جلسة 22 من مارس سنة 2022
برئاسة السيد القاضي/ نبيل عمران نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ د. مصطفى سالمان، صلاح عصمت، د. محمد رجاء، ياسر بهاء الدين إبراهيم " نواب رئيس المحكمة ".
------------------
(69)
الطعن رقم 8199 لسنة 80 القضائية
(1) تحكيم " التوقيع على حكم التحكيم ".
امتناع أحد المحكمين في هيئة تحكيم عن التوقيع على الحكم لا يؤدي بذاته إلى بطلانه. شرطه. علة ذلك. المادتان 40 و43 /1 ق التحكيم رقم 27 لسنة 1994.
(2) حكم " المداولة في الحكم ".
المداولة. ماهيتها.
(3) تحكيم " التوقيع على حكم التحكيم ".
إثبات المحكم الممتنع عن التوقيع أسباب امتناعه. كيفيته. امتناع المحكم عن التوقيع وعدم إثبات سبب امتناعه. لازمه. إثبات رئيس هيئة التحكيم هذا الامتناع. علة ذلك. نظام الرأي المخالف استقر ولا خلاف عليه في التحكيم. مقتضاه. الوظيفة القضائية للمحكم والتزامه بإصدار حكم مسبب.
(4، 5) تحكيم " الطعن بالتزوير على حكم التحكيم ".
(4) تمسك أحد الخصوم بصدور حكم التحكيم مخالفٌ للحقيقة. لا سبيل إلى إطراحه إلا إذا اتخذت بشأنه إجراءات الطعن بالتزوير. علة ذلك.
(5) ورود عبارة " بعد المداولة قانونًا " في صدر أسباب حكم التحكيم وخلو الأوراق من اتخاذ الطاعنة لإجراءات الطعن بالتزوير على ما أثبت بحكم التحكيم من تمام المداولة. أثره. انتفاء مسوغ القضاء ببطلان ذلك الحكم. علة ذلك.
(6، 7) تحكيم " الاتفاق على التحكيم ".
(6) وجوب اشتمال حكم التحكيم على صورة من اتفاق التحكيم. مقتضاه. الاكتفاء بإيراد فحواه ومضمونه. علة ذلك. تمكين المحكمة المختصة بنظر دعوى البطلان من التحقق من صدور حكم المحكمين في حدود اختصاصهم الذي رسمه اتفاق التحكيم. أثره. لا يبطل حكم التحكيم لو تخلف المحكمون عن إيراد اتفاق التحكيم. علة ذلك. م 43/3 ق التحكيم.
(7) إنزال هيئة التحكيم شرط التحكيم على واقعة الدعوى واستمداد سلطتها منه. صحيح.
(8) تحكيم " حالات بطلان حكم التحكيم ".
تعييب حكم التحكيم في فهم الواقع وسلطته في تقدير الأدلة. أسباب تخرج عن نطاق دعوى بطلان حكم التحكيم وحالاتها الواردة على سبيل الحصر. التزام الحكم المطعون فيه هذا النظر. صحيح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- النص في المادتين 40 و43 /1 من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية رقم 27 لسنة 1994 يدل على أن امتناع أحد المحكمين في هيئة تحكيم عن التوقيع على الحكم لا يؤدي بذاته إلى بطلانه طالما استوفى حكم التحكيم ثلاثة شروط هي: حدوث المداولة بين أعضاء هيئة التحكيم بما فيهم المحكم الممتنع عن التوقيع على الوجه الذي يرونه مناسبًا، وصدور الحكم والتوقيع عليه من أغلبية أعضاء الهيئة، وإثبات حكم التحكيم لأسباب امتناع توقيع المحكم الممتنع عن التوقيع إن لم يثبتها هو بنفسه؛ والغرض من اشتراط هذا الشرط الأخير هو تمكين المحكمة التي تنظر دعوى البطلان من بسط رقابتها على أسباب الامتناع عن التوقيع.
2- المقصود بالمداولة هو الاشتراك في تبادل الرأي حول وقائع الدعوى وما أبدي فيها من طلبات أو دفوع أو أوجه دفاع وما قدم فيها من أدلة، وإخضاعها لأحكام القانون واجب التطبيق وصولًا إلى رأي يحسم النزاع بشأن تلك المسائل كلها.
3- قد يثبت المحكم الممتنع عن التوقيع أسباب امتناعه بنفسه في صورة رأي مخالف لرأي الأغلبية، سواء في ورقة الحكم ذاتها أو في ورقة مستقلة، أما إذا امتنع المحكم عن التوقيع ولم يثبت بنفسه سبب امتناعه كتابة تولى رئيس هيئة التحكيم إثبات امتناعه عن التوقيع وأن هذا الامتناع بسبب مخالفته لرأي الأغلبية بغير تفصيل لهذه الأسباب، ونظام الرأي المخالف ولئن لم ينص عليه قانون التحكيم المصري إلا أنه نظام استقر ولا خلاف عليه في التحكيم ويجد أساسه في الوظيفة القضائية للمحكم والتزامه بإصدار حكم مسبب.
4- المقرر - في قضاء محكمة النقض - أنه متى ورد في حكم التحكيم بيان تمسك أحد الخصوم بصدوره مخالفًا للحقيقة فإنه لا سبيل إلى إطراحه إلا إذا اتخذت بشأنه إجراءات الطعن بالتزوير؛ لأن حكم التحكيم يعتبر بمجرد صدوره والتوقيع عليه ورقة رسمية شأنه في ذلك شأن الأحكام التي يصدرها القضاء ويحوز الحجية بين الخصوم في القضية التحكيمية، ويصدر من المحكمين باعتبارهم مكلفين بتأدية وظيفة القضاء في خصوص النزاع المطروح عليهم استنادًا إلى الاتفاق على التحكيم، على الرغم من أنهم في الأصل من غير القضاة، غير أن هذه الوظيفة تُمنح لهم بناء على التنظيم القانوني للتحكيم الذي أورده المشرع المصري في قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية، وما منحه لهم من سلطات في إصدار حكم التحكيم احترامًا لإرادة الطرفين المحتكمين.
5- إذ كانت أسباب امتناع المحكم عن الطاعنة عن التوقيع من واقع مواد قانون التحكيم التي استند إليها هي عدم معاملة طرفي التحكيم على قدم المساواة وعدم تدوين خلاصة وقائع كل جلسة عقدتها هيئة التحكيم في محضر وتسليم صورة منه إلى الطرفين وصدور الحكم بغير مداولة بين أعضاء هيئة التحكيم وخلو الحكم من إثبات أسباب عدم توقيع الأقلية واعتماد نتيجة تقرير الطب الشرعي في الطعن بالتزوير على الإيصالات المطالب بقيمتها على الرغم مما شاب هذا التقرير من قصور وعدم إلمام بواقعة التزوير وملابساتها، ولما كان الثابت من حكم التحكيم أنه أورد في صدر أسبابه عبارة "بعد المداولة قانونًا" وخلت الأوراق من اتخاذ الطاعنة لإجراءات الطعن بالتزوير على ما أثبت بحكم التحكيم من تمام المداولة، فلا يصلح هذا النعي سببًا يسوغ القضاء ببطلان ذلك الحكم طالما لم يثبت المتمسك به عدم حدوث مداولة، لا سيما وأن المحكم عنها قد أثبت امتناعه عن التوقيع بإحدى أوراق الدعوى التحكيمية، وهو ما يعد – في ذاته - دليلًا على حصول المداولة؛ إذ إن إبداء أسباب امتناعه عن التوقيع لا يتأتى إلا بعد المداولة مع المحكمين الآخرين وعرض الآراء والوصول إلى عناصر الحكم التي وقع الاختلاف بشأنها من جانب المحكم الممتنع عن التوقيع، وهذا كله في حقيقة الأمر ليس إلا المداولة بعينها، هذا إلى أن الورقة المشار إليها والتي ضمنها المحكم الممتنع عن التوقيع أسباب امتناعه تعد - في خصوص هذه الدعوى - بمثابة رأي مخالف لرأي الأغلبية سرد فيه المحكم بوضوح أسباب امتناعه عن التوقيع من خلال الإشارة إلى أرقام مواد القانون التي استند إليها في ذلك، وهو ما يكفي لكي تبسط المحكمة التي تنظر دعوى البطلان رقابتها على الدعوى في هذا الشأن، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى هذه النتيجة الصحيحة فإن النعي عليه باقتصاره على القول بأن المحكم أثبت في محضر جلسة النطق بالحكم أسباب امتناعه عن التوقيع يكون على غير أساس.
6- إذ كان المشرع - ومن قبل صدور قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية رقم 27 لسنة 1994 - يوجب في المادة 840 من قانون المرافعات رقم 77 لسنة 1949 أن يشتمل حكم التحكيم بوجه خاص على صورة من مشارطة التحكيم، كما أوجب بعد ذلك في المادة 507/1 - الملغاة - من قانون المرافعات رقم 13 لسنة 1968 الحالي أن يشتمل حكم التحكيم بوجه خاص على صورة من وثيقة التحكيم، ثم أوجبت المادة 43/3 من قانون التحكيم أن يشتمل حكم التحكيم على صورة من اتفاق التحكيم، وليس المقصود بكلمة "صورة" في كل هذه المواد بتلك القوانين على تعاقبها إرفاق صورة ضوئية من اتفاق التحكيم – شرطًا كان أم مشارطة – بحكم التحكيم ذاته، وليس المقصود كذلك أن تُثبت هيئة التحكيم كامل عبارات اتفاق التحكيم حرفيًا في صلب مدونات حكمها، وإنما يكفي إيراد فحواه ومضمونه من الاتفاق بين الطرفين على التحكيم وبما لا خروج فيه عن معنى شرط التحكيم أو معنى البنود المتعددة لمشارطة التحكيم، وعلى نحو يتحقق به ما استهدفه المشرع من تمكين المحكمة المختصة بنظر دعوى البطلان من التحقق من صدور حكم المحكمين في حدود اختصاصهم الذي رسمه اتفاق التحكيم، وكل ذلك رعاية لصالح الخصوم، ويترتب على ما تقدم أن تضمين الحكم لاتفاق التحكيم ولئن تطلبه القانون إلا أنه غير مقصود لذاته وإنما لتحقيق غاية استهدفها المشرع كوسيلة إثبات، فلا يتحقق البطلان إلا إذا ثبت عدم تحقق تلك الغاية، ولا يبطل حكم التحكيم ولو تخلف المحكمون عن إيراده على النحو المنصوص عليه في المادة 43/3 من قانون التحكيم، والقول بغير ذلك يُعد إغراقًا في الشكلية في ظل عدم منازعة الطاعنة في وجود ومضمون وصحة اتفاق التحكيم، وكل ما تقدم يتفق ونهج المشرع المصري في الحد من حالات البطلان – كلما أمكن ذلك – من قبيل الانحياز لصالح التحكيم pro-arbitration policy إعلاءً لمبدأ سلطان الإرادة واحترامًا لاتفاق الأطراف على اللجوء إلى التحكيم الذي أضحى عمليًا الأصل في تسوية المنازعات التجارية الدولية.
7- إذ كان الحكم المطعون فيه قد رد على دفاع الطاعنة بأن البين من حكم التحكيم أن اتفاق التحكيم ورد في صورة شرط تحكيم تضمنه عقد النزاع المبرم بينهما والذي نص على اللجوء إلى التحكيم حال وقوع خلاف بين الطرفين، وهو الشرط الذي أنزلته هيئة التحكيم على واقعة الدعوى واستمدت سلطتها منه ولم تنازع فيه الطاعنة فإن النعي يكون على غير أساس.
8- المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن تعييب حكم التحكيم في فهم الواقع وسلطته في تقدير الأدلة ومنها تقرير الخبرة هي أسباب لا يتسع لها نطاق دعوى البطلان، وتخرج عن حالاته الواردة على سبيل الحصر في المادة ٥٣ من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى برفض دعوى بطلان حكم التحكيم على سند من أن وكيل الطاعنة أبدى دفاعه ومُستنداته وطعن بالتزوير على إيصالات النزاع وقررت هيئة التحكيم وقف السير في الدعوى لحين صدور قرار النيابة العامة في المحضر المشار إليه وبعد السير في الدعوى لم يقدم دفاع الطاعنة أي جديد وحكمت هيئة التحكيم حسبما اقتنعت به من أدلة، فإن تعييب حكمها في خصوص فهم الواقع وسلطتها في تقدير الأدلة ومنها تقرير الخبرة، يتعلق بأسباب لا يتسع لها نطاق دعوى البطلان، ويكون الحكم قد طبق القانون تطبيقًا صحيحًا، ويضحى النعي عليه على غير أساس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمــة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن- تتحصل في أن الشركة الطاعنة أقامت على المطعون ضده بصفته دعوى البطلان رقم.... لسنة 126 ق أمام محكمة استئناف القاهرة بطلب الحكم (أولًا) بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم الصادر بتاريخ 27/5/2009 في القضية التحكيمية المقيدة برقم.... لسنة 1996 تحكيم وزارة العدل. (ثانيًا) وفي الموضوع الحكم ببطلان هذا الحكم، وبيانًا لذلك قالت إن ذلك الحكم صدر مشوبًا بعيب عدم إعلانها بإجراءات التحكيم وعدم ذكر سبب امتناع محكمها عن التوقيع على الحكم وعدم اشتمال حكم التحكيم على صورة من وثيقة التحكيم فضلًا عما شاب الحكم من فساد في الاستدلال، ومن ثم كانت الدعوى. وبتاريخ 9/3/2010 قضت المحكمة برفض الدعوى. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بقبول الطعن شكلًا وفي الموضوع برفضه، وعُرِضَ الطعن على المحكمة - في غرفة مشورة - فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالوجه الأول من السبب الأول من سببي الطعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، ذلك أنها تمسكت ببطلان حكم التحكيم محل التداعي لمخالفته للمادة 43/1 من قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 بخلوه من أسباب عدم توقيع المحكم عنها والتي أثبتها بمحضر جلسة النطق بحكم التحكيم في 27/5/2010 وحددها في مخالفة المواد 26 و33/3 و40 و43/1 و46 من قانون التحكيم، وأن ما ساقه الحكم المطعون فيه من رد على هذا الدفاع مقتصرٌ على أن المحكم عنها أثبت أسباب امتناعه عن التوقيع بمحضر جلسة النطق بالحكم لا يصلح ردًا على عدم تحقق ما يتطلبه القانون في هذا الخصوص لصحة حكم التحكيم.
وحيث إن هذا النعي في غير محله؛ ذلك بأنه من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن النص في المادة 40 من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية رقم 27 لسنة 1994 على أن "يصدر حكم هيئة التحكيم المشكلة من أكثر من محكم واحد بأغلبية الآراء بعد مداولة تتم على الوجه الذي تحدده هيئة التحكيم ما لم يتفق طرفــا التحكيــم علــى غيـــر ذلــــــك"، وفـــي المـــــادة 43/1 من ذات القانــــون على أنه "1- يَصدر حكم التحكيم كتابةً ويوقعه المحكمون، وفي حالة تشكيل هيئة التحكيم من أكثر من محكم واحد يُكتفى بتوقيعات أغلبية المحكمين بشرط أن تثبت في الحكم أسباب عدم توقيع الأقلية"، يدل على أن امتناع أحد المحكمين في هيئة تحكيم عن التوقيع على الحكم لا يؤدي بذاته إلى بطلانه طالما استوفى حكم التحكيم ثلاثة شروط هي حدوث المداولة بين أعضاء هيئة التحكيم بما فيهم المحكم الممتنع عن التوقيع على الوجه الذي يرونه مناسبًا، وصدور الحكم والتوقيع عليه من أغلبية أعضاء الهيئة، وإثبات حكم التحكيم لأسباب امتناع توقيع المحكم الممتنع عن التوقيع إن لم يثبتها هو بنفسه؛ والغرض من اشتراط هذا الشرط الأخير هو تمكين المحكمة التي تنظر دعوى البطلان من بسط رقابتها على أسباب الامتناع عن التوقيع. والمقصود بالمداولة هو الاشتراك في تبادل الرأي حول وقائع الدعوى وما أبدي فيها من طلبات أو دفوع أو أوجه دفاع وما قدم فيها من أدلة وإخضاعها لأحكام القانون واجب التطبيق وصولًا إلى رأي يحسم النزاع بشأن تلك المسائل كلها، وقد يثبت المحكم الممتنع عن التوقيع أسباب امتناعه بنفسه في صورة رأي مخالف لرأي الأغلبية، سواء في ورقة الحكم ذاتها أو في ورقة مستقلة، أما إذا امتنع المحكم عن التوقيع ولم يثبت بنفسه سبب امتناعه كتابة تولى رئيس هيئة التحكيم إثبات امتناعه عن التوقيع وأن هذا الامتناع بسبب مخالفته لرأي الأغلبية بغير تفصيل لهذه الأسباب، ونظام الرأي المخالف ولئن لم ينص عليه قانون التحكيم المصري إلا أنه نظام استقر ولا خلاف عليه في التحكيم ويجد أساسه في الوظيفة القضائية للمحكم والتزامه بإصدار حكم مسبب، وكان من المقرر أنه متى ورد في حكم التحكيم بيان تمسك أحد الخصوم بصدوره مخالفًا للحقيقة فإنه لا سبيل إلى إطراحه إلا إذا اتخذت بشأنه إجراءات الطعن بالتزوير؛ لأن حكم التحكيم يعتبر بمجرد صدوره والتوقيع عليه ورقة رسمية شأنه في ذلك شأن الأحكام التي يصدرها القضاء، ويحوز الحجية بين الخصوم في القضية التحكيمية، ويصدر من المحكمين باعتبارهم مكلفين بتأدية وظيفة القضاء في خصوص النزاع المطروح عليهم استنادًا إلى الاتفاق على التحكيم، على الرغم من أنهم في الأصل من غير القضاة، غير أن هذه الوظيفة تُمنح لهم بناءً على التنظيم القانوني للتحكيم الذي أورده المشرع المصري في قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية، وما منحه لهم من سلطات في إصدار حكم التحكيم احترامًا لإرادة الطرفين المحتكمين. لما كان ذلك، وكانت أسباب امتناع المحكم عن الطاعنة عن التوقيع من واقع مواد قانون التحكيم التي استند إليها هي عدم معاملة طرفي التحكيم على قدم المساواة وعدم تدوين خلاصة وقائع كل جلسة عقدتها هيئة التحكيم في محضر وتسليم صورة منه إلى الطرفين، وصدور الحكم بغير مداولة بين أعضاء هيئة التحكيم، وخلو الحكم من إثبات أسباب عدم توقيع الأقلية، واعتماد نتيجة تقرير الطب الشرعي في الطعن بالتزوير على الإيصالات المطالب بقيمتها على الرغم مما شاب هذا التقرير من قصور وعدم إلمام بواقعة التزوير وملابساتها، ولما كان الثابت من حكم التحكيم أنه أورد في صدر أسبابه عبارة "بعد المداولة قانونًا"، وخلت الأوراق من اتخاذ الطاعنة لإجراءات الطعن بالتزوير على ما أثبت بحكم التحكيم من تمام المداولة، فلا يصلح هذا النعي سببًا يسوغ القضاء ببطلان ذلك الحكم طالما لم يثبت المتمسك به عدم حدوث مداولة، لا سيما وأن المحكم عنها قد أثبت امتناعه عن التوقيع بإحدى أوراق الدعوى التحكيمية، وهو ما يعد – في ذاته - دليلًا على حصول المداولة؛ إذ إن إبداء أسباب امتناعه عن التوقيع لا يتأتى إلا بعد المداولة مع المحكمين الآخرين وعرض الآراء والوصول إلى عناصر الحكم التي وقع الاختلاف بشأنها من جانب المحكم الممتنع عن التوقيع، وهذا كله في حقيقة الأمر ليس إلا المداولة بعينها، هذا إلى أن الورقة المشار إليها والتي ضمنها المحكم الممتنع عن التوقيع أسباب امتناعه تعد في خصوص هذه الدعوى بمثابة رأي مخالف لرأي الأغلبية سرد فيه المحكم بوضوح أسباب امتناعه عن التوقيع من خلال الإشارة إلى أرقام مواد القانون التي استند إليها في ذلك، وهو ما يكفي لكي تبسط المحكمة التي تنظر دعوى البطلان رقابتها على الدعوى في هذا الشأن، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى هذه النتيجة الصحيحة فإن النعي عليه باقتصاره على القول بأن المحكم أثبت في محضر جلسة النطق بالحكم أسباب امتناعه عن التوقيع يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالوجه الثاني من السبب الأول من سببي الطعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، ذلك أنها تمسكت ببطلان حكم التحكيم لعدم إيراده نص البند الثامن من العقد كاملًا رغم جوهرية هذا البيان باعتبار أنه الذي يجسد شرط التحكيم، غير أن الحكم المطعون فيه رد على هذا الدفاع برد قاصر لا يواجهه، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد؛ ذلك بأن المشرع - ومن قبل صدور قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية رقم 27 لسنة 1994 - كان يوجب في المادة 840 من قانون المرافعات رقم 77 لسنة 1949 أن يشتمل حكم التحكيم بوجه خاص على صورة من مشارطة التحكيم، كما أوجب بعد ذلك في المادة 507/1 - الملغاة - من قانون المرافعات رقم 13 لسنة 1968 الحالي أن يشتمل حكم التحكيم بوجه خاص على صورة من وثيقة التحكيم ثم أوجبت المادة 43/3 من قانون التحكيم أن يشتمل حكم التحكيم على صورة من اتفاق التحكيم، وليس المقصود بكلمة "صورة" في كل هذه المواد بتلك القوانين على تعاقبها إرفاق صورة ضوئية من اتفاق التحكيم – شرطًا كان أم مشارطة – بحكم التحكيم ذاته، وليس المقصود كذلك أن تُثبت هيئة التحكيم كامل عبارات اتفاق التحكيم حرفيًا في صلب مدونات حكمها، وإنما يكفي إيراد فحواه ومضمونه من الاتفاق بين الطرفين على التحكيم وبما لا خروج فيه عن معنى شرط التحكيم أو معنى البنود المتعددة لمشارطة التحكيم، وعلى نحو يتحقق به ما استهدفه المشرع من تمكين المحكمة المختصة بنظر دعوى البطلان من التحقق من صدور حكم المحكمين في حدود اختصاصهم الذي رسمه اتفاق التحكيم، وكل ذلك رعاية لصالح الخصوم، ويترتب على ما تقدم أن تضمين الحكم لاتفاق التحكيم ولئن تطلبه القانون إلا أنه غير مقصود لذاته وإنما لتحقيق غاية استهدفها المشرع كوسيلة إثبات، فلا يتحقق البطلان إلا إذا ثبت عدم تحقق تلك الغاية، ولا يبطل حكم التحكيم ولو تخلف المحكمون عن إيراده على النحو المنصوص عليه في المادة 43/3 من قانون التحكيم، والقول بغير ذلك يُعد إغراقًا في الشكلية في ظل عدم منازعة الطاعنة في وجود ومضمون وصحة اتفاق التحكيم، وكل ما تقدم يتفق ونهج المشرع المصري في الحد من حالات البطلان – كلما أمكن ذلك – من قبيل الانحياز لصالح التحكيم pro-arbitration policy إعلاءً لمبدأ سلطان الإرادة واحترامًا لاتفاق الأطراف على اللجوء إلى التحكيم الذي أضحى عمليًا الأصل في تسوية المنازعات التجارية الدولية. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد رد على دفاع الطاعنة بأن البين من حكم التحكيم أن اتفاق التحكيم ورد في صورة شرط تحكيم تضمنه عقد النزاع المبرم بينهما والذي نص على اللجوء إلى التحكيم حال وقوع خلاف بين الطرفين، وهو الشرط الذي أنزلته هيئة التحكيم على واقعة الدعوى واستمدت سلطتها منه ولم تنازع فيه الطاعنة فإن النعي يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، ذلك أنها تمسكت ببطلان حكم التحكيم لأنه أقام قضاءه استنادًا إلى تقرير خبير أبحاث التزييف والتزوير على الرغم من بطلانه لوقوع الخبير في غلط في تحديد الإيصالات محل المضاهاة وعددها، فضلًا عن تناقض النتيجة التي انتهى إليها بشأن صحة الأختام المنسوبة للشركة الطاعنة مع تقرير مصلحة الأدلة الجنائية، كما رفضت هيئة التحكيم طلبها بضم الأوراق المطعون عليها بالتزوير المرفقة بالمحضر الإداري رقم .... لسنة 1997 قسم الأزبكية، ومع ذلك فقد رد الحكم المطعون فيه على دفاعها بأنه أقوال مرسلة، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود؛ ذلك أن تعييب حكم التحكيم في فهم الواقع وسلطته في تقدير الأدلة ومنها تقرير الخبرة هي أسباب لا يتسع لها نطاق دعوى البطلان، وتخرج عن حالاته الواردة على سبيل الحصر في المادة ٥٣ من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى برفض دعوى بطلان حكم التحكيم على سند من أن وكيل الطاعنة أبدى دفاعه ومُستنداته وطعن بالتزوير على إيصالات النزاع وقررت هيئة التحكيم وقف السير في الدعوى لحين صدور قرار النيابة العامة في المحضر المشار إليه، وبعد السير في الدعوى لم يقدم دفاع الطاعنة أي جديد، وحكمت هيئة التحكيم حسبما اقتنعت به من أدلة، فإن تعييب حكمها في خصوص فهم الواقع وسلطتها في تقدير الأدلة ومنها تقرير الخبرة يتعلق بأسباب لا يتسع لها نطاق دعوى البطلان، ويكون الحكم قد طبق القانون تطبيقًا صحيحًا، ويضحى النعي عليه على غير أساس.
ولما تقدم، يتعين رفض الطعن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق