قضية رقم 56 لسنة 27 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يـوم السبت الحادى عشر من إبريل سـنة 2015م، الموافق الثانى والعشرين من جمادى الآخرة سنة1436 هـ .
برئاسة السيد المستشار / عدلى محمود منصور رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : الدكتورحنفى على جبالى ومحمد خيرى طه النجار وسعيد مرعى عمرو ورجب عبد الحكيم سليم وبولس فهمى إسكندر والدكتور حمدان حسن فهمى نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / محمود محمد غنيم رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمد ناجى عبدالسميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 56 لســنة 27 قضائية " دستورية " .
المقامة من
السيد / عماد الحسينى عبد العزيز الجناينى
ضــــــــــــــد
1- السيد رئيس مجلس الـــــــــــوزراء
2- السيد وزير العـــــــــــــدل
3- السيدة / هند صلاح محمد سالم
الإجراءات
بتاريخ التاسع من مارس سنة 2005، أودع المدعي صحيفة الدعوى الماثلة قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا في ختامها الحكم بعدم دستورية المواد (2) و(11) و(14) من قانون إنشاء محاكم الأسرة الصادر بالقانون رقم 10 لسنة 2004.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها، طلبت في ختامها الحكم؛ أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا:برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن المدعى عليها الأخيرة كانت قد أقامت الدعوى رقم 215 لسنة 2004 أمام محكمة الأسرة بقليوب؛ضد المدعي، بطلب الحكم بإلزامه بأداء مبلغ خمسة آلاف جنيه قيمة مؤخر صداقها، على سند من القول بأنها تزوجت منه بصحيح العقد الشرعي على صداق قدره خمسمائة جنيه وواحد ، وقدطلقها غيابيًّا ولم يراجعها؛ فطالبته بمؤخر صداقها فلم يستجب؛ مما حدا بها إلى إقامة تلك الدعوى. وبجلسة 6/1/2005، دفع المدعي بعدم دستورية المواد (2) و(11) و(14) من قانونإنشاء محاكم الأسرة الصادر بالقانون رقم 10 لسنة 2004، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت للمدعي بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة (2) من قانون إنشاء محاكم الأسرة الصادر بالقانون رقم 10 لسنة2004 تنص على أن :"تؤلف محكمة الأسرة من ثلاثة قضاة يكون أحدهم على الأقل بدرجةرئيس بالمحكمة الابتدائية، ويعاون المحكمة في الدعاوى المنصوص عليها في المادة(11) من هذا القانون خبيران أحدهما من الأخصائيين الاجتماعيين، والآخر من الأخصائيين النفسيين، يكون أحدهما على الأقل من النساء.
وتؤلف الدائرة الاستئنافية من ثلاثة من المستشارين بمحكمة الاستئناف يكون أحدهمعلى الأقل بدرجة رئيس بمحاكم الاستئناف، وللدائرة أن تستعين بمن تراه من الأخصائيين.
ويعين الخبيران المشار إليهما من بين المقيدين في الجداول التي يصدر بها قرارمن وزير العدل بالاتفاق مع وزير الشئون الاجتماعية أو وزير الصحة، بحسب الأحوال".
وحيث إن المادة (11) من القانون ذاته تنص على أن :"يكون حضور الخبير ينال منصوص عليهما في المادة (2) من هذا القانون جلسات محكمة الأسرة وجوبيًّا في دعاوى الطلاق والتطليق والتفريق الجسماني والفسخ وبطلان الزواج وحضانة الصغير ومسكن حضانته وحفظه ورؤيته وضمه والانتقال به وكذلك في دعاوى النسب والطاعة.
وللمحكمة أن تستعين بهما في غير ذلك من مسائل الأحوال الشخصية إذا رأت ضرورةلذلك.
وعلى كل منهما أن يقدم للمحكمة تقريرًا في مجال تخصصه."
وحيث إن المادة (14) من قانون إنشاء محاكم الأسرة المشار إليه تنص على أنه"مع عدم الإخلال بأحكام المادة (250) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، تكون الأحكام والقرارات الصادرة من الدوائر الاستئنافية غير قابلة للطعن فيها بطريق النقض".
وحيث إنه سبق للمحكمة الدستورية العليا أن حسمت مسألة دستورية المادة (14) من قانون إنشاء محاكم الأسرة المشار إليه، وذلك بحكمها الصادر بجلسة 6/4/2014، في القضية رقم 24 لسنة 33 قضائية "دستورية" الذي قضى برفض الدعوى، وتم نشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية بالعدد رقم (16) مكررًا (ب) بتاريخ 20/4/2014، وكان مقتضى نصي المادتين( 48 و 49 ) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 أن يكون لقضاء هذه المحكمة في الدعاوى الدستورية حجية مطلقة في مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة باعتباره قولاً فصلاً لا يقبل تأويلاً ولا تعقيبًا من أى جهة كانت، وهي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو إعادة طرحه عليها من جديد،فمن ثم تكون الدعوى بالنسبة إلى المادة (14) المشار إليها غير مقبولة.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة ـ وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية ـ مناطهاأن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية مؤثرًا في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة علىمحكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكانت رحى النزاع في الدعوى الموضوعية تدور حول طلب المدعى عليها الأخيرة إلزام المدعى بقيمة مؤخر صداقها، وكان المدعى يبغى من دعواه الماثلة ألا يعاون محكمة الأسرة - التي تنظر هذا النزاع - أكثر من خبير واحد من النساء، ومن ثم فإن مصلحته الشخصية المباشرة تكون متحققة في الطعن على عبارة "على الأقل"الواردة بعجز الفقرة الأولى من المادة (2) من قانون إنشاء محاكم الأسرة المشار إليه،الذى نص على أن :"يكون أحدهما على الأقل من النساء"، وفيها ينحصر نطاق الدعوى الماثلة.
وحيث إن المدعي ينعي على النص المطعون فيه، مخالفته لنصوص المواد (8) و(40)و(68) من دستور سنة 1971، على سند من أن هذا النص لا يمنع أن يكون الخبيران المعاونان لمحكمة الأسرة من النساء، لكنه يمنع أن يكون الخبيران من الرجال، بما يؤدى إلى محاباة النساء في شأن ما تتضمنه التقارير المقدمة للمحكمة، وبذلك يقيم النص المطعون فيه تمييزًا تحكميًّا غير مبرر، وهو ما يُعد إخلالاً بمبدأى تكافؤ الفرص والمساواة وتقييدًا لحق التقاضي.
وحيث إن الرقابة الدستورية على القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستورتمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة.
وحيث إنه بالبناء على ما تقدم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النصوص المطعون عليها في ضوء أحكام الدستور المعدَّل الصادر سنة 2014 .
وحيث إن التزام الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز، وفقًا لنص المادة (9) من الدستور، مؤداه أن الفرص التي تلتزم الدولة بأن تتيحها لمواطنيها مقيدة بتحديد مستحقيها وترتيبهم فيما بينهم وفق شروط موضوعية ترتد في أساسها إلى طبيعة الحق وأهدافه ومتطلباته، ويتحقق بها ومن خلالها التكافؤ في الفرص والمساواة أمام القانون، بما يتولد عن تلك الشروط في ذاتها من مراكز قانونية متماثلة تتحدد على ضوئها ضوابط الأحقية والتفضيل بين المتزاحمين في الانتفاع بهذه الفرص، بحيث إذا استقر لأى منهمحقه وفق هذه الشروط، فلا يجوز من بعد إجراء أى تمييز بينه وبين من يماثله فى مركزه القانوني، وإلا كان ذلك مساسًا بحق قرره الدستور.
وحيث إنه من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن مبدأ المساواة أمام القانون يتعين تطبيقه على المواطنين كافةً؛ باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، وعلى تقدير أن الغاية التي يستهدفها تتمثل أصلاً في صون حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها، وأضحى هذا المبدأ - فى جوهره- وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، بل يمتد مجال إعما لها كذلك إلى تلك التي كفلها المشرع للمواطنين في حدود سلطته التقديرية، وعلى ضوء ما يرتأيه محققًا للصالح العام. وقد أكد الدستور القائم بنص المادة (11) منه؛ على كفالة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقًا لأحكامه، كما حرص على كفالة حق المرأة في تولي الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة والتعيين في الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها. إذ كان ذلك، وكان من المقرر أيضًا أن صور التمييز المجافية للدستور، وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التي كفلها الدستور أو القانون، وذلك سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين للانتفاع بها، بما مؤداه أن التمييزالمنهي عنه دستوريًا هو ما يكون تحكميًا، ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يُعتبر مقصودًالذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها يُعتبر هذا التنظيم ملبيًا لها، وتعكس مشروعية هذه الأغراضإطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع لبلوغها متخذًا من القواعد القانونية التي يقوم عليها هذا التنظيم سبيلاً إليها. إذ أن ما يصون مبدأ المساواة ولا ينقض محتواه؛ هو ذلك التنظيم الذي يقيم تقسيمًا تشريعيًّا ترتبط فيه النصوص القانونية التي يضمها بالأغراض المشروعة التي يتوخاها، فإذا قام الدليل على انفصال هذه النصوص عن أهدافها، أو كان اتصال الوسائل بالمقاصد واهيًا، كان التمييز انفلاتًا وعسفًا، فلا يكون مشروعًا دستوريًا.
وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في تنظيمه لحق التقاضي - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنها سلطة تقديرية، جوهرها المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنًا ، وليس من قيد على مباشرة المشرع لهذه السلطة إلا أن يكون الدستور ذاته قد فرض في شأن مباشرتها ضوابط محددة تعتبر تخومًا لها ينبغي التزامها، وفي إطار قيامه بهذا التنظيم لا يتقيد المشرع باتباع أشكال جامدة لا يريم عنها، تفرغ قوالبها في صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز له أن يغاير فيما بينها، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها، على ضوء مفاهيم متطورة تقتضيها الأوضاع التي يباشر الحق في التقاضي في نطاقها، وبما لا يصل إلى إهداره، ليظل هذا التنظيم مرنًا، فلا يكون إفراطًا يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافًا بها عن أهدافها، ولا تفريطًا مجافيًا لمتطلباتها، بل بين هذين الأمرين قوامًا، التزامًا بمقاصدها، باعتبارها شكلاً للحماية القضائية للحق في صورتها الأكثر اعتدالاً.
وحيث إنه من المقرر كذلك - في قضاء هذه المحكمة - أن لكل مواطن حق اللجوء إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعة الخصومة القضائية، وعلى ضوء مختلف العناصر التي لابستها، مهيأ للفصل فيها، وهذا الحق مخول للناس جميعًا، فلا يتمايزون فيما بينهم في ذلك، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية في مجال سعيهم لرد العدوان على حقوقهم، فلا يكون الانتفاع بهذا الحق مقصورًا على بعضهم، ولا منصرفًا إلى أحوال بذاتها ينحصر فيها، ولا محملاً بعوائق تخص نفرًا من المتقاضين دون غيرهم، بل يتعين أن يكون النفاذ إلى ذلك الحق، من ضبطًا وفق أسس موضوعية لا تمييز فيها، وفي إطار من القيود التي يقتضيها تنظيمه، ولا تصل في مداها إلى حد مصادرته.
وحيث إن المشرع قد تغيا من قانون إنشاء محاكم الأسرة الذى حوى النص المطعون فيه - وعلى ما تضمنته الأعمال التحضيرية لهذا القانون - سرعة حسم المنازعات المتصلة بالأسرة؛ لما تتسم به هذه المنازعات من طبيعة خاصة تتعلق، في جوهرها، بأخص أمور العلاقات الإنسانية، وما استلزمه ذلك من إيجاد آلية جديدة تتغيا تحقيق عدالة أوفى وأقرب منالاً، وتكون في الوقت ذاته ملائمة لطبيعة المنازعات الأسرية وأشخاصها؛ والصغار منهم على وجه الخصوص، مما حدا بالمشرع، من أجل تحقيق هذه الغاية، إلى إنشاء محاكم الأسرة التي يقوم عليها قضاة مؤهلون ومتخصصون، ويعاون المحكمة خبيران أحدهما من الأخصائيين الاجتماعيين، والآخر من الأخصائيين النفسيين، يكون أحدهما على الأقل من النساء، ويكون حضورهما جلسات محكمة الأسرة وجوبيًّا في دعاوى الطلاق والتطليق والتفريق الجسماني والفسخ وبطلان الزواج وحضانة الصغير ومسكن حضانته وحفظه ورؤيته وضمه والانتقال به، وكذلك في دعاوى النسب والطاعة، كما يكون للمحكمة أن تستعين بهما في غير ذلك من مسائل الأحوال الشخصية إذا رأت ضرورة لذلك، ويبدأ دورهما بعد أن فشلت محاولات الصلح في مكتب تسوية المنازعات الأسرية بالمحكمة، وأضحى لزامًا تسوية النزاع قضائيًّا، فيقع على عاتقهما عبء معاونة القضاة؛ عن طريق بحث الحالة الاجتماعية والنفسية للطفل المحضون والأطراف المتنازعة على حضانته، وكذلك في المنازعات الأخرى المشار إليها، ويقدم كل منهما تقريرًا إلى المحكمة بما أسفر عنه بحثه للحالة المعروضة، ولا يعدو هذا التقرير كونه تقريرًا استرشاديًّا، كما أن وجوب حضورهما جلسات المحكمة يُقصد منه تقديم الخبرة والمشورة الفنية المتخصصة - كل فى مجاله - من أجل معاونة القضاة في الإحاطة بجوانب النزاع، دون أن يندرجا فى تشكيل محكمة الأسرة، ودون أن تلتزم المحكمة برأي أي منهما، حيث يكون لها وحدها القول الفصل فيما تسطره في حكمها، ودون أن يؤثر فى ذلك كون الخبير رجلاً أم امرأة، بيد أن ما أوجبه المشرع - بالنص المطعون فيه - من أن يكون أحد الخبيرين، على الأقل، من النساء؛ مرجعه أن منازعات الأسرة تدور فى أغلبها حول النساء والأطفال، حيث يكون لرأي المرأة فيها أهمية بالغة؛ باعتبارها - بطبيعتها- الأكثر تفهمًا في هذا المجال، وعلى أساس أن بعض مسائل الأحوال الشخصية لا يُقبل فيها شرعاً إلا قول النساء، ولا يُقبل فيها قول الرجال، مثل العدة والحيض وما إلى ذلك، وهو ما يُعد قاعدة موضوعية تبرر تفضيل المرأة في هذا الصدد، ومن ثم فإن النص المطعون فيه، وإن مايز بين الرجال والنساء- على النحو السالف البيان - إلا أن هذا التمييز؛ وقد شُيد على أساس القاعدة الموضوعية المشار إليها، فإنه ينهض تمييزًا مبررًا غير قائم على أساس تحكمى.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكان المشرع بتقريره النص المطعون فيه المشار إليه، قد أعمل سلطته التقديرية في شأن التنظيم الإجرائي للخصومة في المنازعات والدعاوى التي تختص بنظرها محاكم الأسرة، بأن وضع للحماية القضائية للمتقاضين أمامها نظامًا للتداعي يقوم على أساس نوع المنازعة، مما مؤداه ربط هذا التنظيم الإجرائي للخصومة في مجمله بالغايات التي استهدفها المشرع من هذا القانون، والتي تتمثل - على ما يتضح جليًا من أعماله التحضيرية - في تحقيق المصلحة العامة عن طريق إقامة قضاء متخصص في نظر المنازعات ذات الطابع الأسري، وفق أسس موضوعية لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزًا منهيًّا عنه بين المخاطبين بها، وكان هذا التنظيم لا يناقض جوهر حق التقاضي ولا ينتقص منه أو يقيده، بل هو تنظيم إجرائي للخصومة القضائية المتعلقة بالأسرة؛ وضعه المشرع - فى إطار سلطته التقديرية في المفاضلة بين الأنماط المختلفة لإجراءات التداعى - ودون التقيد بقالب جامد يحكم إطار هذا التنظيم، في ضوء ما ارتآه من وجوب استعانة محكمة الأسرة برأي كل من الخبيرين، من أجل استجلاء الأمور المتعلقة ـ في أغلبها ـ بالمرأة والطفل، وهو لا يعدو أن يكون رأيًا استشاريًّا غير ملزم للمحكمة عند فصلها في النزاع المطروح أمامها، ومن ثم يكون ما قرره المشرع بالنص الطعين، في إطار تنظيمه لإجراءات التقاضي أمام محكمة الأسرة، قائمًا على أسس مبررة وتوخى به تحقيق مصلحة مشروعة، ومن ثم تنتفي قالة الإخلال بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة كما لا يتضمن تقييدًا لحق التقاضى.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه لا يُعد مخالفًا لأحكام المواد(9و11و53و97) من الدستور، كما لا يخالف أي أحكام أخرى فيه، مما يتعين معه القضاء برفض هذه الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.