أدخل المشرع المصري جريمة الاتفاق الجنائي كجريمة قائمة بذاتها في قانون العقوبات الأهلي بمناسبة اغتيال رئيس مجلس النظار سنة 1910 - معارضة مجلس شورى القوانين في ذلك استناداً إلى أن القانون المصري لا يعاقب على الأفعال التي تتقدم مرحلة الشروع في ارتكاب الجريمة - صدور نص المادة 47 مكررة عقوبات أهلي للعقاب على الاتفاق الجنائي رغم معارضة مجلس شورى القوانين.
باستعراض التطور التاريخي للمادة 48 المشار إليها، يبين أن المشرع المصري أدخل جريمة الاتفاق الجنائي كجريمة قائمة بذاتها - تختلف عن الاتفاق كسبيل من سبل المساهمة الجنائية - بالمادة 47 مكررة من قانون العقوبات الأهلي، وكان ذلك بمناسبة اغتيال رئيس مجلس النظار سنة 1910 فقدمت النيابة العامة إلى قاضي الإحالة تسعة متهمين أولهم بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، والباقين بتهمة الاشتراك في القتل، غير أن القاضي اقتصر على تقديم الأول إلى محكمة الجنايات ورفض إحالة الباقين لعدم توافر أركان الجريمة قبلهم، فتقدمت الحكومة إلى مجلس شورى القوانين بمشروع بإضافة نص المادة 47 مكررة إلى قانون العقوبات الأهلي - وهو يؤثم جريمة الاتفاق الجنائي المجرد على ذات النحو الذي ورد بعد ذلك بالنص الطعين مع خلاف بسيط في الصياغة - غير أن المجلس عارض الموافقة على المشروع مستنداً إلى أن القانون المصري - كالقوانين الأخرى - لا يعاقب على شيء من الأعمال التي تتقدم الشروع في ارتكاب الجريمة، كالتفكير فيها والتصميم عليها واتفاق الفاعلين أو الفاعلين والشركاء على كيفية ارتكابها، ولا على إتيان الأعمال المجهزة أو المحضرة لها. وعّرج المجلس إلى المقارنة بين النص المقترح ونظيره في القانون المقارن موضحاً أن القانون الفرنسي يشترط للتجريم وجود جمعية من البغاة أو اتفاق بين عدة أشخاص وأن يكون غرض الجمعية أو الاتفاق تحضير أو ارتكاب جنايات على الأشخاص والأموال. وأشار المجلس إلى أنه إذا كانت هناك حاجة للاستثناء من ذلك فيجب أن يكون بقدر الضرورة التي يقتضيها حفظ النظام، وأنه لأجل أن تكون المادة 47 مكررة مقيسة بمقياس الضرورة النافعة فيجب ألا تشمل سوى الجمعيات التي يُخشى منها على ما يجب للموظفين العموميين أو السياسيين من الطمأنينة، أو بعبارة أخرى يجب أن لا يُقصد منها إلا حماية نظام الحكومة، فلا يشمل النص الأحوال الأخرى كالاتفاقات الجنائية التي تقع بين شخصين أو أكثر على ارتكاب جناية أو جنحة تدخل في باب الجرائم العادية كجرائم السرقة أو الضرب أو التزوير أو غير ذلك من الجرائم الواقعة على الأشخاص وعلى الأموال؛ غير أن نظارة الحقانية رفضت اقتراح المجلس إذ رأته يثير صعوبات كبيرة في العمل ويفتقد الضمانات الفعالة ضد جميع الاتفاقات التي تكون غايتها تحقيق المقاصد السياسية بطريق القوة، وأضافت أن القانون الجديد لم يوضع إلا للأحوال التي تجعل الأمن العام في خطر، ولن يُعمل به أصلاً بما يجعله مهدداً للحرية الشخصية، والمأمول أن لا تدعو الأحوال إلى تطبيق هذا القانون إلا في النادر كما في البلاد التي استُقى منها. وصدر نص المادة 47 مكررة عقوبات أهلي معاقباً على الاتفاق الجنائي، بعد أن برر مستشار الحكومة استعمال المشرع لتعبير الاتفاق الجنائي بديلاً عن كلمة association الواردة في القانون الفرنسي - التي جاءت أيضاً في النسخة الفرنسية لقانون العقوبات الأهلي - بأن هذا اللفظ الأخير قد يفيد قدراً من التنظيم والاستمرار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق