جلسة 15 من يناير سنة 1995
برئاسة السيد المستشار/ عوض جادو نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ سمير أنيس والبشري الشوربجي نائبي رئيس المحكمة وعاطف عبد السميع وعبد المنعم منصور.
-----------------
(20)
الطعن رقم 10392 لسنة 63 القضائية
(1) حكم "بيانات التسبيب".
عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة الحكم. كفاية أن يكون مجموع ما أورده كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها.
(2) فاعل أصلي. اشتراك. قانون "تفسيره". قصد جنائي. ضرب "أفضى إلى موت". مسئولية جنائية. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الفاعل للجريمة في مفهوم المادة 39 عقوبات؟
الفاعل مع غيره. شريك. وجوب أن تتوافر فيه ما يتوافر لدى الشريك من قصد المساهمة في الجريمة. وإلا فلا يسأل إلا عن فعله وحده.
متى يتحقق قصد المساهمة في الجريمة؟
مثال.
(3) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". إثبات "بوجه عام". ضرب "أفضى إلى موت". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
دفاع الطاعن بعدم تواجده على مسرح الحادث. موضوعي. الرد عليه صراحة. غير لازم. استفادة الرد عليه ضمناً من القضاء بالإدانة.
(4) أسباب الإباحة وموانع العقاب "الدفاع الشرعي". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
إيراد الحكم قصد كلا الطرفين في الاعتداء وإيقاع الضرب بالطرف الآخر. أثره: انتفاء حالة الدفاع الشرعي بغض النظر عن البادئ منهم بالاعتداء.
مثال.
(5) إثبات "شهود" "خبرة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تطابق أقوال الشهود مع مضمون الدليل الفني. غير لازم. كفاية أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصي على المواءمة والتوفيق.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما ضربا... عمداً بأداة "قطعة حديدية" على رأسه فأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصدا من ذلك قتله ولكن الضرب أفضى إلى موته. وأحالتهما إلى محكمة جنايات الإسكندرية لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعت أرملة المجني عليه عن نفسها وبصفتها وصية على ابنتها مدنياً قبل المتهمين بمبلغ 501 جنيه على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات وبإلزامهما بأن يؤديا للمدعية بالحقوق المدنية عن نفسها وبصفتها مبلغ 501 جنيه على سبيل التعويض المؤقت.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
من حيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمة الضرب المفضي إلى الموت قد شابه قصور في التسبيب وأخطأ في تطبيق القانون وانطوى على فساد في الاستدلال. ذلك بأن الحكم لم يبين واقعة الدعوى بياناً كافياً. وأقام مسئولية الطاعنين باعتبار كل منهما فاعلاً أصلياً على أساس من صلة القرابة بينهما وذلك دون أن يرد على دفاع الطاعن الثاني بعدم تواجده على مسرح الحادث إبان وقوعه هذا إلى أن الدفاع عن الطاعنين تمسك بحالة الدفاع الشرعي إذ كان الطاعنان يردان الاعتداء عن والدهما المسن والذي خلف إصابات به أثبتها التقرير الطبي، فضلاً عن الإصابات الجسيمة التي لحقت بالطاعن الأول، وقد رد الحكم على ذلك بما لا يصلح رداً ومن غير أن يستظهر الإصابات التي حدثت بالطاعن الأول والأب والصلة بينهما وبين الاعتداء وعول الحكم على الدليلين القولي والفني رغم وجود تعارض بينهما أثاره الدفاع في مرافعته. وكل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة مستقاة من أقوال شهود الإثبات وما أورده التقرير الطبي الشرعي وهي أدلة سائغة وكافية في حمل قضائه ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها فمتى كان مجموع ما أورده الحكم - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة، كان ذلك محققاً لحكم القانون، فإن دعوى القصور في التسبيب لا تكون لها محل في الحكم المطعون فيه. لما كان ذلك، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه أثبت أن الطاعنين باشرا معاً - وهما أخوان - الاعتداء على المجني عليه وأن الطاعن الأول ضربه بشومة على رأسه من الأمام وضربه الثاني بشومة على رأسه من الخلف، ولما سقط أرضاً واليا معاً ضربه، ونقل من التقرير الطبي الشرعي أن وفاة المجني عليه حدثت من إصابات رضية ثلاث بالرأس مجتمعة بما أدت إليه من نزيف عام على سطح المخ، وخلص إلى مسئولية الطاعنين معاً عن الوفاة في قوله: "ولا مراء في مسئولية المتهمين معاً عن تلك النتيجة للصلة التي تربطهما فضلاً عن المعية بينهما في الزمان والمكان واتجاههما وجهة واحدة صوب المجني عليه والاعتداء عليه بالضرب دون أن يغير من ذلك كما أثاره الدفاع الحاضر مع المتهمين من أوجه دفاع أخرى غير ما سلف بقصد التشكيك في أدلة الإثبات التي اطمأنت إليها المحكمة وحصلتها آنفاً وتجد فيها ما يكفي للرد عليها". وهو استخلاص سائغ من الحكم وصحيح في القانون، ذلك أن المادة 39 من قانون العقوبات قد نصت على أنه "يعد فاعلاً للجريمة (أولاً) من يرتكبها وحده أو مع غيره. (ثانياً) من يدخل في ارتكابها إذا كانت تتكون من جملة أفعال فيأتي عمداً عملاً من الأعمال المكونة لها" والبين من نص هذه المادة في صريح لفظه وواضح دلالته ومن الأعمال التحضيرية المصاحبة له ومن المصدر التشريعي الذي استمد منه وهو المادة 39 من القانون الهندي أن الفاعل إما أن ينفرد بجريمته أو يسهم معه غيره في ارتكابها، فإذا أسهم فإما أن يصدق على فعله وحده وصف الجريمة التامة وإما أن يأتي عمداً عملاً تنفيذياً فيها إذا كانت الجريمة تتركب من جملة أفعال سواء بحسب طبيعتها أو طبقاً لخطة تنفيذها، وحينئذ يكون فاعلاً مع غيره إذا صحت لديه نية التدخل في ارتكابها، ولو أن الجريمة لم تتم بفعله وحده بل تمت بفعل واحد أو أكثر ممن تدخلوا معه فيها عرف أو لم يعرف اعتباراً بأن الفاعل مع غيره هو بالضرورة شريك يجب أن يتوافر لديه - على الأقل ما يتوافر لدى الشريك من قصد المساهمة في الجريمة وإلا فلا يسأل إلا عن فعله وحده، ويتحقق حتماً قصد المساهمة في الجريمة أو نية التدخل فيها إذا وقعت نتيجة لاتفاق بين المساهمين ولو لم ينشأ إلا لحظة تنفيذ الجريمة تحقيقاً لقصد مشترك هو الغاية النهائية من الجريمة، أي أن يكون كل منهم قصَد قصْد الآخر في إيقاع الجريمة المعينة وأسهم فعلاً بدور في تنفيذها بحسب الخطة التي وضعت أو تكونت لديهم فجأة، وأن لم يبلغ دوره على مسرحها حد الشروع. ولما كان القصد أمراً باطنياً يضمره الجاني وتدل عليه بطريق مباشر أو غير مباشر الأعمال المادية المحسوسة التي تصدر عنه، فإن العبرة هي بما يستظهره الحكم من الوقائع التي تشهد لقيامه، ولما كانت نية تدخل الطاعنين في اقتراف جريمة ضرب المجني عليه تحقيقاً لقصدهما المشترك تستفاد من نوع الصلة بينهما ومعيتهما في الزمان والمكان وصدورها في مقارفة الجريمة عن باعث واحد واتجاههما معاً وجهة واحدة في تنفيذها بالإضافة إلى وحدة الحق المعتدى عليه وهو ما لم يقصر الحكم في استظهاره - حسبما سلف بيانه - فإن ما ينعاه الطاعنان في هذا الصدد يكون غير سديد، ولا على الحكم من بعد إن لم يعرض برد مستقل لدفاع الطاعن الثاني بعدم تواجده على مسرح الحادث لكونه دفاعاً موضوعياً لا يستوجب في الأصل من المحكمة رداً صريحاً ما دام الرد مستفاداً ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي يوردها الحكم. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه إذ عرض إلى ما أثاره الطاعن الأول بشأن قيام حالة الدفاع الشرعي عن النفس قد أطرحه في قوله: "إن ما أثاره المتهم الأول ومحاميه بأنه كان في حالة دفاع شرعي مردود بما قال به شهود الإثبات جميعاً واطمأنت إليه المحكمة من أن مشاجرة حصلت وكان المتهمان الأول والثاني طرفها الأول والمجني عليه وأشقاؤه طرفها الثاني، وفي كل شجار ما دامت نية طرفيه تتجه إلى الاعتداء فلا مناحى من أن أحدهما سيبدأ بالضربة الأولى وبالتالي فلن يكون الطرف الآخر في حالة دفاع شرعي لأنه عندما يعتدي على خصمه لن يكون قاصداً إلا الاعتداء الذي انتواه، بما مفاده أن كل طرف من المشاجرة يقصد الاعتداء لا الدفاع وذلك بغض النظر عن البادئ منهم بالاعتداء". وكان مفاد ما أورده الحكم فيما تقدم أن كلاً من الطرفين كان يقصد الاعتداء وإيقاع الضرب على الطرف الآخر وهو ما لا يتوافر فيه حالة الدفاع الشرعي، وذلك بغض النظر عن البادئ منهم بالاعتداء وهو رد صحيح في القانون تنتفي به حالة الدفاع الشرعي عن النفس، فإن ما ينعاه الطاعنان في هذا الوجه يكون غير سديد ولا محل من بعد لما أثاراه في شأن عدم تحدث الحكم عن إصابات الطاعن الأول وإصابات والدهما. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصي على المواءمة والتوفيق وكان يبين من الحكم المطعون فيه أن ما حصله من أقوال شهود الإثبات لا يتناقض مع ما نقله من التقرير الطبي الشرعي - بل يتلاءم معه - فإن دعوى التناقض بين الدليلين القولي والفني تكون لا محل لها. ولما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق