جلسة 28 من يناير سنة 1967
برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعبد الستار عبد الباقي آدم ويوسف إبراهيم الشناوي وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.
-----------------
(59)
القضية رقم 1203 لسنة 11 القضائية
(أ) دعوى. "الحكم فيها". مرافعات. خطأ مادي. محكمة "ولاية".
تستنفد المحكمة ولايتها بالنسبة إلى النزاع بإصدار قضائها فيه فلا تملك العدول عما قضت به أو تعديله - يجوز استثناء مما تقدم أن تصحح ما يقع فيه من أخطاء مادية أو كتابية أو حسابية طبقاً للشروط والأوضاع المنصوص عليها في المادة 364 من قانون المرافعات - شروط إعمال هذا الاستثناء - أن يكون لهذا الخطأ المادي أساس في الحكم يدل على الواقع الصحيح في نظر المحكمة - مثال.
(ب) موظف. "تأديب. الدعوى التأديبية".
إشارة المحكمة التأديبية في أسباب حكمها إلى أنه لم يترتب على المخالفة المنسوبة إلى الموظف إضرار بالخزانة العامة - لا ينفي عن المخالفة حتماً طبيعتها المالية وليس من شأنه تغيير وصف التهمة.
(جـ) موظف. "تأديب. الدعوى التأديبية".
لا إلزام على المحكمة التأديبية أن تتعقب دفاع الموظف في وقائعه وجزئياته للرد على كل منها ما دامت قد أبرزت إجمالاً الحجج التي كونت منها عقيدتها.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أنه بتاريخ 21 من مارس سنة 1965 أودعت النيابة الإدارية سكرتيرية المحكمة التأديبية لموظفي الدرجة الثانية فما فوقها أوراق الدعوى التأديبية التي قيدت تحت رقم 7 لسنة 7 القضائية وقرار اتهام اسندت فيه النيابة إلى السيد أحمد أحمد الفقي المهندس من الدرجة الثالثة بمجلس مدينة طنطا أنه في خلال المدة من عام 1958 إلى عام 1959 ببلدية المنصورة بدائرة محافظة الدقهلية، لم يؤد أعمال وظيفته بالدقة الواجبة وخالف التعليمات المالية مما ترتب عليه المساس بحق مالي للدولة بأن ( أ ) أخطأ في تقدير المقايسة الخاصة بإنشاء سور النادي الرياضي بالمنصور - (ب) لم يقم بخصم مبلغ 16 جنيهاً و905 مليماً من الحساب الختامي للعملية سالفة الذكر وصرف هذا المبلغ للمقاول بالزيادة عن استحقاقه - (ج) صرف استحقاق المقاول في العملية المذكورة ينقص مبلغ 3 جنيهات و383 مليماً في الأعمال الاعتيادية والكهربائية كما أسندت النيابة الإدارية مخالفات أخرى إلى موظفين آخرين وذكرت في تقرير الاتهام أنهم جميعاً ارتكبوا المخالفات المالية والإدارية والمنصوص عليها في المواد 73، 82 فقرة 4، 5، 83 من القانون 210 لسنة 1951، والمادتين 87، 118 من لائحة المناقصات والزيادات وطلبت محاكمتهم طبقاً للمواد 14 من القانون 117 سنة 1958، 61، 67 من القانون 46 لسنة 1964 في شأن نظام العاملين بالدولة.
وبجلسة 3 من يوليو سنة 1965، قضت المحكمة التأديبية فيما قضت به ببراءة المهندس أحمد محمد الفقي من المخالفة الأولى وبمجازاته باللوم عن المخالفتين الثانية والثالثة وأقامت قضاءها بالنسبة إلى التهمة الأولى على أساس أنه بأن لها من أقوال السيد توفيق الشربيني ومن مراجعة ملف العملية أن الزيادات التي أضيفت إلى التصميم الأصلي لسور النادي الرياضي لا صلة لها بعيب التصميم بل قد تكون هي السبب الذي أدى إلى تعديل الأساسات وتعميقها ومع ذلك فقد قرر الشاهد المذكور في محضر تحقيق النيابة الإدارية أن الزيادات كانت لازمة للعملية، وإزاء هذا التناقض لا تطمئن المحكمة إلى هذه الأقوال كدليل قاطع على عدم سلامة التصميم وترجح صحة دفاع المتهم من أن التصميم الأصلي كان كافياً لحمل السور حسب ارتفاعه المقدر ابتداء وأن جميع الإضافات لم تكن ضرورية فنياً، الأمر الذي يتعين معه تبرئة المستلم من هذه التهمة، أما بالنسبة إلى ما هو منسوب إليه في التهمتين الثانية والثالثة من عدم خصم نسبة إلى 5% الواردة في عطاء المقاول من ختامى العملية وخصم مبلغ 3 جنيهات و383 مليماً من مستحقات المقاول فقد دفع المتهم التهمتين بأن إدارة الحسابات هي المسئولة وحدها عن ذلك إلا أن هذا الدفاع لا ينفي عن المتهم باعتباره المهندس المشرف على العملية الذي يقوم بإعداد المستخلص النهائي من واقع الأعمال التي يقوم بها المقاول بتنفيذها طبقاً للعقد المبرم معه مسئولية ما يقع في هذه المستخلصات من أخطاء ولذلك تكون إدانته ثابتة، ونظراً لأنه لم يترتب على تلك المخالفات إضرار بالخزانة العامة التي رأت المحكمة النزول بالعقوبات إلى حدها الأدنى المقرر وكانت المحكمة قد جازت المتهم بالإنذار ونطقت بالحكم على هذا الوجه ثم أصدرت قراراً بالاستناد إلى المادة 364 مرافعات بتصحيح الخطأ المادي الوارد في منطوق الحكم بأن تستبدل بكلمة الإنذار كلمة اللوم.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه من أوجه ثلاثة - (أولها) أن المادة 364 مرافعات التي استندت إليها المحكمة التأديبية في تعديل منطوق الحكم لا تجيز إلا تصحيح الأخطاء المادية البحتة كتابية أو حسابية فلا يجوز الاستناد إليها في تصحيح منطوق الحكم بتعديله أو بتغييره ولما كانت العقوبة المحكوم بها أصلاً هي الإنذار ثم صححت إلى اللوم فإن ذلك لا يعتبر تصحيحاً لخطأ مادي وإنما هو تعديل وتغيير في العقوبة المحكوم بها ذلك لأن كلتا العقوبتين تختلفان من حيث الطبيعة والآثار المترتبة على كل منهما. ومن ثم فإن التعديل الذي أجرته المحكمة يكون باطلاً وعديم الأثر. (والثاني) أن الاتهام قام على أن المخالفات المنسوبة إلى الطاعن ترتب عليها المساس بحق مالي للدولة وقد نفى الحكم المطعون فيه هذا الوصف عن تلك المخالفات وكانت النتيجة الطبيعة لذلك أن تقضي المحكمة ببراءة الطاعن لا بإدانته وإذ قضت بالإدانة فإن حكمها يكون مخالفاً للقانون (والثالث) أن الحكم المطعون فيه جاء قاصراً في التسبيب مخلاً بحق الدفاع إخلالاً جوهرياً ذلك لأن المحكمة أغفلت دفاع الطاعن الذي يتحصل في أن مسئوليته كمهندس مشرف على العملية مقصورة على الناحيتين الفنية والهندسية أما المستخلص النهائي فهو من صميم أعمال المراجعة والمحاسبة التي يسأل عنها قسما العقود والحسابات غير أن المحكمة أدانت الطاعن دون أن تبين سندها في ذلك.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى الوجه الأول من الطعن فإنه وإن كانت المحكمة تستنفد ولايتها بالنسبة إلى النزاع بإصدار قضائها فيه فلا يجوز لها العدول عما قضت به كما لا يجوز لها تعديل ذلك القضاء أو إحداث إضافة إليه غير أنه ترد على هذه القاعدة استثناءات منها أن المشرع أجاز للمحكمة أن تتولى تصحيح ما يقع في حكمها من أخطاء مادية كتابية أو حسابية بقرار تصدره من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم (المادة 364 ق قانون المرافعات) ولكي يمكن الرجوع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم لتصحيح الخطأ المادي الواقع في منطوقه يجب أن يكون لهذا الخطأ المادي أساس في الحكم يدل على الواقع الصحيح في نظر المحكمة بحيث يبرز هذا الخطأ واضحاً إذا ما قورن بالأمر الصحيح الثابت فيه حتى لا يكون التصحيح ذريعة للرجوع عن الحكم والمساس بحجيته.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه ومسودته أن المحكمة للظروف التي استظهرتها رأت أن توقع على المخالفين أدنى العقوبات فذكرت في أسباب حكمها.
"ومن حيث إنه لم يترتب على المخالفات المسندة إلى المخالفين إضرار بالخزانة العامة الأمر الذي ترى معه هذه المحكمة النزول بالعقوبات إلى حدها الأدنى المقرر لمن كان في درجتهم". وكانت المحكمة قد أوردت في صدر الحكم أسماء المخالفين والدرجة المالية التي يشغلها كل منهم ومن ضمنهم الطاعن فقد ذكر أمام اسمه العبارة الآتية "المهندس من الدرجة الثالثة طبقاً للقانون 46/ 1964 - بمجلس مدينة طنطا". ثم حكمت المحكمة بمجازاة الطاعن بالإنذار، وبعد ذلك أصدرت قراراً بتصحيح الخطأ المادي في منطوق الحكم بأن تستبدل بكلمة "الإنذار" كلمة "اللوم".
ومن حيث إنه يتضح من ذلك أن المحكمة قد أفصحت في أسباب حكمها قبل التصحيح بعبارات صريحة قاطعة عن أنها قصدت مجازاة الطاعن بأدنى العقوبات المقررة لمن كان في درجته ولما كانت أدنى العقوبات المقررة هي عقوبة اللوم طبقاً لنص المادة 61 من القانون 46 لسنة 1964 بشأن نظام العاملين بالدولة فإن ما أثبتته المحكمة في منطوق الحكم من مجازاة الطاعن بالإنذار لا يعدو في ضوء الظروف المتقدمة أن يكون من قبيل الأخطاء الكتابية المحضة التي تملك المحكمة تصحيحها بقرار منها طبقاً لنص المادة 364 واقعات دون أن يعتبر هذا العمل من جانبها بمثابة تعديل أو تغيير في الحكم الذي أصدرته، ولذلك يكون هذا الوجه من أوجه الطعن على غير أساس.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى الوجه الثاني عن الطعن فإنه على غير أساس أيضاً ذلك لأنه ولئن كانت المحكمة التأديبية قد ذكرت في أسباب حكمها أنه لم يترتب على المخالفات المسندة إلى الطاعن إضرار بالخزانة العامة إلا أن هذا لا ينفي أن طبيعة المخالفة الثانية التي كانت مسندة إلى الطاعن من شأنها المساس بحقوق الدولة المالية فلم تقصد المحكمة التأديبية أن تغير في وصف التهمة وإنما قصدت إلى إبراز الأسباب التي من أجلها خفضت العقوبة عن المخالف، وحتى ولو كان الأمر غير ذلك أخذاً بقول الطاعن من أن المحكمة التأديبية قصدت أن تنفي تلك الصفة عن التهم التي استندت إليها فإن ذلك لا يعني بحكم اللزوم القضاء ببراءته إذا ما استظهرت المحكمة التأديبية من وقائع الموضوع أن الطاعن قد ارتكب المخالفات المسندة إليه.
ومن حيث إن أحكام المحاكم التأديبية هي أحكام نهائية لا يجوز الطعن فيها إلا أمام المحكمة الإدارية العليا في الأحوال المنصوص عليها في المادة 15 من قانون مجلس الدولة رقم 55 لسنة 1959، فإذا انتفى قيام حالة من هذه الأحوال وكان الحكم مستنداً إلى وقائع صحيحة قائمة لها أصول ثابتة في الأوراق كيفها تكييفاً قانونياً سليماً واستخلص منها نتيجة سائغة تبرر اقتناعه الذي بني عليه قضاءه فلا محل للتعقيب عليه باستئناف النظر بالموازنة والترجيح فيما قام لدى المحكمة التي أصدرت الحكم من دلائل وبيانات وقرائن وأحوال إثباتاً أو نفياً في خصوص قيام أو عدم قيام الحالة الواقعية أو القانونية التي تكون ركن السبب في توقيع الجزاء أو التدخل في تقرير خطورة السبب وما يمكن ترتيبه عليه من آثار أو فيما استخلصته من هذه الدلائل والبيانات وقرائن الأحوال وما كونت منه عقيدتها أو اقتناعها.
ومن حيث إنه لم تقم بالحكم المطعون فيه حالة من حالات الطعن المنصوص عليها في المادة 15 من قانون مجلس الدولة كما أن المحكمة التأديبية بنت اقتناعها بإدانة الطاعن على الأسباب التي استخلصتها من عناصر سليمة لها أصل ثابت في الأوراق والتي ساقتها المحكمة له حسب دفاع الطاعن مفصلة إياها على نحو كاف لتبرير مذهبها في الرأي الذي انتهت إليه والتي تأخذ بها هذه المحكمة.
ومن حيث إن المحكمة التأديبية ليست ملزمة بأن تتعقب دفاع الطاعن في وقائعه وجزئياته للرد على كل منها ما دامت قد أبرزت إجمالاً الحجج التي كونت منها عقيدتها مطرحة بذلك ضمناً الأسانيد التي قام عليها دفاعه، مما يتعين معه رفض الوجه الثالث من الطعن لسلامة الحكم المطعون فيه من أي قصور مخل يمكن أن يكون سبباً لإبطاله.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الطعن على غير أساس من القانون متعيناً الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً مع إلزام الطاعن بالمصروفات.
"فلهذه الأسباب"
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الطاعن بالمصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق