القضية رقم 130 لسنة 34 ق " دستورية "
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث عشر من يناير سنة 2018م،
الموافق السادس والعشرين من ربيع الآخر سنة 1439 هـ.
برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق رئيس
المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: السيد عبدالمنعـم حشيش وسعيد مرعى عمرو
وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمـد غنيم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد
الجواد شبل نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / طارق عبدالعليم أبو العطا
رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين
السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية
المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 130 لسنة 34 قضائية " دستورية
" بعد أن أحالت محكمة استئناف الإسكندرية بقرارها الصادر بجلسة 30/5/2012 ملف
الدعوى رقم 10 لسنة 67 قضائية "تحكيم"
المقامة من
شركة الفريد لحليج وتجارة الأقطان، ويمثلها :
1 - أحمد فريد عبد الفتاح عبد المغنى، رئيس مجلس الإدارة
2 - سعد محمد سعداوى، نائـب رئيـس مجلـس الإدارة
ضــد
1 - محمد عادل لهيطة، صاحب شركة ترستكو للاستيراد والتصدير
2 - رئيس اتحاد مصدري الأقطـان بالإسكندرية
3 - مدير عام اتحاد مصدري الأقطان بالإسكندرية
4 - رئيس هيئة التحكيم لاتحاد مصدري الأقطان بالإسكندرية
الإجراءات
بتاريخ الخامس والعشرين من أغسطس سنة 2012، ورد إلى قلم كتاب المحكمة
الدستورية العليا، ملف الدعوى رقم 10 لسنة 67 قضائية تحكيم، بعد أن قررت محكمة
استئناف الإسكندرية، بجلسة 30/5/2012 قبل الفصل في الموضوع، وقف الدعوى، وإحالة
الأوراق، بغير رسوم، إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل في دستورية المادتين
(25، 26) من قانون اتحاد مصدري الأقطان الصادر بالقانون رقم 211 لسنة 1994، فيما
نصتا عليه، على التوالي، من أن "كل تعامل ببيع الأقطان إلى الخارج، يجب أن
يتم وفقًا لنموذج عقد، يُنص فيه على خضوع المتعاملين للوائح الاتحاد، وأن يتم
التحكيم فى الإسكندرية ...."، "يختص الاتحاد بالفصل، بطريق التحكيم، فى
أوجه الخلافات التي تنشأ بين مصدري الأقطان والمشترين ....".
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت
فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير
الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى، على النحو المبين
بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمــــة
بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة
.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين
من حكم الإحالة وسائـــر الأوراق – فى أن شركة ترستكو للاستيراد والتصدير، تعاقدت
على شراء أقطان، من شركة الفريد لحليج وتجارة الأقطان، بالكميات والأصناف
والأسعار، المبينة فى العقدين المؤرخين فى 17/10/2011، ثم شجر بينهما خلاف، حول
شروط تنفيذهما، لجأت، على أثره الشركة المشترية، إلى لجنة التحكيم الابتدائي، بطلب
التحكيم رقم 7 لسنة 2011، عملاً بالمادتين (25، 26) من القانون رقم 211 لسنة
1994المشار إليه، وأصدرت تلك اللجنة حكمًا بإلزام شركة الفريد أن تؤدى لشركة
ترستكو للاستيراد والتصدير مبلغ 493920 دولارًا أمريكيًّا، وتأيد هذا الحكم من
لجنة التحكيم الاستئنافية، فأقامت شركة الفريد لحليج وتجارة الأقطان الدعوى رقم 10
لسنة 67 قضائية "تحكيم"، أمام محكمة استئناف الإسكندرية، بطلب الحكم
بصفة مستعجلة، بوقف تنفيذ حكم لجنة التحكيم المشار إليه، وفى الموضوع ببطلان حكم
التحكيم الابتدائي المقيد برقم 7 لسنة 2011 الصادر بتاريخ 23/1/2011، والحكم
الصادر فى استئنافه بتاريخ 23/6/2011، مشيدة طلبها على عدم الاتفاق بينها والمدعى
عليها الأولى على التحكيم، وأن المواد (25، 26، 27) من قانون اتحاد مصدري الأقطان
المشار إليه والمادة (18) من قرار وزير التجارة الخارجية رقم 157 لسنة 2004 بتعديل
بعض أحكام اللائحة الداخلية لاتحاد مصدري الأقطان تفرض التحكيم جبرًا، وعدم اختصاص
هيئة التحكيم بنظر النزاع . وإذ تراءى لمحكمة الموضوع، التي تنظر الطعن فى حكم
التحكيم المشار إليه، أن نصى المادتين (25، 26) من قانون اتحاد مصدري الأقطان
المشار إليه فيما نصتا عليه، على التوالي، من أن " كل تعامل ببيع الأقطان إلى
الخارج، يجب أن يتم، وفقًا لنموذج عقد، ينص فيه على خضوع المتعاملين للوائح
الاتحاد، وأن يتم التحكيم فى الإسكندرية......"، "يختص الاتحاد بالفصل
بطريق التحكيم فى أوجه الخلافات التي تنشأ بين مصدري الأقطـان والمشترين
...."، مخالفين لأحكام الدستور، فقد حكمت، بجلسة 30/5/2012، بوقف الدعوى،
وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل فى دستورية هذين النصين.
وحيث إن قانون اتحاد مصدري الأقطان
الصادر بالقانون رقم 211 لسنة 1994، قد نص فى المادة (25) منه على أن " كل
تعامل ببيع أقطان إلى الخارج، يجب أن يتم وفقًا لنموذج عقد، يُنص فيه على خضوع
المتعاملين للوائح الاتحاد، وأن يتم التحكيم بالإسكندرية، وأن كل المستفيدين من
تنفيذ العقد يعتبرون قابلين لقضاء المحاكم المصرية.
ويجب أن
تتضمن هذه النماذج الشروط الخاصة بالتحكيم، بواسطة الاتحاد، طبقًا لأحكام هذا
القانون، واللائحة الداخلية".
كما نص في المادة (26) على أن
"يختص الاتحاد بالفصل، بطريق التحكيم، في أوجه الخلافات، التي تنشأ بين مصدري
الأقطان والمشترين، حول صنف القطن، أو رتبته، أو شروط العقد، ويكون التحكيم على
درجتين ابتدائية واستئنافية، وذلك وفقًا للإجراءات والشروط ومقابل المصروفات
المبينة باللائحة الداخلية للاتحاد".
وحيث إن حكم
الإحالة، ينعى على هذين النصين ، إهدارهما لحق التقاضي، إذ فرضا على المتعاملين في
بيع الأقطان للخارج، نظامًا للتحكيم لا يلتفت إلى إرادتهم، ولا يعول على رضائهم،
ويخضعهم لأحكامه جبرًا، مما يتنافى مع الأصـــل في التحكيم، باعتباره لا يتولد إلا
عن الإرادة الحرة ولا يجوز إجراؤه تسلطًا وكرهًا، مما ترتب عليه حرمان المتداعين
من اللجوء إلى محاكم القانون العام بوصفها قاضيهم الطبيعي، ومن ثم خالفا نص المادة
(68) من دستور سنة 1971.
وحيث إن
المصلحة في الدعوى الدستورية، وهى شرط لقبولهـا، مناطهـا - وعلى ما جرى عليه قضاء
هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى
الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية مؤثرًا في الطلبات الموضوعية
المرتبطة بها، المطروحة على محكمة الموضوع؛ ويستوى فى شأن توافر هذه المصلحة أن
تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو الإحالة. والمحكمة الدستورية
العليا هى وحدها التى تتحرى توافر المصلحة فى الدعاوى الدستورية للتثبت من شروط
قبولها، بما مؤداه أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا
تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل يتعين أن يكون الحكم فى المطاعن الدستورية لازمًا
للفصل فى النزاع المثار أمام محكمة الموضوع. إذ كان ذلك، وكان جوهر النزاع الموضوعي
هو عدم صحة حكم التحكيم وطلب إلغائه، فإن المصلحة فى الخصومة الدستورية المعروضة
تكون قائمة، وينحصر نطاقها فيما تضمنه نص المادة (26) من القانون رقم 211 لسنة
1994 المشار إليه من أحكام تتصل مباشرةً بنظام التحكيم، كجهة لفض المنازعات، التي
تنشأ بين مصدري الأقطان والمشترين، حول شروط العقد، تأسيسًا على أن الفصل في
دستورية ذلك النص من شأنه أن يؤثر على الفصل في الطلبات المطروحة على محكمة
الموضوع.
وحيث إن
الرقابة على دستورية القوانين واللوائح، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي
تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، ذلك أن هذه الرقابة
تستهدف أصلاً صون هذا الدستور، وحمايته من الخروج على أحكامه التي تمثل دائمًا
القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام
العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها
أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المطاعن التي ارتأتها محكمة الموضوع على
نص المادة (26) من القانون رقم 211 لسنة 1994 المشار إليه تندرج تحت المطاعن
الموضوعية التي تقوم فى مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث
محتواها الموضوعي، وكان النص المشار إليه مازال معمولاً بأحكامه بعد صدور الدستور الحالي
الصادر عام 2014، ومن ثم فإن حسم أمر دستوريته يتم في ضوء أحكام هذا الدستور.
وحيث إن
الدستور قد كفل لكل مواطن - بنص مادته السابعة والتسعين - حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي،
مخولاً إياه بذلك أن يسعى بدعواه إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعتها، وعلى ضوء مختلف
العناصر التي لابستها، مهيئًا دون غيره للفصل فيها، كذلك فإن لحق التقاضي غاية
نهائية يتوخاها، تمثلها الترضية القضائية، التي يناضل المتقاضون من أجل الحصول
عليها، لجبر الأضرار التي أصابتهم من جراء العدوان على الحقوق التي يطلبونها، فإذا
أرهقها المشرع بقيود تعسر الحصول عليها أو تحول دونها كان ذلك إخلالاً بالحماية التي
كفلها الدستور لهذا الحق وإنكارًا لحقائق العدل فى جوهر ملامحها.
وحيث إن قضاء
هذه المحكمة مطرد على أن الأصل في التحكيم هو عرض نزاع معين بين طرفين على مُحَكَم
من الأغيار يُعيَّن باختيارهما أو بتفويض منهما أو على ضوء شروط يحددانها، ليفصل
هذا المحكم فى ذلك النزاع بقرار يكون نائيًا عن شبهة الممالأة، مجردًا من التحامل،
وقاطعًا لدابر الخصومة في جوانبها التي أحالها الطرفان إليه، بعد أن يدلى كل منهما
بوجهة نظره تفصيلاً من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية. ولا يجوز بحال أن يكون
التحكيم إجباريًّا يُذعن إليه أحد الطرفين، إنفاذًا لقاعدة قانونية آمرة، لا يجوز
الاتفاق على خلافها، وذلك سواء كان موضوع التحكيم نزاعًا قائمًا أو محتملاً، ذلك
أن التحكيم مصدره الاتفاق، إذ يحدد طرفاه - وفقًا لأحكامه - نطاق الحقوق المتنازع
عليها بينهما، أو المسائل الخلافية التي يمكن أن تعرض لهما، وإليه ترتد السلطة
الكاملة التي يباشرها المحكمون عند البت فيها، ويلتزم المحتكمون بالنزول على
القرار الصادر فيه، وتنفيذه تنفيذًا كاملاً وفقًا لفحواه، ليؤول التحكيم إلى وسيلة
فنية لها طبيعة قضائية غايتها الفصل في نزاع مبناه علاقة محل اهتمام من أطرافها،
وركيزته اتفاق خاص يستمد المحكمون منه سلطاتهم، ولا يتولون مهامهم بالتالي بإسناد
من الدولة. وبهذه المثابة فإن التحكيم يعتبر نظامًا بديلاً عن القضاء، فلا
يجتمعان، ذلك أن مقتضى الاتفاق عليه عزل المحاكم جميعها عن نظر المسائل التي انصب
عليها استثناء من أصل خضوعها لولايتها.
ومؤدى ما
تقدم جميعه، أنه إذا ما فرض المشرع التحكيم قسرًا بقاعدة قانونية آمرة، فإن ذلك
يُعد انتهاكًا لحق التقاضي الذى كفله الدستور.
وحيث إن
البين من استقراء نص المادة (26) من القانون رقم 211 لسنة 1994 المشار إليه، في
النطاق سالف التحديد، أنه قد أسند الفصل في أوجه الخلاف، الذى ينشأ بين مصدري
الأقطان والمشترين، حول شروط العقد، المبرم بينهما بشأن تصدير الأقطان، لاتحاد مصدري
الأقطان، بطريق التحكيم، وأن يتم هذا التحكيم على درجتين، ابتدائية واستئنافية،
وفقًا للإجراءات والشروط، المبينة باللائحة الداخلية للاتحاد. وقد جعلت المادة
(102) من اللائحة الداخلية لاتحاد مصدري الأقطان، الصادرة بقرار وزير الاقتصاد
والتجارة الخارجية رقم 507 لسنة 1994، القرار الصادر في التحكيم الاستئنافي
نهائيًّا، وحاسمًا للنزاع بين طرفي التحكيم.
وحيث إنه متى
كان ما تقدم، فإن نص المادة (26) من القانون المشار إليه يكون قد فرض التحكيم
قهرًا على أصحاب الشأن، وخلع قوة تنفيذية على القرارات، التي تصدرها لجان التحكيم،
في حقهم عند وقوع الخلاف على شروط العقد المبرم بينهم، وبهذه المثابة فإن هذا
النوع من التحكيم - الذى يبسط مظلته على جُل المنازعات بين مصدري الأقطان
والمشترين، حول شروط العقد - يكون منافيًا للأصل فيه، باعتبار أن التحكيم لا يتولد
إلا عن الإرادة الحرة، ولا يجوز إجراؤه تسلطًا وكرهًا، بما مؤداه أن اختصاص جهة
التحكيم، التي أنشأها نص المادة (26) من قانون اتحاد مصدري الأقطان الصادر
بالقانون رقم 211 لسنة 1994 لنظر المنازعات التي أدخلها، جبرًا، في ولايتها يكون
منتحلاً، ومنطويًا بالضرورة على إخلال بحق التقاضي، بأن حرم المتداعين من اللجوء
إلى قاضيهم الطبيعي، بالمخالفة لنص المادة (97) من الدستور، ومنعدمًا بالتالي من
زاوية دستورية.
وحيث إن
الفقرة الأولى من المادة (25) من قانون اتحاد مصدري الأقطان المشار إليه، فيما
تضمنته من عبارة "وأن يتم التحكيم بالإسكندرية"، والفقرة الثانية منها،
والمادة (27) من هذا القانون، وكذا المواد من (95) إلى (104) من اللائحة الداخلية
لاتحاد مصدري الأقطان، الصادرة بقرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 507
لسنة 1995، ترتبط ارتباطًا لا يقبل التجزئة بنص المادة (26) المحال، فى النطاق
المشار إليه، فإنها تسقط، بتطبيقها فى هذا النطاق، تبعًا للحكم بعدم دستوريته، إذ
لا يتصور وجودها بدون هذا النص .
فلهــذه الأسبـاب
حكمت المحكمة :
أولاً : بعدم دستورية نص المادة (26) من قانون اتحاد مصدري الأقطان
الصادر بالقانون رقم 211 لسنة 1994.
ثانيًا : بسقوط الفقرة الأولى من المادة (25) من القانون المشار إليه،
فيما تضمنته من عبارة " وأن يتم التحكيم بالإسكندرية"، والفقرة الثانية
منها، والمادة (27) من القانون ذاته، وكذا المواد من (95) إلى (104) من اللائحة
الداخلية لاتحاد مصدري الأقطان، الصادرة بقرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية
رقم 507 لسنة 1994.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق