باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني عشر من أبريل سنة 2025م،
الموافق الثالث عشر من شوال سنة 1446ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد
سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني
نواب رئيس المحكمة وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة
المفوضين وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 58 لسنة 34
قضائية دستورية
المقامة من
شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى
ضد
1- رئيس الجمهورية
2- رئيس مجلس الوزراء
3- وزير العدل
4- وزير المالية، بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الضرائب
5- رئيس مأمورية الضرائب على المبيعات بالمحلة الكبرى
--------------------
" الإجراءات "
بتاريخ الثاني من مايو سنة 2012، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه
الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بعدم دستورية المادة
الأولى من قرار وزير المالية رقم 1433 لسنة 2004 الصادر بتاريخ 21/ 10/ 2004.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة
إصدار الحكم بجلسة اليوم.
-------------------
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل -على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق-
في أن الشركة المدعية أقامت أمام محكمة طنطا الابتدائية -مأمورية المحلة الكبرى-
الدعوى رقم 439 لسنة 2008 مدني كلي حكومة، ضد المدعى عليه الرابع، طالبة الحكم
بإلغاء قرار لجنة التظلمات بمصلحة الضرائب على المبيعات بأحقيته في قيمة الضريبة
المستحقة على مبيعاتها من المخلفات خلال الفترة من 1/ 7/ 2004 إلى 30/ 6/ 2005،
وبراءة ذمتها من دين هذه الضريبة، على سند من أنه بتاريخ 26/ 11/ 2008، أصدرت لجنة
التظلمات بمصلحة الضرائب على المبيعات قرارها بأحقية مأمورية الضرائب على المبيعات
في تحصيل فروق الفحص عن الفترة المشار إليها، وذلك عن واقعة بيع مخلفات الشركة من
الخردة من غير المنتج النهائي، مستندة في ذلك إلى قرار وزير المالية رقم 1433 لسنة
2004، حال أنه قد سبق للشركة أداء الضريبة عن هذه السلعة، عند شرائها في المرة
الأولى، بما يمنع من إعادة تحصيلها، ويحق لها خصم ما سبق سداده من هذه الضريبة،
عملًا بالمادة (23) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11
لسنة 1991. وبجلسة 26/ 3/ 2011، حكمت المحكمة بالطلبات. استأنف المدعى عليه الرابع
الحكم أمام محكمة استئناف طنطا -مأمورية المحلة الكبرى- بالاستئناف رقم 785 لسنة 5
قضائية. وحال نظره دفعت الشركة المدعية بعدم دستورية قرار وزير المالية رقم 1433
لسنة 2004، فيما تضمنه من إخضاع الخردة والآلات المستعملة عند إعادة بيعها في
السوق المحلي للضريبة العامة على المبيعات بنسبة 30٪ من قيمة البيع الفعلي، وحظر
إعمال المادة (23) من قانون الضريبة العامة على المبيعات المار ذكره. وإذ قدرت
محكمة الموضوع جدية الدفع، وصرحت باتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية؛ فأقامت
الشركة هذه الدعوى، ناعية على القرار المطعون فيه مخالفته المواد (38 و119 و156)
من دستور سنة 1971.
وحيث إن المادة الأولى من قرار وزير المالية رقم 1433 لسنة 2004،
الصادر بتاريخ 21/ 10/ 2004، تنص على أن:
تكون القيمة المتخذة أساسًا لحساب الضريبة العامة على المبيعات
بالنسبة للسلع الصناعية المستعملة (فيما عدا المشغولات الذهبية والفضة والأحجار
الكريمة) عند إعادة بيعها في السوق المحلي بواقع 30٪ من قيمة البيع الفعلي، ووفقًا
لفئات الضريبة المفروضة، مع عدم إعمال قواعد الخصم المنصوص عليها في المادة (23)
من القانون رقم 11 لسنة 1991.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية -
مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون
الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها،
المطروحة على محكمة الموضوع.
متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي يدور حول طلب الشركة المدعية براءة
ذمتها من مطالبة المدعى عليه الرابع لها بإخضاع السلع الصناعية المستعملة عند
إعادة بيعها في السوق المحلي للضريبة العامة على المبيعات بواقع 30٪ من قيمة البيع
الفعلي، وعدم إعمال قواعد الخصم المنصوص عليها في المادة (23) من القانون رقم 11
لسنة 1991، وكان القرار المطعون فيه هو الذي حدد مقدار الضريبة بنسبة 30٪ من قيمة
البيع الفعلي للسلع الصناعية المستعملة، كما حظر على المسجل إعمال المادة (23) من
القانون السالف ذكره، فإن الفصل في دستورية هذا القرار يكون ذا أثر مباشر وانعكاس
أكيد على الطلبات المطروحة في الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها؛ وعلى
ذلك تغدو المصلحة متحققة في الدعوى الدستورية المعروضة.
وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن التحقق من
استيفاء النصوص التشريعية لأوضاعها الشكلية، يعتبر أمرًا سابقًا بالضرورة على
الخوض في عيوبها الموضوعية، كما أن الأوضاع الشكلية، سواء في ذلك تلك المتعلقة
باقتراحها أو إقرارها أو إصدارها أو نفاذها، إنما تتحدد على ضوء ما قررته في شأنها
أحكام الدستور المعمول بها حين صدورها.
متى كان ذلك، وكان القرار المطعون فيه قد صدر بتاريخ 21/ 10/ 2004، في
ظل العمل بدستور عام 1971؛ ومن ثم فإن الفصل في دستوريته من الناحية الشكلية يظل
خاضعًا للأحكام المقررة في ذلك الدستور دون سواه.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الدولة القانونية، على ما تنص
عليه المادتان (64 و65) من دستور سنة 1971، هي التي تتقيد في ممارستها لسلطاتها،
أيًّا كانت وظائفها أو غاياتها، بقواعد قانونية تعلو عليها، وتردها على أعقابها إن
هي جاوزتها، فلا تتحلل منها؛ ذلك أن سلطاتها هذه، وأيًّا كان القائمون عليها، لا
تعتبر امتيازًا شخصيًّا لمن يتولونها، ولا هي من صنعهم، بل أسستها إرادة الجماهير
في تجمعاتها على امتداد الوطن، وضبطتها بقواعد آمرة لا يجوز النزول عنها، ومن ثم
تكون هذه القواعد قيدًا على كل أعمالها وتصرفاتها، فلا تأتيها إلا في الحدود التي
رسمها الدستور، وبما يرعى مصالح مجتمعها.
وحيث إن مضمون القاعدة القانونية، التي تعتبر إطارًا للدولة القانونية
تسمو عليها وتقيدها، إنما يتحدد، من منظور المفاهيم الديمقراطية التي يقوم نظام
الحكم عليها، على ما تقضي به المواد (1 و3 و4) من دستور سنة 1971، على ضوء
المعايير التي التزمتها الدول الديمقراطية في ممارستها لسلطاتها، واستقر العمل
فيما بينها على انتهاجها باطراد في مجتمعاتها، فلا يكون الخضوع لها إلا ضمانًا
لحقوق مواطنيها وحرياتهم، بما يكفل تمتعهم بها أو مباشرتهم لها دون قيود جائرة
تنال من محتواها أو تعطل جوهرها.
وحيث إن إخطار المخاطبين بالقاعدة القانونية، بمضمونها، يعتبر شرطًا
لإنبائهم بمحتواها، وكان نفاذها، تبعًا لذلك، يفترض إعلانها من خلال نشرها، وحلول
الميعاد المحدد لبدء سريانها. وكان ذلك مؤداه أن دخول هذه القاعدة مرحلة التنفيذ
مرتبط بواقعتين تجريان معًا وتتكاملان، وإن كان تحقق ثانيتهما معلقًا على وقوع
أولاهما، هما نشرها وانقضاء المدة التي حددها المشرع لبدء العمل بها. وكان من
المقرر أن كل قاعدة قانونية، سواء تضمنها قانون أو لائحة، لا يجوز اعتبارها كذلك
إلا إذا قارنتها صفتها الإلزامية التي تمايز بينها وبين القاعدة الخلقية، فإن
خاصيتها هذه تعتبر جزءًا منها، فلا تستكمل مقوماتها بفواتها.
وحيث إن ما تقدم مؤداه: أن نشر القاعدة القانونية ضمان لعلانيتها،
وذيوع أحكامها، واتصالها بمن يعنيهم أمرها، وامتناع القول بالجهل بها. وكان هذا
النشر يعتبر كافلًا وقوفهم على ماهيتها ومحتواها ونطاقها، حائلًا دون تنصلهم منها،
ولو لم يكن علمهم بها قد صار يقينيًّا، أو كان إدراكهم لمضمونها واهيًا، وكان
حملهم قبل نشرها على النزول عليها، وهم من الأغيار في مجال تطبيقها، متضمنًا
إخلالًا بحرياتهم أو بالحقوق التي كفلها الدستور، دون التقيد بالوسائل القانونية
التي حدد تخومها وفصَّل أوضاعها، فقد تعين القول بأن القاعدة القانونية التي لا
تنشر لا تتضمن إخطارًا كافيًا بمضمونها ولا بشروط تطبيقها، فلا تتكامل مقوماتها
التي اعتبر الدستور تحققها شرطًا لجواز التدخل بها لتنظيم الحقوق والحريات على
اختلافها.
متى كان ما تقدم، وكان الثابت بالأوراق أن قرار وزير المالية رقم 1433
لسنة 2004 - المطعون فيه - لم يُنشر في الجريدة الرسمية الوقائع المصرية؛ ومن ثم
فإن تطبيقه دون نشره يخالف مفهوم الدولة القانونية، ويجترئ على الحرية الشخصية،
مما لزامه الحكم بعدم دستوريته.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
أولًا: بعدم دستورية قرار وزير المالية رقم 1433 لسنة 2004.
ثانيًا: بإلزام الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب
المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق