باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث من أغسطس سنة 2024م،
الموافق الثامن والعشرين من المحرم سنة 1446ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد
الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن
سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 180 لسنة 31
قضائية دستورية
المقامة من
عبد الحميد أحمد إمام علي
ضد
1- رئيس الجمهورية
2- رئيس مجلس الوزراء
3- رئيس مجلس الشعب (النواب حاليًا)
4- خلود محمد جمال الدين الصادق
5- تغريد محمد جمال الدين الصادق
6- نجوى محمد جمال الدين الصادق
7- آية محمد جمال الدين الصادق
8- وزير العدل، بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الشهر العقاري والتوثيق
والسجل العيني بالزقازيق
-------------------
" الإجراءات "
بتاريخ التاسع عشر من أغسطس سنة 2009، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى
قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص المادة (30) من
قانون السجل العيني الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 142 لسنة 1964.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وقدم المدعي مذكرة، صمم فيها على طلباته الواردة بصحيفة دعواه.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة
إصدار الحكم بجلسة اليوم.
---------------------
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق –
في أن المدعي أقام أمام محكمة الزقازيق الابتدائية – مأمورية منيا القمح – الدعوى
رقم 408 لسنة 2003 مدني كلي حكومة، ضد المدعى عليهن من الرابعة إلى السابعة،
والمدعى عليه الثامن، طلبًا للحكم بصحة ونفاذ عقد البيع الابتدائي المؤرخ
13/2/2003، المتضمن بيع المدعى عليهن إلى المدعي مساحة أرض قدرها فدان واحد وستة
قراريط، وتسليمها للمدعي خالية من الشواغل، وشمول الحكم بالنفاذ المعجل، مع إلزام
المدعى عليه الأخير بالتأشير في صحائف الوحدات العقارية بمضمون الطلبات الختامية
الواردة بصحيفة دعواه، على سند من القول بأن المدعى عليهن من الرابعة إلى السابعة
يمتلكن بطريق الإرث من والدتهن قطعة أرض زراعية بناحية الجديدة، مركز منيا القمح، محافظة
الشرقية، بحوض القيد والخطابة رقم 2 ص 72، ضمن العقد المسجل رقم 2784 في
29/4/1959، وقد بعن إلى المدعي المساحة المبينة آنفًا، بموجب عقد بيع ابتدائي مؤرخ
13/2/2003، وذلك نظير مبلغ مقداره مائة وخمسون ألف جنيه، عجَّل المدعي منه مائة
ألف جنيه عند تحرير العقد، وأجَّل سداد باقي ثمن الأرض حتى تاريخ 15/8/2003، وإذ
رفضت المدعى عليهن استلام هذا المبلغ المؤجّل؛ قام المدعي بعرضه عرضًا قانونيًّا،
وأقام دعواه سالفة الذكر. وبجلسة 27/1/2004، قضت المحكمة بصحة ونفاذ عقد البيع
المار ذكره، وألزمتهن بتسليم تلك الأرض للمدعي، ورفضت ما عدا ذلك من طلبات.
استأنفت المدعى عليهن الحكم أمام محكمة استئناف المنصورة – مأمورية الزقازيق –
بالاستئنافين رقمي 943 و1057 لسنة 47 قضائية، وقد تضمنت صحيفة استئنافهن الأخير
دفعًا بعدم قبول الدعوى؛ لعدم إشهار حق الإرث، عملًا بنص المادة (30) من قانون
السجل العيني المار ذكره. كما أقام المدعي استئنافًا فرعيًا قُيد برقم 2461 لسنة
50 قضائية، طالبًا الحكم بإلزام المدعى عليهن من الرابعة إلى السابعة بأن يؤدين
إليه مبلغًا مقداره 4062,5 جنيهًا، قيمة الفرق بين الأرض المبيعة بعقد البيع
العرفي المؤرخ 13/2/2003، وبين المساحة الموجودة على الطبيعة وفق كشف تحديد
البيانات المساحية؛ فقررت المحكمة ضم هذه الاستئنافات جميعها، ليصدر فيها حكم
واحد. وحال نظرها، دفع المدعي بعدم دستورية نص المادة (30) من قانون السجل العيني
الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 142 لسنة 1964. وإذ قدرت المحكمة جدية
الدفع، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية؛ فأقام الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة (30) من قانون السجل العيني الصادر بقرار رئيس
الجمهورية بالقانون رقم 142 لسنة 1964 تنص على أنه يجب قيد حق الإرث إذا اشتملت
التركة على حقوق عينية عقارية بقيد السندات المثبتة لحق الإرث مع قوائم جرد التركة
التي يجب أن تتضمن نصيب كل وارث، وإلى أن يتم هذا القيد لا يجوز للوارث أن يتصرف
في حق من هذه الحقوق.
ويكون قيد حق الإرث في خلال خمس سنوات من تاريخ وفاة المورث بدون رسم،
أما بعد ذلك فلا يقبل القيد إلا بعد أداء الرسم المفروض على نقل الملكية أو الحق
العيني. وتبدأ مدة الخمس سنوات بالنسبة إلى حقوق الإرث القائمة من تاريخ نفاذ
القرار المشار إليه في المادة الثانية من قانون الإصدار.
وتنص المادة (30) من القانون المار ذكره، بعد استبدالها بالقانون رقم
83 لسنة 2006 على أنه يجب على الوارث قيد حق الإرث إذا اشتملت التركة على حقوق
عينية عقارية وذلك بقيد السند المثبت لحق الإرث مع قوائم جرد التركة التي يجب أن
تتضمن نصيب كل وراث.
ولا يجوز قيد أي تصرف يصدر من الوراث في حق من هذه الحقوق إلا بعد
إتمام القيد المنصوص عليه في الفقرة السابقة.
ويجوز أن يقتصر قيد حق الإرث على جزء من عقارات التركة، وفي هذه
الحالة يعتبر هذا الجزء وحدة عقارية تبنى على أساسها تصرفات الورثة.
ولا يجوز قيد أي تصرف من الوارث طبقًا لأحكام الفقرة السابقة إلا في
حدود نصيبه الشرعي في كل وحدة.
ولا يجوز قيد أي تصرف في أي عين من الأعيان التي انتهى فيها الوقف إلا
بعد قيد إلغائه.
وفي جميع الحالات السابقة يكون القيد بدون رسم.
وحيث إن المدعي ينعى على النص المطعون فيه مخالفته أحكام المواد (2
و23 و32 و34 و40) من دستور سنة 1971؛ إذ إنه قد حظر على الوارث التصرف فيما آل
إليه من ميراث قبل إشهار حق الإرث، بالمخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية، وبما يمثل
قيدًا على حق الملكية، كما أضاف سببًا جديدًا إلى أسباب كسب الملكية الواردة على
سبيل الحصر في القانون المدني، فضلًا عن أنه مايز بين الخاضعين لنظام الشهر الشخصي
وأولئك الخاضعين لنظام السجل العيني، مما يُعد إخلالًا بمبدأ المساواة.
وحيث إن من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن المصلحة
الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط
بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، بما مؤداه أن تفصل المحكمة
الدستورية العليا في الخصومة من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية أو
تصوراتها المجردة، وهو ما يقيد تدخلها في تلك الخصومة القضائية، ويرسم تخوم
ولايتها، فلا تمتد لغير المطاعن التي يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع
الموضوعي، وبالقدر اللازم للفصل فيها، ومؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير
الأشخاص الذين يمسهم الضرر من جراء سريان النص المطعون فيه عليهم، سواء أكان الضرر
وشيكًا يتهددهم، أم كان قد وقع فعلًا. ويتعين دومًا أن يكون الضرر منفصلًا عن مجرد
مخالفة النص المطعون فيه للدستور، مستقلًّا بالعناصر التي يقوم عليها، ممكنًا
تحديده وتسويته بالترضية القضائية، عائدًا في مصدره إلى النص المطعون فيه، فإذ لم
يكن النص قد طُبق على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه،
أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، دل
ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة، ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه
الصور جميعًا، لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية، يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني،
بعد الفصل في الدعوى الدستورية، عما كان عليه قبلها.
وحيث إن المقرر أيضًا في قضاء هذه المحكمة، أن الخطأ في تأويل أو
تطبيق النصوص القانونية لا يوقعها في حمأة المخالفة الدستورية، إذا كانت صحيحة في
ذاتها، وأن الفصل في دستورية النصوص القانونية المدعى مخالفتها للدستور، لا يتصل
بكيفية تطبيقها عملًا، ولا بالصورة التي فهمها القائمون على تنفيذها، وإنما مرد
اتفاقها مع أحكام الدستور أو خروجها عليه إلى الضوابط التي فرضها الدستور على
الأعمال التشريعية جميعًا.
وحيث إن النص المطعون فيه، بصريح عباراته، وواضح دلالاته، ينطوي على
خطاب موجه إلى الورثة ليبادروا إلى قيد حق الإرث في السجل العيني، إثباتًا
لملكيتهم، وتنظيمًا لها، وضمانًا للتعامل في الحقوق العقارية وفق أسس ثابتة، أخذًا
بمبدأ القوة المطلقة للقيد بالسجل، وتحقيقًا لهذا الغرض حرص المشرع على دفع الورثة
إلى المبادرة لقيد هذا الحق بقيد السندات المثبتة له مع قوائم جرد التركة التي يجب
أن تتضمن نصيب كل وارث، وجعل هذا القيد من دون رسم إذا تم خلال السنوات الخمس
التالية لوفاة المورث، أما بعد فوات هذه المدة فلا يقبل القيد إلا بأداء الرسوم
المقررة لنقل الملكية أو الحق العيني، وحظر النص – في جميع الأحوال - على الوارث
أن يتصرف في أي من حقوق التركة العينية قبل إتمام هذا القيد، وبذلك لا يكون المشرع
بهذا التنظيم قد خاطب غير الورثة في شأن قيد حق الإرث، ويكون هؤلاء أو أحدهم – دون
غيرهم من المتصرف إليهم في العقارات الموروثة بوجه من أوجه التصرفات التي ترد على
الحقوق العينية العقارية - مكلفين قانونًا بمباشرة إجراءات القيد بالسجل العيني أو
سداد الرسوم المقررة لذلك حال استحقاقها، وإنما تقع تبعة ذلك على الوارث وحده. لما
كان ذلك، وكان المدعي ليس من الورثة، فإن الضرر الذي يدعيه لا يكون مرده إلى النص
المطعون فيه، وإنما إلى فهم غير صحيح لأحكامه؛ ومن ثم فلا يكون له مصلحة في الطعن
على دستورية النص المشار إليه قبل وبعد استبداله، فضلًا عن أن المتصرف إليه من
الوارث الذي لم يقم بشهر حق الإرث لديه من الوسائل الموضوعية والإجرائية التي
أتاحها له المشرع، وتمكنه من بلوغ غايته في الاعتداد بالتصرف وإنفاذه في مواجهة
الكافة، وذلك شأن المدعي أمام محكمة الموضوع، دون حاجة إلى التعرض للنص التشريعي
من الناحية الدستورية؛ الأمر الذى تنتفي معه المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى
المعروضة؛ مما لازمه القضاء بعدم قبولها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعي
المصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق