الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 24 نوفمبر 2021

القضية 30 لسنة 17 ق جلسة 2 / 3 / 1996 دستورية عليا مكتب فني 7 دستورية ق 29 ص 507

جلسة 2 مارس سنة 1996

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض،

وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي على جبالي - رئيس هيئة المفوض،

وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

------------

قاعدة رقم (29)
القضية رقم 30 لسنة 17 قضائية "دستورية"

(1) اختصاص المحكمة الدستورية العليا: "البت في الاختصاص"
البت في اختصاص المحكمة الدستورية العليا ولائياً بنظر دعوى بذاتها سابق بالضرورة على بحث شرائط قبولها أو الخوض في موضوعها - مواجهة المحكمة اختصاصها من تلقاء نفسها.
(2) دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها"
المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يقوم ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية. وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع.
(3) معاهدة دولية "اتحاد الجمهوريات العربية"
إعلان قيام هذا الاتحاد بموجب الاتفاق بين مصر وليبيا وسوريا الموقع في بنغازي بتاريخ 17 إبريل سنة 1971 - اقتران هذا الإعلان ببيان الأحكام الأساسية التي يقوم عليها الاتحاد، بما فيها المسائل التي يختص بها، والمؤسسات التي تهيمن على شئونه - تمحض هذا الاتفاق عن معاهدة دولية.
(4) معاهدة دولية "انسحاب أحد أطرافها: مؤداه"
انسحاب إحدى الدول من معاهدة ترتبط بها يعنى أنها لم تعد ملتزمة بها في مجموع أحكامها - انسحابها إنهاء لوجودها في علاقاتها بهذه المعاهدة - تنصلها تماماً من الأحكام التي تضمنتها ما لم يكن التزامها في هذا الشأن مرجعها قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي العام التي لا تجوز مخالفتها.
(5) معاهدة دولية "انسحاب - اتحاد الجمهوريات العربية المتحدة - انسحاب مصر: أثره"
الانسحاب من المعاهدة باعتباره تصرفاً منفرداً يصدر عن إحدى الدول أطرافها لدواع ترتئيها متعلق بمسئوليتها الدولية عند قيام موجبها - انسحاب مصر من معاهدة تكوين اتحاد الجمهوريات العربية المتحدة يعنى انحلالها بالنسبة إليها - دلالة ذلك بالضرورة على سقوط دستور الاتحاد في نطاق روابطها بالدولتين الأخريين.
(6) رقابة قضائية على الدستورية "مناطها"
مناط الرقابة القضائية على الدستورية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا تعارض النصوص القانونية المطعون عليها مع أحكام الدستور المصري والتى يقتصر سريانها على النطاق الإقليمي لمصر.
(7) اتحاد الجمهوريات العربية المتحدة "أحكامه الأساسية: الدستور المصري"
لهذه الأحكام الأساسية التي قام عليها الاتحاد ذاتيتها ولو تم إقراراها من خلال استفتاء شعبي أو كان لها خصائص القواعد الدستورية - عدم جواز إقحام هذه الأحكام في الدستور المصري ولا تعتبر جزءاً منه.
(8) تشريع "القانون رقم 143 لسنة 1984 بانسحاب مصر من اتحاد الجمهوريات العربية: عدم اختصاص"
الفصل فيما إذا كان القانون المشار إليه قد خالف الأحكام الأساسية لاتحاد الجمهوريات العربية، يخرج عن اختصاص المحكمة الدستورية العليا.

--------------
1 - إن البت في اختصاص المحكمة الدستورية العليا ولائياً بنظر الدعوى بذاتها، سابق بالضرورة على بحث شرائط قبولها أو الخوض في موضوعها، وتواجهه هذه المحكمة من تلقاء نفسها، إذ لا يتصور أن تفصل في شرائط اتصال الدعوى بها وفقاً للأوضاع المنصوص عليها في قانونها، قبل تثبتها من أن النزاع موضوعها مما يدخل في ولايتها. ومن المقرر كذلك أن تحقيقها لولايتها بنظر الدعوى بذاتها، قد يقتضيها أن تتناول المصلحة فيها، بل وإن تعرض لموضوعها، بقدر ما يكون ذلك لازماً لتحديد ما إذا كان الطعن المطعون عليها داخلاً في نطاق ولايتها، أم واقعاً فيما وراء تخومها.
2 - إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يقوم ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع؛ وكان النزاع الموضوعي يدور حول حق المدعى في اقتضاء المكافأة التي يطلبها بوصفه عضواً في مجلس الأمة الاتحادي، وإلى أن يتم حل اتحاد الجمهوريات العربية أو يُحَل مجلس الأمة الاتحادي؛ وكان ما تضمنه القانون المطعون فيه من إعلان انسحاب جمهورية مصر العربية من هذا الاتحاد، مؤداه زوال عضويتها فيه، وانقضاء التزاماتها الناشئة عنه أو المترتبة عليه، فإن نص المادة الأولى من هذا القانون، تكون وحدها مدار الطعن بعدم الدستورية، وهى كذلك موضوع الخصومة الدستورية الماثلة.
3 - إن اتفاق إقامة اتحاد الجمهوريات العربية بين جمهورية مصر العربية والجمهورية العربية الليبية والجمهورية العربية السورية، والموقع في بنغازي بتاريخ 17 إبريل سنة 1971، قد تضمن إعلان قيام هذا الاتحاد باعتباره القاعدة الصلبة للنضال العربي، وأحد الروافد العامة لحركة التحرر العالمية، والرد العملي والطبيعي على كل مؤامرات الاستعمار والصهيونية التي تدبر ضد الأمة العربية لضمان تخلفها وتبعيتها؛ وكان هذا الإعلان قد اقترن ببيان الأحكام الأساسية التي يقوم عليها هذا الاتحاد، بما في ذلك تحديد المسائل التي يختص بها، والمؤسسات التي تهيمن على شئونه وتُصَرفها، فإن هذا الاتفاق يتمحض عن معاهدة دولية، ذلك أن عبارة المعاهدة الدولية لا تعدو أن تكون مصطلحاً عاماً Generic term يمتد إلى كل أشكال الاتفاق الدولي فيما بين دولتين أو أكثر إذا دون هذا الاتفاق سواء في وثيقة واحدة أو أكثر، وأياً كان نطاق المسائل التي ينظمها، أو موضوعها. ومن ثم يندرج تحتها مما يتصل بمفهومها من صور هذا الاتفاق سواء كان عهداً، أو ميثاقاً، أو إعلاناً، أو بروتوكولاً، أو نظاماً، أو تبادلاً لمذكرتين.
4 - إن إبداء إحدى الدول لتحفظاتها في شأن معاهدة دولية تكون طرفاً فيها، وإن كان لا يعطل سريانها، بل يقتصر التحفظ على حكم وارد بها بقصد استبعاده أو تعديل مضمونة في مجال تطبيقه بالنسبة إليها، إلا أن انسحابها من معاهدة ترتبط بها، لا يعنى أنها لم تعد ملتزمة بها في مجموع أحكامها، فلا تتقيد بأيها، ذلك أن إعلانها الانسحاب منها ليس إجراء موقفاً لنفاذها قبلها Suspension of its operation، ولا هو تعديل لبعض نصوصها، بل ينحل إنهاء لوجودها في علاقاتها بها، فلا يحتج عليها بالأحكام التي تضمنتها، بل تتنصل تماماً منها، ما لم يكن ممكناً ورد التزاماتها - في هذا الشأن - إلى قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي العام التي لا تجوز مخالفتها Jus Cogens، كتلك القواعد التي تتعلق بعدم جواز اللجوء إلى استخدام القوة في علائق الدول بعضها ببعض، وحظر ارتكابها لجرائم دولية، كإبادتها لعنصر بعينه، أو تعاملها في الأشخاص سواء من خلال استرقاقهم أو دفعهم إلى البغاء أو الفجور، إذ تظل الدولة المنسحبة ملتزمة بمثل هذه القواعد، لا بناء على المعاهدة التي قررتها، بل إعمالاً للقواعد الآمرة في القانون الدوليperemtory Norms of General International Law التي لا يجوز تعديلها باتفاق لاحق.
5 -  إنه سواء كان الانسحاب من المعاهدة جائزاً بنص صريح فيها، أو مستفاداً ضمناً من أحكامها، وسواء كان إجراؤه موافقاً لقواعد القانون الدولي أو منافياً لها، فإن الانسحاب - وباعتباره تصرفاً قانونياً منفرداً يصدر عن إحدى الدول لدواعى ترتئيها - يظل واقعا في إطار إدارتها لعلاقاتها الخارجية، منه خلال توجيهها لروابطها مع غيرها من الدول، لتتحلل منها في مجال اتصالها بمعاهدة دولية كانت طرفاً فيها، وهو ما يتعلق بمسئوليتها الدولية عند قيام موجبها، بما مؤداه أن انسحاب جمهورية مصر العربية المتحدة، يعنى انحلالها بالنسبة إليها. وإذ كان الرؤساء الثلاثة اللذين أقاموا هذا الاتحاد، قد عهدوا إلى لجنة ثلاثية بوضع مشروع دستور لتنظيمه في إطار من الأحكام الأساسية التي أقروها فيما بينهم، فإن زوال معاهدة تكوين الاتحاد في العلاقة بين جمهورية مصر العربية وكل من سوريا وليبيا، يدل بالضرورة على سقوط ذلك الدستور في نطاق روابطها بهاتين الدولتين.
6 - 8 - إن الرقابة القضائية على الدستورية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا، مناطها تعارض النصوص القانونية المطعون عليها مع الأحكام التي تضمنها دستور جمهورية مصر العربية باعتباره وثيقة يقتصر سريانها على نطاقها الإقليمي، ولا يمتد مجال تطبيقها لغيرها من الدول؛ وكان اتحاد الجمهوريات العربية قد توخى أصلاً دعم الترابط والتكامل بين دول ثلاث هي مصر وسوريا وليبيا، ليكون نواة لوحدة عربية أشمل وأداتها الرئيسية هي معركة التحرير؛ وكان تضافر جهودها على هذا النحو، قد اقتضاها تكوين جبهة سياسية فيما بينها تكفل تفاعلها وتوحيد منطلقاتها وخلق مناخ ملائم تسيطر عليه روح التحرير والإيثار من أجل إذابة الحواجز والفوارق الإقليمية بين هذه الدول؛ متى كان ذلك، فإن ذلك الاتحاد، يعتبر إطارا لحركتها في حدود الأحكام الأساسية التي قام عليها، ليمتد تطبيقها إلى أقاليمها الثلاثة جميعاً. وتظل لهذه الأحكام الأساسية ذاتيتها ولو تم إقرارها من خلال استفتاء شعبي، أو كان لها - من زاوية محتواها الموضوعي - خصائص القواعد الدستورية وملامحها. ولا يجوز بالتالي إقحامها - وبفرض استمرار نفاذها - في نطاق دستور جمهورية مصر العربية، ذلك أن اتحاد وثيقتين في طريقة إصدارهما، أو انطوائهما معاً على قواعد دستورية، لا يدمجهما في بعض، ولا يحيلهما إلى وثيقة واحدة تتعدد أجزاؤها، كلما كان لكل منهما إقليم يتعلق به مجال تطبيقها، وكان لإحداهما مقاصد تغاير أخراهما وتستقل بها تماماً عنها. بل إن البين من هاتين الوثيقتين أنهما صادرتان عن سلطتين تأسيسيتين مختلفتين، وأن إحداهما تنظم دولة مركبة، وأخراهما تتناول دولة بسيطة، وهو ما ينعكس بالضرورة على جوهر الأحكام التي احتوتها كل منهما. متى كان ذلك، وكانت الأحكام الأساسية لاتحاد الجمهوريات العربية - وعلى ما تقدم - لا تعتبر جزءاً من دستور جمهورية مصر العربية، فإن الفصل فيما إذا كان القانون المطعون فيه - محدداً مجالاً على ضوء نطاق الطعن والمصلحة فيه - قد خالفهما، هو مما يخرج عن اختصاص المحكمة الدستورية العليا. ولا محل بعدئذ للخوض في شروط اتصال الدعوى الماثلة بالمحكمة وفقاً بالأوضاع التي نص عليها قانونها، ذلك أن تحققها من توافره هذه الشروط أو تخلفها في الدعوى الدستورية المطروحة عليها، يفترض أن تكون المسائل الدستورية التي تثيرها، مما تمتد إليها ولايتها.


الإجراءات

فى الثالث والعشرين من إبريل سنة 1995، أودع المدعى قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة طلباً الحكم بعدم دستورية القانون رقم 143 لسنة 1984 بانسحاب جمهورية مصر العربية من اتحاد الجمهوريات العربية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكره دفعت فيها بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى، وطلبت احتياطياً الحكم بعدم قبولها.
وقدم المدعى مذكرة برده على الدفوع التي أبدتها هيئة قضايا الدولة.
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعى كان قد أقام أمام محكمة جنوب القاهرة، الدعوى رقم 12372 لسنة 1991 طالباً إلزام المدعى عليهم الثلاثة الأول بأن يؤدوا إليه المكافأة التي يستحقها كعضو بمجلس الأمة الاتحادي في اتحاد الجمهوريات العربية وغيرها من المزايا المقررة قانوناً بصفته هذه، وذلك اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1984، مع الاستمرار في أداء المكافأة والمزايا المشار إليها إلى أن يُحَل مجلس الأمة الاتحادي، فتنتهى عضويته فيه، أو يُحَل الاتحاد المنشأ بين الجمهوريات الثلاث، مع إلزام المدعى عليهم المذكورين بتعويضه بمبلغ مليون جنيه عما لحقه من أضرار نتيجة توقفهم عن دفع مستحقاته المشار إليها. وإذ قضت محكمة جنوب القاهرة بعدم اختصاصها ولائياً بنظر تلك الدعوى، فقد طعن في حكمها بالاستئناف رقم 102110 لسنة 110 قضائية، وأثناء نظره دفع بعدم دستورية القانون رقم 143 لسنة 1984 بانسحاب جمهورية مصر العربية من اتحاد الجمهوريات العربية، فقدرت محكمة استئناف القاهرة جدية دفعه، وخولته رفع الدعوى الدستورية، فأقامها.
وحيث إن البين من القانون رقم 143 لسنة 1984 بانسحاب جمهورية مصر العربية من اتحاد الجمهوريات العربية، أنه نص في مادته الأولى على أن يعلن انسحاب جمهورية مصر العربية من اتفاق إقامة اتحاد الجمهوريات العربية بين جمهورية مصر العربية والجمهورية العربية الليبية والجمهورية العربية السورية الموقع في بنغازى في 17 إبريل سنة 1971؛ وفى مادته الثانية على أن يصدر رئيس الجمهورية قراراً ينظم عمل الشركات الاتحادية وفروعها العامة في جمهورية مصر العربية والمنشأة في إطار الاتحاد لحين البت في وضعها النهائي؛ وفى مادته الثالثة على أن يتولى وزير المالية اتخاذ الإجراءات الخاصة بإنهاء كافة التعاقدات المتعلقة بمقر الاتحاد وموظفيه في القاهرة؛ وكان مؤدى هذه النصوص جميعها أمرين - أولهما: انسحاب مصر من اتفاق إنشاء اتحاد الجمهوريات العربية، وإنهاؤها بإرادتها المنفردة لالتزاماتها المترتبة على هذا الاتفاق، ثانيهما: تسويتها للآثار المترتبة على انسحابها في مجال علاقاتها بالشركات الاتحادية وفروعها العاملة في جمهورية مصر العربية والتعاقدات الخاصة بمقر الاتحاد والعاملين به، وذلك في الحدود التي بينتها المادتان الثانية والثالثة من هذا القانون.
وحيث إن المدعى ذهب إلى القول بأن الأحكام الأساسية لاتحاد الجمهوريات العربية لا يجوز تعديلها إلا بعد الموافقة الإجماعية لمجلس رئاسة الاتحاد، وعرض التعديل في استفتاء شعبي يظفر بالأغلبية في كل جمهورية من الجمهوريات الأعضاء في هذا الاتحاد. وبغير اجتماع هذه الشروط يكون انسحاب مصر من الاتحاد ممتنعاً، ومخالفاً لنص المادة 15 من الأحكام الأساسية لذلك الاتحاد التي لا تعد قانوناً اتحادياً، بل تندرج في إطار النصوص الدستورية ذاتها، فتكون لها قوتها لتسمو على غيرها من النصوص، وهو ما يبدو - وعلى ما قرره المدعى - واضحاً من زاويتين : أولاهما: شكلية؛ تتمثل في إقرار الأحكام الأساسية لاتحاد الجمهوريات العربية من خلال استفتاء شعبي خلع عليها - وبالنظر إلى الجهة التي صدر عنها ممثلة في الشعب - قوة النصوص الدستورية ذاتها. وثانيتهما: موضوعية، ذلك أن تلك الأحكام الأساسية - وبالنظر إلى موضوعها - تعد دستوراً، إذ تحدد للدولة الاتحادية ملامح بنيانها وخصائص مؤسساتها ووظائفها، وحقوق مواطنيها وحرياتهم. ومن هاتين الزاويتين ينعقد للمحكمة الدستورية العليا دون غيرها اختصاص الفصل في التعارض بين القانون المطعون فيه، والأحكام الأساسية لاتحاد الجمهوريات العربية المدعى مخالفتها، لتحدد - على ضوء هذا التعارض - المسائل الدستورية التي تدعى للفصل فيها.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت أصلياً بعدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا بنظر الدعوى الماثلة، مستندة في ذلك إلى دعامتين: أولاهما: أن الرقابة على الشرعية الدستورية التي تتولاها هذه المحكمة، مناطها مخالفة نص قانوني لأحكام دستور جمهورية مصر العربية، ولا شأن لها بالتالي بالتعارض المدعى به بين القانون المطعون فيه، والأحكام الأساسية لاتحاد الجمهوريات العربية التي وفق عليها في بنغازي في 17 إبريل سنة 1971، ذلك أن المحكمة الدستورية الاتحادية وحدها - وعملاً بنص المادة 48 من دستور اتحاد الجمهوريات العربية - هي التي وحدها - وعملاً بنص المادة 48 من دستور اتحاد الجمهوريات العربية - هي التي تفصل في الطعون التي تقدم إليها في شأن مدى مطابقة قوانين الجمهوريات لدستور الاتحاد وقوانينه. ثانيتهما: أن القانون المطعون فيه يعتبر من أعمال السيادة التي لا يجوز للقضاء النظر فيها بطريق مباشر أو غير مباشر. يؤيد ذلك ما ورد بتقرير اللجنة المشتركة من لجنة الشئون العربية ومكتبي كل من لجنتي العلامات الخارجية والشئون الدستورية بمجلس الشعب عن مشروع القانون المطعون فيه، من أن هذا الاتحاد قام أصلا من أجل توحيد الأمة العربية، وحشد طاقاتها، لتكون قادرة على النضال من أجل تحقيق أهدافها، في إطار تكتل دولي يُعينها على النهوض بمسئولياتها وصراعها مع الاستعمار والصهيونية، وأن انسحاب مصر من اتفاق إنشاء هذا الاتحاد، مرده قيام بعض دوله بأعمال تخريبية في مصر، قرنتها بحملاتها الإعلامية تشويهاً لكل عمل وطني، وهو ما يعتبر إخلالاً منها بالتزاماتها الدولية الناشئة عن هذا الاتفاق، مما يجعل تنفيذها مستحيلاً، ويُبْطِل الأغراض التي توخاها الاتحاد، فضلاً عن أن قطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية فيما بين الدول الأطراف فيه، يعنى تغييراً في الظروف يبرر إنهاءه، ضماناً لأمن مصر وكيانها، وحفاظاً على هيبتها وسيادتها.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت كذلك هذه الدعوى - واحتياطياً - بعدم قبولها، تأسيساً على أن صحيفتها خلت من بيان النصوص الدستورية المدعى مخالفتها وأوجه المخالفة، وهى بيانات جوهرية تطلبتها المادة 30 من قانون المحكمة الدستورية العليا لتؤكد للدعوى الدستورية جديتها، وتُبَين موضوعها حتى يحيط ذوو الشأن فيها بمختلف جوانبها ويتمكنون على ضوء أبعادها من إبداء ملاحظاتهم ودودهم وتعقيباتهم بشأنها.
وحيث إن البت في اختصاص المحكمة الدستورية العليا ولائياً بنظر الدعوى بذاتها، سابق بالضرورة على بحث شرائط قبولها أو الخوض في موضوعها، وتواجهه هذه المحكمة من تلقاء نفسها، إذ لا يتصور أن تفصل في شرائط اتصال الدعوى بها وفقاً للأوضاع المنصوص عليها في قانونها، قبل تثبتها من أن النزاع موضوعها مما يدخل في ولايتها؛ وكان من المقرر كذلك أن تحقيقها لولايتها بنظر الدعوى بذاتها، قد يقتضيها أن تتناول المصلحة فيها، بل وإن تعرض لموضوعها، بقدر ما يكون ذلك لازماً لتحديد ما إذا كان الطعن المطروح عليها داخلاً في نطاق ولايتها، أم واقعاً فيما وراء تخومها.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يقوم ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، وكان النزاع الموضوعي يدور حول حق المدعى في اقتضاء المكافأة التي يطلبها بوصفه عضواً في مجلس الأمة الاتحادي، وإلى أن يتم حل اتحاد الجمهوريات العربية أو يُحَل مجلس الأمة الاتحادي؛ وكان ما تضمنه القانون المطعون فيه من إعلان انسحاب جمهورية مصر العربية من هذا الاتحاد، مؤداه زوال عضويتها فيه، وانقضاء التزاماتها الناشئة عنه أو المترتبة عليه، فإن نص المادة الأولى من هذا القانون، تكون وحدها مدار الطعن بعدم الدستورية، وهى كذلك موضوع الخصومة الدستورية الماثلة.
وحيث إن اتفاق إقامة اتحاد الجمهوريات العربية بين جمهورية مصر العربية والجمهورية العربية الليبية والجمهورية العربية السورية، والموقع في بنغازي بتاريخ 17 إبريل سنة 1971، قد تضمن إعلان قيام هذا الاتحاد باعتباره القاعدة الصلبة للنضال العربي، وأحد الروافد العامة لحركة التحرر العالمية، والرد العملي والطبيعي على كل مؤامرات الاستعمار والصهيونية التي تدبر ضد الأمة العربية لضمان تخلفها وتبعيتها؛ وكان هذا الإعلان قد اقترن ببيان الأحكام الأساسية التي يقوم عليها هذا الاتحاد، بما في ذلك تحديد المسائل التي يختص بها، والمؤسسات التي تهيمن على شئونه وتُصَرفها؛ فإن هذا الاتفاق يتمحض عن معاهدة دولية، ذلك أن عبارة المعاهدة الدولية لا تعدو أن تكون مصطلحا عاما Generic term يمتد إلى كل أشكال الاتفاق الدولي فيما بين دولتين أو أكثر إذا دون هذا الاتفاق سواء في وثيقة واحدة أو أكثر، وأياً كان نطاق المسائل التي ينظمها، أو موضوعها. ومن ثم يندرج تحتها مما يتصل بمفهومها من صور هذا الاتفاق سواء كان عهداً، أو ميثاقاً، أو إعلاناً، أو بروتوكولاً، أو نظاماً، أو تبادلاً لمذكرتين.
وحيث إن إبداء إحدى الدول لتحفظاتها في شأن معاهدة دولية تكون طرفاً فيها، وإن كان لا يعطل سريانها، بل يقتصر التحفظ على حكم وارد بها بقصد استبعاده أو تعديل مضمونه في مجال تطبيقه بالنسبة إليها، إلا أن انسحابها من معاهدة ترتبط بها، لا يعنى أنها لم تعد ملتزمة بها في مجموع أحكامها، فلا تتقيد بأيها، ذلك أن إعلانها الانسحاب منها ليس إجراء موقفاً لنفاذها قبلها Suspension of its operation، ولا هو تعديل لبعض نصوصها، بل ينحل إنهاء لوجودها في علاقاتها بها، فلا يحتج عليها بالأحكام التي تضمنتها، بل تتنصل تماماً منها، ما لم يكن ممكناً ورد التزاماتها - في هذا الشأن - إلى قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي العام التي لا تجوز مخالفتها Jus Cogens ، كتلك القواعد التي تتعلق بعدم جواز اللجوء إلى استخدام القوة في علائق الدول بعضها ببعض، وحظر ارتكابها لجرائم دولية، كإبادتها لعنصر بعينه، أو تعاملها في الأشخاص سواء من خلال استرقاقهم أو دفعهم إلى البغاء أو الفجور، إذ تظل الدولة المنسحبة ملتزمة بمثل هذه القواعد، لا بناء على المعاهدة التي قررتها، بل إعمالاً للقواعد الآمرة في القانون الدوليperemtory Norms of General International Law التي لا يجوز تعديلها باتفاق لاحق.
وحيث إنه سواء كان الانسحاب من المعاهدة جائزاً بنص صريح فيها، أو مستفاداً ضمناً من أحكامها، وسواء كان إجراؤه موافقاً لقواعد القانون الدولي أو منافياً لها، فإن الانسحاب - وباعتباره تصرفاً قانونياً منفرداً يصدر عن إحدى الدول لدواعي ترتئيها - يظل واقعا في إطار إدارتها لعلاقاتها الخارجية، من خلال توجيهها لروابطها مع غيرها من الدول، لتتحلل منها في مجال اتصالها بمعاهدة دولية كانت طرفاً فيها، وهو ما يتعلق بمسئوليتها الدولية عند قيام موجبها، بما مؤداه أن انسحاب جمهورية مصر العربية - بالنص المطعون فيه - من معاهدة تكوين اتحاد الجمهوريات العربية المتحدة، يعنى انحلالها بالنسبة إليها. وإذ كان الرؤساء الثلاثة اللذين أقاموا هذا الاتحاد، قد عهدوا إلى لجنة ثلاثية بوضع مشروع دستور لتنظيمه في إطار من الأحكام الأساسية التي أقروها فيما بينهم ، فإن زوال معاهدة تكوين الاتحاد في العلاقة بين جمهورية مصر العربية وكل من سوريا وليبيا، يدل بالضرورة على سقوط ذلك الدستور في نطاق روابطها بهاتين الدولتين.
وحيث إن الرقابة القضائية على الدستورية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا، مناطها تعارض النصوص القانونية المطعون عليها مع الأحكام التي تضمنها دستور جمهورية مصر العربية باعتباره وثيقة يقتصر سريانها على نطاقها الإقليمي، ولا يمتد مجال تطبيقها لغيرها من الدول؛ وكان اتحاد الجمهوريات العربية قد توخى أصلاً دعم الترابط والتكامل بين دول ثلاث هى مصر وسوريا وليبيا، ليكون نواة لوحدة عربية أشمل وأداتها الرئيسية هى معركة التحرير؛ وكان تضافر جهودها على هذا النحو، قد اقتضاها تكوين جبهة سياسية فيما بينهما تكفل تفاعلها وتوحيد منطلقاتها وخلق مناخ ملائم تسيطر عليه روح التحرير والإيثار من أجل إذابة الحواجز والفوارق الإقليمية بين هذه الدول؛ متى كان ذلك، فإن ذلك الاتحاد، يعتبر إطاراً لحركتها في حدود الأحكام الأساسية التي قام عليها، ليمتد تطبيقها إلى أقاليمها الثلاثة جميعاً. وتظل لهذه الأحكام الأساسية ذاتيتها ولو تم إقرارها من خلال استفتاء شعبي، أو كان لها - من زاوية محتواها الموضوعي - خصائص القواعد الدستورية وملامحها. ولا يجوز بالتالي إقحامها - وبفرض استمرار نفاذها - في نطاق دستور جمهورية مصر العربية، ذلك أن اتحاد وثيقتين في طريقة إصدارهما، أو انطوائهما معاً على قواعد دستورية، لا يدمجهما في بعض، ولا يحيلهما إلى وثيقة واحدة تتعدد أجزاؤها، كلما كان لكل منهما إقليم يتعلق به مجال تطبيقها، وكان لإحداهما مقاصد تغاير أخراهما وتستقل بها تماماً عنها. بل إن البين من هاتين الوثيقتين أنهما صادرتان عن سلطتين تأسيسيتين مختلفتين، وأن إحداهما تنظم دولة مركبة، وأخراهما تتناول دولة بسيطة، وهو ما ينعكس بالضرورة على جوهر الأحكام التي احتوتها كل منهما. متى كان ذلك، وكانت الأحكام الأساسية لاتحاد الجمهوريات العربية - وعلى ما تقدم - لا تعتبر جزءاً من دستور جمهورية مصر العربية، فإن الفصل فيما إذا كان القانون المطعون فيه - محدداً مجالاً على ضوء نطاق الطعن والمصلحة فيه - قد خالفهما، هو مما يخرج عن اختصاص المحكمة الدستورية العليا. ولا محل بعدئذ للخوض في شروط اتصال الدعوى الماثلة بالمحكمة وفقاً للأوضاع التي نص عليها قانونها، ذلك أن تحققها من توافر هذه الشروط أو تخلفها في الدعوى الدستورية المطروحة عليها، يفترض أن تكون المسائل الدستورية التي تثيرها، مما تمتد إليها ولايتها.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى، وبمصادرة الكفالة، والزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق