جمهورية مصر
العربية
وزارة العدل
مكتب الوزير
المذكرة الإيضاحية
القرار رئيس
الجمهورية بالقانون
رقم
لسنه ٢٠١٥
في شأن مكافحة
جرائم تقنية المعلومات
شهدت مصر ،
وسائر دول العالم تطوراً غير مسبوق في مجال تكنولوجيا الاتصالات وتقنية المعلومات
خلال السنوات الأخيرة . وقد أدى هذا التطور إلى فتح الباب على مصراعيه للاستفادة
من التكنولوجيا الحديثة في تحقيق صالح البشرية في شتى مناحي الحياة . إلا أنه ومما
يؤسف له أن هذه الثورة في تقنية الاتصال و المعلومات صاحبها ولازمها بزوغ وانتشار
نوع جديد من الإجرام لم يكن معروفاً من قبل ، اصطلح على تسميته بالجريمة
المعلوماتية أو جرائم تقنية المعلومات .
وتتميز جرائم
تقنية المعلومات ، أو جرائم أصحاب الياقات البيضاء كما يحلو الجانب من الفقه تسميتها
، بمجموعه من الخصائص تجعلها منبتة الصلة ، وبحق ، عن كافة صور الجرائم التقليدية
التي تعرفها جميع القوانين الجزائية في مختلف دول العالم. فالجريمة المعلوماتية
سريعة الحدوث واسعه الأثر، صعبه التتبع والكشف ، شائعه ، بطبيعتها ، بين أكثر من
فاعل ، وعابرة ، في الكثير من الحالات ، للحدود والقارات ، ويتلاشى الدليل على
حصولها في زمن قياسي ، فلا يتخلف عنها ثمة آثار تدل على شخصيه الجاني .
وفوق هذا كله
، فإن معظم إجرام تقنية المعلومات موصوم بطابع الخصة ، إذ أن السمة الغالبة لتلك
الجرائم هو أن مرتكبيها لا يواجهون الضحية مواجهة الأنداد ، بل يعمدون إلى التخفي والتغطية
، والتمويه على جرائمهم وشخصياتهم ، بحيث يقدمون على أفعالهم الإجرامية و المجنى
عليه يشعر أنه بما من ، فتقع الجريمة كامله و لا تقطن الضحية ، بداءة ، إلى تعرضها
للاعتداء الإجرامي ، أو تقطن بعد فوات الوقت و حصول معظم الضرر لها ، على نحو يصعب
تدارك أثاره المدمرة .
ولعل أهم ما
تتميز به الجريمة المعلوماتية هو جدة النشاط الذي يمثل الركن المادي لها ، بما لا
يمكن معه القياس على أى من الجرائم التقليدية المعروفة في الأنظمة العقابية
الكلاسيكية . و أدت هذه الخاصية لتلك النوعية من الجرائم إلى عدم إمكانية تطبيق
نصوص قوانين العقوبات السارية عليها ، احتراماً لمبدأ الشرعية الذي يمنع القياس في
التجريم ، فنجم عن ذلك ظهور فراغاً تشريعياً خطيراً ، يؤدي إلى إفلات مرتكبيها من
العقاب ..
وقد أدى هذا
الطابع الخاص والخطير لتلك الجرائم إلى تنبه المجتمع الدولي إلى ضرورة مواجهة هذا
النوع من الإجرام بتشريعات عقابيه خاصه . فكانت الاتفاقية الأوروبية لمكافحة
الإجرام المعلوماتي في عام ۲۰۰۱ ، و هي ما اصطلح على تسميته باتفاقية
" بودابست "، من أول الاتفاقيات الدولية التي دقت ناقوس الخطر، منبهة
ومنذرة من خطورة هذا الإجرام الجديد، ومؤكدة على حتمية أن يولى المشرعون الوطنيون
جهدهم لتجريم الانحراف في عالم تقنيه المعلومات .
وأما على
مستوى الدول العربية فقد أبرمت الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات
بتاريخ ۲۰۱۰/۱۲/۲۱ ، وقد انضمت لها مصر مؤخراً .
وقد الزمت
" الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات " ، في مادتها
الخامسة ، الدول الأطراف بأن تجرم مجموعة من الأفعال المبينة بتلك المادة . اختلطت
فيها الجرائم التقليدية بجرائم تقنية المعلومات الحديثة.
لذلك كله ،
استشعر المشرع ضرورة أن يواكب هذا التطور السريع المتلاحق في عالم الجريمة ، والذي أتى وليداً للثورة التي حدثت في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مصر
وسائر دول العالم منذ بدء الألفية الجديدة ، حتى لا يتخلف ، في هذا المضمار ، عن
الركب العالمي السائر .
وقد أثر المشرع ، في تصديه لهذا الموضوع ، أن ينتهج نهجا يجعل من مشروع قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات " منصبا على جرائم تكنولوجيا المعلومات الجديدة والتي لم يسبق تجريمها من قبل، دون غيرها من الجرائم التقليدية المعروفة التي قد تستخدم تكنولوجيا المعلومات كوسيله لها . وقد كان الدافع المشرع في نهجه هذا هو ما إرثاه من ضرورة إفراد تشريع مستقل ، يجمع فيحوى تلك النوعية الحديثة من الجرائم ذات الأركان المادية الجديدة و الغير مألوفة للقضاء الجنائي ، فلا تختلط بغيرها من الجرائم التقليدية التي قد تكون وسيلة الاتصال الحديثة مجرد أداء لارتكابها ليس أكثر، وذلك حتى يسهل على من سيتولون تطبيق نصوص المشروع مهمتهم . فضلاً عن ذلك، فإن غالبيه الجرائم التقليدية من المنصور حدوثها باستخدام تكنولوجيا الاتصال الحديثة كالنصب ، و التهديد ، والسب والقذف ، والتحريض القلب نظام الحكم .. الخ ، ما إرتأى معه المشرع عدم جدوى تضمين هذا المشروع لمثل هذه الجرائم ، كونها تخرج تماماً عن الخصوصية التي ارتوى تمتعه بها ، على النحو السالف تبيانه.
كما عمد
المشرع الى النأي عن الإطالة بغير طائل ، فركزت مواد المشروع على إفرد الجرائم
الجديدة في صورة جامعه مانعه . و قد كان دافعه في هذا هو أن الموضوع برمته جديد
غير مسبوق في مجال التشريعات العقابية ، ما يتعين معه أن تشكل مواده وحدة واحدة
تنصب على التجريم ، دون سواه.
وتضمن المشروع
۲۸ مادة ، استهلت بمادة لتعريف المصطلحات
الأساسية المدينة في مجال تكنولوجيا الاتصالات وتقنية المعلومات ، و التي وردت و استخدمت
بكثرة في كل مواد المشروع . وقد راعت مادة التعريفات ألا توغل في الأمور التقنية
لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات ، و إنما تقتصر على أن تبين ، في غير إخلال،
المقصود من كل مصطلح وقد وضع المشرع نصب عينيه في صياغته لمادة التعريفات أن تتميز
بالقدر اللازم من الوضوح في التشريعات العقابية احتراماً لمبدأ المشروعية ، وبما
يسمح لمن سيتولون تطبيق نصوص المشروع أن يكونوا على بيئة من أمرهم ..
وضمت باقي
مواد المشروع مجموعه من جرائم تقنية المعلومات التي لا يتصور وجودها بداءة بغير
وسيلة الاتصال الحديثة، سواء أكانت الحواسب الآلية . أو غيرها. وتشمل هذه الجرائم
مجموعه من الأفعال ذات أركان ماديه جديدة و غير مسبوقة في مجال التشريعات
العقابية، كالدخول إلى المواقع بدون إذن ، أو الدخول بإذن ثم تعدى حدوده عمداً ، و
تعطيل أو تدمير أو حذف أو تغيير البرامج أو المعلومات أو البيانات المخزنة أو
المعالجة على الحاسب الآلي ، أو الاعتراض و الالتقاط بدون حق للبيانات المرسلة عن
طريق الشبكة المعلوماتية أو جهاز الحاسب . و ما في حكمها ، أو التنصت عليها . كذلك
ضمت مواد المشروع جرائم تعطيل او إيقاف ، أو الحد من كفاءة ، أو التشويش على
الشبكة المعلوماتية عن طريق إدخال ما يؤدى لذلك . و كذا تشمل الجرائم أفعال إبطاء
أو تغيير تصاميم أو محتوى المواقع الإلكترونية ، أو البريد الإلكتروني . و كذلك
جرائم استخدام بريد إلكتروني للغير في أمر مسيء لصاحب البريد ، أو انتحال صفة الغير
بإنشاء موقع أو بريد إلكتروني منسوب إليه زوراً ، و ذلك كله في الأفعال التي نص
عليها المشروع، أساساً، في المواد من 3 إلى ١٨ منه .
ونظراً لما
شاع في الفترة الأخيرة من قيام بعض المجرمين باستخدام وتسخير شبكات المعلومات من
أجل بث مواد دعائية تهدف إلى الإضرار بأمن الوطن و سلامته ، فقد أفرد المشروع في
المادة ۱۹ منه حكماً يسمح بحجب أو غلق المواقع أو
الروابط التي تبث على شبكة المعلومات و تمثل تهديداً للأمن القومي ، و جعل القول
الفصل في المنع أو الحجب في يد القضاء ، دون غيره ، بأن اختص بالنظر في هذا الأمر
و البت فيه محكمة الجنايات منعقدة في غرفة مشورة ، بعدما يرفع إليها الطلب عن طريق
النيابة العامة
وقرر المشروع
مبدأ المسئولية الجنائية للشخص المعنوي في حال إدانته بأي جريمة من الجرائم
المنصوص عليها في مواد المشروع ، فضلاً عن الزامه بالتضامن بالوفاء بما قد يحكم به
من عقوبات ماليه ويأتي ذلك تطبيقاً للمادة ٢٠ من الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم
تقنيه المعلومات .
كما أفرد
المشروع المادة ١٥ منه لتجريم إحجام الأشخاص الاعتبارية عن إبلاغ الجهات الرسمية
في حال وقوعهم ضحية أي من الجرائم المنصوص عليها في المشروع. فعاقبت مواد المشروع،
في هذه الحالة ، المسئول عن الإدارة الفعلية للشخص الاعتباري . وبذلك يتفرد
المشروع بهذه المادة التي لا مثيل لها في الاتفاقيات الدولية المشار إليها سلفاً ،
ولا في القوانين المقارنة العربية أو الأوروبية . و تأتي هذه الإضافة من المشرع استجابة
لتيار فقهى كبير ينادي بضرورة تجريم الإحجام عن التبليغ من الأشخاص الاعتبارية،
خوفاً من اهتزاز الثقة فيها ، لكون هذا السلوك السلبي يشكل حجر عثرة في طريق قيام
جهات التتبع و الضبط بدورها في مواجهه جرائم تقنية المعلومات على الوجه الأكمل .
كما تفرد
المشروع أيضاً بنصه على أنه في حال كان الجاني موظفاً عاماً وارتكب الجريمة أثناء
وبسبب وظيفته فيجب الحكم بعزله ، إذ يكون بهذا قد أخل بالثقة والنزاهة المفترضان
في شاغل الوظيفة العامة ، فلم يعد أهلاً لها .
وانتهج
المشروع نهج التشديد في جميع مواده إذا وقعت الجريمة على الدولة أو أحد أجهزتها أو
أحد الأشخاص الاعتبارية العامة ، بأن رفع الفعل إلى مصاف الجنايات ، لما يمثله من
خطورة على المصلحة العامة ، فضلاً عن ما يتصف به من جرأة و تجاسر من الجاني ،
يستوجب مقابلته بالأخذ بالشدة إعمالاً لمقتضيات الردع.
وانطلاقاً من
ذات الفكر في ضرورة التشديد في العقوبة كلما زادت درجه خطورة السلوك الإجرامي، فقد
خصص المشروع المادة ۲۲ منه لمواجهة حاله ما إذا كان الغرض أو
القصد من وراء ارتكاب أي من الأفعال المؤلمة هو تعريض سلامة المجتمع و أمنه للخطر
وتعطيل أحكام الدستور والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي ، إلى آخر ما
تناولته المادة من أغراض إجرامية تهدد حياة الدولة تهديداً مباشراً . فرفع المشروع
العقوبة في هذه الحالة لتصل للسجن المؤبد .
وحرص المشروع
، بطبيعة الحال، على النص على العقوبات التكميلية كالمصادرة لأية أدوات أو مهمات
تكون قد استخدمت في ارتكاب الجريمة أو التسهيل لارتكابها ، مع عدم الإخلال بحقوق
الغير حسن النية . وكذلك الغلق للمنشأة أو الكيان في الحالات التي ترتكب فيها
الجريمة بواسطة أحد الأشخاص الاعتبارية الخاصة .
وأخيراً ،
ونظراً لما تشكله جرائم " تقنية المعلومات " من خطورة غير مسبوقة في
المجال الجنائي ، وما ينجم عنها في الكثير من الأحيان من آثار بالغة السوء ، صعبه
التدارك ، على الأفراد والأموال والمجتمع بأسرة ، وما يتعين أن يقابله ذلك من شدة
من جانب المشرع ، فقد نص المشروع في المادة ٢٧ على معاقبة الشروع في الجريمة بذات
عقوبة الجريمة التامة.
ويتشرف وزير
العدل بالتقدم بمشروع القانون المرافق إلى مجلس الوزراء للتفضل بالموافقة والسير
في إجراءات استصداره .
تحريراً في 24
/ 3 / 2015
وزير العدل
المستشار /
محفوظ صابر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق