جلسة 11 يناير سنة 1940
برياسة سعادة محمد لبيب
عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعبد الفتاح السيد بك
وعلي حيدر حجازي بك وأحمد مختار بك المستشارين.
---------------
(21)
القضيتان رقم 38/ 50 سنة
9 القضائية
(أ) تقادم.
وديعة
موضوعها مبلغ من المال. وديعة ناقصة. حق المودع. المطالبة بقيمة ماله. حق شخصي.
سقوطه بمضي خمس عشرة سنة من تاريخ الالتزام بالرد.
(المادتان 208 و482 مدني(
(ب) علاقة الزوجية.
اعتبارها مانعة من المطالبة بالحق. موضوعي. لا رقابة لمحكمة النقض. (المادتان 84
و215 مدني(
----------------
1 - إذا كانت صيغة العقد
أنه وديعة موضوعها مبلغ من المال فإنه لا يكون عقد وديعة تامة بل هو عقد وديعة
ناقصة وأقرب إلى عارية الاستهلاك منه إلى الوديعة. وكل ما يكون للمودع فيه هو
المطالبة بقيمة ماله. وهذا حق شخصي يسقط كسائر الحقوق الشخصية بمضي خمس عشرة سنة
من تاريخ الالتزام بالرد.
2 - إن اعتبار علاقة
الزوجية مانعة من المطالبة بالحق أو غير مانعة من الأمور الموضوعية التي تختلف في
الدعاوى بحسب ظروفها. والقضاء فيها لا يخضع لرقابة محكمة النقض.
الوقائع
تتلخص وقائع هذه الدعوى -
على ما جاء بالحكم المطعون فيه وباقي الأوراق والمستندات المقدّمة من طرفي الخصومة
والتي كانت من قبل مطروحة أمام محكمة الموضوع - في أنه بتاريخ 24 من أغسطس سنة
1937 رفع كل من: (1) محمد علي أبو الغيط أفندي و(2) أحمد علي أبو الغيط أفندي و(3)
محمود إسماعيل الطوبجي أفندي بصفته وصياً على القاصرين محمود ومختار علي أبو الغيط
و(4) السيدة خديجة و(5) السيدة بهيجة و(6) السيدة قدرية و(7) السيدة فتحية بصفتهم
أولاد السيدة فهيمة بنت إسماعيل الطوبجي على كل من: (1) مصطفى علي أبو الغيط و(2)
السيدة بمبة علي أبو الغيط و(3) علي أبو الغيط أفندي، وكلهم إخوة لأب، الدعوى رقم
272 سنة 1937 كلي الزقازيق، وطلبوا فيها إلزام المدعى عليهم بأن يدفعوا لهم من
تركة مورثهم الحاج علي أبو الغيط والد الجميع المبالغ الآتية:
(أوّلاً) نصيبهم في مبلغ
الأمانة التي تسلمها ذلك المورّث من زوجته السيدة فهيمة الطوبجي (التي توفيت قبله)
وأقرّ بها كتابة بتاريخ 4 من مايو سنة 1921 وتشتمل هذه الأمانة على 310 جنيهات
مصرية ورق بنكنوت و159 جنيهاً إنجليزياً ذهباً استردّت منها المودعة 40 جنيهاً في
سنة 1931.
(ثانياً) نصيبهم في مبلغ
85 جنيهاً اقترضه المورّث من زوجته المشار إليها في 7 من أغسطس سنة 1936 بسند تحت
الإذن في ذلك التاريخ.
(ثالثاً) مبلغ 700 جنيه
أقرّ المورّث بأنه في ذمّته لأولاده الثلاثة أحمد ومحمود ومختار يخص الثاني منه
300 جنيه ويخص كلاً من الباقيين 200 جنيه وقد حصل هذا الإقرار بإشهاد شرعي أمام
محكمة بور سعيد الشرعية بتاريخ 22 من أكتوبر سنة 1936.
وأمام المحكمة الابتدائية
تناول الدفاع هذه الأقلام الثلاثة فتمسك المدّعى عليهم بسقوط الحق في المطالبة
بقيمة سند الوديعة المحرّر في 4 من مايو سنة 1921 لمضي أكثر من خمس عشرة سنة على
تاريخ تحريره قبل رفع الدعوى في 24 من أغسطس سنة 1937 كما دفعوا بشأن السند
المحرّر بتاريخ 7 من أغسطس سنة 1936 بمبلغ 85 جنيهاً والإشهاد الشرعي الحاصل في 22
من أكتوبر سنة 1936 بأنهما باطلان لصدورهما في مرض موت المورّث ولأنه لا مقابل
للالتزام الوارد بهما، وقالوا إن هاتين الوثيقتين إذا اعتبرتا وصية فهي غير جائزة
لأنها لبعض الورثة، وإذا اعتبرتا هبة في مال منقول فإنها هبة لم تستوف شرائطها
القانونية.
ومحكمة أوّل درجة رأت أن
الحق قد سقط في المطالبة بالسند الأوّل (4 من مايو سنة 1921) لمضي المدّة
القانونية، وكذلك رأت أن الإشهاد الشرعي يستر هبة ولم تتوافر فيه الشرائط
القانونية، ولذلك لم تأخذ إلا بسند الدين المؤرّخ في 7 من أغسطس سنة 1936 وقدّرت
نصيب المدّعين فيه بمبلغ 45 جنيهاً فحكمت لهم بهذا المبلغ وفوائده... إلخ. ورفضت
باقي الطلبات وصدر هذا الحكم بتاريخ 4 من يناير سنة 1938.
استأنف المدعون هذا الحكم
في 3 من إبريل سنة 1938 أمام محكمة استئناف مصر الأهلية وقيد استئنافهم بجدولها
برقم 464 سنة 55 قضائية. وقد طلبوا في ذلك الاستئناف تعديل الحكم المستأنف وإلزام
المستأنف عليهم بالطلبات الابتدائية.
ومحكمة الاستئناف قررّت
أن الحكم المستأنف في محله بالنسبة لسند الدين المؤرّخ في 7 من أغسطس سنة 1936
وفقط صححت قيمة نصيب المدعين فيه إلى مبلغ 63 جنيهاً و750 مليماً وحكمت بتعديل الحكم
المستأنف وإلزام المستأنف عليهم بهذا المبلغ وفوائده القانونية... إلخ. ثم عرضت
المحكمة بعد ذلك إلى المبلغين الآخرين فقررّت أن الحكم المستأنف في محله بالنسبة
لسند الوديعة المحرّر في 4 من مايو سنة 1921 وقضت بتأييده. وأما عن الإقرار الذي
حصل بالإشهاد الشرعي في 22 من أكتوبر سنة 1936 فقد ألغت المحكمة الحكم المستأنف
وحكمت بما تضمنه هذا الإشهاد.
صدر هذا الحكم بتاريخ 7
من ديسمبر سنة 1938 وأعلن لفريق مصطفى علي أبو الغيط في 26 إبريل سنة 1939 دون
الفريق الآخر... إلخ.
المحكمة
من حيث إن رافعي هذا
الطعن وهم المدّعون أصلاً يعيبون على الحكم المطعون فيه أنه اعتبر أن قواعد السقوط
تسري على من وضع يده على الأمانة وبطريق النيابة إذا مضى من تاريخ الإيداع لديه
لغاية رفع الدعوى المدّة المسقطة للحقوق. ويقول الطاعنون إن ذلك الذي قررّه الحكم
خطأ في تطبيق القاعدة المقررّة في المادة 79 من القانون المدني، ويضيفون إلى ذلك
أنه لو صح جدلاً وكانت قواعد السقوط تسري على مثل هذه الأمانة فإنه من المتفق عليه
علماً وقضاء أن من تعجزه الحوادث أو الظروف عن المطالبة لا تسري ضدّه قواعد
السقوط، وعلاقة الزوجية بين المودع والمودع لديه تعتبر في ذاتها مانعاً أدبياً
يمنع الزوج عن مطالبة زوجة بردّ الأمانة. هذا هو ما بني عليه الطعن الثاني.
ومن حيث إن الحكم المطعون
فيه رجع إلى صيغة عقد الوديعة في الدعوى الحالية فرأى أن موضوعها مبلغ من المال أي
من الأشياء المثلية التي لا تتعين بالتعيين، وقضى بأن مثل هذه الأشياء لا يمكن أن
تكون موضوع دعوى استحقاق
(action en revéndication de la propriété) لاستحالة تعيين الشيء المودع
بالذات، فكل ما يكون للمودع هو حق شخصي بالمطالبة بقيمة الوديعة (action en restitution). وهذا الحق يسقط بمضي خمس عشرة سنة من تاريخ الالتزام بالرد وهو هنا
تاريخ التعاقد 4 من مايو سنة 1921. وعلى ذلك أخذت المحكمة بمبدأ سقوط الحق.
ومن حيث إن مثل هذه
الوديعة تجيز ضمناً للمودع لديه استعمالها واستهلاكها على أن يردّ للمودع قيمتها
عند الطلب فهي في الواقع ليست وديعة تامة وإنما هي وديعة ناقصة وهي أشبه ما يكون
بعارية الاستهلاك. وكل ما للمودع بشأنها هو حق شخصي بالمطالبة بقيمة الوديعة. وهذا
الحق يسقط بالسكوت عن المطالبة به المدة القانونية. فقضاء الحكم بذلك سليم قانوناً.
وأما ما تمسك به وكيل
الطاعنين من أن علاقة الزوجية تعتبر في ذاتها مانعاً أدبياً يمنع الزوج من مطالبة
زوجه فقد سار قضاء هذه المحكمة على أن علاقة الزوجية في مثل هذه الأحوال تعتبر من
الأمور الموضوعية التي تختلف بحسب الظروف، فقد تكون أو لا تكون مانعاً تبعاً
لملابسات كل دعوى على حدتها، وقضاء محكمة الموضوع في ذلك غير خاضع لرقابة محكمة
النقض. والحكم المطعون فيه بحث هذه المسألة وقضى بأن علاقة الزوجية في الدعوى
الحالية لم تكن مانعة من المطالبة بقيمة الوديعة ودلل على ذلك بأدلة موضوعية
مقبولة تنتج ما ذهب إليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق