الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 12 نوفمبر 2021

القضية 203 لسنة 20 ق جلسة 14 / 4 / 2002 دستورية عليا مكتب فني 10 دستورية ق 51 ص 308

جلسة 14 أبريل سنة 2002

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ محمد فتحي نجيب - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: عبد الرحمن نصير ومحمد علي سيف الدين ومحمد عبد القادر عبد الله وعلي عوض محمد صالح والدكتور حنفي علي جبالي ومحمد عبد العزيز الشناوي وحضور السيد المستشار/ سعيد مرعي عمرو - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

------------------

قاعدة رقم (51)

القضية رقم 203 لسنة 20 قضائية "دستورية"

(1) المصلحة الشخصية المباشرة "مناطها":
مناط المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الدستورية. مؤدى ذلك: أن يكون الحكم الصادر في المسائلة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع.
(2) دستور "قانون: أثر رجعي".
سريان أحكام القانون - في غير المواد الجنائية - بأثر رجعي. لازمه: توافر أغلبية أعضاء مجلس الشعب. المادة (187) من الدستور.
(3) دستور "لوائح تنفيذية: إصدارها".
إصدار رئيس الجمهورية اللوائح التنفيذية. نطاقه: المادة (144) من الدستور.
(4) دستور "شريعة إسلامية: الأصول الثابتة. الأحكام الظنية: اجتهاد".
مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع. المادة الثانية من الدستور بعد تعديلها سنة 1980. مؤدى ذلك: لا يجوز للنص التشريعي أن يناقض الأحكام الشرعية قطعية الثبوت والدلالة. انحصار الاجتهاد في الأحكام الظنية في ثبوتها أو دلالتها أو فيهما معاً.
(5) شريعة إسلامية "اجتهاد".
الاجتهاد. ماهيته: إعمال حكم العقل فيما لا نص فيه. غايته: تقرير قواعد عملية يقتضيها عدل الله ورحمته بعباده. مراعاة المصلحة الحقيقية التي تتفق مع المقاصد العليا للشريعة. حجية الآراء الاجتهادية. مداها.
(6) إيجار - "امتداد عقد إيجار الأماكن غير السكنية بعد وفاة المستأجر الأصلي. الآراء الفقهية". "سلطة المشرع في تحقيق مصالح العباد".
اتفاق جمهور الفقهاء "المالكية والشافعية والحنابلة" على أن وفاة المستأجر لا ينفسخ بها عقد الإيجار. قيام ورثته مقامه في استيفاء منافع الإيجار. مخالفة الأحناف هذا الرأي. مؤداه: جواز الخلاف بين الآراء الاجتهادية. أثره: للمشرع أن يشترع ما يحقق مصالح الناس.
(7) دستور. ملكية خاصة "صونها. تنظيمها. وظيفة اجتماعية". تشريع "علاقات إيجارية. القانون رقم 6 لسنة 1997 بتعديل الفقرة الثانية من المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1979 وببعض الأحكام الخاصة بإيجار الأماكن غير السكنية. مراعاة حقوق المؤجر والمستأجرين".
كفل الدستور صون الملكية الخاصة. من السائغ تنظيم هذه الملكية ضماناً لأداء وظيفتها الاجتماعية التي تمليها طبيعة الأموال محل الملكية. القانون رقم 6 لسنة 1997. راعى حقوق المؤجرين والمستأجرين. عدم امتداد عقد إيجار الأماكن غير السكنية إلا لزوج وأقارب المستأجر الأصلي حتى الدرجة الثانية فقط. قيود ذلك الامتداد. تحقيق التوازن في العلاقة الإيجارية. زيادة القيمة الإيجارية للعين ثم توالي الزيادة بصفة دورية توفيراً لمصالح المؤجرين.
(8 - 10) دستور "نظام اشتراكي". مبدأ تكافؤ الفرص. مبدأ المساواة.
(8) تأسيس النظام الاشتراكي على الكفاية والعدل، لا يعني الإخلال بحق المشرع في مباشرة سلطته التقديرية في تنظيم الحقوق.
(9) الفرص التي يعنيها نص المادة (8) من الدستور هي تلك التي تتعهد الدولة بتقديمها. الحماية الدستورية لتلك الفرص. غايتها: تقدير أولوية في مجال الانتفاع بها لبعض المتزاحمين عليها. تحديد هذه الأولوية وفق أسس موضوعية يقتضيها الصالح العام.
(10) إعمال مبدأ المساواة يفترض تماثل المراكز القانونية في نطاق الموضوع محل التنظيم التشريعي.
(11) عقد الإيجار - الأماكن غير السكنية - امتداده - اجتهاد".
ليس ثمة نص قطعي يقرر حكماً فاصلاً في شأن جواز امتداد عقد إيجار الأماكن غير السكنية بعد وفاة المستأجر الأصلي إلى ورثته.
(12) عقد الإيجار - امتداده - الموازنة بين مصالح المستأجرين وحقوق المؤجرين".
البين من نصوص القانون رقم 6 لسنة 1997، التي انتظمت العلاقة الإيجارية بين المؤجر ومستأجر الأماكن غير السكنية، أنها تؤلف تدبيراً فيه مزاوجة بين حقوق المؤجرين ومصالح المستأجرين.
(13) عقد الإيجار - الأماكن غير السكنية - امتداده - وفاة المستأجر".
إن الفقرة الأخيرة من المادة الأولى من القانون رقم 6 لسنة 1997 تضمنت النص على عدم استمرار العقد بموت أحد من أصحاب حق البقاء في العين إلا لصالح المستفيدين من ورثة المستأجر الأصلي دون غيره ولمرة واحدة فقط.

----------------
1 - حيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية، لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع، ولما كان ذلك، وكانت الدعوى الموضوعية تقوم على مدى أحقية المدعي في إخلاء العين محل النزاع من المدعى عليهم من الرابع إلى الرابع عشر بعد وفاة مورثهم المستأجر الأصلي، دون أن يمتد إليهم عقد إيجار تلك العين رضاء، فإن مصلحته الشخصية
المباشرة تنحصر في الطعن على نص الفقرة الثانية من المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 بعد إبدالها بالقانون رقم 6 لسنة 1997، وكذلك ما تضمنته المادة الخامسة من القانون المشار إليه، وأحكام اللائحة التنفيذية للقانون المتعلقة بهاتين المادتين.
2 - حيث إن الثابت من مضبطة الجلسة الخمسين لمجلس الشعب المعقودة بتاريخ 24 مارس سنة 1997 والمرفقة بالأوراق، أنه عند الاقتراع على مشروع القانون رقم 6 لسنة 1997 محل الطعن، أوضح رئيس المجلس أن أحكامه تسرى بأثر رجعي مما يتطلب طبقاً للمادة (187) من الدستور توافر أغلبية خاصة الأمر الذي يقتضي عملاً بالمادة (305) من اللائحة الداخلية للمجلس أن يكون أخذ الرأي النهائي عليه نداءً بالاسم، وبعد ذلك نودي على الأسماء - التي أثبتت في ملحق المضبطة - ثم أعلن رئيس المجلس أن أخذ الرأي النهائي أسفر عن موافقة (279) عضواً على مشروع القانون. ولما كان ذلك، وكان عدد أعضاء مجلس الشعب في تلك الدورة التشريعية (454) عضواً طبقاً لما جاء بكتاب السيد أمين عام مجلس الشعب المؤرخ 31 مارس سنة 2002، وكان قد توافر بذلك لهذا القانون - وهو تشريع في غير المواد الجنائية - ما تتطلبه المادة (187) من الدستور من موافقة أغلبية أعضاء مجلس الشعب على سريان أحكامه بالنسبة للماضي.
3 - الدستور حدد على سبيل الحصر الجهات التي تختص بإصدار اللوائح التنفيذية، فقصرها على رئيس الجمهورية أو من يفوضه في ذلك أو من يعينه القانون لإصدارها؛ بحيث يمتنع على من عداهم ممارسة هذه الاختصاص الدستوري وإلا وقع عمله اللائحي مخالفاً لنص المادة (144) المشار إليه. متى كان ذلك، وكان القانون رقم 6 لسنة 1997 لم يعهد إلى جهة معينه بإصدار القرارات اللازمة لتنفيذه، فإن صدور اللائحة المطعون عليها بقرار من رئيس الجمهورية في الحدود التي رسمتها المادة (144) في شأن اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين لا ينطوي على ثمة مخالفة دستورية.
4 - المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا - أن النص في المادة الثانية من الدستور - بعد تعديلها في سنة 1980 - على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، إنما يتجلى عن دعوة المشرع كي يتخذ من الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً فيما يسنه من تشريعات تصدر بعد العمل بالتعديل الدستوري المشار إليه، فلا يجوز منذ ذلك التاريخ لنص تشريعي أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي لا تحتمل اجتهاداً، ومن ثم لا يُقبل إقرار أية قاعدة قانونية تخالفها. وليست كذلك الأحكام الظنية في ثبوتها أو دلالتها أو فيهما معاً، وهي التي تتسع لدائرة الاجتهاد يسطع فيها تنظيماً لشئون العباد، وضماناً لمصالحهم.
5 - الاجتهاد وإن كان حقاً لأهل الاجتهاد، فأولى أن يكون هذا مقرراً لولي الأمر، يبذل جهده في استنباط الحكم الشرعي من الدليل التفصيلي، ويعمل حكم العقل فيما لا نص فيه توصلاً لتقرير قواعد عملية يقتضيها عدل الله ورحمته بعباده. وتسعها الشريعة الإسلامية التي لا تضفي قدسية على آراء أحد من الفقهاء في شأن من شئونها، ولا تحول دون مراجعتها وتقييمها وإبدال غيرها بها بمراعاة المصلحة الحقيقية التي لا تناقض المقاصد العليا للشريعة، فالآراء الاجتهادية لا تجاوز حجيتها قدر اقتناع أصحابها بها، ولا يساغ بالتالي اعتبارها شرعاً مقرراً لا يجوز نقضه، وإلا كان ذلك نهياً عن التأمل والتبصر في دين الله تعالى وإنكاراً لحقيقة أن الخطأ محتمل في كل اجتهاد، ومن ثم صح القول بأن اجتهاد أحد من الفقهاء ليس بالضرورة أحق بالإتباع من اجتهاد غيره، وربما كان أضعف الآراء أكثرها ملاءمة للأوضاع المتغيرة، ولو كان مخالفاً لأقوال كثيرة امتد العمل بها زمناً.
6 - حيث إنه ليس ثمة نص قطعي يقرر حكماً فاصلاً في شأن جواز امتداد عقد إيجار الأماكن غير السكنية بعد وفاة المستأجر الأصلي إلى ورثة، ومن ثم يكون سبيل الاجتهاد في هذا الشأن طليقاً طالما التزم مقاصد الشريعة العليا. آية ذلك أن غالبية مذهب جمهور الفقهاء "المالكية والشافعية والحنابلة" قد اتفقت على أن وفاة المستأجر لا ينفسخ بها عقد الإيجار، لأنه تملك بهذا العقد من المنافع ما يورثه لورثته عند وفاته، فيقومون مقامه في استيفاء ما ورثوه من منافع، في حين أن الأحناف ومن سايرهم خالفوا هذا الرأي، والخلاف بين الرأيين إن هو إلا تعبير عن جواز الاجتهاد، وجواز الخلاف فيما هو أقرب لتحقيق مصالح الناس بحسب ظروف الزمان والمكان، وإذا كان المقرر - في قضاء المحكمة الدستورية العليا - أنه يجوز لولي الأمر أن يشترع على خلاف اجتهادات السابقين، وأن ينظم شئون العباد تبعاً لما طرأ على مصالحهم من تغيير وتطوير، ومن ثم كان حقاً عند الخيار بين أمرين مراعاة ما لم يكن مؤثماً، وألا يشترع حكماً يضيق على الناس أو يرهقهم من أمرهم عنتاً. وإذا كانت النصوص المطعون فيها لا تخالف - على ما تقدم - نصاً قطعياً في أمر عقد الإيجار، فإنه لم يعد هناك ما يسوغ القول بمخالفتها للمادة الثانية من الدستور.
7 - حيث إن - من المستقر عليه في قضاء المحكمة الدستورية العليا - أن الدستور حرص على صون الملكية الخاصة وكفل عدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء وفي الحدود وبالقيود التي أوردها، إلا أن تلك الملكية لم تعد حقاً مطلقاً يتأبى على التنظيم التشريعي، بل غدا تنظيمها لازماً، ضماناً لأداء وظيفتها الاجتماعية التي يتحدد نطاقها ومرماها وفقاً لطبيعة الأموال محلها، والأغراض التي ينبغي توجيهها إليها، وبذلك يكون لحق الملكية إطار محدد تتوازن فيه المنافع دون أن تتنافر، وإذا كانت الوظيفة الاجتماعية لحق الملكية تبرز على وجه الخصوص في مجال العلائق الإيجارية، فقد كان خليقاً بالمشرع أن يتدخل لأداء هذه الوظيفة، مراعاة لخصائص الأعيان المؤجرة وطبيعة المصالح التي تتزاحم من حولها، وضرورة موازنتها لمواجهة الأزمة المتفاقمة الناشئة عن قلة المعروض من الأماكن المعدة لمباشرة الأنشطة التجارية أو الصناعية أو المهنية أو الحرفية، المقابلة للزيادة المطردة في الطلب عليها، بما يضمن التوفيق بينها، حفظاً لمصلحة الجماعة وتأميناً للاستقرار الاجتماعي، وهو في ذلك يؤثر المصالح الأولى بالرعاية والأجدر بالحماية. متى كان ذلك، وكان البين من نصوص القانون رقم 6 لسنة 1997، التي انتظمت العلاقة الإيجارية بين المؤجر ومستأجر الأماكن غير السكنية، أنها تؤلف تدبيراً فيه مزاوجة بين حقوق المؤجرين ومصالح المستأجرين، فقد قصر المشرع امتداد عقد إيجار تلك الأماكن على زوج وأقارب المستأجر الأصلي حتى الدرجة الثانية فقط، وأثقل ذلك الامتداد بقيود عدة، حينما استلزم أن يكون شغل الورثة المذكورين للعين المؤجرة مرتبطاً بحاجتهم إليها بوصفها مكاناً يباشرون فيه ذات المهنة أو الحرفة أو ذات النشاط الذي كان يباشره مورثهم الأصلي، سواء كان ذلك بأنفسهم أو بمن ينوب عنهم، ضماناً لأن يكون شغلهم للعين ناشئاً عن ضرورة حقيقية لاستمرار مورد رزقهم ومصدر عيشهم، وتأكيداً في الوقت ذاته على تواصل نشاط هذه المراكز الحرفية والصناعية والتجارية، مما يوفر استثماراً أفضل للأموال المرصودة عليها، ويحفظ المردود الاقتصادي العائد منها، ولم يغفل المشرع الضرورة التي تفرضها الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للدولة، فقد جاء بتقرير اللجنة المشتركة من لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ومكتب لجنة الإسكان والمرافق والتعمير المشكلة بمجلس الشعب لدراسة مشروع القانون: "أن عدد الوحدات الإيجارية القائمة التي سيشملها تطبيق النص تصل إلى 776 ألف وحدة إيجارية وكل منها تمثل نشاط أسرة بأكملها، أي ما يقترب من ثلاثة ملايين مواطن". وبذلك فإن أي تشريع يتعلق بهذه الوحدات سوف يمس قطاعات عريضة من المنتفعين بهذه الأنشطة، ويتعداهم إلى فئات أوسع من المرتبطين بنشاطهم أو المنتفعين بهذا النشاط، وهو ما ينجم عنه تداعيات بالغة الخطورة من الكساد والبطالة والتشريد. ولم يكتف المشرع بالاعتبارات المتقدمة وإنما جهد لتحقيق التوازن في العلاقة الإيجارية والمساواة بين طرفيها وعدم مضارة المؤجرين، فقد تضمنت نصوص القانون المذكور زيادة القيمة الإيجارية للعين عقب نشر القانون، ثم توالي الزيادة بعد ذلك بصفة دورية، وهو ما راعى فيه المشرع مصالح المؤجر. كما أن الفقرة الأخيرة من المادة الأولى من القانون رقم 6 لسنة 1997 تضمنت النص على عدم استمرار العقد بموت أحد من أصحاب حق البقاء في العين إلا لصالح المستفيدين من ورثة المستأجر الأصلي دون غيرة ولمرة واحدة فقط، ومن ثم يكون ما ذهب إليه المدعي بشأن إهدار النصوص المطعون فيها لحق الملكية مفتقداً لأساسه.
8 - ما قرره الدستور من تأسيس النظام الاشتراكي الديمقراطي على الكفاية والعدل وبناء مصر لمجتمعها وفقاً لمفهوم العدالة الاجتماعية والتضامن الاجتماعي، لا يعني الإخلال بحق المشرع في مباشرة سلطته التقديرية في مجال تنظيم الحقوق إتباعاً لضوابط الدستور، وهو ما يقوم به بالمفاضلة بين البدائل المتاحة، مرجحاً من بينها ما يراه أكفل لتحقيق المصالح المشروعة التي قصد حمايتها.
9 - مبدأ تكافؤ الفرص المنصوص عليه في المادة (8) من الدستور يتصل بالفرص التي تتعهد الدولة بتقديمها، ويجرى إعماله عند التزاحم عليها، وغاية الحماية الدستورية أن تقرر أولوية المنتفعين بها وفق أسس موضوعية يقتضيها الصالح العام.
10 - مبدأ المساواة أمام القانون الذي تضمنه نص المادة (40) من الدستور يفترض تماثل المراكز القانونية في نطاق الموضوع محل التنظيم التشريعي، ومعاملتها على ضوء قاعدة موحدة لا تفرق بين أصحابها بما ينال من مضمون الحقوق التي يتمتعون بها. لما كان ما تقدم، وكانت النصوص الطعينة لا صلة لها بفرض قائمة يجرى التزاحم عليها، كما أن تلك النصوص تناولت تنظيم بعض جوانب العلاقة الإيجارية لأغراض مشروعة ووفق أسس موضوعية تنأى عن التمييز المهني عنه بين المخاطبين بها، كما أن ذات النصوص لا تتضمن مساساً بالمواد (38، 44، 64) من الدستور المتعلقة بقيام النظام الضريبي على العدالة الاجتماعية، وحرمة المساكن، وسيادة القانون، فإن النعي عليها يكون حرياً بالالتفات عنه.
11 - ومن ثم يكون سبيل الاجتهاد في هذا الشأن طليقاً طالما التزم مقاصد الشريعة العليا.
12 - البين من نصوص القانون رقم 6 لسنة 1997، التي انتظمت العلاقة الإيجارية بين المؤجر ومستأجر الأماكن غير السكنية، أنها تؤلف تدبيراً فيه مزاوجة بين حقوق المؤجرين ومصالح المستأجرين.
13 - أن الفقرة الأخيرة من المادة الأولى من القانون لرقم 6 لسنة 1997 تضمنت النص على عدم استمرار العقد بموت أحد من أصحاب حق البقاء في العين إلا لصالح المستفيدين من ورثة المستأجر الأصلي دون غيره ولمرة واحدة فقط.


الإجراءات

بتاريخ 29/ 10/ 1998، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة الأولى وصدور المادة الرابعة والمادة الخامسة من القانون رقم 6 لسنة 1997 بتعديل الفقرة الثانية من المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 وببعض الأحكام الخاصة بإيجار الأماكن غير السكنية واللائحة التنفيذية للقانون المذكور.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أولاً: بعدم قبول الدعوى فيما يتعلق بالمادة الرابعة والمادة الخامسة عدا الفقرة الثانية منها واللائحة التنفيذية للقانون رقم 6 لسنة 1997. ثانياً: وفي الموضوع برفضها مع إلزام المدعي في أي من الحالين بالمصروفات والأتعاب.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعي كان قد أقام الدعوى رقم 1254 لسنة 1997 مدني كلي المنصورة ضد المدعى عليهم من الرابع حتى الرابع عشر بطلب الحكم بإخلائهم من العين المؤجرة لمورثهم بعقد الإيجار المؤرخ 1/ 11/ 1986 وتسليمها، وقال بياناً لدعواه أنه بعد وفاة المستأجر الأصلي قام الورثة بوضع يدهم على المحل ولذا أقام الدعوى بطلباته سالفة البيان. وإذ حكمت محكمة الدرجة الأولى برفضها، فقد أقام الاستئناف رقم 411 لسنة 50 ق أمام محكمة استئناف المنصورة، وأثناء نظره دفع بعدم دستورية القانون رقم 6 لسنة 1997، وبعد تقدير المحكمة لجدية دفعه صرحت للمدعي بإقامة دعواه الدستورية، فأقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة الأولى من القانون رقم 6 لسنة 1997 بتعديل الفقرة الثانية من المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 وببعض الأحكام الخاصة بإيجار الأماكن غير السكنية تنص على ما يلي:
"يستبدل بنص الفقرة الثانية من المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، النص الآتي:
فإذا كانت العين مؤجرة لمزاولة نشاط تجاري أو صناعي أو مهني أو حرفي، لا ينتهي العقد بموت المستأجر ويستمر لصالح الذين يستعملون العين من ورثته في ذات النشاط الذي كان يمارسه المستأجر الأصلي طبقاً للعقد، أزواجاً وأقارب حتى الدرجة الثانية، ذكوراً وإناثاً من قصّر وبلّغ، يستوي في ذلك أن يكون الاستعمال بالذات أو بواسطة نائب عنهم.
واعتباراً من اليوم التالي لتاريخ نشر هذه القانون المعدّل، لا يستمر العقد بموت أحد أصحاب حق البقاء في العين إلا لصالح المستفيدين من ورثة المستأجر الأصلي دون غيره ولمرة واحدة".
كما ينص صدر المادة الرابعة على أنه: "تسري أحكام هذا القانون على الأماكن المؤجرة لغير أغراض السكنى، التي يحكمها القانون رقم 49 لسنة 1977 المشار إليه والقانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر والقوانين الخاصة بإيجار الأماكن الصادرة قبلهما".
وتنص المادة الخامسة على أنه: "ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية، ويعمل به من اليوم التالي لتاريخ نشره، عدا الفقرة الأولى من المادة الأولى منه فيعمل بها اعتباراً من تاريخ العمل بالقانون رقم 49 لسنة 1977 المشار إليه".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية، لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع، لما كان ذلك، وكانت الدعوى الموضوعية تقوم على مدى أحقية المدعي في إخلاء العين محل النزاع من المدعى عليهم من الرابع إلى الرابع عشر بعد وفاه مورثهم المستأجر الأصلي، دون أن يمتد إليهم عقد إيجار تلك العين رضاء، فإن مصلحته الشخصية المباشرة تنحصر في الطعن على نص الفقرة الثانية من المادة (29) - من القانون رقم 49 لسنة 1977 بعد إبدالها بالقانون رقم 6 لسنة 1997، وكذلك ما تضمنته المادة الخامسة من القانون المشار إليه، وأحكام اللائحة التنفيذية للقانون المتعلقة بهاتين المادتين.
وحيث إن المدعي ينعي على القانون رقم 6 لسنة 1997 مخالفة أحكام المادتين (187، 188) من الدستور، لعدم صدوره بموافقة أغلبية أعضاء مجلس الشعب رغم ما نصت عليه المادة الخامسة من أثر رجعي، كما ينعي على اللائحة التنفيذية للقانون مخالفتها المادة (144) من الدستور، لصدورها بقرار من رئيس الجمهورية، في حين أن القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، ناط بوزير الإسكان إصدار اللوائح التنفيذية المتعلقة بهذا القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود في وجهه الأول، بأن الثابت من مضبطة الجلسة الخمسين لمجلس الشعب المعقود بتاريخ 24 مارس سنة 1997 والمرافقة بالأوراق، أنه عند الاقتراع على مشروع القانون رقم 6 لسنة 1997 محل الطعن، أوضح رئيس المجلس أن أحكامه تسري بأثر رجعي مما يتطلب طبقاً للمادة (187) من الدستور توافر أغلبية خاصة الأمر الذي يقتضي عملاً بالمادة (305) من اللائحة الداخلية للمجلس أن يكون أخذ الرأي النهائي عليه نداءً بالاسم، وبعد ذلك نودي على الأسماء - التي أثبتت في ملحق المضبطة - ثم أعلن رئيس المجلس أن أخذ الرأي النهائي أسفر عن موافقة (279) عضواً على مشروع القانون. لما كان ذلك، وكان عدد أعضاء مجلس الشعب في تلك الدورة التشريعية (454) عضواً طبقاً لما جاء بكتاب السيد أمين عام مجلس الشعب المؤرخ 31 مارس سنة 2002، وكان قد توافر بذلك لهذا القانون - وهو تشريع في غير المواد الجنائية - ما تتطلبه المادة (187) من الدستور من موافقة أغلبية أعضاء مجلس الشعب على سريان أحكامه بالنسبة للماضي فإن ما ينعاه المدعي بشأن مخالفته أحكام الدستور يكون على غير أساس. والنعي في وجهه الثاني مردود أيضاً، ذلك أن الدستور حدد على سبيل حصر الجهات التي تختص بإصدار اللوائح التنفيذية، فقصرها على رئيس الجمهورية أو من يفوضه في ذلك أو من يعينه القانون لإصدارها؛ بحيث يمتنع على من عداهم ممارسة هذا الاختصاص الدستوري وإلا وقع عمله اللائحي مخالفاً لنص المادة (144) المشار إليها. متى كان ذلك، وكان القانون رقم 6 لسنة 1997 لم يعهد إلى جهة معينه بإصدار القرارات اللازمة لتنفيذه، فإن صدور اللائحة المطعون عليها بقرار من رئيس الجمهورية في الحدود التي رسمتها المادة (144) في شأن اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين لا ينطوي على ثمة مخالفة دستورية ويكون النعي بأكمله في غير محله.
وحيث إن المدعي ينعي على نصوص المطعون فيها - محددة نطاقاً على النحو سالف البيان - مخالفة المواد (2، 4، 7، 8، 32، 34) من الدستور بقالة تعارضها مع أحكام الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، وإهدارها حق الملكية، وإخلالها بمبدأ التضامن الاجتماعي، كما ينعي عليها أيضاً مخالفتها المواد (38، 40، 44، 64) من الدستور.
وحيث إن النعي بمخالفة النصوص الطعينة لحكم المادة الثانية من الدستور مردود، ذلك أن - المقرر في قضاء هذه المحكمة - أن النص في المادة الثانية من الدستور - بعد تعديلها في سنة 1980 - على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، إنما يتجلى عن دعوة المشرع كي يتخذ من الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً فيما يسنه من تشريعات تصدر بعد العمل بالتعديل الدستوري المشار إليه، فلا يجوز منذ ذلك التاريخ لنص تشريعي أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي لا تحتمل اجتهاداً، ومن ثم لا يُقبل إقرار أية قاعدة قانونية تخالفها. وليست كذلك الأحكام الظنية في ثبوتها أو دلالتها أو فيهما معاً، وهي التي تتسع لدائرة الاجتهاد يسطع فيها تنظيماً لشئون العباد، وضماناً لمصالحهم، وهو اجتهاد وإن كان حقاً لأهل الاجتهاد، فأولى أن يكون هذا الحق مقرراً لولي الأمر، يبذل جهده في استنباط الحكم الشرعي من الدليل التفصيلي، ويعمل حكم العقل فيما لا نص فيه توصلاً لتقرير قواعد عملية يقتضيها عدل الله ورحمته بعباده، وتسعها الشريعة الإسلامية التي لا تضفي قدسية على آراء أحد من الفقهاء في شأن من شئونها، ولا تحول دون مراجعتها وتقييمها وإبدال غيرها بها بمراعاة المصلحة الحقيقية التي لا تناقض المقاصد العليا للشريعة، فالآراء الاجتهاد لا تجاوز حجيتها قدر اقتناع أصحابها بها، ولا يساغ بالتالي اعتبارها شرعاً مقرراً لا يجوز نقضه، وإلا كان ذلك نهياً عن التأمل والتبصر في دين الله تعالى وإنكاراً لحقيقة أن الخطأ محتمل في كل اجتهاد، ومن ثم صح القول بأن اجتهاد أحد من الفقهاء ليس بالضرورة أحق بالإتباع من اجتهاد غيره، وربما كان أضعف الآراء أكثرها ملاءمة للأوضاع المتغيرة، ولو كان مخالفاً لأقوال كثيرة امتد العمل بها زمناً.
وحيث إنه ليس ثمة نص قطعي يقرر حكماً فاصلاً في شأن جواز امتداد عقد إيجار الأماكن غير السكنية بعد وفاة المستأجر الأصلي إلى ورثته، ومن ثم يكون سبيل الاجتهاد في هذا الشأن طليقاً طالما التزم مقاصد الشريعة العليا. آية ذلك أن غالبية مذاهب جمهور الفقهاء "المالكية والشافعية والحنابلة" قد اتفقت على أن وفاة المستأجر لا ينفسخ بها عقد الإيجار، لأنه تملك بهذا العقد من المنافع ما يورثه لورثته عند وفاته، فيقومون مقامه في استيفاء ما ورثوه من منافع، في حين أن الأحناف ومن سايرهم خالفوا هذا الرأي، والخلاف بين الرأيين إن هو إلا تعبير عن جواز الاجتهاد، وجواز الخلاف فيما هو أقرب لتحقيق مصالح الناس بحسب ظروف الزمان والمكان، وإذا كان المقرر - في قضاء المحكمة الدستورية العليا - أنه يجوز لولي الأمر أن يشترع على خلاف اجتهادات السابقين، وأن ينظم شئون العباد تبعاً لما طرأ على مصالحهم من تغيير وتطوير، ومن ثم كان حقاً عند الخيار بين أمرين مراعاة أيسرهما ما لم يكن مؤثماً، وألا يشترع حكماً يضيق على الناس أو يرهقهم من أمرين عنتاً. وإذا كانت النصوص المطعون فيها لا تخالف - على ما تقدم - نصاً قطعياً في أمر عقد الإيجار، فإنه لم يعد هناك ما يسوغ القول بمخالفتها للمادة الثانية من الدستور.
وحيث إن - من المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة - أن الدستور حرص على صون الملكية الخاصة وكفل عدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء وفي الحدود وبالقيود التي أوردها، إلا أن تلك الملكية لم تعد حقاً مطلقاً يتأبى على التنظيم التشريعي، بل غدا تنظيمها لازماً، ضماناً لأداء وظيفتها الاجتماعية التي يتحدد نطاقها ومرماها وفقاً لطبيعة الأموال محلها، والأغراض التي ينبغي توجيهها إليها، وبذلك يكون لحق الملكية إطار محدد تتوازن فيه المنافع دون أن تتنافر، وإذا كانت الوظيفة الاجتماعية لحق الملكية تبرز على وجه الخصوص في مجال العلائق الإيجارية، فقد كان خليقاً بالمشرع أن يتدخل لأداء هذه الوظيفة، مراعاة لخصائص الأعيان المؤجرة وطبيعة المصالح التي تتزاحم من حولها، وضرورة موازنتها لمواجهة الأزمة المتفاقمة الناشئة عن قلة المعروض من الأماكن المعدة بمباشرة الأنشطة التجارية أو الصناعية أو المهنية أو الحرفية، المقابلة للزيادة المطردة في الطلب عليها، بما يضمن التوفيق بينها، حفظاً لمصلحة الجماعة وتأميناً للاستقرار الاجتماعي، وهو في ذلك يؤثر المصالح الأولى بالرعاية والأجدر بالحماية. متى كان ذلك، وكان البين من نصوص القانون رقم 6 لسنة 1997، التي انتظمت العلاقة الإيجارية بين المؤجر ومستأجر الأماكن غير السكنية، أنها تؤلف تدبيراً فيه مزاوجة بين حقوق المؤجرين ومصالح المستأجرين، فقد قصر المشرع امتداد عقد إيجار تلك الأماكن على زوج وأقارب المستأجر الأصلي حتى الدرجة الثانية فقط، وأثقل ذلك الامتداد بقيود عدة، حينما استلزم أن يكون شغل الورثة المذكورين للعين المؤجرة مرتبطاً بحاجتهم إليها بوصفها مكاناً يباشرون فيه ذات المهنة أو الحرفة أو ذات النشاط الذي كان يباشره مورثهم الأصلي، سواء كان ذلك بأنفسهم أو بمن ينوب عنهم، ضماناً لأن يكون شغلهم للعين ناشئاً عن ضرورة حقيقية لاستمرار مورد رزقهم ومصدر عيشهم، وتأكيداً في الوقت ذاته على تواصل نشاط هذه المراكز الحرفية والصناعية والتجارية، مما يوفر استثماراً أفضل للأموال المرصودة عليها، ويحفظ المردود الاقتصادي العائد منها، ولم يغفل المشرع الضرورة التي تفرضها الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للدولة، فقد جاء بتقرير اللجنة المشتركة من لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ومكتب لجنة الإسكان والمرافق والتعمير المشكلة بمجلس الشعب لدراسة مشروع القانون: "أن عدد الوحدات الإيجارية القائمة التي سيشملها تطبيق النص تصل إلى 776 ألف وحدة إيجارية وكل منها تمثل نشاط أسرة بأكملها، أي ما يقترب من ثلاثة ملايين مواطن". وبذلك فإن أي تشريع يتعلق بهذه الوحدات سوف يمس قطاعات عريضة من المنتفعين بهذه الأنشطة، ويتعداهم إلى فئات أوسع من المرتبطين بنشاطهم أو المنتفعين بهذا النشاط، وهو ما ينجم عنه تداعيات بالغة الخطورة من الكساد والبطالة والتشريد. ولم يكتف المشرع بالاعتبارات المتقدمة وإنما جهد لتحقيق التوازن في العلاقة الإيجارية والمساواة بين طرفيها وعدم مضارة المؤجرين، فقد تضمنت نصوص القانون المذكورة زيادة القيمة الإيجارية للعين عقب نشر القانون، ثم توالي الزيادة بعد ذلك بصفة دورية، وهو ما راعى فيه المشرع مصالح المؤجر. كما أن الفقرة الأخيرة من المادة الأولى من القانون رقم 6 لسنة 1997 تضمنت النص على عدم استمرار العقد بموت أحد من أصحاب حق البقاء في العين إلا لصالح المستفيدين من ورثة المستأجر الأصلي دون غيره ولمرة واحدة فقط ومن ثم يكون ما ذهب إليه المدعي بشأن إهدار النصوص المطعون فيها لحق الملكية مفتقداً لأساسه.
وحيث إن ما يثيره المدعي بشأن مخالفة النصوص الطعينة لمواد الدستور أرقام (4، 7، 8، 38، 40، 44، 64) فهو مردود بأن ما قرره الدستور من تأسيس النظام الاشتراكي الديمقراطي على الكفاية والعدل وبناء مصر لمجتمعها وفقاً لمفهوم العدالة الاجتماعية والتضامن الاجتماعي، لا يعني الإخلال بحق المشرع في مباشرة سلطته التقديرية في مجال تنظيم الحقوق إتباعاً لضوابط الدستور، وهو ما يقوم به بالمفاضلة بين البدائل المتاحة، مرجحاً من بينها ما يراه أكفل لتحقيق المصالح المشروعة التي قصد حمايتها. كما أن مبدأ تكافؤ الفرص المنصوص عليه في المادة (8) من الدستور يتصل بالفرص التي تتعهد الدولة بتقديمها، ويجرى إعماله عند التزاحم عليها، وغاية الحماية الدستورية أن تقرر أولوية المنتفعين بها وفق أسس موضوعية يقتضيها الصالح العام. لما كان ذلك، وكان مبدأ المساواة أمام القانون الذي تضمنه نص المادة (40) من الدستور يفترض تماثل المراكز القانونية في نطاق الموضوع محل التنظيم التشريعي، ومعاملتها على ضوء قاعدة موحدة لا تفرق بين أصحابها بما ينال من مضمون الحقوق التي يتمتعون بها. لما كان ما تقدم، وكانت النصوص الطعينة لا صلة لها بفرض قائمة يجرى التزاحم عليها، كما أن تلك النصوص تناولت تنظيم بعض جوانب العلاقة الإيجارية لأغراض مشروعة ووفق أسس موضوعية تنأى عن التمييز المهني عنه بين المخاطبين بها، كما أن ذات النصوص لا تتضمن مساساً بالمواد (38، 44، 64) من الدستور المتعلقة بقيام النظام الضريبي على العدالة الاجتماعية، وحرمة المساكن، وسيادة القانون، فإن النعي عليها يكون حرياً بالالتفات عنه.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكانت نصوص القانون المطعون عليها بالصيغة التي اشترعها المشرع لا تناقض أحكام الدستور، فإنه يتعين الحكم برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق