الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 12 يوليو 2023

الطعن 97 لسنة 4 ق جلسة 21 / 3 / 1959 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 2 ق 82 ص 944

جلسة 21 من مارس سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد علي الدمراوي والسيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم البغدادي وعبد المنعم سالم مشهور المستشارين.

------------------

(82)

القضية رقم 97 لسنة 4 القضائية

(أ) نقل 

- نقل الموظف الذي يتم دون طلب ويفوت عليه دوره في الترقية بالأقدمية - باطل ولو لم يكن مشوباً بإساءة استعمال السلطة - النقل الذي يفوت على الموظف ترقيته بالاختيار - جواز إبطاله إذا انطوى على إساءة استعمال السلطة - مثال.
(ب) ترقية بالاختيار 

- مناط ترخص الإدارة فيها أن يكون تقديرها غير مشوب بسوء استعمال السلطة وأن يستمد من عناصر صحيحة - مخالفة ذلك يستتبع بطلان الترقية وإجراء المفاضلة بين المرشحين - الأسس التي تجرى على مقتضاها هذه المفاضلة.

------------------
1 - لئن كان يجوز للإدارة - طبقاً للمادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة - نقل الموظف من إدارة إلى أخرى ومن مصلحة أو وزارة إلى مصلحة أو وزارة أخرى، إلا أن شرط ذلك ألا يفوت النقل على الموظف دوره في الترقية بالأقدمية، ما لم يكن النقل بناء على طلبه، ومفاد ذلك أن النقل في تلك الحالة يكون باطلاً لمخالفته القانون، حتى ولو لم يكن مشوباً بإساءة استعمال السلطة، وبدون حاجة إلى إثبات هذا العيب، ولكن يجب التنبيه إلى أنه ليس معنى ذلك أن النقل يصح دائماً إذا كانت الترقية بالاختيار، بل يجوز إبطاله في هذه الحالة كذلك إذا صدر بباعث من إساءة استعمال السلطة، ولكن على من يدعي هذا العيب إثباته. فإذا كان الثابت أن ظروف الحال وملابساته تقطع في أن نقل المدعي مديراً لمجلة الأزهر كان مشوباً بسوء استعمال السلطة؛ إذ انحرف عن الغاية الطبيعية التي تغياها القانون من النقل إلى غاية أخرى تنكب بها الجادة؛ وذلك بقصد إبعاده من سلك المعاهد وحرمانه من مزاياه والترقي في درجاته إلى مكان ينقفل عليه في هذا كله، بل كان هذا النقل تحايلاً للهروب من مقتضى القضاء الذي أنصفه؛ إذ كان قد حصل على حكم من محكمة القضاء الإداري يقضي بإلغاء القرار الصادر من مشيخة الجامع الأزهر في 27 من أكتوبر سنة 1953 بندبه للتفتيش بالإدارة العامة، بعد إذ ثبت للقضاء أن السبب الذي قام عليه لم يكن صحيحاً، ومقتضى تنفيذه - لو كانت الأمور تسير سيراً طبيعياً - هو إعادة المدعي إلى وضعه الأصلي في سلك المعاهد، ولكن قرار المشيخة الصادر في 18 من مارس سنة 1954 بتعيين المدعي مديراً للمجلة اعتباراً من 31 من مارس سنة 1954، وإصدار المشيخة في ذات اليوم، أي في 18 من مارس سنة 1954، قراراً بندب المدعي مفتشاً بإدارة التفتيش، وعدم تبليغ المدعي بقرار تعيينه مديراً للمجلة إلا في 24 من ديسمبر سنة 1955، بعد أن تمت الترقية المطعون فيها، إن هو إلا إصرار من مشيخة الأزهر على إبقاء المدعي في الوظيفة التي قرر حكم الإلغاء الصادر من محكمة القضاء الإداري آنف الذكر انتشاله منها، وتهدف المشيخة بذلك إلى التحلل من تنفيذ مقتضى حكم القضاء الإداري، وإبقاء الوضع بالنسبة إلى المدعي على ما كان قد انحدر إليه بالقرار الأول - إذا كان الثابت هو ما تقدم، فإن ذلك قاطع في الدلالة على أن موقف المشيخة من المدعي ينضح بإساءة استعمال السلطة، فيعتبر نقله - والحالة هذه - باطلاً وكأنه لم يكن، ويظل المدعي معتبراً قانوناً وكأنه في سلك المعاهد، وله أن يفيد من مزاياه، بما في ذلك إتاحة الفرصة له في الترقي إلى الدرجات الأعلى؛ وعلى هذا الأساس كان من حقه أن يكون من المرشحين للترقية إلى الدرجة الأولى في القرار المطعون فيه.
2 - لئن كان الأصل أن الترقية بالاختيار من الملاءمات التي تترخص فيها الإدارة، إلا أن مناط ذلك أن يكون تقديرها غير مشوب بسوء استعمال السلطة، وأن تكون قد استمدت اختيارها من عناصر صحيحة مؤدية إلى صحة النتيجة التي انتهت إليها، فإذا لم يقع الأمر على هذا الوجه فسد الاختيار وفسد القرار الذي اتخذ على أساسه؛ فتجرى المفاضلة بين المرشحين على أساس الصلاحية في العمل والكفاية فيه وحسن الدراية بمقتضياته والقدرة على الاضطلاع بمسئولياته والنهوض بأعبائه، مع سير المواهب الذاتية والاستعدادات الشخصية للموظف، كذكائه وحصيلته العلمية وقدرته على الابتكار ومواجهة الأمور وحل المشكلات، ويضاف إلى ذلك في الأزهر الشريف على وجه الخصوص ما يتمتع به رجل الدين من صفات التقوى والورع والاستقامة وحسن الخلق والزهد والغيرة على الدين وخلو ماضيه مما يشين سمعته أو يتنافى مع كرامة الدين.


إجراءات الطعن

في يوم 13 من يناير سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (هيئة ثالثة "أ") بجلسة 14 من نوفمبر سنة 1957 في الدعوى رقم 281 لسنة 10 ق المرفوعة من عبد الرحمن عيسى ضد الجامع الأزهر ووزارة المالية والاقتصاد، والقاضي برفض الدعوى، وبإلزام المدعي بالمصروفات. وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بإلغاء القرار المطعون فيه، وإلزام الأزهر بالمصروفات. وقد أعلن هذا الطعن لوزارة المالية في 20 من يناير سنة 1958، وللمدعي في 22 منه، وللجامع الأزهر في 12 من فبراير سنة 1958، وعين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 3 من يناير سنة 1959. وفي 27 من ديسمبر سنة 1958 أبلغت الحكومة والمدعي بميعاد هذه الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعي أودع في 31 من أكتوبر سنة 1955 عريضة دعواه طالباً إلغاء القرار الصادر من مجلس الأزهر الأعلى في 25 من يوليه سنة 1955 بمنح الدرجة الأولى لفضيلة الشيخ محمد البسيوني زغلول شيخ معهد طنطا الديني، وذلك فيما تضمنه من تخطيه (المدعي) في الترقية إلى هذه الدرجة، واعتبار هذا القرار كأن لم يكن، وأحقيته لهذه الدرجة، مع إلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال المدعي بياناً لدعواه إنه تخرج في معهد الإسكندرية الديني سنة 1921، وكان أول فرقته في شهادة العالمية النظامية، وفي سنة 1923 التحق بوظائف التدريس بالأزهر الشريف، وأخذ يتقلب في هذه الوظائف إلى أن عين سنة 1935 بكلية أصول الدين وكلية اللغة العربية، وقام بالتدريس فيهما، وكان موضع الرضا والتقدير من المفتشين والرؤساء. وفي سنة 1952 انتدب للعمل كشيخ لمعهد الإسكندرية الديني، وبقى فترة تحت الاختبار، حتى إذا ما ثبتت كفايته ولياقته لهذا المنصب صدر قرار تعيينه في فبراير سنة 1953؛ وبذلك أصبح شيخاً أصيلاً لهذا المعهد، وفي أثناء قيامه في هذه المشيخة قام بأعمال جليلة كثيرة استحق عليها الثناء والتقدير من أولي الأمر في الأزهر، وكانت التقارير التي كتبت عنه في هذه الفترة بدرجة ممتاز. وفي 27 من أكتوبر سنة 1953 صدر قرار من مشيخة الأزهر بندبه للعمل بالتفتيش بإدارة الأزهر، وقد فوجئ بصدور هذا القرار، وبادر بالتظلم منه؛ لما فيه من إجحاف بحقوقه المادية والأدبية. ولما لم يستجب لتظلمه اضطر لرفع الأمر إلى محكمة القضاء الإداري بالدعوى رقم 811 لسنة 8 ق طلب فيها وقف تنفيذ هذا القرار ثم إلغاءه، وفي مارس سنة 1954 صدر الحكم بوقف تنفيذ القرار. وبجلسة 6 من أبريل سنة 1955 صدر الحكم بإلغاء القرار، وإلزام مشيخة الأزهر بمصروفات الدعوى ومقابل أتعاب المحاماة. وأعلن هذا الحكم الأخير للمشيخة في أول مايو سنة 1955، ومع ذلك لم تنفذه، مع أن الواجب قانوناً تنفيذ الأحكام النهائية واحترامها. ويقول المدعي إنه فوجئ في 26 من يوليه سنة 1955 بما نشرته الجرائد السيارة من خبر ترقية الأستاذ الشيخ محمد البسيوني زغلول إلى الدرجة الأولى، وهي المخصصة لوظيفة شيخ معهد، وقيل إن ترقيته إلى هذه الدرجة جاءت بالاختيار مع أنه أقدم منه وأكثر منه كفاية، فاستفسر من المختصين في إدارة الأزهر، وعلم صدق ما ورد بالجرائد. وأن مجلس الأزهر الأعلى برياسة فضيلة الأستاذ الأكبر أصدر قراره بهذه الترقية. ويقول المدعي إن القرار سالف الذكر قد جانب الصواب، ويطعن فيه للأسباب الآتية: أ - المدعي شيخ لمعهد الإسكندرية الديني منذ تعيينه في هذه الوظيفة في فبراير سنة 1953، ولا عبرة بقرار الندب الصادر في 27 من أكتوبر سنة 1953 والمقضي بوقف تنفيذه في مارس سنة 1954 وبإلغائه في 6 من أبريل سنة 1955. ب - تعتبر الأحكام كاشفة للحق وليست منشئة له؛ ومعنى ذلك أن الحكم الصادر بإلغاء قرار ندب المدعي للتفتيش قد كشف عن حقه الثابت، وهو أنه شيخ لمعهد الإسكندرية الديني منذ أن عين في هذا المنصب. ج - الاختيار ليس معناه إطلاق السلطة للرئيس، وإنما الاختيار الممنوح للرئيس هو أن يستعمل هذه السلطة في حدود ما يقضي به الصالح العام. وقد جرت محكمة القضاء الإداري على أن المعيار الصحيح لإعمال حق الاختيار أن تجرى المقارنة على أساس الأقدمية المطلقة؛ فيفضل الأقدم، ما لم يلحق به عيب ظاهر في كفايته أو سلوكه. وقد ساير القانون رقم 210 لسنة 1951 ما استقر عليه قضاء محكمة القضاء الإداري، فنص في الفقرة الثانية من المادة 40 على أن الترقية بالاختبار تجرى أولاً وقبل كل شيء طبقاً للأقدمية، ما لم يلحق بصاحب الأقدمية عيب في كفايته أو خلقه. د - كان الواجب - وحكم القانون كذلك - أن تجرى المقارنة بين المدعي وبين فضيلة الشيخ محمد البسيوني زغلول شيخ معهد طنطا الديني. ويقول المدعي إنه لا شك أن نتيجة هذه المقارنة سوف تكون في صفه؛ إذ أنه أقدم من فضيلة الشيخ محمد البسيوني زغلول، وأن تقارير الرؤساء عنه (عن المدعي) كلها بدرجة ممتاز (يراجع التقرير الأخير الصادر في سنة 1953، كما يراجع ملف خدمة المدعي). ويرتب المدعي على ذلك بأن ليس هناك إذا ما يبرر تخطيه في الترقية إلى هذه الدرجة، سواء كان ذلك بالأقدمية أو بالاختيار. ويذكر المدعي أنه فور علمه بصدور هذا القرار تظلم منه لفضيلة شيخ الأزهر في 17 من أغسطس سنة 1955، وسلمت المظلمة لفضيلته في 21 من أغسطس سنة 1955، ولكن فضيلته لم يجر فيها شيئاً. وأجاب الأزهر على هذه الدعوى بأن درجات شيوخ المعاهد بالميزانية مستقلة من حيث الأقدميات والترقيات طبقاً لقانون ربط الميزانية، وعند نظر الترقيات بجلسة لجنة شئون الموظفين في 24 من يوليه سنة 1955 لشغل الدرجة الأولى المخصصة لشيخ معهد والتي اعتمدت بميزانية عام 1955/ 1956 وبعد أن أحيطت اللجنة علماً بالحكم الصادر للشيخ عبد الرحمن عيسى بوقف تنفيذ ندبه من مشيخة معهد الإسكندرية للعمل بإدارة التفتيش، قررت ترقية الشيخ محمد البسيوني زغلول شيخ معهد طنطا إلى الدرجة الأولى بالاختيار؛ لأنه أصلح شيوخ المعاهد طبقاً للمادة 38 من القانون رقم 210 لسنة 1951 والتي نصت الفقرة الأخيرة منها على أن الترقيات من الدرجة الثانية إن الدرجة الأولى ومن الأولى إلى ما يعلوها من درجات كلها بالاختيار دون التقيد بالأقدمية، والمدعي لا يخضع لنظام التقارير السنوية السرية طبقاً للمادة 30 من القانون رقم 210 لسنة 1951 والتي نصت على أن لا يسري هذا النظام إلى على الموظفين لغاية الدرجة الثالثة ونظمت الترقية بينهم بالاختيار حسب ترتيب درجات الكفاية (الفقرة الثانية من المادة 40) كما يدعي؛ لأنه يشغل الدرجة الثانية التي لا تخضع في الترقيات للقيد الزمني ولا الأقدمية في الاختيار. ويستطرد الأزهر بأن هذه الدرجة هي الدرجة الوحيدة الأولى في درجات شيوخ المعاهد، ولا عبرة بالأقدمية، ولكنها تمنح لأصلح شيوخ المعاهد الذين هم في الدرجة الثانية، وأن الجدول رقم 2 المرافق للقانون رقم 210 لسنة 1951 نص على أن الترقية للدرجات الأولى بالاختيار وغير مقيد بقيد زمني. ويختم الأزهر رده بأنه راعى عند نظر الترقيات أصلح شيوخ المعاهد لشغل هذه الدرجة كنص القانون، حتى وإن كان المدعي من بين شيوخ المعاهد الذين هم بالدرجة الثانية، كما حكم له بوقف تنفيذ القرار ثم بإلغائه، ويطلب الأزهر رفض الدعوى. كما يقول إن المدعي ندب للتفتيش بالإدارة العامة من 3 من مارس سنة 1954، وعين في نفس التاريخ مديراً للمجلة؛ وبذلك انحلت عنه صفة هذه الوظيفة، وأصبحت أقدميته لا تندرج تحت وظائف شيوخ الأزهر. ويقول المدعي إن ما ذهبت إليه مشيخة الأزهر من أنها نقلته مديراً لمجلة الأزهر بالقرار الصادر في 18 من مارس سنة 1954 غير صحيح؛ إذ لم يخطر به ولا علم له به، إلا إنه أخطر بقرار صادر من المشيخة في 5 من ديسمبر سنة 1955 وأبلغ له في 24 من ديسمبر سنة 1955، ويقضي بإلغاء ندبه بإدارة التفتيش وتسلمه عمله كمدير للمجلة اعتباراً من تاريخ صدور هذا القرار، أي اعتباراً من 15 من ديسمبر سنة 1955. ويقول إنه لا علم له بالقرار السابق بنقله مديراً للمجلة، وأنه لا أثر لهذا القرار في الأوراق. ويقول إن تاريخ ذلك القرار المزعوم هو 18 من يناير سنة 1954، ومع ذلك لم يعلن به إلا في 24 من ديسمبر سنة 1955. كما يقول إنه لم يترك عمله في التفتيش إلا اعتباراً من 15 من ديسمبر سنة 1955، وأن الشيخ محمد عبد اللطيف السبكي ظل مديراً للمجلة من 20 من يناير سنة 1954 حتى صدور القرار رقم 198 المؤرخ 15 من ديسمبر سنة 1955 الذي قضى بإلغاء ندبه من التفتيش وتسليمه العمل بالمجلة. وبجلسة 14 من نوفمبر سنة 1957 قضت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة "أ") برفض الدعوى، مع إلزام المدعي بالمصروفات. وأقامت المحكمة قضاءها - بعد استعراض ما ذكره كل من طرفي الخصومة - على أنه قد تبين لها من الأوراق أن قرار ندب المدعي إلى التفتيش صدر في 27 من أكتوبر سنة 1953 وفي غير عهد شيخ الجامع الأزهر الحالي، وهو القرار الذي ألغته محكمة القضاء الإداري؛ لأنه تضمن نقل المدعي من وظيفة إلى أخرى درجتها أقل من درجته؛ الأمر الذي ما كان يجوز إلا بعد محاكمة تأديبية من سلطة مختصة طبقاً للأوضاع والإجراءات المنصوص عليها قانوناً، وقبل صدور هذا الحكم كان قد صدر قرار في 18 من مارس سنة 1954 بتعيين المدعي مديراً لمجلة الأزهر مع ندبه للعمل بإدارة التفتيش بالأزهر، ثم بعد ذلك صدر قرار في 15 من ديسمبر سنة 1955 بإلغاء ندبه، وتسلم عمله بالمجلة. وتقول المحكمة إنه يؤخذ من كل ما تقدم أن المدعي وإن كان لم يطلب صراحة في ختام طلباته المبينة بصحيفة الدعوى إلغاء قرار تعيينه مديراً لمجلة الأزهر، إلا أنه أورد في صلب الصحيفة مطاعن على هذا التعيين قولاً بأنه صوري ويتعارض مع الحكم السابق صدوره في الدعوى السالفة الذكر، فيتعين أولاً البحث في مدى مطابقة قرار نقل المدعي من وظيفة شيخ معهد الإسكندرية إلى وظيفة مدير مجلة الأزهر للقانون من عدمه، وما إذا كان يتعارض مع الحكم السابق صدوره لصالح المدعي بإلغاء قرار ندبه إلى التفتيش، وأنه قرار صوري معدوم الأثر أم لا. وتستطرد المحكمة إلى أنه لما كان الحكم المشار إليه لم يتناول بالإلغاء سوى القرار الصادر بندب المدعي إلى التفتيش من المشيخة، فلا يمنع هذا الحكم من اتخاذ أي إجراء آخر حيال المدعي، كنقله إلى جهة أخرى؛ ولذلك فليس في هذا الإجراء تعارض مع الحكم المذكور؛ لأن تعيين المدعي بوظيفة مدير مجلة الأزهر إنما هو عمل إداري مستقل غير مترتب على قرار الندب الذي قضت المحكمة بإلغائه، فليس معنى إلغاء قرار الندب أن يمتنع على جهة الإدارة نقل المدعي إلى وظيفة أخرى غير الوظيفة التي قالت عنها المحكمة إنها دون درجته المالية. ولما كان المدعي عند صدور قرار تعيينه مديراً لمجلة الأزهر كان يشغل وظيفة شيخ معهد الإسكندرية بالدرجة الثانية، وقد تم نقله إلى وظيفة من الدرجة الثانية، وتنص المادة 47 من قانون نظام موظفي الدولة على أنه "يجوز نقل الموظف من إدارة إلى أخرى، ويجوز نقله من مصلحة أو وزارة إلى مصلحة أو وزارة أخرى إذا كان النقل لا يفوت عليه دوره في الترقية بالأقدمية أو كان بناء على طلبه، ومع ذلك لا يجوز النظر في ترقية الموظف المنقول من وزارة أو مصلحة إلى وزارة أو مصلحة أخرى إلا بعد مضي سنة على الأقل من تاريخ نقله، ما لم تكن الترقية في نسبة الاختيار أو في درجات المصالح المنشأة حديثاً، ولا يجوز نقل الموظف من وظيفة إلى أخرى درجتها أقل من درجته". ولما كان نقل المدعي قد تم إلى وظيفة لا تقل درجتها عن درجته فلا مخالفة فيه للقانون، ولا محل للخوض فيما إذا كان هذا النقل قد فوت عليه دوره في الترقية بالأقدمية؛ لأن الترقيات من الدرجة الثانية فما فوق تتم كلها بالاختيار، ولا مقنع فيما يقوله المدعي من صورية قرار نقله؛ لأنه لا يوجد قانوناً ما يمنع من نقل المدعي وندبه في الوقت نفسه للعمل في جهة أخرى. ولا حجية فيما يثيره المدعي من صدور قرار نقله إلى وظيفة مدير المجلة مشوباً بسوء استعمال السلطة، بدعوى أن الباعث له هو التشفي والانتقام منه؛ لأنه لم يحسن الشهادة في فضيلة شيخ الجامع الأزهر الحالي عند ترشيحه لتولي منصبه - لا حجية في ذلك؛ لأن تنحيه المدعي عن منصب مشيخة معهد الإسكندرية قد تمت في غير عهد فضيلة شيخ الجامع الأزهر الحالي، وكان ذلك لأسباب ارتأتها المشيخة وتضمنتها المذكرة المرفوعة إلى مجلس الوزراء في 19 من ديسمبر سنة 1955، والنقل الذي تم في عهد فضيلة شيخ الجامع الأزهر الحالي إنما جاء مستنداً إلى هذه الأسباب وامتداداً للفكرة السابقة بتنحية المدعي عن مشيخة المعاهد الدينية. ولا يقبل من المدعي المحاجة بأن نقله قد تضمن عقوبة تأديبية بالتنزيل في الوظيفة؛ ذلك لأن النقل في ظل قانون نظام الموظفين يخضع للأحكام الواردة فيه، ولم يعد التنزيل في الوظيفة بمقتضى أحكامه من العقوبات التأديبية. وتختم المحكمة ما استندت إليه في قضائها بقولها لما كان رأيها قد انتهى إلى أن نقل المدعي إلى وظيفة مدير مجلة الأزهر قد تم وفق القانون وإعمالاً للسلطة المخولة لجهة الإدارة من غير تعسف أو إساءة استعمال السلطة، فإن المدعي يكون غير محق في التطلع إلى ترقية جرت بعد نقله في فرع أو إدارة غير الفرع أو الإدارة التابع لها؛ إذ أن الدرجة المتنازع عليها خاصة بشيوخ المعاهد الدينية، وهي وحدة إدارية مستقلة بدرجاتها وأقدمية موظفيها عن الوظيفة التي عين فيها المدعي والتابعة لوحدة إدارية مستقلة بدرجاتها وموظفيها؛ ومن ثم فلا وجه لإجراء مفاضلة بينه وبين المطعون عليه، فهي لا تكون إلا في حالة تبعية الاثنين لوحدة إدارية واحدة حسب أقسام الميزانية؛ وأنه لذلك يتعين رفض الدعوى، مع إلزام المدعي بالمصروفات.
ومن حيث إن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة يستند في أسباب طعنه إلى أن السؤال الذي يثيره هذا النزاع هو ما إذا كان المدعي - عند صدور القرار المطعون - يعتبر من شيوخ المعاهد؛ فيحق له الطعن على إغفال ترشيحه للترقية إلى إحدى درجات هذه المعاهد، أم أنه لا يعتبر كذلك؛ ومن ثم فليس له أن يتطلع - على ما انتهت المحكمة في حكمها المطعون فيه - إلى درجات ليست له صفة في الترقية إليها. ويقول الطعن إن هذا السؤال واجه مفوض الدولة عند دراسته للدعوى، فكان ما انتهى إليه في هذا الشأن غير هذا الذي استخلصته المحكمة؛ إذ تبين له أن القرار الصادر بنقل المدعي مديراً لمجلة الأزهر لم يقصد به - حسبما استظهره من القرائن العديدة المستفادة مما أحاط من ظروف وملابسات - إلا سد الطريق على المدعي في العودة إلى مشيخة المعاهد في حالة إلغاء القرار الذي كان محلاً للدعوى الأولى؛ فهو بذلك لا يعدو أن يكون إحياء لهذا القرار في صورة أخرى، فيقع لذلك باطلاً عديم الأثر، شأنه في ذلك تماماً شأن القرار الملغي، أي وكأن الاثنين لم يصدرا في حق المدعي، بما يستبع ذلك من اعتباره وقت صدور القرار المطعون فيه شيخاً لمعهد الإسكندرية؛ وبهذه المثابة يكون محقاً في طلب إبطال إغفال ترشيحه في الترقية محل النزاع. ويقول الطعن إنه لما كان هذا الذي رآه المفوض هو ما يراه متفقاً مع أحكام القانون فإن الحكم - إذ ذهب مذهباً آخر - يكون قد خالف القانون، متعيناً الطعن فيه. وفي فترة حجز القضية للحكم أودعت الإدارة العامة بالجامع الأزهر - تنفيذاً لقرار المحكمة - صورة من قرار المشيخة الصادر في 20 من يناير سنة 1954 بندب الشيخ محمد عبد اللطيف السبكي للقيام بأعمال مدير مجلة الأزهر بدلاً من فضيلة الشيخ عبد السلام يوسف الذي قصر ندبه على عمله كمراقب للبحوث، كما أودع المدعي مذكرته الختامية أجمل فيها ما سبق أن فصله من وقائع، ثم فصل الكلام شرحاً لصورية القرار الصادر من مشيخة الأزهر في 18 من مارس سنة 1954 بنقله كمدير لمجلة الأزهر مع استمرار ندبه بالتفتيش. ويقول إن هذا القرار لم يخطر به ولا علم له به إلا عندما أخطر بالقرار المؤرخ 15 من ديسمبر سنة 1955 بإلغاء ندبه بإدارة التفتيش وتسلمه عمله كمدير للمجلة، ويذكر أن هذا القرار صدر بعد صدور الحكم في القضية رقم 1811 لسنة 8 ق، وبه أرادت مشيخة الأزهر التنصل من تنفيذ الحكم والدفاع في قضية الجنحة المباشرة رقم 4353 لسنة 1955 الدرب الأحمر التي رفعها المدعي ضد شيخ الجامع الأزهر. ثم أوضح المدعي الأسباب التي أوغرت صدر فضيلة الشيخ الأكبر الشيخ عبد الرحمن تاج والتي دعته لأن يقف في سبيل المدعي والتي دعت إدارة الأزهر إلى التنصل من تنفيذ الحكم. ويذكر المدعي إنه يمكن القول بأن ما اتخذته هذه الإدارة من قرارات قد شابها عيب إساءة استعمال السلطة. وانتهى إلى طلب الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بإلغاء القرار المطعون فيه.
ومن حيث إنه قد استبان لهذه المحكمة أن المدعي عين بالأمر الملكي رقم 14 لسنة 1953 الصادر في 23 من فبراير سنة 1953 شيخاً لمعهد الإسكندرية، وهي وظيفة من الدرجة الثانية، ثم رقى إلى الدرجة المخصصة لها في 18 من مارس سنة 1953، ثم صدر قرار بندبه للتفتيش بالإدارة العامة في 27 من أكتوبر سنة 1953، فأقام الدعوى رقم 1811 لسنة 8 ق أمام محكمة القضاء الإداري في 26 من ديسمبر سنة 1953 طالباً الحكم بوقف تنفيذ القرار الصادر بندبه، وفي الموضوع بإلغاء القرار المشار إليه، فقضت المحكمة بجلسة 24 من مارس سنة 1954 بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه. وبجلسة 16 من أبريل سنة 1955 حكمت المحكمة بإلغاء ذلك القرار، وقام المدعي بإعلان كل من الحكمين لمشيخة الأزهر في حينه منبهاً بنفاذ مفعوله فور إعلانه، ولكن لم تقم مشيخة الأزهر بتنفيذ أي من الحكمين؛ مما اضطر المدعي إلى إنذار مشيخة الأزهر رسمياً على يد محضر بوجوب تنفيذ حكم وقف التنفيذ وحكم الإلغاء الصادرين في الدعوى رقم 1811 لسنة 8 ق، وذلك بإعادته إلى وظيفته الأصلية شيخاً لمعهد الإسكندرية، ثم اضطر إلى رفع دعوى جنحة مباشرة ضد فضيلة شيخ الأزهر لتلكئه في تنفيذ فحوى هذين الحكمين، هذا وقد أصدرت مشيخة الأزهر في 18 من مارس سنة 1954 قراراً بتعيين المدعي مديراً للمجلة اعتباراً من 3 من مارس سنة 1954، كما أصدرت في ذات اليوم، أي بتاريخ 18 من مارس سنة 1954 أيضاً، قراراً بندب المدعي مفتشاً بإدارة التفتيش اعتباراً من 3 من مارس سنة 1954. وفي 24 من يوليه سنة 1955 اجتمعت لجنة شئون الموظفين بالأزهر، ونظرت في شغل الدرجة الأولى المخصصة لشيخ معهد الموجودة بالميزانية، وبعد المناقشة في أصلح شيوخ المعاهد للترقية إلى هذه الدرجة، وبعد أن أحيطت اللجنة علماً بالحكم الصادر لمصلحة الشيخ عبد الرحمن عيسى (المدعي) بوقف تنفيذ ندبه من مشيخة معهد الإسكندرية وإعادته شيخاً للمعهد المذكور، رأت اللجنة ترقية الشيخ محمد البسيوني زغلول شيخ معهد طنطا إلى الدرجة الأولى المخصصة في الميزانية لشيخ معهد بالاختيار، وتم التصديق من مجلس الأزهر الأعلى على قرار اللجنة يوم 25 من يوليه سنة 1955، فتظلم المدعي في 17 من أغسطس سنة 1955 لمشيخة الأزهر من ذلك القرار، ثم أقام دعواه الحالية طالباً الحكم بإلغاء ذلك القرار فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى هذه الدرجة. وفي 15 من ديسمبر سنة 1955 أصدر شيخ الجامع الأزهر القرار رقم 998 بإلغاء ندب الشيخ عبد الرحمن عيسى (المدعي) من العمل بإدارة التفتيش بالأزهر وبتسلم فضيلته العمل بوظيفة مدير إدارة مجلة الأزهر من الدرجة الثانية الفنية العالية اعتباراً من تاريخ صدور هذا القرار، وتسلم المدعي صورة هذا القرار للعلم به ولتنفيذه في 24 من ديسمبر سنة 1955. وجاء بديباجه هذا القرار أنه صدر بعد الاطلاع على الحكم الصادر من الدائرة الثانية بمحكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة في القضية رقم 1811 لسنة 8 ق في 6 من أبريل سنة 1955، القاضي بإلغاء القرار الصادر من مشيخة الأزهر في 27 من أكتوبر سنة 1953 بندب الشيخ عبد الرحمن عيسى للتفتيش بالإدارة العامة، وإلزام الأزهر بالمصروفات ومبلغ خمسمائة قرش أتعاب محاماة. كما تضمنت ديباجة القرار رقم 998 المشار إليه أنه صدر بعد الاطلاع أيضاً على قرار المشيخة الصادر في 18 من مارس سنة 1954 بتعيين سيادته (المدعي) مديراً لمجلة الأزهر مع ندبه للعمل بإدارة التفتيش تنفيذاً لما جاء بحكم محكمة القضاء الإداري المشار إليه في القضية رقم 1811 لسنة 8 ق. ويعلق المدعي على هذا القرار بقوله "... والعجيب في هذا القرار أنه أشار إلى قرار سابق صدر - كما يقول - في 18 من مارس سنة 1954 بتعيينه مديراً للمجلة، مع أن هذا القرار المزعوم - إن صح - لم يبلغ إليه إلا في 24 من ديسمبر سنة 1955، أي بعد صدوره بأكثر من عشرين شهراً".
ومن حيث إن مشيخة الأزهر في سبيل الإجابة على هذه الدعوى تقرر أن درجات شيوخ المعاهد بالميزانية مستقلة من حيث الأقدميات والترقيات طبقاً لقانون ربط الميزانية، وأن لجنة شئون الموظفين بجلستها المنعقدة في 24 من يوليه 1955، بعد أن أحيطت علماً بالحكم الصادر للمدعي بوقف تنفيذ ندبه من مشيخة معهد الإسكندرية للعمل بإدارة التفتيش، قررت ترقية الشيخ محمد البسيوني زغلول شيخ معهد طنطاً إلى الدرجة الأولى بالاختيار؛ لأنه أصلح شيوخ المعاهد، وأن المدعي بتعيينه مديراً للمجلة انحلت عنه صفة هذه الوظيفة - وظيفة شيخ معهد - وأصبحت أقدميته لا تندرج تحت وظائف شيوخ المعاهد، وأن الأزهر راعى عند نظر الترقيات أصلح شيوخ المعاهد لشغل هذه الدرجة، حتى وإن كان المدعي من بين شيوخ المعاهد الذين هم بالدرجة الثانية، كما حكم له بوقف القرار ثم إلغائه.
ومن حيث إن مفاد دفاع مشيخة الأزهر أن المدعي - وقت إصدار قرار الترقية المطعون فيه في 25 من يوليه سنة 1955 - كان معيناً مديراً لمجلسة الأزهر منذ 18 من مارس سنة 1954 مع ندبه للعمل بإدارة التفتيش؛ فيكون بهذه المثابة بعيداً عن المعاهد، ولا حق له في التطلع إلى ترقية جرت بعد نقله في وحدة إدارية مستقلة بدرجاتها وأقدمية موظفيها، وإن كان المدعي من بين شيوخ المعاهد فإن المشيخة تقرر أنها أصدرت قرارها بترقية الشيخ محمد البسيوني زغلول بالاختيار لأنه أصلح شيوخ المعاهد.
ومن حيث إنه ولئن كان يجوز للإدارة - طبقاً للمادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة - نقل الموظف من إدارة إلى أخرى، ومن مصلحة أو وزارة إلى مصلحة أو وزارة أخرى، إلا أن شرط ذلك ألا يفوت النقل على الموظف دوره في الترقية بالأقدمية، ما لم يكن النقل بناء على طلبه. ومفاد ذلك أن النقل في تلك الحالة يكون باطلاً لمخالفته القانون حتى ولو لم يكن مشوباً بإساءة استعمال السلطة وبدون حاجة إلى إثبات هذا العيب. ولكن يجب التنبيه إلى أنه ليس معنى ذلك أن النقل يصح دائماً إذا كانت الترقية بالاختيار، بل يجوز إبطاله في هذه الحالة كذلك إذا صدر بباعث من إساءة استعمال السلطة، ولكن على من يدعي هذا العيب إثباته. وظروف الحال وملابساته تقطع بأن نقل المدعي مديراً للمجلة كان مشوباً بذلك العيب؛ إذ انحرف عن الغاية الطبيعية التي تغياها القانون من النقل إلى غاية أخرى تنكب بها الجادة؛ وذلك بقصد إبعاده من سلك المعاهد وحرمانه من مزاياه والترقي في درجاته إلى مكان ينقفل عليه في هذا كله، بل كان هذا النقل تحايلاً للهروب من مقتضى القضاء الذي أنصفه؛ إذ كان قد حصل على حكم من محكمة القضاء الإداري القضية رقم 1811 لسنة 8 ق يقضي بإلغاء القرار الصادر من مشيخة الجامع الأزهر في 27 من أكتوبر سنة 1953 بندبه للتفتيش بالإدارة العامة بعد إذ ثبت للقضاء أن السبب الذي قام عليه لم يكن صحيحاً. ومقتضى تنفيذه - لو كانت الأمور تسير سيراً طبعياً - هو إعادة المدعي إلى وضعه الأصلي في سلك المعاهد، ولكن قرار المشيخة الصادر في 18 من مارس سنة 1954 بتعيين المدعي مديراً للمجلة اعتباراً من 3 من مارس سنة 1954، وإصدار المشيخة في ذات اليوم، أي في 18 من مارس سنة 1954، قراراً بندب المدعي مفتشاً بإدارة التفتيش، وعدم تبليغ المدعي بقرار تعيينه مديراً للمجلة إلا في 24 من ديسمبر سنة 1955، بعد أن تمت الترقية المطعون فيها، إن هو إلا إصرار من مشيخة الأزهر على إبقاء المدعي في الوظيفة التي قرر حكم الإلغاء الصادر في الدعوى رقم 1811 لسنة 8 ق انتشاله منها، وتهدف المشيخة بذلك إلى التحلل من تنفيذ مقتضى حكم القضاء الإداري وإبقاء الوضع بالنسبة إلى المدعي على ما كان قد انحدر إليه بالقرار الأول، وكل أولئك قاطع في الدلالة على أن موقف المشيخة من المدعي ينضح بإساءة استعمال السلطة، فيعتبر نقله - والحالة هذه - باطلاً وكأنه لم يكن، ويظل المدعي معتبراً قانوناً وكأنه في سلك المعاهد، وله أن يفيد من مزاياه، بما في ذلك إتاحة الفرصة له في الترقي إلى الدرجات الأعلى، وعلى هذا الأساس كان من حقه أن يكون من المرشحين للترقية إلى الدرجة الأولى في القرار المطعون فيه.
ومن حيث إنه ولئن كانت الترقية إلى هذه الدرجة هي بالاختيار للكفاية، وكان الاختيار في الأصل من الملاءمات التي تترخص فيها الإدارة، إلا أن مناط ذلك أن يكون تقديرها غير مشوب بسوء استعمال السلطة، وأن تكون قد استمدت اختيارها من عناصر صحيحة مؤدية إلى صحة النتيجة التي انتهت إليها، فإذا لم يقع الأمر على هذا الوجه فسد الاختيار وفسد القرار الذي اتخذ على أساسه، فتجري المفاضلة بين المرشحين على أساس الصلاحية في العمل والكفاية فيه وحسن الدراية بمقتضياته والقدرة على الاضطلاع بمسئولياته والنهوض بأعبائه، مع سبر المواهب الذاتية والاستعدادات الشخصية للموظف، كذكائه وحصيلته العلمية وقدرته على الابتكار ومواجهة الأمور وحل المشكلات، ويضاف إلى ذلك في الأزهر الشريف على وجه الخصوص ما يتمتع به رجل الدين من صفات التقوى والورع والاستقامة وحسن الخلق والزهد والغيرة على الدين وخلو ماضيه مما يشين سمعته أو يتنافى مع كرامة الدين.
ومن حيث إن الثابت من ملف خدمة كل من المدعي والشيخ محمد البسيوني زغلول أن الأخير لا يفضل المدعي في واحدة من هذه الصفات، كما يبين من المقارنة؛ فالمدعي كان أول فرقته في شهادة العالمية النظامية عند تخرجه في معهد الإسكندرية عام 1921 (1339 هجرية)، وباشر عمله في وظائف الأزهر المختلفة، وتدرج في عدة وظائف رئيسية بالأزهر منذ التحق بالخدمة في 20 من نوفمبر سنة 1923 مدرساً بمعهد أسيوط، ثم بمعهد دمياط، ونقل إلى كلية أصول الدين في 29 من أكتوبر سنة 1935، وإلى كلية اللغة العربية في فبراير سنة 1945، ثم عين في مارس سنة 1947 وكيلاً لمعهد الإسكندرية، ثم ندب لتفتيش العلوم الدينية والعربية من 17 من أكتوبر سنة 1948، وندب للقيام بأعمال شيخ معهد الإسكندرية في 4 من نوفمبر سنة 1952، وعين شيخاً لمعهد الإسكندرية بالأمر الملكي رقم 14 لسنة 1953 في 23 من فبراير سنة 1953، ثم ندب للتفتيش بالإدارة العامة في 3 من مارس سنة 1954. أما الشيخ محمد البسيوني زغلول فقد حصل على العالمية سنة 1343 هجرية، وكان أول فرقته، ثم التحق بالخدمة في 2 من ديسمبر سنة 1924 كاتباً بالمحاكم الشرعية، ثم عين مدرساً بمعهد الزقازيق في 24 من أكتوبر سنة 1926، ثم عين وكيلاً لمعهد الزقازيق في 26 من يوليه سنة 1944، ثم ألغي تعيينه هذا في 18 من نوفمبر سنة 1944 بنقله مدرساً بمعهد شبين الكوم، فمدرساً بكلية الشريعة في أبريل سنة 1945، ثم ندب مفتشاً للعلوم الدينية والعربية من 14 من أكتوبر سنة 1951، وندب للقيام بأعمال شيخ معهد الزقازيق من 5 من أغسطس سنة 1952، وعين شيخاً لمعهد الزقازيق في 23 من فبراير سنة 1953، وفي 27 من أكتوبر سنة 1953 ندب شيخاً لمعهد الإسكندرية، ثم ألغي ندبه من مشيخة معهد الإسكندرية، وندب شيخاً لمعهد طنطا في 21 من فبراير سنة 1954، ووافق مجلس الوزراء على تعيينه شيخاً لمعهد طنطا بجلسته المنعقدة في 3 من مارس سنة 1954، وكان التقدير المقدم عام 1952 عن المدعي وعن الشيخ محمد البسيوني زغلول بدرجة جيد. ومتى كان الأمر كذلك، وكان المدعي في الوقت ذاته هو الأقدم في التخرج وفي تاريخ دخول الخدمة وفي التعيين في وظيفة شيخ معهد؛ إذ عين - كما سلف البيان - شيخاً لمعهد الإسكندرية بالأمر "الملكي" رقم 14 لسنة 1953 في 23 من فبراير سنة 1953، بينما وافق مجلس الوزراء بجلسة 3 من مارس سنة 1954 - أي بعد نيف وعام كامل - على تعيين الشيخ محمد البسيوني إبراهيم زغلول شيخاً لمعهد طنطا، ولم يكن ثمت وجه - والحالة هذه - لحرمان المدعي من الترقية.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله، فيتعين إلغاؤه، والقضاء بإلغاء قرار مجلس الأزهر الأعلى الصادر في 25 من يوليه سنة 1955 بترقية الشيخ محمد البسيوني إبراهيم زغلول إلى الدرجة الأولى فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى هذه الدرجة، وما يترتب على ذلك من آثار، مع إلزام الجامع الأزهر بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلغاء قرار مجلس الأزهر الأعلى الصادر في 25 من يوليه سنة 1955 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الأولى، وما يترتب على ذلك من آثار، وبإلزام الجامع الأزهر بالمصروفات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق