جلسة 4 من فبراير سنة 1967
برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعبد الستار عبد الباقي آدم ومحمد طاهر عبد الحميد وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.
--------------------
(60)
القضيتان رقم 636 ورقم 187 لسنة 10 القضائية
(أ) هيئة البريد. "موظفوها". موظف "تعيين. فترة الاختبار".
نص المادة العاشرة من القرار الجمهوري رقم 2191 لسنة 1959 بنظام الموظفين بهيئة البريد - من مقتضاه أن فترة الاختبار تمتد سنة ثانية دون حاجة إلى صدور قرار بذلك من الجهة الإدارية ما دامت هذه الجهة لم تصدر فور انتهاء السنة الأولى قراراً بفصل الموظف أو تثبيته.
(ب) موظف "تعيين. فترة الاختبار".
الحكمة من تقريرها - مركز الموظف خلالها - تقدير صلاحية الموظف خلالها يكون للسلطة التي تملك التعيين بلا معقب عليها ما دام قرارها خالياً من إساءة استعمال السلطة.
(جـ) موظف. "تعيين. فترة الاختبار".
للجهة الإدارية أن تستمد قرارها بفصل الموظف لعدم الصلاحية من عناصر أخرى خلاف التقارير المقدمة عنه - صحة استناد جهة الإدارة في إصدار قرار الفصل إلى الجزاءات التي أنزلت بالموظف.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعنين - في أن المدعي السيد/ ناجح رزق بباوى أقام الدعوى رقم 119 لسنة 11 القضائية بصحيفة أودعها سكرتيرية المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات في 3 من ديسمبر سنة 1963 ضد الهيئة العامة للبريد طالباً الحكم:
(أولاً): وبصفة مستعجلة ومؤقتة باستمرار صرف راتبه.
(ثانياً): بإلغاء القرار الصادر بفصله من الخدمة مع ما يترتب على ذلك من آثار - ومع إلزام المدعى عليها بالمصروفات والأتعاب.
وقال المدعى - شرحاً لدعواه - إنه عين في 8 من أغسطس سنة 1961 بوظيفة طواف ببريد حوش عيسى ثم نقل إلى بريد أسيوط في 3 من فبراير سنة 1962 حيث عهد إليه بعمل فراز دون تمرينه على هذا العمل. وفي 4 من إبريل 1963 أنهى السيد مدير المنطقة الجنوبية للبريد بأسيوط فترة اختباره بنجاح بالخطاب رقم 2754 ولكنه فوجئ في 29 من يونيه سنة 1963 بفصله من العمل بمقولة إنه قد توقعت عليه عدة جزاءات في فترة الاختبار وأنه لم يمض هذه الفترة على ما يرام ونعى المدعي على قرار فصله أنه معدوم السبب ومخالف للقانون إذ أن فترة الاختبار قد انتهت في 4 من إبريل سنة 1963 ويعتبر أنه قد أنهاها بنجاح. كما أنه اجتاز بنجاح الامتحان الذي عقدته الهيئة تحت إشراف ديوان الموظفين بعد السنة الأولى من خدمته وكان هذا الامتحان شاملاً لجميع أعمال البريد فضلاً عن أنه قد منح أكثر من مرة مكافأة تشجيعية. ثم ذكر المدعي أن الجزاءات التي وقعت عليه كانت بسبب أخطاء تافهة وأن المفروض أن الموظف الجديد يتعرض أثناء فترة الاختبار لأخطاء في العمل لا يجوز أن تكون موجبة لفصله أو دليلاً على عدم صلاحيته. وختم صحيفة دعواه بأنه قد تظلم في 6 من يوليه سنة 1963 ولما لم يصل رد على تظلمه تقدم بطلب لإعفائه من الرسوم قضى فيه بالقبول فأقام هذه الدعوى في الميعاد.
وردت هيئة البريد على الدعوى بأن المدعي عين في وظيفة من المرتبة الخامسة المتوسطة الكتابية تحت الاختبار واستلم عمله في 8 من أغسطس سنة 1961 ونظراً لكثرة المخالفات التي ارتكبها والجزاءات التي وقعت عليه أثناء فترة الاختبار والتي تنهض دليلاً على عدم صلاحيته لشغل الوظيفة التي تعين عليها وبما للجهة الإدارية من سلطة تقدير هذه الصلاحية فقد تقرر إنهاء خدمته في 6 من يوليه سنة 1963 بالتطبيق لحكم المادة 10 من القرار الجمهوري رقم 2191 لسنة 1959 بنظام موظفي الهيئة وانتهت إلى طلب رفض الدعوى بشقيها.
وقد عقب المدعي على رد الهيئة بأن فترة اختباره كانت تنتهي في 7 من أغسطس 1962 ولم يصدر قرار بمد هذه الفترة وبذلك يعتبر أنه قد أنهى الفترة بنجاح. كما أن التقارير المقدمة عنه كانت بدرجة جيد وأنه أجرى تصحيح في بعض عناصر التقدير عن السنة الأولى من جيد إلى مرضي بشكل واضح للعين المجردة مما يقطع بأن هذا التغيير قصد به إخفاء خطأ الجهة الإدارية في فصله فضلاً عن أن المدير المحلي قد انتهى إلى صلاحيته للعمل أكثر من مرة ووافق على إنهاء فترة اختباره.
ثم قدمت الهيئة كتاب السيد مساعد المدير العام للإدارة العامة للأفراد والتدريب المؤرخ 22 من ديسمبر سنة 1963 الثابت - أنه لم يصدر قرار بإنهاء فترة اختبار المدعي وثبوت صلاحيته بعد نهاية السنة الأولى كما لم يصدر قرار بفصله وأنه بذلك تكون الهيئة قد أفصحت عن رأيها بعد فترة اختباره لسنة أخرى مما يعتبر قراراً ضمنياً بذلك.. كما قدمت الهيئة مذكرة طلبت فيها رفض الطلب المستعجل الخاص بصرف المرتب مع إلزام المدعي بالمصروفات واستندت في ذلك إلى أن ركني هذا الطلب وهما الاستعجال والجدية غير متوفرين إذ أن المدعي لم يقدم الدليل على صحة ما زعمه من أنه ليس له مورد رزق غير مرتبه كما أن هذا الطلب غير قائم على أسباب مشروعة وجدية لأن الجهة الإدارية قد استعملت حقها المشروع بفصل المدعي خلال فترة الاختبار مستندة في ذلك إلى سلطتها التقديرية دون إساءة استعمالها ومراعية في ذلك صالح العمل. وأنه لا يجدي المدعي ما ذهب إليه من أن فترة اختباره قد أنهيت بنجاح في 4 من إبريل سنة 1963 بخطاب من السيد مدير المنطقة الجنوبية لأن ما ورد بهذا الخطاب ليس نهائياً وإنما يخضع لاعتماد السيد مدير عام الهيئة وقد رأى هذا الأخير كثرة جزاءات المدعي ومخالفاته فلم يوافق على إنهاء اختباره وأصدر قراره في 25 من يونيه سنة 1963 بفصله حسبما تقدم.
وبجلسة 8 من يناير سنة 1964 قضت المحكمة الإدارية باستمرار صرف ثلاثة أرباع مرتب المدعي اعتباراً من تاريخ صدوره بصفة مؤقتة مع إلزام الهيئة المدعى عليها بمصروفات هذا الطلب ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة وأمرت بإعادة القضية إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيرها في الموضوع وأقامت قضاءها على أن ركن الاستعجال متوفر لأنه قد تأكد من ملف خدمة المدعي أنه ليس له مورد رزق آخر سوى مرتبه - وكذلك ركن المشروعية لأنه يبين من نص المادة 10 من القرار الجمهوري رقم 2191 لسنة 1959 أن مدة الاختبار قد حددت في الأصل بسنة واحدة من تاريخ التعيين وقد أجيز استثناء مدها إلى سنة أخرى إلا أنه يشترط لذلك أن يصدر قرار صريح بمد المدة ولما كان الثابت أن مدة اختبار المدعي لم تمتد بقرار ممن يملكه كما أن المحكمة تستشف من الثابت بملف خدمته أنه لا يوجد ثمة أسباب ظاهرة تؤيد عدم صلاحيته سيما وأنه لم يوقع عليه خلال سنة الاختبار سوى جزاءين.
ثم قامت هيئة مفوضي الدولة بتحضير الدعوى في موضوعها وقدمت تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بإلغاء القرار الإداري رقم 1036 الصادر بتاريخ 6 من يوليه سنة 1963 فيما تضمنه من فصل المدعي وإلزام الهيئة المدعى عليها بالمصروفات واستندت في ذلك إلى أن الهيئة قد أخطأت إذ لم تستصدر قراراً بمد فترة الاختبار سنة أخرى فضلاً عن أن قرار الفصل غير قائم على سبب صحيح.
وعقبت هيئة البريد على تقرير هيئة المفوضين بمذكرة قالت فيها إن فترة الاختبار تمتد سنة ثانية بحكم القانون دون اشتراط لإصدار قرار بذلك ما دامت جهة الإدارة لم تصدر قراراً بإنهائها بعد انتهاء السنة الأولى سواء بفصل الموظف، إن لم تثبت صلاحيته، أو بتثبيته إذا مضت فترة الاختبار بنجاح لأن المادة 10 من القرار الجمهوري سالف الذكر لا تشترط ذلك خاصة أن عبارة "صدور القرار" الواردة في عجز هذه المادة إنما يقصد بها قرار الفصل لا قرار مد فترة الاختبار وردت هيئة البريد على ما جاء بتقرير هيئة المفوضين - من أن المدعي لم يرتكب من الأخطاء ما يسوغ فصله - بأن الموظف في هذه الفترة خاضع لرأي جهة الإدارة في تقرير صلاحيته وليس للقضاء الإداري من رقابة عليها في ذلك وأنه وقد قررت الهيئة أن المدعي غير صالح وأنه لم يقض فترة الاختبار على ما يرام فإنها تكون قد استعملت حقها المشروع في فصله دون ما إساءة في استعمال سلطتها.
وبجلسة 29 من إبريل 1964 قضت المحكمة الإدارية بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء قرار السيد مدير عام هيئة البريد بفصل المدعي من الخدمة والصادر تنفيذاً له قرار السيد مساعد المدير العام للإدارة العامة للأفراد والتدريب رقم 1036 بتاريخ 6 من يوليه 1963 مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الهيئة المدعى عليها بالمصروفات ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة.. وأقامت قضاءها - بعد أن أوردت نص المادة 10 آنفة الذكر - على أنه يبين من هذا النص أن مدة الاختبار هي فترة زمنية أراد المشرع أن يظل الموظف خلالها تحت رقابة الجهة الإدارية وإشرافها المباشر لإمكان الحكم على مدى صلاحيته للقيام بالعمل المسند إليه بما يستتبعه من مسئوليات وما يتطلبه من استعداد ومقتضى هذا أن تعيين الموظف في هذه الحالة لا يكون نهائياً باتاً بل أن بقاءه في الوظيفة بعد تعيينه فيها يكون منوطاً بقضائه فترة الاختبار على ما يرام ولا يستقر وضعه القانوني في الوظيفة إلا بعد قضاء هذه الفترة وانحسام موقفه بقرار من الجهة الإدارية من حيث الصلاحية للبقاء أو رفعه عنها وأنه إذا مضت فترة الاختبار دون أن تستعمل جهة الإدارة فيها - خلال الميعاد المقرر لها - حقها في الفصل اعتبر ذلك تقريراً بصلاحية الموظف في الاستمرار في الخدمة ولا يجوز بعد هذا فصله لعدم الصلاحية تطبيقاً لحكم هذه المادة.. ثم قالت المحكمة إنه عن فترة الاختبار فإن المادة المذكور قد حددتها بسنة يجوز مدها سنة أخرى وتحديد هذه المدة مؤداه أنها في الأصل سنة واحدة يجوز للإدارة مدها سنة أخرى قبل انقضاء السنة الأولى إذا هي رأت استعمال الرخصة المخولة لها لإطالة المدة وأنه يتعين على جهة الإدارة في هذه الحالة أن تعلن عن قصدها هذا في شكل قرار باعتباره الوسيلة التي تعبر بها الإدارة عن إرادتها طالما أن المشرع قد جعل هذا الأمر جوازياً لها تستعمله أو لا تستعمله حسبما يتراءى لها وأنه لما كان القرار الإداري - ككل عمل قانوني - يجب أن يتجسد في مظهر خارجي بأن تعلن جهة الإدارة عن إرادتها فإذا التزمت الصمت فلا يمكن أن يترتب على إرادتها أثر ما وأنه لذلك كان يتعين على هيئة البريد في المنازعة المعروضة أن تصدر قراراً صريحاً بمد مدة اختبار المدعي سنة أخرى ولا يمكن اعتبار سكوتها بعد انقضاء السنة الأولى بمثابة قرار ضمني بعد هذه المدة طالما أنها لم تصدر قراراً بتعيينه بصفة نهائية وطالما أنها لم تصدر قراراً بعد فترة اختبار المدعي سنة أخرى بعد السنة الأولى التي انتهت في 7 من أغسطس سنة 1962، لذلك فإن القرار المطعون فيه إذ صدر بتاريخ 6 من يوليه سنة 1963 بفصله من الخدمة استناداً إلى المادة العاشرة السالف ذكرها يكون قد صدر بعد المدة المقررة لإصداره وبالتالي يكون قد وقع مخالفاً لأحكام المادة المذكورة ويتعين من أجل ذلك الحكم بإلغائه.
وقد طعنت هيئة البريد في الحكم الأول الصادر في 8 من يناير سنة 1964 بصحيفة أودعتها سكرتارية هذه المحكمة في 8 من مارس سنة 1964، كما طعنت في الحكم الثاني الصادر في 29 من إبريل سنة 1964. بصحيفة أودعتها سكرتارية هذه المحكمة في 11 من يونيه سنة 1964. وطلبت القضاء بقبول الطعنين شكلاً وفي موضوعهما بإلغاء الحكمين المطعون فيهما والحكم برفض دعوى المطعون عليه بشقيها مع إلزامه بالمصروفات. وبنت طعنها المذكورين على نفس الأسانيد التي استندت إليها في ردها على الدعوى وفي المذكرات التي قدمتها فيها وأضافت إليها أن قرار فصل المدعي قد صدر سليماً متفقاً مع نص المادة 10 من القرار الجمهوري 2191 لسنة 1959 آنفة الذكر لأنه عين في 22 من يوليه 1961 واستلم عمله في 8 من أغسطس سنة 1961 وفصل في 6 من يوليه 1963 اعتباراً من 25 من يونيه 1963 أي قبل فوات الستين يوماً المشار إليها في هذه المادة.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً في الطعنين انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبولهما شكلاً ورفضهما موضوعاً مع إلزام جهة الإدارة بالمصروفات واستندت في ذلك إلى ما استند إليه الحكمان المطعون فيهما.
وعقبت هيئة البريد على تقرير هيئة المفوضين بمذكرة رددت فيها دفاعها السابق وأضافت إليه أن نص المادة 10 من القرار الجمهوري المنوه عنه يفرق في الحكم بين أمرين:
الأمر الأول: انقضاء مدة السنة دون صدور قرار من الإدارة وفي هذه الحالة لا يمكن أن يستنتج من سكوت الإدارة وعدم إصدارها قراراً بمد فترة الاختبار أنها أنهت حالة التعليق وثبتت الموظف. ذلك أن الأقرب في التفسير أن يفسر سكوت الإدارة بأنها أرادت أن تمد هذه الفترة سنة أخرى طبقاً للرخصة التي خولها لها المشرع إذ أن القاعدة في التفسير أن الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يثبت تغيره.
الأمر الثاني: انقضاء السنة الثانية من فترة الاختبار. وفي هذه الحالة يكون على جهة الإدارة أن تحسم هذا الوضع المعلق بقرار تصدره في هذا الشأن فإن كانت الإدارة قد رأت عدم صلاحية الموظف تحتم عليها أن تصدر قرارها بالفصل في خلال الستين يوماً التالية لانتهاء مدة السنتين وهذا هو ما جرى عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا بالنسبة لفترة الاختبار المنصوص عليها بالمادة 19 من القانون رقم 210 لسنة 1951 علماً بأن فترة الاختبار المنصوص عليها في المادة 10 من القرار الجمهوري رقم 2191 لسنة 1959 لا تختلف عن ذلك الفترة المنصوص عليها في المادة 19 آنفة الذكر لأن هذه المادة الأخيرة تعتبر الأصل التشريعي للمادة 10 خاصة وأنها قد رددت الأحكام الواردة في المادة 19 بشيء من التفصيل. أما عن الموضوع فقد ذكرت الهيئة الطاعنة أن المدعي قد ثبتت عدم صلاحيته ولا يقدح في ذلك أن بعض التقارير الموضوعة عنه بدرجة جيد أو نجاحه في الامتحان أو أن المدير المحلي قد وافق على تثبيته إذ أن تقدير صلاحية الموظف المعين تحت الاختبار هو حق مخول للسلطة التي تملك التعيين دون غيرها فإذا رأت أنه لم يقض فترة الاختبار على ما يرام فلها أن تفصله دون معقب عليها في هذا الرأي ولها أن تعتمد على عناصر أخرى خلاف التقارير الموضوعة عنه وانتهت هيئة البريد إلى التصميم على طلباتها المبينة بصحيفتي الطعنيين.
ومن حيث إن المادة العاشرة من القرار الجمهوري رقم 2191 لسنة 1959 بنظام الموظفين بهيئة بريد مصر تنص على أنه "فيما عدا الوظائف التي يتم التعيين فيها بقرار من رئيس الجمهورية يكون التعيين لأول مرة في وظائف المرتبة الرابعة من الوظائف العالية والثالثة والرابعة والخامسة من الوظائف المتوسطة لمدة سنة تحت الاختبار يجوز مدها سنة أخرى يثبت بعدها الموظف إذا تبين من التقرير المقدم عنه صلاحيته لأداء أعمال الوظيفة وإلا فصل من الخدمة بقرار من مدير عام الهيئة".
"ويتعين صدور هذا القرار خلال الستين يوماً التالية لانقضاء مدة الاختيار على الأكثر".
"ويجوز فصل الموظف إذا تبين خلال مدة الاختبار عدم صلاحيته للوظيفة".
ويستفاد من نص هذه المادة، بادي الرأي، أن أمد فترة الاختبار ومدتها سنة - وجواز مدها سنة أخرى كل ذلك من قبيل التنظيم المقرر لصالح جهة الإدارة ذاتها ويراد به ضمان انتظام المرفق على نحو يحقق غرضه، وكمال تأديته للرسالة التي نيطت به ويترتب على هذا النظر حتماً أن هذه الفترة تمتد سنة ثانية دون حاجة إلى صدور قرار بذلك من الجهة الإدارية ما دامت هذه الجهة لم تصدر قراراً، فور انتهاء السنة الأولى بفصل الموظف، إن لم يتبين لها صلاحيته، أو بتثبيته إذا أمضى مدة الاختبار على وجه يشهد له بالصلاحية للبقاء ذلك أن سكوت جهة الإدارة بعد انتهاء السنة الأولى - دون إصدارها قراراً بفصل الموظف - يعتبر بمثابة قرار ضمني بمد مدة الاختبار سنة أخرى.
ولما كان الثابت من الأوراق أن المدعي عين في 22 من يوليه 1961 بهيئة البريد في وظيفة من المرتبة الخامسة المتوسطة وتسلم عمله في 8 من أغسطس سنة 1961 وانتهت سنة الاختبار الأولى في 7 من أغسطس 1962 ولم تصدر الهيئة قراراً بفصله أو تثبيته فإن فترة الاختبار تكون قد امتدت لسنة أخرى تنتهي في 7 من أغسطس سنة 1963 بالتطبيق لنص تلك المادة.. ولما كانت الهيئة قد أصدرت قراراً في 27 من يونيه 1963 بفصل المدعي من الخدمة لعدم صلاحيته وذلك اعتباراً من 25 من ذات الشهر - وهو تاريخ موافقة السيد مدير عام الهيئة على ذلك - أي قبل نهاية السنة الثانية فإن قرارها يكون إذن صادراً في نطاق الميعاد الذي حددته الفقرة الأخيرة من المادة المشار إليها.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن فترة الاختبار هي فترة زمنية أراد المشرع أن يظل الموظف خلالها تحت رقابة الجهة الإدارية وإشرافها المباشر لإمكان الحكم على مدى صلاحيته للعمل الحكومي المسند إليه وعلى كيفية نهوضه بمسئوليات وظيفته.... ومقتضى هذا أن تعيين الموظف لا يكون في هذه الفترة نهائياً باتاً، بل إن بقاءه في الوظيفة بعد تعيينه فيها يكون منوطاً بقضائه فترة الاختبار بنجاح وثبوت صلاحيته لإعمال هذه الوظيفة والمرجع في تقدير هذه الصلاحية هو السلطة التي تملك التعيين تستقل به بلا معقب عليها في ذلك ما دام قرارها يجئ خالياً من إساءة استعمال السلطة.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على ملف خدمة المدعي أن السيد مدير المنطقة الجنوبية بهيئة البريد قد طلب بكتابه رقم 2754 المؤرخ 4 من إبريل 1963، والموجه إلى الإدارة العامة لتلك الهيئة، الموافقة على إنهاء فترة اختبار المدعي لصلاحيته في العمل وبعرض هذا الكتاب على السيد مدير عام الهيئة أشار ببيان حالته وما توقع عليه من جزاءات أثناء فترة الاختبار فرفعت الإدارة بذلك مذكرة أرفقت بها صورة من صحيفة جزاءاته - والتي يبين منها أنه قد أوقعت به سبعة جزاءات بالخصم من راتبه لمدة بلغ مجموعها واحداً وعشرين يوماً - من أصل ذلك فقد ارتأى السيد المدير العام في 25 من يونيه 1963 إنهاء فترة اختبار المدعي بفصله من الخدمة لكثرة جزاءات وكلها جزاءات، كما تقول تلك المذكرة تتصل اتصالاً وثيقاً بعمله... وتنفيذاً لذلك صدر قرار الهيئة بفصله في 27 من ذات الشهر. وبذلك يكون هذا القرار قد صدر ممن يملكه وقام على أسباب تبرر إصداره وقد خلت الأوراق من أية واقعة يمكن أن تقوم قرينة على إساءة استعمال السلطة.. وعلى ذلك فإن قرار الفصل يكون، على مقتضى ما تقدم، صحيحاً مطابقاً للقانون.
ومن حيث إنه لا حجة فيما ذهب إليه المدعي - من أن التقريرين المقدمين عن أعماله في فترة اختباره كانا بدرجة جيد - لا حجة في ذلك لأن للجهة الإدارية على ما جرى به قضاء هذه المحكمة، أن تستمد قرارها من عناصر أخرى خلاف التقارير المقامة عنه وهي تستقل بهذا التقدير بلا معقب عليها حسبما تقدم وقد استندت هيئة البريد في إصدار قرارها بفصل المدعي إلى الجزاءات التي أنزلت به ويبين من الاطلاع على صحيفة هذه الجزاءات. أنها كلها بسبب أخطائه في أعمال وظيفته. فهي كما قالت الهيئة وبحق - تتصل اتصالاً وثيقاً بعمله.
كما أنه يبين من الاطلاع على هذين التقريرين أنهما لم يعتمدا من السيد مدير عام الهيئة ومن ثم فإنه لا يعتد بما ورد بهما من تقديرات. فضلاً عن أن هذه التقديرات غير مستخلصة استخلاصاً سائغاً وسليماً من ملف خدمة المدعي لما حواه من أخطاء كثيرة اقترفها أثناء فترة اختباره وجوزي من أجلها مما يدل على عدم صلاحيته لأداء أعمال وظيفته.
ومن حيث إنه لا اعتداد بما ذكره المدعي - من أن فترة اختباره قد أنهيت بنجاح في 4 من إبريل سنة 1963 بكتاب السيد مدير المنطقة الجنوبية رقم 2754 - لا اعتداد بذلك لأن ما ورد بهذا الكتاب ليس نهائياً وإنما يخضع لاعتماد السيد مدير عام الهيئة وقد رأى المدير المذكور في حدود اختصاصه - حسبما سلف - فصل المدعي من الخدمة لتعداد جزاءاته وكثرة سقطاته.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون طلب المدعي إلغاء قرار فصله غير قائم على أساس سليم من القانون حقيقاً بالرفض وكذلك يكون طلبه استمرار صرف راتبه بصفة مستعجلة ومؤقتة لعدم توافر ركن الجدية لما ثبت آنفاً من أن قرار الفصل قد صدر صحيحاً متفقاً وأحكام القانون. وإذ ذهب الحكمان المطعون فيهما مذهباً مخالفاً فإنهما يكونان قد خالفا القانون ويتعين لذلك القضاء بإلغائهما وبرفض دعوى المدعي بشقيها مع إلزامه بالمصروفات.
"فلهذه الأسباب"
حكمت المحكمة بقبول الطعنين رقم 636 لسنة 10 القضائية، ورقم 1187 لسنة 10 القضائية شكلاً وفي موضوعهما بإلغاء الحكمين المطعون فيهما وبرفض الدعوى بشقيها وألزمت المدعي بالمصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق