جلسة 6 من ديسمبر سنة 1978
برئاسة السيد المستشار/ محمد أسعد محمود نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ محمد الباجوري، محمد طه سنجر، إبراهيم فراج ومحمد أحمد حمدي.
---------------
(358)
الطعن رقم 656 لسنة 45 القضائية
(1 ، 2) إيجار "إيجار الأماكن".
(1) الضرورة الملجئة لبيع المتجر أو المصنع. م 594/ 2 مدني. مناطها. وجوب ألا يعود البائع إلى ممارسة ذات النشاط في تاريخ معاصر.
(2) الضرورة الحتمية لبيع المتجر أو المصنع. لمحكمة الموضوع تقدير قيام الضرورة من عدمه.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليها أقامت الدعوى رقم .... مدنى أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية ضد الطاعنين بطلب الحكم بفسخ عقد الإيجار المؤرخ 1/ 12/ 1964 المبرم بينها وبين الطاعن الأول والمتنازل عنه لباقي الطاعنين وإخلائهم جميعاً من العين وتسليمها إليها، وقالت شرحاً لها أنه بموجب ثلاثة عقود مؤرخة 1/ 12/ 1964، 1/ 4/ 1973 استأجر منها الطاعن الأول ثلاثة دكاكين بالعقار رقم...... بقصد استغلالها في تجارة النظارات وصناعتها، وإذ تنازل عن إيجار الدكان موضوع العقد المؤرخ 1/ 12/ 64 إلى الطاعنين الثاني والثالث دون إذن كتابي، فقد أقامت الدعوى. أجاب الطاعنان الثاني والثالث بأنهما اشتريا المحل التجاري موضوع النزاع من الطاعن الأول بموجب العقد المؤرخ 14/ 5/ 1973 بكافة مقوماته المادية والمعنوية بسبب ما أصاب تجارته من كساد، وبتاريخ 27/ 4/ 1974 حكمت المحكمة بفسخ عقد الإيجار المؤرخ 1/ 12/ 1964 فيما بين المطعون عليها والطاعن الأول وإخلاء الطاعنين من العين موضوع العقد وتسليمها للمطعون عليها. استأنف الطاعنون هذا الحكم بالاستئناف رقم ...... طالبين إلغاءه، وبتاريخ 8/ 5/ 1975 حكمت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض. وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم.
عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأته جديراً بالنظر، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين، ينعى بهما الطاعنون على الحكم المطعون فيه الإخلال بحق الدفاع والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقولون إنهم تمسكوا أمام محكمة الموضوع بأن أولهم وإن استأجر عين النزاع ليباشر فيه تجارة وصناعة النظارات، إلا أنه لم يمارس هذا النشاط بسبب رفض وزارة الصحة الترخيص له به، وأنه لذلك استغل المحل في تجارة الساعات التي اشتق منها الاسم التجاري وقيد على أساسها بالسجل التجاري وتمت محاسبته ضرائبيا، وقد اضطر إلى بيع المحل إلى الثاني والثالث بسبب كساد هذه التجارة، وطلبوا الإثبات ذلك إحالة الدعوى إلى التحقيق، كما قدموا المستندات المثبتة لنوع الاستعمال إلا أن المحكمة لم تستجب لهذا الطلب أو تناقش تلك المستندات وركنت في قضائها بالفسخ والإخلاء إلى عدم توافر الضرورة التي تبيح بيع المحل استناداً إلى تملك الطاعن الأول لمحلين آخرين بذات العقار واستمرار نشاطه فيهما، في حين أن احتفاظه بهما كان لمباشرة تجارة النظارات وهو لا ينفي أن المحل موضوع النزاع كان مخصصاً لتجارة الساعات وأن الكساد أصاب هذا النوع من التجارة مما يعيب الحكم بالإخلال بحق الدفاع والفساد في الاستدلال.
وحيث إن النعي في محله، ذلك أنه لما كان مؤدى الضرورة في معنى الفقرة الثانية من المادة 594 من التقنين المدني أن يكون المستأجر مضطرا بحكم الواقع وإذعاناً للظروف المحيطة به إلى بيع متجره أو مصنعه للغير، بحيث لا يعتبر من قبيل الضرورة الملجئة في هذا المجال أن يستهدف مالك المتجر من بيعه مجرد الكسب، ثم يعود في وقت معاصر إلى ممارسة ذات النشاط الذى كان يزاوله، بل يتعين قيام ضرورة تضع حداً لهذا النشاط بالذات، ويكون بيع المتجر هو آخر عمل يقوم به في ميدانه. لما كان ذلك وكان الواقع في الدعوى أن الطاعنين تمسكوا أمام محكمة الموضوع بأن أولهم وإن استأجر محل النزاع بقصد استغلاله في تجارة النظارات والخردوات إلا أنه لم يستطع ممارسة هذا النشاط فيه تبعاً لرفض الجهة المختصة إصدار الترخيص لعدم توافر الشروط الصحية اللازمة، وأنه اضطر إزاء ذلك إلى استغلاله فى تجارة الساعات، وأن هذه التجارة قد أصابها الكساد في الآونة الأخيرة وحاقت به خسائر من جرائها، الأمر الذى حمله على بيع المحل، وقدموا المستندات الدالة على اقتصار المحل المبيع على تجارة الساعات، وطلبوا إحالة الدعوى إلى التحقيق لتمكينهم من إثبات أوجه دفاعهم في هذا الخصوص. لما كان ما تقدم وكان الحكم المطعون فيه قد ركن في قضائه بإخلاء العين المؤجرة إلى استئجار الطاعن الأول لمحلين آخرين بذات العقار خلاف المحل موضوع النزاع، وأنه يباشر فيهما ذات النشاط الذي كان يمارسه بالمحل المبيع ويحتفظ بهما، ورتب الحكم على ذلك انتفاء الضرورة الملجئة، وهو من الحكم فساد في الاستدلال، ذلك لأن احتفاظ الطاعن الأول بالمحلين الآخرين لا يتنافى مع أنه يمارس فيهما نشاطاً آخراً متعلقاً بالاتجار في النظارات وصناعتها طبقاً للثابت من عقدي إيجارهما، كما أن افتراض مزاولة النشاط بعينه في المحلات الثلاثة دون سند من حقيقة الواقع مرده إلى حجب المحكمة نفسها عن تمحيص مستندات الطاعنين في هذا الشأن والالتفات عن الرد عليها. لما كان ما سلف، فإنه وإن كان - المقرر في قضاء هذه المحكمة - أن محكمة الموضوع هي التي تقدر ما إذا كانت هناك ضرورة تبرر بيع المتجر وتسوغ التنازل عن الإيجار بالرغم من الشرط المانع، ولئن كانت الاستجابة لطلب الإحالة إلى التحقيق من إطلاقات قاضى الموضوع إلا أن ذلك مشروط بأن تكون قد كونت عقيدتها في هذا الشأن من أدلة سائغة وأن تكون بنت قضاءها على ما يكفى لحمله وأن يكون إجراء التحقيق غير مجد، وإذ كان الدفاع الذى ساقه الطاعنون جوهريا وقد يكون من شأنه تغيير وجه الرأي في الدعوى فإن الحكم يكون قد شابه الفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع بما يستوجب نقضه على أن يكون مع النقض الإحالة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق