الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 12 يوليو 2023

الطعن 524 لسنة 39 ق جلسة 2 / 1 /1994 إدارية عليا مكتب فني 39 ج 1 أحزاب ق 6 ص 46

جلسة 2 من يناير سنة 1994

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ علي فؤاد الخادم - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ محمد معروف محمد وعبد القادر هاشم النشار والسيد محمد السيد الطحان وإدوارد غالب سيفين - نواب رئيس مجلس الدولة، وبحضور السادة أعضاء الشخصيات العامة وهم: 1 - السيد الأستاذ/ برنس محمد حسين صابر، 2 - السيد الدكتور/ علي علي حبيش، 3 - السيد المهندس/ حسن محمد شبانه، 4 - السيد الأستاذ/ عبد الغني حسن، 5 - السيد الأستاذ/ حسين فكري جلال فكري.

-------------------

(6)

الطعن رقم 524 لسنة 39 القضائية

(أ) أحزاب سياسية - لجنة شئون الأحزاب - اختصاصاتها - الرقابة القضائية عليها.
المادة الثامنة من القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية معدلاً بالقانونين رقمي 144 لسنة 1980 و144 لسنة 1983.
القرارات الصادرة من لجنة شئون الأحزاب السياسية بالاعتراض على تأسيس الحزب تخضع لرقابة المحكمة الإدارية العليا بتشكيلها المتميز طبقاً للقانون رقم 40 لسنة 1977 وذلك في ضوء أحكام الدستور والمبادئ العامة - من هذه المبادئ: حق المصريين في تكوين الأحزاب السياسية بشرط ألا تكون معادية لنظام المجتمع وألا تقوم على تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية - من المبادئ الأساسية التي قام عليها قانون نظام الأحزاب السياسية مبدأ جدية تكوين الأحزاب السياسية - معنى هذا المبدأ أن يكون قيام الحزب جدياً وممثلاً لاتجاه شعبي جدي وواقعي وليس مجرد وجود صوري لا يعبر إلا عن مؤسسيه دون أن تكون له قاعدة جماهيرية واضحة ودون أن يكون لوجوده إضافة جدية للعمل السياسي - تنحصر مهمة لجنة شئون الأحزاب السياسية في بحث أوراق الحزب تحت التأسيس للتأكد من توافر الشروط التي حددها الدستور والقانون - للجنة أن تعترض على قيام الحزب إذا ما تخلف فيه شروط من تلك الشروط - يجب أن تصدر الجنة قراراً مسبباً - أساس ذلك: أنها تتصرف في إطار سلطة مقيدة - يخضع قرار اللجنة لرقابة هذه المحكمة للتحقق من مدى سلامة قرار اللجنة ومطابقته لأحكام الدستور والقانون.
(ب) أحزاب سياسية - شروط تأسيسها - شروط تميز برنامج الحزب.
يجب توافر شرط تميز برنامج الحزب ضماناً للجدية التي تمثل مبدأً أساسياً من النظام العام السياسي والدستوري بما يكفل تطبيق مبدأ التعدد الحزبي - هناك مبادئ أساسية تلتزم بها جميع الأحزاب - مؤدى ذلك: أن شرط التميز يكون دائماً خارج إطار تلك المبادئ - التميز المطلوب قانوناً ليس مقصوداً به الانفصال التام في برامج الحزب وأساليبه عن الأحزاب الأخرى - يجب النظر إلى شرط التميز بالمقارنة بما ورد ببرامج وسياسات الأحزاب الأخرى وليس المطلوب أن يكون ثمة تناقض وتباين تام بين الحزب وغيره من الأحزاب - يكفي في مجال التميز استظهار قدرة الحزب على تحقيق برامجه وسياساته ونقل أفكاره من دائرة العقل إلى الواقع والتطبيق - مؤدى ذلك: أنه إذا كانت البرامج التي تبناها الحزب لا تعدو أن تكون ترديداً لما لدى الأحزاب الأخرى فإن الحزب يكون فاقداً شرط التميز الظاهر - تطبيق (1).


إجراءات الطعن

في يوم الاثنين الموافق 14 من ديسمبر سنة 1992 أودع الأستاذ/ ..... المحامي بالنقض بصفته وكيلاً عن........ وإلى عن نفسه وبصفته وكيلاً عن طالبي تأسيس حزب العدالة قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن في القرار الصادر من لجنة شئون الأحزاب السياسية بجلسة 10/ 11/ 1992 بالاعتراض على تأسيس حزب سياسي جديد باسم "حزب العدالة".
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بقبول طعنه شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه واعتباره كأن لم يكن مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام المطعون ضده المصروفات.
وقد تم إعلان الطعن قانوناً على النحو المبين بالأوراق.
وقدم السيد مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني - خلص فيه إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن المصروفات.
وقد عينت جلسة 31/ 1/ 1993 لنظر الطعن أمام هذه المحكمة المشكلة طبقاً لحكم المادة (8) من القانون رقم 40 لسنة 1977 بشأن نظام الأحزاب السياسية، وتداولت المحكمة نظره على النحو المبين بمحاضر الجلسات، إلى أن تقرر النطق بالحكم بجلسة 12/ 12/ 1993 ومذكرات لمن يشاء خلال ثلاثة أسابيع.
وقدمت هيئة قضايا الدولة - خلال الأجل - مذكرة استهلتها بأن الطاعن سبق له أن تقدم بطلب إلى لجنة الأحزاب السياسية للموافقة على تأسيس حزب جديد باسم "الحزب الاشتراكي المصري" واعترضت اللجنة على تأسيس الحزب فأقام الطاعن طعناً أمام المحكمة الإدارية العليا (دائرة الأحزاب) حيث قضى برفض الطعن وإلزام الطاعن المصروفات، وذلك استناداً على الأسباب الواردة بالحكم.
وفي معرض الدفاع أوضحت هيئة قضايا الدولة، أن تقرير لجنة شئون الأحزاب السياسية - المطعون فيه - ساق أسباباً سائغة للقرار الذي أصدرته اللجنة، وفحوى تلك الأسباب عدم توافر شرط التميز الظاهر في برنامج حزب العدالة عن غيره من الأحزاب، كما أوضح تقرير اللجنة التشابه الكبير القائم بين البرامج المشار إليه وبرنامج الحزب الاشتراكي المصري الذي كان الطاعن قد تقدم بطلب لتأسيسه واعترضت عليه اللجنة وتأيد اعتراضها بالحكم الذي صدر من المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 392 لسنة 37 ق، وخلصت هيئة قضايا الدولة لكل ما تقدم إلى طلب الحكم برفض الطعن وإلزام الطاعن المصروفات. وبجلسة 12/ 12/ 1993 قررت المحكمة التأجيل إدارياً لجلسة 2/ 1/ 1994 لعدم اكتمال تشكيل المحكمة من الشخصيات العامة، وبجلسة اليوم صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة، والمداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه وإجراءاته المقررة قانوناً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أنه بتاريخ 9/ 8/ 1992 وجه الطاعن - بصفته وكيلاً عن مؤسسي حزب سياسي جديد باسم حزب العدالة - إخطاراً كتابياً إلى رئيس لجنة شئون الأحزاب السياسية بطلب الموافقة على تأسيس ذلك الحزب المشار إليه سلفاً - وأرفق بالإخطار قائمتين بأسماء الأعضاء المؤسسين البالغ عددهم 122 عضواً منهم "72" عضواً من العمال والفلاحين، "50" عضواً من الفئات مصدق رسمياً على توقيعاتهم، كما أرفق به برنامج الحزب ولائحتي نظامه الأساسي والمالي.
وإعمالاً لنص المادة الثامنة من القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية قام رئيس لجنة شئون الأحزاب السياسية، بإبلاغ رئيس مجلسي الشعب والشورى، وكذلك المدعي العام الاشتراكي بأسماء الأعضاء المؤسسين، وتم عرض الإخطار على لجنة شئون الأحزاب التي نظرته بجلسة 17/ 8/ 1992 والجلسات التالية، وبجلسة 10/ 11/ 1992 أصدرت قرارها المطعون فيه بالاعتراض على الطلب المقدم من السيد/ عادل عبد الحليم حسن والي بتأسيس حزب سياسي جديد باسم "حزب العدالة" وذلك على سند من أن برنامج الحزب يفتقر إلى ملامح الشخصية الحزبية المتميزة التي تشكل إضافة جادة للعمل السياسي أو تميزه تميزاً ظاهراً عن برنامج الأحزاب القائمة، على النحو الذي أوردته المادة الثانية، والبند ثانياً من المادة الرابعة من القانون رقم 40 لسنة 1977 بشأن نظام الأحزاب السياسية.
وقد أوردت اللجنة أسباب قرارها فأوضحت أن برنامج الحزب لا يتضمن إضافة جادة تثري العمل السياسي أو تميزه عن برامج الأحزاب القائمة. ولا يعدو في جملته أن يكون اختياراً لأنظمة دولية أو محلية قائمة فعلاً مما تزخر به برامج الأنظمة السياسية، فإن ما أورده البرنامج تحت عنوان "التأكيد على الديمقراطية" من طلب إلغاء ما أسماه بالقوانين الاستثنائية وجداول الانتخابات الحالية، ومنح مجلس الشورى سلطة تشريعية واسعة وإنشاء صندوق لتمويل العمل السياسي من حصيلة الغرامات التي توقع على المتخلفين في كافة العمليات الانتخابية، وتكافؤ الفرص بين مرشحي الأحزاب المختلفة في وسائل الإعلام والدعاية، وإصدار قانون محاكمة الوزراء ورئيس الجمهورية وتخويل مجلس الشعب حق تعديل الميزانية دون شرط موافقة الحكومة، كل ذلك أمور ليس فيها من جديد فهي إما واردة في برامج الأحزاب القائمة أو قائمة ومعمول بها.
وما أورده البرنامج بشأن إنشاء بنك للشباب يقوم على تحصيل اشتراكات شهرية بدءاً من السنة الأولى من أعمارهم. ويقدم للمشتركين فيه قروضاً حسنة تساعدهم على الزواج وتوفر لهم فرص عمل إنتاجية وخدمية في كافة الميادين، فإن حكومة الحزب الوطني - تستطرد لجنة شئون الأحزاب - عالجت ذلك جذرياً باستصدار القرار الجمهوري رقم 40 لسنة 1991 بإنشاء الصندوق الاجتماعي للتنمية، ومن أهدافه نشر الصناعات الصغيرة والحرفية وهي صناعات تتجه مباشرة إلى قضية البطالة في مصر، كما يقوم الصندوق بتمويل مشروعات الشباب من خلال ما يقدمه لهم من قروض.
وأما عن دعوة الحزب إلى إقامة كومنولث عربي إسلامي أفريقي فإن الحزب لم يحدد وسائله لإقامة هذا الإتحاد وإنما أورد رؤوس موضوعات يتوقعها بعد قيام هذا الإتحاد ، وأن الواقع العملي يغني عن مثل هذا الإتحاد ، فمصر عضو في جامعة الدول العربية، وفي منظمة الشعوب الأفريقية، وفي المؤتمر الإسلامي ولها نشاطها البارز في كل هذه المنظمات بما يغني عن التطلع إلى أمر هو أقرب إلى الخيال، وأما ما يتحدث عنه برنامج الحزب تحت عنوان مبادئ حقوق الإنسان فلا يعدو أن يكون نقلاً عن الميثاق الدولي لحقوق الإنسان فضلاً عن وروده كاملاً في الباب الثالث من الدستور.
وتستطرد لجنة شئون الأحزاب السياسية قائلة إن ما تضمنه برنامج الحزب من ضرورة استكمال خطط تربية النشئ والشباب منذ المرحلة الابتدائية والتركيز على المواد الدينية والتربية الوطنية والاهتمام بالتربية البدنية، فإن حكومة الحزب الوطني تولي المسألة التعليمية أكبر اهتمام ورصدت لها موازنة غير مسبوقة واعتبرت التعليم من أساسيات الأمن القومي للبلاد، إلى جانب قيام المجلس الأعلى للشباب والرياضة برعاية النشئ والشباب تربوياً وبدنياً، وأما ما يتحدث عنه البرنامج بشأن استقلال القضاء وحصانة القضاة ورعايتهم فإن قانون السلطة القضائية في مصر يكفل للقضاة كل استقلال، فضلاً عن رعاية الدولة لشئونهم الصحية والاجتماعية سواء في ذلك القائمين منهم في الخدمة أو من أحيلوا إلى التقاعد، ودليل ذلك صدور القانون رقم 36 لسنة 1975 بإنشاء صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية.
وأما عن برنامج الحزب في الإعلام والدعوة إلى الحفاظ على حرية الصحافة ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية، والتوسع في إقامة مراكز الإعلام الداخلي وصالات العرض السينمائي والاهتمام بالإعلام الخارجي فكل ذلك أمور قائمة ترعاها حكومة الحزب الوطني، وما تضمنه برنامج الحزب في مجال الصناعة والنقل والمواصلات والإسكان لم يتضمن إضافة جادة تميزه عن برامج الأحزاب الأخرى أو ما تقوم به حكومة الحزب الوطني. وأضافت اللجنة أن برنامج "حزب العدالة" تحت التأسيس أورد أموراً محددة سبق أن تضمنها برنامج "الحزب الاشتراكي المصري" تتعلق بإنشاء بنك للقمح تحقيقاً لإنتاج رغيف كامل المصرية، وإنشاء القضاء الشعبي في الأحياء السكنية لفض المنازعات وإجراء المصالحات، ونظام الإدارة المحلية وانتخاب المحافظين، ولم يضف إليها برنامج الحزب الجديد شيئاً يستحق الذكر في ضوء ما تضمنه قرار اللجنة بالاعتراض على "الحزب الاشتراكي المصري" وحكم المحكمة الإدارية العليا الصادر في شأنه.
وخلصت اللجنة للأسباب المشار إليها - ولكل ما ورد من أسباب لقرارها - إلى الاعتراض على الطلب المقدم من السيد/ عادل عبد الحليم حسن والي لتأسيس حزب سياسي جديد باسم "حزب العدالة".
ومن حيث إن مبني الطعن الماثل أن القرار المطعون فيه قد قام على غير أساس سليم من القانون ذلك أن دستور جمهورية مصر العربية ينص في المادة الخامسة منه على أن النظام السياسي المصري يقوم على تعدد الأحزاب، ولكن قانون الأحزاب رقم 40 لسنة 1977 والمعدل بالقانون رقم 36 لسنة 1979 أضاف المزيد من القيود على التعددية الحزبية، بأن اشترط تميز برنامج الحزب وسياساته وأساليبه في تحقيق هذا البرنامج تميزاً ظاهراً عن الأحزاب الأخرى ولذلك فإن قضاء المحكمة الدستورية العليا - يستطرد الطاعن - قد استقر على أنه يتعين إعمال القيود والشروط التي تضمنها قانون الأحزاب السياسية وفقاً للأصل الذي قرره الدستور، وأن المحكمة الإدارية العليا قضت بأن التميز المشار إليه في المادة (4) من القانون رقم 40 لسنة 1977 هو وسيلة لتنظيم مبدأ حرية تكوين الأحزاب وأنه يكون محكوماً في شرعيته بهذا الأصل العام ولا يجب أن يفهم في غير هذه الحدود وإلا صار قيداً على الحرية، إلا أن لجنة شئون الأحزاب خرجت عن هذا المنهج فهي حرصت على مقارنة برنامج "الحزب" مع الأحزاب الأخرى كلها لا مع كل حزب منفرداً ومستقلاً عن غيره، كما أنها تجاوزت عن اشتراط التماثل واكتفت بالتشابه لكي تنفي التميز عن "الحزب" المطلوب تأسيسه، وهذا النهج من جانب لجنة شئون الأحزاب لا يبقى على المبدأ الدستوري المتعلق بحرية المساهمة في الحياة العامة، وتعدد الأحزاب كنظام سياسي، كما أنه قد يؤدي إلى أن يقوم بعض طالبي تأسيس الأحزاب إلى اصطناع برامج للتميز لكي تنفي التشابه مع أي حزب من الأحزاب القائمة ثم لا يكون لتلك البرامج أي أثر يذكر في ممارسات الحزب بعد تأسيسه.
ورداً على ما استندت عليه اللجنة - في اعتراضها على برنامج "الحزب تحت التأسيس" من أن برنامج الحزب أورد أموراً محددة سبق أن تضمنها برنامج "الحزب الاشتراكي المصري" تتعلق بإنشاء بنك القمح وإنشاء القضاء الشعبي وانتخاب المحافظين، أوضح الطاعن أن الأمور المشار إليها كانت سبباً من أسباب التميز الظاهر في برنامج الحزب الاشتراكي المصري حسبما انتهت إليه هيئة مفوضي الدولة في تقريرها المودع في الدعوى رقم 392 لسنة 37 ق.
وعن ما جاء في أسباب اعتراض اللجنة من أن برنامج الحزب الماثل لا يتضمن إضافة جادة تثري العمل السياسي أو تميزه عن برامج الأحزاب القائمة، فقد أوضح الطاعن أن ثمة نقاطاً كثيرة توضح التمايز في برنامج "الحزب" مثل أ ) مشروعات الجهود الذاتية كإنشاء بنك الشباب للقضاء على كل مشاكل الأسرة، وإنشاء بنك للقمح للقضاء على مشكلة استيراد القمح وإنشاء القضاء الشعبي في الأحياء السكنية لفض المنازعات البسيطة، وإنشاء الرياضة الخاصة لتنفيذ نظام الاحتراف ومضاعفة مرتبات رجال القضاء والشرطة دورياً، وذلك كله لم تتعرض له اللجنة، ب) المشروعات القومية مثل إقامة اتحاد كومنولث عربي إسلامي أفريقي، وإنشاء جامعة الشعوب العربية والإسلامية وإنشاء المحكمة الإدارية العربية، ج) في النظام الداخلي للحزب: إنشاء حكومة ظل، والنزول بالتشكيلات التنظيمية والقاعدية إلى مستوى مسئول العمارة ومسئول الشارع.
وخلص الطاعن - لما تقدم - ولكل ما ورد بتقرير الطعن إلى طلب الحكم بإلغاء قرار لجنة الأحزاب السياسية الصادر في 10/ 11/ 1992 بالاعتراض على الطلب المقدم من الطاعن بتأسيس حزب سياسي باسم حزب العدالة واعتباره كأن لم يكن.
ومن حيث إن هذه المحكمة بتشكيلها المتميز الذي حددته المادة الثامنة من القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية المعدل بالقانونين رقمي 144 لسنة 1980، 144 لسنة 1983 إنما تلتزم في إعمال رقابتها على القرار الصادر من لجنة شئون الأحزاب بالاعتراض على تأسيس الحزب، بأحكام الدستور والقانون ويقتضي ذلك ابتداء تحديد دور هذه اللجنة في أداء مهمتها الواردة بالقانون والصلاحيات والإمكانيات التي أتيحت لها في بسط رقابتها على برامج الأحزاب تحت التأسيس وذلك في ضوء أحكام مواد الدستور والمبادئ الدستورية العامة التي يتعين فهم وتفسير أحكامه في ظلها والأهداف والغايات القومية التي تسعى إلى تحقيقها.
فقد أكدت وثيقة إعلان الدستور الذي صدر سنة 1971 على أن جماهير شعب مصر هي التي قبلت وأعلنت ومنحت لنفسها الدستور وقد انعقد عزمها على بذل كل الجهد لتحقيق أولاً - السلام القائم على العدل بحسبان أن التقدم السياسي والاجتماعي لكل الشعوب لا يمكن أن يتم إلا بحرية الشعوب وبإرادتها المستقلة. ثانياً - أن الوحدة العربية هي أمل الأمة العربية باعتبارها نداء تاريخ ودعوة مستقبل. ثالثاً - التطوير المستمر للحياة في الوطن إيماناً بأن التقدم لا يحدث تلقائياً أو بالوقوف عند إطلاق الشعارات وأنها قوته الدافعة لتحقيقه في إطلاق جميع الإمكانيات والملكات الخلافة والمبدعة للشعب.
وقد نص الدستور في المادة الثالثة منه على أن "السيادة للشعب وهو مصدر السلطات ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها ويصون الوحدة الوطنية على الوجه المبين في الدستور.. "ونص في الخامسة على قيام الإتحاد الاشتراكي العربي والمبادئ الأساسية التي تنظم وتحكم نشاطه وبينها مبدأ الديمقراطية، ثم أفرد الدستور الباب الثالث للحريات والحقوق والواجبات العامة حيث نص في المادتين 47، 48 على حرية الرأي وحرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام ونص في المادة (54) منه على حق المواطنين في الاجتماعات العامة والمواكب الشعبية وفي المادة (55) على حق المواطنين في تكوين الجمعيات على الوجه المبين في القانون وحظر في ذات الوقت "إنشاء جمعيات يكون نشاطها معادياً لنظام المجتمع أو سرياً أو ذا طابع عسكري". ثم صدرت ورقة أكتوبر سنة 1974 التي طرحت في استفتاء شعبي وتضمنت بأنه "إذا كانت ثورة يوليو سنة 1952 قد أنجزت الكثير في الحرية الاجتماعية، بأنه بكل أمانة لابد أن يسلم أن جانب الحرية السياسية" لم يتحقق على الوجه الذي يريده الشعب.. وأنه لا جدوى للقمة العيش إذا فقد الإنسان أهم ما يميزه وهو الحرية السياسية.. وأن الديمقراطية ليست نصوص ولكنها ممارسة عملية ويومية..".
وكانت ورقة تطوير الإتحاد الاشتراكي التي قدمت في أغسطس سنة 1974 قد تضمنت أن نفي فكرة الحزب الواحد عن الإتحاد الاشتراكي العربي لا يمكن أن يتم إلا بالتسليم بتعدد الاتجاهات داخله ثم شكلت لجنة مستقبل العمل السياسي برئاسة رئيس مجلس الشعب وعضوية عدد من أعضاء النقابات المهنية والعمالية التي تدارست الاتجاهات السياسية للتطوير وهي ثلاثة اتجاهات "أولها" يرى إنشاء منابر ثابتة داخل إطار الإتحاد الاشتراكي، والثاني: يذهب إلى إنشاء منابر متحركة، أما الثالث "فيعتبر" الإتحاد حزباً سياسياً للثورة يلتزم بمبادئها ومواثيقها ويقوم خارجه أحزاب أخرى، وبعد تطوير نظام المنابر طالبت اللجنة البرلمانية للرد على بيان الحكومة - في تقرير لها مؤرخ 23/ 12/ 1976 بإعداد تشريع لأحزاب السياسية لأنه "قد صادر ضرورياً أن يصدر مجلس الشعب قانوناً ينظم قيام الأحزاب وأسلوب إعلانها والضوابط الموضوعية التي تصاحب قيامها، وبناء على ذلك فقد صدر القانون رقم 40 لسنة 1977 بتنظيم الأحزاب السياسية والذي أصبح نافذاً اعتباراً من 7 من يوليو سنة 1977 وقد نصت المادة الأولى منه على أن "للمصريين حق تكوين الأحزاب السياسية ولكل مصري الحق في الانتماء لأي حزب سياسي وذلك طبقاً لأحكام القانون". ونصت المادة الثانية على أن "يقصد بالحزب السياسي كل جماعة منظمة تؤسس طبقاً لأحكام هذا القانون وتقوم على مبادئ وأهداف مشتركة وتعمل بالوسائل السياسية الديمقراطية لتحقيق برامج محددة تتعلق بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة، وذلك عن طريق المشاركة في مسئوليات الحكم".
وحددت المادة الثالثة دور ورسالة الأحزاب السياسية بأن نصت على أن: "تسهم الأحزاب التي تؤسس طبقاً لأحكام القانون في تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للوطن على أساس الوحدة الوطنية وتحالف قوى الشعب العاملة والسلام الاجتماعي والاشتراكية الديمقراطية.."
وقد أورد القانون المذكور الأحكام المتعلقة بشروط تأسيس الأحزاب واستمرارها وانقضائها، كما نص على تشكيل لجنة تسمى لجنة شئون الأحزاب السياسية تقدم إليها طلبات التأسيس ويكون لها حق الاعتراض على تأسيس الحزب بقرار مسبب إذا كان قيامه يتعارض مع أحكام القانون.
وفي 11 من أبريل سنة 1979 نشر قرار رئيس الجمهورية رقم 157 لسنة 1979 بدعوة الناخبين إلى الاستفتاء الذي تضمن موضوعات معينة منها، إطلاق حرية تكوين الأحزاب السياسية وبعد موافقة الشعب على ما طرح في الاستفتاء تم تعديل المادة الخامسة من الدستور - على مقتضى نتيجة الاستفتاء الذي تم في مايو سنة 1990 - وأصبح نصها على النحو الآتي.. "النظام السياسي في جمهورية مصر العربية يقوم على أساس تعدد الأحزاب وذلك في إطار المقومات، والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور وينظم القانون "الأحزاب السياسية".
ومن حيث إنه يبين من العرض المتقدم أن أحكام القانون رقم 40 لسنة 1977 صدرت بمراعاة ما قررته أحكام الدساتير المصرية المتعاقبة ومنها دستور سنة 1971 من حق المصرين في تكوين الجمعيات بما يشمل الجمعيات السياسية أو الأحزاب بشرط ألا تكون معادية لنظام المجتمع، أو تقوم على تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية، وبناء على الحريات العامة المقررة في هذه الدساتير مثل حرية الرأي والتعبير وحق الاجتماع، وأن قيام الأحزاب بناء على كونها حق عام للمصريين كان معلقاً على إزالة الحظر القانوني الذي فرض انفراد الإتحاد الاشتراكي بالساحة السياسية، ومن ثم فإن تعدد الأحزاب وحرية تكوينها أو الانتماء إليها يكون هو الأصل والمبدأ العام الدستوري الذي يتلاءم صدقاً وحقاً مع النظام الديمقراطي الذي تأخذ به جمهورية مصر العربية، وقد أورد تقرير اللجنة التشريعية بمجلس الشعب المبادئ الأساسية الجوهرية التي قام عليها القانون رقم 40 لسنة 1977 والتي صيغت أحكامه تحقيقاً لها، ومن بين تلك المبادئ مبدأ جدية تكوين الأحزاب السياسية بمعنى أن يكون قيام الحزب جدياً وممثلاً لاتجاه شعبي جدي وواقعي وليس مجرد وجود صوري لا تعبر إلا عن مؤسسيه دون أن تكون له قاعدة جماهيرية واضحة ودون أن يكون لوجوده إضافة جدية للعمل السياسي، وبناء على المبادئ والأسس التي أقامت اللجنة بناء عليها أحكام قانون الأحزاب السياسية فقد نصت المادة الرابعة من القانون على أنه: "يشترط لتكوين أو استمرار حزب سياسي ما يلي: أولاً - عدم تعارض مقومات الحزب أو مبادئه أو أهدافه أو برامجه أو سياساته أو أساليبه في ممارسة نشاطه مع: 1 - مبادئ الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع. 2 - مبادئ ثورتي 23 يوليو 1952، 15 مايو 1971. 3 - الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والنظام الاشتراكي الديمقراطي والمكاسب الاشتراكية.
ثانيا - تميز برنامج الحزب وسياساته أو أساليبه في تحقيق هذا البرنامج تميزاً ظاهراً عن الأحزاب الأخرى..".
كما تنص المادة السابعة من القانون المشار إليه بعد تعديلها بالقانون رقم 144 لسنة 1980 على أنه "يجب تقديم إخطار كتابي إلى رئيس لجنة شئون الأحزاب السياسية المنصوص عليها في المادة التالية عن تأسيس الحزب موقعاً عليه من خمسين عضواً من أعضائه المؤسسين، ومصدقاً رسمياً على توقيعاتهم على أن يكون نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين، وترفق بهذا الإخطار جميع المستندات المتعلقة بالحزب..".
وتنص المادة الثامنة على أن تشكل لجنة شئون الأحزاب السياسية على النحو التالي: 1 - رئيس مجلس الشورى رئيساً. 2 - وزير العدل. 3 - وزير الدولة لشئون مجلس الشعب. 4 - ثلاثة من غير المنتمين إلى أي حزب سياسي أو من بين رؤساء الهيئات القضائية السابقين أو نوابهم أو وكلائهم.
"وتختص اللجنة بالنظر في المسائل المنصوص عليها في هذا القانون، وبفحص ودراسة إخطارات تأسيس الأحزاب السياسية طبقاً لأحكامه..".
"وللجنة في سبيل مباشرة اختصاصاتها طلب المستندات والأوراق والبيانات والإيضاحات التي ترى لزومها من ذوي الشأن في المواعيد التي تحددها لذلك ولها أن تطلب أية مستندات أو أوراق أو بيانات أو معلومات من أية جهة رسمية أو عامة، وأن تجرى ما تراه من البحوث بنفسها أو بلجنة فرعية منها.." وعلي اللجنة أن تصدر قرارها بالبت في تأسيس الحزب على أساس ما ورد في إخطار التأسيس الابتدائي وما أسفر عنه الفحص أو التحقيق............" ويجب أن يصدر قرار اللجنة بالاعتراض على تأسيس الحزب مسبباً بعد سماع الإيضاحات اللازمة من ذوي الشأن..".
ويجوز لطالبي تأسيس الحزب خلال الثلاثين يوماً التالية لنشر قرار الاعتراض في الجريدة الرسمية" أن يطعنوا بالإلغاء في هذا القرار أمام الدائرة الأولى للمحكمة الإدارية العليا التي يرأسها رئيس مجلس الدولة، على أن ينضم لتشكيلها عدد مماثل من الشخصيات العامة يصدر باختيارهم قرار من وزير العدل بعد موافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية..".
ومن حيث إن مقتضى ما تقدم من أحكام أن مهمة اللجنة وسلطاتها إزاء الأحزاب المزمع تأسيسها تتحدد في ضوء المبادئ الدستورية والقانونية سالفة البيان والتي قررت أن تكوين الأحزاب حق عام للمصريين، ولهم حرية تكوينها والانتماء إليها، وإن كل جماعة ارتضت تكوين حزب سياسي يجب عليها إخطار اللجنة المذكورة، قبل البدء في ممارسة مهامها ونشاطها على الساحة السياسية وجعل القانون مهمة هذه اللجنة منحصرة في بحث أوراق الحزب تحت التأسيس للتأكد من مدى توافر الشروط التي حددها الدستور وأورد القانون تفصيلاً لها، ويكون للجنة حق الاعتراض على قيام الحزب قانوناً إذا ما تخلف في حقه شرط أو أكثر من الشروط المتطلبة، وفي هذه الحالة فقد حرص القانون على ضرورة أن تصدر اللجنة قرارها مسبباً باعتبار أنها تتصرف في إطار سلطة مقيدة بنص الدستور وفي مجال ممارسة حرية من الحريات التي كفلها الدستور، وعلى أن يخضع قرار اللجنة للرقابة القضائية من هذه المحكمة التي شكلها المشرع بالتشكيل المتميز الذي يكفل لها إعمال هذه الرقابة والتحقق من مدى سلامة قرار اللجنة ومطابقته لأحكام الدستور والقانون.
ومن حيث إنه قد حرصت نصوص القانون على تأكيد هذا المعنى عندما عبر المشرع في المادة السابعة عن الطلب المقدم بتأسيس الحزب بأنه "إخطار" أي "إبلاغ" عن نية جماعة منظمة في ممارسة حقوقها الدستورية على الوجه الذي يكفله الدستور، كما عبر المشرع عن سلطة اللجنة عند البت في الإخطار "بعبارة" الاعتراض على التأسيس مستبعداً - وبحق - عبارتي الموافقة أو الرفض حرصاً منه على التأكيد بأن مهمة اللجنة تقف عند فحص أوراق الحزب والتحقق من توافر الشروط الواردة في الدستور والقانون فهي تباشر سلطة مقيدة بحيث لا تقف حائلاً في سبيل ولوج أي حزب سياسي إلى ميدان السياسة إلا إذا كان لديها من الأسباب الحقيقية والجوهرية - وفقاً لما هو وارد بنص دستوري أو قانوني - ما يبرر عدم السماح لمؤسسي الحزب بإقامته.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن لجنة الأحزاب السياسية قد أصدرت قرارها المطعون فيه بالاعتراض على الطلب المقدم من الطاعن لتأسيس حزب سياسي جديد باسم "حزب العدالة " وذلك على سند من أن برنامج الحزب يفتقر إلى ملامح الشخصية الحزبية المتميزة التي تشكل إضافة جادة للعمل السياسي أو تميزه تميزاً ظاهراً عن برامج الأحزاب القائمة، فضلاً عن عدم اتسامه بالتحديد مما يجعله غير جدير بالانتماء إلى حلبة النضال السياسي مع باقي الأحزاب القائمة لعدم توافر الشروط التي تتطلبها المادة الثانية والبند ثانياً من المادة الرابعة من القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية في حق هذا الحزب.
ومن حيث إنه من بين الشروط والضوابط التي أوردها القانون رقم 40 لسنة 1977 لتأسيس الأحزاب السياسية أو استمرارها ما ورد بالبند ثانياً من المادة الرابعة التي تشترط لتأسيس الحزب واستمراره تميز برنامج الحزب وسياساته أو أساليبه في تحقيق هذا البرنامج تميزاً ظاهراً عن الأحزاب الأخرى.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أنه يتعين توافر هذا الشرط في كل حزب ضماناً للجدية التي تمثل مبدأً أساسياً من النظام العام السياسي والدستوري في تطبيق مبدأ التعدد الحزبي وفقاً لأحكام الدستور وقانون تنظيم الأحزاب السياسية سالف الذكر، وحتى يكون للحزب قاعدة جماهيرية حقيقية للعمل السياسي ببرامج وسياسات متميزة عن الأحزاب الأخرى لكي يكون لمبدأ التعددية الحزبية جدوى سياسية محققة للصالح القومي بما تؤدي إليه من إثراء للعمل الوطني، ودعم للممارسة الديمقراطية تبعاً لاختلاف البرامج والاتجاهات المتعلقة بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، وتوسيعاً لنطاق المفاضلة بين الأحزاب واختيار أصلحها من حيث تبينها لأنسب الحلول وأنفعها لتحقيق المصالح العامة للشعب.
ومن حيث إنه - بادئ ذي بدء - يتعين الإشارة إلى أن الأحزاب السياسية القائمة أو التي تطلب التأسيس تلتزم أساساً باحترام المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور والتي نظمها في الباب الثاني منه متمثلة في المقومات الاجتماعية والخلقية الواردة في الفصل الأول منه، والمقومات الاقتصادية الواردة في الفصل الثاني من الباب المذكور وتلتزم تلك الأحزاب بألا تتعارض في مقوماتها أو مبادئها أو أهدافها أو برامجها أو سياستها أو أساليب ممارستها لنشاطها مع مبادئ الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع، ومبادئ ثورتي 23 يوليو 1952، 15 مايو1971، كما تلتزم بالحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والنظام الاشتراكي الديمقراطي على النحو المنصوص عليه في القانون رقم 40 لسنة 1977 ومقتضى ذلك أن الدستور ومن بعده القانون المشار إليه قد تطلبا لزاماً اتفاق الأحزاب في أمور غير مسموح في شأنها بالاختلاف أو التميز سواء في المبادئ والمقومات أو في الأساليب والسياسات، ومن ثم فإن دائرة التميز المطلوب كشرط لتأسيس الحزب المزمع قيامه سوف يكون دائماً خارج إطار تلك المبادئ والأهداف الأمر الذي يؤدي إلى أن التماثل الذي قد يقترب من التطابق مفترض حتماً في تلك المبادئ والأهداف الأساسية التي تقوم عليها الأحزاب ولذلك فإن عدم التميز أو التباين في هذا المجال الوطني والقومي لا يمكن أن يكون حائلاً دون تأسيس أي حزب كذلك فإن التميز المطلوب قانوناً في حكم الفقرة الثانية من المادة الرابعة المشار إليها سلفاً لا يمكن أن يكون مقصوداً به الانفصال التام في برامج الحزب وأساليبه عن برامج وأساليب الأحزاب الأخرى مجتمعة فليس في عبارة النص المشار إليه - أو دلالته أو مقتضاه - ما يوصى بأن التميز يجب أن ينظر إليه بالمقارنة بما ورد ببرامج وسياسات الأحزاب الأخرى جميعها ذلك أن الأخذ بمنطق هذا التفسير إلى منتهاه يفرض قيداً هو أقرب إلى تحريم تكوين أي حزب جديد ومصادرة حقه في ممارسة الحياة السياسية منه إلى تنظيم هذا الحق ومن ثم فليس المطلوب في التميز لبرنامج الحزب وسياساته أن يكون ثمة تناقض واختلاف وتباين تام وكامل بين الحزب وبين جميع الأحزاب الأخرى، ولو وجدت بعض أوجه التشابه بين برامجه أو أساليبه أو اتجاهاته مع الأحزاب الأخرى فذلك أمر منطقي وطبيعي ومرده إلى أن جميع الأحزاب تخضع لحكم عام واحد يمثل جانباً من النظام العام السياسي والدستوري للبلاد يلزمهم جميعاً بالمقومات الأساسية للمجتمع المصري، ودون أن ينفي ذلك عن كل حزب شخصيته المتميزة التي تشكل منه إضافة جادة غير مكررة للحياة السياسية المصرية.
ومن حيث إن التميز يمكن - وفق ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - في تلك المقولات والتعبيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ترد في برامج الحزب وأساليبه وسياساته التي ارتضاها لنفسه ليكون ملامح شخصية حزبية متميزة وتعبر عن توجه فكري في مواجهة المشاكل العامة، واختيار الحلول لها بين البدائل المتعددة ينفرد بها عن باقي الأحزاب ويعرف به بينها فلا يكون نسخة أخرى مكررة من برامج وسياسات تبناها حزب قائم فعلاً، فالمحظور هو التطابق التام بين الحزب تحت التأسيس وأي من الأحزاب القائمة، فالتميز يختلف عن الانفراد ذلك لأن التميز - وهو مناط ومبرر شرعية وجود حزب جديد - يعني ظهور ملامح الشخصية المتميزة للحزب تحت التأسيس، بينما الانفراد يعني عدم تماثل أي أمر من أمور الحزب تحت التأسيس مع أي من الأحزاب القائمة، وهو أمر يستحيل قيامه في ظل الدستور وقانون الأحزاب الحاليين على النحو المشار إليه.
ومن حيث إن الامتياز والأفضلية لحزب على غيره يمكن - أيضاً - في مدى قدرة الحزب على تحقيق برامجه وسياساته وأن ينقل أفكاره من دائرة العقل والتفكير إلى دائرة الواقع والتطبيق، ومن ثم يكفي لكي يكون الحزب متميزاً فيما قدمه من برامج وسياسات - وهو مناط الخضوع للرقابة عند التأسيس أن تكون تلك البرامج والسياسات جدية وممكنة عقلاً، وتؤدي بطريقة واقعية إلى النتائج التي استهدف الحزب تحقيقها في برنامجه ومن خلال نشاطه وممارسته للعمل السياسي والجماهيري. أما إذا كان الحزب مفتقراً أصلاً إلى جدية برنامجه، وأن البرنامج الذي يتبناه الحزب لا يعدو إلا أن يكون ترديداً لما لدى الأحزاب الأخرى من برامج أو صيغت خططه وسياساته في عبارات إنشائية مرسلة غير محددة فإن الحزب يكون فاقداً لشرط التميز الظاهر بالمفهوم الذي عناه المشرع في المادة الرابعة من قانون الأحزاب وامتنع عليه اللحاق بالأحزاب السياسية القائمة لعدم جدواه لفقدانه الأسس اللازمة لإضافة جديدة إلى الحياة السياسية والدستورية والحزبية للبلاد.
ومن حيث إنه على هدي المبادئ المتقدمة فإنه يبين من الاطلاع على برنامج الحزب تحت التأسيس أنه أورد النقاط التي يراها "نقاط تمايز" وذلك على الوجه الآتي (ص 24 من البرنامج المقدم في الطعن).
أولاً - مشروعات الجهود الذاتية لأبناء الشعب وحل مشاكلهم عن طريق المساهمة الذاتية في المجالات المختلفة وهي:
1 - إنشاء بنك الشباب للقضاء على مشاكل الأسرة الناشئة.
2 - إنشاء بنك القمح للقضاء على مشكلة استيراد القمح.
3 - إنشاء القضاء الشعبي في الأحياء السكنية لفض المنازعات البسيطة.
4 - إنشاء الرياضة الخاصة لتنفيذ نظام الاحتراف.
5 - مضاعفة مرتبات رجال القضاء والشرطة دورياً لمدة عشر سنوات.
ثانياً - المشروعات القومية:
1 - إقامة اتحاد كومنولث عربي إسلامي أفريقي لخلق قوة توازن تحمي مصالح شعوبه من الهيمنة الأجنبية في ظل التكتلات الدولية.
2 - إنشاء جامعة الشعوب العربية والإسلامية تتكون من منظمات شعبية جماهيرية.
3 - إنشاء المحكمة الإدارية العربية لفض المنازعات بين المواطنين من الدول العربية وحكوماتهم فيما يقع عليهم من ظلم لانتقاص حقوق الإنسان.
4 - تطبيق مبادئ حقوق الإنسان.
ثالثاً - في النظام الداخلي للحزب:
1 - تشكيل حكومة ظل: تقابل حكومة الحزب الحاكم للتنسيق والتعاون وتدريب الكوادر التي تضمن استمرار المسيرة الديمقراطية ووضع المقترحات والحلول أمام وزارة الحكم.
2 - النزول بالتشكيلات التنظيمية والقاعدية إلى مستوى مسئول الشارع ومسئول العمارة.
3 - تشكيل لجان الحزب على مستوى المناطق والأقاليم.
4 - إنشاء تنظيمات مساعدة هي: التنظيم النسائي/ التنظيم الشبابي/ معهد إعداد الكوادر.
ومن حيث إن الحزب تحت التأسيس يرى أن في إنشاء بنك للشباب لكي يعالج أهم مشكلة تصادف الشباب، واحدة من نقاط التميز في برنامج الحزب موضحاً ذلك بأن هدف البنك في مجال الزواج هو تقديم قرض لكل شاب أو شابة عند بلوغهما سناً معينة، وفي المجال الحضاري، يساهم البنك في تأسيس وإنشاء المكتبات العامة ودور النشر المتخصصة على المستوى القومي، كما يساهم البنك في المجال الرياضي عن طريق إنشاء وتأسيس منشآت رياضية متكاملة، وفي المجال الاقتصادي يساهم البنك في توفير فرص عمل إنتاجية وخدمية للشباب من خلال قروض حسنة تمكنهم من عمل تعاونيات في ميادين الصناعة والزراعة والتجارة ويبين من الإيضاحات التي أوردها برنامج الحزب في هذا الشأن أنها لم تتضمن جديداً يجعله متميزاً، ذلك أن من الملاحظ حالياً الاهتمام بنشر الثقافة الجادة والواعية بين جموع المواطنين وبصفة خاصة بين الشباب من خلال العديد من المكتبات العامة المنتشرة سواء على مستوى المحافظات والمدن والأحياء أو على مستوى دور التعليم بمراحله المختلفة، وتعمل الأجهزة المختصة بالدولة على تشجيع الشباب لارتياد هذه المكتبات من خلال المسابقات الثقافية وما تمنحه من جوائز للمتفوقين، أو من جلال الندوات التي تقام أثناء معسكرات الشباب الصيفية، فضلاً عن الاهتمام الجاد "بالكتاب" والذي يتمثل في إقامة معرض سنوي للكتاب يضم الكتب العربية والأجنبية، ويقدم تخفيضات هائلة تشجيعاً للشباب على القراءة، بالإضافة إلى ما تصدره "الهيئة العامة للكتاب" من مطبوعات لا بقصد الاتجار ولكن بغية نشر الوعي الثقافي بين الكافة، أما في المجال الرياضي فإن ثمة منشآت رياضية متكاملة، تم إنشاؤها فعلاً تقام عليها المسابقات الرياضية المحلية والدولية، فضلاً عن انتشار الأندية ومراكز رعاية الشباب في كافة المدن والمراكز تقدم الخدامات الرياضية والاجتماعية والثقافية للشباب - وفيما يتعلق بأهمية "بنك الشباب" كما يراه الحزب تحت التأسيس بغية المساهمة في توفير فرص عمل إنتاجية وخدمية للشباب فهو أمر قائم فعلاً من خلال ما توفره الدولة لشباب الخريجين من أرض مستصلحة أو قابلة لاستصلاح وتمكنهم من تملكها بشروط ميسرة جداً، أو من خلال ما يقدمه بنك ناصر الاجتماعي من قروض طويلة الأجل أو متوسطة الأجل لكل من يرغب في البدء في مشروع إنتاجي، هذا فضلاً عن أن قراراً جمهورياً كان قد صدر برقم 40 لسنة 1991 بإنشاء الصندوق الاجتماعي للتنمية الذي يختص بتنمية وتعبئة الموارد المالية والفنية للمعاونة في تنمية الموارد البشرية ورفع المعاناة عن محدودي الدخل وتنفيذ مشروعات محددة الزيادة، وذلك كله من خلال تقديم القروض اللازمة لتمويل المشروعات للشباب، فضلاً عن تدربيهم على اكتساب مهارات حرفية مما يوفر لهم فرص العمل ويساعدهم على تكوين أسر جديدة، ويبين من كل ما تقدم أن الأفكار التي طرحها برنامج الحزب تحت التأسيس عن إنشاء بنك للشباب هي لا تعدو إلا أن تكون ترديداً لبرامج وخطط قائمة ويجرى تنفيذها فعلاً بغض النظر عن المعوقات التي تعترض التنفيذ أحياناً.
ومن حيث إن ما يطرحه الحزب - كنقطة من نقاط التميز - بشأن إنشاء بنك القمح بقصد تحقيق هدف قومي وهو الوصول إلى رغيف مصري 100% وذلك من خلال زيارة إنتاج القمح للخروج من نطاق التبعية أو التهديد، فلئن كان ذلك ما يبتغيه كل مواطن مصري، إلا أن البرنامج الماثل "للحزب تحت التأسيس" خلا من أي خطة علمية واضحة من شأنها أن تحقق ما يراه الحزب، وقد جاءت عبارته - بشأن ما يراه من زيادة إنتاج القمح - عامة ومجملة خالية من أي دراسة جادة أو خطوات محددة، خاصة وأن العمل على زيادة إنتاج القمح يتطلب الكثير من الإمكانيات المالية والبشرية والدراسات العلمية - وهو أمر لم يقم الحزب بدراسته، ومن وجه آخر فإن القمح حالياً أصبح سلعة عالمية تخضع لقانون العرض والطلب ويتحدد سعره هبوطاً أو صعوداً من خلال "بورصة القمح" وقد يؤدي ذلك إلى أن يكون اللجوء أحياناً إلى استيراد القمح ما يوفر الكثير على ميزانية الدولة فيما لو تم التوسع في زراعته بالنظر إلى فارق السعر بين تكاليف زراعته وتكاليف استيراده، خاصة وأن استيراد القمح - بقصد تغطية احتياجات الدولة - لم يعد مظهراً من مظاهر الخضوع والتبعية السياسية بعد إذ لجأت بعض الدول الكبرى إلى الاستيراد بحسبانه يحقق ميزة اقتصادية، ومن وجه ثالث فإن بنك الائتمان الزراعي - وهو قائم بالفعل - يقدم كل الإمكانيات المتاحة والتيسيرات الممكنة بقصد تشجيع الزراعة على التوسع في إنتاج القمح، ويخلص من ذلك كله إلى أن دعوة الحزب لإنشاء ما يسمى ببنك القمح تفتقر إلى الجدية وإلي الدراسة الاقتصادية والزراعية التي تحقق لها التميز والتفرد.
ومن حيث إنه عن دعوة الحزب تحت التأسيس إلى إنشاء القضاء الشعبي في الأحياء السكنية لفض المنازعات البسيطة وإجراء المصالحات فإن الحزب لم يبين كيفية تولي الأفراد العاديين سلطة الفصل في المنازعات البسيطة وإجراء المصالحات أو القواعد والإجراءات الواجب إتباعها، أو مدى القوة الإلزامية لما يصدر من قرارات أو كيف يتم تنفيذها سواء في مواجهة الأطراف المتنازعة أو في مواجهة الغير إذا ما تعلقت حقوقهم بها، فضلاً عن ذلك فإن النظام القضائي المصري يتأبى على أن يتولى القضاء غير رجال السلطة القضائية الذين يتمتعون بالحيدة والاستقلال بما يمكنهم من فض كافة المنازعات بما يحقق العدالة، ومن ثم فإن دعوة الحزب إلى إنشاء قضاء شعبي حسبما جاء في برنامجه، تكون مفتقرة إلى الجدية فضلاً عن عدم توافر عنصر التميز فيها.
ومن حيث إن ما يدعو إليه برنامج الحزب تحت التأسيس من مضاعفة مرتبات رجال القضاء والشرطة دورياً لمدة عشر سنوات فهو نظام قائم فعلاً من خلال قانون السلطة القضائية، والقانون رقم 36 لسنة 1975 بإنشاء صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية والقرارات الوزارية التي تنظم لهم هذه الخدمات والتي تكفل لهم الرعاية الكاملة، وهو الأمر القائم فعلاً بالنسبة لرجال الشرطة.
أما عن دعوة الحزب إلى إنشاء الرياضة الخاصة لتنفيذ نظام الاحتراف فإن الأندية الرياضية اعتنقت نظام الاحتراف في مجال رياضة كرة القدم الأمر الذي أدى إلى أزمات مالية وقعت فيها هذه الأندية، خاصة وأن الدول التي تطبق نظام الاحتراف في مجال الرياضة تفسح المجال "للمراهنات" وهو ما تأباه النظم القانونية في مصر، وليس أدل على ذلك من أن ثمة أفكاراً مطروحة تنادي بالعدول عن نظام الاحتراف.
أما ما تضمنه برنامج الحزب تحت بند المشروعات القومية من إقامة اتحاد كومنولث عربي إسلامي أفريقي، وإنشاء جامعة الشعوب العربية والإسلامية، وإنشاء المحكمة الإدارية العربية لفض المنازعات بين المواطنين من الدول العربية وحكوماتهم، وتطبيق مبادئ حقوق الإنسان، فهذه كلها أفكار ليست بجديدة وتضمينها برنامج الحزب تحت التأسيس ليس من شأنه أن يجعله متميزاً ذلك أن مصر وكما قالت لجنة شئون الأحزاب وبحق عضو في جامعة الدول العربية وعضو في منظمة الشعوب الأفريقية وعضو في المؤتمر الإسلامي ولها نشاطها البارز في كل هذه المنظمات، وأن الدعوة إلى إقامة جامعة الشعوب الإسلامية فهو أمر ليس بجديد إذ كانت ثمة تجربة سابقة لم يكتب لها النجاح، وأما ما يدعو إليه الحزب من تطبيق مبادئ حقوق الإنسان فإن الدستور المصري أفرد باباً كاملاً هو الباب الثالث "الحريات والحقوق والواجبات العامة " أورد فيه ما هو وارد بالميثاق الدولي لحقوق الإنسان.
ومن حيث إنه يخلص من كل ما تقدم إلى أن ما أن ما أورده الحزب تحت التأسيس في برنامجه بحسبانها "نقاط التميز" تفتقر إلى الملامح الحزبية المتميزة التي تشكل إضافة جادة للعمل السياسي، فضلاً عن أنها لا تعبر عن توجه فكري مميز في حل المشاكل العامة، ومن ثم فإن الحزب تحت التأسيس يكون غير جدير بالانتماء إلى حلبة النضال السياسي مع باقي الأحزاب القائمة.
ومن حيث إنه استناداً على ما سبق بيانه فإن لجنة شئون الأحزاب وقد انتهت إلى أن برنامج "حزب العدالة" يفتقر إلى ملامح الشخصية الحزبية المتميزة، فضلاً عن عدم اتسامه بالتحديد، وأصدرت قرارها بالاعتراض على الطلب المقدم من الطاعن بتأسيس حزب العدالة فإنها تكون قد أعملت صحيح حكم القانون، ويكون قرارها المطعون فيه صحيحاً ولا وجه للطعن عليه.
ومن حيث أن من يخسر الدعوى يلزم بمصروفاتها عملاً بنص المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الطاعن المصروفات.


(1) راجع: - الأحكام الصادرة في الطعون رقم 777 لسنة 30 ق ورقم 23282 لسنة 34 ق ورقم 45 لسنة 35 ق، ورقم 1175 لسنة 35 ق الصادر من هذه المحكمة بجلسة 14/ 4/ 1990
- وحكمها الصادر في الطعن رقم 3293 لسنة 36 ق بجلسة 15/ 3/ 1992.
- وحكمها الصادر في الطعن رقم 3402 لسنة 38 ق بجلسة 6/ 2/ 1994.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق