جلسة 14 من فبراير سنة 1959
برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم البغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.
------------------
(69)
القضية رقم 97 لسنة 5 القضائية
موظف - وقفه عن العمل
- المادة 95 من القانون رقم 210 لسنة 1951 والمادة 52 من المرسوم الصادر باللائحة التنفيذية لهذا القانون والمادة 10 من القانون رقم 117 لسنة 1958 - مقتضاها أنه لا يجوز مد وقف الموظف مدة تزيد على ثلاثة أشهر إلا بقرار من المحكمة التأديبية المواد المشار إليها لا تستوجب اقتصار إذن المحكمة بالمد على ثلاثة أشهر ثم يتجدد الإذن بذلك كل مرة كما هو الشأن في حبس المتهمين احتياطياً - علة التفرقة بين الحكمين.
إجراءات الطعن
في 16 من ديسمبر سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في القرار الصادر من المحكمة التأديبية لموظفي وزارة الزراعة بجلسة 23 من نوفمبر سنة 1958 في الطلب المقدم إليها من النيابة الإدارية ضد فؤاد محمد توفيق الموظف بوزارة الزراعة بقسم أملاك الفيوم، والقاضي "بمد وقف السيد/ فؤاد محمد توفيق لمدة ستة أشهر من تاريخ هذا القرار، مع وقف صرف كامل مرتبه مؤقتاً خلال مدة الإيقاف". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن - الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بتعديل القرار المطعون فيه، وتقرير استمرار وقف السيد/ فؤاد محمد توفيق لمدة ثلاثة أشهر". وقد أعلن الطعن للنيابة الإدارية في 25 من ديسمبر سنة 1958، وللموظف المذكور في 4 من يناير سنة 1959، وعين لنظره جلسة 3 من يناير سنة 1959، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات، ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أنه في 12 من نوفمبر سنة 1957 قبض على السيد/ فؤاد محمد توفيق لاتهامه بأخذ مبلغ عشرين جنيهاً رشوة ممن يدعى عبد الرازق يونس لتسهيل تسجيل واعتماد بيع فدانين من أملاك الحكومة؛ وبناء على ذلك أوقف المذكور عن العمل تطبيقاً لحكم المادة 96 من القانون رقم 210 لسنة 1951. وقد قررت النيابة العامة حبسه لمدة ثلاثين يوماً من 13 من نوفمبر سنة 1957، ثم أخطرت النيابة العامة بعد ذلك المصلحة التابع لها هذا الموظف بأن القضية أحيلت إلى محكمة جنايات الفيوم في 5 من ديسمبر سنة 1957. وفي 24 من ديسمبر سنة 1957 قررت المحكمة الإفراج عن المتهم إذا دفع ضماناً مالياً قدره مائة جنيه، وقد قام المذكور بدفع الضمان وأفرج عنه مساء يوم 24 من ديسمبر سنة 1957، وحضر للمديرية صباح يوم 25 من ديسمبر سنة 1957، وقد رأت المديرية استمرار وقف المذكور حتى يفصل في القضية، فعرض الأمر على إدارة الرأي لوزارة المالية والاقتصاد، فأفتت بأن للمصلحة سلطة تقديرية في إعادة الموظف المذكور إلى عمله أو عدم إعادته، فإذا رأت بعد الاستئناس برأي النيابة العامة أن مصلحة التحقيق أو المحاكمة الجنائية تقتضي الاستمرار في وقفه عن العمل، فلها أن تقرر ذلك مع مراعاة المدة والإجراء المنصوص عليهما في المادة 95 من قانون موظفي الدولة. وقد سئلت نيابة الفيوم عن رأيها في استمرار وقف المتهم أو إعادته إلى عمله فرأت النيابة في 8 من مارس سنة 1958 استمرار وقفه حتى يفصل في الدعوى. واستناداً إلى ذلك أصدر مدير عام مصلحة الأملاك قراراً في 9 من أبريل سنة 1958 بوقف السيد/ فؤاد محمد توفيق عن العمل اعتباراً من 25 من ديسمبر سنة 1957، التاريخ التالي لانتهاء الوقف بقوة القانون، وبعرض أمره على مجلس التأديب عند تشكيله؛ لأن مدة الوقف زادت على ثلاثة أشهر؛ ونظراً إلى أن مجلس التأديب الخاص بمصلحة الأملاك لم يبت في تشكيله بمعرفة الوزارة، فقد طلبت المصلحة من الوزارة إحالة المتهم إلى مجلس التأديب الخاص بالوزارة لتجديد مدة الوقف. ونظراً لصدور القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والذي أنشئت بموجبه المحاكم التأديبية تقدمت النيابة الإدارية إلى المحكمة التأديبية المختصة للنظر في استمرار وقف المتهم، فقررت المحكمة في 23 من نوفمبر سنة 1958 "مد وقف السيد/ فؤاد محمد توفيق لمدة ستة أشهر من تاريخ هذا القرار، مع وقف صرف كامل مرتبه مؤقتاً خلال مدة الإيقاف". فطعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا القرار، وأقام طعنه على أن المادة العاشرة من القانون رقم 117 لسنة 1958 تقضي بأنه لا يجوز أن تزيد مدة الوقف عن ثلاثة أشهر إلا بقرار من المحكمة التأديبية المختصة، وأن مفاد هذا النص أن الوقف غايته ثلاثة أشهر بصفة عامة تنفرد بها جهة الإدارة لأول مرة، فإذا جاوز التحقيق مع الموظف الموقوف هذه الغاية تعين الرجوع إلى المحكمة التأديبية المختصة لتصدر قرارها باستمرار الوقف إذا اقتنعت بدواعيه لمدة أخرى أقصاها ثلاثة أشهر، وهكذا كما استطال التحقيق واقتضى الأمر إقصاء الموظف عن وظيفته؛ وعلة هذا أن المشرع، وقد استهدف من وراء وقف الموظف صيانة التحقيق من خطره إذا ظل قائماً بأعمال وظيفته، فإنه قصد أيضاً تأمين الموظف وتوفير الضمانات له، فمنح جهة الإدارة سلطة الوقف لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر، ثم وكل بعد ذلك استمرار الوقف إلى القضاء يقضى به المدة تلو الأخرى كلما قامت أسبابه، على شريطة ألا يزيد الوقف في كل مرة على ثلاثة أشهر حتى لا يظل الموظف موقوفاً إلى أجل بعيد فيضار بالوقف، وحتى لا تبقى الوظيفة شاغرة إلى أمد طويل فتضار المصلحة العامة، هذا فضلاً عن أن التزام هذه الفترة الزمنية من جانب جهة الإدارة ثم من جانب المحكمة التأديبية على السواء فيه استنهاض للسلطة التي تتولى التحقيق وحثها على التعجيل به. وإذ أخذ القرار بغير هذا النظر فإنه يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إن مثار هذه المنازعة هو ما إذا كان يجوز للمحكمة التأديبية - إذا ما عرض عليها أمر مد وقف موظف عن عمله - أن تأمر باستمرار وقفه لمدة تزيد على ثلاثة أشهر، أم أنها لا تملك أن تحكم بالوقف لمدة تزيد على ثلاثة أشهر، وإن كانت تملك تجديده لمدة أخرى لا تزيد كل منها على هذه المدة.
ومن حيث إن المادة 95 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة تنص على أن "للوزير ولوكيل الوزارة أو لرئيس المصلحة كل في دائرة اختصاصه أن يوقف الموظف عن عمله احتياطياً إذا اقتضت مصلحة التحقيق معه ذلك، ولا يجوز أن تزيد مدة الوقف على ثلاثة أشهر إلا بقرار من مجلس التأديب..."، وتنص المادة 52 من المرسوم الصادر باللائحة التنفيذية للقانون رقم 210 لسنة 1951 سالف الذكر على أنه "إذا امتدت مدة الوقف إلى ثلاثة أشهر دون أن ينتهي التحقيق تعين عرض الأوراق في نهاية تلك المدة على مجلس التأديب للنظر في استمرار الوقف"، ثم صدر في 11 من أغسطس سنة 1958 قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية في الإقليم المصري ناصاً في المادة العاشرة منه على أن "لمدير عام النيابة الإدارية أو أحد الوكيلين أن يطلب وقف الموظف عن أعمال وظيفته إذا اقتضت مصلحة التحقيق معه ذلك، ويكون الوقف بقرار من الوزير أو الرئيس المختص... ولا يجوز أن تزيد مدة الوقف عن ثلاثة أشهر إلا بقرار من المحكمة التأديبية...".
ومن حيث إن المستفاد من النصوص المتقدمة أنه لا يجوز مد وقف الموظف مدة تزيد على ثلاثة أشهر إلا بقرار من المحكمة التأديبية، فالحظر منصب على وقف الموظف عن عمله لمدة تزيد على ثلاثة أشهر إلا بإذن من المحكمة المذكورة، ولم تستوجب النصوص أن يقتصر إذن المحكمة بالمد على ثلاثة أشهر فقط، ثم يتجدد الإذن بذلك كل مرة، كما هو الشأن مثلاً في حبس المتهمين احتياطياً - حيث تنص المادة 142 من قانون الإجراءات الجنائية على أن "ينتهي الحب الاحتياطي حتماً بمضي خمسة عشر يوماً على حبس المتهم، ومع ذلك يجوز لقاضي التحقيق بعد سماع أقوال النيابة العامة والمتهم أن يصدر أمراً بمد الحبس مدة أو مدداً أخرى لا يزيد مجموعها على 45 يوماً..."، ونصت المادة 143 من القانون المذكور على أنه "إذا رأى قاضي التحقيق مد الحبس الاحتياطي زيادة على ما هو مقرر بالمادة السابقة وجب قبل انقضاء المدة السالفة الذكر عرض الأوراق على غرفة الاتهام لتصدر أمرها بما تراه بعد سماع أقوال النيابة العامة والمتهم، ولغرفة الاتهام مد الحبس مدداً متعاقبة لا تزيد كل منها عن 45 يوماً إلى أن ينتهي التحقيق" - وعلة الفرق في الحكمين واضحة؛ ذلك لأن الحبس الاحتياطي - وهو تقييد للحرية الشخصية - أمر يتعذر تداركه إذا ما وقع فعلاً، فوجب التحوط لهذا الأمر قبل وقوعه، ومن هنا كان الإذن به مقصوراً على 45 يوماً في المرة الواحدة مع وجوب تجديد الإذن كل مرة، أما الوقف فلا يترتب عليه بالنسبة للموظف سوى وقف صرف مرتبه، وهذا أمر من الممكن تداركه على النحو الذي نظمته الفقرة الثانية من المادة العاشرة؛ إذ خولت المحكمة التأديبية صرف المرتب كله أو بعضه بصفة مؤقتة، كما خولها - عند الفصل في الدعوى التأديبية - تقرير ما يتبع في شأن المرتب في مدة الوقف، سواء بحرمان الموظف منه أو بصرفه إليه كله أو بعضه؛ ومن ثم فيكون للمحكمة التأديبية - إذا ما عرض عليها أمر مد الوقف - أن تقدر المدة اللازمة حسبما تقتضيه مصلحة التحقيق أو المحاكمة التأديبية بحسب ظروف الحال وملابساته.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في النتيجة التي انتهى إليها، ويتعين رفض الطعن.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق