الدعوى رقم 166 لسنة 37 قضائية "دستورية" جلسة 2 / 2 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثانى من فبراير سنة 2019م،
الموافق السابع والعشرين من جمادى الأولى سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: سعيد مرعى عمـرو ورجب عبد الحكيم
سليم والدكتور حمدان حسن فهمى وحاتم حمد بجاتو والدكتور عبد العزيز محمد سالمان
وطارق عبد العليم أبو العطا نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس
هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
في الدعوى
المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 166 لسنة 37 قضائية
"دستورية" بعد أن أحالت المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الرابعة
موضوع" بموجب حكمها الصادر بجلسة 11/4/2015، ملف الطعنين رقمى 20806 لسنة 60
قضائية "عليا" و23187 لسنة 60 قضائية "عليا".
المقام أولهما من
1- الدكتور/ ......
2- الدكتور/ .......
المقام ثانيهما من
الدكتور/ .......
ضـــد
رئيس جامعة عين شمس
الإجراءات
بتاريخ
الثامن عشر من نوفمبر سنة 2015، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف
الطعنين رقمى 20806 لسنة 60 قضائية "عليا" و23187 لسنة 60 قضائية
"عليا"، بعد أن قضت المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الرابعة -
موضوع" بوقف الطعنين، وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية
نص الفقرة الأخيرة من المادة (110) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 49 لسنة
1972 بشأن تنظيم الجامعات، فيما تضمنه من جزاء العزل لكل فعل فيه مخالفة لنص
المادة (103) من القانون ذاته.
وقدَّمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت
فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة
المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر
الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم، مع التصريح بمذكرات خلال
أسبوع، ولم يقدم أى من الخصوم مذكرات في الأجل المشار إليه.
المحكمــة
بعد الاطلاع
على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق -
في أن رئيس قسم اللغة العبرية بكلية الآداب جامعة عين شمس تقدم بمذكرتين، أولاهما:
ضد الدكتور/ .......، والدكتور/ .......، وثانيتهما: ضد الدكتور/ .......، ضمنهما
شكوى بعض طلاب القسم من قيام المشكو في حقهم بإعطاء دروس خصوصية وتسريب
الامتحانات، وعلى إثر التحقيق مع المذكورين، أصدر رئيس جامعة عين شمس القرار رقم
224 لسنة 2013، بإحالتهم إلى مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس بالجامعة؛ لما نُسب
إليهم من قيامهم بإعطاء دروس خصوصية، بالمخالفة لنص المادة (103) من القرار بقانون
رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات، فضلاً عن خروج الأخير على مقتضيات وظيفته
وكرامتها، وعدم الاحترام الواجب لها، لصدور عبارات منه لبعض الطالبات، تنطوي على
ما يخدش الحياء، وقيدت الدعوى أمام مجلس التأديب برقم 57 لسنة 2013. وبجلسة الأول
من يناير سنة 2014 قرر مجلس التأديب مجازاة الأساتذة المحالين بالعزل من الوظيفـة
مع الاحتفاظ بالمعاش أو المكافأة لكل منهم، لما ثبت لديه من خروج المحالين على
مقتضى الواجب الوظيفي، ومخالفة القانون، والتقاليد الجامعية، بإعطائهم دروسًا
خصوصية للطلاب بالمخالفة لنص المادة (103) من القرار بقانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن
تنظيم الجامعات.
وإذ لم يلق هذا القرار قبولاً لدى الطاعنين في الطعن الأول ، طعنا
عليه أمام المحكمة الإدارية العليا، وقيد طعنهما برقم 20806 لسنة 60 قضائية
"عليا"، ابتغاء القضاء لهما بقبول الطعن شكلاً، وبصفة مستعجلة: بوقف
تنفيذ القرار المطعون فيه، وفي الموضوع: بإلغاء القرار الصادر عن مجلس التأديب
بعزلهما من الوظيفة وبراءتهما مما نسب إليهما، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها
عودتهما إلى عملهما. كما لم يلق قرار مجلس التأديب قبولاً لدى الطاعن في الطعن
الثانى، طعن عليه أمام المحكمة ذاتها، وقيد طعنه برقم 23187 لسنة 60 قضائية
"عليا"، طلبًا للحكم بصفة مستعجلة: بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وفى
موضوع الطعن: بقبوله شكلاً، وبإلغاء القرار المطعون فيه وبراءة الطاعن، مع ما
يترتب على ذلك من آثار. وقد تدوول الطعنان أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة
الإدارية العليا على النحو المبين بالمحاضر، وبجلسة 14 من مايو سنة 2014 قررت
المحكمة ضم الطعنين؛ ليصدر فيهما حكم واحد، وبجلسة 29 من سبتمبر سنة 2014 قررت
المحكمة إحالة الطعنين للدائرة الرابعة عليا "موضوع"، وبجلسة 11 من
أبريل سنة 2015؛ قررت المحكمة وقف نظر الطعنين، والإحالة إلى المحكمة الدستورية
العليا للفصل في دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (110) من القرار بقانون رقم
49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات فيما تضمنه من جزاء العزل لكل فعل فيه مخالفة
لنص المادة (103) من القانون ذاته؛ تأسيسًا على أن النص المحال، وإذ قصر مجازاة من
يعطى من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات دروسًا خصوصية بالمخالفة لمقتضى المادة
(103) من القرار بقانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات على عقوبة العزل من
الوظيفة كجزاء وحيد، يكون قد سلب القاضي سلطة اختيار الجزاء المناسب لكل جريمة على
حدة، خروجًا على مبدأ تفريد العقوبة، التى تُعدُّ أحد خصائص الوظيفة القضائية، مما
ينطوي عليه من إهدار لحقوق أصيلة كفلها الدستور، وافتئات من السلطة التشريعية على
السلطة القضائية، وتدخل في شئون العدالة.
وحيث إن المادة (103) من القرار بقانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم
الجامعات تنص على أن: "لا يجوز لأعضاء هيئة التدريس إعطاء دروس خصوصية بمقابل
أو بغير مقابل".
كما تنص المادة رقم (110) من القرار بقانون ذاته، قبل استبدالها بالقرار بقانون
رقم 3 لسنة 2015، على أن: "الجزاءات التأديبية التى يجوز توقيعها على أعضاء
هيئة التدريس هي:
(1) التنبيه.
(2) اللوم.
(3) اللوم مع تأخير العلاوة المستحقة لفترة واحدة أو تأخير التعيين في
الوظيفة الأعلى أو ما في حكمها لمدة سنتين على الأكثر.
(4) العزل من الوظيفة مع الاحتفاظ بالمعاش أو بالمكافأة.
(5) العزل مع الحرمان من المعاش أو المكافأة وذلك في حدود الربع.
وكل فعل يزرى بشرف عضو هيئة التدريس
أو من شأنه أن يمس نزاهته أو فيه مخالفة لنص المادة (103) يكون جزاؤه العزل.
ولا يجوز في جميع الأحوال عزل عضو هيئة التدريس إلا بحكم من مجلس
التأديب".
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المصلحة الشخصية المباشرة -
وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة
القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية مؤثرًا في
الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان
البيّن من الأوراق أن الطاعنين طعنوا أمام المحكمة الإدارية العليا ابتغاء القضاء
بوقف تنفيذ، وإلغاء، قرار مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس بجامعة عين شمس الصادر
بمجازاتهم بالعزل من الوظيفة، مع الاحتفاظ بالمعاش أو المكافأة، لمخالفتهم نص
المادة (103) من القرار بقانون رقم 49 لسنة 1972 المشار إليه، إعمالاً لنص الفقرة
قبل الأخيرة من المادة (110) من القرار بقانون ذاته قبل استبدالها، ومن ثم تتوافر
المصلحة الشخصية المباشرة فيما نصت عليه المادة رقم (110) سالفة البيان، قبل
استبدالها بالقرار بقانون رقم 3 لسنة 2015، من تقرير جزاء العزل لمن يخالف حكم
المادة (103) من القرار بقانون السالف الإشارة، بإعطاء دروس خصوصية بمقابل أو بغير
مقابل، بحسبان القضاء في مدى دستورية هذا النص سيكون ذا أثر مباشر، وانعكاس أكيد
على الدعوى الموضوعية، والطلبات المطروحة بها، وقضاء محكمة الموضوع فيها.
وحيث إن قرار الإحالة ينعى على النص المحال مخالفته المواد (94، 96،
101، 121/1، 2، وصدر المادة 123، 184، 186) من الدستور، تأسيسًا على أن قصر مجازاة
أعضاء هيئة التدريس بالجامعات، عند مخالفتهم نص المادة (103) من القرار بقانون رقم
49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات، على جزاء العزل دون سواه، يمحى سلطة مجالس
التأديب في اختيار الجزاء الملائم لتلك المخالفة، ويناقض مبدأ تفريد العقوبة،
ويسلب القاضي سلطة اختيار الجزاء المناسب لكل جريمة على حدة، مما يفضى إلى قسوة
العقوبة، وتجاوزها لحدود المعقولية والاعتدال، ومنافاتها لقيم الحق والعدل، فضلاً
عن المساس بجوهر الوظيفة القضائية، ويعد تدخلًا محظورًا في شؤون العدالة، ويخل بضوابط
المحاكمة المنصفة.
وحيث إنه في خصوص النعي على القرار بقانون المشار إليه مخالفته نص
المادة (121/1، 2)، وصدر المادة (123) من الدستور الصادر سنة 2014، - وتقابلهما
المادتان (107، 112) من الدستور الصادر سنة 1971 - والتي تتعلق أولاهما بصحة انعقاد
مجلس النواب والأغلبية المشترطة لإقرار القوانين والموافقة عليها، وتتصل ثانيهما
بحق رئيس الجمهورية في إصدار القوانين، فإن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأوضاع
الشكلية للنصوص التشريعية المتصلة باقتراحها أو إقرارها أو إصدارها إنما تتحدد على
ضوء ما قررته في شأنها أحكام الدستور المعمول به حين صدورها. كما جرى قضاء هذه
المحكمة على أن الفصل في ما يدعى به أمامها من تعارض بين نص تشريعى وقاعدة موضوعية
في الدستور سواء بتقرير المخالفة المدعى بها أو بنفيها، إنما يعد قضاء في موضوعها
منطويًا لزومًا على استيفاء النص المطعون عليه للأوضاع الشكلية التى تطلبها
الدستور، ومانعًا من العودة إلى بحثها، ذلك أن العيوب الشكلية وبالنظر إلى طبيعتها
لا يتصور أن يكون بحثها تاليًا للخوض في المطاعن الموضوعية، ولكنها تتقدمها. متى
كان ذلك، وكان النص المحال في حدود نطاقه المتقدم قد صدر في ظل العمل بدستور سنة
1971، ومن ثم فإن الأوضاع الإجرائية الخاصة به يحكمها هذا الدستور، وإذ سبق لهذه
المحكمة أن عرضت لدستورية بعض مواد القرار بقانون رقم 49 لسنة 1972 المشار إليه،
منها حكمها الصادر بجلسة 2/12/1995، في الدعوى رقم 33 لسنة 15 قضائية
"دستورية" القاضي، بعدم دستورية نص المادة (98) من قرار رئيس الجمهورية
بالقانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات، ونُشر الحكم بالجريدة الرسمية
بالعدد رقم 51 بتاريخ 21/12/1995، وحكمها الصادر بجلسة 11/5/2003، في الدعوى رقم
77 لسنة 23 قضائية "دستورية" القاضي، بعدم دستورية نص المادة (91) من
القرار بقانون المشار إليه، فيما تضمنه من قيد زمنى على منح عضو هيئة التدريس
بالجامعات إجازة خاصة لمرافقة الزوج المرخص له بالعمل في الخارج، ونُشر بالجريدة
الرسمية بالعدد رقم 22 (تابع) بتاريخ 29/5/2003، وحكمها الصادر بجلسة 25/7/2015،
في الدعوى رقم 87 لسنة 33 قضائية "دستورية" القاضي، برفض الدعوى،
المقامة طعنًا على نص المادة (117) من القرار بقانون سالف الذكر، فيما لم يتضمنه
نص الفقرة الأولى منه من ضرورة إنذار عضو هيئة التدريس الذى ينقطع عن عمله أكثر من
شهر قبل إصدار قرار إنهاء خدمته، ونُشر الحكم في الجريدة الرسمية بالعدد رقم 31
مكرر (ج) بتاريخ 2/8/2015، بما مؤداه تحققها من استيفاء القرار بقانون المذكور
للأوضاع الشكلية التي تطلبها الدستور بالنسبة له، بما لا يجوز معه العودة إلى
بحثها أو إعادة طرحها عليها من جديد.
وحيث إن من المقرر أن الجزاء التأديبي والعقوبة الجنائية وإن تشابها
في بعض الأوجه، إلا أنهما يتغايران ويستقلان في العديد من الأوجه الأخرى، وليس أدل
على هذه المغايرة وذلك الاستقلال، من أن العقوبة الجنائية إنما تكون في الأصل عن
جريمة يعين القانون أركانها في صلبه ولا يتخلى كلية عن تحديدها إلى أداة أدنى،
وذلك خلافًا للذنب التأديبي، إذ قد يعهد المشرع أمر تحديده إلى سلطة لائحية،
وغالبًا ما يتقرر أكثر من جزاء للخطأ الواحد كى تقدر السلطة المختصة بتوقيع ما
يكون مناسبًا من بينها، لكل حالة على حده. كما أنه لا يتصور في كثير من الأحيان،
ربط الإثم التأديبى بأفعال محددة بذواتها، ذلك أن مناطه، بوجه عام، الإخلال
بواجبات الوظيفة أو الخروج على مقتضياتها، ليكون هذا الإخلال سلوكًا معيبًا،
وذنبًا إداريًّا ينعكس أثره على كرامة الوظيفة أو استقامتها أو يمس اعتبار شاغلها،
ولا كذلك الجرائم الجنائية، إذ يجب أن تكون صياغة النصوص العقابية واضحة محددة لا
خفاء فيها أو غموض، فلا تكون هذه النصوص شباكًا أو شراكًا يلقيها المشرع متصيدًا
باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها، وهى ضمانات غايتها أن يكون
المخاطبون بالنصوص العقابية على بينة من حقيقتها، فلا يكون سلوكهم مجافيًا لها، بل
اتساقًا معها ونزولاً عليها. فضلاً عن وجوب أن يقتصر العقاب الجنائي على أوجه
السلوك التي تضر بمصلحة اجتماعية ذات شأن لا يجوز التسامح مع من يعتدى عليها، حين
أن الجزاء التأديبي قد يفرض على أوجه من السلوك تمس مصالح اجتماعية أدنى شأنًا
وأقل أهمية.
وحيث إن الأصل في النصوص الدستورية أنها تؤخذ باعتبارها متكاملة، وأن المعاني
التى تتولد عنها يتعين أن تكون مترابطـة فيما بينها بما يرد عنها التنافر أو
التعارض. هذا بالإضافة إلى أن هذه النصوص إنما تعمل في إطار وحدة عضوية تجعل من
أحكامها نسيجًا متآلفًا متماسكًا بما مؤداه: أن يكون لكل نص منها مضمون محدد يستقل
به عن غيره من النصوص استقلالاً لا يعزلها عن بعضها البعض، وإنما يقيم منها في مجموعها
ذلك البنيان الذى يعكس ما ارتأته الإرادة الشعبية أقوم لدعم مصالحها في المجالات
السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا يجوز بالتالي أن تفسر النصوص الدستورية بما
يبتعد بها عن الغاية النهائية المقصودة منها، ولا أن ينظر إليها بوصفهـا هائمة في الفراغ،
أو باعتبارها قيمًا مثالية منفصلة عن محيطها الاجتماعي، وإنما يتعين دومًا أن تحمل
مقاصدها بمراعاة أن الدستور وثيقة تقدمية لا ترتد مفاهيمها إلى حقبة ماضية وإنما
تمثل القواعد التى يقوم عليها والتى صاغتها الإرادة الشعبية، انطلاقة إلى تغيير لا
يصد عن التطور آفاقه الرحبة.
وحيث إن الدستور إذ نص في المادة (94) منه على خضوع الدولة للقانون،
وإن استقلال القضاء وحصانته وحيدته ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات، فقد دل
بذلك على أن الدولة القانونية هى التى تتقيد في كافة مظاهر نشاطها، وأيًّا كانت
طبيعة سلطاتها، بقواعد قانونية تعلو عليها وتكون بذاتها ضابطًا لأعمالها وتصرفاتها
في أشكالها المختلفة، ذلك أن ممارسة السلطة لم تعد امتيازًا شخصيًّا لأحد، ولكنها
تباشر نيابة عن الجماعة ولصالحها.
وحيث إن الدستور إذ نص في المادة (5) منه على مبدأ الفصل بين السلطات
وتوازنها، وناط في المادة (101) سلطة التشريع بمجلس النواب، حين نصت المادة (184)
على استقلال السلطة القضائية، وأن أحكامها تصدر وفقًا للقانون، فقد دل على أن
استقلال السلطات جميعها، ومن بينها السلطة القضائية ليس استقلالاً مطلقًا من ربقة
كل قيد، بل هو استقلال ينضبط بالتخوم التي يحددها الدستور، فالسلطة القضائية تمارس
سلطتها على هدى من التشريعات التى تصدرها السلطة التشريعية، فلا يجوز للقاضي عند
مباشرته ولايته القضائية الخروج على مقتضى تلك التشريعات، وفى الآن ذاته فإن سلطة
المشرع في تنظيمه لحق التقاضي، وغيرها من الحقوق، ليست مطلقة من كل قيد هى الأخرى،
فعلى الرغم من أن هذه السلطة سلطة تقديرية، جوهرها المفاضلة التي يجريها بين
البدائل المختلفة التى تتصل بالموضوع محل التنظيم لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها
بتحقيق الأغراض التى يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنًا، إلا أن المشرع
مقيد في مباشرته لهذه السلطة بالضوابط التى يفرضها الدستور والتى تعد تخومًا لها
ينبغى التزامها، وفى إطار قيامه بهذا التنظيم لا يتقيد المشرع باتباع أشكال جامدة
لا يريم عنها، تفرغ قوالبها في صورة صمّاء لا تبديل فيها، بل يجوز له أن يغاير
فيما بينها، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها.
وحيث إن المقرر أن دستورية النصوص القانونية التي يسنها المشرع في المجال
التأديبي يتحدد بمدى توازن الجزاء التأديبي المقرر مع الإثم الذى يقارفه العاملون
بالجهــة الإدارية، فينبغي أن يكون هذا الجزاء مبررًا بما يعد حقًّا وعدلاً، فلا
يكون بشططه حائلاً دون أداء العاملين لواجباتهم، ولا بلينه أو هونه مؤديًّا إلى
استهانتهم بها، بل يكون مجردًا من الميل، دائرًا حول الملاءمة الظاهرة بينه، نوعًا
ومقدارًا، وبين خطورة الفعل المعتبر ذنبًا إداريًّا، وإلا كان تقدير المشرع
انحرافًا بالسلطة التأديبية عن أهدافها، وبهذه المثابة فإنه ولئن كان الأصل أن
يتقرر أكثر من جزاء تأديبي للإثم الواحد كى تقدر السلطة التأديبية المختصة بتوقيعه
ما يكون مناسبًا، من بينها، إلا أنه لا ضير من أن يختص المشرع إثمًا بعينه بجزاء
بعينه، مادام قد استهدف في ذلك المصلحة العامة وحدها، وكان الجزاء متناسبًا مع
خطورة الإثم المرتكب، ودون أن يشوب تقديره غلو أو تفريط.
وحيث إن الدستور قد حرص في المادتين (19 و21) على التأكيد على حق كل
مواطن في التعليم، وبين أهدافه، ومن بينها بناء الشخصية المصرية وتأصيل المنهج العلمي
في التفكير، وتنمية المواهب، وترسيخ القيم، وإرساء مفاهيم المواطنة وعدم التمييز،
كما حرص على التأكيد على كفالة الدولة توفير التعليم الجامعي المجاني وفقًا
لمعايير الجودة العالمية، كما عنت المادتين (4، 9) من الدستور بتوكيد التزام
الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز، باعتباره أساسًا لبناء
المجتمع، وصيانة وحدته الوطنية، وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن التعليم
كان ولا يزال من أكثر المهام خطرًا، وأعمقها اتصالاً بإعداد أجيال يتدفق عطاؤها،
وتكون قادرة، علمًا وعملاً، على أن تصوغ لتقدمها أشكالاً جديدة ترقى بمجتمعها، فلا
يكون راكدًا أو آفلاً، وكان الأصل أن تتكامل العملية التعليمية، وأن تتعدد روافدها
لتكون نهرًا متصلاً، فلا تنعزل بعض حلقاتها عن بعض، بل تتعاون عناصرها لتقيم
بنيانها الحق بصرًا بآفاق العلوم واقتحامًا لدروبها، ونفاذًا إلى حقائق العصر
ومتطلباتها، ارتباطًا بالتنمية بمناهجها ووسائلها، وتحريًا لعوامل القوة ومظاهر
انحلالها، وقوفًا على موازين الصراع وعوامل الوفاق، وإدراكًا لقيم الحق والخير
والجمال، وتدبرًا لنواحي التقدم ومناحي القصور، والتزامًا بضوابط الأمم المتحضرة
في صونها لحقوق مواطنيها وحرياتهم، وإطلالاً على ألوان الإبداع وأشكال الفنون
تزودًا بها، وانحيازًا للقيم الجوهرية التي تكفل للوطن وللمواطن آفاقًا جديدة لا
ينحصر محيطها، بل تمتد دائرتها إلى غير حد، إيمانًا بغد أفضل واقعًا ومصيرًا، فإن
تنكب بعض أعضاء هيئة التدريس في الجامعات جادة الصواب، وقد وسدوا أمانة تنشئة شباب
الوطن، وغرس قيم الحق والعدل في وجدانه، وترقية تفكيره، وتوسعة مداركه، وتجهيزه
لحمل أمانة النهوض بالبلاد، والعمل على رقيها وتقدمها، في إطار من احترام قيم
المواطنة والمساواة، واستباحوا هدم ما حرص الدستور على تشييده وكفالته، وسعوا إلى
إعطاء الدروس الخصوصية، ضاربين عرض الحائط بتكافؤ الفرص، ليضحى، بمسلكهم المعوج
هذا، معيار التعلم والنجاح القدرة المالية لا الكفاءة ولا الموهبة ولا الكد
والاجتهاد، فإذا ما قدر المشرع لإثمهم، بمقتضى النص المحال، جزاء العزل من
الوظيفة، فإنه لا يكون مجاوزًا نطاق سلطته التقديرية في مجال تنظيم الحقوق
والحريات التي كفلها الدستور، وغايتها دومًا تحقيق المصلحة العامة وحماية المجتمع،
وكفالة الالتزام بضوابط الدستور دون غلو ولا تفريط، الأمر الذى يكون معه النعي
بمخالفة هذا النص للمواد (94، 96، 101، 184، 186) من الدستور على غير
سند صحيح، قمينًا بالرفض.
وحيث إن النص
المطعون فيه لا يخالف أيًّا من نصوص الدستور الأخرى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة
برفض الدعوى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق