الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 8 يوليو 2023

الطعن 1303 لسنة 8 ق جلسة 31 / 12 / 1966 إدارية عليا مكتب فني 12 ج 1 ق 48 ص 494

جلسة 31 من ديسمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى ومحمد طاهر عبد الحميد ويوسف إبراهيم الشناوي وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.

------------------

(48)

القضية رقم 1303 لسنة 8 القضائية

(أ) عقد إداري. "محله". بطلان. نظام عام. 

يشترط في محل العقد أن يكون قابلاً للتعامل فيه - عدم قابلية الشيء محلاً للالتزام إذا كان التعامل فيه محظوراً قانوناً أو غير مشروع لمخالفته للنظام العام - مخالفة ذلك يترتب عليها بطلان العقد فلا ينعقد قانوناً ولا ينتج أثراً - لكل ذي مصلحة التمسك بالبطلان وللمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها.
(ب) - عقد إداري "تعويض". مسئولية "خطأ مشترك".
إذا كان الضرر الذي لحق بالمتعاقد مع الإدارة أساسه خطأ مشترك وقع من الإدارة والمتعاقد - فللقاضي أن يقدر نصيب كل من المسئولين عن الخطأ في التعويض.

----------------
1 - يشترط في محل العقد - أياً كان العقد - أن يكون قابلاً للتعامل فيه ويكون الشيء غير قابل للتعامل فيه فلا يصلح محلاً للالتزام إذا كان التعامل فيه محظوراً قانوناً أو غير مشروع لمخالفته للنظام العام. وينبني على ذلك أن العقد يقع باطلاً فلاً ينعقد قانوناً ولا ينتج أثراً ويجور لكل ذي مصلحة أن يتمسك ببطلانه وللمحكمة أن تقضي بالبطلان من تلقاء نفسها ولا تصح إجازة العقد وإذا تقرر هذا البطلان فيعاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد.
2 - إنه متى تقرر بطلان العقد بطلاناً مطلقاً على الوجه المتقدم فإن المؤسسة يصيبها كأثر حتمي لتقرير البطلان ضرر يتمثل في قيمة الأدوات التي قامت بتصنيعها والتي تبين أنها غير قابلة للتعامل وليس من سبيل إلى استردادها لمخالفتها لأحكام مرسوم الأوعية.
ومتى كان الضرر الذي أصاب المؤسسة جاء نتيجة خطأ كل من الإدارة والمؤسسة معاً فالفرض أن المؤسسة عليمة بأحكام مرسوم الأوعية علمها بالقانون الذي لا يعذر أحد بالجهل به، وكان من المتعين عليها والحالة هذه أن تتثبت من مطابقة ما تصنعه لأحكامه، ويتمثل خطأ الإدارة في كونها طرحت المناقصة على أساس عينة نموذجية مخالفة لأحكام مرسوم الأوعية مع ما يتوافر لديها من الإمكانيات الفنية التي تكفل لها الوقوف على حقيقة المواد الداخلية في تركيبها. وإذ كان الخطأ خطأ مشتركاً وكان للقاضي أن يقدر نصيب كل من المسئولين عن الخطأ في التعويض وفقاً لأحكام المادتين 169، 216 من القانون المدني فإن المحكمة تقدر التعويض المستحق للمؤسسة في ذمة الإدارة - بمراعاة مدى جسامة الخطأ الذي ارتكبه كل منهما.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - على ما يبين من أوراق الطعن - في أن مؤسسة الصناعات التجارية المصرية التي يمثلها السيد/ فرج موسى شماس أقامت الدعوى رقم 1228 لسنة 12 القضائية ضد السيدين وزير الحربية ومدير سلاح الأسلحة والمهمات بصحيفة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 22 من سبتمبر سنة 1958 - وقالت في بيان دعواها إن سلاح الأسلحة والمهمات بوزارة الحربية طرح في مناقصة عامة عملية توريد أطقم من الشوك والسكاكين والملاعق ورسا عطاء هذه العملية على المؤسسة وتم التعاقد بينها وبين السلاح بموجب العقد رقم ق/ 4 ب في 23 من أكتوبر 1954 على توريد ثمانين ألف طقم طبقاً لعينة السلاح من حيث الشكل والخامة والتشغيل. فقامت المؤسسة بتنفيذ تعاقدها بتوريد الأطقم على دفعات فوردت الدفعة الأولى وكانت 5040 طقماً حازت القبول ثم وردت الدفعة الثانية وكانت 25125 طقماً حازت القبول أيضاً ثم قامت بإنتاج باقي الكمية وقامت فعلاً بتوريد 48576 طقماً كدفعة ثالثة وأخيرة، فقامت لجنة الفحص بالسلاح بفحص هذه الكمية الأخيرة وقررت في 13 من سبتمبر سنة 1955 سلامة التوريد وقبوله لمطابقته لعينة وشروط التعاقد، وقد اعتمد مدير السلاح هذا القرار في 15 من سبتمبر سنة 1955 وأرسل السلاح للمؤسسة إخطاراً في 19 من سبتمبر سنة 1955 بقبول التوريد وبضرورة إيفاد مندوب للقيام بعملية التسليم في بحر خمسة أيام من تاريخ الإخطار فتوجه مندوب المؤسسة إلى السلاح للقيام بعملية التسليم تنفيذاً للخطاب السابق الإشارة إليه لكنه فوجئ برفض الاستلام بمقولة إن بالبضاعة عيوباً فشكت المؤسسة عدة مرات متمسكة بقرار لجنة الفحص الذي يعتبر نهائياً بالتطبيق للمادة 43 من لائحة المناقصات والمزايدات ولكن السلاح لم يلتفت إلى هذه الشكاوى وانتهت المؤسسة إلى طلب الحكم بإلزام وزارة الحربية والسلاح بأن يدفعا على وجه التضامن ثمن الدفعة المذكورة ومقداره 5149 جنيهاً و56 مليماً عدا الفوائد القانونية من تاريخ الاستلام حتى تمام السداد.
عقبت وزارة الحربية على الدعوى بأن مدة التوريد كانت قد انتهت في 20 من يونيه سنة 1955 قبل أن تورد المؤسسة الأصناف المتعاقد عليها فقام السلاح بإخطارها بهذا التقصير وإنذارها فقامت بعد انتهاء التوريد بتوريد 5040 طقماً في 6 من يوليه سنة 1955 فقررت لجنة الفحص قبولها في 12 من يوليه سنة 1955 ثم قامت بتوريد 10008 طقم في 16 من يوليه 1955 فقررت اللجنة في 19 من يوليه سنة 1955 رفضها لرداءة التشغيل وسلمت هذه الدفعة المرفوضة إلى المؤسسة. ثم قامت بتوريد 16188 طقماً في 26 من يوليه سنة 1955 وقررت اللجنة في نفس التاريخ رفضها لمخالفتها للعينة لرداءة التشغيل وتسلمت المؤسسة هذه الدفعة المرفوضة أيضاً ثم قامت بتوريد 22500 طقم في 7 من أغسطس سنة 1955 فقررت اللجنة في 10 من أغسطس سنة 1955 رفضها لوجود بعض عيوب صناعية وعدم العناية بالتشطيب النهائي وتسلمت المؤسسة هذه الدفعة المرفوضة. ثم قامت بتوريد 25120 طقماً في 10 من أغسطس سنة 1955 قررت اللجنة في 23 من أغسطس سنة 1955 قبولها فتكون الكمية المرفوضة والتي أخطرت المؤسسة برفضها وسلمت إليها قد بلغت 48696 طقماً وتكون الكمية التي قبلتها الوزارة قد بلغت 20160 طقماً. وتقدمت المؤسسة بعد ذلك بعدة شكاوى تلتمس فيها النظر في قبول الأصناف المرفوضة ومنها الشكوى المؤرخة 16 من مايو سنة 1956 التي طلبت فيها قبول الأصناف بتخفيض سعرها من 106 مليمات للطقم إلى 99 مليماً ولم تر الجهات المختصة مانعاً من التوريد بتخفيض قدره 3% عن سعر آخر توريد. لكن الوزارة رأت قبل البت نهائياً في ذلك استطلاع رأي مصلحة الصحة الوقائية فيما إذا كان النقص في المواصفات الذي أوضحه المعمل الكيماوي يترتب عليه ضرر مع تحديد نسبة هذا الضرر فأجابت مصلحة الصحة الوقائية بأن التحليل الكيماوي أثبت أن نسبة الشوائب تبلغ حوالي عشرة أضعاف النسبة الجائز وجودها وأن نسبة النحاس تزيد 38 ضعفاً على النسبة المقررة وأنه قد يترتب على استعمال الأصناف تعريض المستهلك لأضرار صحية وعلى الأخص التسمم بالنحاس فأخطرت الوزارة المؤسسة برفض طلبها. ولما توالت شكاوى المؤسسة بعد ذلك كتبت الوزارة إلى إدارة الفتوى والتشريع تستطلع رأيها فأجابت بوجوب رفض الرسالة لمخالفتها للمواصفات المنصوص عليها في المرسوم الصادر في 3 من إبريل سنة 1946، وانتهت الوزارة إلى القول بأنها كانت محقة في قرارها برفض التوريد.
عقبت المؤسسة على دفاع الوزارة ناعية عليها أنها قصدت إلى الإيهام بأن الخلاف يتعلق ببضاعة رفضت بالطريق القانوني وأنها أغفلت الإشارة إلى الدفعة الأخيرة التي قدرها 48576 طقماً التي تم توريدها في 12 من سبتمبر سنة 1955 وحرر عنها المحضر رقم 306 وهذه الدفعة هي التي من أجلها رفعت الدعوى والواقع أن أصل هذا المحضر قد سلخ من ملف السلاح إلا أنه يوجد بالملف صورة هذا المحضر وتاريخها 12 من سبتمبر سنة 1955 وهو تاريخ لاحق لجميع تواريخ المحاضر الواردة بإجابة الوزارة. ومضت المؤسسة تقول إن هذه الكمية قد تسلمها السلاح في 12 من سبتمبر سنة 1955 وقرر بعد الفحص قبولها في 13 من سبتمبر سنة 1955 لمطابقتها لعينة وشروط التعاقد وصودق على هذا القرار من مدير السلاح وأرسل السلاح خطاباً إلى المؤسسة المدعية يفيد بقبول التوريد ويطلب منها إيفاد مندوب لتسليم البضاعة من الواردات إلى مخازن السلاح وعندما طلب المندوب تنفيذ ما جاء بالخطاب بدأ السلاح يحاول التنصل من قرار قبول البضاعة ولجأ إلى إجراءات لم تتخذ بحسن نية منها تحليل البضاعة وتجربة صلابتها واستشارة وزارة الصحة وانتهت المؤسسة إلى القول بأن القانون يحمي حقها طبقاً للبند 53 من المادة 43 من لائحة المناقصات والمزايدات الذي ينص على أنه لا رجوع في قرار لجنة الفحص بالقبول أو بالرفض بعد تصديق رئيس المصلحة هذا فضلاً عن أن المؤسسة قامت بالتوريد طبقاً لعينة السلاح النموذجية وأنها بذلك تكون قد أوفت بالتزاماتها طبقاً لعقد الاتفاق، وقد قررت معامل التحليل أن خامة البضاعة تماثل خامة العينة النموذجية المتعاقد على أساسها وإنها ما كان لها أن تفعل غير ما فعلت وإلا عرضت نفسها لمخالفة العقد.
أجابت الوزارة على تعقيب المؤسسة بأنها خالفت المواصفات الواردة بالمرسوم الصادر في 3 من إبريل سنة 1946 وأنه إذا صح أن التوريد قد تم حسب اتفاق معين فإنه إذا كان الأمر مقبولاً في القطاع الخاص فهو ليس بمقبول في القطاع العام لأن المصلحة العامة تحتم عدم قبول هذه الأصناف لاستعمالها في الجيش ما دامت ستعرض أفراده للتسميم وإذا كانت المؤسسة قد خالفت مرسوم 1946 ولم تراع الشروط الواردة فيه فعليها وحدها تقع تبعة رفض الأصناف الموردة.
علقت المؤسسة على إجابة الوزارة بأنه لا مجال في المطالبة بالحقوق بالتفرقة بين القطاع العام والقطاع الخاص وأنه لا يقبل أن يقال بأن الاتفاق المخالف للقانون يكون جائزاً بالنسبة للأفراد ولا يكون جائزاً بالنسبة للقطاع العام. وأنه لا يقبل أن يقال بأنه إذا أخطأ القطاع العام وهو المزود بالإمكانيات الهائلة فإن الغير هو الذي يتحمل المسئولية.
وبجلسة 22 من إبريل سنة 1962 قضت محكمة القضاء الإداري بإلزام الوزارة المدعى عليها بأن تدفع للمدعية 5149 جنيهاً، 56 مليماً والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 22 من سبتمبر سنة 1958 حتى تمام الوفاء والمصروفات المناسبة ورفض ما عدا ذلك من الطلبات. وأقامت قضاءها على أن المستفاد من البند 49 من المادة 137 من لائحة المخازن والمشتريات التي كانت سارية وقت إبرام العقد موضوع النزاع ومن المادتين 219، 221 من اللائحة المذكورة أن المشرع قد عهد إلى لجنة الفحص بمهمة فحص الأصناف الموردة والتأكد من سلامتها ومطابقتها للمواصفات والعينات المعتمدة وجعل قرارها في هذا الشأن بالقبول أو الرفض نهائياً بمجرد اعتماده من رئيس المصلحة. وأن الثابت هو أن لجنة الفحص قررت في 13 من سبتمبر سنة 1955 أن التوريد مقبول ومطابق للعينة وأن مدير السلاح اعتمد هذا القرار في 15 من سبتمبر سنة 1955 فأصبح القرار بذلك نهائياً لا يجوز العدول عنه هذا فضلاً عن أن التحليل الكيماوي أثبت مطابقة الأطقم الموردة للعينة المتعاقد عليها ولا تثريب على المؤسسة بعد ذلك إذا ثبت أن عينة السلاح النموذجية ذاتها غير مطابقة لمواصفات الألومنيوم المعد للأواني والأدوات المنزلية على نحو ما قررته المعامل الكيماوية فهذا أمر يتحمل السلاح وحده تبعته لأنه هو الذي اختار مواصفات العينة النموذجية وطلب التوريد وفقاً لها. وأنه لا مقنع في النعي على الأدوات الموردة بأنها مخالفة لأحكام المرسوم الصادر في 3 من إبريل سنة 1946 لأن هذا المرسوم لم يتضمن تحديد مواصفات خاصة بالأواني المصنوعة من الألومنيوم وليس في أحكام المرسوم المذكور ما يحدد حداً أقصى لنسبة النحاس في تركيب الأوعية التي يجوز دخوله في صناعتها.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون إذ استبعد المرسوم الصادر في 3 من إبريل سنة 1946 والتي تنص المادة السادسة منه على أنه لا يجوز أن يدخل في الأصناف المبينة بها مادة النحاس السامة. وقد أثبت التحليل الكيمائي وجود مادة النحاس بنسبة 7.6 في الأصناف الموردة وهي نسبة عالية جداً إذ أن النسبة المسموح بها هي 0.2%. كذلك فإن الحكم خالف الثابت في الأوراق لأن الفحص الذي قامت به لجنة الفصح كان فصحاً ظاهرياً وقد أوصى في نفس المحضر بإعادة الفحص مرة ثانية عند التسليم. ولا يمكن أن يقال أن الفحص الظاهري يعفي المورد من كل التزام حتى من الأشياء الخفية التي لا تظهر إلا بالتحليل الكيمائي. وإذا كان المورد واقعاً فعلاً تحت طائلة العقوبات الواردة في المرسوم الصادر في 3 من إبريل 1946 لمخالفته للمواصفات الواردة في المرسوم الصادر في 3 من إبريل سنة 1946 لمخالفته للمواصفات ولا يمكن بحال أن تقصد الوزارة مخالفة القانون إذا كانت العينة هي الأخرى مخالفة لمواصفات المرسوم المذكور، فهي قد اشترطت فقط أن يكون التوريد حسب العينة من حيث الخامة أي الألومنيوم ومن حيث الصلابة أي بقوة محدودة ومن حيث التشغيل أي بحجم ومقاسات معينة أما غير ذلك من شروط أخرى فهي متروكة للقانون العام وهو المرسوم المشار إليه.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قدمت تقريراً بالرأي القانوني ضمنته أن تطبيق مرسوم الأوعية يؤدي إلى القول بأن الأدوات محل التعاقد تصبح غير قابلة للتعامل ويكون العقد باطلاً لمخالفته للنظام العام لأن من المسلم به أنه لا يجوز مخالفة القوانين الجنائية باتفاقات خاصة. وأنه يترتب على بطلان العقد أن يرد كل من المتعاقدين ما تسلمه من الآخر دون تعويض إلا إذا ثبت في جانب المسئول خطأ ترتب عليه أضرار في جانب الطرف الآخر ففي هذه الحالة يجوز الحكم بالتعويض. ولما كان من المتعين على المطعون ضده أن يعلم بالمواصفات التي يشترطها مرسوم الأوعية في المواد موضوع التعاقد إذ لا يعذر أحد بجهله بالقانون كما أن الإدارة قد ارتكبت خطأ موجباً لمسئوليتها إذ طرحت المناقصة على أساس عينة نموذجية كانت من بادئ الأمر مخالفة لمواصفات الألمونيوم في حين أنها مزودة بالإمكانيات التي تمكنها من معرفة المواصفات الصحية التي ينبغي التعاقد عليها. وبذلك فإن كلاً من الطرفين يعتبر مسئولاً بقدر ما أحدث من ضرر وكان خطأ كل منهما سبباً لوقوع الضرر فإن المسئولية تكون بالتساوي بينهما بذلك تسأل الإدارة في مواجهة المطعون ضدها عن نصف الأضرار التي أصابتها.
ومن حيث إنه ولئن كان الثابت من الاطلاع على المحضر رقم 306 الخاص بالكمية المتنازع عليها أن لجنة الفحص قررت في 13 من سبتمبر سنة 1955 قبول توريد هذه الكمية لمطابقتها للعينة وشروط التعاقد وأن رئيس المصلحة (مدير الأسلحة والمهمات) قد اعتمد هذا القرار في 15 من سبتمبر سنة 1955 وأن الثابت أيضاً من الاطلاع على ملف العقد (مهمات ق/ 54/ 4) أن العينات التي أخذت للتحليل من الأدوات الموردة مطابقة للعينة النموذجية للسلاح والتي تم التعاقد على أساسها. إلا أن الثابت من الاطلاع على ملف العقد المشار إليه أن العينات أخذت للتحليل من الأدوات الموردة وكذلك العينة النموذجية للسلاح غير مطابقة لمواصفات الألومنيوم النفي المعد للأدوات المنزلية وأن اللجنة الاستشارية المستديمة بوزارة الصحة قررت بعد الاطلاع على نتائج التحليل ما يأتي: 1 - إن نسبة الشوائب تبلغ حوالي عشرة أضعاف النسبة التي يجب وجودها. 2 - إن نسبة النحاس تزيد 38 ضعفاً على النسبة المقررة إذ أنها ترتفع من 02% إلى 7.6%. 3 - إنه نظراً إلى أن نسبة الشوائب التي وجدت بكميات أكثر من الحد المقرر فإنه يجوز أن يترتب على استعمال الصنف تعريض المستهلك للأضرار الصحية وعلى رأسها التسمم بالنحاس.
ومن حيث إن المادة السادسة من القانون رقم 48 لسنة 1941 الخاص بقمع التدليس والغش نصت على أنه "يجوز بمرسوم حظر استعمال أوان أو أوعية أو أشياء مختلفة أو تنظيم استعمالها في تحضير ما يكون معداً للبيع من العقاقير الطبية والمواد الغذائية وغيرها، أو في صنعها أو وزنها أو تعبئتها.. أو طرحها للبيع أو بيعها.." ويعاقب على مخالفة أحكام المراسيم والقرارات المذكورة بالعقوبات المنصوص عليها في المادة السابقة (وهي الحبس مدة لا تجاوز سنة والغرامة التي لا تقل عن خمسة جنيهات ولا تجاوز مائة أو بإحدى هاتين العقوبتين).
وتنفيذاً لهذا النص صدر في 3 من إبريل سنة 1946 مرسوم بشأن الأوعية التي تستعمل في المواد الغذائية ونص في مادته الأولى على أنه فيما يتعلق بتطبيق هذا المرسوم يقصد بالأوعية جميع الأواني والأجهزة والمواسير وغيرها من الأدوات التي تستعمل في طهي أو تحضير أو حفظ أو نقل تناول المواد الغذائية والمياه". ونصت المادة الثالثة على أنه يجب ألا يزيد مقدار الرصاص على 10% وأكسيد الزرنيخ عن 0.01% في تركيب:
(1)...........
(2)...........
(3) الأدوات التي من شأن استعمالها ملامسة الفم.
ونصت المادة السادسة على أنه "يجب أن تكون جميع الأواني والمواد التي تستعمل في طلائها خالية من المعادن السامة وأملاحها كالأنتمون واليوارنيوم والنحاس ومشتقات البانوجين وذلك فيما عدا ما نص عليه صراحة في هذا المرسوم".
ومن حيث إنه يبين من العرض لهذه النصوص أن الشوك والسكاكين والملاعق تدخل بحسب التعريف الوارد في المادة الأولى من مرسوم الأوعية في مدلول الأوعية المنصوص عليها في المادة السادسة من هذا المرسوم باعتبارها من الأدوات التي تستعمل في تناول المواد الغذائية ومن ثم فقد لزم بحسب حكم المادة السادسة أن تكون خالية من النحاس. ولما كانت الشوك والسكاكين والملاعق مثار النزاع تحتوي على نسبة من النحاس تبلغ 7.6% فإنها تكون مخالفة لحكم المادة السادسة المشار إليها. ولا حجة في الاستناد إلى المادة الثالثة من المرسوم للقول بأنها الواجبة التطبيق دون غيرها بمقولة إن هذه المادة هي التي نصت علي الأدوات التي من شأن استعمالها ملامسة الفم وأن هذه المادة لم تحظر دخول النحاس في تركيب الأدوات المذكورة وأوجبت فقط ألا يزيد مقدار الرصاص على 10% وأكسيد الزرنيخ على 01.% لا حجة في ذلك لأن نص المادة السادسة قد ورد عاماً شاملاً لجميع الأوعية بحسب تعريفها الوارد في المادة الأولى من المرسوم ومن بينها الأدوات التي تستعمل في تناول المواد الغذائية وهي تشمل من غير شك الشوك والسكاكين والملاعق على ما سلف البيان. أما عبارة "فيما عدا ما نص عليه صراحة في هذا المرسوم" الواردة في المادة السادسة فهي إنما تعني وجوب خلو الأوعية (بحسب التعريف الوارد في المادة الأولى من المعادن السامة عدا القدر من هذه المعادن التي تسمح المواد الأخرى من المرسوم صراحة بدخوله في تركيب بعض هذه الأوعية مثلما أجازته الفقرة الأخيرة من المادة التاسعة من استعمال النحاس في الهاون والميزان وما أجازته المادة الثالثة أيضاً من دخول الرصاص وأكسيد الزرنيخ بنسبة معينة في الأدوات التي تستعمل في تناول المواد الغذائية. ومن ثم فإن التطبيق السليم للمادتين الثالثة والسادسة من مرسوم الأوعية فيما يتعلق بالأدوات التي من شأن استعمالها ملامسة الفم هو وجوب خلوها من المعادن السامة وأملاحها ومنها النحاس عدا الرصاص بنسبة لا تجاوز 10% وأكسيد الزرنيخ بنسبة لا تزيد على 0.02%.
ومن حيث إن المادة الثانية من مرسوم الأوعية الصادر في 3 من إبريل سنة 1946 والذي يسري على واقعة الدعوى - قد أوجبت أن تكون الأوعية المشار إليها في المادة الأولى ومنها الأدوات التي تستعمل في تناول المواد الغذائية مستوفية للاشتراطات المقررة بهذا المرسوم ومن هذه الاشتراطات خلوها من النحاس وغيره من المواد السامة. وفرضت المادة السادسة من القانون رقم 45 لسنة 1941 العقوبة على صنع هذه الأدوات بالمخالفة لأحكام المرسوم أو تداولها.
ومن حيث إن الثابت من التحليل أن من شأن استعمال الأدوات محل العقد تعريض سلامة المستهلكين لخطر التسمم وهو أمر في ذاته مخالف للنظام العام فإن للنفس حرمة لا يجوز انتهاكها، وفضلاً عن ذلك فإن دخول النحاس في تركيب هذه الأدوات بالنسبة التي كشف عنها التحليل مخالف للنظام العام من جهة أخرى لمخالفته لأحكام أحد القوانين الجنائية والقوانين الجنائية تعتبر من النظام العام.
ومن حيث إنه يشترط في محل العقد - أياً كان العقد - أن يكون قابلاً للتعامل فيه ويكون الشيء غير قابل التعامل فيه فلا يصح محلاً للالتزام إذا كان التعامل فيه محظوراً قانوناً أو غير مشروع لمخالفته للنظام العام. وينبني على ذلك أن العقد يقطع باطلاً فلا ينعقد قانوناً ولا ينتج أثراً ويجوز لكل ذي مصلحة أن يتمسك ببطلانه وللمحكمة أن تقضي بالبطلان من تلقاء نفسها ولا تصح إجازة العقد وإذا تقرر هذا البطلان فيعاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد.
ومن حيث إنه متى كان ذلك وكانت الأدوات مثار النزاع غير قابلة للتعامل فيها بحكم القانون ولمخالفتها للنظام العام فإن عقد التوريد يكون باطلاً بطلاناً مطلقاً ولا ينتج أثراً، ولا يجدي المؤسسة الموردة التحدي بأن الأدوات التي وردتها مطابقة للعينة النموذجية بعد إذ تبين أن محل العقد غير قابل للتعامل لعدم مشروعيته على ما مر. كذلك فإنه لا وجه للمجادلة في صلاحية الأدوات محل النزاع للاستعمال بمقولة إنه لم ينتج عن نظائرها أي تسمم في الماضي بعد أن ورد النص في مرسوم الأوعية على حظر استعمال النحاس في تركيب هذه الأدوات صريحاً خالياً من أي قيد. ولا محل لما طلبته المؤسسة في مذكرتها الختامية من الاستعانة بذوي الخبرة إزاء صراحة النصوص وعدم الشك في نتيجة التحليل.
ومن حيث إنه متى تقرر بطلان العقد بطلاناً مطلقاً على الوجه المتقدم فإن المؤسسة يصيبها كأثر حتمي لتقرير البطلان ضرر يتمثل في قيمة الأدوات التي قامت بتصنيعها والتي تبين أنها غير قابلة للتعامل وليس من سبيل إلى استردادها لمخالفتها لأحكام مرسوم الأوعية.
ومن حيث إن الضرر الذي أصاب المؤسسة جاء نتيجة خطأ كل من الإدارة والمؤسسة معاً، فالفرض أن المؤسسة عليمة بأحكام مرسوم الأوعية علمها بالقانون الذي لا يعذر أحد بالجهل به، وكان من المتعين عليها والحالة هذه أن تتثبت من مطابقة ما تصنعه لأحكامه، ويتمثل خطأ الإدارة في كونها طرحت المناقصة على أساس عينة نموذجية مخالفة لأحكام مرسوم الأوعية مع ما يتوافر لديها من الإمكانيات الفنية التي تكفل لها الوقوف على حقيقة المواد الداخلة في تركيبها. وإذ كان الخطأ خطأ مشتركاً وكان للقاضي أن يقدر نصيب كل من المسئولين عن الخطأ في التعويض وفقاً لحكم المادتين 169، 216 من القانون المدني فإن المحكمة تقدر التعويض المستحق للمؤسسة في ذمة الإدارة - بمراعاة مدى جسامة الخطأ الذي ارتكبه كل منهما - بمبلغ ألف وخمسمائة جنيه مصري.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بتعديل الحكم المطعون فيه وذلك بإلزام الحكومة بأن تدفع للمؤسسة المدعية تعويضاً قدره ألف وخمسمائة جنيه وألزمت الحكومة بالمصروفات المناسبة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق