جلسة 18 أبريل سنة 1935
برياسة سعادة عبد العزيز
فهمى باشا وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك ومحمد نور
بك المستشارين.
-------------
(249)
القضية رقم 35 سنة 4
القضائية
(أ) تقادم:
ترك الدعوى بالعين. متى
يكون موجبا لعدم سماع الدعوى؟ مجرّد ترك العين أو إهمالها دون إنكار أحد حق مالكها
فيها. لا يسقط حق ملكيتها ولا يمنع من سماع الدعوى بها. (المادة 375 من لائحة
المحاكم الشرعية)
(ب) وضع اليد المكسب
للملكية.
مدّته بالنسبة للوقف.
-------------
1 - إن قاعدة الشريعة
الإسلامية في الترك الموجب لعدم سماع الدعوى هى ترك الدعوى بالعين مع قيام مقتضى
الدعوى من غصب الغير للعين وتعدّيه عليها وإنكار حق مالكها. وهذه القاعدة صاغتها
المادة 375 من لائحة المحاكم الشرعية المعمول بها الآن بالنص الآتي: "القضاة
ممنوعون من سماع الدعوى التي مضى عليها خمس عشرة سنة مع تمكن المدّعى من رفعها
وعدم العذر الشرعي له في عدم إقامتها إلا في الإرث والوقف فانه لا يمنع من سماعها
إلا بعد ثلاث وثلاثين سنة مع التمكن وعدم العذر الشرعي. وهذا كله مع الإنكار للحق
في تلك المدّة". أما مجرّد ترك العين أو إهمالها، مهما يطل الزمن، من غير أن
يتعرّض لها أحد أو يغتصبها وينكر حق مالكها فيها، فانه لا يترتب عليه البتة - لا
في الشريعة الإسلامية ولا في غيرها من الشرائع - لا سقوط حق ملكيتها ولا منع سماع
الدعوى بها لو تعرّض لها متعرّض بعد زمن الإهمال المديد.
2 - إن مدّة وضع اليد
المكسبة لملكية الوقف هى ثلاث وثلاثون سنة.
الوقائع
تتحصل وقائع هذه الدعوى -
على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه ومن الأوراق والمستندات المقدّمة لهذه المحكمة -
في أن الأوقاف الخصوصية الملكية رفعت أمام محكمة المنصورة الابتدائية الأهلية ضدّ
محمد باشا البدراوي عاشور والسيد باشا البدراوي عاشور دعوى قيدت بجدولها تحت رقم
438 سنة 1926 قالت في عريضتها إن لوقف القصر 18 فدانا و16 قيراطا و10 أسهم مبينة
الحدود والمعالم بالعريضة المذكورة اغتصب المدّعى عليهما 7 فدادين و18 قيراطا و8
أسهم منها في سنة 1899، ثم اغتصبا الباقي بعد ذلك التاريخ وقبل سنة 1917 واستمرا واضعي
اليد عليها. لهذا طلبت تثبيت ملكية وقف القصر إلى القدر المذكور وتسليمه إليها مع
إلزام المدعى عليهما بالمصاريف والأتعاب.
وبتاريخ 19 أكتوبر سنة
1926 حكمت محكمة المنصورة بندب خبير لأداء المأمورية المبينة بالحكم المذكور ثم
استبدلته بآخر قام بالمأمورية وقدّم تقريره.
وبتاريخ 18 فبراير سنة
1930 حكمت المحكمة نفسها حضوريا برفع الدعوى وألزمت المدعية بالمصاريف و1000 قرش
أتعاب محاماة.
استأنفت الأوقاف الخصوصية
هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر الأهلية بالاستئناف رقم 1148 سنة 47 قضائية
طالبة إلغاء الحكم المستأنف والحكم بالطلبات الأصلية. وفى 4 مارس سنة 1931 حكمت
تلك المحكمة بقبول الاستئناف شكلا وقبل الفصل في الموضوع بإحالة الدعوى إلى
التحقيق لإثبات ونفى ما تدوّن بأسباب الحكم المذكور. وقد بوشر التحقيق على الوجه
المبين بمحضره. وبجلسة 20 يناير سنة 1932 حكمت المحكمة بندب الخبير السابق ندبه
أمام محكمة أوّل درجة، ثم استبدلته بآخر قام بالمأمورية وقدّم تقريره. وأثناء سير
الدعوى توفى محمد باشا البدراوي عاشور فأدخل ورثاؤه.
وبتاريخ 30 يناير سنة
1934 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وتثبيت ملكية وقف القصر إلى الـ 18 فدانا
و16 قيراطا و10 أسهم المبينة الحدود والمعالم بعريضة الدعوى المؤرّخة 7 مارس سنة
1926 وتسليمها إلى هذا الوقف وإلزام المستأنف ضدّهم بمصاريف الدرجتين و1000 قرش
أتعاب محاماة عنهما.
أعلن هذا الحكم إلى
الطاعنين في 17 أبريل سنة 1934 فطعنوا فيه بطريق النقض في 16 مايو سنة 1934 بتقرير
أعلن إلى المطعون ضدّها في 21 منه، وقدّم الطرفان مذكرتيهما في الميعاد، وقدّمت
النيابة مذكرتها في 10 فبراير سنة 1935.
وبجلسة اليوم المحدّدة
لنظر هذا الطعن سمعت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة.
المحكمة
بعد سماع المرافعة
الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
من حيث إن الطعن رفع
صحيحا في الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
ومن حيث إن محصل الوجه
الثالث بحسب التقرير والمذكرة المفصلة له أن الحكم المطعون فيه قد مزج في مسألة
مضى المدّة بين قواعد الشريعة الإسلامية وبين قواعد القانون المدني مزجا لا يستقيم
به التطبيق. ذلك بأن الحكم وقد أخذ عن الشريعة الإسلامية مقدار المدّة وهو ثلاث
وثلاثون سنة، فانه لم يجر باقي حكمها؛ وذلك لأن الشريعة الإسلامية - على ما يزعم
الطاعنون - تقضى بعدم سماع الدعوى من جهة الوقف لمجرّد ترك هذه الجهة للعين
المتنازع عليها وإهمالها إياها تلك المدّة ولو لم يضع أحد يده عليها في غضونها.
ويقول الطاعنون بما أن جهة الوقف مقرّة بإهمالها العين المتنازع عليها من زمن طويل
قبل سنتي 1899 و1905 اللتين اعتبرتهما المحكمة مبدأ لاغتصاب مورّث الطاعنين فتكون
الدعوى غير مسموعة حتى بحسب قواعد الشريعة التي أخذ عنها الحكم المطعون فيه مقدار
المدّة وهو ثلاث وثلاثون سنة. ثم يقول الطاعنون: لكن المعوّل عليه هي قواعد
القانون المدني وهي لا تفرّق بين الأعيان الموقوفة والأعيان المملوكة، بل كلها
سواء في مسألة اكتساب ملكيتها بوضع اليد المدّة المقرّرة بالقانون. ويقولون إنهم
لكونهم واضعي اليد بسبب الميراث على الأعيان المتنازع عليها فقد اكتسبوا ملكيتها بمضي
خمس سنوات بهذا السبب أى بسبب الميراث، بل اكتسبوها أيضا بالمدّة الطولي، وهى خمس
عشرة سنة لأن وضع يدهم اسمر أكثر من ذلك.
وحيث إن هذا الوجه لو صح
وقبل لكان حاسما موجبا لنقض الحكم ورفض الدعوى. ولذلك يتعين بحثه قبل الوجهين الأوّل
والثاني.
وحيث إن قاعدة الشريعة
الإسلامية في الترك الموجب لعدم سماع الدعوى ليست كما يرويه الطاعنون من أنه ترك
العين وإهمالها، بل هو ترك الدعوى بالعين مع قيام مقتضى الدعوى من غصب الغير للعين
وتعدّيه عليها وإنكار حق مالكها. وهذه القاعدة صاغتها المادة 375 من لائحة المحاكم
الشرعية المعمول بها الآن بالنص الآتي: "القضاة ممنوعون من سماع الدعوى التي
مضى عليها خمس عشرة سنة مع تمكن المدّعى من رفعها وعدم العذر الشرعي له في عدم
إقامتها إلا في الإرث والوقف، فانه لا يمنع من سماعها إلا بعد ثلاث وثلاثين سنة مع
التمكن وعدم العذر الشرعي وهذا كله مع الإنكار للحق في تلك المدّة". أما
مجرّد ترك العين أو إهمالها، مهما يطل الزمن، من غير أن يتعرّض لها أحد أو يغتصبها
وينكر حق مالكها فيها فانه لا يترتب عليه البتة - لا في الشريعة الإسلامية ولا في غيرها
من الشرائع - لا سقوط حق ملكيتها ولا منع سماع الدعوى بها لو تعرّض لها متعرّض بعد
زمن الإهمال المديد. وهذه بديهية شرعية وقانونية لا تحتاج لإيضاح. وعليه فكل زمن
مضى من قبل مبدأ الاغتصاب الذى أثبتته المحكمة لا يمكن بحسب الشريعة الإسلامية التحدي
به قبل جهة الوقف على خلاف ما يزعم الطاعنون.
وحيث إن من المبادئ
الثابتة الآن فقها وقضاءً أن مدّة وضع اليد المكسبة لملكية الوقف هى ثلاث وثلاثون
سنة مطلقا، أي لا خمس سنوات ولا خمس عشرة سنة. وهذه المدّة لم تمض من وقت الاغتصاب
كما أثبته الحكم المطعون فيه، فالوجه الثالث المذكور متعين الرفض، ولا حاجة مع هذا
لبحث ما أشار إليه الطاعنون من اعتبارهم الميراث من الأسباب الصحيحة التي لا يلزم
معها سوى خمس سنوات لاكتساب الملكية بوضع اليد ذلك الاعتبار البين خطؤه.
وحيث إن أهم ما في الوجهين
- الأوّل والثاني - هو الادّعاء باستناد الحكم إلى أسانيد غير صحيحة تنقضها أوراق
رسمية كانت مقدّمة لمحكمة الموضوع. ولكن الطاعنين لم يقدّموا لهذه المحكمة تلك
الأوراق التي يزعمون مخالفة الحكم لما فيها حتى تستبين المحكمة صحة ادّعائهم ومبلغ
ما يكون قانونا للافتيات المدّعى به من التأثير في صحة الحكم. أما باقي الوجهين
فليس سوى مناقشات موضوعية لا تلتفت إليها محكمة النقض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق