باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثامن من يوليه سنة 2023م،
الموافق العشرين من ذي الحجة سنة 1444 هـ.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد
الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن
سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمـد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 84 لسنة 43
قضائية دستورية
المقامة من
شركة ستاركو للمشروبات
ضد
1- رئيس مجلس الوزراء
2- وزيــر العــــدل
-----------------
" الإجـراءات "
بتاريخ العاشر من أكتوبر سنة 2021، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه
الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم، أصليًّا: بعدم دستورية نص
الفقرة الأولى من المادة (99) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، واحتياطيًّا:
بعدم دستورية عبارة ولا يقبل الطعن فيه بأي طريق الواردة بالفقرة الأولى منها.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليًّا: بعدم قبول
الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قدمت الشركة
المدعية مذكرة بدفاعها، تمسكت في ختامها بطلباتها الواردة بصحيفة دعواها، وقررت
المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
---------------
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسـائـر الأوراق
- في أن الشركة المدعية أقامت أمام محكمة الغردقة الجزئية الدعوى رقم 34 لسنة 2020
مدني حكومة، ضد المدعى عليه الثاني، بطلب الحكم بإقالتها من الغرامات المفروضة
عليها في الدعاوى المشار إليها بصحيفة الدعوى، وردّ جميع المبالغ المسددة عن تلك
الغرامات. قولًا منها أنه أثناء نظر الدعاوى أرقام 330 و331 و332 و333 و334 لسنة
2016 مدني كلي البحر الأحمر، المقامة منها ضد آخرين، أوقعت المحكمة غرامة على
الشركة المدعية، قدرها ثلاثمائة جنيه في كل دعوى، مع تكليفها بإعلان المدعى عليهم
بأصل الصحيفة، إعلانًا قانونيًّا صحيحًا، وبجلسة 24/ 12/ 2020، حكمت المحكمة بعدم
اختصاصها نوعيًّا بنظر الدعوى، وأمرت بإحالتها لمحكمة البحر الأحمر الابتدائية؛
استنادًا إلى صدور قرارات الغرامة المشار إليها؛ إعمالًا لنص المادة (99) من قانون
المرافعات المدنية والتجارية، وأن التظلم منها يكون أمام المحكمة التي أصدرتها.
ونفاذًا لهذا القضاء، أُحيلت الدعوى إلى محكمة البحر الأحمر الابتدائية، وقيدت
برقم 18 لسنة 2021 مدني كلي حكومة الغردقة، وبجلسة 28/ 4/ 2021، حكمت المحكمة بعدم
قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون؛ لعدم تقديم ما يفيد اللجوء إلى
لجنة فض المنازعات. وإذ لم ترتض الشركة المدعية ذلك القضاء، فقد طعنت عليه أمام
محكمة استئناف قنا (مأمورية استئناف عالي البحر الأحمر) بالاستئناف رقم 246 لسنة
40 قضائية، وحال نظره دفعت بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (99) من قانون
المرافعات المدنية والتجارية، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت للشركة المدعية
برفع الدعوى الدستورية، فأقامت الدعوى المعروضة، ناعية على النص المطعون فيه
تعارضه مع الأحكام الواردة بنص المادة (85) من القانون ذاته، ولقاعدة التقاضي على
درجتين، وما يرتبه النص من آثار مالية تؤثر سلبًا على المواطنين.
ومن جهة أخرى، كانت الشركة المدعية قد أقامت الدعوى التي صار قيدها
أمام محكمة البحر الأحمر الابتدائية برقم 95 لسنة 2019 مدني كلي الغردقة، ضد
المدعى عليه الثاني وآخر؛ طلبًا للحكم بإلغاء القرارات الصادرة بتغريم الشركة
المدعية بالغرامات الواردة بالدعاوى المشار إليها، وإقالتها من تلك الغرامات.
وبجلسة 26/ 11/ 2019، حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى؛ تأسيسًا على عدم جواز الطعن
على قرارات التغريم، إعمالًا لنص المادة (99) من قانون المرافعات المدنية
والتجارية. طعنت الشركة المدعية على هذا الحكم أمام محكمة استئناف قنا - مأمورية
استئناف البحر الأحمر- بالاستئناف رقم 577 لسنة 38 قضائية، وبجلسة 23/ 6/ 2020،
قضت المحكمة بعدم جواز الاستئناف؛ لكون الحكم المستأنف صادرًا في حدود النصاب
الانتهائي لمحكمة أول درجة.
وحيث إنه عن الدفع المُبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى
شكلًا للتجهيل بصحيفة الدعوى، لخلوها من بيان النصوص الدستورية المدعى بمخالفتها،
وأوجه هذه المخالفة؛ فمردود بأن المستقر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن ما
توخاه المشرع من نص المادة (30) من قانون المحكمة الدستورية العليا، يُعدُّ
متحققًا، كلما تضمن قرار الإحالة أو صحيفة الدعوى ما يعين على تحديد المسألة
الدستورية، سواء كان ذلك بطريق مباشر أم غير مباشر؛ إذ ليس لازمًا للوفاء بالأغراض
التي استهدفتها المادة (30) من قانون هذه المحكمة، أن يتضمن قرار الإحالة أو صحيفة
الدعوى تحديدًا مباشرًا وصريحًا للنص التشريعي المطعون بعدم دستوريته، والنص
الدستوري المدعى بمخالفته، وأوجه المخالفة. بل يكفي أن تكون المسألة الدستورية
التي يراد الفصل فيها قابلة للتعيين، بأن تكون الوقائع التي تضمنها قرار الإحالة
أو صحيفة الدعوى - في ترابطها المنطقي - مفضية إليها، جلية في دلالة الإفصاح عنها.
لما كان ذلك، وكان الثابت بصحيفة الدعوى الدستورية أنها قد تضمنت النعي على النص
المطعون فيه تحصينه عملًا ولائيًّا من الطعن عليه، فضلًا عن أن الغرامة - كجزاء
مدني - تنتقص من العناصر الإيجابية للذمة المالية للمواطن، وبذلك تضحى المسألة
الدستورية المثارة بصحيفة الدعوى قابلة للتعيين، وتتحدد في مخالفة النص المطعون
فيه للمادتين (35 و97) من الدستور، ومن ثم يكون الدفع بعدم قبول الدعوى شكلًا على
غير أساس متعين الرفض.
وحيث إن المادة (99) من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر
بالقانون رقم 13 لسنة 1968 وتعديلاته تنص في فقرتها الأولى على أن تحكم المحكمة
على من يتخلف من العاملين بها أو من الخصوم عن إيداع المستندات أو عن القيام بأي
إجراء من إجراءات المرافعات في الميعاد الذي حددته له المحكمة بغرامة لا تقل عن
أربعين جنيها ولا تجاوز أربعمائة جنيه ويكون ذلك بقرار يثبت في محضر الجلسة له ما
للأحكام من قوة تنفيذية. ولا يقبل الطعن فيه بأي طريق ولكن للمحكمة أن تقيل
المحكوم عليه من الغرامة كلها أو بعضها إذا أبدى عذرًا مقبولاً .
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أنه لا يجوز قبول
الدعوى الدستورية إلا بتوافر الشروط اللازمة لاتصالها بها، وفقًا للأوضاع المنصوص
عليها في قانونها، ويندرج تحتها شرط المصلحة التي حددتها المحكمة الدستورية العليا
بأنها المصلحة الشخصية المباشرة التي لا يكفي لتحققها أن يكون النص التشريعي
المطعون فيه مخالفًا للدستور. بـل يجب أن يكون هـذا النص - بتطبيقه على المدعي -
قد ألحق به ضررًا مباشرًا، وأن مفهوم المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول
الدعوى الدستورية - إنما يتحدد على ضوء عنصـرين أولين، يحددان - معًا - مضمونها،
ولا يتداخل أحدهما مع الآخر أو يندمج فيه، وإن كان استقلالهما عن بعضهما البعض لا
ينفي تكاملهما، ومن دونهما مجتمعين لا يجوز لهذه المحكمة أن تباشر رقابتها على
دستورية القوانين واللوائح؛ أولهما: أن يقيم المدعي، وفى حدود الصفة التي اختصم
بها النص التشريعي المطعون فيه، الدليل على أن ضررًا واقعيًّا - اقتصاديًّا أو
غيره - قد لحق به، ويجب أن يكون هذا الضرر مباشرًا مستقلًا بعناصره، ممكنًا إدراكه
ومواجهته بالترضية القضائية، وليس ضررًا متوهمًا أو نظريًّا أو مجهلًا، بما مؤداه:
أن الرقابة على الدستورية يجب أن تكون موطئًا لمواجهة أضرار واقعية؛ بغية ردها
وتصفية آثارها القانونية، ولا يتصور أن تقوم المصلحة الشخصية المباشرة إلا مرتبطة
بدفعها. ثانيهما: أن يكون مردُّ الأمر في هذا الضرر للنص التشريعي المطعون فيه،
فإذا لم يكن هذا النص قد طبق على المدعي أصلاً، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه،
أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، فإن
المصلحة الشخصية المباشرة تكون منتفية؛ ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور
جميعها لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني، بعد
الفصل في الدعوى الدستورية، عما كان عليه عند رفعها.
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن مفاد نص المادة
(49) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 المعدل بقرار رئيس الجمهورية
بالقانون رقم 168 لسنة 1998، وما جاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون، أنه ما لم
تحدد المحكمة تاريخًا آخر لنفاذ أحكامها، فإن الأصل أن قضاءها بعدم الدستورية
المتعلق بنص غير جنائي - عدا النصوص الضريبية - يكون له أثر رجعي، ينسحب إلى
الأوضاع والعلائق التي اتصل بها ويؤثر فيها، حتى ما كان منها سابقًا على نشره في
الجريدة الرسمية، ما لم تكن الحقوق والمراكز القانونية التي ترتبط به قد استقر
أمرها، بناء على حكم قضائي بات أو بانقضاء مدة تقادم تقررت بموجب حكم قضائي بات،
قبل صدور قضاء المحكمة الدستورية العليا.
وحيث إن البيَّن من الأوراق أن الشركة المدعية أقامت الدعوى التي صار
قيدها برقم 95 لسنة 2019 مدني كلي الغردقة، ضد وزير العدل ورئيس الدائرة المدنية
الرابعة بمحكمة البحر الأحمر الابتدائية، بطلب الحكم بإلغاء القرارات الصادرة
بتغريمها في الدعاوى أرقام 330 و331 و332 و333 و334 لسنة 2016 مدني كلي البحر
الأحمـر، وإلزامهمـا بإقالتها من تلك الغرامـات، مع ما يترتب على ذلك من آثار -
وهو عين النزاع في الدعوى الموضوعية التي أقيمت بمناسبتها الدعوى الدستورية
المعروضة - وبجلسة 26/ 11/ 2019، حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى؛ تأسيسًا على عدم
جواز الطعن على قرارات التغريم الصادرة؛ طبقًا لنص المادة (99) من قانون المرافعات
المدنية والتجارية، فاستأنفت الشركة المدعية هذا الحكم أمام محكمة استئناف قنا
(مأمورية استئناف عالي البحر الأحمر) بالاستئناف رقم 577 لسنة 38 قضائية، وبجلسة
23/ 6/ 2020، قضت المحكمة بعدم جواز الاستئناف، وأصبح هذا الحكم باتًّا؛ إذ لم
يطعن عليه أمام محكمة النقض، بما مؤداه: أن القضاء في المسألة الدستورية المتعلقة
بالنص المطعون فيه، لن يكون ذا أثر أو انعكاس على النزاع الموضوعي، بعد أن استقر
المركز القانوني للشركة المدعية بحكم قضائي بات، لتنتفي بذلك المصلحة الشخصية
المباشرة في الدعوى المعروضة؛ مما يتعين معه القضاء بعدم قبولها.
فلهـذه الأسبـاب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت الشركة
المدعية المصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق