جلسة 13 من مارس سنة 2007
برئاسة السيد القاضي الدكتور/ رفعت محمد عبد المجيد نائب رئيس المحكمة
وعضوية السادة القضاة/ علي محمد علي، حسين السيد متولي، صلاح الدين كامل أحمد نواب
رئيس المحكمة ومحمود حسن التركاوي.
-------------
(46)
الطعن 76 لسنة 73 ق
- 1 حكم " ما لا يُعيب تسبيبه " "عيوب التدليل : القصور في التسبيب " " حجية الأحكام . تحكيم " حجية حكم التحكيم". قوة الأمر المقضي . نقض " سلطة محكمة النقض " " أثر النقض أمام محكمة الإحالة " .
نقض الحكم. أثره. حيازة المسائل التي لم يتناولها الحكم الناقض قوة
الأمر المقضي. تمسك الخصم بحجية حكم تحكيم سبق صدوره في ذات هذه المسائل لأول مرة
أمام محكمة الإحالة. أثره. اعتباره تنازلاً منه عن الحق الثابت له بهذه الحجية.
علة ذلك.
- 2 حكم " ما لا يُعيب تسبيبه " "عيوب التدليل : القصور في التسبيب " " حجية الأحكام . تحكيم " حجية حكم التحكيم". قوة الأمر المقضي . نقض "سلطة محكمة النقض" "أثر النقض أمام محكمة الإحالة".
قضاء محكمة النقض في مسألة كلية شاملة تتعلق بنزاع بين الطاعنة
والمطعون ضدها الأولى حاز حجية الأمر المقضي. تحصل الأولى قبل هذا القضاء على حكم
من هيئة التحكيم الأمريكية في ذات النزاع من شأنه أن يتعارض مع هذه الحجية
وتراخيها في تقديمه إلى بعد تاريخ صدور الحكم الناقض الأول. مؤداه. امتناع إعمال
أثره على المركز القانوني الذي تحقق للمطعون ضدها الأولى بالقضاء الأول لمحكمة
النقض. انتهاء الحكم المطعون فيه إلى هذه النتيجة استناداً إلى المادة 58/ 2 من ق
27 لسنة 1994. لا عيب. لمحكمة النقض إنشاء أسباب قانونية جديدة تقوم بها قضائه دون
أن تنقضه.
- 3 تعويض " الضرر : تقديره : عناصره " محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير التعويض " . مسئولية . نقض .
تقدير التعويض. مسألة واقع يستقل بها قاضي الموضوع.
- 4 تعويض " التعويض عن الفعل الضار غير المشروع : تعيين عناصر الضرر " .
تعيين عناصر الضرر المطالب بالتعويض عنه. مسألة قانون. خضوعها لرقابة
محكمة النقض. عدم مناقشة الحكم لكل عنصر من عناصر الضرر التي عرضها على حدة لبيان
مدى أحقية المضرور فيها. قصور.
--------------
1 - المقرر أنه ولئن كان الأصل أنه متى حاز الحكم حجية الأمر المقضي فإن مناط التمسك به في المنع من العودة إلى مناقشة المسألة التي فصل فيها بأية دعوى تالية يثار فيها ذات النزاع هو تقديم صورة رسمية من الحكم الصادر فيها والتمسك بأثره فور صدوره, فإذا استطال تمسك الخصم به - في دعوى مقامه بالفعل - إلى أمد ينبئ عن تنازله عن الحق الثابت به فإنه يتعين عدم الاعتداد بأثره على المراكز القانونية التي استقرت لخصمه في تاريخ لاحق على صدور هذا الحكم الذي ساهم بفعله في تحققها اتساقا مع القاعدة الأصولية التي تقضي بأن من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه, وكان المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن أحكام المحكمين شأنها شأن أحكام القضاء تحوز حجية الأمر المقضي بمجرد صدورها وتبقى هذه الحجية طالما بقى الحكم قائما, وكان قضاء محكمة النقض يحوز هذه الحجية في حدود المسألة التي تناولها ويمتنع على المحكمة المحال إليها عند إعادة نظر الدعوى المساس بهذه الحجية ويتعين عليها أن يقتصر نظرها على موضوع الدعوى في نطاق المسألة التي أشار إليها الحكم الناقض, كما يمتنع على الخصوم أن يعودوا إلى المناقشة في شأنها من جديد, وأنه متى فصل الحكم المحاج به في مسألة كلية شاملة امتنع النظر في مسألة فرعية متفرعة عنها.
2 - إذ كان الواقع في الدعوى حسبما حصله الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق أن حكم محكمة أول درجة قضى بأحقية المطعون ضدها الأولى في المبلغ محل الحجز التحفظي رقم ... لسنة 1994 جنوب القاهرة وبتثبيته مع إلزام الطاعنة بأن تؤدي له مبلغ مليون دولار تعويضا عن الأضرار التي لحقت به قد صدر بتاريخ 29 من فبراير سنة 1996 وتأيد بالحكم الصادر في الاستئناف رقم ... لسنة 113 ق القاهرة بتاريخ 18 من يونيه سنة 1997, وإذ طعنت الطاعنة عليه بطريق النقض تحت رقم .... لسنة 67 ق, وقضت محكمة النقض فيه بتاريخ 26 من ابريل سنة 1999 برفض ما تمسكت به من نفي لخطئها في توريد وشحن رسالة القمح إلى المطعون ضدها الأولى بعد أن ثبت لها من أسباب الحكم الاستئنافي السائغة والتي لها معينها من الأوراق أن ما أصابها من تلف كان سابقا على شحنها وما رتبه هذا القضاء من مسئولية الطاعنة عما أصاب المطعون ضدها الأولى من ضرر سببه ذلك الخطأ على نحو تعد هذه المسألة التي فصل فيها حكم النقض مسألة كلية شاملة حازت حجية الأمر المقضي بالنسبة لها وما يتفرع عنها من مسائل فرعية, منها بيان عناصر الضرر المؤسس عليه طلب التعويض والذي كان محلا لنقض الحكم المطعون فيه, وكانت الطاعنة على الرغم من صدور حكم هيئة التحكيم الأمريكية في ذات النزاع بينها وبين المطعون ضدها الأولى بتاريخ 7 من مايو سنة 1997 لم تتقدم به وبترجمة رسمية له للتمسك بأثره في منع محكمة الاستئناف من الاستمرار في نظر الدعوى أمامها إلا بجلسة 27 من أكتوبر سنة 2002 على نحو ينبئ عن تنازلها عن الحق الثابت به بما يمتنع معه إعمال أثره على المركز القانوني الذي تحقق للمطعون ضدها الأولى بقضاء محكمة النقض الصادر في الطعن رقم ... لسنة 67 ق - على النحو سالف البيان - والذي ساهمت الطاعنة فيه، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى هذه النتيجة فإنه لا يعيبه خطؤه في أسبابه القانونية بالاستناد إلى المادة 58/ 2 من القانون رقم 27 لسنة 1994, إذ لمحكمة النقض أن تنشئ أسبابا جديدة تقوم بها هذا القضاء دون أن تنقضه.
3 - المقرر أن تقدير التعويض عن الضرر من المسائل الواقعية التي يستقل بها قاضي الموضوع.
4 - المقرر أن تعيين عناصر الضرر التي يجب أن تدخل في حساب التعويض هو من المسائل القانونية التي تخضع لرقابة محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه وإن عُرض لبيان عناصر الضرر إلا أنه لم يناقش كل عنصر منها على حدة أو يبين وجه أحقية المطعون ضدها الأولى فيه، ومن ثم يكون هذا البيان قد جاء على نحو مجمل معمى بما يعيبه بالقصور المبطل.
--------------
الوقائع
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق –
تتحصل في أن الشركة المطعون ضدها الأولى أقامت الدعوى رقم ...... لسنة 1994 تجاري
جنوب القاهرة الابتدائية على الشركة الطاعنة بطلب الحكم بإلزامها بأن تؤدي لها
مبلغ 7912594,11 دولاراً أمريکياً وبصحة إجراءات الحجز التحفظي الموقع تحت يد
البنك المطعون ضده الثاني وجعله نافذاً، وقالت في بيان ذلك إنها تعاقدت مع الطاعنة
بتاريخ 4 من يناير سنة 1994 على شراء كمية من القمح الأمريكي شريطة أن يكون خالياً
من الحشرات والفطريات لقاء ثمن مقداره 5912594,11 دولاراً أمريکياً، وعند وصول
الكمية المتعاقد عليها ميناء دمياط رفضت سلطات الحجر الزراعي إدخالها البلاد لوجود
حشرة بها، فاستصدرت ضدها أمر الحجز التحفظي رقم ..... لسنة 1994 جنوب القاهرة على
قيمة السند الإذني المؤرخ 14 من أبريل سنة 1994 الصادر من المطعون ضده الثاني لصالحها
بباقي ثمن القمح، ولما كان قد أصابها أضرار مادية ومعنوية تقدر بمبلغ 2 مليون
دولار فقد أقامت دعواها. أقامت الطاعنة عليها الدعوى رقم ...... لسنة 1995 تجاري
جنوب القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بإلغاء أمر الحجز التحفظي سالف البيان
واعتباره كأن لم يكن وإلغاء الحجز الموقع بموجبه، وقالت في بيان ذلك بأن المطعون
ضدها الأولى تعاقدت معها على استيراد رسالة من القمح الأمريكي وقد أصدر المطعون
ضده الثاني خطاب اعتماد لسداد قيمتها إلا أنه لم يلتزم به مما دفعها إلى إبرام
اتفاق مع المطعون ضدها الأولى بتاريخ 10 من أبريل سنة 1994 لسداد ثمن القمح على
قسطين الأول بقيمة 10%، والثاني بقيمة 90% وحررت عن الأخير سنداً إذنياً بقيمة
5479759,8 دولاراً أمريكياً مستحقة السداد في 15 من سبتمبر سنة 1994 إلا أنها
فوجئت بها توقع الحجز التحفظي على قيمة السند الإذني تحت يد المطعون ضده الثاني،
وبذلك أصبح المطعون ضدهما مدينين معاً لها بقيمة السند الإذني، هذا إلى أن الحجز
التحفظي لم يعد قائماً بعد أن تقاعست المطعون ضدها الأولى عن إقامة دعوى ثبوت الحق
وصحة إجراءات الحجز خلال الموعد المحدد.
ضمت المحکمة الدعويين، وحکمت بتاريخ 29 من فبراير سنة 1996 في الدعوى
رقم ...... لسنة 1994 تجاري جنوب القاهرة الابتدائية بإلزام الطاعنة بأن تؤدي
للمطعون ضدها الأولى مبلغ 6912594,11 دولاراً أمريکياً، وبصحة إجراءات الحجز
التحفظي على ما للمدين لدى الغير الموقع تحت يد المطعون ضده الثاني بتاريخ 15 من
يونية سنة 1994 نفاذاً لأمر الحجز التحفظي رقم ...... لسنة 1994 جنوب القاهرة،
وتثبيته وجعله نافذاً، وفي الدعوى رقم ..... لسنة 1995 تجاري جنوب القاهرة
الابتدائية بعدم جواز نظرها لسبق الفصل فيها بالدعوى رقم ...... لسنة 1994 مدني
جنوب القاهرة الابتدائية.
استأنفت الطاعنة هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم
...... لسنة 113ق، وبتاريخ 18 من يونية سنة 1997 حكمت بتأييد الحکم المستأنف فيما
قضى به في الدعوى رقم .... لسنة 1994، وفي موضوع الدعوى رقم ...... لسنة 1995
بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن
رقم ...... لسنة 67ق، وبتاريخ 26 من أبريل سنة 1999 نقضت المحکمة الحكم لإغفاله
بحث دفاع الطاعنة بشأن بيان عناصر الضرر المؤدي إلى القضاء بالتعويض، وإذ عجلت
الطاعنة السير في الاستئناف، فقد حكمت المحكمة بتاريخ 27 من نوفمبر سنة 2002 برفض
الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة للمرة الثانية في هذا الحكم بطريق
النقض بالطعن رقم ...... لسنة 73ق، وأمرت المحكمة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه
مؤقتاً، وأودعت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ
عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة
رأيها.
-------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر
والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين تنعي الطاعنة بالسبب الأول منهما على
الحكم المطعون فيه، مخالفة القانون، والخطأ في تطبيقه، وتأويله، إذ قضى برفض الدفع
بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها بحكم التحكيم الصادر من هيئة التحكيم
الأمريكية (AAA) American arbitratian association في 7 من
مايو سنة 1997 على ما ذهب إليه من أن الفقرة (1) من المادة 58 من القانون رقم 27
لسنة 1994 بشأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية تشترط لتنفيذ الحكم ألا
يتعارض مع حكم سبق صدوره من المحاكم المصرية في موضوع النزاع، فإنه يكون بذلك قد
خلط بين الحالات التي تناولتها تلك المادة لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية وبين
حجية تلك الأحكام التي انتظمتها المادة الثالثة من اتفاقية نيويورك الخاصة بتنفيذ
أحكام التحكيم الأجنبية سنة 1958، والتي لا ينال منها صدور الحكم الابتدائي رقم
..... لسنة 1994 جنوب القاهرة الابتدائية بتاريخ 29 من فبراير سنة 1996 والذي لم
تثبت له الحجية بعد لكونه محلاً للاستئناف، فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك بأنه ولئن كان الأصل أنه متى حاز
الحكم حجية الأمر المقضي فإن مناط التمسك به في المنع من العودة إلى مناقشة
المسألة التي فصل فيها بأية دعوى تالية يثار فيها ذات النزاع هو تقديم صورة رسمية
من الحكم الصادر فيها والتمسك بأثره فور صدوره، فإذا استطال تمسك الخصم به - في
دعوى مقامة بالفعل – إلى أمد ينبئ عن تنازله عن الحق الثابت به فإنه يتعين عدم
الاعتداد بأثره على المراكز القانونية التى استقرت لخصمه في تاريخ لاحق على صدور
هذا الحكم الذي ساهم بفعله في تحققها اتساقاً مع القاعدة الأصولية التي تقضي بأن
من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه - وكان المقرر – في قضاء هذه
المحكمة – أن أحكام المحكمين شأنها شأن أحكام القضاء تحوز حجية الأمر المقضي بمجرد
صدورها وتبقى هذه الحجية طالما بقي الحكم قائماً، وكان قضاء محكمة النقض يحوز هذه
الحجية في حدود المسألة التي تناولها ويمتنع على المحكمة المحال إليها عند إعادة
نظر الدعوى المساس بهذه الحجية ويتعين عليها أن يقتصر نظرها على موضوع الدعوى في
نطاق المسألة التي أشار إليها الحكم الناقض، كما يمتنع على الخصوم أن يعودوا إلى
المناقشة في شأنها من جديد، وأنه متى فصل الحكم المحاج به في مسألة كلية شاملة
امتنع النظر في مسألة فرعية متفرعة عنها. لما كان ذلك، وكان الواقع في الدعوى
حسبما حصله الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق أن حكم محكمة أول درجة قضي بأحقية
المطعون ضدها الأولى في المبلغ محل الحجز التحفظي رقم ..... لسنة 1994 جنوب
القاهرة وبتثبيته مع إلزام الطاعنة بأن تؤدي له مبلغ مليون دولار تعويضاً عن
الأضرار التي لحقت به قد صدر بتاريخ 29 من فبراير سنة 1996 وتأيد بالحكم الصادر في
الاستئناف رقم ...... لسنة 113ق القاهرة بتاريخ 18 من يونية سنة 1997، وإذ طعنت
الطاعنة عليه بطريق النقض تحت رقم ..... لسنة 67ق، وقضت محكمة النقض فيه بتاريخ 26
من أبريل سنة 1999 برفض ما تمسكت به من نفي لخطئها في توريد وشحن رسالة القمح إلى
المطعون ضدها الأولى بعد أن ثبت لها من أسباب الحكم الاستئنافي السائغة والتي لها
معينها من الأوراق أن ما أصابها من تلف كان سابقاً على شحنها وما رتبه هذا القضاء
من مسئولية الطاعنة عما أصاب المطعون ضدها الأولى من ضرر سببه ذلك الخطأ على نحو
تعد هذه المسألة التي فصل فيها حكم النقض مسألة كلية شاملة حازت حجية الأمر المقضي
بالنسبة لها وما يتفرع عنها من مسائل فرعية، منها بيان عناصر الضرر المؤسس عليه
طلب التعويض والذي كان محلاً لنقض الحكم المطعون فيه، وكانت الطاعنة على الرغم من
صدور حكم هيئة التحكيم الأمريكية في ذات النزاع بينها وبين المطعون ضدها الأولى
بتاريخ 7 من مايو سنة 1997 لم تتقدم به وبترجمة رسمية له للتمسك بأثره في منع
محكمة الاستئناف من الاستمرار في نظر الدعوى أمامها إلا بجلسة 27 من أکتوبر سنة
2002 على نحو ينبئ عن تنازلها عن الحق الثابت به بما يمتنع معه إعمال أثره على
المركز القانوني الذي تحقق للمطعون ضدها الأولى بقضاء محكمة النقض الصادر في الطعن
رقم ...... لسنة 67ق على النحو سالف البيان والذي ساهمت الطاعنة فيه، وإذ انتهى
الحكم المطعون فيه إلى هذه النتيجة فإنه لا يعيبه خطؤه في أسبابه القانونية بالاستناد
إلى المادة 58/2 من القانون رقم 27 لسنة 1994، إذ لمحکمة النقض أن تنشئ أسباباً
جديدة تقوم بها هذا القضاء دون أن تنقضه.
وحيث إنه مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق
القانون ذلك بأنه أقام قضاءه بتأييد الحكم المستأنف فيما انتهى إليه من تعويض مادي
للمطعون ضدها الأولى استناداً إلى عناصر للضرر سردها على نحو مجمل ومجهل خلت
الأوراق من دليل تحققها بمقولة أنها شركة تهدف إلى الربح وإنه قد لحقها خسارة من
جراء تجميد المبلغ الذي دفعته للبنك (المطعون ضده الثاني)، وأورد عن الضرر الأدبي
إدعاءه بأن الطاعنة تسببت في فقدان ثقة المتعاملين معها من جراء عدم التزامها
بتسليم شحنات جزئية من القمح المستورد لهم، وهو ما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب
نقضه.
وحيث إن هذا النعي – في نطاق ما جاء بالرد على السبب الأول – في محله،
ذلك بأن المقرر أنه وإن كان تقدير التعويض عن الضرر من المسائل الواقعية التي
يستقل بها قاضي الموضوع، إلا أن تعيين عناصر الضرر التي يجب أن تدخل في حساب
التعويض هو من المسائل القانونية التي تخضع لرقابة محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان
الحكم المطعون فيه وإن عرض لبيان عناصر الضرر إلا أنه لم يناقش كل عنصر منها على
حدة أو يبين وجه أحقية المطعون ضدها الأولى فيه، ومن ثم يكون هذا البيان قد جاء
على نحو مجمل معمي بما يعيبه بالقصور المبطل ويوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث
باقي أوجه الطعن.
وحيث إن الطعن للمرة الثانية، وكان الموضوع صالح للفصل فيه، ولما
تقدم، وكان البين من عقد الاتفاق المحرر بين المستأنفة والمستأنف عليها الأولى
المؤرخ 10 من أبريل سنة 1994 المرفق بالأوراق والخاص ببيان خطوات سداد ثمن رسالة
التداعي بعد أن صدر للأولى خطاب اعتماد من البنك المستأنف عليه الثاني حال دون
سداد المستأنف عليها الأولى قيمته وما أسفر عنه هذا الاتفاق من وجوب سداد الأخيرة
نسبة 10% من قيمة الرسالة قدر بمبلغ 591259.42 دولاراً أمريكياً مع تسليم كمبيالة
بنكية مسحوبة على ذلک البنك بمبلغ 5479759,80 دولارا، والبين من کتاب جمارك دمياط
(إدارة المنافستو المرکزي) بتاريخ 30 مارس سنة 1997 أنه قد تم إعادة تصدير جزء من
مشمول الرسالة مقداره 16,366560 طناً بتواريخ 17، 20 من يونية سنة 1995، و12 من
سبتمبر سنة 1995، و4 من يناير سنة 1996 إلى مينائي أشدود وحيفا وذلك بمعرفة
المستأنف عليها الأولى والتي تحصلت على قيمة 13 ألف طن منها وكان البين من كتاب الأخيرة
المرسل إلى هيئة ميناء دمياط أنها قامت بسداد مبلغ 344397,80 جنيهاً مصرياً وذلك
بالشيك رقم 800458 في 15 من سبتمبر سنة 1991 الذي يمثل تكلفة نقل القمح الفاسد
تمهيداً لإعدامه، وهو ما تستخلص منه هذه المحكمة - في ضوئه وجوب اقتصار التعويض
التعاقدي عن الضرر المباشر المتوقع – أن ما سددته المستأنف عليها الأولى من قيمة
الدفعة المقدمة التي بلغت 10% من قيمة الرسالة وما أوفته لهيئة ميناء دمياط مقابل
نقل القمح الفاسد وإعدامه إنما يقابله حصولها على قيمة ما أعادت تصديره من الرسالة
إلى الخارج وقبض ثمنه، وذلك عن الضرر المادي، أما عن الضرر الأدبي المتمثل في
تسلمها رسالة مصابة بالحشرات وغير صالحة للاستهلاك على نحو يؤثر على سمعتها
التجارية، فإن المحكمة ترى تقدير التعويض الجابر له بمبلغ عشرة آلاف دولار.
وحيث إنه عما تثيره المستأنفة في استئنافها من أن قضاء محكمة أول درجة
انتهى إلى إلزامها بأن تؤدي إلى المستأنف عليها الأولى مبلغ 5912594,11 دولاراً،
في حين أنه لم يسبق للأخيرة أن سددت لها هذا المبلغ – وهو دفاع لا شأن له بحجية
الحكم الصادر من محكمة النقض في الطعن رقم ...... لسنة 67ق، وإنما يجاوز نطاقه،
فإنه في غير محله، ذلك بأن المقرر أن الحجية إنما تثبت لما فصل فيه الحكم المحاج
به بصفة صريحة أو ضمنية سواء في المنطوق أو في الأسباب التي لا يقوم المنطوق
بدونها، وكان الثابت من الحكم الصادر من محكمة أول درجة المؤيد لأسبابه بالحكم
المطعون فيه - في هذا الخصوص – أنها أوردت بأسبابها المرتبطة بمنطوق حكمها أنها
قضت بصحة إجراءات الحجز على السند الإذني وتثبيته استناداً إلى أحقية المستأنف
عليها الأولى في عدم الوفاء بقيمته بما لازمه أن قضاءه في المنطوق إنما يتقيد بهذه
الأسباب.