جلسة 25 من يناير سنة 1951
-------------------
(52)
القضية رقم 157 سنة 18 القضائية
(1) إجارة. تأجير عائمة.
عقد إيجار معد أصلاً لتأجير منزل. جواز استعماله في تأجير عائمة متى كان ليس في أحكامه ما يتنافى مع طبيعتها.
(2) تأجير عائمة. غرقها.
دعوى من المستأجرة بالتعويض. الحكم برفضها. إعمال الحكم في صدد نفي مسئولية المالكة بند عقد الإيجار الذي يلزم المستأجرة بأخبار المالكة بما قد تراه ضرورياً من لإصلاحات، فإن لم تقم بها هذه الأخيرة كان لها حق الالتجاء إلى القضاء لتحقيق ما يجب إجراؤه. ليس في ذلك خروج على ظاهر نصوص العقد. استناد الحكم، ضمن ما استند إليه، إلى أن المستأجرة شعرت بالخلل المنذر بقرب غرق العائمة ولم تتخذ ما كان يجب عليها من الإجراءات لملاقاته ولم تخبر المالكة للتفادي منه وأنه لم يقم دليل على علم المالكة بالخلل قبل وقوع الكارثة. ذلك يكفي لحمل الحكم في نفي المسئولية التقصيرية عن المالكة. وجه المسئولية المؤسس على إهمال تابع المالكة. لم يكن الحكم بعد في حاجة إلى بحثه. الطعن في الحكم بالخطأ في تطبيق القانون. غير صحيح.
(3) حكم. تسبيبه. قصوره فيما يورده تزيداً. لا يبطله. تأجير عائمة. غرقها.
دعوى من المستأجرة بالتعويض. الحكم برفضها. إثباته إهمال المستأجرة في تلافي الخطر قبل وقوعه رغم علمها به وعدم إخبارها المالكة به. تقارير الخبراء عن سبب غرق العائمة. لم يكن الحكم في حاجة إلى التصدي لها. قصوره في التحدث عن هذه التقارير. لا يؤثر بفرض ثبوته على سلامة الحكم.
(المادة 103 من قانون المرافعات - القديم - ).
-------------------
1 - كون العقد من العقود المطبوعة المعدة أصلاً لتأجير المنازل لا يمنع من استعماله في تأجير عائمة متى كان ليس في أحكامه ما يتنافى مع طبيعتها.
الوقائع
في يوم 11 من أغسطس سنة 1948 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف القاهرة الصادر في 11 من إبريل سنة 1948 في الاستئنافين رقمي 952 و1129 سنة 65 ق وذلك بتقرير طلب فيه الطاعنان الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والحكم أصلياً بطلباتهما الأصلية وهي تعديل الحكم الابتدائي وإلزام المطعون عليها بأن تدفع للطاعنين أولاً: مبلغ 768 ج و400 م عن تلف الأثاثات وثانياً مبلغ 540 ج عن الأقلام الأخرى مع المصروفات والأتعاب عن الدرجتين. واحتياطياً إحالة الدعوى على محكمة الاستئناف للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى. وفي 21 من أغسطس سنة 1948 أعلنت المطعون عليها بتقرير الطعن وفي 25 منه أودع الطاعنان أصل ورقة إعلان المطعون عليها بالطعن وصورتين مطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداتهما - وفي 18 من سبتمبر سنة 1948 أودعت المطعون عليها مذكرة بدفاعها مشفوعة بمستنداتها طلبت فيها رفض الطعن وإلزام الطاعنين بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 4 من أكتوبر سنة 1948 أودع الطاعنان مذكرة بالرد. وفي 19 من نوفمبر سنة 1950 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية على محكمة الاستئناف للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى. وفي 11 من يناير سنة 1951 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة... إلخ.
المحكمة
من حيث إن واقعة الدعوى كما يستفاد من الحكم المطعون فيه وباقي أوراق الطعن المقدمة إلى هذه المحكمة والتي كانت تحت نظر محكمة الموضوع تتحصل في أنه في 9 من سبتمبر سنة 1942 أجرت المطعون عليها السيدة جلفدان صالح إلى الطاعنة الأولى السيدة فريدة حبشي مفتاح العائمة "سعاد" بقصد استعمالها للسكنى لمدة ستة أشهر ابتداء من أول نوفمبر سنة 1942 لغاية 30 من إبريل سنة 1943 بأجرة شهرية مقدارها 12 جنيهاً وفي 17 من مارس سنة 1943 غرقت العائمة فأقامت الطاعنة الأولى المستأجرة وابنها الطاعن الثاني الدعوى رقم 2011 سنة 1944 كلي مصر على المطعون عليها وطلبا الحكم بإلزامها بأن تدفع إليهما مبلغ 768 جنيهاً و400 مليم قيمة التلف الحاصل للأثاث الذي كان بالعائمة، ومبلغ 540 جنيهاً قيمة تلف أشياء أخرى موضحة بالصحيفة واستندا إلى التحقيق الذي أجرى عقب غرق العائمة بالمحضر رقم 2399 سنة 1943 إداري إمبابة وإلى تقرير الخبير المهندس ريموندو أنطونيوس الذي عين خبيراً باتفاق الطرفين في دعوى إثبات الحالة رقم 1111 سنة 1943 مستعجل مصر وإلى تقرير الخبير المثمن توفيق حزان الذي ندب في دعوى إثبات الحالة رقم 1851 سنة 1943 مستعجل مصر. ودفعت المطعون عليها الدعوى بأن غرق العائمة إنما كان بسبب خطأ الطاعنين واستندت إلى تقرير استشاري للخبير الأستاذ حسن حسين فهمي. والمحكمة الابتدائية بعد أن ندبت الخبير الأستاذ محمد علي حسين مدير إدارة الطبيعيات للاطلاع على أوراق القضية وتقريري الخبير ريموندو أنطونيوس والأستاذ حسن حسين فهمي ومحاضر أعمالهما وإبداء رأيه فيها، وبعد مناقشة الخبراء بجلسة 29 من يناير سنة 1947 حكمت في 27 من مارس سنة 1947 أولاً بالنسبة للتعويض المطالب به عن تلف الأثاث بإلزام المدعى عليها (المطعون عليها) بأن تدفع إلى المدعيين (الطاعنين) 384 جنيهاً و200 مليم والمصروفات المناسبة وبالنسبة لمبلغ 140 جنيهاً المطالب به كتعويض عن فقد الساعة والدبلة والمفرشين بإحالة الدعوى على التحقيق. فأستأنف الطرفان ومحكمة الاستئناف قضت بحكمها الصادر في 28 من مايو سنة 1948 المطعون فيه بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى الطاعنين فقررا طعنهما الحالي فيه.
ومن حيث إن الطعن بني على سببين يتحصل أولهما في أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بأن مسئولية المطعون عليها عن نتائج غرق العائمة لا تعدو كونها مسئولية تعاقدية ناشئة عن عقد الإيجار وأن البند الخامس عشر من العقد جاء صريحاً في هدمها - إذ قضى بذلك - يكون قد أخطأ في تطبيق القانون من وجهين الأول أنه أقام قضاءه على تفسير غير صحيح للبند الخامس عشر من عقد الإيجار إذ ظاهر أن هذا العقد من العقود المطبوعة لإيجار الأملاك المبنية المعدة للسكنى ولم يعد لتأجير عائمة ظهر أن بها عيباً خفياً وخللاً أساسياً في تركيبها فضلاً عما ثبت من عمل لياسة بها أثناء قيام الإجارة أضعفت من قوة احتمالها لجهل من قاموا بعملها فلا يمكن تحلل المالكة من مسئولية أصلية بالاستناد إلى مثل هذا النص الذي لا يصح تطبيقه إلا في الأحوال العادية وفي الصورة التي لا تتحمل المالكة المسئولية فيها عن عيب طارئ في المحل المؤجر لا عيب أصلي أو خفي فيه مما يفوت على المستأجر إدراكه. والوجه الثاني أنه أهمل بحث المسئولية التقصيرية الناشئة عن إهمال تابع المالكة وهو رئيس العائمة المنوط به ملاحظتها والقيام بواجب الكشف عليها والمبادرة إلى التنبيه إلى أي خطر وهذا الإهمال تقع مسئوليته على المالكة.
ومن حيث إن هذا السبب بوجهيه مردود أولاً بأن كون العقد من العقود المطبوعة المعدة أصلاً لتأجير المنازل لا يمنع من استعماله في تأجير عائمة متى كان ليس في أحكامه ما يتنافى مع طبيعتها ولم يدع الطاعنان أن من بين أحكام هذا العقد ما لا يسوغ وروده على عائمة. وقد جاء في أسباب الحكم المطعون فيه عن البند الخامس عشر من العقد أنه "يلزم المستأجرة بأن تخطر المالكة بالإصلاحات التي قد تراها ضرورية فإن لم تقم بها المالكة كان للمستأجرة حق الالتجاء إلى القضاء لتحقيق الأمر. والثابت من الاطلاع على أوراق الشكوى الإدارية أنه قبل الحادثة بأسبوع شعرت المستأجرة بأن العائمة بدأت تميل ميلاً ينذر بالخطر فلم تخطر المالكة وزعمت أنها أخطرت والدها واكتفت بذلك في حين أن والدها ليس طرفاً في العقد وكانت تستطيع المستأجرة إزاء هذا الخطر الذي بدت لها بوادره أن تلجأ إلى القضاء المستعجل ليندب خبيراً يقوم بالمعاينة بصفة مستعجلة ويوصي بما يجب اتباعه تفادياً للخطر قبل وقوعه ولكن المستأجرة رغم ما التزمت به في العقد لم تفعل شيئاً من ذلك وبقيت في العائمة حتى وقع الحادث موضوع الدعوى فليس لها بعد هذا أن تلقي بمسئولية الحادث على غيرها" وجاء في موضوع آخر من الحكم "والظاهر أن المؤجرة اطمئناناً إلى الرخصة المعطاة لها بصلاحية العائمة للاستعمال مدة خمس سنوات تبدأ من 15 سبتمبر سنة 1941 وتنتهي في 14 سبتمبر سنة 1946 أرادت من ناحيتها أن تؤمن نفسها قبل أية مسئولية قد تنشأ بسبب عيوب قد تكون قائمة بالعائمة فاشترطت عدم تحملها وقبلت منها المستأجرة ذلك... إلخ". ومن ذلك يبين أن المحكمة بإعمالها البند المشار إليه في صدد نفي المسئولية عن المالكة لم تخرج عن ظاهر نصوصه التي لا تتنافى مع الأحكام العامة لعقد الإيجار أياً كان موضوعه. ومردود ثانياً بأن الحكم إذ استند ضمن ما استند إليه في قضائه إلى أن المستأجرة (الطاعنة الأولى) شعرت بالخلل المنذر بقرب غرق العائمة ولم تتخذ ما كان يجب عليها من الإجراءات لملافاته ولم تخبر المالكة للتفادي منه، وإلى أنه لم يقم دليل على علم المالكة (المطعون عليها) بالخلل قبل وقوع الكارثة فإنه يكون قد أقام قضاءه في نفي المسئولية التقصيرية عن المالكة على أسباب تكفي لحمله ولا يكون في حاجة بعد إلى بحث وجه المسئولية المؤسس على إهمال تابعها وهو رئيس العائمة المنوط به ملاحظتها، لأن كل ما كان يطلب من هذا الأخير هو إبلاغ المالكة بالخلل لإصلاحه في الوقت المناسب وهو ما كشفته نفس المستأجرة وأهملت ملافاته.
ومن حيث إن السبب الثاني يتحصل في أن الحكم عاره بطلان جوهري من أربعة وجوه يتحصل الوجه الأول منها في أن الحكم استند إلى البند الخامس عشر من عقد الإيجار على أنه يلزم المستأجرة بأن تخبر المالكة بالإصلاحات التي تراها ضرورية، فإن لم تقم بها المالكة كان للمستأجرة حق الالتجاء إلى القضاء المستعجل أو أخذ بدفاع المطعون عليها بأن الطاعنة الأولى شعرت بأن العائمة بدأت تميل قبل الحادث بأسبوع وأخطرت والد المطعون عليها فكانت تستطيع إزاء الخطر الذي بدت بوادره أن تلجأ إلى القاضي المستعجل لكي يأمر بما يجب اتباعه تفادياً من الخطر قبل وقوعه، وفي هذا خطأ في الإسناد لأن ما استند إليه الحكم ينفيه ما ثبت من تحقيق الشكوى الإدارية من أن الطاعنة الأولى لم تشعر بخطر ينذر بسوء العاقبة إذ جاء على لسانها ما يدل على أن غرق العائمة كان مفاجأة لها ولابنها الطاعن الثاني وأنها لا تعرف أن العائمة ناقصة فناطيس أو غيرها. وكل ما هنالك أنها اتصلت بوالد المطعون عليها وكان هو الذي يتولى قبض الأجرة وملاحظة أعمال ابنته التي كانت بالإسكندرية ليكشف على العائمة، وشتان بين الرغبة في إجراء الإصلاحات العادية وبين قول الحكم أن الطاعنة كانت تعلم بالخطر ولم تتخذ أي إجراء في شأنه. ويتحصل الوجه الثاني في أن الحكم عاره قصور في التسبيب إذ أخذ بتقرير الخبير الاستشاري الأستاذ حسن حسين فهمي والخبير الأستاذ محمد علي حسين الذي ندبته محكمة الدرجة الأولى مستنداً إلى أن الخبير الأخير قدم تقريراً انضم في مجموعه إلى تقرير الخبير الاستشاري واقتصر على نقل فقرات من هذا التقرير وأغفل الرد على ما تبين من المناقشة التي حصلت مع الخبراء أمام المحكمة الابتدائية وما أبرزه الحكم الابتدائي من عيوب أساسية في هذا التقرير ولم يعن بالرد على الحجج والبيانات الواردة في تقرير ريموندو أنطونيوس كما لم يعن بالرد على أسباب الحكم الابتدائي. ويتحصل الوجه الثالث في أن الحكم عاره القصور في التسبيب إذ لم يرد على أسباب استئناف الطاعنة ولم يعن ببحثها. ويتحصل الوجه الرابع في أن الحكم أغفل النواحي القانونية للدعوى فلم يرد على دفاع الطاعنين فيما يتعلق بصحة تطبيق البند الخامس عشر من عقد الإيجار وفي خصوص المسئولية التقصيرية التي نسباها إلى تابع المؤجرة مع أنه إهمال تسأل عنه المالكة.
ومن حيث إن هذا السبب بجميع وجوهه مردود أولاً بأنه يبين من الاطلاع على الصورة الرسمية للتحقيقات التي استخلص منها الحكم المطعون فيه أن الطاعنة الأولى أحست بالخطر قبل وقوعه وأهملت تلافيه - أن الطاعنة بعد أن سردت كيفية وقوع الحادثة سئلت عن سبب غرق العائمة فأجابت بأنها اتصلت بصاحب العوامة من أسبوع وهو صالح بك ليكشف عليها فأجابها بأن مدة الإجارة انتهت وطلب منها إخلاء العائمة ورفض إجراء أي إصلاح بها وقال إنه لا يبالي بغرقها فسكتت. ثم سئلت عما إذا كانت تعرف كم برميلاً تنقص من العائمة؟ فأجابت بأنها لا تعرف ولكن العائمة كانت غاطسة قليلاً. وسئلت: لماذا لن تبلغ المالك أو البوليس بأن العائمة غاطسة فأجابت أنها لا تعرف شيئاً من ذلك وأنها أخطرت المالك. ومن هذه التحقيقات يبين أن ما أورده الحكم من أن الطاعنة شعرت بالخطر قبل وقوع الحادث بنحو أسبوع وأهملت ملافاته لا يخالف ما هو ثابت من أقوال نفس الطاعنة ومن ثم يكون تعييب الحكم بالخطأ في الإسناد غير صحيح. ومردود ثانياً بأن الحكم بعد أن أثبت إهمال الطاعنة في تلافي الخطر قبل وقوعه رغم علمهما به وعدم إخبارها المالكة به لم يكن بعد في حاجة إلى التصدي لتقارير الخبراء عن سبب غرق العائمة فتحدثه عنها إنما كان تزيداً لا يؤثر القصور فيه - بفرض ثبوته - على سلامة الحكم. ومردود ثالثاً بأن ما ورد في الوجه الثالث مبهم إذ لم تبين الطاعنة في تقرير الطعن أسباب الاستئناف التي تزعم أن الحكم لم يرد عليها مع وجوب هذا البيان الذي لا تغني عنه الإشارة المجملة. ومردود أخيراً بأن ما أورده الحكم مما سبقت الإشارة إليه كاف في نفي المسئولية التعاقدية والتقصيرية عن المطعون عليها.
ومن حيث إنه لذلك يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق