الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 24 نوفمبر 2021

القضية 15 لسنة 8 ق جلسة 7 / 12 / 1991 دستورية عليا مكتب فني 5 ج 1 دستورية ق 9 ص 35

جلسة 7 ديسمبر سنة 1991

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد ولي الدين جلال وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير ومحمد على عبد الواحد والدكتور عبد المجيد فياض - أعضاء،

وحضور السيد المستشار/ السيد عبد الحميد عمار - المفوض،

وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد - أمين السر.

------------

قاعدة رقم (9)
القضية رقم 15 لسنة 8 قضائية "دستورية"

(1) دستور - تشريع "أوضاعه الشكلية"
الأوضاع الشكلية للنصوص التشريعية، تتحدد على ضوء أحكام الدستور المعمول به حين صدورها.
(2) دستور "سموه".
نصوص الدستور تمثل القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم في الدولة ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام.
(3) الدساتير المصرية - لوائح الضرورة - نظرية الضرورة "مفهومها - نطاقها".
اعتناقها الدساتير المصرية بدءا بدستور سنة 1932 وانتهاء بالدستور القائم لنظرية الضرورة، تمكينا للسلطة التنفيذية، فيما بين أدوار انعقاد السلطة التشريعية أو حال غيبتها، من مواجهة أوضاع قاهرة أو ملحة تطرأ خلال هذه الفترة وتلجئها إلى اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير - وجوب أن يكون تدخل السلطة التنفيذية بهذه التدابير، مبررا بحالة الضرورة وبالقدر الذى يتناسب مع متطلباتها وبوصفها تدابير من طبيعة استثنائية.
(4) مبدأ الفصل بين السلطات - أعمال استثنائية "ضوابطها".
تحديد الدستور لكل سلطة عامة وظائفها الأصلية وما تباشره استثناء من أعمال أخرى لا تدخل في نطاقها - وجوب التزام كل سلطة في مباشرتها هذه الأعمال لحدودها الضيقة وضوابطها الدقيقة التي عينها الدستور.
(5) مبدأ الفصل بين السلطات - لوائح الضرورة "النظام القانوني الاستثنائي - أساسه - الالتزامات الدولية".
الاختصاص التشريعي الاستثنائي للسلطة التنفيذية - أساسه - موازنة الدساتير المصرية ما يقتضيه الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من تولى كل منها لوظائفها في المجال المحدد لها أصلا، بضرورة المحافظة على كيان الدولة وإقرار النظام في ربوعها، إزاء ما قد تواجهه، فيما بين أدوار انعقاد السلطة التشريعية أو حال غيابها، من مخاطر تلوح نذرها أو تشخص الأضرار التي تواكبها - يستوى أن تكون المخاطر من طبيعة مادية أو أن يكون قيامها مستندا إلى ضرورة تدخل الدولة بتنظيم تشريعي يكون لازما لمواجهة التزاماتها الدولية التي حل ميعاد إيفائها قبل انعقاد السلطة التشريعية.
(6) قانون "الاختصاص بإصداره" - لوائح الضرورة - الرقابة القضائية الدستورية.
سن القوانين مما تختص به السلطة التشريعية - انتهاج الدساتير المصرية تخويل السلطة التنفيذية، فيما بين أدوار انعقاد السلطة التشريعية أو حال غيابها، الاختصاص باتخاذ التدابير العاجلة لمواجهة أوضاع استثنائية - انفكاك هذه التدابير عن متطلبات حال الضرورة يوقعها في حومة المخالفة الدستورية - امتداد الرقابة القضائية الدستورية إلى التحقق من قيام حالة الضرورة في الحدود التي رسمها الدستور لها ولضمان ألا تتحول هذه الرخصة التشريعية الاستثنائية إلى سلطة تشريعية كاملة ومطلقة لا قيد عليها ولا عاصم من جموحها أو انحرافها.
(7) معاهدة "اتفاق مونترو لسنة 1937" - لوائح الضرورة" المرسوم بقانون رقم 92 لسنة 1937".
المرسوم بقانون رقم 92 لسنة 1937 الخاص بالإجراءات التي تتخذ وفقا للمادة 293 من قانون العقوبات - حله إشكالا ثار في العمل بشأن اختصاص كل من جهتي القضاء الجنائي والشرعي ومواضع التطبيق لكل من المادتين 293 عقوبات و347 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية، وصدوره في شأن يتعلق بالتنظيم القضائي الذي أضحى إرساء قواعده أمرا محتوما تنفيذا لاتفاق مونترو لسنة 1937 بشأن إلغاء الامتيازات الأجنبية الموقع علية بين مصر ومندوبي الدول صاحبة الامتيازات، ضمن مراسيم بقوانين أخرى جميعها تتعلق بهذا التنظيم وتحديد اختصاصات المحاكم والقوانين التي تطبقها والإجراءات التي تتبع أمامها، واقتضتها ضرورة لا تحتمل التأخير هي وجوب العمل بها ابتداء من 15 أكتوبر سنة 1937 - توافر حالة الضرورة التي تسوغ لرئيس الدولة إصداره طبقا للمادة 41 من دستور سنة 1923.
(8) لوائح الضرورة "المراسيم بقوانين - قوتها".
المراسيم بقوانين الصادرة طبقا للمادة 41 من دستور سنة 1923 لها قوة القانون - تناولها بالتنظيم كل ما يتناوله القانون.
(9) تشريع "المرسوم بقانون رقم 92 لسنة 1937 - إقراره".
متى كان البرلمان بمجلسيه قد أقر هذا المرسوم بقانون، فإن قوة القانون تستقر بصفة نهائية لأحكامه المطابقة في نصها وفحواها للدستور.
(10) عيب عدم الدستورية - ماهيته
مخالفة مرسوم بقانون لاتجاه ساد في المجلس التشريعي لا يصلح سببا للنص عليه بعدم الدستورية.

--------------
1 - الأوضاع الشكلية للنصوص التشريعية سواء في ذلك تلك المتعلقة بالشروط التي يفرضها الدستور لمباشره الاختصاص بإصدارها في غيبة السلطة التشريعية أو بتفويض منها أو ما كان متصلا منها باقتراحها أو إقرارها أو إصدارها حال انعقاد السلطة التشريعية، إنما تتحدد على ضوء ما قررته في شأنها أحكام الدستور المعمول به حين صدورها.
2 - نصوص الدستور إنما تمثل القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم في الدولة، وهى باعتبارها كذلك تتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين احترامها والعمل بموجبها، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة وأحقها بالنزول على أحكامها.
3 ، 4 - إن الدساتير المصرية المتعاقبة بدءا بدستور سنة 1923 وانتهاء بالدستور القائم، تفصح جميعها عن اعتناقها لنظرية الضرورة وتضمينها لأحكامها في صلبها، تمكينا للسلطة التنفيذية - فيما بين أدوار انعقاد السلطة التشريعية أو حال غيبتها - من مواجهة أوضاع قاهرة أو ملحة تطرأ خلال هذه الفترة الزمنية وتلجئها إلى الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير في شأنها، ومن ثم يكون تدخلها بهذه التدابير، وتطبيقها لها، مبررا بحالة الضرورة، ومستندا إليها، وبالقدر الذى يكون متناسبا مع متطلباتها، وبوصفها تدابير من طبيعة استثنائية وإذ كان الدستور قد حدد لكل سلطة عامة وظائفها الأصلية وما تباشره من أعمال أخرى لا تدخل في نطاقها، بل تعد استثناء يرد على أصل انحصار نشاطها في المجال الذى يتفق مع طبيعة وظائفها، وكان الدستور قد حصر هذه الأعمال الاستثنائية، وبين بصورة تفصيلية قواعد ممارستها، تعين على كل سلطة في مباشرتها لها أن تلتزم حدودها الضيقة وأن تردها إلى ضوابطها الدقيقة التي عينها الدستور، وإلا وقع عملها مخالفا لأحكامه.
5 ، 6 - سن القوانين هو مما تختص به السلطة التشريعية تباشره وفقا للدستور في اطار وظيفتها الأصلية، وكان الأصل هو أن تتولى السلطة التشريعية بنفسها مباشرة هذه الوظيفة التي أسندها الدستور لها وأقامها عليها، إلا أن الدساتير المصرية جميعها، ومن بينها دستور سنة 1923، كان عليها أن توازن ما يقتضيه الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من تولى كل منها لوظائفها في المجال المحدد لها أصلا، بضرورة المحافظة على كيان الدولة وإقرار النظام في ربوعها إزاء ما قد تواجهه - فيما بين أدوار انعقاد السلطة التشريعية أو حال غيابها - من مخاطر تلوح نذرها أو تشخص الأضرار التي تواكبها، يستوى في ذلك أن تكون هذه المخاطرة من طبيعة مادية أو أن يكون قيامها مستندا إلى ضرورة تدخل الدولة بتنظيم تشريعي يكون لازما لمواجهة التزاماتها الدولية التي حل ميعاد إيفائها قبل انعقاد السلطة التشريعية، ولقد كان النهج الذى التزمته هذه الدساتير على اختلافها - وعلى ضوء موجبات هذه الموازنة - هو تخويلها السلطة التنفيذية الاختصاص باتخاذ التدابير العاجلة اللازمة لمواجهة أوضاع استثنائية سواء بالنظر إلى طبيعتها أو مداها. وتلك هي حالة الضرورة التي اعتبر الدستور قيامها من الشرائط التي تطلبها لمزاولة هذا الاختصاص الاستثنائي، ذلك أنّ الاختصاص المخول للسلطة التنفيذية في هذا النطاق لا يعدو أن يكون استثناء من أصل قيام السلطة التشريعية على مهمتها الأصلية في المجال التشريعي. إذ كان ذلك، وكانت التدابير العاجلة التي تتخذها السلطة التنفيذية لمواجهة حالة الضرورة نابعة من متطلباتها، فإن انفكاكها عنها يوقعها في حومة المخالفة الدستورية، ذلك أن توافر حالة الضرورة - بضوابطها الموضوعية التي لا تستقل السلطة التنفيذية بتقديرها - هي علة اختصاصها بمواجهة الأوضاع الطارئة والضاغطة بتلك التدابير العاجلة، بل هي مناط مباشرتها لهذا الاختصاص، وإليها تمتد الرقابة الدستورية التي تباشرها هذه المحكمة للتحقق من قيامها في الحدود التي رسمها الدستور لها، ولضمان ألا تتحول هذه الرخصة التشريعية - وهى من طبيعة استثنائية - إلى سلطة تشريعية كاملة ومطلقة لا قيد عليها ولا عاصم من جموحها أو انحرافها.
7 - النعي بانتفاء حالة الضرورة التي تسوغ إصدار المرسوم بقانون رقم 92 لسنة 1937 الخاص بالإجراءات التي تتخذ وفقا للمادة 293 من قانون العقوبات المطعون عليه، مردود بأنه صدر في شأن يتعلق بالتنظيم القضائي الذى أضحى إرساء قواعده أمرا محتوما تنفيذا لاتفاق إلغاء الامتيازات الأجنبية، فقد حل هذا المرسوم بقانون - وعلى ما يبين من مذكرته التفسيرية وتقرر لجنة الحقانية بمجلس النواب - أشكالا كان قد ثار في العمل في شأن تطبيق كل من المادتين 293 من قانون العقوبات و347 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية، فجعل أعمال المادة 293 المشار إليها ممتنعا قبل استنفاد الإجراءات المنصوص عليها في المادة 347 من اللائحة المذكورة، كما قضى بأن التنفيذ بالإكراه البدني الذى يقع طبقا للمادة المذكورة تستنزل مدته من عقوبة الحبس التي يحكم بها طبقا للمادة 293 من قانون العقوبات، وبذلك حدد هذا المرسوم بقانون اختصاص كل جهة، ومواضع التطبيق لكل من هاتين المادتين. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تدل مضبطة الجلسة الثالثة لدور الانعقاد العام المنعقد في 8 نوفمبر سنة 1937 على أن المرسوم بقانون المطعون عليه صدر ضمن مراسيم بقوانين أخرى هى المرسوم بقانون رقم 88 لسنة 1937 بشأن توسيع اختصاص المحاكم المختلطة بالنسبة لرعايا بعض الدول، والمرسوم بقانون رقم 89 لسنة 1937 الخاص بالتشريع الذى تطبقه المحاكم المختلطة، والمرسوم بقانون رقم 90 لسنة 1937 بتعديل الأمر العالي الصادر في 14 يونية سنة 1938 بلائحة ترتيب المحاكم الأهلية، والمرسوم بقانون رقم 91 لسنة 1937 بشأن اختصاص محاكم الأحوال الشخصية المصرية، والمرسوم بقانون رقم 93 لسنة 1937 بتعديل الباب الرابع من الكتاب الأول من قانون المرافعات المدنية والتجارية المختلطة، والمرسوم بقانون رقم 94 لسنة 1937 الخاص بالإجراءات في مواد الأحوال الشخصية. وجميعها تتعلق بالتنظيم القضائي وتحديد اختصاصات المحاكم، والقوانين التي تطبقها والقواعد الإجرائية التي تتبع أمامها، بعد إبرام الاتفاق الخاص بإلغاء الامتيازات الأجنبية ولائحة التنظيم القضائي للمحاكم المختلطة وما يترتب عليها، والموقع عليه بمونترو في 8 مايو سنة 1937 بين مصر ومندوبي الدول صاحبة الامتيازات والصادر بالموافقة عليه في 24 يوليه سنة 1937 القانون رقم 48 لسنة 1937. إذ كان ذلك، وكان البين من هذه المضبطة أن صدور هذه المراسيم اقتضته ضرورة لا تحتمل التأخير تتمثل في وجوب العمل بها ابتداء من 15 أكتوبر سنة 1937 تنفيذا للاتفاق المشار إليه، فإن رئيس الدولة إذ أصدر التشريع المطعون عليه في تلك الظروف، لا يكون مجاوزا حدود سلطته طبقا للمادة 41 من دستور سنة 1923.
8 - المراسيم بقوانين التي تصدر طبقا للمادة 41 من دستور سنة 1923 لها بصريح نصها قوة القانون، ومن ثم فإنها تتناول بالتنظيم كل ما يتناوله القانون.
9 - الثابت من مضابط البرلمان دعوته إلى اجتماع غير عادى وعرض هذا المرسوم عليه في أول اجتماع له، وأن مجلس الشيوخ قد أقره بالجلسة الثانية لدورة الانعقاد غير العادي المنعقدة بتاريخ أول نوفمبر سنة 1937 كذلك أقره مجلس النواب بالجلسة الثالثة لهذا الدور المنعقد بتاريخ 8 نوفمبر سنة 1937. إذ كان ذلك، وكان البرلمان بمجلسيه قد أقر المرسوم بقانون المطعون عليه على ما سلف البيان، فإن قوة القانون تستقر بصفة نهائية لأحكامه المطابقة في نصها وفحواها للدستور.
10 - النعي على المرسوم بقانون المطعون عليه، إنه تضمن قيودا على حكم المادة 293 من قانون العقوبات خلافا للاتجاه الذى كان سائدا عند اقتراع البرلمان على نص المادة المذكورة، مردود، بأن قالة مخالفة مرسوم بقانون لاتجاه ساد المجلس التشريعي - وبفرض صحتها - لا تصلح سببا للطعن على نص في قانون أو لائحة بعدم الدستورية، ذلك أن المناط في تقرير دستورية نص تشريعي أو عدم دستوريته، هو باتفاقه أو مخالفته لأحكام الدستور المنوط بهذه المحكمة صونها وحمايتها.


الإجراءات

بتاريخ 16 يونية سنة 1986 أودع الأستاذ... المحامي قلم كتاب المحكمة صحيفة هذه الدعوى طلب فيها الحكم بعدم دستورية المرسوم بقانون رقم 92 لسنة 1937 الخاص بالإجراءات التي تتخذ وفقا للمادة 293 من قانون العقوبات.
وقدمت هيئة قضايا الدولة، مذكرة طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى أو برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
من حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعية كانت قد حصلت على حكم قضائي في الدعوى رقم 73 لسنة 1984 أحوال شخصية السيدة زينب باستحقاقها نفقة مؤقتة لها ولصغيرها من المدعى عليه الأول. وإذ امتنع عن الوفاء بما في ذمته من النفقة، فقد أقامت ضده بالطريق المباشر الجنحة رقم 1156 لسنة 1986 السيدة زينب، غير أن المدعى عليه الأول دفع بعد قبول الدعوى الجنائية لرفعها قبل الأوان مستندا في ذلك إلى حكم المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 92 لسنة 1937 التي لا تجيز - في الأحوال التي تطبق فيها المادة 347 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية - السير في الإجراءات المنصوص عليها في المادة 293 من قانون العقوبات ما لم يكن المحكوم له بالنفقة أو بأجرة الحضانة أو الرضاعة قد استنفد الإجراءات المنصوص عليها في المادة 347 من اللائحة المشار إليها. وإذ كان الدفع بعدم قبول الدعوى الجنائية لرفعها قبل الأوان متصلا بالشروط التي تطلبها المرسوم بقانون رقم 92 لسنة 1937 لجواز تحريكها من قبل المدعية ضد المدعى عليه الأول، فقد جحدت المدعية دستورية هذا المرسوم بقانون مستندة في ذلك إلى أنه أتى بقيد على تطبيق المادة 293 من قانون العقوبات كانت السلطة التشريعية قد رفضته من قبل مما يعد تحديا لها واغتصابا لسلطتها وخروجا بالتالي على أحكام الدستور، هذا بالإضافة إلى انتفاء حالة الضرورة التي تطلبتها المادة 41 من دستور مصر الصادر سنة 1923 لجواز إصدار المرسوم بقانون المطعون عليه، وكذلك انعدام الدليل على أن البرلمان قد دعى لإقراره، ومن ثم يزول ما كان له من قوة القانون. وإذ صرحت محكمة الموضوع للمدعية برفع الدعوى الدستورية، فقد أقامت الدعوى الماثلة.
وحيث إن الأوضاع الشكلية للنصوص التشريعية سواء في ذلك تلك المتعلقة بالشروط التي يفرضها الدستور لمباشرة الاختصاص بإصدارها في غيبة السلطة التشريعية أو بتفويض منها أو ما كان متصلا منها باقتراحها أو إقرارها أو إصدارها حال انعقاد السلطة التشريعية، إنما تتحدد على ضوء ما قررته في شأنها أحكام الدستور المعمول به حين صدورها.
وحيث إن البين من الاطلاع على أحكام المرسوم بقانون رقم 92 لسنة 1937 - الخاص بالإجراءات التي تتخذ وفقا للمادة من قانون العقوبات - أنه صدر استنادا إلى المادة 41 من دستور مصر الصادر سنة 1923 التي تنص على أنه "إذا حدث فيما بين أدوار انعقاد البرلمان ما يوجب الإسراع إلى اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير فللملك أن يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون بشرط ألا تكون مخالفة للدستور. ويجب دعوة البرلمان إلى اجتماع غير عادى وعرض هذه المراسيم عليه في أول اجتماع له، فإذا لم تعرض أو لم يقرها أحد المجلسين زال ما كان لها من قوه القانون".
وحيث إن المدعية تنعى على المرسوم بقانون رقم 92 لسنة 1937 مخالفته لنص المادة 41 من الدستور المشار إليه مقولة أن حالة الضرورة التي تسوغ إصداره منتفية وأنه أضحى بالتالي مخالفا لذلك الدستور وباطلا.
وحيث إن الدساتير المصرية المتعاقبة بدءا بدستور سنة 1923 وانتهاء بالدستور القائم، تفصح جميعها عن اعتناقها لنظرية الضرورة وتضمينها لأحكامها في صلبها تمكينا للسلطة التنفيذية - فيما بين أدوار انعقاد السلطة التشريعية أو حال غيبتها - من مواجهة أوضاع قاهرة أو ملحة تطرأ خلال هذه الفترة الزمنية وتلجئها إلى الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير في شأنها، ومن ثم يكون تدخلها بهذه التدابير، وتطبيقها لها، مبررا بحالة الضرورة ومستندا إليها، وبالقدر الذى يكون متناسبا مع متطلباتها، وبوصفها تدابير من طبيعة استثنائية، ذلك أن الأصل في نصوص الدستور - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنها تمثل القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم في الدولة، وهى باعتبارها كذلك تتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين احترامها والعمل بموجبها باعتبارها أسمى القواعد الآمرة وأحقها بالنزول على أحكامها. وإذ كان الدستور قد حدد لكل سلطة عامة وظائفها الأصلية وما تباشره من أعمال أخرى لا تدخل في نطاقها، بل تعد استثناء يرد على أصل انحصار نشاطها في المجال الذى يتفق مع طبيعة وظائفها، وكان الدستور قد حصر هذه الأعمال الاستثنائية وبين بصورة تفصيلية قواعد ممارستها، تعين على كل سلطة في مباشرتها لها أن تلتزم حدودها الضيقة وأن تردها إلى ضوابطها الدقيقة التي عينها الدستور، وإلا وقع عملها مخالفا لأحكامه.
وحيث إن سن القوانين هو مما تختص به السلطة التشريعية تباشره وفقا للدستور في إطار وظيفتها الأصلية، وكان الأصل هو أن تتولى السلطة التشريعية بنفسها مباشرة هذه الوظيفة التي أسندها الدستور لها وأقامها عليها، إلا أن الدساتير المصرية جميعها، ومن بينها دستور سنة 1923، كان عليها أن توازن ما يقتضيه الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من تولى كل منها لوظائفها في المجال المحدد لها أصلا، بضرورة المحافظة على كيان الدولة وإقرار النظام في ربوعها إزاء ما قد تواجهه - فيما بين أدوار انعقاد السلطة التشريعية أو حال غيابها - من مخاطر تلوح نذرها أو تشخص الأضرار التي تواكبها، يستوى في ذلك أن تكون هذه المخاطرة من طبيعة مادية أو أن يكون قيامها مستندا إلى ضرورة تدخل الدولة بتنظيم تشريعي يكون لازما لمواجهة التزاماتها الدولية التي حل ميعاد إيفائها قبل انعقاد السلطة التشريعية، ولقد كان النهج الذى التزمته هذه الدساتير على اختلافها - وعلى ضوء موجبات هذه الموازنة - هو تخويلها السلطة التنفيذية الاختصاص باتخاذ التدابير العاجلة اللازمة لمواجهة أوضاع استثنائية سواء بالنظر إلى طبيعتها أو مداها. وتلك هي حالة الضرورة التي اعتبر الدستور قيامها من الشرائط التي تطلبها لمزاولة هذا الاختصاص الاستثنائي، ذلك أن الاختصاص المخول للسلطة التنفيذية في هذا النطاق لا يعدو أن يكون استثناء من أصل قيام السلطة التشريعية على مهمتها الأصلية في المجال التشريعي. إذ كان ذلك، وكانت التدابير العاجلة التي تتخذها السلطة التنفيذية لمواجهة حالة الضرورة نابعة من متطلباتها، فإن انفكاكها عنها يوقعها في حومة المخالفة الدستورية، ذلك أن توافر حالة الضرورة - بضوابطها الموضوعية التي لا تستقل السلطة التنفيذية بتقديرها - هى علة اختصاصها بمواجهة الأوضاع الطارئة والضاغطة بتلك التدابير العاجلة بل هي مناط مباشرتها لهذا الاختصاص، وإليها تمتد الرقابة الدستورية التي تباشرها هذه المحكمة للتحقق من قيامها في الحدود التي رسمها الدستور لها ولضمان ألا تتحول هذه الرخصة التشريعية - وهى من طبيعة استثنائية - إلى سلطة تشريعية كاملة ومطلقة لا قيد عليها ولا عاصم من جموحها أو انحرافها.
وحيث إن ما تنعاه المدعية من انتفاء حالة الضرورة التي تسوغ إصدار المرسوم بقانون المطعون عليه، مردود بأنه صدر في شأن يتعلق التنظيم القضائي الذى أضحى إرساء قواعده أمرا محتوما تنفيذا لاتفاق إلغاء الامتيازات الأجنبية، فقد حل هذا المرسوم بقانون - وعلى ما يبين من مذكرته التفسيرية وتقرير لجنة الحقانية بمجلس النواب - إشكالا كان قد ثار في العمل في شان تطبيق كل من المادتين 293 من قانون العقوبات و347 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية، فجعل أعمال المادة 293 المشار إليها ممتنعا قبل استنفاد الإجراءات المنصوص عليها في المادة 347 من اللائحة المذكورة، كما قضى بأن التنفيذ بالإكراه البدني الذى يقع طبقا للمادة المذكورة تستنزل مدته من عقوبة الحبس التي يحكم بها طبقا للمادة 293 من قانون العقوبات، وبذلك حدد هذا المرسوم بقانون اختصاص كل جهة، ومواضع التطبيق لكل من هاتين المادتين. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تدل مضبطة الجلسة الثالثة لدور الانعقاد العام المنعقد في 8 نوفمبر سنة 1937 على أن المرسوم بقانون المطعون عليه صدر ضمن مراسيم بقوانين أخرى هي المرسوم بقانون رقم 88 لسنة 1937 بشأن توسيع اختصاص المحاكم المختلطة بالنسبة لرعايا بعض الدول، والمرسوم بقانون رقم 89 لسنة 1937 الخاص بالتشريع الذى تطبقه المحاكم المختلطة، والمرسوم بقانون رقم 90 لسنة 1937 بتعديل الأمر العالي الصادر في 14 يونية سنة 1938 بلائحة ترتيب المحاكم الأهلية، والمرسوم بقانون رقم 91 لسنة 1937 بشأن اختصاص محاكم الأحوال الشخصية المصرية، والمرسوم بقانون رقم 93 لسنة 1937 بتعديل الباب الرابع من الكتاب الأول من قانون المرافعات المدنية والتجارية المختلطة والمرسوم بقانون رقم 94 لسنة 1937 الخاص بالإجراءات في مواد الأحوال الشخصية. وجميعها تتعلق بالتنظيم القضائي وتحديد اختصاصات المحاكم والقوانين التي تطبقها والقواعد الإجرائية التي تتبع أمامها بعد إبرام الاتفاق الخاص بإلغاء الامتيازات الأجنبية ولائحة التنظيم القضائي للمحاكم المختلطة وما يترتب عليها، والموقع عليه بمونترو في 8 مايو سنة 1937 بين مصر ومندوبي الدول صاحبة الامتيازات والصادر بالموافقة عليه في 24 يوليه سنة 1937 القانون رقم 48 لسنة 1937، إذ كان ذلك وكان البين من هذه المضبطة أن صدور هذه المراسيم اقتضته ضرورة لا تحتمل التأخير تتمثل في وجوب العمل بها ابتداء من 15 أكتوبر سنة 1937 تنفيذا للاتفاق المشار إليه، فإن رئيس الدولة إذ أصدر التشريع المطعون عليه في تلك الظروف، لا يكون مجاوزا حدود سلطته طبقا للمادة 41 من دستور سنة 1923.
وحيث إن النعي بزوال قوة القانون التي كانت للمرسوم بقانون المطعون عليه لعدم دعوة البرلمان لإقراره، مردود بأن الثابت من مضابط البرلمان دعوته إلى اجتماع غير عادى وعرض هذا المرسوم عليه في أول اجتماع له، وأن مجلس الشيوخ قد أقره بالجلسة الثانية لدورة الانعقاد غير عادى المنعقدة بتاريخ أول نوفمبر سنة 1937، كذلك أقره مجلس النواب بالجلسة الثالثة لهذا الدور المنعقدة بتاريخ 8 نوفمبر سنة 1937 - إذ كان ذلك، وكان البرلمان بمجلسيه قد أقر المرسوم بقانون المطعون عليه على ما سلف البيان، فإن قوة القانون تستقر بصفة نهائية لأحكامه المطابقة في نصها وفحواها للدستور، ويكون هذا الوجه من النعي بالتالي على غير أساس حريا بالرفض.
وحيث إن ما تنعاه المدعية من أن المرسوم بقانون المطعون عليه قد تضمن قيودا على حكم المادة 293 من قانون العقوبات خلافا للاتجاه الذى كان سائدا عند اقتراع البرلمان على نص المادة المذكورة، مردود بأنه لما كان رئيس الدولة قد أصدر هذا المرسوم استناد إلى المادة 41 من دستور سنة 1923، وكانت المراسيم بقوانين التي تصدر طبقا لهذه المادة لها بصريح نصها قوه القانون، ومن ثم فإنها تتناول بالتنظيم كل ما يتناوله القانون، كذلك فإن هذا العيب لو صح، لا يعدو أن يكون نعيا بمخالفة مرسوم بقانون لاتجاه ساد المجلس التشريعي ولا يصلح بالتالي سببا للطعن على نص في قانون أو لائحة بعدم الدستورية، ذلك أن المناط في تقرير دستورية النص التشريعي أن عدم دستوريته هو باتفاقه أو مخالفته لأحكام الدستور المنوط بهذه المحكمة صونها وحمايتها.
وحيث إنه لما تقدم تكون الدعوى بعدم الدستورية غير قائمة على أساس سليم من القانون متعينا رفضها.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، والزمت المدعية المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.


صدر هذا الحكم من الهيئة المبينة في صوره، أما السيد المستشار محمد ولى الدين جلال الذى سمع المرافعة وحضر المداولة ووقع مسودة الحكم فقد جلس بدله عند تلاوته السيد المستشار حمدي محمد على.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق