الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 21 يوليو 2023

الطعنان 16 ، 26 لسنة 48 ق جلسة 17/ 1/ 1979 مكتب فني 30 ج 1 أحوال شخصية ق 60 ص 276

جلسة 17 من يناير سنة 1979

برئاسة السيد المستشار محمد أسعد محمود نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: محمد الباجوري، محمد طه سنجر، إبراهيم فراج؛ صبحي رزق داود.

-------------------

(60)
الطعنان رقما 16/ 26 لسنة 48 ق "أحوال شخصية"

(1) أحوال شخصية. نقض.
للطاعن أن يرفع طعناً آخر بالنقض عن ذات الحكم ليستدرك ما فاته في الطعن الأول. شرطه. أن يكون ميعاد الطعن لا زال ممتداً وألا يكون قد سبق الفصل في الطعن الأول.
(2، 3) أحوال شخصية "لغير المسلمين". قانون.
(2) منازعات الأحوال الشخصية بين غير المسلمين. وجوب تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية عند اختلاف طرفي النزاع في الملة أو الطائفة. المقصود بالمنازعة. هي العلاقة التي نشأت عنها وبسببها المنازعة. لا عبرة باختلاف ملة أو طائفة طرفي الخصومة.
(3) عقد الزواج بين زوجين متحدي الطائفة والملة. الدعوى من زوجة أخرى بطلب فسخ هذا العقد. وجوب تطبيق أحكام الشريعة الخاصة بالزوجين في العقد محل الدعوى لا عبرة باختلاف طائفة المدعي عن المدعى عليها.
(4) أحوال شخصية. نقض. "الطعن بالنقض".
التقرير بالطعن في مسائل الأحوال الشخصية. ضم ملف الدعويين الابتدائية والاستئنافية بأمر من نائب رئيس محكمة النقض في يوم التقرير. النعي بعدم إيداع الطاعن لمستنداته عند التقرير بالطعن. لا محل له.
(5) أحوال شخصية "لغير المسلمين". نظام عام.
تعلق القواعد بالنظام العام. مناطه. وجوب انصراف هذه القواعد إلى المواطنين جميعاً دون تبعيض بين مسلمين وغير مسلمين. مبدأ تعدد الزوجات لدى المسيحيين. لا يعد من النظام العام.
(6) أحوال شخصية "لغير المسلمين". بطلان.
حظر تعدد الزوجات. قاعدة أصلية في المسيحية على اختلاف مللها وطوائفها. وجوب اعتبار الزواج الثاني المعقود حال قيام الزوجية الأولى باطلاً ولو رضي به الزوجان. لهما ولكل ذي شأن حق الطعن فيه.
(7، 8) أحوال شخصية "لغير المسلمين".
(7) الأحكام الموضوعية في الشريعة الإسلامية. وجوب تطبيقها كأصل في منازعات الأحوال الشخصية بين الزوجين المسيحيين إذا اختلفا طائفة أو ملة. لا محل لأعمال هذه الأحكام إذا تصادمت بجوهر العقيدة المسيحية طالما لا تخالف قواعد النظام العام. مبدأ حظر تعدد الزوجات من الأصول الأساسية في المسيحية.
(8) حظر الطلاق بالإرادة المنفردة في المسيحية. هو مجرد تنظيم الطلاق دون إلغائه أو منعه. إباحة الطلاق بالإرادة المنفردة عند اختلاف الزوجين طائفة أو ملة تطبيقاً للشريعة الإسلامية. لا محل لقيامها على حظر تعدد الزوجات في المسيحية.

--------------------------
1 - إذا كان الطعن المرفوع أولاً لما يفصل فيه بعد، وكان الطعن الثاني قد أودع التقرير به قبل انقضاء ميعاد الطعن بطريق النقض، وكان المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه ليس في نصوص قانون المرافعات ما يحول دون أن يرفع الطاعن بالنقض طعناً آخر عن ذات الحكم ليستدرك ما فاته من أوجه الطعن طالما كان ميعاد الطعن ممتداً، وكان لم يسبق الفصل في موضوع الطعن الأول. لما كان ذلك. وكان الثابت أن الطاعنة فاتها في الطعن الأول طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وأنها عوضت ما فاتها بالطعن الثاني وأضافت به أسباباً أخرى، وكان الميعاد لا يزال موسعاً فيه، وقررت محكمة النقض ضم الطعنين لارتباطهما، فإنه لا محل للقضاء بعدم قبول الطعن اللاحق استناداً إلى قاعدة "لا يرد نقض على نقض".
2 - مؤدى نص المادة السادسة من القانون 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية والمحاكم الملية، أن المشرع جعل المناط في اتحاد الملة أو اختلافها وما يستتبعه من تطبيق الشريعة الإسلامية باعتبارها الشريعة العامة أو إحدى الشرائع الخاصة، هو بالمنازعة المتعلقة بالأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين المطلوب إصدار حكم من القضاء في شأنها، ووضع لذلك معياراً موضوعياً بحتاً اتخذ فيه من العلاقة التي نشأت عنها أو بسببها المنازعة، ومن أطراف العلاقة بالذات، الأساس الذي يحدد الشريعة الواجبة التطبيق تبعاً لاتحادهما أو اختلافهما طائفة أو ملة باعتبار هذه العلاقة هي محل التداعي وموضوعه، وبذلك فرق الشارع بين المنازعة التي يعنيها النص بالمعنى السالف بيانه، وبين الخصومة التي يجوز أن تتردد بين أشخاص يختلفون في الملة والطائفة عن أطراف العلاقة المتنازع بشأنها دون أن يكون ذلك مسوغاً لتطبيق الشريعة العامة متى كان أطراف العلاقة موضوع المنازعة متحدي الملة والطائفة.
3 - إذ كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المطعون عليه الأول عقد قرانه على المطعون عليها الثانية، وثابت في وثيقة الزواج أنهما ينتميان إلى طائفة الإنجيليين الوطنيين، وكان الواقع في الدعوى المعروضة أن المنازعة القائمة من الطاعنة - زوجة أخرى - إنما انصبت على هذه الوثيقة بالذات، ودارت حول مدى سلامة الزواج المعقود بين طرفين متحدي الملة والطائفة. فإن القانون الواجب التطبيق على هذه المنازعة هي الشريعة الخاصة ودون ما اعتداد بأن الطاعنة هي التي أقامت الدعوى، وأنها تختلف عن طرفي عقد الزواج طائفة، لأن علاقة الطاعنة بالمطعون عليه الأول خارجة عن العلاقة موضوع النزاع في الخصومة الماثلة، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وذهب إلى وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
4 - يتعين على من يطعن بطريق النقض في الأحكام المتعلقة بمسائل الأحوال الشخصية وفقاً للفقرة الثانية من المادة 881 من الكتاب الرابع من قانون المرافعات رقم 77 لسنة 1949 والتي أبقى عليها قانون المرافعات القائم، والمادة 255 من قانون المرافعات معدل بالقانون رقم 13 لسنة 1973 أن يودع قلم كتاب محكمة النقض وقت تقديم التقرير وخلال ميعاد الطعن صورة من الحكم المطعون فيه مطابقة لأصله أو الصورة المعلنة منه إن كانت قد أعلنت، إلا أنه لما كان يبين من الاطلاع على الأوراق أن الطاعنة تقدمت يوم التقرير بالطعن بطلب ضم ملف الدعويين الابتدائية والاستثنائية وأصدر السيد نائب رئيس محكمة النقض أمراً في ذات اليوم وقبل فوات ميعاد الطعن بضم هذين الملفين استعمالاً للرخصة المخولة له بمقتضى المادة 882 من قانون المرافعات، وكان ضم ملف الدعوى بناء على أمر رئيس المحكمة في الدعاوى المتعلقة بالأحوال الشخصية من شأنه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يتيح للخصوم في الطعن تأييد وجهات نظرهم استناداً إلى ما حواه من مستندات أو أوراق دون أن يحاج الطاعن في هذه الحالة بأنه لم يقدم في المواعيد التي حددها القانون المستندات اللازمة، فإن الدفع ببطلان الطعن يكون متعين الرفض.
5 - وإن خلا التقنين المدني والقانون رقم 462 لسنة 1955 من تحديد المقصود بالنظام العام، إلا أن المتفق عليه أنه يشمل القواعد التي ترمي إلى تحقيق المصلحة العامة للبلاد سواء من الناحية السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية والتي تتعلق بالوضع الطبيعي المادي والمعنوي لمجتمع منظم وتعلو فيه على مصالح الأفراد وتقوم فكرته على أساس مذهب علماني بحث يطبق مذهباً عاماً تدين الجامعة بأسرها ولا يجب ربطه البتة بأحد أحكام الشرائع الدينية، وإن كان هذا لا ينفي قيامه أحياناً على سند مما يمت إلى العقيدة الدينية بسبب متى أصبحت هذه العقيدة وثيقة الصلة بالنظام القانوني والاجتماعي المستقر في ضمير الجماعة، بحيث يتأذى الشعور العام عند عدم الاعتداد به، مما مفاده وجوب أن تنصرف هذه القواعد إلى المواطنين جميعاً من مسلمين وغير مسلمين بصرف النظر عن دياناتهم، فلا يمكن تبغيض فكرة النظام العام وجعل بعض قواعده مقصورة على المسيحيين وينفرد المسلمون ببعضها الآخر، إذ لا يتصور أن يكون ميعاد النظام العام شخصياً أو طائفياً وإنما يتسم تقديره بالموضوعية، متفقاً وما تدين به الجماعة في الأغلب الأعم من أفرادها، وبهذه المثابة فلا يمكن اعتبار مبدأ عدم تعدد الزوجات من النظام العام بالمعنى السابق تجليته، أخذاً بما هو مسلم به من قصره على الشريعة المسيحية وحدها.
6 - الإجماع أخذاً بروح الإنجيل وفكرة الجسد الواحد وعفة الزواج المسيحي على أن الوحدة في الزواج تعتبر من المبادئ التي تمسكت بها المسيحية من مستهل بزوغها، ومن خصائص الزواج المسيحي أنه علاقة فردية لا يمكن أن تنشأ إلا بين رجل واحد وامرأة واحدة فلا يجوز للرجل أن يتزوج بأكثر من امرأة واحدة في نفس الوقت، ولا يجوز للمرأة أن تجمع أكثر من زوج وقت واحد، وحظر تعدد الزوجات وتعدد الأزواج على سواء يعد من المبادئ التي سادت المسيحية طوال العشرين قرناً الماضية ولم تكن إطلاقاً موضع خلاف على الرغم من انقسام الكنيسة إلى شرقية وغربية وإلى أرثوذكسية وكاثوليكية وبروتستانتية، حتى أصبحت شريعة الزوجة الواحدة لها سمة وعليها علماً، مما مؤداه أن هذا المبدأ - وإن لم يرق إلى مرتبة النظام العام على ما سبق بيانه - يعتبر من القواعد الأصلية في المسيحية على اختلاف مللها ونحلها وطوائفها ومذاهبها المتعلقة بصميم العقيدة الدينية والواجبة الاحترام والخليقة بالانصياع فيما بين المسيحيين، بحيث إنه في نطاق التعدد المعاصر للزيجات - بخلاف الزيجات المتعاقبة - يعتبر الزواج الثاني المعقود حال قيام الزوجية الأولى باطلاً ولو رضي به الزوجان ويكون لهما ولكل ذلك شأن حق الطعن فيه.
7 - المستقر في قضاء هذه المحكمة أن الشريعة الإسلامية هي شريعة القانون العام وبمعنى أنها تختص أصلاً بحكم علاقات الأسرة بالنسبة للمسلمين وغيرهم وأن الشرائع الأخرى تختص بصفة استثنائية وعند توافر شروط معينة بحكم هذه العلاقات، ومفاد المادتين 6 و7 من القانون رقم 462 لسنة 1955 بشأن إلغاء المحاكم الشرعية والمحاكم الملية والمادة 280 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 بلائحة ترتيب المحاكم الشرعية، أن أحكام الشريعة الإسلامية باعتبارها الشريعة العامة هي الواجبة التطبيق في منازعات الأحوال الشخصية التي تقوم بين الزوجين المسيحيين إذا اختلفا طائفة أو ملة، والمقصود بالخضوع للشريعة الإسلامية أن تكون أحكامها الموضوعية التي يخضع لها المسلم - دون أحكام الشريعة الخاصة - هي الواجبة التطبيق، لأنه من غير المقصود أن يكون تطبيق الشريعة العامة يقصد به تطبيق قواعد الإسناد التي تقضي بترك غير المسلمين وما يدينون في تنظيم أحوالهم الشخصية وتكون الإحالة إلى الشريعة الإسلامية منذ البداية لغواً ينبغي أن ينزه عنه المشرع، إلا أنه لا محل لإعمال هذه القواعد الموضوعية في الشريعة العامة والتي يتمتع بمقتضاها الزوج المسيحي بنفس حقوق الزوج المسلم إذا تصادمت مع أحد المبادئ المتصلة بجوهر العقيدة المسيحية والتي تعد مخالفة المسيحي لها مروقاً من ديانته وانحرافاً عن عقيدته وخرقاً لمسيحيته، طالما لا تنطوي مبادئ الشريعة الخاصة على ما يتجافى وقواعد النظام العام في مصر ومن قبيل هذه المبادئ التي لا تتعارض وقواعد النظام العام وتعتبر من الأصول الأساسية في الديانة المسيحية مبدأ حظر تعدد الزوجات إذ لا يجوز إعمال ما يناقضه من الأحكام الموضوعية في الشريعة العامة، لما كان ما تقدم وكان ما أوردته المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 462 لسنة 1955 من أنه "يكفل احترام ولاية القانون الواجب التطبيق حتى لا يكون هناك إخلال بحق أي فريق من المصريين مسلمين أو غير مسلمين في تطبيق شريعة كل منهم" دليل غير داحض على أن المشرع إنما قصد احترام كافة الشرائع عامة وخاصة وأن الإخلال بالقواعد الأساسية المتعلقة بصميم العقيدة وبجوهر الديانة، لم يدر بخلده وفيه مجاوزة لمراده. يؤيد هذا النظر أن الشارع استبقى الفقرة الأخيرة من المادة 99 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية التي تستلزم الدينونة بالطلاق لسماع الدعوى به من أحد الزوجين غير المسلمين على الآخر، عانياً بذلك طائفة الكاثوليك التي تدين بعدم قابلية العلاقة الزوجية للانحلال، احتراماً لمبدأ أصيل متعلق بجوهر العقيدة الكاثوليكية بطوائفها المختلفة أخذاً بتخصيص القضاء ودفعاً للحرج والمشقة. يظاهر هذا القول أن إباحة تعدد الزوجات في الشريعة الإسلامية مقيد بعدم مجاوزة الزواج من أربع ومشروط بالعدل بين الزوجات والقدرة على الإنفاق، ولئن لم يكن هذان الشرطان من شروط الصحة فينعقد الزواج صحيحاً رغم تخلفهما، إلا أن الشخص يكون آثماً يحاسبه الله سبحانه على الجور وعلى عدم القيام بتكاليف الزواج، فإن الخطاب في هذا الشأن - كما هو ظاهر - موجه إلى المسلمين دون غيرهم، ويغلب فيه الجزاء الديني بحيث يستعصى القول بانسحاب هذه القاعدة الدينية البحتة على من لا يدين أصلاً بالعقيدة التي تستند إليها إباحة التعدد، ويكون إجازة تعدد الزيجات المتعاصرة للمسيحي حتى عند اختلاف الملة أو الطائفة بغير سند. وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وجعل عمدته في قضائه أعمال الأحكام الموضوعية للشريعة العامة في غير حالات انطباقها وأباح تعدد الزوجات للمسيحي رغم تنافره مع أصل أساسي من أصول عقيدته فإنه يكون مخالفاً للقانون.
8 - للزوج المسيحي أسوة بالزوج المسلم الحق في إيقاع الطلاق بإرادته المنفردة، إذا كانت الشريعة الإسلامية تحكم العلاقة بين الزوجين تبعاً لعدم توافر شروط انطباق الشرائع الطائفية رغم أن قواعد الشرائع المطبقة حالياً لا تعرف الطلاق بمشيئة الزوجين أو أحدهما، اعتباراً بأنه لا يجوز أن يترك للإرادة حل عقدة الزواج ولما فيه من تحكيم أهواء النفس البشرية فيما لا يجوز فيه سيطرة الهوى النفسي والضعف الإنساني، لأن الثابت أن الشريعتين اللتين كانتا سائدتين عند ظهور الديانة المسيحية - وهما الشريعة اليهودية والقانون الروماني - كانت تبيحان تراضي الزوجين على إنهاء العلاقة الزوجية وتقران حق الزوج في الطلاق بمحض إرادته، وظلت مبادئ هاتين الشريعتين في هذه المسألة هي السارية مع انتشار المسيحية يساندها استعمال الكتاب المقدس للفظ الطلاق لا التطليق في إنجيل متى وتحدثه عن حل وثاق الزوجية حال الزنا، ولم تتم الغلبة لحظر الطلاق بالإرادة المنفردة إلا بعد تسعة قرون في مجمع القسطنطينية المنعقد سنة 920 ميلادية حين بدأت الكنيسة نزول إجراءات اختصاصاً قضائياً بتصريح ضمني من الأباطرة رغم عدم وجود قانون يقضي بذلك، فهو أقرب إلى تنظيم الطلاق وتقييده منه إلى المائة ومنعه - وإذ كانت مختلف الشرائع المسيحية الطائفية - فيما عدا شريعة واحدة لها وضع خاص - تبيح التطليق على تفاوت في أسبابه بين توسعه وتضييق، وكانت مسألة تطبيق الشريعة العامة لا تثور إلا عند اختلاف الزوجين طائفة أو ملة فإن اللجوء إلى الأحكام الموضوعية للشريعة الإسلامية بإباحة التطليق بالإرادة المنفردة يبدو لازماً تبعاً لعدم إتاحة مجال للخيرة بين الأحكام الموضوعية لأي من الشرائع الطائفية، وهي ذات العلة التي كانت تواجه القضاء الملي قبل إلغائه، فكان يرفض الفصل في النزاع بين مختلفي الملة لعدم وجود قاعدة موحدة لغير المسلمين. هذا بالإضافة إلى أنه طالما ترفع الدعوى بطلب إثبات الطلاق الواقع بالإرادة المنفردة ويعرض النزاع على القضاء ليقول قالته في الشريعة التي تحكمه، فإن ثبت له توافر شرائط انطباق الشريعة الطائفية لم يقع الطلاق صحيحاً، وإن استبان تخلف الشروط وخضوع المنازعة لأحكام الشريعة الإسلامية أقر وقوع الطلاق، فإن هناك توافقاً في النتيجة رغم تغاير الوسيلة، ومن ثم فلا يمكن قياس هذه المسألة على حالة تعدد الزوجات.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الوقائع تتحصل - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أن الطاعنة في الطعنين رقمي 16، 26 لسنة 48 قضائية أقامت الدعوى رقم 680 لسنة 1976 "أحوال شخصية نفس" أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية ضد المطعون عليهما في كل من الطعنين، طالبة الحكم بفسخ عقد الزواج المعقود بتاريخ 13 من ديسمبر سنة 1974 بين المطعون عليه الأول والمطعون عليها الثانية. وقالت بياناً لها أنها تزوجت المطعون عليه الأول في 24 من سبتمبر سنة 1967 طبقاً لشريعة الأقباط الأرثوذكس، وأقام المطعون عليه الأول ضدها الدعوى رقم 182 لسنة 1971 أحوال شخصية أمام محكمة المنصورة الابتدائية بطلب إثبات طلاقه لها الحاصل في 8 من سبتمبر 1971، على سند من انضمامه إلى طائفة الإنجيليين الوطنيين واختلافهما طائفة، وحكم في 10 من يناير 1973 برفض مدعاه تأسيساً على إبطال انضمامه، وتأيد الحكم استئنافياً وأضحى نهائياً في الاستئناف رقم 1 لسنة 1973 ق المنصورة بتاريخ 3 من مايو 1973. ثم أقام المطعون عليه الأول الدعوى رقم 175 لسنة 1973 أحوال شخصية نفس أمام محكمة الجيزة الابتدائية طالباً إثبات طلاقه لها الحاصل في 8 من مايو 1973 استناداً إلى اختلافهما ملة وطائفة بانتمائه للإنجيليين الوطنيين، واستصدر قبلها حكماً غيابياً في 25 من نوفمبر 1973 بإثبات الطلاق، عارضت فيه وحكم بتاريخ 20 من إبريل 1975 بعدم اختصاص محكمة الجيزة الابتدائية محلياً وبإلغاء الحكم المعارض فيه وبإحالة الدعوى إلى محكمة المنصورة الابتدائية، حيث قيدت برقم 230 لسنة 1975 أحوال شخصية نفس، وبتاريخ 5 من يناير 1977 حكمت المحكمة بعدم سماع الدعوى، على أساس سبق انضمام الطاعنة لطائفة الكاثوليك قبل رفع دعوى الطلاق، فأستأنفه المطعون عليه الأول بالاستئناف رقم 3 لسنة 1977 ق المنصورة، وحكم في 7 من مارس 1977 باعتبار الاستئناف كأن لم يكن. وإذ تزوج المطعون عليه الأول بالمطعون عليها الثانية بتاريخ 14 من فبراير 1974 وفق طقوس الإنجيليين الوطنيين رغم أن زواجها منه لا يزال قائماً، وكانت الديانة المسيحية لا تعرف تعدد الزوجات ولا تبيحه، وكان ثمة ضرر مادي وأدبي حاق بها وابنتها ثمرة زواجها بالمطعون عليه الأول من جراء قرانه اللاحق بالمطعون عليها الثانية، فقد أقامت دعواها بطلباتها سالفة البيان. وبتاريخ 28 من مايو 1977 حكمت محكمة شمال القاهرة الابتدائية بفسخ عقد زواج المطعون عليه الأول من المطعون عليها الثانية الحاصل في 14 من فبراير 1974 لبطلانه.
استأنفت المطعون عليها الثانية هذا الحكم بالاستئناف رقم 99 لسنة 94 ق القاهرة طالبة إلغاءه والحكم أصلياً برفض الدعوى واحتياطياً بعدم قبولها لانعدام المصلحة، كما استأنفه المطعون عليه الأول بالاستئناف المقيد برقم 104 لسنة 94 ق القاهرة طالباً إلغاءه والقضاء أصلياً بعدم قبول الدعوى لانعدام المصلحة واحتياطياً برفضها وبصحة عقد زواجه بالمطعون عليها الثانية، وبعد ضم الاستئنافين حكمت محكمة الاستئناف في 20 من مارس 1978 بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى. طعنت الطاعنة على هذا الحكم بطريق النقض بالطعنين رقمي 16 و26 لسنة 48 قضائية. دفع المطعون عليه الأول ببطلان الطعن الثاني، وقدمت النيابة العامة مذكرة في كل من الطعنين أبدت فيها الرأي بنقض الحكم في الطعن الأول وبرفض الطعن الأخير. عرض الطعنان على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأت أنهما جديرين بالنظر، وبالجلسة المحددة قررت المحكمة ضم الطعن الثاني إلى الطعن الأول للارتباط، والتزمت النيابة العامة رأيها السابق.
وحيث إنه بصدد ما عمدت إليه الطاعنة من رفع طعنين بالنقض عن حكم واحد، فإنه لما كان الطعن المرفوع أولاً لما يفصل فيه بعد، وكان الطعن الثاني قد أودع التقرير به قبل انقضاء ميعاد الطعن بطريق النقض، وكان المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه ليس في نصوص قانون المرافعات ما يحول دون أن يرفع الطاعن بالنقض طعناً آخر عن ذات الحكم ليستدرك ما فاته من أوجه الطعن طالما كان ميعاد الطعن ممتداً، وكان لم يسبق الفصل في موضوع الطعن الأول. لما كان ذلك وكان الثابت أن الطاعنة فاتها في الطعن الأول طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وأنها عوضت ما فاتها بالطعن الثاني، وأضافت به أسباباً أخرى، وكان الميعاد لا يزال موسعاً فيه، وقررت محكمة النقض ضم الطعنين لارتباطهما، فإنه لا محل للقضاء بعدم قبول الطعن اللاحق استناداً إلى قاعدة "لا يرد نقض على نقض".
أولاً: عن الطعن رقم 16 لسنة 48 القضائية:
من حيث إن هذا الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك تقول أن الحكم بنى قضاءه برفض الدعوى على سند من القول بأن الطاعنة من جانب والمطعون عليها من جانب آخر يختلفان ملة، فيتعين من ثم تطبيق الشريعة الإسلامية عملاً بالمادة السادسة من القانون رقم 462 لسنة 1955 التي تبيح تعدد الزوجات، ورتب على ذلك أن زواج المطعون عليه الأول من المطعون عليها الثانية يكون صحيحاً. في حين أن المادة المشار إليها جعلت العبرة في تحديد القانون الواجب التطبيق بالمنازعة ذاتها، وإذ تم عقد الزواج المدعي إبطاله بين زوجين متحدي الملة باعتبارهما من الإنجيليين، فإن هذه الشريعة الخاصة هي الواجبة التطبيق، وهي كسائر الشرائع المسيحية لا تبيح تعدد الزوجات، وهو ما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن النعي في محله، ذلك أن النص في المادة السادسة من القانون رقم 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية الملية على أنه "تصدر الأحكام في المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية والوقف والتي كانت أصلاً من اختصاص المحاكم الشرعية طبقاً لما هو مقرر في المادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم المذكورة. أما بالنسبة للمنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين والمتحدي الطائفة والملة الذين لهم جهات قضائية ملية منتظمة وقت صدور هذا القانون فتصدر الأحكام - في نطاق النظام العام - طبقاً لشريعتهم "يدل على أن المشرع جعل المناط في اتحاد الملة أو اختلافها وما يستتبعه من تطبيق الشريعة الإسلامية باعتبارها الشريعة العامة أو إحدى الشرائع الخاصة، هو بالمنازعة المتعلقة بالأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين المطلوب إصدار حكم من القضاء في شأنها. ووضع لذلك معياراً موضوعياً بحتاً اتخذ فيه من العلاقة التي نشأت عنها أو بسببها المنازعة، ومن أطراف هذه العلاقة بالذات، الأساس الذي يحدد الشريعة الواجبة التطبيق تبعاً لاتحادهما أو اختلافهما طائفة أو ملة، باعتبار هذه العلاقة هي محل التداعي وموضوعه، وبذلك فرق الشارع بين المنازعة التي يعنيها النص بالمعنى السالف بيانه، وبين الخصومة التي يجوز أن تتردد بين أشخاص يختلفون في الملة والطائفة عن أطراف العلاقة المتنازع بشأنها، دون أن يكون ذلك مسوغاً لتطبيق الشريعة العامة، متى كان أطراف العلاقة موضوع المنازعة متحدي الملة والطائفة. لما كان ذلك، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المطعون عليه الأول عقد قرانه على المطعون عليها الثانية في 14 من فبراير سنة 1974، وثابت في وثيقة الزواج أنهما ينتميان إلى طائفة الإنجيليين الوطنيين، وكان الواقع في الدعوى المعروضة أن المنازعة المقامة من الطاعنة إنما انصبت على هذه الوثيقة بالذات، ودارت حول مدى سلامة الزواج المعقود بين الطرفين متحدي الملة والطائفة، فإن القانون الواجب التطبيق على هذه المنازعة هو الشريعة الخاصة، دون ما اعتداد بأن الطاعنة هي التي أقامت الدعوى، وأنها تختلف عن طرفي عقد الزواج طائفة، لأن علاقة الطاعنة بالمطعون عليه الأول خارجة عن العلاقة موضوع النزاع في الخصومة الماثلة. وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وذهب إلى وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية على هذه المنازعة فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يستوجب نقضه.
ثانياً: عن الطعن رقم 26 لسنة 48 قضائية:
وحيث إن مبنى الدفع ببطلان الطعن المبدى في المطعون عليه الأول أن الطاعنة لم تودع عند التقرير بالطعن بالنقض صورة رسمية من الحكم المطعون فيه، وهو ما يتعين معه القضاء ببطلان الطعن عملاً بالمادة 255 من قانون المرافعات.
وحيث إن الدفع مردود، ذلك أنه وإن كان يتعين على من يطعن بطريق النقض في الأحكام المتعلقة بمسائل الأحوال الشخصية وفقاً للفقرة الثانية من المادة 881 من الكتاب الرابع من قانون المرافعات قم 77 لسنة 1949 - والتي أبقى عليها قانون المرافعات القائم - والمادة 255 من قانون المرافعات معدلة بالقانون رقم 13 لسنة 1973 أن يودع قلم كتاب محكمة النقض وقت تقديم التقرير وخلال ميعاد الطعن صورة من الحكم المطعون فيه مطابقة لأصله أو الصورة المعلنة منه إن كانت قد أعلنت، إلا أنه لما كان يبين من الاطلاع على الأوراق أن الطاعنة تقدمت يوم التقرير بالطعن بطلب ضم ملفي الدعويين الابتدائية والاستئنافية، وأصدر السيد نائب رئيس محكمة النقض أمراً في ذات اليوم وقبل فوات الميعاد الطعن بضم هذين الملفين استعمالاً للرخصة المخولة له بمقتضى المادة 882 من قانون المرافعات. وكان ضم ملف الدعوى بناء على أمر رئيس المحكمة في الدعاوى المتعلقة بالأحوال الشخصية من شأنه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن تتيح للخصوم في الطعن تأييد وجهات نظرهم استناداً إلى ما حواه من مستندات أو أوراق دون أن يحاج الطاعن في هذه الحالة بأنه لم يتقدم في المواعيد التي حددها القانون المستندات اللازمة. لما كان ذلك فإن الدفع ببطلان الطعن يكون متعين الرفض.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، وفي بيان ذلك تقول أن الحكم أباح للمطعون عليه الأول الزواج من المطعون عليها الثانية على سند من تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية التي تبيح تعدد الزوجات، في حين أن المطعون عليه الأول يدين بالمسيحية، ويعتنق المذهب الإنجيلي، ولا تزال الطاعنة على ذمته بمقتضى حكمين نهائيين صدرا برفض دعوى الطلاق الأولى، وبعدم سماع الدعوى الثانية، فلا يصح زواجه من المطعون عليها الثانية لأن حظر تعدد الزوجات مبدأ مسلم به عند جميع الطوائف المسيحية، ويعد متعلقاً بالنظام العام لقيامه على ركن أساسي من أركان الدين المسيحي، بحيث لو أهدر لترتب عليه تقويض هذه الشريعة في كيانها وانهدام أحد الأسس التي تقوم عليها، ولا يمكن القول بأن المشرع راعى أحكام النظام العام في الشريعة الإسلامية وحدها، لأن الطبيعي حرصه على مراعاة هذه الأحكام عند الذميين وغير الذميين. هذا إلى أن المقصود بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية عملاً بالمادة السادسة من القانون رقم 462 لسنة 1955 هو أنها قاعدة إحالة أو إسناد إلى ما تضمنته الشريعة العامة من أحكام في شأن الذميين من تركهم وما يدينون، أي طبقاً لأحكام الشريعة المسيحية، وليس وفق القواعد الموضوعية في الشريعة الإسلامية، وهو القول المفتي به عند الحنفية، مما يعيب الحكم بمخالفة القانون.
وحيث إنه وإن خلال التقنين المدني والقانون رقم 462 لسنة 1955 من تحديد المقصود بالنظام العام، إلا أن المتفق عليه أنه يشمل القواعد التي ترمي إلى تحقيق المصلحة العامة للبلاد، سواء من الناحية السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، والتي تتعلق بالوضع الطبيعي المادي والمعنوي لمجتمع منظم، وتعلو فيه على مصالح الأفراد، وتقوم فكرته على أساس مذهب علماني بحت ينطبق مذهبا عاماً تدين به الجماعة بأسرها، ولا يجب ربطه البتة بأحد أحكام الشرائع الدينية، وإن كان هذا لا ينفي قيامه أحياناً على سند مما يمت إلى العقيدة الدينية بسبب، متى أصبحت هذه العقيدة وثيقة الصلة بالنظام القانوني والاجتماعي المستقر في ضمير الجماعة بحيث يتأذى الشعور العام عند عدم الاعتداد به، مما مفاده وجوب أن تنصرف هذه القواعد إلى المواطنين جميعاً من مسلمين وغير مسلمين بصرف النظر عن دياناتهم، فلا يمكن تبعيض فكرة النظام العام وجعل بعض قواعده مقصورة على المسيحيين وينفرد المسلمون ببعضها الآخر، إذ لا يتصور أن يكون معيار النظام العام شخصياً أو طائفياً، وإنما يتسم تقديره بالموضوعية متفقاً وما تدين به الجماعة في الأغلب الأعم من أفرادها، وبهذه المثابة فلا يمكن اعتبار مبدأ عدم تعدد الزوجات من النظام العام بالمعنى السابق تجليته، أخذاً بما هو مسلم به من قصره على الشريعة المسيحية وحدها. ولما كان الإجماع أخذاً بروج الإنجيل وفكرة الجسد الواحد وعفة الزواج المسيحي على أن الوحدة في الزواج تعتبر من المبادئ التي تمسكت بها المسيحية من مستهل بزوغها، وكان من خصائص الزواج المسيحي أنه علاقة فردية، لا يمكن أن تنشأ إلا بين رجل واحد وامرأة واحدة، فلا يجوز للرجل أن يتزوج بأكثر من امرأة واحدة في نفس الوقت، ولا يجوز للمرأة أن تجمع أكثر من زوج في وقت واحد، وكان حظر تعدد الزوجات وتعدد الأزواج على سواء، يعد من المبادئ التي سادت المسيحية طوال العشرين قرناً الماضية. ولم تكن إطلاقاً موضع خلاف على الرغم من انقسام الكنيسة إلى شرقية وغربية وإلى أرثوذكسية وكاثوليكية وبروتستانية حتى أصبحت شريعة الزوجة الواحدة لها سمة وعليها علماً مما مؤداه أن هذا المبدأ - وإن لم يرقى إلى مرتبة النظام العام على ما سبق بيانه - يعتبر من القواعد الأصلية في المسيحية على اختلاف مللها وتحلها وطوائفها ومذاهبها المتعلقة بصميم العقيدة الدينية والواجبة الاحترام والخليقة بالانصياع فيما بين، المسيحيين بحيث إنه في نطاق التعدد المعاصر للزيجات - بخلاف الزيجات المتعاقبة - يعتبر الزواج الثاني المعقود حال قيام الزوجية الأولى باطلاً ولو رضي به الزوجان، ويكون لهما ولكل ذي شأن حق الطعن فيه. لما كان ذلك فإنه وإن كان المستقر في قضاء هذه المحكمة أن الشريعة الإسلامية هي شريعة القانون العام، بمعنى أنها تختص أصلاً بحكم علاقات الأسرة بالنسبة للمسلمين وغيرهم، وأن الشرائع الأخرى تختص بصفة استثنائية وعند توافر شروط معينة بحكم هذه العلاقات، ولئن كان مفاد المادتين 6، 7 من القانون رقم 462 لسنة 1955 بشأن إلغاء المحاكم الشرعية والمحاكم الملية، والمادة 280 من الرسوم بقانون قم 78 لسنة 1931 بلائحة ترتيب المحاكم الشرعية، أن أحكام الشريعة الإسلامية باعتبارها الشريعة العامة هي الواجبة التطبيق في منازعات الأحوال الشخصية التي تقوم بين الزوجين المسيحيين إذا اختلفا طائفة أو ملة، ولئن كان المقصود بالخضوع للشريعة الإسلامية أن تكون أحكامها الموضوعية التي يخضع لها المسلم - دون أحكام الشريعة الخاصة - هي الواجبة التطبيق، لأنه من غير المتصور أن يكون تطبيق الشريعة العامة يقصد به تطبيق قواعد الإسناد التي تقضي بترك غير المسلمين وما يدينون في تنظيم أحوالهم الشخصية، وتكون الإحالة إلى الشريعة الإسلامية منذ البداية لغواً ينبغي أن ينزه عنه المشرع، إلا أنه لا محل لإعمال هذه القواعد الموضوعية في الشريعة العامة - والتي يتمتع بمقتضاها الزوج المسيحي بنفس حقوق الزوج المسلم - إذا تصادمت مع أحد المبادئ المتصلة بجوهر العقيدة المسيحية، والتي تعد مخالفة المسيحي لها مروقاً من ديانته وانحرافاً عن عقيدته وخرقاً لمسيحيته، طالما لا تنطوي مبادئ الشريعة الخاصة على ما يتجافى وقواعد النظام العام في مصر ومن قبيل هذه المبادئ التي لا تتعارض وقواعد النظام العام وتعتبر من الأصول الأساسية في الديانة المسيحية مبدأ حظر تعدد الزوجات، إذ لا يجوز إعمال ما يناقضه من الأحكام الموضوعية في الشريعة العامة. لا يقدح في ذلك أن للزوج المسيحي أسوة بالزوج المسلم الحق في إيقاع الطلاق بإرادته المنفردة، إذ كانت الشريعة الإسلامية تحكم العلاقة بينهما تبعاً لعدم توافر شروط انطباق الشرائع الطائفية، ورغم أن قواعد الشرائع الطائفية المطبقة حالياً لا تعرف الطلاق بمشيئة الزوجين أو أحدهما، اعتبار بأنه لا يجوز أن يترك للإرادة حل عقدة الزواج لما فيه من تحكيم أهواء النفس البشرية فيما لا يجوز فيه سيطرة الهوى النفسي والضعف الإنساني، لأن الثابت أن الشريعتين اللتين كانتا سائدتين عند ظهور الديانة المسيحية - وهما الشريعة اليهودية والقانون الروماني - كانتا تبيحان تراضي الزوجين على إنهاء العلاقة الزوجية، وتقران حق الزوج في الطلاق بمحض إرادته، وظلت مبادئ هاتين الشريعتين في هذه المسألة هي السارية مع انتشار المسيحية يساندها استعمال الكتاب المقدس للفظ الطلاق لا التطليق في إنجيل متى، وتحدثه عن حل وثاق الزوجية حال الزنا، ولم تتم الغلبة لحظر الطلاق بالإرادة المنفردة إلا بعد تسعة قرون في مجمع القسطنطينية المنعقد سنة 1920 الميلادية، حين بدأت الكنيسة تزاول اختصاصاً قضائياً بتصريح ضمني من الأباطرة رغم عدم جود قانون يقضي بذلك، فهو أقرب إلى تنظيم الطلاق وتقييده والحد منه إلى إلغائه ومنعه. وإذا كانت مختلف الشرائع المسيحية الطائفية - فيما عدا شريعة واحدة لها وضع خاص على ما سيتلو - تبيح التطليق على تفاوت في أسبابه بين توسعه وتضييق، وكانت مسألة تطبيق الشريعة العامة لا تثور إلا عند اختلاف الزوجين طائفة أو ملة، فإن اللجوء إلى الأحكام الموضوعية للشريعة الإسلامية بإباحة التطليق بالإرادة المنفردة يبدو لازماً تبعاً لعدم إتاحة مجال للخيرة بين الأحكام الموضوعية لأي من الشرائع الطائفية، وهي ذات العلة التي كانت تواجه القضاء الملي قبل إلغائه، فكان يرفض الفصل في النزاع بين مختلفي الملة لعدم وجود قاعدة موحدة لغير المسلمين. هذا بالإضافة إلى أنه طالما ترفع الدعوى بطلب إثبات الطلاق الواقع بالإرادة المنفردة، ويعوض النزاع على القضاء ليقول قالته في الشريعة التي تحكمه، فإن ثبت له توفر شرائط انطباق الشريعة الطائفية لم يقع الطلاق صحيحاً، وإن استبان تخلف الشروط وخضوع المنازعة لأحكام الشريعة الإسلامية أقر وقوع الطلاق، فإن هناك توافقاً في النتيجة رغم تغاير الوسيلة، ومن ثم فلا يمكن قياس هذه المسألة على حالة تعدد الزوجات. لما كان ما تقدم وكان ما أوردته المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 462 لسنة 1955 من أنه "يكفل احترام ولاية القانون الواجب التطبيق حتى لا يكون هناك إخلال بحق أي فريق من المصريين مسلمين أو غير مسلمين في تطبيق شريعة كل منهم" دليل غير داحض على أن المشرع إنما قصد احترام كافة الشرائع عامة وخاصة، وأن الإخلال بالقواعد الأساسية المتعلقة بصميم العقيدة وبجوهر الديانة، لم يدر بخلده وفيه مجاوزة لمراده. يؤيد هذا النظر أن الشارع استبقى الفقرة الأخيرة من المادة 99 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية التي تستلزم الدينونة بالطلاق لسماع الدعوى به من أحد الزوجين غير المسلمين على الآخر، عانياً بذلك طائفة الكاثوليك التي تدين بعدم قابلية العلاقة الزوجية للانحلال، احتراماً لمبدأ أصيل متعلق بجوهر العقيدة الكاثوليكية بطوائفها المختلفة، أخذاً بتخصيص القضاء ودفعاً للحرج والمشقة، يظاهر هذا القول أن إباحة تعدد الزوجات في الشريعة الإسلامية مقيد بعدم مجاوزة الزواج من أربع، ومشروط بالعدل بين الزوجات والقدرة على الإنفاق، ولئن لم يكن هذان الشرطان من شروط الصحة، فينعقد الزواج صحيحاً رغم تخلفهما، إلا أن الشخص يكون آثماً يحاسبه الله سبحانه على الجور وعلى عدم القيام بتكاليف الزواج. فإن الخطاب في هذا الشأن - كما هو ظاهر - موجه إلى المسلمين دون غيرهم، ويغلب فيه الجزاء الديني، بحيث يستعصى القول بانسحاب هذه القاعدة الدينية البحتة على من لا يدين أصلاً بالعقيدة التي تستند إليها إباحة التعدد ويكون إجازة تعدد الزيجات المتعاصرة للمسيحي حتى عند اختلاف الملة أو الطائفة بغير سند. وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، وجعل عمدته في قضائه إعمال الأحكام الموضوعية للشريعة العامة في غير حالات انطباقها، وأباح تعدد الزوجات للمسيحي رغم تنافره مع أصل أساسي من أصول عقيدته، فإنه يكون مخالفاً للقانون بما يستوجب نقضه. ولما كان الحكم المطعون عليه في الطعن رقم 23 لسنة 47 قضائية الخاص بدعوى الطلاق الثانية قد صار نقضه، فإنه يتعين أن يكون مع نقض الحكم المعروض الإحالة.
وحيث إنه يتعين الإشارة إلى أنه وإن حرص القضاء المصري بمختلف مراتبه - إعلاء لحقوق الإنسان، وتقديساً لحرية الفكر والضمير والتدين - على الاعتداد بتغيير الديانة أو الملة أو الطائفة دون بحث في أسبابه ودوافعه وبواعثه، إلا أنه لا معدى من التسليم بأن التطبيق العملي للقانون رقم 462 لسنة 1955 قرابة ربع قرن أسفر عن أن هذا التغيير يتم غالباً بنية الغش والتحايل، وأن ما يسمح به من تمكين أي من الزوجين غير المسلمين بمجرد تغيير المذهب أو الديانة من تعديل الاختصاص التشريعي والنيل من حقوق الطرف الآخر قد استغل استغلالاً غير قويم. وهو ما يحفز هذه المحكمة إلى أن تهيب بالمشرع - سداً لكل ذريعة وحيلولة للتحايل - أن ينص على بقاء الزوجية وما ينشأ عنها من آثار خاضعة للشريعة التي عقد الزواج وفقاً لأحكامها، ولو غير أحد الزوجين مذهبه أو ديانته أثناء قيام الزوجية، ما لم يكن التغيير إلى الإسلام باعتباره الشريعة العامة التي تقضي المادة الثانية من الدستور القائم بأنها مصدر رئيسي للتشريع، على أن تسن القوانين اللازمة منعاً للتلاعب بالأديان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق