الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 13 يوليو 2023

الطعن 758 لسنة 3 ق جلسة 4 / 4 / 1959 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 2 ق 93 ص 1063

جلسة 4 من أبريل سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي ومحيي الدين حسن والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.

----------------

(93)

القضية رقم 758 لسنة 3 القضائية

جزاء تأديبي 

- تضمن القرار التأديبي تحريم اشتغال المدعي مدرساً بمدارس البنات علاوة على الخصم من راتبه - لا يعد ذلك تعدداً للجزاء - أساس ذلك.

------------------
إذا تضمن القرار التأديبي تحريم اشتغال المدعي مدرساً بمدارس البنات، فإنه - فضلاً عن أن ذلك لا يتضمن نوعاً من الجزاء - لا يخرج عن أن يكون توجيهاً من مصدر القرار للجهة الإدارية المختصة بمراعاة ما ثبت من سلوك المدعي عند تقرير إجراء نقله مستقبلاً، وذلك تحقيقاً للمصلحة العامة التي تقتضي توافر السمعة الحسنة والسيرة الطيبة فيمن يولون وظائف التدريس عامة وبوجه خاص أمانة التدريس بمدارس البنات، وهو توجيه حميد، لا شك يدخل في نطاق السلطة التقديرية التي تنفرد بها الإدارة دون معقب عليها.


إجراءات الطعن

في 19 من مايو سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتارية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 758 لسنة 3 قضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارات التربية والتعليم والشئون الاجتماعية والإرشاد القومي بجلسة 21 من مارس سنة 1957 في الدعوى رقم 4116 لسنة 2 قضائية المقامة من سالم علي عثمان ضد وزارة التربية والتعليم، والذي يقضى "بعدم قبول الدعوى". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإعادة الدعوى إلى المحكمة الإدارية المختصة للفصل فيها". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة التربية والتعليم في 3 من يونيه سنة 1957، وإلى الخصم في 5 منه، وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 4 من يناير سنة 1958، وقد انقضت المواعيد القانونية دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته. وفي 22 من نوفمبر سنة 1957 أعلن الطرفان بميعاد الجلسة، وفيها تقرر التأجيل لجلسة 22 من مارس سنة 1958، ثم لجلسة 24 من مايو سنة 1958، حيث قام المطعون لصالحه بأداء الرسوم القضائية المقررة عن الدعوى، فأمرت المحكمة بضم محاضر تحقيق جريمة هتك العرض رقم 694 إداري قسم أول المنصورة. وفي 16 من أبريل سنة 1958 أفادت نيابة المنصورة بأن قضية الجنحة رقم 2581 قسم أول سنة 1950 وكذلك الشكوى رقم 694 إداري سنة 1950 قد استغنى عنهما لمضي المدة المقررة لحفظهما. وبجلسة 21 من فبراير سنة 1959 سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون لصالحه أقام دعواه بتظلم أودعه سكرتارية اللجنة القضائية المختصة في 14 من مارس سنة 1954 قام فيه إنه في 3 من مارس سنة 1954 أخطر بقرار عقاب ينص على "خصم عشر يوماً، مع ملاحظة منعه من العمل بمدارس البنات"، وذلك بناء على الشكوى المقدمة ضده من السيدة......... من أهالي المنصورة، إذ أبلغت سنة 1950 نقطة بوليس قسم أول بأنه ضربها وأحدث بها إصابات، فقيد المحضر برقم 2581 لسنة 1950، وقدمت القضية إلى المحكمة فقضت فيها ببراءته. أما عن شكوى ابنتها، والتي كانت محل تحقيق معه بشأنها قام به مفتش التحقيقات بوزارة المعارف، فقد سبق أن حققت فيها معه بشأنها نيابة بندر المنصورة وقيدت برقم 2694 لسنة 1950 إداري قسم أول المنصورة، ولم تر النيابة في ذلك البلاغ أي دليل ضده من أقوال الشاكية وابنتها ولا من التقرير الطبي الشرعي. وخلصت النيابة العمومية إلى أن الشكوى كيدية، وأن واقعة الادعاء بهتك عرض ابنة الشاكية كانت لاحقة لتاريخ التبليغ عن واقعة ضرب السيدة الوالدة الشاكية، وقامت النيابة بحفظ البلاغ إدارياً، ولم تطلب النيابة من الجهة الإدارية توقيع أي جزاء على المتظلم. ثم قال إنه ما كان يستحق أن يسأل تأديبياً؛ لأنه لم يحول إلى مجلس تأديب للدفاع عن نفسه بعد أن قال القضاء كلمته، فضلاً عن أن موضوع الشكوى من ضرب وهتك عرض لا مساس له بأعمال وظيفته التي كان يشغلها عند تقديم الشكويين المذكورتين؛ إذ كانت وظيفته "كاتب بمدرسة المنصورة الصناعية الثانوية"، وهى وظيفة في الكادر المتوسط. وانتهى المدعي إلى طلب الحكم بإلغاء القرار التأديبي الصادر ضده بخصم خمسة عشر يوماً من مرتبه، مع مراعاة منعه من العمل بمدارس البنات مستقبلاً. وقد أرسل هذا التظلم إلى وزارة المعارف في 15 من مارس سنة 1954، فلم ترد الوزارة عليه، وقد أحيل التظلم إلى المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم إثر صدور القانون رقم 147 لسنة 1954 الذي سرى مفعوله من 20 من مارس سنة 1954. وفي 6 من سبتمبر سنة 1954 ردت وزارة التربية والتعليم على هذا التظلم بمذكرة جاء فيها أنه في الثالث من ديسمبر سنة 1950 قدمت السيدة... شكوى ضد المتظلم الذي كان يعمل كاتباً بمدرسة المنصورة الصناعية نسبت إليه فيها أنه منذ ثمانية أشهر سكن في منزل مجاور لمنزلها، ثم تقدم لخطبة ابنتها وقدم لها خاتم الشبكة، وأخذ يتردد على منزلها، ووعد بإتمام الزواج بعد نجاحه في امتحان دبلوم الدراسات التجارية التكميلية. وقالت إن المتظلم حضر يوماً إلى منزلها بينما كانت الأم الشاكية غائبة عن المنزل، فاستدرج ابنتها إلى منزله؛ حيث كان يقيم وحده، وكلفها بعمل شاي، وبعد أن وضع مادة مخدرة في كوب الفتاة اعتدى عليها سالباً أعز ما تملك، فلما أفاقت الفتاة وعدها بالزواج وحذرها من إفشاء سر الجريمة، ولكنه لم يثبت أن أعلن اقترانه بغيرها تاركاً محل سكنه إلى محل آخر، فلم تجد الفتاة بداً من أن تشكو الأمر إلى أمها التي أبلغت النيابة العامة بالحادث. وجاء في تقرير الطبيب الشرعي أن الفتاة قد أزيلت بالفعل بكارتها، وأنه قد تكرر استعمالها، وليس بها آثار عنف أو مقاومة، ويتعذر تحديد آخر استعمال لها، وأن سنها يبلغ 19 سنة. وانتهت النيابة العمومية إلى حفظ الشكوى إدارياً؛ على اعتبار أن ليس في الأمر جريمة يعاقب عليها القانون، وأن الواقعة مجرد إدعاء بحصول مواقعة بغير رضاء. وتقول الوزارة إن مراقبة التحقيقات بها قد أجرت تحقيقاً إدارياً في الموضوع بناء على شكوى السيدة والدة الفتاة، وقد أسفر التحقيق الإداري عن وقائع جديدة لا تشرف الموظف المتظلم: من ذلك أن الفتاة المجني عليها قدمت للمحقق صورة للمدعي مع بعض خطابات شخصية له، وبمواجهته بذلك قرر أن الأم الشاكية سرقت منه الصورة والأوراق. وبالاطلاع على ملف قضية الضرب المنوه عنها في أقوال المدعي تبين أن النيابة العمومية قد رفعت الدعوى ضد والدة الفتاة وضد المدعي؛ لأنهما في 2 من سبتمبر سنة 1950 تضاربا في الطريق العام وأحدث كل منهما بالآخر الإصابة الموضحة بتقرير الطبيب الشرعي والتي أعجزت المتهمة الأولى عن أداء أعمالها الشخصية مدة تزيد عن عشرين يوماً، وطلبت النيابة تطبيق المادة 241 فقرة أولى من قانون العقوبات وحكمت المحكمة بجلسة 8 من أبريل سنة 1952 ببراءة المتهمين. فاستأنفت النيابة الحكم، وقضت المحكمة بجلسة 11 من مارس سنة 1953 بعدم جواز الاستئناف من النيابة العمومية لرفعه عن حكم غير قابل له. وقالت وزارة التربية والتعليم إنه على الرغم من أن قرار الحفظ الصادر من النيابة العمومية في جريمة هتك العرض يقوم على أن ليس في الأمر جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات؛ لأن الواقعة مجرد إدعاء بحصول مواقعة بغير رضاء المجني عليها، فإن الأمر لا ينفى بتاتاً حصول مواقعة برضاء الفتاة. أما من الناحية الإدارية فإن الأمر مختلف عنه في مجال تطبيق قانون العقوبات، وتقضي القواعد والروابط التي تربط الموظف بالدولة أنه يتعين عليه - سواء في نطاق أعمال وظيفته أو خارجها ومهما كانت وظيفته - أن يكون متحلياً بالشرف والاستقامة، حسن السير والسلوك، فإذا صدر منه ما يخالف هذه الصفات وجب النظر في أمره وتأديبه. وتأسيساً على تحقيقات النيابة العمومية والتحقيقات الإدارية مع المدعي قد وافق السيد وكيل الوزارة في 13 من نوفمبر سنة 1953 على مجازاة الموظف المتظلم بخصم خمسة عشر يوماً من مرتبه ومنعه من العمل بمدارس البنات. وتقول الوزارة إنها قد راعت مع المتظلم الرأفة به، لأنه قد سلك في عمله سلك التربية والتعليم بعد أن كان كاتباً في الكادر الكتابي. وقد صدر الإذن بتنفيذ هذا الجزاء الإداري في 4 من مارس سنة 1954. وفي 10 من مارس سنة 1954 تظلم المدعي فرفضت الوزارة تظلمه. وانتهت إلى طلب الحكم برفض الدعوى؛ لأن الجزاء الموقع عليه قد صدر بناء على تحقيقين وافيين: أحدهما قامت به النيابة العمومية، والثاني تولته مراقبة التحقيقات بالوزارة، وفي كل منهما سمعت أقوال المتظلم وحقق كل ما تقدم به من أوجه الدفاع، وأوراق التحقيق تنطق بإدانته فيما نسب إليه. وبجلسة 21 من مارس سنة 1957 أصدرت المحكمة الإدارية لوزارات التربية والتعليم والشئون الاجتماعية والإرشاد القومي حكمها في الدعوى، وهو يقضي "بعدم قبول الدعوى". وأسست قضاءها على أن الدعوى نشأت تظلماً أمام اللجنة القضائية، وطلب المتظلم إلغاء القرار الصادر بخصم خمسة عشر يوماً من مرتبه مع ملاحظة منعه من العمل بمدارس البنات، فتكون الدعوى في صورتها القانونية هي مطالبة بإلغاء قرار صادر من السلطة التأديبية. ولما كانت ولاية اللجان القضائية - كما رسمها المرسوم بقانون رقم 160 لسنة 1952 - ينحسر عنها الفصل في طلبات إلغاء القرارات التأديبية، واستحدث القانون رقم 165 لسنة 1955 هذه الولاية للمحاكم الإدارية للفصل في هذه الطلبات، ونص على إجراءات معينة لا بد من التزامها لرفع الدعوى، ولم يترسم المدعي هذه الإجراءات، ومنها أداء الرسوم القضائية، فتكون الدعوى - والحالة هذه - غير مقبولة شكلاً.
ومن حيث إن مبنى الطعن من السيد رئيس هيئة المفوضين يتلخص في أن القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة قد استحدث للمحاكم الإدارية ولاية الفصل في طلبات إلغاء القرارات النهائية للسلطات التأديبية، ولم يتضمن القانون المذكور في هذا الشأن إجراءات يتعين التزامها سوى أداء الرسوم، والجزاء على مخالفة هذا الالتزام لا يكون الحكم بعدم قبول الدعوى، كما ذهبت إليه المحكمة الإدارية، وإنما يكون الجزاء بتقرير المحكمة استبعاد الدعوى من رول الجلسة حتى يقوم المدعي بسداد الرسوم المقررة.
ومن حيث إن المطعون لصالحه قد قام فعلاً في 25 من يناير سنة 1958 بأداء الرسوم القضائية المقررة أمام مجلس الدولة، مما يتعين معه إعادة القضية إلى جدول الجلسة للفصل في موضوعها.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق المتعلقة بالقرار الإداري المطعون فيه بالإلغاء أنه قد صدر في أعقاب تحقيق إداري واف قامت به مراقبة التحقيقات بوزارة التربية والتعليم إثر شكوى تقدمت بها السيدة... إلى السيد وزير المعارف في 3 من ديسمبر سنة 1950، واتهمت فيها المدعي بأنه استدرج ابنتها البالغة من العمر 19 سنة إلى منزله حيث اعتدى عليها اعتداء منكراً؛ وذلك كرهاً عنها، بعد أن ناولها مخدراً فقدت على أثره وعيها. وقد سمعت المراقبة في هذا التحقيق الإداري أقوال المدعي وواجهته بما هو منسوب إليه وأتاحت له فرصة الدفاع عن نفسه، ثم أعدت تقريراً مسهباً ضمنته خلاصة أقوال المدعي والشاكية وابنتها الفتاة المجني عليها، ثم بينت العناصر التي ارتأت فيها أركان الجريمة التي تستوجب المؤاخذة التأديبية، فقالت في تقريرها - بياناً لأسباب القرار المطعون فيه - "وإنه وإن كان ما أسند إلى المدعي من اعتداء خلقي على الفتاة المجني عليها والبالغة من العمر تسعة عشر عاماً منذ كان المدعي كاتباً بمدرسة المنصورة الصناعية قد تناولته بتحقيق انتهت إلى حفظه وقيدت الواقعة شكوى إدارية، إلا أن قرار الحفظ الصادر من النيابة قد استند إلى ما أثبته الطبيب الشرعي، من أن المجني عليها - وقد جاوزت سن الثامنة عشرة - قد تكرر استعمالها، ولم يكشف جسدها عن آثار مقاومة، ولم يتمكن الطبيب من التعرف على الموعد الذي تمت فيه مواقعتها لآخر مرة، وأن ما ادعته المجني عليها من أن الموظف المتهم قد واقعها على غير رضاها بعد أن دس لها مخدراً في مشروب أصابها بغيبوبة مكنت له منها - قول لا يمكن الاطمئنان إليه؛ بدليل عدم إبلاغها بالواقعة إثر وقوعها مباشرة رغم ما تدعيه من خطبتها له وترددها بعد ذلك على منزل المتهم وسماحها له بعد ذلك بمعاشرتها غير مرة؛ ومن ثم فقد انتهت النيابة إلى أن الأمر لا يتضمن جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات.
ومن حيث إنه ولئن كان قرار الحفظ الصادر من النيابة العمومية قد التزم في تطبيقه مقتضى أحكام قانون العقوبات، إلا أن الواقعة المنسوبة إلى المدعي، بما لابسها من قرائن وأدلة، أبرزها التحقيق الإداري والجنائي؛ فقد اتفقت رواية الشهود على أن المدعي كان قد خطب الفتاة الشاكية بحضورهم، ومنهم من سمع من الناس بأنه كان يعاشرها بعد الخطبة في منزله حيث كان يقيم وحيداً، وجاء في تقرير الطبيب الشرعي أن الفتاة قد أزيلت بكارتها وتكررت معاشرتها، وليس بها آثار عنف أو مقاومة، ويتعذر تحديد آخر معاشرة لها، وأن سنها 19 سنة وجاء في أقوال المجني عليها أن المدعي اصطحبها إلى طبيب عينت اسمه في التحقيق، وقالت بأنه أجرى إجهاضها، وقدمت الفتاة المجني عليها للتحقيق الإداري صورة المتهم وبعضاً من أوراقه الشخصية، وأجمعت أقوال الشهود على أن المدعي والسيدة الشاكية وابنتها المجني عليها كانوا مختلطين اختلاطاً عائلياً، فلا يقبل من المدعي القول بأنه لا يعرف الفتاة، مع تسليمه بأن أمها كانت تخدمه عاماً كاملاً، وقال في سبيل تجريح أقوال الشهود بأنهم أزواج أخوات الفتاة المجني عليها، كل أولئك يرجح ما انتهى إليه التحقيق الإداري من أن المدعي غرر بالفتاة المجني عليها على نحو لا يتفق وما يرتجي من موظف مثله من التحلي بالخلق القويم والبعد عما يسئ إلى سمعته ومقتضيات وظيفته؛ مستغلاً في ذلك حاجتها وتردد أمها على منزله للقيام بخدمته، فأغرى الفتاة ومناها بالزواج، ثم أخلف وعده وعقد زواجه بغيرها. وإذ استبان موقف المدعي على هذا النحو فقد استحق مساءلته تأديبياً مع تحريم نقله إلى مدارس البنات.
ومن حيث إن القرار المطعون فيه قد جاء مستنداً إلى أسباب استخلصت استخلاصاً سائغاً من الواقع التي انطوى عليها تحقيق مفضل سمعت فيه أقوال المدعي وحقق فيه دفاعه، وأنه - إذ قضى بمعاقبة المدعي بخصم خمسة عشر يوماً من مرتبه - فقد قامت مساءلته الإدارية تأسيساً على وقائع ثابتة لا أقل من أنها تكفي لوصمه بالسلوك المعيب وانحرافه عما يجب أن يتحلى به كل موظف من استقامة الخلق وحسن السيرة، خاصة وأنه موظف بوزارة التربية والتعليم، فكان عليه أن يتقي مواطن الشبهات وينأى بنفسه عما يمس كرامة الوظيفة والحط من قدرها وفقدان الثقة العامة فيمن يشغلها، فكل موظف يخرج على مقتضيات وظيفته أو يخل بكرامتها أو لا يستقيم مع ما تفرضه عليه من تعفف واستقامة وبعد عن مواطن الريب إنما يرتكب ذنباً إدارياً هو سبب القرار يسوغ تأديبه، فتتجه إدارة الإدارة إلى إحداث أثر قانوني في حقه هو توقيع جزاء عليه بحسب الشكل والأوضاع المقررة قانوناً وفي حدود النصاب المقرر. وقد ثبت من أوراق التحقيقات أن حفظ البلاغ المقدم إلى النيابة العامة ضد المدعي لم يستند إلى عدم صحة الوقائع المنسوبة إليه أو عدم الجناية، وإنما بني على الشك وانتفاء ركن الإكراه في جريمة هتك العرض وعدم كفاية الأدلة لإقامة الدعوى الجنائية، وهذا لا يرفع الشبهة عنه نهائياً، ولا يحول دون محاكمته تأديبياً وإدانة سلوكه الإداري. وقد صدر القرار المطعون فيه من الرئيس المختص بتوقيع الجزاء على المدعي وفي حدود النصاب المشروع؛ ومن ثم فإنه قرار سليم يتفق وأحكام القانون، ولا وجه للطعن عليه. أما عن الشق الأخير من القرار التأديبي، وهو الخاص بتحريم اشتغال المدعي مدرساً بمدارس البنات، فإنه فضلاً عن أنه لا يتضمن نوعاً من الجزاء فإنه لا يخرج عن أن يكون توجيهاً من مصدر القرار للجهة الإدارية المختصة بمراعاة ما ثبت من سلوك المدعي عند تقرير إجراء نقله مستقبلاً، وذلك تحقيقاً للمصلحة العامة التي تقتضي توافر السمعة الحسنة والسيرة الطيبة فيمن يولون وظائف التدريس عامة، وبوجه خاص أمانة التدريس بمدارس البنات، وهو توجيه حميد، لا شك، يدخل في نطاق السلطة التقديرية، التي تنفرد بها الإدارة دون معقب عليها.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون القرار المطعون فيه قد جاء مطابقاً للقانون وتكون الدعوى بطلب إلغائه وما يترتب عليه من آثار فاقدة الأساس، ويتعين القضاء برفضها، وإلزام المدعي بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبقبول الدعوى، وبرفضها موضوعاً، وألزمت المدعي بالمصروفات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق