جلسة 25 من أكتوبر سنة 1978
برئاسة السيد المستشار محمد أسعد محمود - نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ محمد الباجوري، ومحمد طه سنجر، إبراهيم فراج وصبحي رزق داود.
----------------
(313)
الطعن رقم 989 لسنة 44 القضائية
(1) إيجار "إيجار الأماكن". نقض. حكم "الطعن في الحكم". تجزئة.
القضاء برفض دعوى المالكين بإخلاء المستأجر من العين المؤجرة. طعن أحدهما بالنقض دون الآخر في هذا الحكم. صحيح رغم صدوره في موضوع غير قابل للتجزئة. علة ذلك. م 218 مرافعات.
(2) إفلاس. التزام.
إشهار إفلاس التاجر. توكيل الدائن بعد موافقة مأمور التفليسة الاستمرار في تجارة المفلس م 26 من قانوني التجارة. الحقوق والالتزامات الناشئة عن ذلك. انصرافها لجماعة الدائنين.
(3) إفلاس. إيجار "إيجار الأماكن".
إشهار إفلاس مستأجر السجل التجاري. لا يعد سبباً لفسخ عقد الإيجار. إذن مأمور التفليسة لوكيل الدائنين بالاستمرار في التجارة. لا أثر له على حق المؤجر في طلب إخلاء العين المؤجرة لمستأجر من الباطن أو النزول عنها للغير.
(4) محكمة الموضوع. نقض.
التعرف على قصد المتعاقدين. من سلطة محكمة الموضوع. التكييف القانوني لما عناه المتعاقدان. خضوعه لرقابة محكمة النقض.
(5) إيجار "إيجار الأماكن". عقد "تكيف العقد".
تكيف العقد. مناطه. عدم الاعتداد بما يطلقه المتعاقدان عليه من أوصاف وعبارات متى خالفت حقيقة التعاقد. مثال بشأن تكييف عقد إيجار.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن وأخرى أقاما الدعوى رقم 1379 لسنة 1971 مدنى أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية ضد المطعون عليهم بطلب الحكم بانتهاء عقد الإيجار المبين بالصحيفة وإخلاء العين المؤجرة وتسليمها إليهما خالية بالحالة التي كانت عليها وقت انعقاد الإيجار، وقالا شرحاً لها أنه بموجب عقد مؤرخ 7/ 4/ 1941 استأجرت الشركة العامة للمواد الغذائية (لاباس وشركاه) من مورثهما ثلاث دكاكين بالعقار رقم 2 شارع السلولى بالدقي بالقاهرة وإذ خطر البند السادس عشر من العقد على المستأجر إحلال آخر محله أو توكيل غيره أو التأجير من الباطن أو التنازل عن كل أو جزء من العين المؤجرة بدون موافقة كتابية من المالك، وإذ أشهر إفلاس الشركة المستأجرة وقام وكيل الدائنين المطعون عليهما الأولين - بتأجير العين من الباطن بموجب عقد مؤرخ 25/ 9/ 1963 إلى باقي المطعون عليهم بغير إذن فقد أقاما الدعوى ودفع المطعون عليهم بعدم اختصاص المحكمة محلياً وولائياً بنظر الدعوى وبعدم قبولها لرفعها بغير الطريق القانوني ولرفعها من غير ذي صفة، وبتاريخ 19/ 2/ 1972 حكمت المحكمة (أولاً) برفض الدفوع الأربعة (ثانياً) برفض الدعوى. استأنف المدعيان هذا الحكم بالاستئناف رقم 1011 لسنة 89 ق القاهرة طالبين إلغاءه والقضاء بالطلبات، وبتاريخ 26/ 10/ 1974 حكمت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، دفع المطعون عليهما الأولان بعدم قبول الطعن، قدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الدفع وفى الموضوع بنقض الحكم. عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأته جديرا بالنظر، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مبنى الدفع بعدم قبول الطعن، أن الطاعن انفرد بإقامة الطعن بالنقض دون المالكة الأخرى التي شاركته في إقامة الدعوى بداءة ثم في استئناف الحكم الصادر فيها مما يعتبر قبولاً منها للحكم المطعون فيه وصيرورته نهائياً قبلها، وإذ كان موضوع الدعوى غير قابل للتجزئة فإن الطعن يكون غير مقبول بالنسبة للطاعن لانعدام المصلحة.
وحيث إن الدفع مردود، ذلك أن النص في الفقرة الثانية من المادة 218 من قانون المرافعات على أنه "....... إذا كان الحكم صادراً في موضوع غير قابل للتجزئة أو في التزام بالتضامن أو في دعوى يوجب القانون فيها اختصام أشخاص معينين جاز لمن فوت ميعاد الطعن من المحكوم عليهم أو قبل الحكم أن يطعن فيه أثناء نظر الطعن المرفوع في الميعاد من أحد زملائه منضماً إليه في طلباته فإن لم يفعل أمرت المحكمة الطاعن باختصامه في الطعن"، يدل على أن المشرع أجاز خروجاً على مبدأ نسبية الأثر المترتب على إجراءات المرافعات أن يفيد خصم من طعن مرفوع من غيره في الميعاد في حالة الحكم في موضوع غير قابل للتجزئة بالتدخل في الطعن بالوسيلة التي بينها في المادة المذكورة. وإذ كانت هذه رخصة أجازها الشارع في هذه الحالة لمن قبل الحكم أو لمن لم يطعن عليه في الميعاد، فإن قعوده عن استعمال هذه الرخصة لا يؤثر في شكل الطعن متى أقيم من باقي المحكوم عليهم صحيحاً في الميعاد. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد صدر ضد الطاعن وأخرى برفض طلب إنهاء العلاقة الإيجارية وإخلاء المطعون عليهم عدا الأول من العين المؤجرة، فإنه يجوز للطاعن وحده الطعن في الحكم وإن صدر في موضوع غير قابل للتجزئة، ومن ثم يتعين رفض الدفع.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم ذهب إلى أن العقد المبرم بين المطعون عليه الأول بصفته وكيلاً للدائنين وبين باقي المطعون عليهم في 25/ 9/ 1963 هو عقد استغلال تجارى وليس عقد تأجير من الباطن واستند في ذلك إلى ما أطلقه عليه المتعاقدان من تسمية، وإلى خلو نصوصه من أية إشارة إلى تأجير العين أو الاتفاق على أجره، وإلى ثبوت تحريره بعد الحصول على موافقة مأمور التفليسة، فيكون محل العقد وارداً على عمل هو استغلال اسم وشهرة المنشأة التجارية وإدارتها ومعداتها وكل ما يتعلق بها، والسماح بتشغيلها لفترة معينة وفقاً لأحكام القانون التجاري نتيجة لإشهار إفلاس الشركة، في حين أن العقود لا يتحدد تكييفها بما يطلقه عليها أطرافها من أسماء، بل باستخلاص حقيقة العلاقة التي ينظمها العقد وبيان أى العقود توافرت أركانها فى هذه العلاقة والواضح من بنود العقد اشتمالها على عناصر عقد الإيجار. هذا إلى أن الحكم لم يبين أساس ما استخلصه من ورود العقد على عمل وليس على شيء، ولا نوع عقد العمل الذى يتدرج تحته، أو يستظهر ما ينطوي عليه من تبعية في الإدارة أو الإشراف باعتبارها الخاصية الأساسية لعقد العمل. بالإضافة إلى أن حصول وكيل الدائنين على موافقة مأمور التفليسة على إبرام العقد لا يفيد شيئا في تحديد التكييف القانوني له إذ أن قراراته ليست حجة على المؤجر في علاقته مع المفلس وهو ما يعيب الحكم بمخالفة القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال.
وحيث إن النعي في محله، ذلك أنه وإن كان النص في المادة 262 من قانون التجارة على أنه "يجوز لوكلاء الدائنين الاستمرار على تشغيل محل التجارة بأنفسهم أو بواسطة شخص آخر يقبله مأمور التفليسة ويكون التشغيل تحت ملاحظته" يدل على أنه يجوز لوكيل الدائنين بعد استئذان مأمور التفليسة أن يستمر في تجارة المفلس إما بنفسه أو بواسطة شخص آخر يوافق مأمور التفليسة على اختياره، وتعتبر الحقوق والالتزامات الناشئة عن العقود المبرمة بمناسبة الاستمرار في التجارة حقوق والتزامات على جماعة الدائنين، ولئن كان الإفلاس بمجرده لا يعتبر سبباً لفسخ عقد الإيجار إلا أنه إذا كان المستأجر هو المفلس، ولم يكن له حق التأجير من الباطن أن التنازل عن الإيجار فإن الإذن الذى يصدره مأمور التفليسة ليمكن وكيل الدائنين من الاستمرار في الاتجار ليس من شأنه أن يرتب انتقاص حقوق المؤجر، ولا يحول دون الأخير والمطالبة بفسخ عقد الإيجار الأصلي تطبيقاً للقواعد العامة أو استناداً إلى شرط العقد. وإن عول الحكم على موافقة مأمور التفليسة على شروط وأوضاع العقد المبرم بين وكيل الدائنين وبين باقي المطعون عليهم في 25/ 9/ 1963 واعتبره بهذه المثابة تصرفاً قانونياً رغم أن هذه الموافقة لا تجدي في تحديد التكييف القانوني للعقد كما أن قرارات مأمور التفليسة ليست حجة على المؤجر في علاقته مع المفلس طالما انطوى عقد الإيجار الأصلي المؤرخ 7/ 4/ 1941 المبرم بينه وبين المفلس في البند السادس عشر على حظر إحلال آخر محل المستأجر أو توكيل غيره أو تأجيره العين من الباطن أو نزوله عنها كلياً أو جزئياً، فإنه يكون قد خالف القانون. لما كان ذلك فإنه وإن كان التعرف على ما عناه المتعاقدون فى العقد هو مما يدخل في سلطة قاض الموضوع، إلا أنه متى استخلصت المحكمة ذلك فإن التكييف القانوني الصحيح لما قصدوه وتطبيق نصوص القانون على العقد هو مسألة قانون تخضع لرقابة محكمة النقض، ولما كان الثابت من الحكم المطعون فيه أنه عرض لتكييف العقد المبرم فى 25/ 9/ 1963 بين المطعون عليه الأول بصفته وبين سائر المطعون عليهم فنفى اعتباره إيجاراً على سند من أنه عنون بأنه استغلال تجارى وأنه لم يتضمن صراحة أحد لفظي التأجير أو الأجرة، رغم أن المناط في تكييف العقد هو بوضوح الإرادة لا وضوح اللفظ وما عناه العاقدون منها بالتعرف على حقيقة مرماهم دون أن يعتد بما أطلقوه عليها من أوصاف وما ضمنوها من عبارات، متى تبين أن هذه الأوصاف والعبارات تخالف حقيقة التعاقد. لما كان ما تقدم وكان البين من نصوص العقد المشار إليه أن المطعون عليه الأول تعهد فيه بتمكين المطعون عليهم من الثاني للأخير من الانتفاع بالمحل الذى يستأجره المفلس من الطاعن، على أن يستقل به هؤلاء المطعون عليهم فيعرضون بضاعتهم فيه تحت مسئوليتهم مقابل التزامهم بأن يدفعوا شهرياً مبلغ خمسة وأربعون جنيهاً، علاوة على إلزامهم دفع أجرة المحل ومرتبات الموظفين وأجور العمال والضرائب وقيمة استهلاك المياه والإضاءة، فالشروط التي يتضمنها العقد تجعل منه عقد إيجار توافرت فيه أركانه من منفعة ومدة وأجرة، لا يغير من ذلك أن المبلغ الذى تعهد المطعون عليهم الثلاثة الأخيرين بأدائه وصف فى العقد بأنه جعل، كما لا يؤثر في هذا الاستخلاص الوصف المطلق عليه من أنه استغلال تجارى، وقد سلم المطعون عليهم في البند الثاني من عقد البيع اللاحق عن ذات المحل التجاري والثابت التاريخ في 12/ 11/ 1970 بانتهاء "العلاقة التجارية" التي كانت قائمة بينهم بموجب العقد موضوع النزاع. لما كان ما سلف وكانت الخصيصة الأساسية في عقد العمل هي التبعية والخضوع، بأن يعمل المتعاقد في خدمة الآخر وتحت إدارته وإشرافه في مقابل أجر، وكانت بنود العقد محل الخلاف - وعلى ما سلف بيانه - تتنافر مع حق التوجيه والإشراف للمطعون عليه الأول، وإذ لم يبين الحكم المطعون فيه أساس استخلاصه ورود التعاقد على عمل فإن هذا الاستخلاص لا يكون مستقى من مصدر موجود فعلا لا وهما بالإضافة إلى مناقضته للثابت في الدعوى، بما يستوجب نقضه على أن يكون مع النقض الإحالة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق