2003، وبجلسة 25/12/2004 دفعت المدعية بعدم دستورية نص المادة (232) من قانون الإجراءات الجنائية، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعية بإقامة الدعوى الدستورية، أقامت الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة (232) من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950، المعدلة بالقانون رقم 170 لسنة 1981 تنص على أن "تحال الدعوى إلى محكمة الجنح والمخالفات بناء على أمر يصدر من قاضى التحقيق أو محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة أو بناء على تكليف المتهم مباشرة بالحضور من قبل أحد أعضاء النيابة العامة أو من المدعى بالحقوق المدنية.
ويجوز الاستغناء عن تكليف المتهم بالحضور إذا حضر بالجلسة ووجهت إليه التهمة من النيابة العامة وقبل المحاكمة.
ومع ذلك فلا يجوز للمدعى بالحقوق المدنية أن يرفع الدعوى إلى المحكمة بتكليف خصمه مباشرة بالحضور أمامها في الحالتين الآتيتين:
 (أولاً) إذا صدر أمر من قاضى التحقيق أو النيابة العامة بأن لا وجه لإقامة الدعوى ولم يستأنف المدعى بالحقوق المدنية هذا الأمر في الميعاد
أو استأنفه فأيدته محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة.
  (ثانيًا) إذا كانت الدعوى موجهة ضد موظف أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط لجريمة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها ما لم تكن من الجرائم المشار إليها في المادة 123 من قانون العقوبات".
      وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يتحقق ارتباط بينها وبين المصلحة التي تقوم عليها الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسائل الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكانت المدعية قد أقيم ضدها بطريق الادعاء المباشر جنحة التبديد المعاقب عليها بالمادة (341) من قانون العقوبات، وصدر ضدها حكم بالحبس والتعويض المدني المؤقت. وكان سند المدعى المدني في إقامة دعواه نص الفقرة الأولى من المادة (232) من قانون الإجراءات الجنائية، ومن ثم فإن المصلحة الشخصية المباشرة للمدعية تكون متحققة في الطعن على هذا النص، فيما تضمنه من أن تحال الدعوى إلى محكمة الجنح والمخالفات بناء على تكليف المتهم مباشرة بالحضور من المدعى بالحقوق المدنية، وذلك في غير الجرائم المتعلقة بالأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها، الواردة بنص المادة (67) من الدستور الحالي، والتي تخرج عن نطاق الدعوى المعروضة، إذ يكون للفصل في دستورية نص المادة (232) المشار إليها - فى حدود النطاق المتقدم - أثره وانعكاسه على وسيلة اتصال الدعوى الجنائية بمحكمة الموضوع، ومن ثم اختصاصها بالفصل في الطلبات المطروحة فيها.
  وحيث إن المدعية تنعى على النص المطعون عليه، في النطاق المشار إليه، مخالفته لأحكام المواد (8، 40، 70) من دستور سنة 1971، قولاً منها إن ذلك النص بإجازته تكليف المتهم بالحضور أمام محكمة الجنح مباشرة دون تحقيق من النيابة أو أي من جهات التحقيق يحرمه من جزء من الضمانات، ومن حقه في الدفاع في مرحلة التحقيق، فضلاً عن إمكانية التظلم والطعن على القرارات الصادرة من جهة التحقيق، بما يتضمن تمييزًا غير مبرر يتنافى مع مبدأي تكافؤ الفرص والمساواة بين المتهمين فى الجنح المختلفة.
  وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي نظمها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلاً - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه، ذلك أن نصوص هذا الدستور تمثل القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصـدارة بين قواعد النظام العام، التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهتها المدعية للنص المطعون فيه تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها القضائية على دستورية النص المطعون عليه - الذى مازال قائمًا ومعمولاً بأحكامه - من خلال أحكام الدستور الحالي الصادر سنة 2014 باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
      وحيث إن الدستور القائم لم يأت بما يخالف ما أوردته المدعية بشأن المبادئ الدستورية الحاكمة للنص المطعون عليه في دستور سنة 1971، فالثابت أن المادة (8) فى شأن كفالة الدولة لتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، والمادة (40) بشأن المساواة بين المواطنين، والمادة (70) في شأن عدم جواز إقامة الدعوى الجنائية إلا من جهة قضائية فيما عدا الأحوال التي يحددها القانون، التي وردت في دستور سنة 1971، تطابق في مجملها الأحكام الواردة في المواد (4، 9، 53، 189/1) من الدستور القائم.
      وحيث إن الدستور الحالي قد حرص فى المادة (4) منه على النص على مبدأ تكافؤ الفرص، باعتباره من الركائز الأساسية التي يقوم عليها بناء المجتمع، والحفاظ على وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك جعل الدستور بمقتضى نص المادة (9) منه تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، لا تستطيع منه فكاكًا. وقوام هذا المبدأ - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الفرص التي كفلها الدستور للمواطنين فيما بينهم تفترض تكافؤها، وتدخل الدولة إيجابيًّا لضمان عدالة توزيعها بين من يتزاحمون عليها، وضرورة ترتيبهم بالتالي فيما بينهم على ضوء قواعد يمليها التبصر والاعتدال؛ وهو ما يعنى أن موضوعية شروط النفاذ إليها، مناطها تلك العلاقة المنطقية التي تربطها بأهدافها، فلا تنفصل عنها.
وحيث إن الدستور الحالي قد اعتمد كذلك بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، وفى الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهـــم لأى سبب، إلا أن ذلك لا يعنى - وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادتين (4، 53) المشار إليهما، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذى يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون عليه - بما انطوى عليه من تمييز - مصادمًا لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقًا ربطه بها أو اعتباره مدخلاً إليها فإن التمييز يكون تحكميًّا وغير مستند بالتالي إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة.
      وحيث إن ضمان الدستور لحق التقاضي - بنص المادة (97) منه - مؤداه ألا يعزل الناس جميعهم أو فريق منهم أو أحدهم من النفاذ إلى جهة قضائية تكفل بتشكيلها، وقواعد تنظيمها، ومضمون القواعد الموضوعية والإجرائية المعمول بها أمامها حدًّا أدنى من الحقوق التي لا يجوز إنكارها عمن يلجون أبوابها، ضمانًا لمحاكمتهم إنصافًا. وكان لحق التقاضي غاية نهائية يتوخاها تمثلها الترضية القضائية التي يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها لجبر الأضرار التي أصابتهم من جراء العدوان على حقوق يطلبونها، فإن أرهقها المشرع بقيود تُعسر الحصول عليها أو تحول دونها، كان ذلك إخلالاً بالحماية التي كفلها الدستور لهذا الحق.
      وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق - ومن بينها حق التقاضي - أنها سلطة تقديرية جوهرها المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم، لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنًا. وليس ثمة قيد على مباشرة المشرع لسلطته هذه، إلا أن يكون الدستور قد فرض في شأن ممارستها ضوابط محددة تُعَدُّ تخومًا لها ينبغي التزامها.
      وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى كذلك على أن التنظيم التشريعي لحق التقاضي لا يناقض وجود هذا الحق وفق أحكـــام الدستور، وأن هـــــــذا التنظيم لا يتقيد بأشكال جامدة لا يريم المشرع عنها تفرغ قوالبها في صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز أن تغاير فيما بينها، وأن يقدر لكل حالة ما يناسبها، على ضوء مفاهيم متطـورة تقتضيها الأوضاع التي تباشر هذا الحق عملاً فى نطاقها، وبما لا يصل إلى حد إهداره، ليظل هذا التنظيم مرنًا، فلا يكون إفراطًا يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافًا عن أهدافها، ولا تفريطًا مجافيًا لمتطلباتها، بل بين هذين الأمرين قوامًا التزامًا بمقاصدها، باعتبارها شكلاً للحماية القضائية للحق في صورتها الأكثر اعتدالاً.
      وحيث إن الدستور جعل بمقتضى نص المادة (189) منه سلطة التحقيق وتحريك ومباشرة الدعوى الجنائية، حقًّا أصيلاً للنيابة العامة، عدا الحالات التي يستثنيها القانون، وفى هذا الإطار أجاز النص المطعون فيه أن تحال الدعوى إلى محكمة الجنح والمخالفات بناء على تكليف المتهم بالحضور من المدعى بالحقوق المدنية، رغبة منه في إيجاد توازن بين حق النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية باعتبارها نائبًا قانونيًّا عن المجتمع، جبرًا للضرر العام الذى ينشأ عن الجريمة، وبين حق المدعى بالحقوق المدنية في تحريك الدعوى الجنائية الناشئة عن الفعل المخالف للقانون، بما يمثل نوعًا من الرقابة على سلطة النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية، تفاديًا لإساءتها استعمال سلطتها هذه بالامتناع عن مباشرتها دون مقتض، وتحقيقًا للمصلحة العامة، بوصف أن إقامة الدعوى الجنائية بالطريق المباشر في هذه الحالة، يُعد حقًّا للمضرور، كفله له الدستور بمقتضى نص المادة (99) منه، في حالة الاعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون، وكذا فى حالة امتناع الموظفين العموميين عن تنفيذ الأحكام القضائية أو تعطيل تنفيذها طبقًا لنص المادة (100) من الدستور، وكذلك ما خولته الفقرة الأولى من المادة (189) من الدستور، للمشرع من تحديد الحالات التي يجوز فيها لغير النيابة العامة تحريك الدعوى الجنائية، وكل ذلك عدا ما استثناه الدستور بنص المادة (67) منه، بشأن تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها، والتي قصرها في هذه الحالة على النيابة العامة وحدها.
      وحيث إن النص المطعون فيه - فى حدود نطاقه المتقدم - قد تضمن قواعد عامة مجردة لا تقيم تمييزًا من أى نوع بين المخاطبين بأحكامه، كما أنه باعتباره الوسيلة التي سنها المشرع لتحقيق الأهداف التي رصدها لهذا التنظيم، يرتبط بتلك الغايات ارتباطًا منطقيًّا وعقليًّا، ومن ثم يكون فيما قرره من أحكام مستندًا إلى أسس موضوعية تبرره، ولا يتضمن تمييزًا تحكميًّا مما حظر الدستور، ليضحى هذا النص غير مصادم لمبدأى تكافؤ الفرص والمساواة، التي حرص الدستور على كفالتهما فى المواد (4، 9، 53) منه .
      ولا ينال من ذلك القول بأن الادعاء المباشر قد يساء استعماله على نحو يهدد الأبرياء بملاحقتهـم أمام القضاء الجنائي دون رقابة من سلطات التحقيق أو الإحالة، وقد يؤدى ذلك إلى رفع الدعاوى الكيدية والتشهير بالآخرين، خاصة أن الادعاء المباشر لا يتضمن مرحلة الاستدلال والتحقيق في الدعوى، وهى مرحلة مهمة لجمع الأدلة وتمحيصها لعرضها على سلطات التحقيق ثم القضاء، فضلاً عن أن الدعوى المباشرة قد تجعل الدعوى الجنائية غير مكتملة الأركان، وقد تخلو من الدليل اللازم للحكم فيها، مما يلقى مزيدًا من العبء على القاضي الذى قد يلتزم بتحقيق الدعوى وصولاً للحكم فيها، فذلك في مجمله مردود بأن الشارع حين منح المدعى بالحقوق المدنية هذا الحق، حرص على تقييد نطاق الدعوى المباشرة وقصره على الجنح والمخالفات، فضلاً عن ذلك فقد أحاط المشرع في قانون الإجراءات الجنائية هذا الحق بعدد من الضوابط، التي تحفظ على العدالة حسن سيرها، والحد في التعسف في استعمال هذا الحق، فوفقًا لنص المادة (251 مكررًا) من ذلك القانون المضافة بالقانون رقم 174 لسنة 1998، فإن تحريك الدعوى الجنائية بالطريق المباشر، قاصر على من يلحقه ضرر شخصي مباشر ناشئ عن الجريمة والمحقق الوقوع حالاً أو مستقبلاً. وأجازت الفقرة الرابعة من المادة (63) من القانون المشار إليه للمتهم عند رفع الدعوى عليه بالطريق المباشر أن ينيب عنه وكيلاً في أية مرحلة كانت عليها الدعوى لتقديم دفاعه، وأجازت المادة (267) من ذلك القانون للمتهم أن يطالب المدعى بالحقوق المدنية أمام المحكمة الجنائية بتعويض الضرر الذى لحقه بسبب رفع الدعوى إن كان لذلك وجه، وله كذلك أن يقيم عليه لذات السبب الدعوى المباشرة أمام المحكمة ذاتها بتهمة البلاغ الكاذب إن كان لذلك وجه، وذلك بتكليفه مباشرة بالحضور أمامها. كما أجازت المادة (260/1) من ذلك القانون للمدعى بالحقوق المدنية أن يترك دعواه في أية حالة كانت عليها الدعوى، مع عدم الإخلال بحق المتهم في التعويضات إن كان لها وجه، وأوجبت الفقرة الثانية مـن تلك المادة في حالة تـرك الدعوى المدنية أو اعتبار المدعى بالحقوق المدنية تاركًا لها، الحكم بانقضاء الدعوى الجنائية. وتوسعت المادة (261) منه في الحالات التي يعتبر فيها المدعى بالحقوق المدنية تاركًا لدعواه، وتشمل عدم حضوره أمام المحكمة بغير عذر مقبول أو عدم إرساله وكيلاً عنه، وكذلك عدم إبدائه طلبات بالجلسة.
      وحيث إنه فضلاً عما تقدم، فإن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا، أن المشرع الجنائي، وإن خول المدعى بالحقوق المدنية في بعض الجرائم التي يجوز فيها الادعاء المباشر سلطة تحريك الدعوى العمومية الناشئة عن الفعل المخالف للقانون، إلا أن هذه السلطة تقف عند مجرد تحريك الدعوى الجنائية، طلبًا لحقوق مدنية بطبيعتها، أما مباشرة هذه الدعوى فمنوط بالنيابة العامة وحدها باعتبارها السلطة الأصيلة التي أولاها الدستور هذا الاختصاص طبقًا لنص المادة (189) منه، ويقتصر دور المدعى بالحقوق المدنية على دعواه المدنية، والتي يدخل فيهـا بصفته مضرورًا من الجريمة التي وقعت، طالبًا بتعويضه مدنيًّا عن الضـرر الذى لحق به، فدعـواه مدنية بحتة ولا علاقة لها بالدعوى الجنائية إلا تبعيتها لها، ومن ثم يكون النص المطعون فيه - فى حدود النطاق المتقدم - غير مخالف لنصوص المواد (97، 99، 100، 189) من الدستور.
 وحيث إن النص المطعون عليه في الإطار المشار إليه، لا يخالف أي أحكام أخرى في الدستور، مما يتعين معه القضاء برفض هذه الدعوى.
فلهذه الأسباب
  حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعية المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

عدم دستورية تشكيل لجان تعويضات النقل العام للركاب بالسيارات في القاهرة


القضية رقم 16 لسنة 25 ق " دستورية "
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث عشر من يناير سنة 2018م، الموافق السادس والعشرين من ربيع الآخر سنة 1439 هـ.
برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق             رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: السيد عبدالمنعم حشيــش وسعيد مرعى عمرو وبولس فهمى إسكندر والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبد الجواد شبل     نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / طارق عبدالعليم أبو العطا  رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع        أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
      فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 16 لسنة 25 قضائية " دستورية " بعد أن أحالت المحكمة الإدارية العليا - الدائرة الأولى - بقرارها الصادر بجلسة 2/11/2002 ملف الطعن رقم 2898 لسنة 34 قضائية عليا.
المقام من
ورثة المرحوم / .......، وهم :
.............
ضــد
1 - وزير الحكم المحلى
2 - محافظ القاهرة
الإجراءات
  بتاريخ الثامن من يناير سنة 2003، ورد إلى قلم كتاب هذه المحكمة ملف الطعن رقم 2898 لسنة 34 قضائية. عليا، بعد أن قضت المحكمة الإدارية العليا بجلسة الثاني من نوفمبر سنة 2002 بوقف الطعن، وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية الفقرة الأخيرة من المادتين (6، 6 مكررًا) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 155 لسنة 1960 بشأن التزامات النقل العام للركاب بالسيارات في مدينة القاهرة المعدل بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 224 لسنة 1960.
      وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها أصليًّا : الحكم بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، واحتياطيًّا : بعدم قبول الدعوى بشقيها، ومن باب الاحتياط برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
  ونُظرت الدعوى، على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمــــة
      بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة .
      حيث إن الوقائع تتحصـل – على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – فى أن عبد اللطيف راضي أبو رجيلة (مورث الطاعنين في الدعوى الموضوعية) كان قد أقام الدعوى رقم 2489 لسنة 37 قضائية، أمام محكمة القضاء الإداري، ضد المدعى عليهما فى تلك الدعوى، بطلب الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار لجنة تقدير تعويض والتزامات شركات الأتوبيس، الصادر بتاريخ 28/5/1975، بتحديد صافى مديونيـته لمحافظة القاهرة فى تاريخ إسقاط الالتزام، بمبلـغ 3,430,382,444 جنيه، وإلغاء قرار وزير الإدارة المحلية رقم 310 لسنة 1969 بتشكيل لجنة تقدير التعويض والالتزامات المنصوص عليها في القرار بقانون رقم 155 لسنة 1960، الخاصة بإسقاط الالتزام عن شركات الأتوبيس، والمشكلة بالنسبة لخطوط القاهرة (أبو رجيلة)، مع ما يترتب على ذلك من آثار. وذلك على سند من أنه عقب صدور قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 155 لسنة 1960 بإسقاط كافة الالتزامات والتراخيص الممنوحة لمؤسسة خطوط القاهرة (أبو رجيلة) وغيرها الخاصة بإدارة واستغلال خطوط الأتوبيس بمدينة القاهرة، غادر المدعى جمهورية مصر العربية، وفرضت الحراسة الإدارية على أمواله بالأمر رقم 140 لسنة 1961، وفى تاريخ لاحق تم رفع تلك الحراسة، وبعد عودته لمصر، فوجئ في فبراير سنة 1983، عند تسلمه البيان رقم 192/2 الصادر من جهاز تصفية الحراسات عن مركزه المالي، بتوقيع الحجز على أمواله من محافظة القاهرة وفاءً لمبلغ 3,430,382,444 جنيه، بمقولة أنه يمثل المديونية التي صدر بها قرار لجنة تقدير الالتزامات المشكلة بموجب قرار وزير الإدارة المحلية والقروية رقم 310 لسنة 1969، وتبين له أن ذلك القرار خالف نص المادة (6) من القرار بقانون رقم 155 لسنة 1960، لعدم ضم ممثل له فى تشكيل اللجنة، باعتباره الملتزم السابق، وأن اللجنة رفضت طلب محافظة القاهرة بوقف أعمال اللجنة لتصحيح التشكيل، الأمر الذى ارتأى معه مورث المدعين بطلان قرار تلك اللجنة بتحديد مديونيته، فأقام دعواه الموضوعية بطلباته المتقدمة. وبجلسة الحادي والعشرين من يونيو سنة 1988 قضت محكمة القضاء الإداري برفض الدعوى، وإذ لم يرتض مورث المدعين هذا القضاء، طعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعن رقـم 2898 لسنة 34 قضائية عليـا، وتم تصحيح شكل الدعوى، وبجلسة الثاني مــن نوفمبر سنة 2002، قضـت المحكمة بوقف الطعن، وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية الفقـرة الأخيرة من المادتين (6، 6 مكررًا) من القرار بقانون رقم 155 لسنة 1960 المشار إليه المعدل بالقرار بقانون رقم 224 لسنة 1960.
   وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن تقرير اختصاصها ولائيًّا بنظر الدعوى يسبق الخوض في شروط قبولها أو موضوعها. ولما كان الدستور الحالي قد عهد بنص المادة (192) منه إلى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها بتولي الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، وكان قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، قد بين اختصاصاتها، وحدد ما يدخل فى ولايتها حصرًا، مستبعدًا من مهامها ما لا يندرج تحتها، فخولها بمقتضى نص الدستور والمادة (25) من قانون المحكمة، اختصاصًا منفردًا بالرقابة على دستورية القوانين واللوائح، وينحصر هذا الاختصاص في النصوص التشريعية أيًّا كان موضوعها أو نطاق تطبيقها أو الجهة التي أصدرتها، فلا تنبسط هذه الولاية إلا على القانون بمعناه الموضوعي باعتباره منصرفًا إلى النصوص القانونية التي تتولد عنها مراكز قانونية عامة مجردة، سواء وردت هذه النصوص بالتشريعات الأصلية التي أقرتها السلطة التشريعية، أم تضمنتها التشريعات الفرعية التي تصدرها السلطة التنفيذية فى حدود صلاحيتها التي ناطها الدستور بها، وأن تنقبض تلك الرقابة - تبعًا لذلك - عما سواها.
      وحيث إن القرار بقانون رقم 155 لسنة 1960 في شأن التزامات النقل العام للركاب بالسيارات في مدينة القاهرة المعدل بالقرار بقانون رقم 224 لسنة 1960 قد انطوى على قواعد تنظيمية تسري في شأن جميع من تم إسقاط الالتزامات والتراخيص الممنوحة لهم بموجب هذا القرار بقانون، بما فيها تقدير قيمة التعويض والالتزامات الناشئة عن تطبيق أحكامه، ويشمل ذلك الأحكام المتعلقة بتشكيل اللجنة المسند إليها الاختصاص بتقدير قيمة التعويض والالتزامات، وكيفية إصدارها لقراراتها، وما يتعلق بنهائيتها، وتنفيذها بطريق الحجز الإداري، وكذا الفصل في الأنزعة التي تتعلق بالمسائل الواردة بالمادتين الرابعة والخامسة من هذا القرار بقانون، وقواعد اختيار ممثل الملتزم السابق. ومن ثم فإن هذه الإحكام تدخل في مفهوم القانون بمعناه الموضوعي، وتعد تشريعًا مما يدخل الفصل في دستوريته في اختصاص المحكمة الدستورية العليا المقرر بنص المادة (192) من الدستور والمادة (25) من قانونها، الأمر الذى يغدو معه الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى فاقدًا لسنده، جديرًا بالالتفات عنه.
      وحيث إن المادة (6) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 155 لسنة 1960 بشأن التزامات النقل العام للركاب بالسيارات فى مدينة القاهرة تنص على أن "تتولى تقدير قيمة التعويض والالتزامات المنصوص عليها في المادتين السابقتين لجنة تشكل من :
(1) مستشار من مجلس الدولة يختاره رئيس المجلس ....                رئيسًا.
(2) ممثل عن المجلس البلدي لمدينة القاهرة يصدر بتعيينه قرار
      من وزير الشئون البلدية والقروية بالإقليم المصري ....             عضوين
(3) ممثل عن الملتزم السابق يختاره الملتزم المذكور ......
      وللجنة أن تستعين في أداء مهمتها بمن تراه من بين الموظفين العموميين أو غيرهم.
      وتصدر قرارات اللجنة بالأغلبية المطلقة لأعضائها وتكون نهائية غير قابلة للطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن ويتم تنفيذها بطريق الحجز الإداري".
وتنص المادة (6 مكررًا) من القرار بقانون ذاته، المضافة بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 224 لسنة 1960 على أن "تختص اللجنة المنصوص عليها فى المادة السابقة بالفصل فى جميع المسائل المشار إليها فى المادتين الرابعة والخامسة من هذا القانون، وتحال إلى اللجنة بحالتها كافة الدعاوى المنظورة أمام المحاكم فى أى شأن يدخل فى اختصاص هذه اللجنة بمقتضى أحكام هذا القانون.
وعلى الملتزم السابق إخطار وزير الشئون البلدية والقروية بالإقليم المصري باسم من يمثله فى هذه اللجنة بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون.
فإذا لم يقم الملتزم السابق بذلك خلال هذه المدة أو إذا تغيب الممثل الذى يختاره عن عمله فى اللجنة دون عذر مقبول أو على وجه يعطل سير العمل فيها يختص رئيس المحكمة الإدارية العليا بناء على طلب مقدم من وزير الشئون البلدية والقروية بالإقليم المصري بتعيين من يمثل الملتزم السابق فى هذه اللجنة خلال أسبوعين من تاريخ تقديم الطلب بأمر على عريضة بدون رسوم.
ويصدر هذا القرار نهائيًّا غير قابل للطعن".
وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهى شرط لقبولها، مناطها - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم فى المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. ويستوى فى شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعاوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها، بما مؤداه أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل يتعين أن يكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في النزاع المثار أمام محكمة الموضوع، فإذا لم يكن للفصل في دستورية النصوص التي ثارت بشأنها شبهة عدم الدستورية لدى محكمة الموضوع انعكاس على النزاع الموضوعي؛ فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة. متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي ينصب على طلب الطاعنين في الدعوى الموضوعية إلغاء قرار وزير الإدارة المحلية رقم 310 لسنة 1969 بتشكيل لجنة تقدير التعويض والالتزامات المنصوص عليها فى القرار بقانون رقم 155 لسنة 1960 المشار إليه، وإلغاء القرار الصادر من تلك اللجنة بتحديد صافى مديونية الملتزم السابق (مورث الطاعنين فى الدعوى الموضوعية) لمحافظة القاهرة بمبلغ 3,430,382,444 جنيهًا، مع ما يترتب على ذلك من آثار. وكانت المادتان (6، 6 مكررًا) المشار إليهما قد عينتا اللجنة التى تتولى تقدير قيمة التعويض والالتزامات الواردة فى المادتين (4، 5) من ذلك القرار بقانون، والقرارات التى تصدر من تلك اللجنة، وكذا اختصاصها بالفصل فى جميع المسائل المشار إليها فى المادتين السابقتين، والتزام المحاكم بأن تحيل إلى تلك اللجنة كافة الدعاوى المنظورة فى أى شأن يدخل فى اختصاصها بمقتضى أحكام هذا القانون، وتنظيم حضور واختيار ممثل الملتزم السابق فيها، فإن المصلحة فى الدعوى المعروضة تكون متحققة، ويتحدد نطاقها بعبارة "وتكون قراراتها نهائية غير قابلة للطعن فيها بأى طريق من طرق الطعن" الواردة بالفقرة الأخيرة من المادة (6) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 155 لسنة 1960 المشار إليه، وكذا الفقرة الأخيرة من المادة (6 مكررًا) من القرار بقانون ذاته المضافة بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 224 لسنة 1960. كما يمتد نطاق هذه الدعوى لنص الفقرة الأولى من هذا النص التي خولت اللجنة المشار إليها الاختصاص بالفصل فى جميع المسائل المشار إليها فى المادتين الرابعة والخامسة من ذلك القرار بقانون، وأن تحال إليها بحالتها كافة الدعاوى المنظورة أمام المحاكم فى أى شأن يدخل فى اختصاص هذه اللجنة بمقتضى أحكام هذا القانون، لارتباطه بالنصين المطعون فيهما ارتباطًا لا يقبل الفصل أو التجزئة، وبالتالي يكون مطروحًا حكمًا على هذه المحكمة.
وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النصين المحالين مخالفتهما لأحكام المادتين (40، 68) من دستور 1971 (وتقابلها المواد 4، 53، 97 من الدستور الحالي)، لما تضمناه من مصادرة لحق التقاضي، وإخلال بمبدأ المساواة.
وحيث إن الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه التي تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي ارتأتها محكمة الموضوع على النصان المحالان، تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم فى مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، وكان النصان المحالان - في النطاق المحدد سلفًا - مازالا قائمين ومعمولاً بأحكامهما، ومن ثم فإن حسم أمر دستوريتهما يتم في ضوء أحكام الدستور الحالي الصادر عام 2014.
وحيث إن الدستور الحالي قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره أساسًا لبناء المجتمع، وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون وفى الحقوق والحريـات والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأى سبب، إلا أن ذلك لا يعنى - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن تعامل فئاتهم، على تباين مراكزهم القانونية، معاملة قانونية متكافئة، ولا معارضة صور التمييز على اختلافها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى علاقة منطقية بين النصوص القانونية التي تبناها المشرع لتنظيم معين، والنتائج التي رتبها عليها، ليكون التمييز بالتالي موافقًا لأحكام الدستور. وكلما كان القانـون مغايرًا بين أوضاع أو مراكز لا تتحد واقعًا فيما بينها، وكان تقديره فى ذلك قائمًا على أسس موضوعية، مستهدفًا غايات لا نزاع في مشروعيتها، وكافلاً وحدة القاعدة القانونية في شأن أشخاص تتماثل ظروفهم، بما لا يجاوز متطلبات هذه الغايات، كلما كان واقعًا في إطار السلطة التقديرية التي يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق، ولو تضمن تمييزًا. ولا ينال من مشروعيته الدستورية، أن تكون المساواة التي توخاها وسعى إليها بعيدة حسابيًّا عن الكمال.
وحيث إنه من المقرر - أيضًا - فى قضاء هذه المحكمة أن مبدأ المساواة أمام القانون، أساسًا للعدل، وهو أدخل إلى جوهر الحرية، وأكفل لإرساء السلام الاجتماعي، ولئن جاز القول بأن الأصــل فى كل تنظيم تشريعي أن يكون منطويًا على تقسيم أو تصنيف أو تمييز من خلال الأعباء التي يلقيها على البعض أو المزايا التي يمنحها لفئة دون غيرها، إلا أن اتفاق هذا التنظيم مع أحكام الدستور، يفترض ألا تنفصل النصوص التى نظم بها المشرع موضوعًا محددًا عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التى توخاها بالوسائل إليها منطقيًّا، وليس واهيًا أو واهنًا، بما يخل بالأسس الموضوعية التى يقوم عليها التمييز المبرر دستوريًّا.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن إسباغ الصفة القضائية على أعمال أية جهة عهد إليها المشرع بالفصل فى نزاع معين يفترض أن يكون اختصاص هذه الجهة محددًا بقانون، وأن يغلب على تشكيلها العنصر القضائى، الذى يلزم أن تتوافر فى أعضائه ضمانات الكفاءة والحيدة والاستقلال، وأن يعهد المشرع إليها بسلطة الفصل فى خصومة بقرارات حاسمة، دون إخلال بالضمانات القضائية الرئيسية التى لا يجوز النزول عنها، والتي تقوم فى جوهرها على إتاحة الفرص المتكافئة لتحقيق دفاع أطرافها وتمحيص ادعاءاتهم على ضوء قاعدة قانونية نص عليها المشرع سلفًا، ليكون القرار الصادر في النزاع مؤكدًا للحقيقة القانونية مبلورًا لمضمونها فى مجال الحقوق المدعى بها أو المتنازع عليها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكانت اللجنة المشكلة طبقًا لنص المادة (6) المحالة يغلب على تشكيلها العنصر الإدارى، فهى تتكون من مستشار بمجلس الدولة رئيسًا، وعضوية ممثل عن المجلس البلدي لمدينة القاهرة، وممثل آخر عن الملتزم السابق، عضوين، وهما من غير القضاة ولا يتوافر في شأنهما - فى الأغلب الأعم - شرط التأهيل القانوني، كما يفتقدون لضمانات الحيدة والاستقلال اللازم توافرهما فى القاضي، وتصدر اللجنة قراراتها بالأغلبية المطلقة لأعضائها، ولم يتضمن القانون إلزامها باتباع الإجراءات القضائية التى تتحقق بها ضمانات التقاضي أمامها، وعلى ذلك فإنها لا تعدو أن تكون لجنة إدارية، وتعتبر قراراتها قرارات إدارية وليست قرارات قضائية، ومن ثم فإن النص فى الفقرة الأخيرة من المادة (6) المحالة على نهائية قرارات تلك اللجنة، وعدم قابليتها للطعن عليها بأى طريق من طرق الطعن، وكذا منحها بمقتضى نص الفقرة الأولى من المادة (6 مكررًا) المشار إليه، ولاية الفصل فى المسائل المحددة بالمادتين الرابعة والخامسة من القرار بقانون رقم 155 لسنة 1960 المشار إليه، وإحالة الدعاوى المنظورة أمام المحاكم والتى تدخل فى اختصاص هذه اللجنة إليها بحالتها، وهو اختصاص قضائي بالفصل فى الأنزعة التى تتعلق بالمسائل الواردة بالمادتين المشار إليهما، يكون كل ذلك قد وقع بالمخالفة للحظر الذى تضمنه نص المادة (97) من الدستور بشأن عدم جواز تحصين أى عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، ومتضمنًا مصادرة للحق فى التقاضي، وحق كل شخص فى الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، الذى كفله هذا النص، وهو فى أصل شرعته - كما جرى قضاء هذه المحكمة - حق للناس كافة تتكافأ فيه مراكزهم القانونية فى سعيهم لرد العدوان على حقوقهم دفاعًا عن مصالحهم الذاتية، ذلك أن الناس جميعًا لا يتمايزون فيما بينهم فى مجال حقهم فى النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، وليضحى النص المطعون فيه متضمنًا إلى جانب ما تقدم تمييزًا تحكميًّا لا يستند إلى أسس موضوعية تبرره، بالمخالفة لمبدأ المساواة المقرر بالمادتين (4، 53) من الدستور، ومهدرًا فى الوقت ذاته لمبدأي سيادة القانون وخضوع الدولة للقانون، المقررين بالمادة (94) من الدستور، ويعد مجاوزة من المشرع لنطاق سلطته التقديرية في مجال تنظيم الحقوق والحريات التى كفلها الدستور، والتى قيد نص المادة (92) من الدستور ممارستها، بألا تتضمن تقييدًا لتلك الحقوق والحريات بما يمس أصلها وجوهرها، مما يتعين معه القضاء بعدم دستورية عبارة "وتكون نهائية غير قابلة للطعن فيها بأى طريق من طرق الطعن" الواردة بالفقرة الأخيرة من المادة (6)، من القرار بقانون رقم 155 لسنة 1960 المشار إليه، والفقرة الأولى من المادة (6 مكررًا) من ذلك القرار بقانون المضافة بالقرار بقانون رقم 224 لسنة 1960 برمتها.
وحيث إنه بالنسبة لنص الفقرة الأخيرة من المادة (6 مكررًا) المشار إليها، فإن قرار الإحالة ينعى على هذا النص مخالفة مبدأ المساواة وحق التقاضي، وذلك مردود بأن الفقرة الثالثة من تلك المادة نظمت كيفية تعيين ممثل الملتزم السابق باللجنة المذكورة إذا لم يقم هو بذلك، أو إذا تغيب الممثل الذى اختاره عن عمله باللجنة دون عذر مقبول، أو على وجه يعطل سير العمل فيها، ومنحت الاختصاص لرئيس المحكمة الإدارية العليا بحسم هذه المسألة بأمر على عريضة، يصدر منه بناءً على طلب من وزير الشئون البلدية والقروية بالإقليم المصري، وذلك خلال أسبوعين من تاريخ تقديم الطلب ودون رسوم. وجعلت الفقرة الأخيرة من ذات المادة قرار رئيس المحكمة الإدارية العليا فى هذا الشأن نهائيًّا غير قابل للطعن.
وحيث إن المشرع حرصًا منه على الصالح العام وعدم تعطيل سير عمل اللجنة، بسبب يرجع إلى عدم تعيين الملتزم السابق ممثله فيها، أو إذا تغيب الأخير دون عذر مقبول أو على وجه يعطل سير العمل بها، فقد عهد لرئيس المحكمة الإدارية العليا، وهو بطبيعة مركزه وأقدميته على القمة من مدارج التنظيم القضائي لمجلس الدولة، وفى نطاق سلطته الولائية، الاختصاص باختيار ممثل الملتزم السابق بأمر على عريضة، يصدر منه، بناءً على طلب من وزير الشئون البلدية والقروية، وهو عمل ولائى يصدر منه بعد التحقق من توافر الشروط المقررة قانونًا، وبما يكفل إنفاذ أحكام القانون، وتحقيق المصلحة العامة، ومن أجل ذلك جعل القانون قراره فى هذا الشأن نهائيًّا غير قابل للطعن، ومن ثم فإن مسلك المشرع فى هذا الخصوص لا يتصادم والحظر الوارد بنص المادة (97) من الدستور، الذى يقتصر نطاقه على عدم جواز تحصين أى عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، كما أن النهج الذى قرره المشرع بهذا النص باعتباره الوسيلة التي سنها واتخذها سبيلاً لتحقيق الأهداف التي رصدها لهذا التنظيم، إنما ترتبط بتلك الغايات ارتباطًا منطقيًّا وعقليًّا، ليضحي ذلك التنظيم - في حدود النطاق المتقدم - مرتكنًا إلى أسس موضوعية تبرره، ولا يتضمن تمييزًا تحكميًّا مما حظره الدستور، ولا يتعارض - من ثم - مع مبدأ المساواة الذى كفله الدستور في المادتين (4، 53) منه، وإذ لا يخالف هذا النص، أي نص آخر في الدستور، الأمر الذى يتعين معه القضاء برفض الدعوى بالنسبة له.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
أولاً : بعدم دستورية عبارة " وتكون نهائية غير قابلة للطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن" الواردة بالفقرة الأخيرة من المادة (6) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 155 لسنة 1960 في شأن التزامات النقل العام للركاب بالسيارات في مدينة القاهرة.
ثانيًا : بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (6 مكررًا) من القرار بقانون ذاته، المضافة بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 224 لسنة 1960، ورفض ما عدا ذلك من طلبات.