القضية رقم 86 لسنة 17 ق "دستورية "
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 7 فبراير سنة 1998 الموافق 10
شوال سنة 1418 ه
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس
المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: سامى فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض
وماهر البحيرى ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله .
وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفى على جبالى رئيس هيئة
المفوضين
وحضور السيد/ حمدى أنور صابر
أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 86 لسنة 17
قضائية "دستورية "
المقامة من
السيد / رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة اسمنت بورتلاند
بحلوان
ضد
1 - السيد / رئيس مجلس الوزراء
2 - السيد / أحمد عبد القادر السيد بصفته نقيب التطبيقيين
" الإجراءات "
بتاريخ 18 ديسمبر سنة 1995 أودع المدعى بصفته هذه الدعوى بإيداع
صحيفتها قلم كتاب المحكمة ، طالباً الحكم بعدم دستورية الشطر الأول من البند
خامساً من المادة (51) من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية
التطبيقية .
قدمت كل من هيئة قضايا الدولة ، ونقابة المهن الفنية التطبيقية ،
مذكرة بدفاعها.
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار
الحكم فيها بجلسة اليوم.
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة .
حيث إن الوقائع -على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل في
أن نقابة المهن الفنية التطبيقية ، كانت قد أقامت الدعوى رقم 3771 لسنة 1993 مدنى
، أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية ، ضد عدد من الشركات المنتجة للإسمنت - ومن
بينها الشركة المدعية - بطلب ندب خبير حسابي لتقدير قيمة دمغة نقابة المهن
التطبيقية المستحقة عليها وما يستجد من مبالغها، وكذلك رسم الإنتاج المقرر عن
إنتاج كل شيكارة أسمنت بمليم واحد، وذلك ابتناء على أنها دين تقرر فى ذمتها بمقتضى
حكم البند "خامساً" من المادة (51) من القانون رقم 67 لسنة 1974بشأن
نقابة المهن الفنية التطبيقية . وبجلسة 24/10/1995 دفعت الشركة المدعية بعدم
دستورية الشطر الأول من البند المشار إليه، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا
الدفع، فقد صرحت للمدعية برفع الدعوى الدستورية ، فأقامتها. وبجلسة 27/2/1996 قضت
بوقف الدعوى تعليقاً لحين الفصل فى الطعن الراهن بعدم الدستورية .
وحيث إن المادة (51) من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن
الفنية التطبيقية تنص على أن " تتكون إيرادات النقابة من:
"خامساً": حصيلة رسم قدره مليم واحد على إنتاج الشيكارة من الإسمنت
وزن 50 كيلو جرام.......".
وحيث إن من المقرر -وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الضريبة
فريضة مالية تقتضيها الدولة جبراً من المكلفين بأدائها، إسهاماً من جهتهم فى
أعبائها وتكاليفها العامة وهم يدفعونها لها بصفة نهائية ، ودون أن يعود عليهم نفع
خاص من وراء التحمل بها، فلا تقابلها خدمة محددة بذاتها، يكون الشخص العام قد
بذلها من أجلهم، وعاد عليهم مردودها ومن ثم كان فرضها مرتبطاً بمقدرتهم التكليفية
، ولا شأن لها بما آل إليهم من فائدة بمناسبتها، وإلا كان ذلك خلطاً بينها وبين
الرسم، إذ يستحق مقابلاً لنشاط خاص أتاه الشخص العام - وعوضاً عن تكلفته - وإن لم
يكن بمقدارها متى كان ذلك، وكان الرسم المفروض بمقتضى قانون نقابة المهن الفنية
التطبيقية على إنتاج الشيكارة الواحدة من الإسمنت، لا تقابله خدمة فعلية ، تكون
النقابة قد بذلتها لمن يتحملون بها، فإنها تنحل إلى ضريبة من الناحية القانونية ،
وهى بعد ضريبة لا يقتصر نطاق تطبيقها على رقعة إقليمية معينة تمتد إليها دون
سواها، ويتحدد المخاطبون بها في إطار هذه الدائرة وحدها، بل يعتبر تحقق الواقعة
المنشئة لها على امتداد النطاق الإقليمي للدولة - وبغض النظر عن تقسيماتها الإدارية
- مرتباً لدينها في ذمة الممول، مما مؤداه: تكافؤ الممولين في الخضوع لها دون
تمييز، وسريانها بالتالي - و بالقوة ذاتها - كلما توافر مناطها في أية جهة داخل
حدودها الإقليمية ، وهو ما يعنى أنها ضريبة عامة يقوم التماثل فيما بين الممولين
بصددها، على وحدة تطبيقها من الناحية الجغرافية ،وليس بالنظر إلى مقدار الضريبة التي
يؤدونها، ذلك أن التعادل بينهم في نطاقها ليس فعلياً، بل جغرافياً.
وحيث إن من المقرر أن الضريبة التي يكون أداؤها واجباً وفقاً للقانون
- وعلى ما تدل عليه المادتان (61، 119) من الدستور - هي التي تتوافر لها قوالبها
الشكلية والأسس الموضوعية التي لا تقوم إلا بها، وبشرط أن تكون العدالة الاجتماعية
التي ينبني عليها النظام الضريبي ضابطاً لها في الحدود المنصوص عليها في المادة
(38) من الدستور، فإن أصل الحق في الضريبة محل النزاع الماثل، يكون مطروحاً على
المحكمة الدستورية العليا بقوة النصوص الدستورية ذاتها، لتقول كلمتها في شأن
دستوريتها.
وحيث إن الضريبة العامة يحكمها أمران لا ينفصلان عنها، بل تتحدد
دستوريتها على ضوئهما معاً:
أولهما: أن الأموال التي تجبيها الدولة من ضرائبها وثيقة الاتصال
بوظائفها الحيوية ، وبوجه خاص ما تعلق منها بتأمين مجتمعها، والعمل على تطويره.
وقيامها على وظائفها هذه، يقتضيها أن توفر بنفسها -ومن خلال الضريبة وغيرها من
الموارد- المصادر اللازمة لتمويل خططها وبرامجها. والرقابة التي تفرضها السلطة
التشريعية -بوسائلها- على هذه الموارد ضبطاً لمصارفها، هي الضمان لإنفاذ سياستها
المالية التي لا يجنح الاقتصاد معها نحو أعاصير لا تؤمن عواقبها، وبوجه خاص في
نطاق العمالة ، وضمان استقرار الأسعار، وصون معدل معقول للتنمية ، وكذلك حد أدنى
لمواجهة أعباء الحياة .
وهذه القواعد والضوابط التي تهيمن بها السلطة التشريعية على الإنفاق
العام، هي التي يتعين أن تنزل عليها السلطة التنفيذية ، فلا تحيد عنها أو تعدل
فيها، لضمان ألا يكون هذا الإنفاق إسرافاً أو تبديداً أو إرشاءً أو إغواء، بل
أميناً، مقتصداً ورشيداً. وهى بعد قواعد لا يجوز على ضوئها جر مبالغ من الخزانة
العامة قبل تخصيصها وفقاً للقانون، بما يكفل رصدها على الأغراض التي حددها، والتي
لا يجوز أن تتحول السلطة التنفيذية عنها، ولا أن تعدل فيها بإرادتها المنفردة
بما مؤداه: أن ربط الموارد في جملتها، بمصارفها تفصيلاً، وإحكام
الرقابة عليها، يعد إلتزاماً دستورياً يقيد السلطة التشريعية ، فلا يجوز لها أن
تناقض فحواه بعمل من جانبها، إذ هو جوهر اختصاصها في مجال ضبطها لمالية الدولة ،
وإرساء قواعدها وفقاً لأحكام المواد (115، 116، 120) من الدستور.
ثانيهما: أن الضريبة العامة -وبغض النظر عن جوانبها التنظيمية التي
تعتبر من آثارها العرضية غير المباشرة - لا تزال مورداً مالياً، بل هي كذلك أصلاً
وابتداءً. ومن ثم تتضافر مع غيرها من الموارد التي تستخدمها الدولة لمواجهة
نفقاتها الكلية ، سواء في ذلك تلك التي يكون طابعها منتظماً أو طارئاً، بما مؤداه:
أن استخدامها لمواردها تلك، لا ينفصل عن واجباتها الدستورية التي تقتضيها أن تكون
مصارفها مسخرة لتحقيق النفع العام لمواطنيها.
ومن ثم يكون النفع العام -أو ما يعبر عنه أحياناً بأكبر منفعة جماعية
- قيداً على إنفاقها لإيراداتها، وكذلك شرطاً أولياً لاقتضائها لضرائبها ورسومها.
وحيث إن ما تقدم مؤداه: أن أغراض التمويل تعتبر قيداً على السلطة
الضرائبية يقارنها ولا يفارقها، وحدا من الناحية الدستورية على ضوابط إنفاق المال
العام. ولا يعنى ما تقدم أن الدولة لا تستطيع تحويل بعض مواردها إلى الجهة التي
تراها لتعينها بها على النهوض بمسئولياتها وتطوير نشاطها، بل يجوز ذلك بشرطين:
أولهما: أن تكون الأغراض التي تقوم عليها هذه الجهة وفقاً لقانون
إنشائها، وثيقة الاتصال بمصالح المواطنين في مجموعهم، أولها آثارها على قطاع عريض
من بينهم، مما يجعل دورها في الشئون التي تعنيهم حيوياً.
ثانيهما: أن يكون دعمها مالياً مطلوباً لتحقيق أهدافها، على أن يتم ذلك
- لا عن طريق الضريبة التي تفرضها السلطة التشريعية ابتداء لصالحها لتعود إليها
مباشرة غلتها - بل من خلال رصد ما يكفيها بقانون الموازنة العامة وفقاً للقواعد التي
نص عليها الدستور، وفى إطار الأسس الموضوعية التي يتحدد مقدار هذا الدعم على
ضوئها.
وحيث إن الأصل فى الضريبة - وباعتبار أن حصيلتها تعد إيراداً عاماً-
أن يؤول مبلغها إلى الخزانة العامة ليندمج مع غيره من الموارد التي تم تدبيرها،
لتفقد كل منها ذاتيتها، ولتشكل جميعها نهراً واحداً لإيراداتها الكلية Consolidated Funds؛ وكان النص المطعون فيه قد فرض الضريبة المتنازع
عليها لصالح نقابة بذاتها، واختصها بحصيلتها التى تؤول مباشرة إليها، فلا تدخل
خزانة الدولة ، أو تقع ضمن مواردها ليمتنع استخدامها فى مجابهة نفقاتها، فإنها
تكون فى حقيقتها معونة مالية رصدتها الدولة لتلك النقابة - لا عن طريق الضوابط
التى فرضها الدستور فى شأن الإنفاق العام - ولكن من خلال قيام الضريبة المطعون
عليها بدور يخرجها عن مجال وظائفها، ويفقدها مقوماتها لتنحل عدماً، وهو ما يقتضى
الحكم بعدم دستوريتها لمخالفتها أحكام المواد (61، 115، 116، 119، 120) من
الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية البند "خامساً" من المادة (51)
من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية ، فيما نص عليه
من تخويلها حق اقتضاء رسم قدره مليم واحد على إنتاج الشيكارة من الأسمنت وزن 50
كيلو جرام، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق