جلسة 28 من يناير سنة 1967
برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعادل عزيز زخاري وعبد الستار عبد الباقي آدم ومحمد طاهر عبد الحميد المستشارين.
----------------
(58)
القضية رقم 820 لسنة 11 القضائية
موظف. "تعيين. فترة الاختبار". "فصل".
تقدير صلاحية الموظف تحت الاختبار متروك للسلطة التي تملك التعيين - لها وحدها تقدير صلاحيته للوظيفة من عدمه - استنادها في هذا التقدير إلى أية عناصر تستمد منها قرارها بلا معقب عليها ما دام قرارها يجئ خالياً من إساءة استعمال السلطة - لا يعيب قرار فصل الموظف لعدم الصلاحية خلال فترة الاختبار عدم سبق إخطاره بتقرير الثلاثة شهور الأولى إذا كان بدرجة ضعيف في العمل والإنتاج حسبما قرره منشور داخلي بقصد تنظيم العمل - أساس ذلك - مخالفة مثل هذه التوجيهات الداخلية لا تغل يد الرئيس عن ممارسة سلطاته متى قامت الدواعي وتحققت الأسباب المبررة لتدخله وإعمال سلطاته المخولة قانوناً.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - تتحصل حسبما يبين من أوراق الطعن - في أن المدعي أقام الدعوى رقم 398 لسنة 11 القضائية أمام المحكمة الإدارية بالإسكندرية بعريضة أودعت سكرتيرية تلك المحكمة في 19/ 5/ 1964 ذكر فيها أنه التحق بخدمة هيئة بريد الإسكندرية في 26/ 12/ 1956 بوظيفة موزع بريد وبتاريخ 13/ 5/ 1964 صدر قرار بفصله من الخدمة بمقولة إنه لم يعد صالحاً للبقاء فيها، ولما كان هذا السبب الذي تذرعت به الهيئة لفصله من الخدمة غير صحيح فإن القرار الصادر بذلك يكون قد صدر باطلاً ومخالفاً للقانون ومشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة، ولما لم تجد تظلماته نفعاً فقد أقام هذه الدعوى طالباً إلغاء القرار المذكور وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الحكومة بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. وقد ردت هيئة البريد على الدعوى بمذكرة دفعت فيها أولاً بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد القانوني إذ أن القرار المطعون فيه صدر في 5/ 1/ 1964. وتظلم منه المدعي في 9/ 1/ 1964. فكان متعيناً عليه إقامة الدعوى خلال مائة وعشرين يوماً من هذا التاريخ أي خلال ستين يوماً من تاريخ مضي ستين يوماً على تقديم التظلم دون أن تتلق رداً عليه والتي تنتهي في 8/ 5/ 1964 ولكنه لم يودع عريضة دعواه إلا في 19/ 5/ 1964. وبذلك يكون قد فوت على نفسه الميعاد القانوني المقرر لإقامة الدعوى ويكون الدفع بعدم قبولها شكلاً لرفعها بعد الميعاد في محله وأنه لا يغير من هذه النتيجة أن يتقدم المدعي بتظلم آخر في 24/ 2/ 1964 لأن العبرة في حساب المواعيد هي بالتظلم الأول وبالنسبة للموضوع أوضحت أن المدعي التحق بخدمة الهيئة في 29/ 12/ 1956 بوظيفة مؤقتة من الدرجة التاسعة بدل المجند محمود محمد السقا، وبتاريخ 13/ 2/ 1963 صدر القرار رقم 243 بتعيينه في وظيفة من المرتبة الخامسة المتوسطة تحت الاختبار وفصل من وظيفته المؤقتة اعتباراً من ذلك التاريخ، ولما لم تثبت صلاحيته للبقاء في الوظيفة الدائمة خلال فترة الاختبار عرضت مذكرة بشأنه لفصله من الخدمة لعدم الصلاحية واعتمدها السيد/ المدير العام في 5/ 1/ 1964 - فلا وجه بعد إذ ثبت عدم صلاحية المدعي للخدمة خلال تلك الفترة للنعي على القرار الصادر بفصله بمخالفة القانون ويكون طلب إلغائه غير قائم والحالة هذه على أساس سليم من القانون متعين الرفض وبجلسة 10/ 5/ 1965 أصدرت المحكمة الإدارية حكمها في الدعوى قاضياً "برفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً وبقبولها وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر بفصل المدعي من الخدمة وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الإدارة بمصروفات الدعوى ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة". وأقامت المحكمة قضاءها برفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد على أن الثابت من الأوراق أن القرار المطعون فيه صدر في 5/ 1/ 1964 وأبرقت الإدارة العامة لهيئة البريد إلى منطقة بريد الإسكندرية التي يتبعها المدعي لإبعاده عن العمل فقامت هذه الجهة الأخيرة بتنفيذ ذلك في 6/ 1/ 1964 وأراد المدعي أن يعرف سبب إبعاده عن عمله وليس من شك في أن هذا الاستفسار لا يفيد علمه بالقرار الصادر بفصله فلا يكون له بالتالي، أي أثر في افتتاح مواعيد الطعن، إنما يكون المعول عليه في هذا الشأن هو التظلم الذي قدمه في 24/ 2/ 1964. بعد أن علم بمضمون القرار المطعون فيه وهو إذ أقام دعواه في الميعاد محسوباً من هذا التاريخ يكون الدفع بعدم قبولها في غير محله متعين الرفض. بالنسبة للموضوع فقد أسست قضاءها على أن المادة العاشرة من القرار الجمهوري رقم 2191 لسنة 1959 بنظام موظفي هيئة البريد تنص على أنه "فيما عدا الوظائف التي يتم التعيين فيها بقرار رئيس الجمهورية يكون التعيين لأول مرة في وظائف المرتبة الرابعة من الوظائف العالية. والثالثة والرابعة والخامسة من الوظائف المتوسطة لمدة سنة تحت الاختبار يجوز مدها سنة أخرى يثبت بعدها الموظف إذا تبين من التقرير المقدم عنه صلاحيته لأداء أعمال الوظيفة وإلا فصل من الخدمة بقرار من مدير عام الهيئة، وإنه إعمالاً لحكم هذه المادة وضعت الهيئة قواعد ترسم الضوابط التي تحدد على أساسها هذه الصلاحية وهي التي نظمتها تعليمات الهيئة الواردة في منشورها رقم 4/ 54 - 1/ 5 الصادر في 27/ 10/ 1963 ومقتضاها إنه إذا وضع عن الموظف تقرير ضعيف لمدة ثلاثة أشهر متوالية في عنصر العمل والإنتاج يخطر الموظف بذلك ويعتبر هذا بمثابة إنذار له فإذا حصل بعد ذلك على درجة ضعيف في العنصر ذاته خلال أي شهر من الشهور الباقية من فترة الاختبار يفصل من الخدمة فوراً لعدم الصلاحية، ولا ريب في أن على الإدارة - بعد إذ وضعت هذه القواعد أن تلتزم بها، وينبني على ذلك أن القرار الذي يصدر بفصل موظف معين تحت الاختبار دون مراعاة تلك القواعد هو قرار مخالف للقانون، وإذ كان الثابت أن المدعي وإن حصل على تقدير ضعيف في بعض فروع عنصر العمل والإنتاج خلال الشهور الأربعة السابقة على فصله إلا أن الإدارة لم تخطره بهذه التقارير على مقتضى الأحكام الواردة بالمنشور المشار إليه وسارعت إلى فصله من الخدمة لعدم الصلاحية قبل إخطاره بالتقارير على النحو السابق مما يعيب القرار الصادر منها بعيب مخالفة القانون ويكون طلب المدعي الحكم بإلغائه قائماً على أساس سليم من القانون. ويتعين إجابته إليه وقد طعنت الحكومة في هذا الحكم لمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وقالت في بيان ذلك إن الطلب الذي تقدم به المطعون ضده في 9 يناير سنة 1964 والذي اعتبرته المحكمة استفساراً لا يرقى إلى مرتبة التظلم فلا تنفتح به مواعيد الطعن، هو في حقيقته وتكييفه القانوني تظلم يبدأ من تاريخه حساب مواعيد رفع دعوى الإلغاء، ولما كان الثابت من الأوراق أن الدعوى لم ترفع إلا في 19/ 5/ 1964 فإنها تكون قد رفعت بعد الميعاد ويكون الدفع بعدم قبولها في محله، وبالنسبة للموضوع فإن القواعد التي تضمنها المنشور سالف الذكر لا تعدو أن تكون مجرد توجيهات، لا يمكن أن ترقى إلى مرتبة القرار الجمهوري - رقم 2191 لسنة 1959 "بنظام موظفي هيئة البريد أو أن تخالف أحكامه، وطبقاً لأحكام المادة العاشرة منه لا يثبت الموظف المعين تحت الاختبار إلا إذا تبين من التقرير المقدم عنه صلاحيته لأداء أعمال الوظيفة وإلا فصل من الخدمة وإذ ذهب الحكم المطعون فيه خلافاً لهذا النظر فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وقامت به حالة من حالات الطعن في الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إنه تبين من الاطلاع على ملف خدمة المدعي أنه بتاريخ 26/ 12/ 1956. التحق كموزع بخدمة هيئة البريد بمنطقة الإسكندرية بوظيفة مؤقتة (بدل مجند) ثم صدر القرار الإداري رقم 243 في 13 فبراير سنة 1963 بتعيينه تحت الاختبار بوظيفة من المرتبة الخامسة وبتاريخ 23/ 11/ 1963 رفع السيد رئيس قلم التوزيع مذكرة إلى السيد مدير المنطقة أشار فيها إلى أن هذا الموظف وقعت عليه عدة جزاءات خلال فترة خدمته المؤقتة كما أنه حصل على تقريرين بدرجة ضعيف خلال تلك الفترة عن عامي 1960، 1962 وأنه عندما طولب باستلام تقريره الأخير رفض استلامه فأرسل إليه بطريق البريد المسجل ولكنه رفض أيضاً استلامه وأعيد ثانية إلى المنطقة وذكر السيد رئيس قلم التوزيع في مذكرته هذه أنه كان يأمل بعد أن عين المدعي على وظيفة دائمة في 13/ 2/ 1963 أن يسلك سلوكاً حسناً وأن يغير من شأنه غير أنه استمر في استهتاره مما أدى إلى توقيع جزاءات أخرى عليه خلال فترة اختباره وأصبح وجوده يشكل خطراً على سلامة العمل بالقسم وطلب من أجل ذلك إصدار قرارا بإنهاء فترة اختباره بفصله من الخدمة وكان بعد أن مرت هذه المذكرة بمراحلها المختلفة أن وافق السيد المهندس مدير عام هيئة البريد في 5/ 1/ 1964 على فصله من الخدمة لعدم الصلاحية، وأبعد عن العمل اعتباراً من ظهر اليوم التالي 5/ 1/ 1964 ثم صدر في 13/ 1/ 1964 القرار التنفيذي رقم 81 متضمناً فصله لثبوت عدم صلاحيته للبقاء في الخدمة وذلك اعتباراً من 5/ 1/ 1964 (تاريخ اعتماد السيد المدير العام المذكرة المرفوعة بفصله).
ومن حيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد فإن الثابت من الأوراق أنه على أثر إبعاد المدعي من وظيفته تقدم في 9 يناير سنة 1964 بطلب إلى السيد مراقب عام هيئة بريد الإسكندرية يستعلم فيه عن الأسباب التي أدت إلى وقفه عن العمل، وبعد أن علم أنه فصل من الخدمة تظلم في 24/ 2/ 1964 ولما لم يتلق رداً على تظلمه أقام الدعوى في 19/ 5/ 1964 وواضح من ذلك أنه ليس ثمة دليل على أن المدعي علم بالقرار الصادر بفصله قبل تظلمه منه في 24/ 2/ 1964 فمن هذا التاريخ فقط يحاسب على مواعيد رفع الدعوى، إذ أن التاريخ الذي تحقق فيه علمه بالقرار الذي كان سبباً في الحيلولة بينه وبين عمله والذي يستطيع بعده أن يحدد طريقه من الطعن أو عدم الطعن فيه وإذ أقام الدعوى في ميعادها محسوباً من هذا التاريخ فإنه يكون قد أقامها في الميعاد ويكون الدفع بعدم القبول في غير محله مستوجب الرفض عن الموضوع.
ومن حيث إنه بالنسبة لموضوع الدعوى فإن المرد في تقدير صلاحية الموظف المعين تحت الاختبار هو للسلطة التي تملك التعيين، فلها وحدها حق تقدير صلاحيته للوظيفة من عدمه وذلك بالاستناد إلى أية عناصر تستمد منها قرارها وهي تستقل بهذا التقرير بلا معقب عليها ما دام قرارها يجئ خالياً من إساءة استعمال السلطة، وواضح مما تقدم أن المدعي قد ثبتت عدم صلاحيته للبقاء في الخدمة وأنه بناء على التقرير المقدم عنه من رئيسه أصدر السيد مدير عام الهيئة بمقتضى السلطة المخولة له قانوناً القرار المطعون فيه بفصله من الخدمة لعدم الصلاحية وقد خلت الأوراق من أية واقعة يمكن أن تقوم قرينة على إساءة استعمال السلطة ومن ثم يكون هذا القرار قد صدر سليماً مطابقاً للقانون، ولا يعيبه أن المدعي لم يخطر بتقرير الثلاثة شهور الأولى إذا كان بدرجة ضعيف في العمل والإنتاج وذلك طبقاً للمنشور الداخلي الصادر في 27/ 10/ 1963 بقصد تنظيم سير العمل ذلك أنه فضلاً عن أن مخالفة مثل هذه التوجيهات الداخلية التي يضعها الرؤساء لمرؤوسيهم لا يمكن أن تغل يد الرئيس عن ممارسة سلطاته متى قامت الدواعي وتحققت الأسباب المبررة لتدخله وإعمال سلطاته المخولة له قانوناً فإن الثابت أن عدم صلاحية المدعي للبقاء في الخدمة وهي الحالة الواقعية التي انبنى عليها صدور القرار بفصله قامت واكتملت لها مقوماتها قبل أن توضع هذه التوجيهات التي صدرت بعد تعيين المدعي بأكثر من ثمانية شهور - موضع التنفيذ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنه إذا كان الغرض من إخطار الموظف بضعفه في العمل هو تقصيره بأمره وإنذاره بأن يصلح من شأنه، فإن المدعي قد وقعت عليه عدة جزاءات ومع ذلك لم يتخذ منها نذيراً وتبصرة له في إصلاح ذات نفسه وظل سادراً في ضعف إنتاجه وقلة عنايته بالعمل. بالإضافة إلى أن فصله لم يكن مرده فقط إلى ضعفه في العنصر المشار إليه، وإنما كان بحسب ما هو ظاهر في الأوراق نتيجة بحث شامل لحالته ولجميع العناصر التي يجب توافرها في الموظف للبقاء في الخدمة ومع ملاحظة أنه رسب في نتيجة التدريب وبناء على ذلك كله يكون القرار المطعون فيه قد صدر ولا مخالفة فيه للقانون وقائماً على سببه المبرر له مستمداً من أصول ثابتة في الأوراق مبرءاً حسبما سلف القول من عيب إساءة استعمال السلطة ويكون طلب المدعي القضاء بإلغائه غير قائم والحالة هذه على أساس من القانون متعيناً رفضه، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ويتعين لذلك إلغاؤه ورفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات.
"فلهذه الأسباب"
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق