الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 7 فبراير 2018

دستورية نظام الادعاء المباشر في الجنح (بخصوص تكافؤ الفرص والمساواة وتحريك الدعوى الجنائية)


في القضية رقم 39 لسنة 27 ق " دستورية ".
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث عشر من يناير سنة 2018م، الموافق السادس والعشرين من ربيع الآخر سنة 1439 هـ.
برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق             رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفى على جبالى ومحمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبد الجواد شبل     نواب رئيس المحكمة
وحضور    السيد المستشار / طارق عبدالعليم أبو العطا          رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع                            أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
      فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 39 لسنة 27 قضائية " دستورية ".
المقامة من
...........
ضــــــد
1 - وزير العـــــــــدل
2 - رئيس مجلس الــوزراء
3 - ........
الإجراءات
 بتاريخ الثامن من شهر فبراير سنة 2005، أودعت المدعية صحيفة الدعوى المعروضة قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبت في ختامها الحكم بعدم دستورية نص المادة (232) من قانون الإجراءات الجنائية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمــــة
 بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
 حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – فى أن المدعى عليه الأخير كان قد أقام ضد المدعية، بطريق الادعاء المباشر الجنحة رقم 2803 لسنة 2003، أمام محكمة جنح الزيتون، بطلب الحكم بمعاقبتها بمقتضى نص المادة (341) من قانون العقوبات، وإلزامها بأن تؤدى إليه تعويضًا مؤقتًا مقداره 2001 جنيه، لتصرفها بالبيع في السيارة 274092 ملاكي القاهرة، والمحجوز عليها قضائيًّا لصالحه، والمعينة عليها حارسًا. وبجلسة 9/3/2003 قضت المحكمة غيابيًّا بحبس المدعية شهرين، وكفالة خمسمائة جنيه لإيقاف التنفيذ، مع إلزامها بأن تؤدى للمدعى عليه الأخير مبلغ التعويض المدني المؤقت المطالب به. عارضت المدعية فى هذا الحكم، وبجلسة 15/6/2003 قضت المحكمة برفض المعارضة، فطعنت على هذا الحكم بطريق الاستئناف أمام محكمة جنح مستأنف الزيتون، بالاستئناف رقم 10768 لسنة 2003، وبجلسة 25/12/2004 دفعت المدعية بعدم دستورية نص المادة (232) من قانون الإجراءات الجنائية، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعية بإقامة الدعوى الدستورية، أقامت الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة (232) من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950، المعدلة بالقانون رقم 170 لسنة 1981 تنص على أن "تحال الدعوى إلى محكمة الجنح والمخالفات بناء على أمر يصدر من قاضى التحقيق أو محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة أو بناء على تكليف المتهم مباشرة بالحضور من قبل أحد أعضاء النيابة العامة أو من المدعى بالحقوق المدنية.
ويجوز الاستغناء عن تكليف المتهم بالحضور إذا حضر بالجلسة ووجهت إليه التهمة من النيابة العامة وقبل المحاكمة.
ومع ذلك فلا يجوز للمدعى بالحقوق المدنية أن يرفع الدعوى إلى المحكمة بتكليف خصمه مباشرة بالحضور أمامها في الحالتين الآتيتين:
 (أولاً) إذا صدر أمر من قاضى التحقيق أو النيابة العامة بأن لا وجه لإقامة الدعوى ولم يستأنف المدعى بالحقوق المدنية هذا الأمر في الميعاد
أو استأنفه فأيدته محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة.
  (ثانيًا) إذا كانت الدعوى موجهة ضد موظف أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط لجريمة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها ما لم تكن من الجرائم المشار إليها في المادة 123 من قانون العقوبات".
      وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يتحقق ارتباط بينها وبين المصلحة التي تقوم عليها الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسائل الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكانت المدعية قد أقيم ضدها بطريق الادعاء المباشر جنحة التبديد المعاقب عليها بالمادة (341) من قانون العقوبات، وصدر ضدها حكم بالحبس والتعويض المدني المؤقت. وكان سند المدعى المدني في إقامة دعواه نص الفقرة الأولى من المادة (232) من قانون الإجراءات الجنائية، ومن ثم فإن المصلحة الشخصية المباشرة للمدعية تكون متحققة في الطعن على هذا النص، فيما تضمنه من أن تحال الدعوى إلى محكمة الجنح والمخالفات بناء على تكليف المتهم مباشرة بالحضور من المدعى بالحقوق المدنية، وذلك في غير الجرائم المتعلقة بالأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها، الواردة بنص المادة (67) من الدستور الحالي، والتي تخرج عن نطاق الدعوى المعروضة، إذ يكون للفصل في دستورية نص المادة (232) المشار إليها - فى حدود النطاق المتقدم - أثره وانعكاسه على وسيلة اتصال الدعوى الجنائية بمحكمة الموضوع، ومن ثم اختصاصها بالفصل في الطلبات المطروحة فيها.
  وحيث إن المدعية تنعى على النص المطعون عليه، في النطاق المشار إليه، مخالفته لأحكام المواد (8، 40، 70) من دستور سنة 1971، قولاً منها إن ذلك النص بإجازته تكليف المتهم بالحضور أمام محكمة الجنح مباشرة دون تحقيق من النيابة أو أي من جهات التحقيق يحرمه من جزء من الضمانات، ومن حقه في الدفاع في مرحلة التحقيق، فضلاً عن إمكانية التظلم والطعن على القرارات الصادرة من جهة التحقيق، بما يتضمن تمييزًا غير مبرر يتنافى مع مبدأي تكافؤ الفرص والمساواة بين المتهمين فى الجنح المختلفة.
  وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي نظمها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلاً - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه، ذلك أن نصوص هذا الدستور تمثل القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصـدارة بين قواعد النظام العام، التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهتها المدعية للنص المطعون فيه تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها القضائية على دستورية النص المطعون عليه - الذى مازال قائمًا ومعمولاً بأحكامه - من خلال أحكام الدستور الحالي الصادر سنة 2014 باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
      وحيث إن الدستور القائم لم يأت بما يخالف ما أوردته المدعية بشأن المبادئ الدستورية الحاكمة للنص المطعون عليه في دستور سنة 1971، فالثابت أن المادة (8) فى شأن كفالة الدولة لتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، والمادة (40) بشأن المساواة بين المواطنين، والمادة (70) في شأن عدم جواز إقامة الدعوى الجنائية إلا من جهة قضائية فيما عدا الأحوال التي يحددها القانون، التي وردت في دستور سنة 1971، تطابق في مجملها الأحكام الواردة في المواد (4، 9، 53، 189/1) من الدستور القائم.
      وحيث إن الدستور الحالي قد حرص فى المادة (4) منه على النص على مبدأ تكافؤ الفرص، باعتباره من الركائز الأساسية التي يقوم عليها بناء المجتمع، والحفاظ على وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك جعل الدستور بمقتضى نص المادة (9) منه تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، لا تستطيع منه فكاكًا. وقوام هذا المبدأ - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الفرص التي كفلها الدستور للمواطنين فيما بينهم تفترض تكافؤها، وتدخل الدولة إيجابيًّا لضمان عدالة توزيعها بين من يتزاحمون عليها، وضرورة ترتيبهم بالتالي فيما بينهم على ضوء قواعد يمليها التبصر والاعتدال؛ وهو ما يعنى أن موضوعية شروط النفاذ إليها، مناطها تلك العلاقة المنطقية التي تربطها بأهدافها، فلا تنفصل عنها.
وحيث إن الدستور الحالي قد اعتمد كذلك بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، وفى الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهـــم لأى سبب، إلا أن ذلك لا يعنى - وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادتين (4، 53) المشار إليهما، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذى يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون عليه - بما انطوى عليه من تمييز - مصادمًا لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقًا ربطه بها أو اعتباره مدخلاً إليها فإن التمييز يكون تحكميًّا وغير مستند بالتالي إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة.
      وحيث إن ضمان الدستور لحق التقاضي - بنص المادة (97) منه - مؤداه ألا يعزل الناس جميعهم أو فريق منهم أو أحدهم من النفاذ إلى جهة قضائية تكفل بتشكيلها، وقواعد تنظيمها، ومضمون القواعد الموضوعية والإجرائية المعمول بها أمامها حدًّا أدنى من الحقوق التي لا يجوز إنكارها عمن يلجون أبوابها، ضمانًا لمحاكمتهم إنصافًا. وكان لحق التقاضي غاية نهائية يتوخاها تمثلها الترضية القضائية التي يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها لجبر الأضرار التي أصابتهم من جراء العدوان على حقوق يطلبونها، فإن أرهقها المشرع بقيود تُعسر الحصول عليها أو تحول دونها، كان ذلك إخلالاً بالحماية التي كفلها الدستور لهذا الحق.
      وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق - ومن بينها حق التقاضي - أنها سلطة تقديرية جوهرها المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم، لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنًا. وليس ثمة قيد على مباشرة المشرع لسلطته هذه، إلا أن يكون الدستور قد فرض في شأن ممارستها ضوابط محددة تُعَدُّ تخومًا لها ينبغي التزامها.
      وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى كذلك على أن التنظيم التشريعي لحق التقاضي لا يناقض وجود هذا الحق وفق أحكـــام الدستور، وأن هـــــــذا التنظيم لا يتقيد بأشكال جامدة لا يريم المشرع عنها تفرغ قوالبها في صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز أن تغاير فيما بينها، وأن يقدر لكل حالة ما يناسبها، على ضوء مفاهيم متطـورة تقتضيها الأوضاع التي تباشر هذا الحق عملاً فى نطاقها، وبما لا يصل إلى حد إهداره، ليظل هذا التنظيم مرنًا، فلا يكون إفراطًا يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافًا عن أهدافها، ولا تفريطًا مجافيًا لمتطلباتها، بل بين هذين الأمرين قوامًا التزامًا بمقاصدها، باعتبارها شكلاً للحماية القضائية للحق في صورتها الأكثر اعتدالاً.
      وحيث إن الدستور جعل بمقتضى نص المادة (189) منه سلطة التحقيق وتحريك ومباشرة الدعوى الجنائية، حقًّا أصيلاً للنيابة العامة، عدا الحالات التي يستثنيها القانون، وفى هذا الإطار أجاز النص المطعون فيه أن تحال الدعوى إلى محكمة الجنح والمخالفات بناء على تكليف المتهم بالحضور من المدعى بالحقوق المدنية، رغبة منه في إيجاد توازن بين حق النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية باعتبارها نائبًا قانونيًّا عن المجتمع، جبرًا للضرر العام الذى ينشأ عن الجريمة، وبين حق المدعى بالحقوق المدنية في تحريك الدعوى الجنائية الناشئة عن الفعل المخالف للقانون، بما يمثل نوعًا من الرقابة على سلطة النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية، تفاديًا لإساءتها استعمال سلطتها هذه بالامتناع عن مباشرتها دون مقتض، وتحقيقًا للمصلحة العامة، بوصف أن إقامة الدعوى الجنائية بالطريق المباشر في هذه الحالة، يُعد حقًّا للمضرور، كفله له الدستور بمقتضى نص المادة (99) منه، في حالة الاعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون، وكذا فى حالة امتناع الموظفين العموميين عن تنفيذ الأحكام القضائية أو تعطيل تنفيذها طبقًا لنص المادة (100) من الدستور، وكذلك ما خولته الفقرة الأولى من المادة (189) من الدستور، للمشرع من تحديد الحالات التي يجوز فيها لغير النيابة العامة تحريك الدعوى الجنائية، وكل ذلك عدا ما استثناه الدستور بنص المادة (67) منه، بشأن تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها، والتي قصرها في هذه الحالة على النيابة العامة وحدها.
      وحيث إن النص المطعون فيه - فى حدود نطاقه المتقدم - قد تضمن قواعد عامة مجردة لا تقيم تمييزًا من أى نوع بين المخاطبين بأحكامه، كما أنه باعتباره الوسيلة التي سنها المشرع لتحقيق الأهداف التي رصدها لهذا التنظيم، يرتبط بتلك الغايات ارتباطًا منطقيًّا وعقليًّا، ومن ثم يكون فيما قرره من أحكام مستندًا إلى أسس موضوعية تبرره، ولا يتضمن تمييزًا تحكميًّا مما حظر الدستور، ليضحى هذا النص غير مصادم لمبدأى تكافؤ الفرص والمساواة، التي حرص الدستور على كفالتهما فى المواد (4، 9، 53) منه .
      ولا ينال من ذلك القول بأن الادعاء المباشر قد يساء استعماله على نحو يهدد الأبرياء بملاحقتهـم أمام القضاء الجنائي دون رقابة من سلطات التحقيق أو الإحالة، وقد يؤدى ذلك إلى رفع الدعاوى الكيدية والتشهير بالآخرين، خاصة أن الادعاء المباشر لا يتضمن مرحلة الاستدلال والتحقيق في الدعوى، وهى مرحلة مهمة لجمع الأدلة وتمحيصها لعرضها على سلطات التحقيق ثم القضاء، فضلاً عن أن الدعوى المباشرة قد تجعل الدعوى الجنائية غير مكتملة الأركان، وقد تخلو من الدليل اللازم للحكم فيها، مما يلقى مزيدًا من العبء على القاضي الذى قد يلتزم بتحقيق الدعوى وصولاً للحكم فيها، فذلك في مجمله مردود بأن الشارع حين منح المدعى بالحقوق المدنية هذا الحق، حرص على تقييد نطاق الدعوى المباشرة وقصره على الجنح والمخالفات، فضلاً عن ذلك فقد أحاط المشرع في قانون الإجراءات الجنائية هذا الحق بعدد من الضوابط، التي تحفظ على العدالة حسن سيرها، والحد في التعسف في استعمال هذا الحق، فوفقًا لنص المادة (251 مكررًا) من ذلك القانون المضافة بالقانون رقم 174 لسنة 1998، فإن تحريك الدعوى الجنائية بالطريق المباشر، قاصر على من يلحقه ضرر شخصي مباشر ناشئ عن الجريمة والمحقق الوقوع حالاً أو مستقبلاً. وأجازت الفقرة الرابعة من المادة (63) من القانون المشار إليه للمتهم عند رفع الدعوى عليه بالطريق المباشر أن ينيب عنه وكيلاً في أية مرحلة كانت عليها الدعوى لتقديم دفاعه، وأجازت المادة (267) من ذلك القانون للمتهم أن يطالب المدعى بالحقوق المدنية أمام المحكمة الجنائية بتعويض الضرر الذى لحقه بسبب رفع الدعوى إن كان لذلك وجه، وله كذلك أن يقيم عليه لذات السبب الدعوى المباشرة أمام المحكمة ذاتها بتهمة البلاغ الكاذب إن كان لذلك وجه، وذلك بتكليفه مباشرة بالحضور أمامها. كما أجازت المادة (260/1) من ذلك القانون للمدعى بالحقوق المدنية أن يترك دعواه في أية حالة كانت عليها الدعوى، مع عدم الإخلال بحق المتهم في التعويضات إن كان لها وجه، وأوجبت الفقرة الثانية مـن تلك المادة في حالة تـرك الدعوى المدنية أو اعتبار المدعى بالحقوق المدنية تاركًا لها، الحكم بانقضاء الدعوى الجنائية. وتوسعت المادة (261) منه في الحالات التي يعتبر فيها المدعى بالحقوق المدنية تاركًا لدعواه، وتشمل عدم حضوره أمام المحكمة بغير عذر مقبول أو عدم إرساله وكيلاً عنه، وكذلك عدم إبدائه طلبات بالجلسة.
      وحيث إنه فضلاً عما تقدم، فإن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا، أن المشرع الجنائي، وإن خول المدعى بالحقوق المدنية في بعض الجرائم التي يجوز فيها الادعاء المباشر سلطة تحريك الدعوى العمومية الناشئة عن الفعل المخالف للقانون، إلا أن هذه السلطة تقف عند مجرد تحريك الدعوى الجنائية، طلبًا لحقوق مدنية بطبيعتها، أما مباشرة هذه الدعوى فمنوط بالنيابة العامة وحدها باعتبارها السلطة الأصيلة التي أولاها الدستور هذا الاختصاص طبقًا لنص المادة (189) منه، ويقتصر دور المدعى بالحقوق المدنية على دعواه المدنية، والتي يدخل فيهـا بصفته مضرورًا من الجريمة التي وقعت، طالبًا بتعويضه مدنيًّا عن الضـرر الذى لحق به، فدعـواه مدنية بحتة ولا علاقة لها بالدعوى الجنائية إلا تبعيتها لها، ومن ثم يكون النص المطعون فيه - فى حدود النطاق المتقدم - غير مخالف لنصوص المواد (97، 99، 100، 189) من الدستور.
 وحيث إن النص المطعون عليه في الإطار المشار إليه، لا يخالف أي أحكام أخرى في الدستور، مما يتعين معه القضاء برفض هذه الدعوى.
فلهذه الأسباب
  حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعية المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق