جلسة 21 من يناير سنة 1967
برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى ومحمد طاهر عبد الحميد ويوسف إبراهيم الشناوي وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.
----------------
(57)
القضايا رقم 273 لسنة 12 القضائية ورقم 510 لسنة 9 القضائية ورقم 800 لسنة 11 القضائية
(أ) اختصاص. "اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري". موظف "نهاية الخدمة لعدم اللياقة الطبية". إحالته إلى القومسيون الطبي. قرار إداري.
القرار الصادر بإحالة الموظف إلى القومسيون الطبي العام للتحقق من لياقته الطبية لا يعتبر قراراً إدارياً ويخرج طلب إلغائه لذلك من اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري.
(ب) موظف. "وقف عن العمل". إحالته إلى القومسيون الطبي.
المشرع حدد الحالات التي يجوز فيها وقف العامل على سبيل الحصر - ولا يجوز اللجوء إلى هذه الوسيلة لغير ما شرعت له - حتى بالنسبة لوقف موظف عن العمل لإجباره على عرض نفسه على الجهة الطبية المختصة.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 1303 لسنة 16 القضائية لدى محكمة القضاء الإداري "هيئة الفصل بغير الطريق التأديبي" طالباً الحكم (أولاً) بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار المعلن إليه بتاريخ 5 من يوليه سنة 1966 والمتضمن وقف صرف مرتبه اعتباراً من أول يوليه سنة 1962 وما يترتب على ذلك من آثار. (ثانياً) إلغاء القرار فيما تضمنه وقف صرف مرتبه مع ما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الحكومة المصروفات وأتعاب المحاماة. وقال المدعي شرحاً لدعواه إنه بتاريخ 4 من إبريل سنة 1962 قررت المحكمة التأديبية لوزارة الأشغال تأجيل القضية التي أقامتها النيابة الإدارية ضده لمحاكمته عن بعض المخالفات الإدارية إلى أجل غير مسمى وأشارت على جهة الإدارة في أسباب قرارها بأن تتخذ الإجراءات اللازمة لإجباره على الكشف الطبي لمعرفة مدى مسئوليته عن المخالفات المنسوبة إليه. وتنفيذاً لذلك أرسل وكيل الوزارة المساعدة لوزارة الري بتاريخ 26 من مايو سنة 1962 كتاباً إلى تفتيش ري الوجه البحري لتنفيذ ما أوصت به المحكمة التأديبية وذلك بالحيلولة بين المدعي ومباشرة مهام وظيفته والامتناع عن صرف مرتبه إلى أن يكشف عليه طبياً. ثم قام التفتيش بإعلان هذا القرار إليه في 5 من يوليه سنة 1962 وامتنع عن صرف مرتبه اعتباراً من أول شهر يوليه سنة 1962، ولما كان القرار المشار إليه مخالفاً للقانون لأنه في حقيقة الأمر قرار بوقفه عن العمل صدر من وكيل الوزارة المساعد وهو غير مختص بوقفه كما أن عدم توقيع الكشف الطبي عليه لا يبرر الامتناع عن صرف مرتبه فقد تظلم من القرار ولما لم تجبه الإدارة إلى تظلمه أقام الدعوى بطلب إلغاء ذلك القرار.
وقد دفعت إدارة قضايا الحكومة بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى استناداً إلى أن اختصاص القضاء الإداري محدد في طلب إلغاء القرارات الإدارية النهائية، أما الإجراء الذي اتخذته جهة الإدارة فإنه إجراء مادي قصدت به إجبار المدعي لعرض نفسه على الكشف الطبي بعد أن أعيتها الحيل لإقناعه بذلك كما تعرضت مصلحة المرفق للخطر، ولم تقصد بهذا الإجراء إحداث أثر قانوني في مركز المدعي الوظيفي ولذلك فلا يعتبر هذا الإجراء قراراً نهائياً ولا يختص مجلس الدولة بالنظر في طلب إلغائه. ويضاف إلى ذلك أنه مع التسليم جدلاً بأنه قرار إداري نهائي فقد صدر تنفيذاً لما أمرت به المحكمة التأديبية فلا يجوز الطعن فيه أمام محكمة القضاء الإداري وإنما يطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا المختصة بالنظر في الطعون التي تقدم إليها في أحكام وقرارات المحاكم التأديبية وأما بالنسبة للموضوع فقالت الحكومة إن الوقف عن العمل شرع لحماية الوظيفة العامة ولا تتضمن مواد قانون التوظف الحالات الوحيدة التي يجوز فيها وقف الموظف عن العمل بل أن جهة الإدارة تختص إلى جانب ذلك بإصدار القرارات اللازمة لضمان سير المرافق العامة بانتظام وباضطراد، والإجراء الذي اتخذته جهة الإدارة قبل المدعي لا يخرج عن هذا النطاق، فهو إجراء اقتضته الضرورة ومصلحة المرفق بعد أن تبين لجهة الإدارة مدى الخطورة التي تترتب على ترك المدعي يمارس أعمال وظيفته. وبتاريخ 23 من يناير سنة 1963 حكمت محكمة القضاء الإداري برفض الدفع بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وباستمرار صرف مرتب المدعي مؤقتاً، وأقامت قضاءها على أن الحيلولة بين المدعي وبين مباشرة أعمال وظيفته هو بمثابة قرار بوقفه عن العمل أفصحت به جهة الإدارة عن إرادتها الملزمة بقصد إحداث أثر قانوني وهو إجبار المدعي على عرض نفسه على الكشف الطبي حتى يمكن تلافي الأضرار التي قد تعود على المصلحة العامة بسبب قيام المدعي بأعمال لها حيويتها مع قيام الشك تمتعه بقواه العقلية، وهذا القرار لم يصدر بناء على قرار من المحكمة التأديبية لأن المحكمة قررت تأجيل الدعوى إلى أجل غير مسمى ولم تصدر قراراً بإحالة المدعي إلى الكشف الطبي، وإذا كانت المحكمة التأديبية قد رأت من واجبها أن تشير على جهة الإدارة باتخاذ الإجراءات اللازمة لإجبار المدعي على الكشف الطبي فإن هذا التوجيه غير ملزم للإدارة فإذا اتخذت إجراء في شأن تنفيذه فإن التصرف يكون منسوباً إليها ويجب أن تتوافر فيه الشروط والأوضاع التي حددها القانون، وعلى ذلك فإن النظر في طلب إلغاء القرار المطعون فيه يدخل في اختصاص الإلغاء المقرر قانوناً لهذه المحكمة ويجوز طلب الحكم بصفة مستعجلة باستمرار صرف المرتب استناداً إلى حكم المادتين 8، 21 من قانون مجلس الدولة. ولما كان القرار المطعون فيه ليس له سند من أحكام المواد 84، 95، 96 من قانون التوظف فمن ثم يكون الطلب بحسب الظاهر قائماً على أسباب جدية، وإذا لم يثبت أن للمدعي مورد رزق آخر خلاف مرتبه فإنه يتوافر في الطلب شرط الاستعجال ولذلك يتعين القضاء باستمرار صرف مرتب المدعي إلى أن يقضى في الدعوى الموضوعية وقد طعنت وزارة الري في هذا الحكم بعريضة طعن قيدت تحت رقم 510 لسنة 9 القضائية ويقوم طعنها على وجهين أولهما أن القضاء الإداري لا يختص بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه لأنه ليس إلا إجراء تمهيدياً مؤقتاً وغير نهائي لجأت إليه جهة الإدارة حتى لا تتعرض مصلحة المرفق للخطر وعلى هذا الوجه فلا يختص القضاء الإداري بالنظر في طلب إلغاء هذا الإجراء أما الوجه الثاني فهو أن الوقف تم بناء على طلب النيابة الإدارية بمناسبة التحقيقات التي أجرتها لإثبات ما طلبته المحكمة التأديبية من التحقق من مدى مسئولية المطعون عليه عن المخالفات الإدارية التي كانت مطروحة عليها ويكون الوقف عن العمل قد تم إعمالاً لنص المادة 95 من قانون التوظف ويخرج النظر في طلب إلغائه من اختصاص القضاء باعتباره وقفاً احتياطياً، وأما بالنسبة إلى الموضوع فقالت الطاعنة إن القرار اتخذ تحقيقاً للمصلحة العامة ولا يتوافر في شأنه ركن الاستعجال.
وبعد أن تم تحضير الدعوى رقم 1303 لسنة 16 ق المشار إليها أحيلت إلى محكمة القضاء الإداري فأصدرت حكماً بتاريخ 29 من ديسمبر سنة 1965 برفض الدفع بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وفي موضوعها برفضها وإلزام المدعى عليه بالمصروفات وأقامت قضاءها بالنسبة للدفع بعدم الاختصاص على نفس الأسباب التي استند إليها في حكم وقف التنفيذ، أما بالنسبة إلى الموضوع فقالت المحكمة إن القرار المطعون فيه لم يستند إلى أحكام الوقف المقررة في قانون التوظف بل استند إلي أن المدعي قد امتنع بعد الكشف عليه بتاريخ 21 من سبتمبر سنة 1960 عن التوجه إلى القومسيون الطبي لإعادة الكشف عليه، ولما كانت التقارير الطبية الموقعة عليه في المرات السابقة تكشف عن أن المدعي كان مصاباً بمرض عقلي فإن منعه عن مباشرة أعمال وظيفته يكون أمراً ضرورياً اقتضاه الحرص على حسن سير المرفق وقد استنفذ المدعي إجازاته سواء بمرتب أو بغير مرتب ومن ثم يكون القرار المطعون فيه مطابقاً للقانون.
وقد طعن المهندس فوزي بنيامين تناغو في هذا الحكم بعريضة طعن قيدت تحت رقم 273 لسنة 12 القضائية نعى فيها على الحكم المطعون فيه مخالفته القانون ذلك لأن المحكمة توسعت في تحديد طبيعة القرار المطعون فيه مع أن النزاع ينحصر في طلب إلغاء القرار الصادر من وكيل وزارة الري المساعد بمنع المدعي من مزاولة عمله وبالامتناع عن صرف مرتبه، وبعبارة أخرى القرار الصادر بوقفه عن العمل ولقد نظم قانون التوظف في مواده 84، 95، 96 أحكام الوقف عن العمل كعقوبة تأديبية أو كإجراء احتياطي إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك ولا يدخل القرار موضوع الدعوى ضمن أحد النوعين وإذا صح أن الحالة التي وجد فيها المدعي تقتضي الإحالة إلى الاستيداع أو إبعاده عن أعمال وظيفته إلا أنها لا تجيز حرمانه من مرتبه، وإذا قضى الحكم المطعون فيه بخلاف ذلك فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
وبتاريخ 16 من إبريل سنة 1964 أصدرت وزارة الري قراراً آخر بتوقيع الكشف الطبي على المهندس المذكور حتى يمكن البت بصفة نهائية في أمر إحالته إلى الاستيداع أو بفصله من الخدمة وقد أقام المهندس المذكور الدعوى رقم 1437 لسنة 18 القضائية ضد وزارة الري طالباً إلغاء ذلك القرار لأنه يتضمن ضمناً منعه من العمل وحرمانه من مرتبه لحين الكشف عليه واستند في ذلك إلى نفس الأسباب التي استند إليها في الدعوى رقم 1303 لسنة 16 القضائية، وبتاريخ 12 من مايو سنة 1965 قضت محكمة القضاء الإداري بعدم اختصاصها بنظر الدعوى لأن القرار المطعون فيه ليس قراراً إدارياً نهائياً وإنما هو قرار تمهيدي قصد به معرفة مدى مسئولية المدعي عن بعض المخالفات التي ارتكبها والمطروحة على المحكمة التأديبية المختصة وتنفيذاً للقرار الصادر منها بتاريخ 4 من إبريل سنة 1962 ومن ثم يكون مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري غير مختص بنظر الدعوى.
وقد طعن السيد المهندس المذكور في هذا الحكم بعريضة طعن قيدت تحت رقم 800 لسنة 11 قضائية نعى فيها على الحكم المطعون فيه مخالفته القانون مستنداً في ذلك إلى أن القرار المطعون فيه فيما تضمنه من إلزامه بعرض نفسه على الجهة الطبية المختصة ينطوي على قرار بمنعه من مزاولة عمله ووقف صرف مرتبه وبهذه المثابة يعتبر قراراً إدارياً نهائياً من القرارات التي يختص مجلس الدولة بالنظر في طلب إلغائها. وقد أرادت وزارة الري بهذا القرار أن تتحلل من تنفيذ الحكم المستعجل الصادر في الدعوى رقم 1303 لسنة 16 القضائية والذي قضى بالاستمرار في صرف مرتبه إلى أن يقضى في دعوى الموضوع وعلى ذلك يكون قد صدر على خلاف حكم صادر لصالحه فهو مخالف للقانون.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قدمت تقريرين في الطعون الثلاثة انتهت في أولها إلى أن الطعن رقم 510 لسنة 9 القضائية التي أقامته الحكومة طعناً في الحكم الوقتي المستعجل الصادر في الدعوى رقم 1303 لسنة 16 القضائية سقط بصدور الحكم في موضوع تلك الدعوى والذي قضى برفضها, وأما بالنسبة إلى الطعن رقم 273 لسنة 12 القضائية الذي أقامه المهندس المذكور طعناً في الحكم الصادر برفض الدعوى فإن القرار المطعون فيه هو قرار وقف صدر على خلاف القواعد الخاصة بالوقف عن العمل التي تضمنها قانون نظام موظفي الدولة ومن ثم فهو مخالف للقانون ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدعوى قد أخطأ في تطبيق القانون، وأما بالنسبة إلى الطعن رقم 800 لسنة 11 القضائية فرأت هيئة المفوضين رفضه موضوعاً.
ومن حيث إنه يؤخذ مما تقدم أن النقط القانونية مثار النزاع في الطعون الثلاثة هو معرفة ما إذا كان القضاء الإداري مختصاً بالنظر في طلبات الطاعن في الدعويين رقم 1303 لسنة 16 القضائية، ورقم 1437 لسنة 18 القضائية، وكذلك في تحديد الأحكام القانونية المنطبقة على النزاع.
ومن حيث إن جهة الإدارة أصدرت قرارين في شأن الطاعن صدر أولهما بتاريخ 26 من مايو سنة 1962 متضمناً إحالة الطاعن إلى القومسيون الطبي العام ومنعه من مباشرة أعمال وظيفته وعدم صرف مرتبه إليه وقد أقام الطاعن الدعوى رقم 1303 لسنة 16 القضائية بطلب إلغائه فيما تضمنه من حرمانه من مرتبه، والقرار الثاني صدر بتاريخ 16 من إبريل سنة 1964 متضمناً إحالة الطاعن إلى القومسيون الطبي العام ليبدي رأيه بصفة نهائية في حالة الطاعن الصحية حتى يمكن البت في أمره تمهيداً لإحالته إلى الاستيداع أو فصله من الخدمة وكذلك لتحديد مسئوليته عن بعض المخالفات الإدارية المنسوبة إليه والمطروحة على مجلس التأديب المختص وقد أقام الطاعن الدعوى رقم 1437 لسنة 18 القضائية بطلب إلغاء هذا القرار.
ومن حيث إنه ولئن كان حكم المادة 109 من قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 الذي صدر القراران المطعون فيهما في ظله قد خولا جهة الإدارة الحق في إحالة الموظف إلى القومسيون الطبي العام في أي وقت للتحقق من توافر شرط اللياقة الطبية فيه باعتبار أن تحقق هذه اللياقة من الشروط الجوهرية للتعيين في خدمة الحكومة كما أنها شرط للاستمرار فيها، إلا أن القرار الذي يصدر بالإحالة إلى الكشف الطبي لا يعتبر قراراً إدارياً نهائياً ذلك لأنه ليس من شأنه أن ينشئ مركزاً قانونياً للموظف أو يعدل في مركزه القانوني، وإنما هو قرار تمهيدي للقرار الذي سيصدر من جهة الإدارة بعد أن تفصح الهيئة الطبية المختصة عن رأيها في خصوص لياقة الموظف للخدمة أو عدم لياقته ولذلك فلا يدخل قرار الإحالة إلى الكشف الطبي ضمن القرارات التي يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالنظر في طلب إلغائها. وعلى هذا الأساس فإذا كان القرار الصادر بتاريخ 16 من إبريل سنة 1964 المشار إليه قد اقتصر على إحالة الطاعن إلى الكشف الطبي توطئة للتصرف في أمره على ضوء ما يظهر من نتيجة فحصه بمعرفة الجهة الطبية المختصة، ولا ينطوي على قرار آخر بالامتناع عن صرف مرتب الطاعن فمن ثم فإن طلب إلغائه يخرج عن اختصاص محكمة القضاء الإداري، ويكون الحكم المطعون إذ قضى بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى قد أصاب الحق في قضائه ويكون الطعن رقم 800 لسنة 11 القضائية على غير أساس حقيقاً بالرفض مع إلزام الطاعن بالمصروفات.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى القرار الصادر في 26 من مايو سنة 1962 موضوع الدعوى رقم 1303 لسنة 16 والطعنين رقم 510 لسنة 9 القضائية ورقم 273 لسنة 12القضائية، فقد تضمن إلى جانب إحالة الطاعن إلى الكشف الطبي منع الطاعن من مزاولة أعمال وظيفته وحرمانه من مرتبه، وإذا كانت الإحالة إلى الكشف الطبي لا تعتبر قراراً إدارياً نهائياً على النحو السالف بيانه إلا أن المنع من مزاولة أعمال الوظيفة والحرمان من مرتبها أياً كان سند جهة الإدارة في ذلك، هو في حقيقة الأمر قرار بالتوقف عن العمل يأخذ حكم القرار الإداري النهائي فتختص محكمة القضاء الإداري بالنظر في طلب إلغائه للأسباب التي أوردتها هذه المحكمة في حكميها الصادرين في الدعوى رقم 1303 لسنة 16 القضائية في شقيها المستعجل والموضوعي والتي تأخذ بها هذه المحكمة وتعتبرها أسباباً لحكمها ومن ثم يكون الدفع بعدم الاختصاص الذي أبدته الحكومة على غير أساس من القانون حقيقاً بالرفض.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى موضوع الطعنين المشار إليهما فإنه يبين من تقصي أحكام قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 الذي صدر القرار المطعون فيه في ظله والقانون 46 لسنة 1964 بشأن نظام العاملين المدنيين بالدولة الذي ألغى القانون رقم 210 لسنة 1951 وحل محله. إن المشرع نظم أحكام الوظيفة العامة تنظيماً شاملاً واجه به كافة المواقف التي قد تصادفها جهة الإدارة في علاقتها بموظفيها بما يكفل لتلك الجهة باعتبارها المهيمنة على المرافق العامة من تحمل مسئوليتها نحو ضمان سير تلك المرافق بانتظام واطراد، وبموجب هذا التنظيم خول المشرع جهة الإدارة سلطات واسعة حيال الموظفين باعتبارهم عمال المرافق العامة، فهي تختص بسائر شئونهم الوظيفية من تعيين وترقية ومنح علاوات، ولها أن تقرر فصلهم من الخدمة سواء بالطريق التأديبي أو بالطريق غير التأديبي، كما يجوز لها إحالتهم إلى الاستيداع بسبب حالتهم الصحية أو لدواعي المصلحة العامة، ولها وقفه عن العمل مع ما يستتبعه الوقف من الحرمان من المرتب كله أو بعضه. وقد تضمنت النصوص التي خولت جهة الإدارة تلك السلطات تحديد الجهات المختصة باتخاذ تلك الإجراءات والضمانات الأساسية التي يتعين على الإدارة مراعاتها والتي قصد بها المشرع حماية مراكز الموظفين ورعاية حقوقهم. ووفقاً للتنظيم الذي وضعه المشرع بالنسبة إلى الوقف عن العمل فلا يجوز أن يوقع على الموظف كعقوبة تأديبية إلا بموجب حكم من المحكمة التأديبية المختصة (مادة 84) ولا يجوز الوقف احتياطياً إلا إذا كان ثمة تحقيق يجرى مع الموظف قبل إحالته إلى المحاكمة التأديبية إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك (مادة 95) ولا يوجد في نصوص القانون ما يسوغ لجهة الإدارة اتخاذ هذا الإجراء الأخير لغرض آخر كمجرد الشك في أن الموظف فقد شرط اللياقة الطبية أو لإجباره على الإذعان لقرار أصدرته جهة الإدارة كما لو أحالت موظفاً إلى الكشف الطبي وامتنع عن تمكين الجهة الطبية المختصة من فحصه، وإنما يجب أن تلتزم جهة الإدارة الوسيلة التي نص عليها القانون والغرض الذي شرعت من أجله، وما دام المشرع قد أجاز الوقف الاحتياطي في أحوال معينة محددة على سبيل الحصر فلا يجوز لجهة الإدارة أن تلجأ إلى هذه الوسيلة في غير ما شرعت له وإلا كان ذلك خروجاً على حدود التنظيم الذي رسمه المشرع وإهداراً للحكمة التي استهدفها من تخصيصه لكل حالة الإجراء الذي يناسبها.
ومن حيث إنه ولما كان الثابت من الاطلاع على الأوراق المرفقة بملف الطعن أن الطاعن أصيب بمرض عقلي منذ سنة 1959 استلزم عرضه على القومسيون الطبي العام عدة مرات لتقرير الإجازة اللازمة لعلاجه ثم عمد الطاعن إلى عدم تمكين الجهة الطبية من فحصه منذ أواخر سنة 1960 فأصدرت جهة الإدارة قرارها المطعون فيه بعد أن أوصت بذلك المحكمة التأديبية المختصة قاصدة من هذا القرار إجبار الطاعن على عرض نفسه على الجهة الطبية المختصة فمن ثم فإن القرار المطعون فيه وقد أوقف الطاعن في غير الحالات التي يجوز فيها ذلك يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إنه لا وجه لما تثيره المطعون عليها من أن ذلك القرار صدر تنفيذاً لقرار المحكمة التأديبية فلا يجوز الطعن فيه إلا أمام المحكمة الإدارية العليا أو إن ذلك الإجراء قد أملته الضرورة ذلك لأنه بالنسبة إلى الاعتراض الأول فإنه مردود بأن التوصية التي ضمنتها المحكمة التأديبية أسباب قرارها ليست ملزمة لجهة الإدارة، فإذا وضعتها هذه الجهة موضع التنفيذ فإن قرارها يكون قراراً يجوز الطعن فيه أمام محكمة القضاء الإداري شأنه في ذلك شأن أي قرار إداري نهائي ولا ويجوز الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا. أما بالنسبة إلى الاعتراض الثاني المتعلق بحالة الضرورة فإنه على غير أساس ذلك لأن الإجراء الذي اتخذته جهة الإدارة لم يكن هو الوسيلة الوحيدة لاتقاء الضرر إذ كان يسوغ لجهة الإدارة أن تبلغ مجلس مراقبة الأمراض العقلية بحالة الطاعن لحجزه توصلاً لاستظهار حالته العقلية بصورة رسمية إذا ما تأكد لها أن حالته من شأنها الإخلال بالأمن أو بالنظام العام، أو أن تستصدر قراراً بفصله من الخدمة لدواعي الصالح العام أو تتخذ غير ذلك من الوسائل التي شرعها القانون دون ما إخلال بالضمانات الأصلية التي رتبها قانوني موظفي الدولة صوناً لأوضاعهم وحفاظاً على سكينتهم وطمأنينة ذويهم.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم فإن القرار المطعون فيه يكون مخالفاً للقانون وإذ قضى الحكم الوقتي باستمرار صرف مرتب الطاعن بعد أن استظهر في أسبابه قيام حالة الاستعجال فإنه يكون قد أصاب الحق في قضائه ويكون الطعن رقم 510 لسنة 9 القضائية على غير أساس حقيقاً بالرفض، أما الحكم الصادر برفض الدعوى موضوعاً وهو مثار الطعن رقم 273 لسنة 12 القضائية فإنه يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه متعيناً إلغاؤه وإلغاء القرار المطعون فيه مع إلزام الحكومة بالمصروفات في الدعويين.
"فلهذه الأسباب"
حكمت المحكمة بقبول الطعن رقم 510 لسنة 9 القضائية ورقم 273 لسنة 12 القضائية ورقم 800 لسنة 11 القضائية شكلاً وفي الموضوع:
أولاً - بالنسبة إلى الطعن رقم 800 لسنة 11 القضائية برفضه موضوعاً وألزمت الطاعن بالمصروفات.
ثانياً - بالنسبة إلى الطعن رقم 510 لسنة 9 القضائية برفضه موضوعاً وألزمت الحكومة بالمصروفات.
ثالثاًَ - بالنسبة إلى الطعن رقم 273 لسنة 12 القضائية بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء القرار الصادر بوقف المدعي عن العمل وما ترتب على ذلك من آثار وألزمت الحكومة بالمصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق