الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 19 نوفمبر 2021

جريمة الامتناع العمدى عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي لا علاقة لها بتوزيع الأنصبة لحسم الشريعة لها

الدعوى رقم 31 لسنة 42 ق "دستورية" جلسة 6 / 11 / 2021

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس مــــن نوفمبر سنة 2021م، الموافق الأول من ربيع الآخر سنة 1443 هـ.
أصدرت الحكم الآتي
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار ورجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد نواب رئيس المحكمة .

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 31 لسنة 42 قضائية "دستورية" بعد أن أحالت محكمة الجنح المستأنفة - الدائرة الثانية - بمحكمة شبرا الخيمة الابتدائية، بحكمها الصادر بجلسة 30/ 1/ 2020، في الاستئناف رقم 16372 لسنة 2019 جنح مستأنف جنوب بنها.

المقام من
النيابة العامة، والمدعين بالحقوق المدنية
ضـــد
حسنى محمود منطاوى حسانين زايد

--------------
" الإجـراءات "
بتاريخ الحادي والعشرين من أغسطس سنة 2020، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الاستئناف رقــــم 16372 لسنة 2019 جنح مستأنف جنوب بنها، بعد أن قضت محكمة الجنح المستأنفة "الدائرة الثانية" بمحكمة شبرا الخيمة الابتدائية، بحكمها الصادر بجلسة 30/ 1/ 2020، بوقف الاستئناف وإحالته إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل في دستورية نص المادة (49) من القانون رقم 77 لسنة 1943 بشأن المواريث المضافة بالقانون رقم 219 لسنة 2017، فيما لم يتضمنه من لزوم وجود قسمة رضائية أو قضائية نهائية لغير مثليات التركة لقيام الجريمة محله في صورتها الأولى، وهى الامتناع عمدًا عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من الميراث. وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم، أصليًا: بعدم اختصاص بنظر الدعوى، واحتياطيًا: بعدم قبول الدعوى. ومن باب الاحتياط الكلى: برفض الدعوى. وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها. ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

---------------
" المحكمــــة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من حكم الإحالة وســـائر الأوراق - في أن كلاً من حسنين وسيد ومنطاوى محمود منطاوى حسانين، كانوا قد أقاموا بطريق الادعاء المباشر، الجنحة رقم 21602 لسنة 2019، أمام محكمة جنح مركز القناطر الخيرية، ضد حسنى محمود منطاوى حسانين زايد، وحددوا طلباتهم فيها بتوقيع أقصى عقوبة على المتهم طبقًا لنص المادة (49) من القانون رقم 77 لسنة 1943 بشأن المواريث المضافة بالقانون رقم 219 لسنة 2017، وإلزامه بأن يؤدى لهم مبلغ (10001) جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت عن الأضرار المادية والأدبية التي أصابتهم، وذلك على سند من أنهم جميعًــا من ورثة المرحوم / محمود منطاوى حسانين زايد، الذى خلف تركة عبارة عن قطعة أرض زراعية مساحتها (9) قراريط، كائنة بحوض بتوريا بزمام مركز القناطر الخيرية محافظة القليوبية، وأن المتهم يحوزها ويضع اليد عليها، ويقوم بزراعتها والانتفاع بها واستغلالها منفردًا، وقد امتنع دون مبرر قانوني، عن تسليم كل منهم نصيبه الشرعي من الميراث في تلك الأرض، رغم إنذاره بذلك بتاريخ 30/ 4/ 2019، مما أصابهم بأضرار مادية وأدبية من جراء الحيلولة بينهم وبين استغلالها والانتفاع بثمارها. وبجلسة 21/ 9/ 2019، قضت المحكمة ببراءة المتهم من الاتهام المنسوب إليه، ورفض الدعوى المدنية، تأسيســـًا على تشكك المحكمة في صحة إسناد التهمة إلى المتهم، وخلو الأوراق من دليل يقينى على ارتكابه الجريمة. وإذ لم يرتض المدعون بالحق المدنى والنيابة العامة هذا القضاء، فقد قاموا بالطعن عليه بالاستئناف رقم 16372 لسنة 2019 جنح مستأنف جنوب بنها، وبجلسة 30/ 1/ 2020، قضت المحكمة بوقف الاستئناف، وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص المادة (49) من القانون رقم 77 لسنة 1943 المشار إليه المضافة بالقانون رقم 219 لسنة 2017، فيما لــــم يتضمنه من لــــزوم وجــــود قسمـة رضائية أو قضائية نهائية لغير مثليات التركة، لقيام الجريمة محله في صورتها الأولى، وهى الامتناع عمدًا عن تسليم أحد الورثة نصيبــه الشرعي من الميراث، وذلك لمخالفته نصوص المواد (2، 54، 95، 96) من الدستور.
وحيث إن المادة (49) من القانون رقم 77 لسنة 1943 بشأن المواريث المضافة بالقانون رقم 219 لسنة 2017 تنص على أنه " مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها أى قانون آخر، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من امتنع عمدًا عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من الميراث، أو حجب سندًا يؤكد نصيبًا لوارث، أو امتنع عن تسليم ذلك السند حال طلبه من أي من الورثة الشرعيين. وتكون العقوبة في حالة العود الحبس الذى لا تقل مدته عن سنة. ويجوز الصلح في الجرائم المنصوص عليها في هذه المادة في أي حالة تكون عليها الدعوى ولو بعد صيرورة الحكم باتًا. ولكل من المجنى عليه أو وكيله الخاص، ولورثته أو وكيلهم الخاص، وكذلك للمتهم أو المحكوم عليه أو وكيلهما الخاص، إثبات الصلح في هذه الجرائم أمام النيابة أو المحكمة بحسب الأحوال."
وحيث إنه عن الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، المبدى من هيئة قضايا الدولة، على سند من أن ما يطرحه حكم الإحالة على النحو المتقدم ذكره، إنما ينصرف إلى طلب إضافة حكم جديد إلى نص المادة (49) المحالة، ومن ثم ينحل إلى طلب إلزام السلطة التشريعية بتعديل أحكام هذا النص على الوجه الذي عرض إليه حكم الإحالة، وذلك مردود بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن الرقابة القضائية التي تباشرها المحكمة تثبيتًا للشرعية الدستورية، مناطها تلك النصوص القانونية التي أقرتها السلطة التشريعية، أو التي أصدرتها السلطة التنفيذية في حدود صلاحياتها التي بينها الدستور، وبالتالي يخرج عن نطاقها إلزام هاتين السلطتين بإقرار قانون أو إصدار قرار بقانون في موضوع معين، إذ إن ذلك مما تستقل بتقديره تلك السلطتان وفقًا لأحكام الدستور، ولا يجوز بالتالي حملها على التدخل لإصدار تشريع في زمن معين أو على نحو ما. وكان الدستور قد كفل لكل حق أو حرية نص عليها، الحماية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية، وتتمثل هذه الحماية في الضمانة التي يكفلها الدستور لحقوق المواطنين وحرياتهم، التي يعتبر إنفاذها شرطًا للانتفاع بها في الدائرة التي تصورها الدستور نطاقًا فاعلاً لها، وهذه الضمانة ذاتها هي التي يفترض أن يستهدفها المشرع، وأن يعمل على تحقيقها من خلال النصوص القانونية التي ينظم بها هذه الحقوق وتلك الحريات، باعتبارها وسائله لكفالتها، وشرط ذلك بطبيعة الحال أن يكون تنظيمها كافلاً تنفسها في مجالاتها الحيوية، وأن يحيط بكل أجزائها التي لها شأن في ضمان قيمتها العملية، فإذا نظمها المشـــرع تنظيمًا قاصرًا، بأن أغفل أو أهمل جانبًا مــــن النصوص القانونية التي لا يكتمل هذا التنظيم إلا بها، كان ذلك إخلالاً بضمانتها التي هيأها الدستور لها، وفى ذلك مخالفة للدستور.
وحيث إن المصلحة شرط لقبول الدعوى الدستورية، ومناطها أن يقوم ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسائل الدستورية لازمًا للفصل في النزاع الموضوعي. وكان من المقرر أن الرقابة على الدستورية التي تباشرها هذه المحكمة، لا تعتبر إجراءً احتياطيًا، بل ملاذًا نهائيًا، وعليها بالتالي ألا تفصل فيما يثيره الطعن على النصوص القانونية من المسائل الدستورية، كلما كان بوسعها أن تتجنبها من خلال إسناد المخالفة المدعى بها إلى أساس آخر يستقيم عقلاً معها ويصححها.
فالرقابة القضائية في شأن الشرعية الدستورية، لا تستقيم موطئًا لإبطال نصوص قانونية يحتمل مضمونها تأويلاً يجنبها الوقوع في حمأة المخالفة الدستورية، ذلك أن هذه المحكمة إنما تباشر رقابتها لضرورة تقتضيها، وهى تكون كذلك كلما كانت النصوص المطعون عليها عصية على كل تفسير يوائم بين مضمونها وأحكام الدستور.
وحيث إن من المقرر كذلك في قضاء هذه المحكمة، أن الخطأ في تأويل النصوص القانونية لا يوقعها في حمأة المخالفة الدستورية إذا كانت صحيحة في ذاتها، وأن الفصل في دستورية النصوص القانونيـة المدعى مخالفتهــا للدستور، لا يتصل بكيفية تطبيقها عملاً، ولا بالصورة التي فهمها القائمون على تنفيذها، وإنما مرد اتفاقها مع الدستور أو خروجها عليه إلى الضوابط التي فرضها الدستور على الأعمال التشريعية.
متى كان ما تقدم، وكان النطاق الذى يطرحه حكم الإحالة إنما ينصب على ما لم تتضمنه الفقرة الأولى من المادة (49) من القانون رقم 77 لسنة 1943 بشأن المواريث، المضافة بالقانون رقم 219 لسنة 2017، من النص على لزوم وجود قسمة رضائية أو قضائية نهائية لغير مثليات التركة لقيام جريمة الامتناع عمدًا عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من الميراث. وكان نص تلك الفقرة قد جرَّم فعل الامتناع العمدى عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من الميراث. وأوضحت المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 219 لسنة 2017 المشار إليه العلة من إصدار هذا القانون في قولها "بعث الله رسله بالرسالات السماوية التي أزالت عن الإنسان الحيف والظلم، وقررت له نصيبًا مفروضًا خالصًا، لا منة فيه لأحد ولا فضل، إلا أن ثمة تقاليد وأعرافًا بالية انتشرت في مجتمعنا تتناقض مع الصبغة الحضارية لهذه الأمة، ومنها الامتناع عن تسليم الورثة حقهم الشرعي في الميراث ......، وإذ لم يتضمن القانون رقم 77 لسنة 1943 بشأن المواريث نصًا عقابيًا يضبط مسألة عدم تسليم أعيان التركة لمستحقيها .......، الأمر الذى استلزم التدخل بنص عقابي لتجريم الامتناع العمدي عن تسليم محل الميراث". وكانت اللجنة المشتركة من لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ومكتب لجنة الشئون الدينية والأوقاف بمجلس النواب، قد أضافت إلى نص الفقرة الأولى من المادة (49) المشار إليها، عبارة " رضاءً أو قضاءً نهائيًّا "، إلا أن مجلس النواب أقر النص بصياغته السالفة الذكر كما قُدم من الحكومة. وقد أبانت الأعمـال التحضيرية للقانون رقم 219 لسنة 2017 المشار إليه - مضبطة مجلس النواب الجلسة السادسة عشرة المعقودة بتاريخ 19/ 11/ 2017 - سند ذلك في " أن مشروع القانون لا يمس أحكام المواريث لا من قريب ولا من بعيد، .... وأن هذه المادة لا تتحدث عن المواريث، ولا عن الأنصبة الشرعية لا من قريب ولا من بعيد، فالنصيب لا مساس به إطلاقًا، لأن الأنصبة في المواريث محددة شرعًا "، وهي مسألة لا شأن لها بالنص المحال الذى يتناول الجانب الجنائي، بما لازمه أن المرجع في تعيين النصيب الشرعي في الميراث، كما قصده المشرع، وتوجهت إليه دلالة الألفاظ والعبارات التي تضمنها ذلك النص، هو الأحكام الشرعية والقانونية المتعلقة بالمواريث، وهو ما أكدته المادة (875/ 1) من القانون المدني في نصها على أن "1- تعيين الورثة وتحديد أنصبائهم في الإرث وانتقال التركة إليهم تسري في شأنها أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين الصادرة في شأنها"، ومن بين هذه القوانين القانون رقم 77 لسنة 1943 بشأن المواريث، والقواعد العامة في القانون المدني، ومن بينها تلك الأحكام الخاصة بالميراث وتصفية التركة، وقسمتها سواء رضاءً أو قضاءً، التي تناولتها المواد (834) وما بعدها من هذا القانون، باعتبار أن الميراث - على ما جاء بالأعمال التحضيرية للقانون المدني - هو أكثر أسباب الشيوع انتشـارًا، ومن أجل ذلك أحالت المادة (904) من القانون المدني في شأن قسمة التركة إلى الأحكام المقررة للقسمة في هذا القانون.
وحيث كان ما تقدم، وكان الامتناع عن تسليم النصيب الشرعي من الميراث، المؤثم بمقتضى النص المحال جاء في عبارة عامة مطلقة تشمل جميع صور الامتناع، سواء وقع على الحصة الشائعة أو النصيب المفرز، ذلك أن كليهما يصح أن يكون محلاً للتسليم، بحكم صلاحية كل منهما لأن يحوزه حائز على وجه التخصيص والانفراد، ولا فارق بين الاثنين إلا في أن حائز النصيب المفرز تكون يده بريئة من المخالطة، أما حائز الحصة الشائعة فيده بحكم الشيوع تخالط غيره من المشتاعين، إلا أن ذلك لا يحول دون قابليتها للتسليم والحيازة، فملكية الحصة الشائعة بصريح نص المادة (826) من القانون المدني ملكية تامة، يجمع مالكها في يده جميع عناصر الملكية من استعمال واستغلال وتصرف، وينصب حقه مباشرة على حصته في المال الشائع، وبذلك يُعد الامتناع عن تسليمها أحد صور الامتناع المؤثم بموجب النص المحال، وذلك إلى جانب الصور الأخرى التي يكون محلها الامتناع عـن تسليم النصيب المفرز، سـواء كان ذلك بموجـب قسمة رضائية أو قضائية طبقًــا لأحكام القانون المدني أو غيرها، التي تمثل أحكام المواريث، وتصفية التركة وقسمتها جميعها، أيًّــا كان موضعها، التنظيم القانوني الحاكم لتحديدها، باعتبارها أحد عناصر الركن المادي لتلك الجريمة، المنوط بالمحكمة المختصة تحريه، وتفنيد الأدلة المثبتة له، وتكوّن من خلالها عقيدتها. الأمر الذى يكون معه ما أثاره حكم الإحالة بالنسبة لهذا النص في الحدود المشار إليها، مرده إلى الخطأ في تأويل هذا النص، وفهمه على غير معناه الحقيقي، والتطبيق غير الصحيح لأحكامه، فوق كونه يمثل خوضًــا في بواعث التشريع، وملاءمته، ومناقشة لدوافعه، وتدخلاً في السياسة التشريعية التي ينتهجها المشرع لتنظيم أوضاع بعينها، والتي لا شأن للمحكمة الدستورية العليا بها، كلما كان تنفيذها - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - من خلال النصوص القانونية، لا يناقض أحكام الدستور، مما لا محل معه لاستنهاض الولاية المقررة للسلطة التشريعية بمقتضى نص المادة (101) من الدستور، لتعديل النص المحال، بإضافة الحكم المشار إليه، ليضحى الدفع بعدم الاختصاص المبدى من هيئة قضايا الدولة، في غير محله، وغير قائم على أساس سليم، متعينًا رفضه، فضلاً عن ما يستتبعه ذلك من نفى مظنة الإغفال عن هذا النص، ومن ثم فإن الخوض فيما يثيره حكم الإحالة بالنسبة له في الحدود المتقدمة، لا يكون منتجًا في الدعوى، الأمر الذى يتعين معه القضاء بعدم قبولها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق