الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 9 يوليو 2023

الطعن 579 لسنة 3 ق جلسة 7 / 2 / 1959 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 2 ق 59 ص 715

جلسة 7 من فبراير سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل والدكتور محمود سعد الدين الشريف المستشارين.

---------------------

(59)

القضية رقم 579 لسنة 3 القضائية

(أ) طرح البحر - 

القانون رقم 48 لسنة 1932 بشأن طرح البحر وأكله - إسناده ولاية طرح البحر إلى وزير المالية - وجوب أن يكون القرار الصادر في هذا الشأن قائماً على سببه الصحيح وواقعاً على محله القانوني - صدور قرار بالتصرف في ملك من أملاك الدولة بدون وجه حق - انعدام هذا القرار - جواز استرداد الإدارة الطرح الموزع بمقتضاه ما دام لا يحول دون ذلك اكتساب الملكية بوضع اليد المدة القانونية.
(ب) طرح البحر 

- استحداث اللائحة السعيدية الصادرة في 5 من أغسطس سنة 1958 جواز رفع المال عن الأطيان التي أكلها البحر وجواز التعويض عن المأكول من الأرض التي يطرحها البحر - تقييد اللائحة ذلك بقيدين أساسيين: الأول عدم نفاذ حكمها إلا بالنسبة لما يحدث من أكل البحر بعد صدورها، والثاني عدم جواز اتخاذ قرار إلا بناء على طلب ذوي الشأن وبعد إجراء المساحة والتحريات - مقتضى ذلك أن الأكل والطرح كانا يرصدان في السجلات والمكلفات لتكون المرجع لذوي الشأن عند التصرف - مناط استحقاق التعويض عن الأكل طبقاً للقانون رقم 48 لسنة 1932 أن يكون مالك الأكل ممن كان يجوز تعويضه طبقاً للائحة السعيدية وأن يكون هذا الأكل مثبوتاً في السجلات الرسمية.

------------------
1 - لئن كانت المادة 10 من القانون رقم 48 لسنة 1932 الخاص بأكل البحر وطرحه - إذ نصت على أن "يوزع الطرح بقرار من وزير المالية، ويكون ذلك التوزيع نهائياً لا تجوز المعارضة فيه" - قد ناطت بالوزير المذكور سلطة البت في هذا الشأن، فحسمت بذلك ما ثار من قبل من خلاف في شأن الجهة المختصة بتوزيع طرح البحر؛ إذ كانت قد ذهبت بعض الأحكام إلى أن المحاكم هي المختصة بذلك، فأسند القانون المذكور هذه الولاية إلى الجهة الإدارية التي يمثلها وزير المالية - إلا أنه لا ينبغي أن يغرب عن البال أن طرح البحر هو في الأصل ملك من أملاك الدولة، كما تنص على ذلك صراحة المادة 2 من القانون المذكور، وغاية الأمر أن هذا القانون أجاز تعويض أصحاب الأكل من الطرح بالشروط والأحكام المبينة به؛ فنص في الفقرة الثانية من المادة 10 على أن "القرار يكون سنداً للملكية له قوة العقد الرسمي، ويؤشر به في تكليف كل من أرباب الأملاك أصحاب الشأن"؛ فلزم - والحالة هذه - أن يصدر هذا القرار قائماً على سببه الصحيح وواقعاً على محله القانوني، وإلا تمحض تصرفاً في ملك من أملاك الدولة بدون وجه حق، فينحدر على درجة العدم، كما لو وزع الطرح على غير مستحق قانوناً، وجاز للإدارة في أي وقت استرداد الطرح الموزع بذلك القرار المعدوم قانوناً، ما دام لا يحول دون ذلك اكتساب الملكية بوضع اليد المدة القانونية.
2 - أن من أكل منه البحر أطياناً قبل اللائحة السعيدية في 24 من ذي الحجة سنة 1274 هـ (5 من أغسطس سنة 1958 م) لم يكن له حق قانوناً في المطالبة بتعويض عما أكله البحر، وبوجه خاص إذا كانت الأطيان المأكولة خراجية، وهي التي كانت تعتبر ملكاً للحكومة ولم يكن للأهالي عليها سوى حق المنفعة وما كانت تورث بل كان يوجهها بيت المال لمن يشاء. وأن اللائحة رتبت لأول مرة أصل حق في هذا الشأن، ولكن نصت في الوقت ذاته صراحة على أن أحكامها في هذا الخصوص لا تسري إلا بالنسبة للأكل الذي يحدث "من الآن فصاعداً"، أي بعد صدورها، وذلك بالقيود والشروط التي بينتها، دون أن ترتب مثل هذا الحق بالنسبة للأكل السابق عليها، بل نصت صراحة على أن ينفذ في شأنه ما سبق تقريره من قبل دون نقض، أي أبقت القديم على قدمه كما كان، وأنها كانت تشترط للتعويض عن أكل البحر الذي يستجد بعد صدورها أن يطلب صاحب الشأن هذا التعويض بعريضة وأن تجرى المساحة وتتم التحريات ثم يصدر القرار بالتعويض بعد ذلك إن كان له وجه. ومقتضى هذا أن الأكل والطرح كانا يرصدان في السجلات والمكلفات حتى تكون المرجع لأولي الأمر عند التصرف في هذا الشأن، وهذا أمر نظامي لا بد منه تقتضيه طبائع الأشياء، وهو المستفاد من نصوص اللائحة السعيدية، وقد رددته المادة 3 من القانون رقم 48 لسنة 1932 التي تنص على أن "يحصر وزير المالية كل عام بعد عمل المساحة مقدار طرح البحر وأكله ويعين تاريخ حدوث كل منهما، وبنشر إعلان في الجريدة الرسمية عن تاريخ البدء في عملية المساحة، ويلصق إعلان بذلك في كل قرية بواسطة العمدة قبل بدء العمل بخمسة عشر يوماً على الأقل". وجملة أن اللائحة السعيدية لم تقصد أن تفتح الباب على مصراعيه للتعويض عن أكل البحر السابق عليها، بل قصرت ذلك على الأكل اللاحق لها والذي تحققه الحكومة بالطريقة الرسمية، أي بناء على عريضة من صاحب الشأن. وأطرد العمل بعد ذلك على هذا الوجه، فكانت تحصر أراضي الأكل وأراضي الطرح سنوياً وترصد في الاستمارات والسجلات الخاصة بذلك؛ لتكون المرجع عند التصرف في هذا الأمر. وأن القانون رقم 48 لسنة 1932 إن استهدف تخفيف القيود التي اشترطتها اللائحة السعيدية في خصوص التعويض عن الأكل، إلا أنه لم يشأ كذلك أن يفتح الباب على مصراعيه للتعويض عن كل أكل حتى ولو كان سابقاً على تلك اللائحة، بل قصره على الملاك الذين أكل البحر من أطيانهم ولم يعوضوا في الماضي لعدم انطباق شروط اللائحة عليهم. وفي هذا تقول المذكرة الإيضاحية للقانون "وقد روعي في وضعه ملاقاة القيود التي كانت سبباً للشكوى من تنفيذ اللائحة السعيدية وإجراء توزيع الطرح بطريقة أقرب إلى العدالة وتعويض الملاك الذين أكل البحر من أطيانهم ولم يعوضوا في الماضي لعدم انطباق أحكام اللائحة عليهم، وذلك من الطرح الموجود الآن تحت يد الحكومة، سواء أكان قد مضى على ظهور الطرح قبل الأكل خمس سنوات أم لم يكن مضى"، فلزم - لإمكان التعويض بمقتضى هذا القانون - أن يكون مالك الأكل ممن كان يجوز تعويضه طبقاً للائحة السعيدية، وأن يكون هذا الأكل مثبوتاً في السجلات الرسمية.


إجراءات الطعن

في 19 من مارس سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 579 لسنة 3 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الأولى) بجلسة 22 من يناير سنة 1957 في الدعوى رقم 2634 لسنة 8 القضائية المقامة من السيد/ إبراهيم محمد محفوظ ضد وزارة المالية، والقاضي "برفض الدعوى، وألزمت المدعى بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - الحكم "بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإلغاء القرار الإداري المطعون فيه الصادر من وزير المالية في 3 من يناير سنة 1954، وإلزام الحكومة بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة المالية في 8 من أبريل سنة 1957، وإلى المطعون لصالحه في 11 من الشهر ذاته، وعين لنظره جلسة 15 من فبراير سنة 1958. وفي 25 من ديسمبر سنة 1957 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم أرجأت النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن إجراءات الطعن قد استوفيت من الناحية الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تنحصر، حسبما يبين من أوراق الطعن، في أن المطعون لصالحه السيد/ إبراهيم محفوظ أقام الدعوى رقم 2634 لسنة 8 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري بصحيفة أودعها سكرتيرية المحكمة طلب فيها "أولاً - الحكم بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، ثانياً - الحكم بإلغاء القرار الإداري الصادر من وزير المالية في 3 من يناير سنة 1951 واعتبار قرار السحب المطعون فيه كأن لم يكن، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام المدعى عليه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة"، وقال شرحاً لدعواه إن وزير المالية أصدر في 16 من ديسمبر سنة 1951 قراراً إدارياً بتوزيع 57 ف و17 ط و18 س على الطالب بوصفه من أصحاب أكل البحر في سنة 1951 بناحية الحواتكة والجادلي، وكان هذا القرار بناء على كشف مبين به مقدار هذه الأطيان وأحواضها ومعنون بما يأتي "بيان الأطيان المسلمة في سنة 1951 نتيجة مباحث سنة 1950 بناحية الحواتكة تعويضاً عن أكل البحر بالحواتكة والتي ستضاف بتكاليف المذكورين"، ومدون تحت عبارة "صاحب التكليف" اسم المطعون لصالحه. وقد أرفق بالكشف المذكور كتاب من مدير عام مصلحة الأموال المقررة في 8 من ديسمبر سنة 1951 وموجه إلى وزير المالية طلب فيه اعتماد تسليم و18 س و17 ط و57 ف التي وزعت على أرباب أكل البحر في سنة 1951 بناحية الحواتكة والجادلي تنفيذاً للمادة 10 من القانون رقم 48 لسنة 1932 الخاص بطرح البحر وأكله والمادة 9 من القانون رقم 114 لسنة 1946 الخاص بتنظيم الشهر العقاري، وذلك توطئه لإضافة هذا القدر إلى تكليف المطعون لصالحه وتنفيذاً للقرار الإداري المطلوب إلغاؤه والذي صدر من وزير المالية في 16 من ديسمبر سنة 1951، بيد أنه سجل القرار المشار إليه تسجيلاً كلياً في 2 من فبراير سنة 1952 وتسلم الأطيان المشار إليها ووضع يده عليها وقام بزراعتها مدة تربو على سنتين، ولكنه فوجئ بإعلان صادر من وكيل مديرية أسيوط مؤرخ في شهر يناير سنة 1954 بلغ فيه بأن وزير المالية سجل في 3 من يناير سنة 1954 القرار الصادر في 16 من ديسمبر سنة 1951، واستند في قرار السحب إلى "أن الطرح قد مضى على ظهوره أكثر من خمس سنوات ولم يطالب صاحب الأكل بالتعويض عنه خلال مدة خمس سنوات من تاريخ ظهوره فسقط الحق في المطالبة بالتعويض عنه"، وانتهى هذا الإعلان بإبلاغه أن هذه الأرض قد أصبحت ملكاً خاصاً للدولة، وأنه يتعين عليه تسليمها فوراً لمصلحة الأموال المقررة. وقال المطعون لصالحه إن قرار السحب قد صدر خاطئاً ومخالفاً للقانون ومبنياً على إساءة استعمال السلطة، وأن من حقه أن يلجأ إلى القضاء الإداري طالباً إلغاءه لصدور القرار الأول بتسليم الأطيان له في حدود السلطة التقديرية لجهة الإدارية، فلا يجوز سحبه بعد إذ كسب حصانة تعصمه من الإلغاء. وقال إنه أنفق على هذه الأطيان وباشر زراعتها وعول على ريعها في معيشته، وأن نزعها منه بقرار باطل يلحق به أفدح الضرر؛ ولذلك فهو يطلب وقف تنفيذ هذا القرار المطعون فيه الصادر من وزير المالية في 3 من يناير سنة 1954 كما سلف البيان. وقد دفعت الحكومة طلب وقف التنفيذ بأنه فضلاً عن عدم جدية هذا الطلب، فإنه ليس ثمت ضرر يحيق بالطالب من جراء تنفيذ قرارها المطعون فيه. أما عن الموضوع فقد أوضحت أن المطعون لصالحه استغل نفوذه لدى أسرة فقيرة بالناحية التي يرأسها وهم ورثة الحاج يوسف ريان فاستكتبهم عقد بيع وارد على أطيان لا وجود لها على الطبيعة بعد إذ سبق أن جرفها تيار النيل منذ نيف ومائة سنة، ثم أقام عليهم دعوى صحة تعاقد، ولما قضى له بطلباته تقدم إلى مديرية أسيوط بطلب ذكر فيه أنه اشترى هذه الأطيان من أصحاب التكليف الساقط، وأنه يطلب إليها توزيع أطيان طرح بحر عليه من أطيان الجزائر المؤجرة له ولوالده بجزيرة الحواتكة وكلها طرح بحر، وقد استبان من الطلب المشار إليه أنه ورد بتكليف الحاج يوسف ريان مساحة قدرها 903 ف استنزل منها 57 ف وكسور أكل بحر بناحية الحواتكة و31 ف وكسور بناحية المعابدة وبيع باقي ما ورد بالتكليف لآخرين، وأصبح بعد ذلك غير مالك لشيء في سنة 1273 هـ. وأفاد مدير المحفوظات بكتابة المؤرخ 11 من أبريل سنة 1949 إلى مديرية أسيوط أنه ليس ليوسف ريان أي تكليف منذ سنة 1273 هـ حتى سنة 1951، ثم أوضحت الحكومة أن إفتاء إدارة الرأي لوزارة المالية من جهة إمكان رد الأطيان البالغ مساحتها 88 ف إلى التكليف الأصلي - باسم الحاج يوسف ريان إذا لم يسبق استعواض أطيانه من طرح البحر - ينطوي على تقرير المبدأ العام. ولكن الموضوع برمته وتفصيلاته لم يكن تحت نظر الإدارة المشار إليها؛ ولهذا فإن التوزيع يجب أن يجرى وفقاً للقانون وحده إذا ما توافرت شروطه. وقد طلبت مديرية أسيوط من دار المحفوظات العمومية تحرير كشف من واقع الاستمارات رقم 78 مساحة الجزائر بنواحي منفلوط والحواتكة والمعابدة عن أطيان أكل بحر باسم الحاج يوسف ريان، فردت دار المحفوظات في 29 من أكتوبر سنة 1950 بأنه لم يستدل على وجود أكل بحر باسم المذكور، وهو أمر طبعي؛ إذ لا تكليف لهم منذ سنة 1856 ميلادية، إلا أن الواقع أنه في خلال المدة ما بين سنتي 1888 و1923 وجد بالمكلفات بالصفحة 606 الجزء السابع ما يدل على ظهور طرح بحر بجزيرة الحواتكة في سنتي 1894 و1895 تبلغ مساحتها و8 س و3 ط و52 ف وزعت على أشخاص آخرين خلاف ورثة الحاج يوسف ريان. ومبنى ذلك أن جزيرة الحواتكة وكلها طرح بحر كان يوزع منها على أصحاب التكاليف منذ أمد طويل يرجع إلى سنة 1894 م، وإذا كان يوسف ريان أو ورثته لم ينالوا منها شيئاً فلأنه لم يكن لهم تكليف. وأضافت الحكومة إلى ما تقدم أنه قد ظهر فعلاً طرح بحر بجزيرة الحواتكة في سنة 1933 وتم توزيع 10 س و22 ط و96 ف في سنة 1933، أي صدور القرار الملغي بسبع عشرة سنة.
وقالت إنه على رغم هذه الملابسات فقد نقلت المديرية خطأ في سنة 1951 تكليف 57 فداناً وكسور بناحية الحواتكة إلى اسم ورثة يوسف ريان، ثم أدرجتها باسم المطعون لصالحه الذي كان قد استحصل على حكم ضد هؤلاء الورثة بصحة التعاقد الحاصل معهم، وعلى أثر الحكم صدر قرار وزارة المالية في 16 من ديسمبر سنة 1951 بنقل هذا القدر من ملك الحكومة "طرح البحر" بجزيرة الحواتكة إلى ملك المطعون لصالحه، بيد أنه عند مراجعة ديوان المحاسبة لأعمال مديرية أسيوط في سنة 1952 هاله هذا التصرف، ولما استفتى عنه قسم الرأي المختص بمجلس الدولة في مدى صحته قانوناً أفتت شعبة الشئون المالية بمجلس الدولة بكتابها المؤرخ 22 من يونيه سنة 1953 بأنه بمقتضى المادة 11 من قانون طرح البحر "كل من كان له الحق في الاستعاضة من طرح بحر ظهر لحدوث أكل في ملكه فإن هذا الحق يسقط بمضي خمس سنوات إذا لم يطالب به من وقت ظهور طرح البحر"، وأن مصلحة الأموال قد خالفت حكم هذه المادة بتسليمها الـ 75 فداناً وكسور للسيد/ إبراهيم محفوظ من أراضي جزيرة الحواتكة التي كان يستأجرها، وقد ترتب على ذلك صدور القرار المطعون فيه. ثم أوضحت الحكومة في مذكرة ثانية أنه يبين من كتاب دار المحفوظات العمومية رقم 2856 المؤرخ سبتمبر سنة 1950 ومن الكشوف المرافقة له المتعلقة ببيان أكل البحر في ناحية منفلوط وما يجاورها وما وزع من طرح في المدة ما بين سنة 1888 وسنة 1923 أنه وجد بالمكلفات في المدة من سنة 1892 إلى سنة 1899 في الصفحة 606 من الجزء السابع بجزيرة الحواتكة مساحة طرح بحر قدرها 8 س و8 ط و53 ف وزعت كطرح بحر من الجزيرة المشار إليها، وأن مديرية أسيوط طلبت من دار المحفوظات العمومية تحرير كشف من واقع استمارات رقم 78 مساحة الجزائر بنواحي منفلوط والحواتكة والمعابدة عن أطيان أكل بحر باسم "الحاج يوسف ريان"، فردت دار المحفوظات في 29 من أكتوبر سنة 1950 بأنه لم يستدل من البحث في دفاتر الاستمارات المذكورة على أطيان أكل بحر باسم "الحاج يوسف ريان"، ثم قالت إنه لم تصدر قاعدة قانونية قبل صدور اللائحة السعيدية لتنظيم التعويض عن أكل البحر وطرحه، وكانت للحكومة سلطة مطلقة في أن تمنح من أكل النيل من أطيانه ما يعوضه عن ذلك عند ظهور طرح إن هي أرادت ذلك، ولها أن ترفض التعويض إذا تراءي لها ذلك أيضاً، وأن الحاج يوسف ريان لو فكر في رفع دعوى بطلب التعويض عما أكل من ملكة لكان مصيرها الرفض بناء على أن ملكه قد زال بقوة قاهرة. وعرضت الحكومة بعد ذلك لشرائط تطبيق اللائحة السعيدية منوهة بأنها لا تسري بأثر رجعي، وأن من شروط إعمالها أن يتصل طرح البحر بأطيان البلد وأن يسبق ظهور الطرح حدوث أكل البحر. وقالت إنه بفرض التسليم جدلاً بوجود حق لأصحاب الملك الذي وقع فيه أكل بحر فقد انقضى حقهم بالتقادم الطويل؛ لأنهم أمسكوا عن طلب التعويض رغم ظهور طرح بحر بذات جزيرة الحواتكة في سنوات 1894 و1895 و1899 وكذلك في سنة 1933. وانتهت الحكومة إلى أن حق الملكية الثابت للحاج يوسف ريان قد زال عنه منذ سنة 1273 هجرية، وأنه ارتضى هذا الوضع فلم يحرك ساكناً لا هو ولا ورثته حتى جاء المطعون لصالحه في سنة 1951 فحصل على أطيان طرح بحر مملوكة للدولة بدون سبب وعلى خلاف الأحكام الواردة في القانون رقم 48 لسنة 1932، وأن قرار وزير المالية الصادر في 16 من ديسمبر سنة 1951 بتسليمه هذه الأطيان إنما يتمحض عن تصرف في أموال الدولة بدون عوض، وهو ما لا يملكه بنص الدستور، وسلطته في هذا الخصوص أبعد من أن تكون تقديرية، وفضلاً عما تقدم فالتوزيع لا يكون إلا لمالك، وهذا الوصف قد فارق ورثة يوسف ريان من عهد بعيد. فإذا وزع طرح البحر على من لم يكن مالكاً لأطيان أكلها البحر كان التوزيع بغير سبب؛ لأن السبب في فهم القانون رقم 48 لسنة 1932 لا يتحقق إلا بوجود فرد يملك أطياناً أكلها البحر، وملك الحاج يوسف ريان زال عنه وعن ورثته من زمن مديد، فالقرار الصادر بتوزيع طرح البحر على المطعون لصالحه هو قرار مجرد عن سببه المشروع وفقاً لأحكام القانون الذي سبقت الإشارة إليه. وختمت مذكرتها بالقول بأن القرار المطعون فيه لا يعد سحباً للقرار الأول الصادر من وزير المالية، بل إعمالاً للقانون وإنزالاً لحكمة الصحيح على الواقعة، وأنه لا يجوز للمطعون لصالحه أن يكسب مركزاً قانونياً بقرار باطل ليس للإدارة فيه سلطة التقدير. وعند نظر طلب وقف التنفيذ في جلسة 14 من ديسمبر سنة 1954 نبهت محكمة القضاء الإداري على الحكومة بعدم تنفيذ القرار حتى يفصل في الموضوع؛ وبناء على ذلك تنازل المطعون لصالحه عن طلب وقف التنفيذ. وبجلسة 22 من يناير سنة 1957 قضت المحكمة "برفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات". وأسست قضاءها على أنه عند حدوث طرح البحر موضوع الدعوى "لم تكن ثمت قواعد تحدد طرح البحر وأكله أو توجب تعويض أصحاب الأكل من الطرح الذي ينشأ عن ذلك، بل كان الطرح يصبح مملوكاً للحكومة دون أحقية صاحب الأكل في المملكة بما يقابله من طرح حتى صدرت اللائحة السعيدية في 15 من أغسطس سنة 1858 مقررة أحقية أصحاب الأكل الذي يحصل من تاريخ صدور اللائحة في استيفاء مقابل ما فقدوه من الطرح الذي يوجد، فقررت المادة الثانية عشرة منها بأنه "من الآن فصاعداً إذا كان يحصل أكل بحر بالأطيان الخراجية أو العشورية ولم تتخلف جزيرة في مقابلة ما أكله البحر من الأطيان في البلدة التي حصل بها ذلك، فيصير رفع مال أو عشور ما أتلفه البحر على طرف الديوان بعد العرض وصدور الأمر، أما إذا ظهرت جزيرة متصلة بأطيان الناحية التي أكل البحر منها فينظر لمقدار الذاهب من الأكل ويصير توفيته من المتخلف"، ونصت المادة الرابعة عشرة منها على "أن الأحكام التي سبقت في خصوص ذلك - أي أكل البحر وطرحه - قبل هذه اللائحة لا تنقض، بل يكون حكمها جارياً على ما كان عليه بدون نقض ما من الآن فصاعداً". ومفهوم هذين النصين أن اللائحة السعيدية لم تسر ولم يعمل بها إلا من تاريخ صدورها، وعلى أكل البحر الذي ينشأ بعد صدورها". كما أسست هذا القضاء على "أنه لا يجوز لوزير المالية توزيع طرح البحر إلا على أصحاب الأكل الذي ينشأ بعد صدور اللائحة دون غيرهم، فلا يجوز له منح أحد الأفراد أرضاً تحت ستار التوزيع إذا لم يكن من أصحاب أكل البحر، وإلا كان قراره في هذا الشأن باطلاً بطلاناً مطلقاً لمخالفته القانون من ناحية، ولأنه - من ناحية أخرى - يخالف أحكام الدستور التي تقضي بعدم جواز التصرف في أموال الدولة إلا بناء على إذن سابق من البرلمان في الدستور الملغي ومن مجلس الأمة في الدستور الحالي. ومفاد ذلك أن سلطة الوزير في هذا الشأن سلطة مقيدة في توزيع طرح البحر على أصحاب الأكل دون غيرهم، فإذا خالفت الوزارة هذه النصوص الآمرة ثم استبان بعد ذلك مخالفة القرار للقانون، فإنه يجوز سحب القرار في أي وقت دون اعتداد في هذا الشأن بالحقوق المكتسبة ولا بنهائية القرار وحصانته من الإلغاء؛ إذ أن مثل هذا القرار يعتبر من القرارات المعدومة التي يصح الرجوع عنها في أي وقت؛ إذ هي لا تقوم على سبب ولا ترد على المحل الذي حدده القانون، فليس ثمت قرار إداري صحيح مما يترتب عليه للأفراد حقوق مكتسبة أو مراكز قانونية ذاتية"، ثم قالت إنه "إذا كان الثابت من الاطلاع على الأوراق أن يوسف ريان الذي يقول المدعي إنه اشترى من ورثته قد حصل أكل البحر في أرضه سنة 1856 ميلادية، وهو التاريخ الذي ثبت أن تكليفه قد انتهى فيه ولم يصبح مالكاً لأي قدر من الأطيان، مما يقطع بأن أكل البحر الذي حدث له قد وقع قبل هذا التاريخ أي قبل اللائحة السعيدية؛ ومن ثم فلا يكون لورثته ولا للمدعي باعتباره مشترياً منهم أي حق في أخذ طرح البحر مقابل ما يقال إنه أكل البحر من مورثهم قبل سنة 1856، ولا يحق لوزير المالية أن يعطي المدعي من طرح البحر ما أعطاه له ولا يملك ذلك، ويكون القرار الصادر في 16 من ديسمبر سنة 1951 بتسليم المدعي سبعة وخمسين فداناً وكسور مقابل أكل البحر المدعي بحصوله قبل سنة 1856 قراراً باطلاً بطلاناً أصلياً؛ لصدوره بناء على سلطة الوزير المقيدة بعدم توزيع طرح البحر على غير أصحاب الأكل الحاصل بعد صدور اللائحة السعيدية، ويحق للوزارة في سحبه في أي وقت متى تبين لها بطلانه".
ومن حيث إن الطعن قد بني على أن الحكم المطعون فيه "فاته أن المشرع في القانون رقم 48 لسنة 1932 الخاص بطرح البحر وأكله قد استبدل أحكامه بأحكام اللائحة السعيدية في خصوص طرح البحر وأكله، فقد نصت المادة الأولى من القانون المذكور على أنه "يستبدل بالبندين الثاني عشر والرابع عشر من لائحة الأطيان الصادرة في 24 من ذي الحجة سنة 1274 هجرية (5 من أغسطس سنة 1858 ميلادية) المواد الآتية:...". ولما كان الثابت أن طرح البحر الذي يريد المدعي التعويض عنه قد ظهر في غضون سنتي 1944 و1945، فإنه لا وجه للتحدي بأحكام اللائحة السعيدية في توزيع هذا الطرح؛ لأنها كانت ألغيت بمقتضى القانون رقم 48 لسنة 1932، وحلت محلها أحكامه، فأحكامه هي الواجبة التطبيق في هذا الخصوص"، وعلى "أنه يبين من استعراض نصوص القانون رقم 48 لسنة 1932 أنها جاءت مطلقة من أي قيد خاص بقدم الأكل، فلم تحظر على وزارة المالية توزيع طرح البحر على أصحاب الأكل بسبب قدم الأكل حتى ولو كان الأكل قبل تاريخ العمل بأحكام اللائحة السعيدية، بل إن المادة 12 من القانون قد نصت على أن طرح البحر، الذي لم يوزع حتى العمل بهذا القانون وتكون الحكومة واضعة اليد عليه، يوزع طبقاً لأحكام هذا القانون ولو كان قد مضى على ظهوره قبل الأكل أكثر من خمس سنوات"، كما أسس على "أن وزير المالية قرر أمام مجلس الشيوخ في خصوص هذه المادة أنها قضت بعمل تسوية عامة، وذلك بتعويض الملاك الذين يوجد بتكاليفهم أكل بحر مثبوت لهم، ولم يعوضوا عنه في الماضي، لعدم انطباق أحكام اللائحة السعيدية، بأن يعوض لهم جميعاً من الطرح الموجود الآن تحت يد الحكومة حتى ولو كان قد ظهر قبل الأكل بأكثر من خمس سنوات، وأنه لا وجه لما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن وزير المالية لا يملك توزيع طرح البحر موضوع الدعوى بسبب أن الأكل الذي تقلى المدعي الحق فيه قد حصل قبل تاريخ العمل بأحكام اللائحة السعيدية"، وعلى أنه "سواء بعد ذلك أكان القرار الإداري الصادر من وزير المالية في 16 من ديسمبر سنة 1951 مطابقاً للقانون أم كان مشوباً بعيب مخالفة القانون، فإنه ما كان يجوز سحبه؛ إذ ما دام قد انتفى فيه عيب عدم الاختصاص فلا يجوز اعتباره منعدماً، فإذا كان مطابقاً للقانون فقد امتنع سحبه في أي وقت، وإذا كان مشوباً بعيب مخالفة القانون فإنه يمتنع على وزير المالية سحبه بعد مضي ستين يوماً من تاريخ إصداره. والقرار الصادر بالسحب لم يصدر إلا في 3 من يناير سنة 1954، فهو إذن قرار مخالفة للقانون". وانتهى إلى أن الحكم المطعون فيه، إذ ذهب غير هذا المذهب، فإنه يكون قد وقع مخالفاً للقانون.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن المدعي يستند في استحقاقه لطرح البحر موضوع النزاع إلى أنه تعويض عن أكل البحر الذي يزعم ملكيته للمرحوم الحاج يوسف ريان، وأن أصل الحق في التعويض عن هذا الطرح يرجع إلى ورثته الذين يزعم المدعي أنهم باعوا إليه أصل الحق المذكور بعقد حكم بصحته، وإلى أن القانون رقم 48 لسنة 1932 الخاص بطرح البحر وأكله أصبح يعوض عن كل أكل سابق، سواء أكانت تسمح بذلك اللائحة السعيدية أم لا، وأن القرار الصادر من وزير المالية بتوزيع الطرح محل النزاع عليه بالتطبيق للقانون المذكور ما كان يجوز سحبه بالقرار المطعون فيه بعد إذ فات على القرار الأول ميعاد الستين يوماً المحددة لطلب الإلغاء، فأصبح بفوات هذا الميعاد حصيناً من أي سحب.
ومن حيث إنه يجب التنبيه بادئ ذي بدء إلى أنه ولئن كانت المادة 10 من القانون رقم 48 لسنة 1932 الخاص بأكل البحر وطرحه - إذ نصت على أنه "يوزع الطرح بقرار من وزير المالية، ويكون ذلك التوزيع نهائياً لا تجوز المعارضة فيه" - قد ناطت بالوزير المذكور سلطة البت في هذا الشأن، فحسمت بذلك ما ثار من قبل من خلاف في شأن الجهة المختصة بتوزيع طرح البحر؛ إذ كانت قد ذهبت بعض الأحكام إلى أن المحاكم هي المختصة بذلك، فأسند القانون المذكور هذه الولاية إلى الجهة الإدارية التي يمثلها وزير المالية - إلا أنه لا ينبغي أن يغرب عن البال أن طرح البحر هو في الأصل ملك من أملاك الدولة، كما تنص على ذلك صراحة المادة 2 من القانون المذكور، وغاية الأمر أن هذا القانون أجاز تعويض أصحاب الأكل من الطرح بالشروط والأحكام المبينة به، فنص في الفقرة الثانية من المادة 10 على أن "القرار يكون سنداً للملكية له قوة العقد الرسمي ويؤشر به في تكليف كل من أرباب الأملاك أصحاب الشأن"، فلزم - والحالة هذه - أن يصدر هذا القرار قائماً على سببه الصحيح وواقعاً على محله القانوني، وإلا تمحض تصرفاً في ملك من أملاك الدولة بدون وجه حق، فينحدر إلى درجة العدم، كما لو وزع الطرح على غير مستحق قانوناً، وجاز للإدارة في أي وقت استرداد الطرح الموزع بذلك القرار المعدوم قانوناً، ما دام لا يحول دون ذلك اكتساب الملكية بوضع اليد المدة القانونية.
ومن حيث إنه يتعين البحث بعد ذلك فيما إذا كان للحاج يوسف ريان أو لورثته من بعده أصل حق ما في تعويض عن أكل بحر، أم أنه ما كان يوجد له مثل هذا الحق ولا لورثته من بعده.
ومن حيث إن المرد في ذلك هو إلى ما انتهى إليه الأمر بالنسبة لهذا الأكل طبقاً للقانون النافذ وقتذاك.
ومن حيث إنه قد بان للمحكمة من الأوراق وبوجه خاص من المكاتبات المتبادلة في هذا الشأن بين مديرية أسيوط ودار المحفوظات العامة أنه وإن كان مكلفاً في المدة ما بين سنتي 1260 و1273 هجرية أطيان باسم الحاج يوسف ريان بناحية منفلوط وما يجاورها، إلا أن تكليفه كان قد انتهى في السنة الأخيرة، ولم يعد له بعد ذلك أي أثر في السجلات أو الملفات لا باسمه ولا باسم ورثته، بل تم إنهاؤه والتصرف فيه على الوجه الآتي: الأصل 725 فداناً وكسوراً: منها 29 فداناً وكسوراً تحول إلى ناحية كوم بوها، فالباقي 696 فداناً وكسوراً، يضاف إليه 207 فداناً وكسوراً ضمت من مذكورين؛ فتكون الجملة 903 فداناً وكسوراً. وهذا التكليف قد انتهى في سنة 1273 هـ على النحو الآتي: منها 139 فداناً وزعت لزراعتها على مذكورين وهم: أحمد كاشف وحسين عبد الرحيم ومحمد كاشف وغطاس على والدردير يوسف ومراد يوسف ومحمد الشويح وبركات قطيمشي وإبراهيم أبو ذراع وعلي زايد أو الليف وسيد حسن الحلبي ومحمد العريان والشيخ أحمد أبو بكر وأحمد مصطفى مخيمر محمد وعطا قطيمشي وعبد الرحمن الدويني. ومنها 675 فداناً وكسور لزراعتها على مذكورين وهم: بركات قطيمشي وعلي يوسف الريان ومراد علي وطليعة علي وعثمان علي وريان علي. ومنها 88 فداناً وكسوراً استنزلت من التكليف "واقع بحر" منها 75 فداناً وكسوراً بناحية الحواتكة و31 فداناً وكسوراً بناحية المعابدة. فأصبح التكليف بذلك كله منتهياً منذ سنة 1273 هـ بالتصرف فيه على هذا النحو السابق، فمحى من السجلات والمكلفات الرسمية بعد ذلك.
ومن حيث إن الأطيان الخراجية كانت جميعها مملوكة للحكومة، وأن الأهالي لم يكن لهم عليها إلا حق المنفعة، وهذه لم تكن تورث، بل كان يوجهها بيت المال لمن يشاء، كما لم تكن ثمت قاعدة تتبع في أكل البحر والتعويض عنه، بل كان ذلك متروكاً لمحض تقدير الحكومة، إن شاءت منحت وإن شاءت منعت، بل كانت الحكومة تطالب بالمال عن المأكول، وإذا عوضت تطالب بمال المأكول والطرح معاً، ثم صدرت اللائحة السعيدية في 24 من ذي الحجة سنة 1274 هـ (5 من أغسطس سنة 1858م)، فخففت من شدة تلك الأحكام، وقد أشارت في مقدمتها إلى ما كان متبعاً قبل صدورها، فذكرت في مادتها الأولى ما يلي "بما أنه من المقرر في أصول الشريعة أن الأراضي الخراجية الميرية لا يجري فيها الميراث، بحيث لو مات شخص من أربابها عن ورثة لا تعطي لأحد من ورثته بطريق الميراث، بل لبيت المال أن يوجهها لمن شاء...". وقد خففت اللائحة من ذلك، فأجازت توريث المنفعة على النحو وبالشروط المبينة بها، فقررت في تلك المادة "لكن متى كان للميت ورثة شرعيون فمراعاة لتعيشهم وعدم انحرامهم من انتفاعهم يكونون أجدر وأولى من الغير، فبناء على هذا يقتضي أن الأطيان التي يتوفى أربابها عنها يصير توجيهها إلى ورثتهم الشرعيين ذكوراً كانوا أو إناثاً بحيث يكون أخذهم لذلك بنسبة تقسيم الميراث الشرعي فيما يتركه المتوفى ولكن بشرط أن يكونوا مقتدرين على زراعتها.."، ثم استحدثت اللائحة جواز رفع المال عن الأطيان التي أكلها البحر، كما استحدثت جواز التعويض عن المأكول من الأرض التي يطرحها البحر وذلك كله بالقيود والشروط التي ذكرتها. وقد ورد بالقاموس العام للإدارة والقضاء نقلاً عن كتاب الأحكام المرعية في الأراضي المصرية ليعقوب أرتين بياناً للوضع قبل اللائحة المذكورة ما يلي "إنه قبل صدور اللائحة السعيدية الصادرة في 24 من ذي الحجة سنة 1274 هجرية (5 من أغسطس سنة 1858 ميلادية) لم يكن ثمت قاعدة تتبع في مسألة الأطيان التي يستأصلها البحر تارة من الواقعة على الضفة اليمنى وطوراً من الواقعة على الضفة اليسرى منه والأطيان التي تتكون من أطمية فتزيد في مساحة أطيان بعض الأهالي، فكان الأهالي المالكون أطياناً على إحدى ضفتي النيل إذا فقدوا شيئاً منها بتعدي البحر لا سبيل لهم إلى مداعاة الحكومة التي كان لها فضلاً عن ذلك أن تفرض على الأطيان المكونة من طمي البحر ضريبة جديدة إن شاءت، على أن الحكومة كانت في بعض الأحيان تعوض على الشخص كل ما فقده أو جزءاً منه بإعطائه قسماً من الأطيان المكونة من النيل، على أن ذلك كان منوطاً بإرادة الحكومة لا قاعدة له تراعي ولا ضابط يتبع، وما كان الجزء الفاقد ليعفي قط من الضريبة، بل كان صاحبه يستمر على دفع الضريبة الواجبة عنه، وكان بعض الأحيان يجرى توزيع ما كان مفروضاً من الضريبة على الجزء الفاقد بين أطيان الناحية كلها، وكان إذا أعطت الحكومة بدلاً من الأطيان المكونة جديداً عن أطيان أذهبها البحر فالضريبة التي تفرض على هذه الأراضي تضاف إلى جملة الضريبة المطلوبة من الناحية. وعلى ذلك كانت أطيان الناحية إذا نقصت مساحتها لا ينقص إجمالي المطلوب منها في مقابلة ضرائب الناقص، بل إن ذلك الإجمالي كان يمكن زيادته بما يفرض من الضريبة على الأطيان المعطاة للأهالي بدلاً عما فقدوه بتعدي البحر".
ومن حيث إن اللائحة السعيدية أجازت رفع المال عن الأطيان التي أكلها البحر، كما أجازت التعويض عن المأكول من الأرض التي يطرحها البحر بالقيود والشروط التي فصلتها، إلا أنها قيدت ذلك بقيدين أساسيين: (الأول) أنها لا تنفذ إلا بالنسبة لما يحدث من أكل بحر بعد صدورها، أما ما سبق إجراؤه في هذا الشأن قبل صدورها فلا يعاد النظر فيه بل يستمر كما كان. (والثاني) أنه لا يجوز اتخاذ قرار في المسائل المتعلقة بأكل البحر وطرحه إلا بناء على عريضة من ذوي الشأن وبعد إجراء المساحة وإتمام التحريات اللازمة. وهذان الشرطان واضحان من نص البندين 16 و23 من اللائحة اللذين أصبحا برقمي 12 و14 بعد تنقيحها في سنة 1875 م، وقد جاء في البند الأول ما يلي: "... وكذلك من الآن فصاعداً إذا كان يحصل أكل بحر بالأطيان الخراجية أو العشرية ولم تتخلف جزيرة في مقابلة ما أكله البحر من الأطيان في البلدة التي حصل بها ذلك فبعد المساحة يصير رفع مال أو عشور ما أتلفه البحر على طرف الديوان بعد صدور الأمر، وأما إذا تخلفت جزيرة متصلة بأطيان الناحية التي أكل البحر منها فينظر لمقدار الذاهب من أكل البحر وتصير توفيته من المتخلف، فإذا كان المتخلف أقل مما أكله البحر فيصير توزيعه بنسبة ما أكله البحر من أطيان كل إنسان، والباقي يرفع ما له على طرف الديون بعد العرض وصدور الأمر عنه، ويعتبر الإجراء في ذلك من الآن فصاعداً، فأما ما سبق إجراؤه في مثل ذلك فاتباعا لما حكم فيه سابقاً فيعتمد..."، وجاء في البند الثاني ما يلي "إنه بحسب جريان النيل وتحويل جريان المياه تارة من الشرق إلى الغرب وأخرى من الغرب إلى الشرق يتخلف أكل بحر في الأطيان من الجهتين وتحدث جزائر مستجدة وكان يصير في خصوص الجزائر المذكورة منازعات وجارية فيها الأحكام بموجب روابط محددة لذلك عن مدة سابقة. فالأحكام التي سبقت في خصوص ذلك قبل هذه اللائحة لا تنقض بل يكون حكمها جارياً على ما كان عليه بدون نقض. وأما من الآن فصاعداً فالجزائر التي تظهر يكون الحكم فيها على ثلاثة وجوه...". وقد جاء نص البندين صريحاً في أن القرارات الصادرة في شأن ذلك كله لا تتخذ إلا بعد عريضة تقدم للسلطات العليا وبعد إجراء المساحة وإتمام التحريات يصدر الأمر بما يتبع.
ومن حيث إنه يخلص من ذلك كله أن من أكل منه البحر أطياناً قبل تلك اللائحة لم يكن له أصل حق قانوناً في المطالبة بتعويض عما أكله البحر، وبوجه خاص إذا كانت الأطيان المأكولة خراجية، وهي التي كانت تعتبر ملكاً للحكومة ولم يكن للأهالي عليها سوى حق المنفعة، وما كانت تورث بل كان يوجهها بيت المال لمن يشاء؛ ومن ثم يسقط الإدعاء بأي حق للحاج يوسف ريان أو لورثته عن أكل البحر والتعويض عنه من الطرح، ما دام مثل هذا الحق لم يكن موجوداً طبقاً للقانون النافذ في سنة 1273 هجرية، أي قبل صدور اللائحة السعيدية التي رتبت لأول مرة أصل حق في هذا الشأن، ولكن نصت في الوقت ذاته صراحة على أن أحكامها في هذا الخصوص لا تسري إلا بالنسبة للأكل الذي يحدث "من الآن فصاعداً"، أي بعد صدورها، وذلك بالقيود والشروط التي بينتها دون أن ترتب مثل هذا الحق بالنسبة للأكل السابق عليها، بل نصت صراحة على أن ينفذ في شأنه ما سبق تقريره من قبل دون نقض، أي أبقت القديم على قدمه كما كان، وقد بان مما سلف إيضاحه أن الحكومة كانت أنهت التكليف في سنة 1273 هـ على النحو السالف بيانه. وهذا كله تفسير سبب محوه من السجلات والمكلفات كافة بعد ذلك، فلم يعد له ذكر فيها، لا باسم الحاج يوسف ريان ولا باسم ورثته من بعده. وفضلاً عما تقدم فقد سلف القول إن اللائحة كانت تشترط للتعويض عن أكل البحر الذي يستجد بعد صدورها أن يطلب صاحب الشأن هذا التعويض بعريضة، وأن تجرى المساحة وتتم التحريات ثم يصدر القرار بالتعويض بعد ذلك إن كان له وجه. ومقتضى هذا أن الأكل والطرح كانا يرصدان في السجلات والمكلفات حتى تكون المرجع لأولي الأمر عند التصرف في هذا الشأن، وهذا أمر نظامي لا بد منه تقتضيه طبائع الأشياء، وهو المستفاد من نصوص اللائحة السعيدية، وقد رددته المادة 3 من القانون رقم 48 لسنة 1932 التي تنص على أن "يحصر وزير المالية كل عام بعد عمل المساحة مقدار طرح البحر وأكله ويعين تاريخ حدوث كل منهما وينشر إعلان في الجريدة الرسمية عن تاريخ البدء في عملية المساحة ويلصق إعلان بذلك في كل قرية بواسطة العمدة قبل بدء العمل بخمسة عشر يوماً على الأقل". وجملة القول أن اللائحة السعيدية لم تقصد أن تفتح الباب على مصراعيه للتعويض عن أكل البحر السابق عليها، بل قصرت ذلك على الأكل اللاحق لها، والذي تحققه الحكومة بالطريقة الرسمية أي بناء على عريضة من صاحب الشأن. وأطرد العمل بعد ذلك على هذا الوجه، فكانت تحصر أراضي الأكل وأراضي الطرح سنوياً وترصد في الاستمارات والسجلات الخاصة بذلك لتكون المرجع عند التصرف في هذا الأمر، فعدم ذكر أكل بحر باسم الحاج يوسف ريان أو ورثته من بعده في تلك السجلات منذ سنة 1273 هـ حتى الآن لا يترك مجالاً لأي شك في أن الحكومة كانت قد تصرفت في هذا التكليف قبل اللائحة السعيدية وأنهته على النحو السابق بيانه ومحته من سجلاتها، وما كان التعويض وقتذاك حقاً، بل مجرد منحة بحسب مشيئة الحكومة إن شاءت منحت وإن شاءت منعت، وقد منعته فعلاً، كما يقطع في ذلك محو التكليف من السجلات منذئذ، وهي فترة تناهز المائة عام، كما أن القانون رقم 48 لسنة 1932 وإن استهدف تخفيف القيود التي اشترطتها اللائحة السعيدية في خصوص التعويض عن الأكل، إلا أنه لما يشأ كذلك أن يفتح الباب على مصراعيه للتعويض عن كل أكل حتى ولو كان سابقاً على تلك اللائحة، بل قصره على الملاك الذين أكل البحر من أطيانهم ولم يعوضوا في الماضي لعدم انطباق شروط اللائحة عليهم، وفي هذا تقول المذكرة الإيضاحية للقانون "وقد روعي في وضعه ملاقاة القيود التي كانت سبباً للشكوى من تنفيذ اللائحة السعيدية وإجراء توزيع الطرح بطريقة أقرب إلى العدالة وتعويض الملاك الذين أكل البحر من أطيانهم ولم يعوضوا في الماضي لعدم انطباق أحكام اللائحة عليهم وذلك من الطرح الموجود الآن تحت يد الحكومة، سواء أكان قد مضى على ظهور الطرح قبل الأكل خمس سنوات أم لم يكن مضى". فلزم لإمكان التعويض بمقتضى هذا القانون أن يكون مالك الأكل ممن كان يجوز تعويضه طبقاً للائحة السعيدية، وأن يكون هذا الأكل مثبوتاً في السجلات الرسمية بحسب الحصر الذي يجرى لهذا الغرض، ولكن فضلاً عن أن أكل البحر المدعى به كان سابقاً على تلك اللائحة كما لم يثبت في تلك السجلات، بل محي محواً كما سبق إيضاحه، فقد بان للمحكمة من الأوراق كذلك أنه جد طرح بجزيرة الحواتكة في المدة من سنة 1892 م إلى سنة 1899 م وفي سنة 1933 وزع على أصحاب الأكل ولم يرد ذكر للحاج يوسف ريان أو ورثته لا عند تحقيق الأكل ولا عند توزيع الطرح، وكل أولئك قاطع في الدلالة على أنه لم يكن للمورث ولا لورثته أي أصل حق في التعويض، فيكون إدعاء المدعي - والحالة هذه - هو إدعاء بمعدوم، ولا حجية لحكم صحة التعاقد الذي استحصل عليه المدعي ضد من يزعم أنهم ورثة الحاج يوسف ريان؛ لأن الحكومة لم تكن طرفاً فيه، فحجته مقصورة على أطرافه، هذا فضلاً عن أنه لم يبحث في قيام أو عدم قيام أصل الحق ذاته؛ ومن ثم يكون قرار وزير المالية الصادر في 16 من ديسمبر سنة 1951 بتخصيص المدعي بالطرح المتنازع عليه فاقداً أساسه القانوني لعدم وجود المستحق له قانوناً، ومتمخضاً تصرفاً في ملك من أملاك الدولة بدون سند قانوني، وتكون يد المدعى عليه بدون سند وفي حكم الغصب، وهذه المخالفة القانونية التي تعتوره من الجسامة بحيث تنحدر بهذا القرار إلى درجة العدم، فيكون القرار الصادر في 3 من يناير سنة 1954 باسترداد ملك الدولة من تحت يد المدعي، وهو القرار المطعون فيه، قد صدر وضعاً للأمور في نصابها الصحيح وجاء مطابقاً للقانون؛ ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في النتيجة التي انتهى إليها في قضائه، فيتعين رفض الطعن.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق