الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 7 مارس 2021

عدم دستورية وضع حـد أقصى للمقابـل النقدي لرصيد الإجازات الاعتيادية للعاملين بهيئة الإسعاف المصرية

الدعوى رقم 12 لسنة 41 ق "دستورية" جلسة 2 / 1 / 2021

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من يناير سنة 2021م، الموافق الثامن عشر من جمادى الأولى سنة 1442 هـ.

برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة

وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبدالجواد شبل وطارق عبد العليم أبو العطا نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر


أصدرت الحكم الآتى

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 12 لسنة 41 قضائية "دستورية"، بعد أن أحالت المحكمة الإدارية لمحافظة بور سعيد، بحكمها الصادر بجلسة 28/10/2018، ملف الدعوى رقم 304 لسنة 6 قضائية.


المقامة من

ورثة: جمال صبحى طه محمد الشربيني، وهم :

1- نظيمة محمـــــود أحمد موســــى

2- وطنية صبحى طه محمد الشربينـى

3- فهيمة مرسى عبد الرحيم ســـــــــالم

4- رضا مرسى عبد الرحيم ســـــــــــــالم

5- مرسى مرسى عبد الرحيم ســــــالم


ضـد

1- محافظ بورسعيد

2- مدير مديرية الشئون الصحية ببورسعيد

3- مدير الشئون المالية والإدارية بهيئة الإسعاف المصرية ببورسعيد

4- مدير الشئون المالية والإدارية بمديرية الشئون الصحية والسكان ببورسعيد

5- رئيس مجلس إدارة هيئة الإسعاف المصرية

6- مدير شئون العاملين بهيئة الإسعاف

7- مدير الشئون المالية والإدارية بهيئة الإسعاف


الإجراءات

بتاريخ الرابع من فبراير سنة 2019، ورد إلى قلم كتاب هذه المحكمة ملف الدعوى رقم 304 لسنة 6 قضائية، بعد أن أحالتها المحكمة الإدارية ببورسعيد بحكمها الصادر بجلسة 28/10/2018، للفصل في دستورية نص المادة (102) من اللائحة التنفيذية لنظام العاملين بهيئة الإسعاف المصرية الصادرة بقرار مجلس إدارتها رقم (8) بجلسة 6/10/2010 - وصحته 10/6/2010 - فيما تضمنه من وضع حد أقصى لما يجوز أن يحصل عليه العامل بالهيئة من مقابل نقدى لرصيد إجازاته الاعتيادية التي لم يستنفدها أثناء الخدمة.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، ومثل فيها محام عن المدعى عليه الخامس، وقدم صورة من لائحة هيئة الإسعاف المصرية الصادرة بموجب قرار رئيس مجلس إدارة الهيئة رقم 124 لسنة 2019، كما قدم مذكرة، طلب فيها الحكم برفض الدعوى، وبالجلسة ذاتها قررت المحكمة إصدار الحكم في الدعوى بجلسة اليوم.

المحكمة

حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق - في أن المدعين أقاموا الدعوى الموضوعية، ضد المدعى عليهم، بطلب الحكم بأحقيتهم في صرف المقابل النقدي لرصيد إجازات مورثهم الاعتيادية الذى لم يصرف لهم. وذلك على سند من أنه كان من العاملين بهيئة الإسعاف المصرية التابعة لمديريـة الشئون الصحية والسكان ببورسعيد، إلى أن توفى بتاريـخ 24/6/2017، ولم تصرف لهم جهة عمله سوى المقابل النقدي لرصيد إجازته عن مدة أربعة أشهر، فأقاموا دعواهم بطلباتهم السالفة الذكر. وقد ارتأت محكمة الموضوع شبهة عدم دستورية نص المادة (102) من لائحة شئون العاملين بهيئة الإسعاف المصرية المعتمدة بتاريخ 10/6/2010، وذلك لوضعها حدًا أقصى لما يجوز أن يحصل عليه العامل من مقابل نقدى لرصيد الإجازات الاعتيادية التي لم يستنفدها أثناء الخدمة، فقضت بوقف الدعوى وأحالت الأوراق إلى هذه المحكمة للفصل في دستورية النص المشار إليه.


وحيث إن المادة (102) من لائحة شئون العاملين بهيئة الإسعاف المصرية الصادرة بقرار مجلس الإدارة رقم 8 بجلسة 10/6/2010 - المعدلة بقراره الصادر بتاريخ 11/2/2014 - تنص في عجزها على أن" إذا انتهت خدمة العامل قبل استنفاد رصيده من الإجازات الاعتيادية استحق عن هذا الرصيد أجره الأساسي مضافًا إليه العلاوات الخاصة التي كان يتقاضاها عند انتهاء خدمته، وذلك بما لا يجاوز أجر أربعة أشهر".

وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن إلغاء اـلنص التشريعي المطعون فيه لا يحول دون النظر والفـصل في الطعـن بعدم الدستورية من قبل من طُبق عليهم ذلك التشريع خلال فترة نفاذه، وترتبت بمقــتضاه آثار قانونية بالنسبة إليهم، وتبعًا لذلك توافرت لهم مصلحة شخصية في الطعن بعدم دستوريته. متى كان ذلك، وكان حق المدعين في صرف المقابل النقدي لكامل رصيد الإجازات الاعتيادية لمورثهم قد نشأ اعتبارًا من وفاته بتاريخ 24/6/2017، في ظل العمل بأحكام المادة (102) من لائحة شئون العاملين بهيئة الإسعاف المصرية المشار إليها بعد تعديلها بتاريخ 11/2/2014. ومن ثم يكون هذا النص هو الواجب الإعمال في الدعوى الموضوعية – وهو نص تنظيمي عام تشمله الرقابة على الدستورية التي تتولاها هذه المحكمة على القوانين واللوائح – دون النص الوارد بلائحة شئون العاملين بتلك الهيئة الصادرة بقرار رئيس مجلس إدارتها رقم 124 لسنة 2019.

وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية – وهى شرط لقبولها – مناطها – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع. ويستوى في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفــــع أو عن طريق الإحالة. والمحكمة الدستورية العليا هى وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها. متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع ينصب على طلب المدعين بأحقيتهم في صرف المقابل النقدي لكامل رصيد إجازات مورثهم الاعتيادية، وكان عجز نص المادة (102) من لائحة شئون العاملين بهيئة الإسعاف المصرية المشار إليها قصر المقابل النقدي لرصيد الإجازات التي لم يحصل عليها العامل طوال مدة خدمته بما لا يجاوز أجر أربعة أشهر، ومن ثم يتوافر شرط المصلحة في الدعوى المعروضة بشأن نص تلك المادة، لما للقضاء في دستوريته من أثر وانعكاس على الطلبات المطروحة على محكمة الموضوع، وقضائها فيها، وفيه وحده يتحدد نطاق هذه الدعوى.

وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النص التشريعي المحال – في النطاق السالف تحديده – إخلاله بالحماية المقررة للملكية الخاصة، بحرمانه العامل، أو ورثته، من التعويض الجابر لكامل رصيد الإجازات الاعتيادية التي لم يحصل عليها إبان فترة خدمته، بالمخالفة لنص المادة (35) من الدستور.

وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلاً - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه؛ لكون نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكان اـلنص المحال ظل ساريًا ومعمولاً بأحكامه حتى إلغائه بتاريخ 31/12/2019، بعد العمـل بأحكام الدستور القائم. وكانت المناعي التي وجهها حكم الإحالة للنص التشريعي المحال – في النطاق السالف تحديده – تندرج تحت المناعي الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي معين لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم فإن المحكمة تباشر رقابتها على دستورية النص اللائحي المحال في ضوء أحكام الدستور القائم، الصادر بتاريخ 18/1/2014، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.

وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لكل حق أوضاعًا يقتضيها، وآثارًا يرتبها، من بينها - في مجال حق العمل - ضمان الشروط التي يكون أداء العمل في نطاقها منصفًا وإنسانيًّا ومواتيًّا، فلا تنتزع هذه الشروط قسرًا من محيطها، ولا ترهق بفحواها بيئة العمل ذاتها؛ أو تناقض بأثرها ما ينبغي أن يرتبط حقًا وعقلاً بالشروط الضرورية لأداء العمل بصورة طبيعية لا تحامل فيها . ومن ثم، لا يجوز أن تنفصل الشروط التي يتطلبها المشرع لمباشرة عمل أو أعمال بذواتها عن متطلبات ممارستها، وإلا كان تقريرها انحرافًا بها عن غايتها، يستوى في ذلك أن يكون سندها علاقة عقدية أو رابطة لائحية.

وحيث إن الدستور القائم وإن خول سلطة التشريع بنص المادة (12) تنظيم حق العمل، إلا أنها لا يجوز لها أن تعطل جوهره، ولا أن تتخذ من حمايتها للعامل موطئًا لإهدار حقوق يمتلكها، وعلى الأخص تلك التي تتصل بالأوضاع التي ينبغي أن يُمارس العمل فيها، ويندرج تحتها الحق في الإجازة السنوية التي لا يجوز لجهة العمل أن تحجبها عن عامل يستحقها، وإلا كان ذلك منها عدوانًا على صحته البدنية والنفسية، وإخلالاً بأحد التزاماتها الجوهرية التي لا يجوز للعامل بدوره أن يتسامح فيها، ونكولاً عن الحدود المنطقية التي ينبغي وفقًا للدستور أن تكون إطارًا لحق العمل واستتارًا بتنظيم هذا الحق للحد من مداه .

وحيث إن المشرع - في الإطار السابـق بيانه- قد صاغ بنص المادة (46) من قانون الخدمـة المدنية الصادر بالقانون رقم 18 لسنة 2015، وهو القانون العام بالنسبة للعاملين بالدولة وهيئاتها العامة - حق العامل في الإجازة السنوية فدل بذلك على أنه حقًّ مقررً له ـبـنص القانون، يظل قائمًا ما بقيت الرابطة الوظيفية قائمة .

وحيث إن المشرع تغيا من ضمان حق العامل في إجازة سنوية بالشروط التي حددها أن يستعيد العامل خلالها قواه المادية والمعنوية، ولا يجوز بالتالي أن ينزل العامل عنها ولو كان هذا النزول ضمنّا بالامتناع عن طلبها، إذ هي فريضة اقتضاها المشرع من كل من العامل وجهة الإدارة، فلا يملك أيهما إهدارها كليًّا أو جزئيًّا إلا لأسباب قوية تقتضيها مصلحة العمل، ولا أن يدعى العامل أنه بالخيار بين طلبها أو تركها، وإلا كان التخلي عنها إنهاكًا لقواه، وتبديدًا لطاقاته، وإضرارًا بمصلحة العمل ذاتها التي يتعذر صونها مع الاستمرار فيه دون انقطاع. فالحق في الإجازة السنوية يتصل بقيمة العمل وجدواه، وينعكس بــالضرورة على كيان الجماعة، ويمس مصالحها العليا، صونًا لقوتها الإنتاجية البشرية.

وحيث إن المشرع قد دل بنصه في المادة (102) من اللائحة المشار إليها، على أن العامل لا يجوز أن يتخذ من الإجازة السنوية وعاءً ادخاريًّا من خلال ترحيل مددها التي تراخى في استعمالها، ثم تجميعها ليحصل بعد انتهاء خدمته على ما يقابلها من أجر، وكان ضمان المشرع لمصلحة العمل ذاتها قد اقــــتضاه أن يرد على العامل سوء قصده فلم يجز له أن يحصل على ما يساوى أجر هذا الرصيد إلا عن مدة لا تجاوز أربعة أشهر، وهى بعد مدة قدر المشرع أن قصرها يعتبر كافلاً للإجازة السنوية غايتها، فلا تفقد مقوماتها أو تتعطل وظائفها. بيد أن هذا الحكم لا ينبغي أن يسري على إطلاقه، بما مؤداه أنه كلما كان فوات الإجازة راجعًا إلى جهة العمل، أو لأسباب اقتضتها ظروف أدائه دون أن يكون لإرادة العامل دخل فيها، كانت جهة العمل مسئولة عن تعويضه عنها، فلا يجوز للعامل عندئذ - وكأصل عام - أن يطلبها جملة إذا كان اقـتضاء ما تجمع من إجازاته السنوية على هذا النحو ممكنًا عينًا، وإلا كان التعويض النقدي عنها واجبًا، تقديرًا بأن المدة التي امتد إليها الحرمان من استعمال تلك الإجازة مردها إلى جهة العمل، فكان لزامًا أن تتحمل وحدها تبعة ذلك .

وحيث إن الحق في هذا التعويض لا يعدو أن يكون من العناصر الإيجابية للذمة المالية للعامل، مما يندرج في إطار الحقوق التي تكفلها المادتان ( 33، 35) من الدستور اللتان صان بهما الملكية الخاصة، التي جرى قضاء هذه المحكمة على اتساعها للأموال بوجه عام، وانصرافها بالتالي إلى الحقوق الشخصية والعينية جميعها. متى كان ذلك جميعه، فإن حرمان العامل من التعويض المكافئ للضرر الجابر له عن حرمانه من إجازاته السنوية بداعى مصلحة العمل يكون مخالفًا للحماية الدستورية المقررة للحق في العمل، والحق في الملكية الخاصة.

فلهذه الأسباب

حكــــمت المحكمة بعدم دستورية ما تضمنه عجز نص المادة (102) من لائحة شئون العاملين بهيئة الإسعاف المصرية – الصادرة بتاريخ 10/6/2010، والمعدلة بتاريخ 11/2/2014 - من وضع حـد أقصى للمقابـل النقدي لرصيد الإجازات الاعتيادية الذى يستحقه العامل عند انتهاء خدمته لا يجاوز أجر أربعة أشهر، متى كان الحرمان من الإجازة فيما جاوز من رصيدها هذا الحد راجعًا إلى أسباب اقتضتها مصلحة العمل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق