جلسة 5 من يناير سنة 2016
(4)
الطعن رقم 3029 لسنة 85 القضائية
(1) نقض " أسباب الطعن . توقيعها
" .
خلو
مذكرات أسباب الطعن من توقيع محام في أصلها وصورها حتى فوات ميعاد الطعن . أثره:
عدم قبول الطعن شكلاً . توقيعها بالآلة الكاتبة . لا يغير من ذلك . علة ذلك ؟
(2) تجمهر . إثبات
" شهود " . حكم " بيانات حكم الإدانة " " تسبيبه
. تسبيب معيب " . جريمة " أركانها " . مسئولية جنائية . نقض "
أسباب الطعن . ما يقبل منها " .
حكم الإدانة . بياناته ؟
عبارة بيان الواقعة الواردة بالمادة 310 إجراءات .
المقصود بها ؟
قيام جريمة التجمهر المؤثمة
بالمادتين الثانية والثالثة من القانون 10 لسنة 1914 . شروطه ؟
المسئولية عن الجريمة التي تقع
بقصد تنفيذ الغرض من التجمهر . لا يتحملها جنائياً إلَّا الأشخاص الذين يتألف منهم التجمهر وقت ارتكابها .
عدم تدليل الحكم على توافر أركان الجريمة واكتفائه
بإيراد مؤدى أقوال شاهدين بصورة مبهمة . قصور .
(3) إثبات " بوجه عام "
" شهود " " قرائن " . استدلالات . محكمة الموضوع "
سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى " " سلطتها في تقدير
الدليل " . حكم " بيانات التسبيب " " تسبيبه . تسبيب معيب " "
بطلانه " .
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة
الدعوى . موضوعي . شرط ذلك ؟
الأحكام الجنائية . وجوب أن تبنى على الأدلة التي
يقتنع بها القاضي بإدانة المتهم أو ببراءته بناءً على عقيدة يحصِّلها بنفسه دون
سواه .
للمحكمة أن تعوِّل علي التحريات باعتبارها قرينة
معززة لما ساقته من أدلة . عدم صلاحيتها بمجردها كدليل أو قرينة مستقلة على ثبوت
الاتهام . مخالفة الحكم المطعون فيه هذا النظر واستناده للتحريات بصفة أصلية .
قصور . لا يغير من ذلك تعويله على أقوال شاهد لم ير الطاعنين يرتكبوا الجرائم
المسندة إليهم .
(4) استدلالات . تفتيش " إذن التفتيش . إصداره" . دفوع "
الدفع ببطلان التحريات " " الدفع ببطلان إذن التفتيش لعدم جدية التحريات" . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير جدية التحريات". حكم "
تسبيبه . تسبيب معيب " . نقض " أسباب الطعن . ما يقبل منها "
" أثر الطعن ".
إذن التفتيش . ماهيته وشروط إصداره ؟
تقدير جدية
التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش . موكول لسلطة التحقيق تحت إشراف محكمة
الموضوع .
الدفع ببطلان التحريات . جوهري . أثر ذلك ؟
اكتفاء الحكم في اطراح الدفع ببطلان إذن التفتيش لعدم
جدية التحريات بإبداء عبارة قاصرة دون إبداء المحكمة رأيها في عناصر التحريات أو
كفايتها . قصور وفساد. يوجبان نقضه والإعادة
للطاعنين جميعاً ومنهم من لم يقبل طعنه شكلاً دون المحكوم عليهما غيابياً . علة
ذلك ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كانت مذكرات أسباب الطعن - الأربعة - المقدمة
بتاريخ .... وإن كانت تحمل ما يشير إلى صدورها من مكتب المحاميين/ .... و.... إلَّا أنه لم يوقع عليهم في أصلهم أو في صورهم
حتى فوات مواعيد الطعن ، وهو ما لا يغني عنه توقيعهم بالآلة الكاتبة لأنه
لا يوفر الشكل الذي يتطلبه القانون للتوقيع على أسباب الطعن ، ومن ثم فإن الطعن المقدم من الطاعنين الثاني والثالث يكون مفصحاً
عن عدم قبوله شكلاً .
2- من المقرر أن القانون قد أوجب في كل حكم بالإدانة أن
يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة
بيانا تتحقق به أركان الجريمة ، والظروف التي وقعت فيها ، والأدلة التي
استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من المتهم ، وأن تلتزم بإيراد مؤدى الأدلة التي استخلصت منها الإدانة ، حتى يتضح وجه استدلالها بها
وسلامة مأخذها وإلَّا كان الحكم قاصراً ، وكان المقصود بعبارة بيان الواقعة الواردة بالمادة 310 من قانون الإجراءات
الجنائية هو أن يثبت قاضي الموضوع في حكمه كل الأفعال والمقاصد التي تتكون
منها أركان الجريمة . لما كـــــــان ذلك ، وكان يشترط لقيام جريمة التجمهر
المؤثمة بالمادتين الثانية والثالثة من القانون رقم 10 لسنة 1914 اتجاه غرض المتجمهرين الذين يزيد عددهم على خمسة أشخاص إلى
مقارفة الجرائم التي وقعت تنفيذا لهذا الغرض ، وأن تكون نية الاعتداء قد
جمعتهم وظلت تصاحبهم حتى نفذوا غرضهم المذكور ، وأن تكون الجرائم التي ارتكبت قد
وقعت نتيجة نشاط إجرامي من طبيعة واحدة ، ولم تكن جرائم استقل بها أحد المتجمهرين
لحسابه دون أن يؤدي إليها السير الطبيعي للأمور وقد وقعت جميعها حال التجمهر . لما
كان ما تقدم ، وكان الحكم المطعون فيه لم يدلل على توافر هذه العناصر الجوهرية في
حق الطاعنين ، كما أن مسئولية الجريمة التي تقع بقصد تنفيذ الغرض المقصود من
التجمهر لا يتحملها جنائياً إلَّا الأشخاص الذين يتألف منهم التجمهر وقت ارتكابها
، وكان الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين فقد أورد مؤدى أقوال شاهد الواقعة ، والشاهد الثاني - مجري التحريات - على صورة يشوبها
الغموض الذي لا يبين منه وجه الحق ، وكان ما أورده في مجموعه لا يكشف عن
توافرها، فإنه يكون مشوباً بالقصور مما يعيبه ويوجب نقضه بالنسبة لهم.
3- لما كان من حق محكمة الموضوع أن
تستخلص واقعة الدعوى من أدلتها وسائر عناصرها ، إلَّا أن ذلك مشروط بأن يكون استخلاصها سائغاً وأن يكون الدليل الذي تعوِّل
عليه مؤدياً إلى ما رتبه من نتائج من غير تعسف في الاستنتاج ولا تنافر مع حكم
العقل والمنطق ، وكان من المقرر أن الأحكام يجب أن تبنى على الأدلة التي يقتنع
منها القاضي بإدانة المتهم أو ببراءته صادراً في ذلك عن عقيدة يحصِّلها هو مما
يجريه من تحقيق مستقلاً في تحصيل هذه العقيدة بنفسه لا يشاركه فيها غيره ، ولا يصح
في القانون أن يدخل في تكوين عقيدته بصحة الواقعة التي أقام عليها قضاءه أو بعدم
صحتها حكماً لسواه ، وكان من المقرر كذلك أنه وإن كان يجوز للمحكمة أن تعوِّل في
تكوين عقيدتها على التحريات بحسبانها قرينة تعزز ما ساقته من أدلة إلَّا أنها لا
تصلح بمجردها أن تكون دليلاً كافياً بذاته أو قرينة مستقلة على ثبوت الاتهام ، وهي
من بعد لا تعدو أن تكون مجرد رأي لصاحبها يخضع لاحتمالات الصحة والبطلان والصدق
والكذب إلَّا أن يعرف مصدرها ويتحدد حتى يتحقق القاضي بنفسه من هذا المصدر
ويستطيع أن يبسط رقابته على الدليل وتقدير
قيمته القانونية في الإثبات . لما كان ذلك ، وكان البيِّن من مدونات الحكم المطعون
فيه أن المحكمة قد اتخذت من تحريات الشاهد الثاني ضابط قطاع الأمن الوطني وأقواله
بشأنها دليلاً أساسياً في ثبوت الاتهام دون أن تورد من الأدلة والقرائن ما يساندها
، كما أنها لم تشر في حكمها إلى مصدر التحريات للتحقيق من صدق ما نقل عنه ، فإن
حكمها يكون قد تعيب بالفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب بما يبطله ، ولا يعصم
الحكم من هذا البطلان أن يكون قد عوَّل في الإدانة على ما ورد بأقوال الشاهد الأول
، لما هو مقرر من أن ما ورد بأقوال الشاهد الأول وكما حصَّلها الحكم قد خلت مما
يفيد رؤيته للطاعنين وهم يرتكبوا الفعل المادي للجرائم المسندة إليهم ، ومن ثم فإن
استناد الحكم إلى أقوال الشاهد الأول سالف الذكر لا يغير من حقيقة كونه اعتمد
بصفته أساسية على التحريات وهي لا تصلح دليلاً منفرداً في هذا المجال .
4- لما كان الحكم المطعون فيه رد على الدفع ببطلان إذن التفتيش لابتنائه على
تحريات غير جدية بقوله : " وحيث إنه عن الدفع بعدم جدية التحريات فمردود بأن
تقدير جدية التحريات هو من المسائل الموضوعية التي يوكل
الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع ولما كانت هذه المحكمة تطمئن
إلى صحة التحريات التي أجريت وترتاح إليها لأنها تحريات صريحة وواضحة وهي تصدق من
أجراها ويقطع بأنها أجريت فعلاً بمعرفة مجريها وحوت بيانات كافية تمكن من خلالها
تحديد شخصية المتهمين وهو الأمر المحقق في واقعة الدعوى الأمر الذي لم ينازع فيه المتهم ودفاعه مما يكون منعى الدفاع في هذا
الصدد غير سديد " . لما كان ذلك ، وكان الأصل في القانون أن
الإذن بالتفتيش هو إجراء من إجراءات التحقيق لا يصح
إصداره إلَّا لضبط جريمة " جناية أو جنحة " واقعة بالفعل وترجحت نسبتها
إلى متهم معين ، وأن هناك من الدلائل ما يكفي للتصدي لحرمة مسكنه أو لحريته
الشخصية ، وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لتسويغ إصدار الإذن بالتفتيش وإن كان موكولاً إلى سلطة
التحقيق التي أصدرته تحت رقابة محكمة الموضوع ، إلَّا أنه إذا كان المتهم
قد دفع ببطلان هذا الإجراء ، فإنه يتعين على
المحكمة أن تعرض لهذا الدفع الجوهري وأن تقول كلمتها فيه بأسباب سائغة وكافية . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد
اكتفى بالرد على الدفع ببطلان إذن التفتيش بالعبارة - المار سردها - وهي عبارة قاصرة لا يستطاع معها الوقوف على مسوغات ما
قضى به الحكم في هذا الشأن ، إذ لم تبد المحكمة رأيها في عناصر التحريات
السابقة على الإذن بالتفتيش أو تقل كلمتها في كفايتها لتسويغ إصدار الإذن من سلطة
التحقيق ، وماهية الجريمة التي وقعت وصحة نسبتها إلى الطاعنين ، فإن حكمها يكون معيباً
بالقصور والفساد في الاستدلال بما يوجب نقضه والإعادة بالنسبة للطاعنين والطاعنين
الثاني والثالث الذين لم يقبل طعنهما شكلاً
لاتصال الوجه الذي بني عليه نقض الحكم به ، دون أن يمتد أثر النقض إلى المحكوم عليهما الآخرين الذين صدر الحكـم غيابياً
بالنسبة لهم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائـع
اتهمت
النيابة العامة الطاعنين وآخرين بأنهم :
المتهمون وآخرون سبق محاكمتهم :
1- اشتركوا وآخرون مجهولون في تجمهر مؤلف من أكثر من
خمسة أشخاص من شأنه أن يجعل السلم العام في خطر وكان الغرض منه ارتكاب جرائم
الاعتداء على الأرواح والممتلكات العامة والخاصة والتأثير على رجال السلطة العامة
في أداء عملهم بالقوة والعنف على النحو المبيَّن بالتحقيقات .
2- قاوموا بالقوة والعنف مأموري الضبط القضائي والقائمين
على تنفيذ أحكام الجرائم المضرة بأمن الحكومة من جهة الداخل لمنعهم بغير حق عن
أداء عملهم ، بأن قاموا بإلقاء الحجارة عليهم لمنعهم من ضبطهم ومنعهم من الاشتباك
مع الأهالي على النحو المبين بالتحقيقات .
3- أتلفوا عمداً المباني والأملاك المعدة للنفع العام ،
وكان ذلك تنفيذا لغرضهم على النحو المبين بالتحقيقات .
وأحالتهم إلى محكمة جنايات .... لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر
الإحالة .
ومحكمة الجنايات قضت حضورياً لكلٍ
من المتهمين / .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... ، .... عملاً بنصوص المواد 1 ، 2 ، 3 ، 3
مكرراً ، 4 من القانون رقم 10 لسنة 1914
المعدل ، والمــواد 32 ، 86 ، 86 مكرراً 4،3،1 ، 86 مكرراً/ أ ، 88 مكرراً/1 ، 162، 167 من قانون العقوبات ، مع إعمال
المادة 32 من القانون ذاته بمعاقبتهم بالسجن
المشدد لمدة ثلاث سنوات ، وباعتبار الحكم الغيابي مازال قائماً لكلٍ من .... ،
....
فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـة
أولاً : شكل الطعن بالنسبة
للطاعنين الثاني / .... والثالث / .... :
من حيث إن مذكرات أسباب الطعن - الأربعة - المقدمة بتاريخ .... وإن كانت
تحمل ما يشير إلى صدورها من مكتب المحاميين / .... و .... إلَّا أنه لم يوقع عليهم
في أصلهم أو في صورهم حتى فوات مواعيد الطعن ، وهو ما لا يغني عنه توقيعهم بالآلة
الكاتبة لأنه لا يوفر الشكل الذي يتطلبه القانون للتوقيع على أسباب الطعن ، ومن ثم
فإن الطعن المقدم من الطاعنين الثاني والثالث يكون مفصحاً عن عدم قبوله شكلاً .
ثانياً : من حيث إن الطعن المقدم من باقي الطاعنين استوفى
الشكل المقرر في القانون :
ومن حيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه
أنه إذ دانهم بجرائم الاشتراك في تجمهر مؤلف من أكثر من خمسة أشخاص الغرض منه ارتكاب
جرائم الاعتداء على الأرواح والممتلكات العامة والتأثير على رجال السلطة العامة في
أداء عملهم بالقوة والعنف واستعمالها مع موظفين
عموميين من رجال الضبط لحملهم بغير حق عن الامتناع عن أداء عمل من أعمال
وظيفتهم بضبط مرتكبي تلك الجرائم مع بلوغ القصد والإتلاف العمدي لمبان معدة للنفع
العام ، قد شابه القصور في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ، والإخلال بحق الدفاع ، ذلك بأنه لم يبيِّن الواقعة المستوجبة
للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجرائم التي دانهم بها ، وجاء في عبارات عامة مبهمة مجملة ، ولم يدلل تدليلاً سائغاً
على توافر أركان جريمة التجمهر والعلم به ، وعوَّل في قضائه بالإدانة على
تحريات الشرطة دون أن تكون معززة بدليل آخر ، ورد بما لا يصلح رداً على الدفع بعدم جدية التحريات بدلالة
أنها مكتبية وأجريت في فترة وجيزة وشملت العديد من الأشخاص ، مما يعيب الحكم بما
يستوجب نقضه .
وحيث إنه من المقرر أن القانون قد أوجب في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بيانا تتحقق به أركان الجريمة ، والظروف التي وقعت فيها ، والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من المتهم ، وأن تلتزم بإيراد مؤدى الأدلة التي استخلصت منها الإدانة ، حتى يتضح وجه استدلالها بها وسلامة مأخذها وإلا كان الحكم قاصراً ، وكان المقصود بعبارة بيان الواقعة الواردة بالمادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية هو أن يثبت قاضي الموضوع في حكمه كل الأفعال والمقاصد التي تتكون منها أركان الجريمة . لما كان ذلك ، وكان يشترط لقيام جريمة التجمهر المؤثمة بالمادتين الثانية والثالثة من القانون رقم 10 لسنة 1914 اتجاه غرض المتجمهرين الذين يزيد عددهم على خمسة أشخاص إلى مقارفة الجرائم التي وقعت تنفيذا لهذا الغرض ، وأن تكون نية الاعتداء قد جمعتهم وظلت تصاحبهم حتى نفذوا غرضهم المذكور ، وأن تكون الجرائم التي ارتكبت قد وقعت نتيجة نشاط إجرامي من طبيعة واحدة ، ولم تكن جرائم استقل بها أحد المتجمهرين لحسابه دون أن يؤدي إليها السير الطبيعي للأمور وقد وقعت جميعها حال التجمهر . لما كان ما تقدم ، وكان الحكم المطعون فيه لم يدلل على توافر هذه العناصر الجوهرية في حق الطاعنين ، كما أن مسئولية الجريمة التي تقع بقصد تنفيذ الغرض المقصود من التجمهر لا يتحملها جنائياً إلَّا الأشخاص الذين يتألف منهم التجمهر وقت ارتكابها ، وكان الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين فقد أورد مؤدى أقوال شاهد الواقعة ، والشاهد الثاني- مجري التحريات - على صورة يشوبها الغموض الذي لا يبين منه وجه الحق ، وكان ما أورده في مجموعه لا يكشف عن توافرها ، فإنه يكون مشوباً بالقصور مما يعيبه ويوجب نقضه بالنسبة لهم . لما كان ذلك ، ولئن كان من حق محكمة الموضوع أن تستخلص واقعة الدعوى من أدلتها وسائر عناصرها ، إلَّا أن ذلك مشروط بأن يكون استخلاصها سائغاً وأن يكون الدليل الذي تعوِّل عليه مؤدياً إلى ما رتبه من نتائج من غير تعسف في الاستنتاج ولا تنافر مع حكم العقل والمنطق ، وكان من المقرر أن الأحكام يجب أن تبنى على الأدلة التي يقتنع منها القاضي بإدانة المتهم أو ببراءته صادراً في ذلك عن عقيدة يحصِّلها هو مما يجريه من تحقيق مستقلاً في تحصيل هذه العقيدة بنفسه لا يشاركه فيها غيره ، ولا يصح في القانون أن يدخل في تكوين عقيدته بصحة الواقعة التي أقام عليها قضاءه أو بعدم صحتها حكماً لسواه ، وكان من المقرر كذلك أنه وإن كان يجوز للمحكمة أن تعوِّل في تكوين عقيدتها على التحريات بحسبانها قرينة تعزز ما ساقته من أدلة إلَّا أنها لا تصلح بمجردها أن تكون دليلاً كافياً بذاته أو قرينة مستقلة على ثبوت الاتهام ، وهي من بعد لا تعدو أن تكون مجرد رأي لصاحبها يخضع لاحتمالات الصحة والبطلان والصدق والكذب إلَّا أن يعرف مصدرها ويتحـدد حتى يتحقق القاضي بنفسه من هذا المصدر ويستطيع أن يبسط رقابته على الدليل وتقدير قيمته القانونية في الإثبات . لما كان ذلك ، وكان البيِّن من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة قد اتخذت من تحريات الشاهد الثاني ضابط قطاع الأمن الوطني وأقواله بشأنها دليلاً أساسياً في ثبوت الاتهام دون أن تورد من الأدلة والقرائن ما يساندها ، كما أنها لم تشر في حكمها إلى مصدر التحريات للتحقيق من صدق ما نقل عنه ، فإن حكمها يكون قد تعيب بالفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب بما يبطله ، ولا يعصم الحكم من هذا البطلان أن يكون قد عوَّل في الإدانة على ما ورد بأقوال الشاهد الأول ، لما هو مقرر من أن ما ورد بأقوال الشاهد الأول وكما حصَّلها الحكم قد خلت مما يفيد رؤيته للطاعنين وهم يرتكبون الفعل المادي للجرائم المسندة إليهم ، ومن ثم فإن استناد الحكم إلى أقوال الشاهد الأول سالف الذكر لا يغير من حقيقة كونه اعتمد بصفته أساسية على التحريات وهي لا تصلح دليلاً منفرداً في هذا المجال . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه رد على الدفع ببطلان إذن التفتيش لابتنائه على تحريات غير جدية بقوله : " وحيث إنه عن الدفع بعدم جدية التحريات فمردود بأن تقدير جدية التحريات هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع ولما كانت هذه المحكمة تطمئن إلى صحة التحريات التي أجريت وترتاح إليها لأنها تحريات صريحة وواضحة وهي تصدق من أجراها ويقطع بأنها أجريت فعلاً بمعرفة مجريها وحوت بيانات كافية تمكن من خلالها تحديد شخصية المتهمين وهو الأمر المحقق في واقعة الدعوى الأمر الذي لم ينازع فيه المتهم ودفاعه مما يكون منعى الدفاع في هذا الصدد غير سديد " . لما كان ذلك ، وكان الأصل في القانون أن الإذن بالتفتيش هو إجراء من إجراءات التحقيق لا يصح إصداره إلَّا لضبط جريمة " جناية أو جنحة " واقعة بالفعل وترجحت نسبتها إلى متهم معين ، وأن هناك من الدلائل ما يكفي للتصدي لحرمة مسكنه أو لحريته الشخصية ، وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لتسويغ إصدار الإذن بالتفتيش وإن كان موكولاً إلى سلطة التحقيق التي أصدرته تحت رقابة محكمة الموضوع ، إلَّا أنه إذا كان المتهم قد دفع ببطلان هذا الإجراء ، فإنه يتعين على المحكمة أن تعرض لهذا الدفع الجوهري وأن تقول كلمتها فيه بأسباب سائغة وكافية . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد اكتفى بالرد على الدفع ببطلان إذن التفتيش بالعبارة - المار سردها - وهي عبارة قاصرة لا يستطاع معها الوقوف على مسوغات ما قضى به الحكم في هذا الشأن ، إذ لم تبد المحكمة رأيها في عناصر التحريات السابقة على الإذن بالتفتيش أو تقل كلمتها في كفايتها لتسويغ إصدار الإذن من سلطة التحقيق ، وماهية الجريمة التي وقعت وصحة نسبتها إلى الطاعنين ، فإن حكمها يكون معيباً بالقصور والفساد في الاستدلال بما يوجب نقضه والإعادة بالنسبة للطاعنين والطاعنين الثاني والثالث الذين لم يقبل طعنهما شكلاً لاتصال الوجه الذي بني عليه نقض الحكم به ، دون أن يمتد أثر النقض إلى المحكوم عليهما الآخرين الذين صدر الحكم غيابياً بالنسبة لهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق