الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 7 يوليو 2023

الطعن 620 لسنة 11 ق جلسة 19 / 11 / 1966 إدارية عليا مكتب فني 12 ج 1 ق 22 ص 229

جلسة 19 من نوفمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز زخاري وأحمد البحراوي ويوسف إبراهيم الشناوي وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.

------------

(22)

القضية رقم 620 لسنة 11 القضائية

(أ) دعوى. "الأحكام الصادرة قبل الفصل في الموضوع. قرار المحكمة بندب خبير". إثبات "خبرة". 

القرار الصادر بندب خبير - يعتبر حكماً - عدم تسبيبه - ليس من شأنه أن ينال من صفته أو شوبه بالبطلان - أساس ذلك.
(ب) دعوى. "وقف التنفيذ". أسلحة وذخائر. 

طلب وقف التنفيذ - ركناه قيام الاستعجال والأسباب الجدية - "مثال".
(ج) أمراض عقلية. 

القانون رقم 141 لسنة 1944 نصه على اختصاص مجلس مراقبة الأمراض العقلية بالنظر في حجز المصابين بأمراض عقلية والإفراج عنهم والترخيص للمستشفى المعدة لهم والتفتيش عليها - لا يحول دون إبدائه الرأي في الحالات التي ترجع إليه فيها الجهات الإدارية ولو كانت خاصة بأشخاص غير محجوزين أو مطلوب حجزهم أو دخولهم مستشفيات الأمراض العقلية.
(د) قضاء إداري. "سلطته في الاستعانة بأهل الخبرة". خبرة. 

وصم الشخص بأنه مريض بمرض عقلي في نزاع جدي - سلطة القضاء الإداري في أن يتخذ ما يلزم للتحقق من ذلك. (1)
(هـ) أسلحة وذخائر. "ترخيص". 

القانون رقم 394 لسنة 1954 معدلاً بالقانونين 546 لسنة 1954 و75 لسنة 1958 في شأن الأسلحة والذخائر - سلطة الجهة الإدارية في منح ومنع الترخيص - من الملاءمات المتروكة لها حسبما تراه متفقاً مع صالح الأمن العام بلا معقب عليها ما دامت مطابقة للقانون وخالية من إساءة استعمال السلطة - وجوب تسبيب قراراتها في حالة رفض منح الترخيص أو سحبه أو إلغائه - ثمة حالات أوجب فيها القانون على الإدارة رفض منح الترخيص أو رفض تجديده أو سحبه - مثال.
(و) قرار إداري "سببه". ترخيص. سلطة إدارية. 

تذرع الإدارة في رفضها الترخيص بسبب من الأسباب الداخلة في الظاهر استناداً إلى سلطتها المقيدة - رقابة القضاء الإداري على صحة هذا السبب - ليس له أن يتعداها إلى ما وراء ذلك من أسباب فنية أو افتراضية قد تحمل عليها سلطتها التقديرية في الترخيص - أساس ذلك.

-----------------
1 - لا شك في أن القرار الصادر بندب الخبير لا يخرج عن كونه حكماً توافرت له مقومات الأحكام إذ أصدرته محكمة القضاء الإداري بما لها من سلطة قضائية في خصومة مطروحة عليها متضمناً اتخاذ إجراء من إجراءات الإثبات - ولئن كان هذا الحكم صدر غير مسبب إلا أن ذلك ليس من شأنه أن ينزع صفة الحكم أو يشوبه بالبطلان إذ من المسلم أن الأحكام غير القطعية الصادرة باتخاذ إجراء من إجراءات الإثبات لا يلزم تسبيبها لأن النطق بها يفصح بذاته عن سبب إصدارها.
2 - أن طلب وقف التنفيذ يقوم على ركنين - الأول قيام الاستعجال بأن كان يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها - والثاني يتصل بمبدأ المشروعية بأن يكون ادعاء الطالب في هذا الشأن قائماً بحسب الظاهر على أسباب جدية - ولا شك في أن تنفيذ القرار المتضمن رفض الترخيص للمدعي في الاتجار في الأسلحة وما ينطوي عليه من تقييد لحريته في العمل بتنحيته على إدارة محلات الأسلحة والذخائر التي يملكها استناداً إلى أنه مصاب بمرض عقلي من شأنه أن تترتب عليه أضرار جسيمة يتعذر تداركها تتمثل ليس فحسب في حرمانه من مباشرة نشاطه التجاري بل فيما يترتب على هذا الحرمان المستند إلى وصمه بأنه مصاب بمرض عقلي من عدم الثقة فيه والقضاء على سمعته كتاجر في المجال الذي يعمل فيه وهو مجال تقوم العلاقات فيه على أساس الثقة والائتمان وتأسيساً على ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بوقف تنفيذ القرار المذكور بعد أن استظهر الركنين اللذين يقوم عليها هذا الطلب يكون قد أصاب الحق فيما انتهى إليه في هذا الشأن.
3 - بالرجوع إلى أحكام القانون رقم 141 لسنة 1944 بشأن حجز المصابين بأمراض عقلية يبين أنه قد حدد اختصاص مجلس مراقبة الأمراض العقلية بالنظر في حجز المصابين بأمراض عقلية والإفراج عنهم وفي الترخيص بالمستشفيات المعدة لهم والتفتيش عليها وذلك حسبما هو مستفاد من نص المادة الأولى من القانون المذكور ومن سائر أحكامه وتحديد اختصاص مجلس المراقبة على هذا الوجه لا يحول دون إبدائه لرأيه في الحالات التي ترجع إليه - فيها الجهات الإدارية ولو كانت خاصة بأشخاص غير محجوزين أو مطلوب حجزهم أو دخولهم في مستشفيات الأمراض العقلية باعتبار أن ذلك من الأمر التي تتصل بتخصصه.
4 - نظراً إلى أن وصم الشخص بأنه مريض بمرض عقلي من شأنه أن يؤثر على أهليته وقد يؤدي إلى تقييد حريته الشخصية فإنه يجوز للقضاء الإداري إذا ما ثار أمامه نزاع جدي حول الإصابة أو عدم الإصابة بمرض عقلي أن يتخذ ما يلزم للتحقيق من ذلك لاسيما إذا قام من الشواهد في أوراق الدعوى ما يسوغ اتخاذ مثل هذا الإجراء.
5 - أن المستفاد من أحكام المادتين 4، 12 من القانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر المعدل بالقانونين رقم 546 لسنة 1954 ورقم 75 لسنة 1958 أن الترخيص أو عدم الترخيص في حمل الأسلحة واستيرادها والاتجار بها وصنعها من الملاءمات المتروكة لتقدير الإدارة تترخص فيما حسبما تراه متفقاً مع صالح الأمن العام بناء على ما تطمئن إليه من الاعتبارات التي تزنها والبيانات والمعلومات التي تتجمع لديها من المصادر المختلفة لا يقيدها سوى وجوب التسبيب في حالة رفض منح الترخيص أو سحبه أو إلغائه ولا معقب على قراراتها في هذا الشأن ما دامت مطابقة للقانون وخالية من إساءة استعمال السلطة على أنه ولئن كان ذلك هو الأصل في منح الترخيص أو رفضه أو سحبه إلا أن هناك حالات قيد فيها القانون سلطة الإدارة وفرض عليها رفض منح الترخيص أو رفض تجديده أو سحبه وهي الحالات المنصوص عليها في المادتين 7، 15 منه فإذا ما قامت بطالب الترخيص أو التجديد إحدى هذه الحالات تعين رفض طلبه دون أن يكون للجهة الإدارية أية سلطة تقديرية في هذا الشأن ومن بين هذه الحالات أن يكون طالب الترخيص أو التجديد قد سبق دخوله مستشفى أو مصحة للأمراض العقلية بحسبان أن دخوله ذلك المستشفى أو تلك المصحة دليل على إصابته بمرض عقلي يجعل من الخطورة الترخيص له في حمل الأسلحة أو الاتجار بها أو صنعها.
6 - لو صح أن المدعي كان مريضاً بمرض نفسي عرضة للتحول إلى مرض عقلي وأنه كان يجوز للجهة الإدارية أن تستند إلى هذا السبب لإصدار القرارين المطعون فيهما بما لها من سلطة تقديرية وفقاً لأحكام المادتين 4، 12 من القانون رقم 394 لسنة 1954 فإن ذلك ما كان يسوغ على أية حال أن يقوم القضاء الإداري مقام الإدارة في إحلال سبب آخر محل السبب غير الصحيح الذي قام عليه القراران المذكوران بغية حملهما وأن يحكم من ثم برفض الدعوى ذلك أنه متى كان الأمر متعلقاً بسلطة تقديرية يترك فيها القانون للجهة الإدارية قدراً من الترخص تزن على مقتضاه ملاءمة منح الترخيص أو رفضه لم يجز للقضاء أن يترجم عنها إحساسها واقتناعها بتحقق أو عدم تحقق الاعتبارات الموضوعية التي يبنى عليها تصرفها التقديري ولا أن يصادر حريتها في اختيار الأسباب التي يقوم عليها قرارها لأن هذا المسلك من شأن الإدارة وحدها لا يجوز فيه قيام القضاء مقامها فيما هو حري بتقديرها ووزنها وعلى ذلك يقتصر دور القضاء الإداري على مراقبة صحة السبب الذي تذرعت به الإدارة في رفضها للترخيص فإن كان من الأسباب الداخلة في الظاهر ضمن المبررات التي تحتم رفضها للترخيص استناداً إلى سلطتها المقيدة لم يسغ له أن يتعداها إلى ما وراء ذلك بافتراض أسباب ظنية أخرى قد تحمل عليها سلطتها التقديرية بل تقتصر ولايته على رقابة صحة السبب المزعوم فإن تبين له عدم صحته وجب عليه الحكم بإلغاء القرار الذي قام على هذا السبب.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أنه بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 23 من مايو سنة 1963 أقام السيد/ حنفي محمود السجلابي الدعوى رقم 1434 لسنة 17 القضائية ضد السيد وزير الداخلية والسيد مدير عام مصلحة الأمن العام طالباً الحكم أولاً - بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الصادر في 15 من يناير سنة 1963 بسحب ترخيص المحال التجارية المملوكة له والكائنة بالقاهرة والإسكندرية ودمنهور والمنصورة للاتجار في الأسلحة والذخائر والمصنع المملوك له الكائن بمحرم بك بالإسكندرية لصناعة الخرطوش وتعبئة وتجميع بنادق الصيد وضغط الهواء والرماية وكذلك القرار الصادر بتاريخ 5 من فبراير سنة 1963 بحسب رخصة حمل السلاح له وثانياً - وفي الموضوع بإلغاء القرارين المذكورين وثالثاً - بإلزام المدعى عليها بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة وقال شرحاً لدعواه أنه منذ سنة 1948 يتجر في الأسلحة والذخائر في عدة محلات في القاهرة والإسكندرية ودمنهور والمنصورة ويمتلك مصنعاً بالإسكندرية لصناعة الخرطوش وتعبئته وصناعة وتجميع بنادق الصيد وضغط الهواء والرماية وظل يمارس هذه الصناعة والتجارة على نحو لا ترقى إليه شبهة حتى إذا كان النصف الثاني من سنة 1962 وجهت له حملة مغرضة من منافسين له في التجارة قدر الله له فيها النصر واستنفذت المعركة منه جهداً أرهقه فالتمس الراحة والعلاج مما أصابه من جد ونصب فدخل القسم النفساني بمستشفى الدكتور بهمان ثم غادره بعد فترة بسيطة استكمل فيها صحته ثم رأى أن يتخفف من مسئولية الأعمال الجسيمة التي يضطلع بها بأن يشرك أخاه السيد/ أحمد محمود إبراهيم السجلابي في إدارة أعماله وانعقد بينهما عقد شركة ثابت التاريخ في 20 من ديسمبر سنة 1962 فتقدم إلى إدارة اللوائح والرخص لإضافة اسم هذا الأخ إلى رخص المصنع والمحلات التجارية إلا أن خصومه تقدموا بشكاوى إلى الوزارة يفترون عليه بأنه أدخل مستشفى بهمان للأمراض العقلية واستجابت الوزارة لهذه الفرية دون بحث أو تمحيص وألغت ترخيص المحلات والمصنع باسمه ثم حان موعد تجديد رخصة سلاح يحمله فاشترطت جهة الإدارة لذلك عرضه على الطبيب الشرعي وتم ذلك ووضحت سلامته عن كل عيب جسمي أو عقلي ورغم ذلك قررت مصلحة الأمن العام بوزارة الداخلية سحب الترخيص بحمل السلاح ونعى المدعي على القرارين المذكورين أنهما مقامان على سبب منعدم قانوناً وواقعيا ذلك أن المستشفى الذي دخله قرر صراحة أنه لم يلحق بقسم الأمراض العقلية به كما أن الطبيب الذي عالجه قرر أنه لم يعالج من مرض عقلي بل من مجرد مرض نفساني وذكر أن مقتضى ذلك أن يكون سحب ترخيص المحال التجارية والمصنع وكذلك ترخيص حمل السلاح بالتطبيق للقانون رقم 384 لسنة 1954 والقوانين المعدلة له منعدم السبب وأضاف أنه تظلم من هذين القرارين إلا أن تظلمه رفض وأن في نفاذهما ضرر جسيم يلحق به وأنه لذلك يحق له طلب الحكم بوقفهما حتى يفصل في موضوعهما بإلغائهما.
وأجابت الوزارة على الدعوى بمذكرة قالت فيها أن المدعي تقدم بطلب لتجديد رخصة الاتجار في الأسلحة والذخائر الخاصة بمحله بالإسكندرية وببحث توافر الشروط التي ينص عليها القانون ورد في 5 من أغسطس سنة 1962 كتاب من قسم حلوان مرافقاً له كتاب مستشفى بهمان المؤرخ في 2 من أغسطس سنة 1962 المتضمن أن المدعي دخل القسم العصبي بالمستشفى للراحة والعلاج من حالة اكتئاب مصحوب بقلق نفساني وباستطلاع رأي (مجلس المراقبة للأمراض العقلية) بوزارة الصحة فيما إذا كانت حالة المدعي تعتبر من الأمراض العصبية ورد رده مصحوباً بتقدير السيد مفتش مجلس مراقبة الأمراض العقلية الذي جاء به أن المجلس يرى أن حالة المدعي (تعتبر حالة نفسية مصحوبة بأعراض عقلية طارئة) وأنها عرضه للتطور - وأشارت إدارة الفتوى والتشريع بعدم إمكان تجديد الترخيص الممنوح له نظراً إلى سابقة دخوله مستشفى بهمان للأمراض العقلية ثلاث مرات خلال المدة من 20 من يونيو إلى 20 من أكتوبر سنة 1962 حيث مكث حوالي 52 يوماً فيكون قد قام به مانع من موانع الترخيص - وذكرت الوزارة أنها تيسيراً للمدعي ومراعاة لظروفه وافقت على درج اسم شقيقه (باعتباره شريكاً له) في تراخيص الاتجار والمصنع مع شطب اسم المدعي منها وعلى إلغاء رخصة حمل وإحراز السلاح الخاصة به. وظلت المحلات والمصنع تباشر نشاطها تحت إشراف هذا الشقيق الشريك - وتقدم المدعي بتظلم أرفق به شهادة من المستشفى الذي عولج فيه تفيد أن علاجه كان بالقسم العصبي وهو وحدة مستقلة عن مستشفى الأمراض العقلية وشهادة من الطبيب المعالج تفيد أنه شفي من الأمراض التي يشكو منها - ودفعت الوزارة بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد استناداً إلى أن القرارات المطعون فيها صدرت في 15 من يناير سنة 1963 وإلى أنه تظلم منهم في 17 من فبراير سنة 1963 ورفض تظلمه فأقام دعواه في 23 من مايو سنة 1963 طاعناً في القرار الصادر في 15 من يناير سنة 1963 بسحب ترخيص المحال التجارية والمصنع والقرار الصادر في 5 من فبراير سنة 1963 بسحب رخصة السلاح وكان يتعين عليه أن يطعن على القرارات الصادرة برفض تظلمه كما تقضي بذلك المادة 22 من قانون مجلس الدولة - ثم تحدثت الوزارة عن موضوع الدعوى فأشارت إلى أحكام المادتين 7، 15 من القانون رقم 394 لسنة 1954 وذكرت أنه وفقاً لهذه الأحكام يكفي مجرد دخول شخص مستشفى أو مصحة للأمراض العقلية لعدم جواز الترخيص له في حمل وإحراز السلاح أو في صنعه أو الاتجار به وأن مجرد دخول المدعي مستشفى الأمراض العقلية كان لشطب اسمه من التراخيص الخاصة بحمل وصنع والاتجار بالأسلحة والذخائر وذلك بصرف النظر عما وجه إليه من اتهامات في القضية رقم 40 مالية لسنة 1962 الخاصة بضبط قطع غيار أسلحة مفرج عنها بدون دفع الرسوم الجمركية الواجبة وفي القضية رقم 6 أحوال شرطة المنتزه لسنة 1962 بشأن تهديده لرئيس حساباته بالقتل وشروعه في هتك عرضه - وأنه لا يقدح في ذلك ما ذهب إليه المدعي من أنه كان يعالج بالقسم العصبي وهو وحدة مستقلة داخل مستشفى الأمراض العقلية إذ أن هذه تقسيمات داخلية بالمستشفى حسب طريقة العلاج وقد قطعت الجهة الفنية المختصة وهو مجلس مراقبة الأمراض العقلية بأن حالته تنطبق عليها المادة 21 من القانون رقم 141 لسنة 1944 بشأن حجز المصابين بأمراض عقلية وانتهت الوزارة إلى القول بأنه لما كان السبب في إصدار القرارات المطعون عليها هو قيام حالة بالمدعي هي دخوله مستشفى الأمراض العقلية فإنه يكون ولا حق له في دعواه - ثم تحدثت الوزارة عن طلب وقف التنفيذ فقالت أن الشروط التي يتطلبها القانون لإجابة هذا الطلب غير متوافرة - وطلبت الحكم أولاً وأصلياً بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد القانوني وثانياً واحتياطياً رفض طلب وقف التنفيذ وفي الموضوع برفضها مع إلزام المدعي في أية حالة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وتقدم المدعي بمذكرة بدفاعه طلب فيها رفض الدفع بعدم قبول الدعوى تأسيساً على أنه أقامها في الميعاد وتحدث عن الموضوع فقال أن القرار قد بني على أنه أودع إحدى مصحات الأمراض العقلية وعقب على ذلك بقوله أن مستشفى بهمان قد نفى ذلك بكتابه المؤرخ في 24 من ديسمبر سنة 1962 الذي جاء به أن القسم الذي عولج فيه هو القسم العصبي وهو وحدة مستقلة تمام الاستقلال عن مستشفى الأمراض العقلية كما نفاه الدكتور المعالج الذي بين بشهادته المؤرخة في أول أكتوبر سنة 1963 أنه كان يعاجله من حالة قلق نفسي مصحوب باكتئاب نفساني تسبب من صدمات ومشاكل خاصة بعمله وذلك أثناء وجوده بالقسم النفساني في المستشفى وأضاف المدعي أن الإيداع بمستشفيات الأمراض العقلية وفقاً للقانون رقم 141 لسنة 1944 يتم في حالتين الأولى - حالة المرضى الخطرين على أمن الغير أو أمن أنفسهم والثانية - حالة المرض غير المصحوبة بهياج وتشترط المادة السابعة أن يكون إيداع المريض وحجزه بناء على طلب من أحد أقاربه ثم بتقرير يكتبه طبيبان لهما من أطباء المستشفى الذي يودع به المريض وفي هذه الحالة يجب المبادرة بإخطار مجلس المراقبة ليتولى فحص الحالة بنفسه ثم يقرر في مدى ثلاثين يوماً ما إذا كان الحجز سليماً وإلا أخلى سبيل المريض فوراً - وذكر أنه لم يحدث في حقه شيء من ذلك فهو لم يكن مودعاً في مستشفى للأمراض العقلية ولم يتوفر في حقه أي شرط مما نص عليه القانون 141 لسنة 1947 وعقب المدعي على تقرير مفتش مراقبة الأمراض العقلية الذي صدرت بناء عليه الفتوى بإجازة سحب الترخيص منه بقوله: أن هذا المفتش لم يكشف عليه بنفسه ولم يفحص حالته إنما اكتفى بالاطلاع على أوراق علاجه ورغم ذلك وصف حالته بأنها نفسية مصحوبة بأعراض عقلية طارئة يمكن علاجها في فترة وجيزة جداً وأنها عرضة للتطور الذي يجعل من المحتمل أن تتحول إلى حالة عقلية - وذكر أنه رغم عدم دقة هذا الكلام فإن المستفاد منه أن مرضه كان نفسياً وأنه لم يكن هناك إلا مجرد احتمال لأن يصاب بمرض عقلي هو احتمال قائم في حق كل إنسان ثم تحدث المدعي عن طلب وقف التنفيذ وقال أن مبرراته قائمة.
وبعد أن أمم مصنع المدعي بمقتضى القانون رقم 141 لسنة 1963 قرر الحاضر عنه بجلسة 24 من ديسمبر سنة 1963 أنه يقصر طلباته على محلات التجارة ورخصة السلاح الشخصية.
وقررت المحكمة بجلسة 3 من مارس سنة 1964 ندب السيد الدكتور يوسف براده أستاذ الأمراض العصبية سابقاً لوضع تقرير عن المدعي لبيان نوع الحالة التي أصيب بها وعولج من أجلها بمستشفى الدكتور بهمان وذلك لتحديد ما إذا كانت هذه الحالة تعتبر مرضاً عقلياً أم مرضاً نفسياً.
وأودع الدكتور يوسف براده تقريره في 10 من مارس سنة 1964.
وبجلسة 27 من أكتوبر سنة 1964 ناقشت المحكمة الدكتور أحمد سعد الدين مفتش مجلس المراقبة العقلية وواضع التقرير المشار إليه بخطاب المجلس المذكور.
وبجلسة أول ديسمبر سنة 1964 طلب الحاضر عن الوزارة من المحكمة أن تعدل عن قرارها الصادر بندب خبير وبعد أن ناقشت المحكمة الدكتور يوسف براده والدكتور أحمد سعد الدين قررت تكليف الدكتور يوسف براده بتقديم تقرير تكميلي تعقيباً على التقرير المقدم بالجلسة من الدكتور سعد الدين.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها في طلب وقف التنفيذ انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم برفضه كما أودعت تقريراً في الموضوع انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم برفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً وبقبولها وفي الموضوع بإلغاء القرارين المطعون فيهما وإلزام المدعى عليهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وفي 31 من ديسمبر سنة 1964 أودع الدكتور يوسف براده تقريره التكميلي.
وبجلسة 30 من مارس سنة 1965 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها على الوجه السابق بيانه وبنت قضاءها برفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً على أنه يستوي أن ينصب الطعن على القرار في التظلم برفضه أو على القرار المتظلم منه وأن الثابت أن القرار الأول بسحب ترخيص المحال التجارية صدر في 15 من يناير سنة 1963 والقرار الثاني بسحب رخصة السلاح صدر في 5 من فبراير سنة 1963 وتظلم منهما المدعي في 17 من فبراير سنة 1963 ثم رفض تظلمه في 23 من مارس سنة 1963 ورفع دعواه في 23 من مايو سنة 1963 فتكون قد رفعت في الميعاد وعقبت المحكمة على طلب الوزارة عدولها عن القرار الصادر في 3 من مارس سنة 1964 بندب خبير بأنه فضلاً عن أن هذا الطلب أبدي بجلسة أول ديسمبر سنة 1964 بعد أن أدى الخبير مأموريته فإن عدول المحكمة عن إقرارها بندب خبير أمر متروك لتقديرها كما أن ندب هذا الخبير ليس من شأنه حلولها محل الجهة الإدارية في اختصاصها وبنت المحكمة قضاءها بوقف تنفيذ القرار الخاص بسحب ترخيص المحال التجارية على أن تنفيذه من شأنه حرمان المدعي من مورد رزقه بالإضافة إلى ما تبين من عدم مشروعيته كما بنت قضاءها رفض طلب وقف تنفيذ القرار الخاص بسحب ترخيص حمل السلاح على أن المدعي لم يثبت أن في سحب السلاح منه خطراً عليه وبنت قضاءها في الموضوع على أن الثابت من الأوراق أن القرارين المطعون فيهما يقومان على سابقة دخول المدعي مستشفى للأمراض العقلية عملاً بالمادتين 7 و15 من القانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر وأن الثابت من الأوراق أيضاً أنه دخل القسم العصبي بمستشفى الدكتور بهمان بحلوان ست مرات في المدة من 23 من يونيو سنة 1962 إلى 3 من مايو سنة 1963 منها ثلاث مرات قبل صدور أول القرارين المطعون فيهما وأربع مرات قبل صدور ثاني هذين القرارين وكان تشخيص حالته أثناء العلاج في المرة الأولى (حالة قلق واكتئاب وعند الخروج كان في حالة تحسن طفيف) وفي الثانية (كان في حالة اكتئاب مصحوب بقلق نفسي وعند الخروج كان في حالة تحسن جداً) وفي المرة الثالثة (كان في حالة اكتئاب وعند الخروج كان في حالة تحسن جداً) وفي المرة الرابعة (كان في حالة قلق واكتئاب وعند الخروج كان في حالة تحسن) - وفي المرة الخامسة (كان في حالة قلق واكتئاب وعند الخروج كان في حالة تحسن جداً - وفي المرة السادسة (كان في حالة اكتئاب وعند الخروج كان في حالة تحسن قليلاً) - وقرر مفتش مجلس مراقبة الأمراض العقلية (الدكتور أحمد سعد الدين الحكيم) في تقريره المقدم منه إلى المجلس المذكور أنه اتضح له من أوراق المدعي في مستشفى بهمان ومن تقارير من تولى علاجه فيها (أن حالته تعتبر حالة نفسية مصحوبة بأعراض عقلية طارئة ممكن علاجها في فترة وجيزة جداً وأن هذه الحالة عرضة للتطور الذي يجعلها من المحتمل أن تتحول إلى حالة عقلية) وبناء على هذا التقرير رأى المجلس أن حالة المدعي نفسية مما تنطبق عليه أحكام المادة 21 من القانون رقم 141 لسنة 1944 بشأن حجز المصابين بأمراض عقلية ثم تحدثت المحكمة عن تقرير الدكتور يوسف براده الخبير المنتدب فذكرت أنه بعد أن أشار إلى التفرقة بين المرض العقلي والمرض النفسي قال أن المريض نفسياً تظل شخصيته متماسكة للحد الذي تكون معه تصرفاته منسجمة مع الواقع وتسودها رعاية الحقائق القائمة ويظل اهتمامه بالمجتمع قائماً بخلاف المريض العقلي الذي يفقد هذا الاهتمام وأن الاكتئاب في المريض النفسي يتقرر ويتأثر بالعوامل المحيطة به ويحتفظ المريض عاطفياً بحماسيته وتفاعله مع الجو السائد في حين أن المريض العقلي غالباً ما يكون متبلد العاطفة لما حوله تحكمه أفكاره الداخلية وأن ميزة التبصر في المريض النفسي واضحة، وقليلة أو مفقودة في المريض العقلي - وأشارت المحكمة إلى أن الدكتور يوسف براده قد استند في تقريره إلى الشهادات الطبية المقدمة من الدكتور عمر الجارم (رئيس قسم الأمراض العصبية والنفسية بجامعة الإسكندرية وهو الطبيب المعالج للمدعي) وللدكتور فتحي لوزه (الذي قام بعلاجه بمستشفى بهمان) وأطلع على التحقيقات التي كان المدعي طرفاً فيها وذكرت أنه قام بمقابلة المدعي في عيادته يوم أول يونيو سنة 1964 وتبين له أنه كان أثناء المحادثة هادئاً رزيناً لم تظهر عليه أية أعراض من مرضه السابق كما كان منطقياً في مناقشاته ومتزناً في حركاته - وأنه اتضح له من المشاهدات اليومية في مستشفى بهمان في المرات الستة التي داخلها المدعي أن تشخيص حالته قلق نفسي وكآبة وكانت متاعب العمل وإشكالاته هي مصدر شكواه الرئيسي كما كان اهتمامه بعمله وخوفه عليه محور كلامه وإذا حدثت مصادمات بينه وبين موظفيه وأخفيت مستندات لها قيمتها في قضايا ضرائبية اتهم فيها كذباً بالتهرب من الجمارك مما ترتب عليها تفتيش منزله ومحلاته أكثر من مرة ثم سحبت رخصة مصنع السلاح ورخص محلات الاتجار بالأسلحة ورخصة حمل السلاح فأدت هذه الصدمات المتعاقبة إلى حالة القلق النفسي والاكتئاب وكان كلما تحسنت حالته وخرج ليواجه مشاكل العمل ينتكس وتزداد حالة القلق والاكتئاب فيغلب عليه الملل والتشاؤم ويزهد في العمل ويعتكف كما أن خيبة أمله في الناس وخياناتهم له جعله يشك فيهم وفي أعمالهم ويضطرب نومه فيسعى إلى العلاج والراحة بالمستشفى وفي كل الأوقات - ومهما اشتد قلقه - كان متعلقاً بعمله تحدوه دائماً الرغبة في الرجوع إليه وفي كل مرة دخل المستشفى كان يخرج منه عندما تزول أعراض المرض وهو في تحسن طفيف أو في تحسن لاهتمامه بعمله ومصنعه ولما أمم المصنع في نوفمبر سنة 1963 وأصبح خالياً من المشاغل هدأت نفسه ولما سئل عن هدفه من الاستمرار في الدعوى أجاب بأن ذلك من أجل محلاته التجارية وهوايته للصيد ولرد اعتباره وهذا يدل على مدى ولع المدعي بعمله وشدة تعلقه به والمحافظة على سمعته وذكرت المحكمة أن الدكتور يوسف براده خلص مما تقدم إلى أن حالة الاكتئاب والقلق النفسي التي أصابت المدعي كانت نتيجة عوامل خارجية لم تؤثر في شخصيته ولم تفقده الصلة بالواقع المحيط به بل كان متفاعلاً معه منطقياً في تصرفاته ولم يشذ عن المألوف رغم ما قابل من صدمات قاسية وأن تبصره واضح ويعي الموقف تماماً ويتألم لمرضه ويسعى تلقائياً للعلاج بشتى الطرق وانتهى إلى أن مرضه نفسي لم يتدهور إلى مرض عقلي - ثم عرضت المحكمة التقرير المقدم من الدكتور سعد الدين الحكيم تعقيباً على تقرير الدكتور براده وقالت أنه قد جاء بهذا التقرير أن المرض العقلي المبكر لا يفقد المريض الصلة بواقعه بل يظل في حالة إدراك لأعراضه المرضية فيتقدم بنفسه ويبحث عن العلاج وأن غالبية الحالات التي تنطبق عليها المادة 21 من القانون رقم 141 لسنة 1944 إما حالات اكتئاب مبكرة أو قلق نفسي مصحوب باكتئاب وأن هناك فرقاً بين الاكتئاب الاستجابي والاكتئاب الأصلي وأساس التفرقة بينهما هو توافق أو عدم توافق شدة الاكتئاب مع العامل المؤثر وكذلك استمرار حالة الاكتئاب أو عدم استمرارها بعد زوال هذا المؤثر وأن الأعراض الإكلينيكية للاكتئاب الأصلي تبدأ بقلق نفسي ثم تزداد الحالة تدريجياً وتنصح فتبدو حالة الاكتئاب وتكون حالة المريض في الصباح أسوأ منها في آخر اليوم ويعاني من الشعور بفقد الأمل في الحياة والاكتئاب لدى المدعي كان من هذا النوع الثاني وهو التشخيص الذي بني عليه العلاج بالمستشفى حيث عولج بصدمات كهربائية وبالتوفرائيل وهو علاج لا يكون إلا في الحالات العقلية من الاكتئاب وذكرت المحكمة أن السيد مفتش مجلس المراقبة للأمراض العقلية الدكتور سعد الدين الحكيم رأى في تقريره المذكور أن حالة المدعي تعتبر حالة نفسية مصحوبة بأعراض عقلية طارئة ممكن علاجها في فترة وجيزة جداً وأن هذه الحالة عرضة للتطور الذي يجعلها من المحتمل أن تتحول إلى حالة عقلية وأنه إذا كان الدكتور يوسف براده قد اتفق معه على أن حالة المدعي التي عولج منها بمستشفى بهمان هي حالة نفسية إلا أنه اختلف معه في أنها تحولت إلى حالة عقلية إذ قرر أنها لم تتدهور إلى مرض عقلي كما أن مجلس مراقبة الأمراض العقلية قد رأى بناء على تقرير مفتشه أن حالة المدعي حالة نفسية وذلك بجلسته المنعقدة في 5 من نوفمبر سنة 1962 ولكن المجلس اعتبرها مما ينطبق عليها حكم المادة 21 من القانون رقم 141 لسنة 1944 بشأن حجز المصابين بأمراض عقلية مع أن مجال إعمال أحكام هذا القانون هو الإصابة بمرض عقلي وأضافت المحكمة أن مفتش مجلس مراقبة الأمراض العقلية قد أسس تقريره على مجرد الاطلاع على أوراق المدعي بمستشفى بهمان دون أن يكشف عليه أو يفحصه واستنبط نوع المرض الذي أصابه من طريقه العلاج وهي الصدمات الكهربائية والتوفرائيل بمقولة أن هذا العلاج يعطي لحالات الاكتئاب الأصلي - وذكرت المحكمة أنها لا تطمئن إلى تشخيص المرض بناء على طريقة العلاج لأنها قد تختلف من مستشفى إلى مستشفى ومن طبيب إلى طبيب بل قد تختلف من مريض إلى مريض آخر في ذات المستشفى وأشارت إلى ما قرره الدكتور يوسف براده في تقريره الثاني رداً على تقرير الدكتور سعد الدين الحكيم وذكرت أنه قال أن الدواء لا يدل على نوع المرض بل توجد أعراض وعلامات تدل عليه مع الاستناد إلى الأسس الطبية وأن الصدمات الكهربائية قد تستعمل في الحالات النفسية وفي بعض الأمراض الجسمية - النفسية وفي بعض حالات الهستريا وفي الاكتئاب بدرجات متفاوتة وأن الاكتئاب الأصلي ليس أسرع هذه الحالات استجابة للصدمات الكهربائية حتى يعتبر استعمالها دليلاً على وجوده وأن التوفرائيل يستعمل أيضاً في بعض الأمراض (النفسوبدنية) وفي التبول ليلاً عند الأطفال وأن الثابت أن المدعي استعمل التوفرانيل سبعة أيام في المرة الثالثة ويوماً واحداً في المرة الرابعة ثم أوقف استعماله أي أن استعماله كان لمدة ثمانية أيام خلال فترة علاج مدتها خمسة وثمانون يوماً أقامها بالمستشفى وهي مدة قصيرة لا تنهض دليلاً على نوع المرض بل أن عدول المستشفى عن استمرار المدعي في استعماله إياه يدل على أن هذا الدواء لا يصلح أصلاً لعلاج المدعي من الناحية الطبية - وذكرت المحكمة أن مفتش مجلس مراقبة الأمراض العقلية قد قررت أمامها بجلسة 27 من أكتوبر سنة 1964 أن الاكتئاب كرد فعل لظروف سيئة يعتبر حالة عقلية إذا وصلت حالة الاكتئاب إلى درجة أن أصبحت مستمرة بعد انتهاء الظرف الذي حصلت فيه مع أصحابها بأعراض الاكتئاب وفقدان الثقة وفي غير هذه الأحوال فإن الاكتئاب كرد فعل لظروف سيئة لا يعتبر حالة عقلية - وأضافت أن الثابت من تقرير الدكتور براده أن حالة الاكتئاب والقلق النفسي التي يعاني منها المدعي كانت تتكرر وتتأثر تأثراً مباشراً بالظروف والصدمات القاسية التي كان يواجهها في عمله ولم يترتب عليها تفكك في شخصيته ولم ينفصل بسببها عن الواقع المحيط به ولم ينكر الحقائق القائمة أو يتمسك بمعتقدات خاطئة أو يكشف عن تصرفات شاذة خارجة عن المألوف بل أنه بعد أن هدأت المشاكل نهائياً في بعضها زالت عنه أعراض الاضطراب النفسي والاكتئاب - واستخلصت المحكمة من كل ما تقدم أن المدعي كان مريضاً بمرض نفسي كما أنه لم يدخل مستشفى أو مصحة للأمراض العقلية - إذا الثابت من كتاب مستشفى بهمان المؤرخ في 24 من ديسمبر سنة 1962 أنه كان يعالج بالقسم العصبي به وأن هذا القسم وحدة مستقلة تمام الاستقلال عن مستشفى الأمراض العقلية وذكرت بأن القرارين المطعون فيهما إذ صدرا استناداً إلى المادتين 7، 15 من القانون رقم 394 لسنة 1954 وتأسيساً على أن المدعي دخل مستشفى للأمراض العقلية - وذلك على خلاف الواقع - فإنهما يكونان فاقدين لركن السبب لقيامهما على سبب غير صحيح وباطلين لمخالفتهما للقانون ولذلك يتعين الحكم بإلغائهما على أن ذلك لا يحول دون أن تعيد جهة الإدارة النظر في أمر الترخيص للمدعي في ضوء حالته وبمراعاة صالح الأمن العام وذلك في حدود السلطة التقديرية المخولة لها في المادتين 4 و12 من القانون رقم 394 لسنة 1954.
ومن حيث إن الطعن يقوم على الأسباب الآتية:
أولاً: أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ وجانبه الصواب إذا لم يقض بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد القانوني إذا الثابت مما أورده الحكم أن تظلم المدعي رفض في 23 من مارس سنة 1963 وأنه رفع دعواه في 23 من مايو سنة 1963 أي أن الدعوى رفعت في اليوم الحادي والستين من تاريخ رفض التظلم فتكون غير مقبولة شكلاً لرفعها بعد الميعاد.
ثانياً: أن الحكم المطعون فيه باطل لأن المحكمة لم تسلك الطريق الذي رسمه القانون في المادة 225 من قانون المرافعات فبدلاً من أن تصدر حكماً بندب خبير اكتفت بقرار بندبه فيكون هذا الإجراء باطلاً ويكون الحكم إذ بني على تقرير الخبير المذكور باطلاً بدوره - كما أن ندب الخبير كان أثناء نظر طلب وقف التنفيذ وذلك غير جائز قانوناً لأن ندب الخبراء مقصور على الدعاوى الموضوعية.
ثالثاً: أن الحكم قد جانب الصواب إذ قضى بوقف تنفيذ القرار الخاص بسحب ترخيص الأعمال التجارية استناداً إلى قوله أن تنفيذ هذا القرار من شأنه حرمان المدعي من عمله وهو مصدر رزقه الذي يتعيش منه - ذلك أن الجهة الإدارية لم تسحب ترخيص المحال التجارية أنما ألغت الترخيص بالنسبة إلى المطعون ضده ووافقت على درج اسم شقيقه فظلت المحلات تباشر نشاطها.
رابعاً: أن الحكم قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه إذ قضى بإلغاء القرارين المطعون فيهما استناداً إلى ما أبداه الخبير من رأي في الدعوى - ولم يكن يجوز أصلاً ندب خبير في مسألة فنية تعد من خصوصيات الجهة الإدارية كما أنه لم يكن للمحكمة أن تهدر رأي الجهة الفنية المتخصصة وهي مجلس مراقبة الأمراض العقلية مجتمعاً بأن تندب خبيراً هو الأستاذ السابق للأمراض العصبية - في حين أن تشكيل هذا المجلس يشمل عضوية أستاذ الأمراض العصبية فضلاً عن غيره من كبار الأطباء المتخصصين والقانونيين ولما كانت الجهة الإدارية لم تستقل بالرأي وإنما رجعت إلى الجهات المتخصصة فنياً ولم يطعن عليها بإساءة استعمال السلطة فما كان يجوز للقضاء الإداري أن يحل نفسه محل الإدارة ويدخل في ثنايا العمليات الفنية كما أن المستفاد أن المادتين 4 و21 من القانون رقم 141 لسنة 1944 أن ثمة أمراضاً مبكرة ليس من شأنها أن تخل بالأمن أو النظام ويمكن للمصاب بها أن يتقدم بنفسه بطلب إلى المستشفيات أو المصحات المعدة لذلك للاستشفاء من هذه الأمراض ويمكنه ترك المستشفى بناء على طلب كتابي منه أو ممن طلب إدخاله وإذ كان الثابت أن المطعون ضده دخل مستشفى بهمان ست مرات في الفترة من 23 يونيو سنة 1962 إلى 10 من يوليو سنة 1963 وأن حالته انتكست في فترات متقاربة وأنه عولج بأنواع متعددة من العلاج وإذ كانت تقارير مستشفى بهمان ذاتها قد شخصت مرضه بأنه قلق نفسي واكتئاب أو اكتئاب فإن ما ذهب إليه مجلس مراقبة الأمراض العقلية يكون صحيحاً قائماً على أسباب تبرره في الواقع وتؤدي إليه - أما أخذه الحكم على مفتش مجلس المراقبة من أنه أسس تقريره على مجرد اطلاعه على أوراق المدعي بمستشفى بهمان دون أن يكشف عليه أو يفحصه - ما نعاه الحكم في هذا الشأن هو بذاته الحدود التي رسمتها المحكمة للخبير الذي انتدبته.
خامساً - أن الحكم المطعون فيه بعد أن انتهى إلى القول بأن القرارين المطعون عليهما فاقدان لركن السبب ويتعين إلغاؤهما استدرك فقال أن ذلك لا يحول دون أن تعيد - جهة الإدارة النظر في الترخيص للمدعي في ضوء حالته وبمراعاة صالح الأمن العام في حدود السلطة التقديرية المخولة لها في المادتين 4 و12 من القانون 394 لسنة 54 وكان من المتعين رفض إلغاء القرارين متى ثبت أن الإدارة كان لا بد لها من إصدارهما على أي حال.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قد أودعت تقريراً برأيها انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب تنفيذ القرار الصادر بسحب الترخيص الممنوح للمطعون ضده للاتجار بالأسلحة والذخائر ويرفض طلب المدعي إلغاء القرارين المطعون فيهما وإلزامه المصروفات - وذلك تأسيساً على أنه ولئن كانت الإدارة قد استندت في إصدار القرارين المطعون فيهما إلى سبب غير صحيح هو سابقة دخول المدعي بمستشفى للأمراض العقلية إلا أنه لا محل لإلغائهما رغم تخلف هذا السبب متى ثبت أن الإدارة لا بد لها من إصدار القرارين على أي حال نظراً إلى أن مرض المدعي النفسي كان عرضة للتطور إلى مرض عقلي واستناداً إلى أن المشرع قد منح وزير الداخلية سلطة تقديرية واسعة في سحب تراخيص حمل الأسلحة أو الاتجار فيها وهي سلطة حدها الانحراف.
من حيث إن المدعي قد عقب على الطعن وعلى تقرير هيئة مفوضي الدولة بمذكرتين قال فيهما أن الدفع بعدم قبول الدعوى غير قائم على أساس لأنه لم يعلن برفض تظلمه وأن قرار محكمة القضاء الإداري بندب خبير إنما هو حكم صادر قبل الفصل في الموضوع ولا يعيبه أنه غير مسبب وأشار إلى خيانة مدير مصنعه له وذكر أن هذا الموظف الذي كان يعمل لديه هو الذي قام بتلفيق جميع الاتهامات التي وجهت ضده والتي حفظت بعد أن أسفر التحقيق فيها عن أنها ملفقة وقال أنه نتيجة لهذا الموضوع أحس بالإرهاق والقلق فالتمس الراحة في أحد الأماكن الملائمة فدخل القسم النفسي بمستشفى بهمان - ولكن مدير المصنع استغل هذا الوضع فأرسل شكوى مجهولة إلى الشرطة يخبرها فيها أنه دخل مستشفى للأمراض العقلية - وعقب على ما قيل من احتمال تطور حالته إلى مرض عقلي بمقولة أن هيئة المفوضين قد استندت في هذا الشأن إلى أقوال الدكتور يوسف براده أمام محكمة القضاء الإداري بجلسة أول ديسمبر سنة 1964 في حين أن الاستنتاج السليم من هذه الإجابة يخلص في أمرين أولهما أن التنبؤ بالمستقبل أمر لا يتفق مع الأصول العلمية بل أنه على حد تعبير الدكتور براده ليس داخلاً في حدود الاستطاعة، والأمر الثاني أنه يفرض إمكان التطور إلى مرض عقلي فإن حالة المدعي بالذات لم تتطور بدليل أنه كشف عليه بعد خروجه من المستشفى بعام كامل وكان ما زال على أحسن الأحوال بعد أن استقر استقراراً تاماً بعد التأميم الشامل لأن اتجاهه في الحياة تحدد - وأشار إلى أقوال الدكتور يوسف براده التي ذكر فيها أن حالته تسمح له بحمل السلاح شأنه في ذلك شأن شخص أصيب بمرض نفسي أو عصبي.
ومن حيث إن وزارة الداخلية قد تقدمت بمذكرة بدفاعها في الطعن أصرت فيها على طلباتها الواردة في تقرير الطعن مستندة في ذلك إلى ما أبدته من دفاع أمام محكمة القضاء الإداري وإلى الأسباب التي بنت عليها طعنها.
ومن حيث إنه يبين من الرجوع إلى الأوراق أن المدعي كان مرخصاً له في حمل بعض الأسلحة كما كان مرخصاً له في الاتجار في الأسلحة والذخائر في عدة محلات يملكها ومرخصاً له في صنع بعض الأسلحة والذخائر في مصنعه وعند تقدمه في سنة 1962 بطلبات لتجديد هذه التراخيص أجريت تحريات في شأن استيفائه للشروط التي يتطلبها القانون وفي 5 من أغسطس سنة 1962 ورد كتاب من قسم شرطة حلوان مرفقاً به كتاب من مستشفى بهمان مؤرخ في 2 من أغسطس سنة 1962 يفيد أن المدعي دخل المستشفى المذكورة بالقسم العصبي للراحة والعلاج من حالة اكتئاب مصحوبة بقلق نفساني وذلك في المدة من 23 إلى 28 من يونيو سنة 1962 - ومن 16 إلى 31 من يوليو سنة 1962 وطلبت مصلحة الأمن العام من مجلس مراقبة الأمراض العقلية بكتابها المؤرخ في 17 من أكتوبر سنة 1962 الإفادة عما إذا كانت الحالة التي انتابت المدعي تعتبر من الأمراض العقلية فأجاب رئيس المجلس المذكور بكتابه المؤرخ في 8 من نوفمبر سنة 1962 بأن المجلس قرر تكليف السيد مفتشه بالاطلاع على أوراق علاج المدعي وإبداء الرأي في حالته وأنه لما عرض تقريره على المجلس بجلسته المنعقدة في 5 من نوفمبر سنة 1962 قرر أنه يرى أن حالة المدعي نفسية مما تنطبق عليه أحكام المادة 21 من القانون رقم 141 لسنة 1944 وأرفق المجلس مع كتابه صورة من تقرير مفتشه وقد جاء به أنه انتقل إلى المستشفى في أول نوفمبر سنة 1962 وأطلع على أوراق المدعي فتبين أنه دخل المستشفى ثلاث مرات وأن حالته شخصت في المرة الأولى بأنها قلق نفسي مصحوب باكتئاب وفي المرة الثانية اكتئاب مصحوب بقلق نفسي وفي المرة الثالثة اكتئاب وأن التشخيص في المرات الثلاثة يتفق مع العلاج الذي أعطي له وأنه من ذلك يتضح أن هذه الحالة تعتبر حالة نفسية مصحوبة بأعراض عقلية طارئة ممكن علاجها في فترة وجيزة جداً وأن هذه الحالة عرضة للتطور الذي يجعلها من المحتمل أن تتحول إلى حالة عقلية وفي 27 من نوفمبر سنة 1962 أحيل المدعي إلى طبيب أول قسم الشرطة فقرر أنه وجده بصحة جيدة ولا توجد عنده أية عاهة تمنعه من إحراز السلاح ونظراً إلى أن تقرير هذا الطبيب جاء خالياً من بيان حالته العصبية فقد طلب منه إعادة الكشف عليه من هذه الزاوية فأعاد الكشف عليه في 29 من ديسمبر سنة 1962 وقرر أنه وجده بصحة عادية وقد شفي من الحالة التي كانت عنده ولا يوجد ما يمنعه من إحراز رخصة حمل سلاح ورجعت الوزارة في شأن تجديد التراخيص الخاصة بالمدعي إلى إدارة الفتوى والتشريع المختصة التي أجابت بكتابها المؤرخ في 29 من نوفمبر سنة 1962 بأنها ترى عدم إمكان تجديدها وذلك استناداً إلى أنه ثبت أنه دخل فعلاً أحد المستشفيات العقلية نتيجة للحالة التي ألمت به على النحو الذي ورد بتقرير مفتش مجلس مراقبة الأمراض العقلية ومن ثم يكون قد قام به مانع من موانع الترخيص في الاتجار بالأسلحة والذخائر - وبناء على ذلك رفضت طلبات المدعي فصدر القرار برفض تجديد رخصة حمل السلاح في 25 من يناير سنة 1963 أما رخص محلات الاتجار بالأسلحة فقد ووفق في 15 من يناير سنة 1963 على تجديدها بعد حذف اسم المدعي منها وإضافة اسم أخيه محمود إبراهيم السجلابي وتظلم المدعي من هذين القرارين في 17 من فبراير سنة 1963 وأرفق بتظلمه صورة فوتوغرافية من كتاب مرسل إليه من مستشفى بهمان في 24 من ديسمبر سنة 1962 يفيد أن القسم الذي عولج به خلال إقامته بالمستشفى هو القسم العصبي المستقل تمام الاستقلال عن مستشفى الأمراض العقلية كما أرفق به أيضاً صورة من شهادة مؤرخة في 18 من ديسمبر سنة 1962 صادر من الطبيب الذي كان يعالج بالمستشفى تضمنت أنه قام بعلاجه من حالة قلق نفسي مصحوب باكتئاب نفساني تسبب عن صدمات ومشاكل خاصة بعمله أثناء وجوده في القسم النفساني في المستشفى وبعد خروجه وأنه قد شفي من الأعراض التي يشكو منها - وقد قررت الوزارة رفض هذا التظلم في 23 من مارس سنة 1963 أرسل السيد مدير عام مصلحة الأمن العام كتاباً إلى مدير أمن القاهرة بطلب فيه اتخاذ اللازم نحو إخطار المدعي بحفظ تظلمه وفي 23 من مايو سنة 1963 أقام المدعي دعواه طالباً وقف تنفيذ وإلغاء القرارات الصادرة بسحب ترخيص حمل السلاح وتراخيص المحال التجارية والمصنع ثم قصر طلباته بعد ذلك على رخصة حمل السلاح وتراخيص المحال التجارية وبجلسة 30 من مارس سنة 1965 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها على الوجه السابق بيانه تأسيساً على أن القرارين المطعون فيهما إذ صدرا استناداً إلى المادتين 7، 15 من القانون رقم 394 لسنة 1954 وتأسيساً على أن المدعي دخل مستشفى للأمراض العقلية وذلك على خلاف الواقع فإنهما يكونان فاقدين ركن السبب لقيامهما على سبب غير صحيح وباطلاً لمخالفتهما للقانون.
ومن حيث إن الوزارة تنعى في السبب الأول من أسباب طعنها على الحكم المطعون فيه أنه خطأ إذا لم يقض بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد القانوني.
ومن حيث إن المدعي قد تظلم من القرارين المطعون فيهما في 17 من فبراير سنة 1963 أي قبل مضي ستين يوماً على صدورهما ولئن كان هذا التظلم قد تقرر رفضه في 23 من مارس سنة 1963 إلا أنه ليس في الأوراق ما يفيد أن المدعي قد أعلن بقرار رفضه أو أنه علم به علماً يقيناً في تاريخ معين قبل إقامة دعواه فلا وجه لما ذهبت إليه الوزارة من اعتبار أن تاريخ رفض التظلم هو التاريخ الذي يجري منه ميعاد رفض الدعوى بل يتعين حساب هذا الميعاد على مقتضى حكم المادة 22 من القانون رقم 55 لسنة 1955 - في شأن تنظيم مجلس الدولة وذلك بأن ترفع الدعوة خلال الستين يوماً التالية لانقضاء ستين يوماً على تقديم التظلم وإذ أقيمت الدعوى في 23 من مايو سنة 1963 فإنها تكون قد رفعت في الميعاد وبالتالي مقبولاً شكلاً ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بذلك قد أصاب الحق فيما انتهى إليه في هذا الشأن.
ومن حيث إن السبب الثاني من أسباب الطعن يتحصل في أن محكمة القضاء الإداري لم تسلك الطريق الذي رسمه القانون فبدلاً من أن تصدر حكماً بندب الخبير اكتفت بندبه عند نظر طلب وقف التنفيذ فيكون هذا الإجراء باطلاً وما بني عليه باطل ولما كان الحكم المطعون فيه قد بني على تقرير الخبير فإنه يكون باطلاً بدوره.
ومن حيث إن المستفاد من الأوراق أن محكمة القضاء الإداري قد اتجهت إلى إصدار حكم واحد في طلب وقف التنفيذ وطلب الإلغاء وأنها بعد تداول الدعوى بالجلسات قررت في جلسة 28 من يناير سنة 1964 إصدار الحكم بجلسة 18 من فبراير سنة 1964 وفيها قررت مد أجل النطق بالحكم لجلسة 3 من مارس سنة 1964 وفي هذه الجلسة قررت المحكمة ندب السيد الدكتور يوسف برادة أستاذ الأمراض العصبية سابقاً لأداء المأمورية التي حددتها له.
ومن حيث إنه لا شك في أن هذا القرار الصادر بندب الخبير لا يخرج عن كونه حكماً توافرت له مقومات الأحكام إذ أصدرته محكمة القضاء الإداري بما لها من سلطة قضائية في خصومة مطروحة عليها تضمناً اتخاذ إجراء من إجراءات الإثبات - ولئن كان هذا الحكم قد صدر غير مسبب إلا أن ذلك ليس من شأنه أن ينزع صفة الحكم أو يشوبه بالبطلان إذ من المسلم أن الأحكام غير القطعية الصادرة باتخاذ إجراء من إجراءات الإثبات لا يلزم تسبيبها لأن النطق بها يفصح بذاته عن سبب إصدارها.
ومن حيث إنه لذلك يكون النعي على الحكم المطعون فيه بالبطلان لاستناده إلى تقرير الخبير المنتدب في غير محله.
ومن حيث إن الوزارة تنعى في السبب الثالث من أسباب طعنها على الحكم المطعون فيه أنه جانب الصواب إذ قضى بوقف تنفيذ القرار الصادر بعدم تحديد الترخيص للمدعي في الاتجار في الأسلحة والذخائر تأسيساً على أنه لم يترتب على تنفيذ هذا القرار نتائج يتعذر تداركها.
ومن حيث إن طلب وقف التنفيذ يقوم على ركنين - الأول قيام الاستعجال بأن كان يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها - والثاني يتصل بمبدأ المشروعية بأن يكون ادعاء الطالب في هذا الشأن قائماً بحسب الظاهر على أسبابه جدية - ولا شك في أن تنفيذ القرار المتضمن رفض الترخيص للمدعي في الاتجار في الأسلحة وما ينطوي عليه من تقييد لحريته في العمل بتنحيته عن إدارة محلات الأسلحة والذخائر التي يملكها استناداً إلى أنه مصاب بمرض عقلي من شأنه أن تترتب عليه أضرار جسيمة يتعذر تدركها تتمثل ليس فحسب في حرمانه من مباشرة نشاطه التجاري بل فيما يترتب على هذا الحرمان المعتمد إلى وصمه بأنه مصاب بمرض عقلي من هدم الثقة فيه والقضاء على سمعته كتاجر في المجال الذي يعمل فيه وهو مجال العلاقات فيه على أساس الثقة والائتمان وتأسيساً على ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بوقف تنفيذ القرار المذكور بعد أن استظهر الركنين اللذين يقوم عليهما هذا الطلب يكون قد أصاب الحق فيما انتهى إليه في هذا الشأن.
ومن حيث إن الوزارة تنعى في السبب الرابع أسباب طعنها على الحكم المطعون فيه أنه خالف القانون إذا قضى بإلغاء القرارين المطعون فيهما استناداً إلى ما أبداه الخبير من رأي في الدعوى إذ لم يكن يجوز ندب خبير في مسألة فنية تعد من خصوصيات الجهة الإدارية وقد رجعت فيها إلى جهة متخصصة منشأة بمقتضى القانون رقم 141 لسنة 1944 هي مجلس مراقبة الأمراض العقلية.
ومن حيث إنه بالرجوع إلى أحكام القانون رقم 141 لسنة 1944 بشأن حجز المصابين بأمراض عقلية يبين أنه قد حدد اختصاص مجلس مراقبة الأمراض العقلية بالنظر في حجز المصابين بأمراض عقلية والإفراج عنهم وفي الترخيص بالمستشفيات المعدة لهم والتفتيش عليها وذلك حسبما هو مستفاد من نص المادة الأولى من القانون المذكور ومن سائر أحكامه وتحديد اختصاص مجلس المراقبة على هذا الوجه لا يحول دون إبدائه لرأيه في الحالات التي ترجع إليها فيها الجهات الإدارية ولو كانت خاصة بأشخاص غير محجوزين أو مطلوب حجزهم أو دخولهم في مستشفيات الأمراض العقلية باعتبار أن ذلك من الأمور التي تتصل بتخصصه.
على أنه نظراً إلى أن وصم الشخص بأنه مريض بمرض عقلي من شأنه أن يؤثر على أهليته وقد يؤدي إلى تقييد حريته الشخصية فإنه يجوز للقضاء الإداري إذا ما ثار أمامه نزاع جدي حول الإصابة أو عدم الإصابة بمرض عقلي أن يتخذ ما يلزم للتحقق من ذلك لاسيما إذا قام من الشواهد في أوراق الدعوى ما يسوغ اتخاذ مثل هذا الإجراء.
ومن حيث إن الثابت في الأوراق أنه عندما رجعت إدارة الأمن العام إلى مجلس مراقبة الأمراض العقلية لاستطلاع رأيه في حالة المدعي - كلف المجلس مفتشه بالاطلاع على أوراق علاج المدعي وإبداء الرأي في حالته واقتصر المفتش على الاطلاع على تلك الأوراق وانتهى في تقريره إلى أن حالة المدعي لا تعتبر حالة نفسية مصحوبة بأعراض عقلية طارئة ممكن علاجها في فترة وجيزة جداً وهذه الحالة عرضة للتطور الذي يجعلها من المحتمل أن تتحول إلى حالة عقلية وقد انتهى السيد المفتش إلى هذه النتيجة دون أن يكشف على المدعي أو يفحصه مستخلصاً لها من الطريقة التي أتبعت في علاجه ورغم أنه لم يقطع في تقريره بإصابة المدعي فعلاً بمرض عقلي بل أشار إلى احتمال تطور حالته وتحولها إلى حالة عقلية فإن مجلس المراقبة قد انتهى استناداً إلى هذا التقرير إلى أنه يرى أن حالة المدعي (حالة نفسية مما ينطبق عليها أحكام المادة 21 من القانون رقم 141 لسنة 1944) وهذه المادة تجيز أن يقبل في المستشفيات المعدة للمصابين بأمراض عقلية كل مصاب بمرض عقلي ليس من شأن مرضه أن يخل بالأمن أو النظام العام أو يخشى منه على سلامة المريض أو سلامة الغير - وإذ قرر مجلس المراقبة انطباق حكمها على حالة المدعي فإنه يكون قد اعتبره مصاباً بمرض عقلي.
ومن حيث إنه لا تثريب على محكمة القضاء الإداري إذ انتهت في الظروف السابق بيانها إلى أنها لا تطمئن إلا تشخيص المرض بناء على طريقة العلاج التي قد تختلف من مستشفى إلى مستشفى ومن طبيب إلى طبيب بل قد تختلف من مريض إلى آخر في ذات المستشفى كما أنها لم تخالف القانون ولم تخطئ في تطبيقه أو تأويله إذ استعانت بأحد أهل الخبرة المتخصصين لتستنير برأيه في أمر بالغ الخطورة يتوقف عليه وصم أحد الأفراد بمرض عقلي من شأنه أن يؤثر على أهليته وقد يؤدي إلى الحد من حريته الشخصية، أو اعتباره بريئاً من هذا المرض.
ومن حيث إنه بعد أن قدم الخبير المنتدب تقريره قامت المحكمة بمناقشته في مواجهة السيد مفتش مجلس مراقبة الأمراض العقلية الذي تقدم بدوره بتقرير معزز لرأيه ثم عقب الخبير المنتدب على هذا التقرير بتقرير تكميلي - وقد تولى الحكم المطعون فيه تمحيص تلك التقارير ومناقشتها مناقشة مستفيضة على الوجه الذي تضمنته أسبابه واستخلص منها ومن باقي أوراق الدعوى أن المدعي كان مريضاً بمرض نفسي وأنه لم يدخل مستشفى أو مصحة للأمراض العقلية بل كان يعالج بالقسم العصبي بمستشفى بهمان وما أورده الحكم في هذا الشأن سائغ وسديد ويستقيم به التدليل على صحة النتيجة التي انتهى إليها هي أن المدعي لم يكن مصاباً بمرض عقلي.
ومن حيث إن الوزارة تنعى في السبب الخامس من أسباب طعنها على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ إذ قضى بإلغاء القرارين باعتبارهما فاقدين لركن السبب وكان يتعين أن يرفض إلغاءهما متى ثبت أن الإدارة كان لا بد لها من إصدارهما - وهذا النعي ذاته هو ما أقامت عليه هيئة مفوضي الدولة الرأي الذي انتهت إليه في تقريرها في الطعن إذ ذهبت إلى أنه وإن كانت الإدارة قد أقامت قراريها المطعون فيهما على سبب غير صحيح هو سابقة دخول المدعي مستشفى للأمراض العقلية إلا أنه نظراً إلى أن حالة المدعي المرضية كانت عرضة للتطور إلى مرض عقلي فإن ذلك يكفي سبباً صحيحاً للقرارين مبرراً لتصرف الإدارة بما لها من سلطة تقديرية في الترخيص أو عدم الترخيص في حمل الأسلحة والاتجار فيها.
ومن حيث إن هذا الوجه من أوجه الطعن يقوم في الواقع على أنه كان يتعين على محكمة القضاء الإداري أن تحل من تلقاء نفسها سبباً صحيحاً للقرارين المطعون فيهما محل السبب غير الصحيح الذي قاما عليه متى ثبت أنه كان لا بد للإدارة من إصدارهما وأن ترفض على هذا الأساس طلب وقف تنفيذهما وإلغائهما.
ومن حيث إنه بالرجوع إلى القانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر المعدل بالقانونين رقم 546 لسنة 1954 ورقم 75 لسنة 1958 يبين أنه قد نص في المادة الأولى منه على أن (يحظر بغير ترخيص من وزير الداخلية أو من ينيب عنه حيازة أو إحراز أو حمل الأسلحة النارية المبينة بالجدول رقم 2 وبالقسم الأول من الجدول رقم 3....) وفي المادة الرابعة على أن (لوزير الداخلية أو من ينيبه عنه رفض الترخيص أو تقصير مدته أو قصره على أنواع معينة من الأسلحة أو تقييده بأي شرط يراه وله سحب الترخيص مؤقتاً أو إلغاؤه ويكون قرار الوزير برفض منح الترخيص أو سحبه أو إلغائه مسبباً) وفي المادة السابعة على أنه (لا يجوز منح الترخيص المنصوص عليه في المادة الأولى إلى: ( أ ) من تقل سنه عن 21 سنة ميلادية (ب) من حكم عليه بعقوبة جنائية أو بعقوبة الحبس لمدة سنة على الأقل في جريمة من جرائم الاعتداء على النفس أو المال... (ز) من سبق دخوله مستشفى أو مصحة للأمراض العقلية ونص في المادة 12 منه على أنه (لا يجوز بغير ترخيص خاص من وزير الداخلية أو من ينيبه عنه استيراد الأسلحة المنصوص عليها في المادة الأولى وذخائرها أو الاتجار فيها لو صنعها أو إصلاحها... ولوزير الداخلية أو من ينيبه رفض إعطائه كما له تقصير مدته أو قصره على أنواع معينة من الأسلحة والذخائر أو تقييده بما يراه من شروط لمصلحة الأمن العام وله سحبه في أي وقت أو إلغاؤه على أن يكون قراره في حالتي الإلغاء أو السحب مسبباً) كما نص في المادة 15 منه على أنه (يشترط لمنح الترخيص في صنع الأسلحة أو ذخائرها المنصوص عليها في المادة الأولى أو الاتجار بها أو استيرادها علاوة على الشروط المنصوص عليها في المادة السابعة ما يأتي: ( أ ) أن يكون طالب الترخيص محمود السيرة... والمستفاد من أحكام المادتين 4، 12 من هذا القانون أن الترخيص أو عدم الترخيص في حمل الأسلحة واستيرادها والاتجار بها وصنعها من الملاءمات المتروكة لتقدير الإدارة تترخص فيها حسبما تراه متفقاً مع صالح الأمن العام بناء على ما تطمئن إليه من الاعتبارات التي تزنها والبيانات والمعلومات التي تتجمع لديها من المصادر المختلفة لا يقيدها سوى وجوب التسبيب في حالة رفض منح الترخيص أو سحبه أو إلغائه ولا معقب على قراراتها في هذا الشأن ما دامت مطابقة للقانون وخالية من إساءة استعمال السلطة على أنه ولئن كان ذلك هو الأصل في منح الترخيص أو رفضه أو سحبه إلا أن هناك حالات قيد فيها القانون سلطة الإدارة وفرض عليها فيها رفض منح الترخيص أو رفض تجديده أو سحبه وهي الحالات المنصوص عليها في المادتين 7، 15 منه فإذا ما قامت بطالب الترخيص أو التجديد إحدى هذه الحالات تعين رفض طلبه دون أن يكون لجهة الإدارة أية سلطة تقديرية في هذا الشأن ومن بين هذه الحالات أن يكون طالب الترخيص أو التجديد (قد سبق دخوله مستشفى أو مصحة للأمراض العقلية) بحسبان أن دخوله ذلك المستشفى أو تلك المصحة دليل على إصابته بمرض عقلي يجعل من الخطورة الترخيص له في حمل الأسلحة أو الاتجار بها أو صنعها.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الجهة الإدارية المختصة عندما فحصت طلبات المدعي الخاصة بتحديد تراخيص حمل السلاح والاتجار في الأسلحة والذخائر وأصدرت قرار بها في هذا الشأن لم تعمل سلطتها التقديرية في إجابة الطلبات أو رفضها في المجال الذي ترك لها فيه القانون حرية التقدير وفقاً لأحكام المادتين 4، 12 منه بل صدرت في تصرفها عن سلطتها المقيدة بمقتضى المادتين 7 و15 يقطع بذلك أنها حرصت على التحقق من نوع مرض المدعي وهل هو مرض عقلي مما يمتنع معه تجديد الترخيص أو مرض من نوع آخر - ورجعت في هذا الشأن إلى مجلس مراقبة الأمراض العقلية ثم أصدرت قرار بها بناء على سبب محدد بالذات هو (سبق دخوله مستشفى أو مصحة للأمراض العقلية) واستناداً إلى المادتين 7، 15 المشار إليها من القانون رقم 394 لسنة 1954.
ومن حيث إن محصل ما يثيره الوجه الأخير من أوجه طعن الوزارة هو حسبما سبق البيان ما إذا كان على محكمة القضاء الإداري بعد أن ثبت لها عدم صحة السبب المذكور أن تحل محطة سبباً آخر كان يجوز للجهة الإدارية أن تستند إليه بما لها من سلطة تقديرية لعدم إجابة المدعي إلى طلبات تجديد التراخيص.
ومن حيث إنه لو صح أن المدعي كان مريضاً بمرض نفسي عرضه للتحول إلى مرض عقلي وأنه كان يجوز للجهة الإدارية أن تستند إلى هذا السبب لإصدار القرارين المطعون فيهما بما لها من سلطة تقديرية وفقاً لأحكام المادتين 4، 12 من القانون رقم 394 لسنة 1954 فإن ذلك ما كان يسوغ على أية حال أن يقوم القضاء الإداري مقام الإدارة في إحلال سبب آخر محل السبب غير الصحيح الذي قام عليه القراران المذكوران بغية حملهما وأن يحكم من ثم برفض الدعوى ذلك أنه متى كان الأمر متعلقاً بسلطة تقديرية يترك فيها القانون للجهة الإدارية قدراً من الترخيص تزن على مقتضاه ملائمة منح الترخيص أو رفضه لم يجز للقضاء أو يترجم عنها إحساسها واقتناعها بتحقيق أو عدم تحقق الاعتبارات الموضوعية التي يبنى عليها تصرفها التقديري ولا أن يصادر حريتها في اختيار الأسباب التي يقوم عليها قرارها لأن هذا المسلك من شأن الإدارة وحدها لا يجوز فيه قيام القضاء مقامها فيما هو حري بتقديرها ووزنها وعلى ذلك يقتصر دور القضاء الإداري على مراقبة صحة السبب الذي تذرعت به الإدارة في رفضها للترخيص فإن كان من الأسباب الداخلة ضمن المبررات التي تحتم رفضها للترخيص استناداً إلى سلطتها المقيدة لم يسغ له أن يتعداها إلى ما وراء ذلك بافتراض أسباب ظنية أخرى قد تحمل عليها سلطتها التقديرية بل يقتصر ولايته على رقابة صحة السبب المزعوم فإن تبين له عدم صحته وجب عليه الحكم بإلغاء القرار الذي قام على هذا السبب.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما قضى به ويكون الطعن غير قائم على أساس سليم مما يتعين معه رفضه وإلزام الحكومة بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الحكومة بالمصروفات.


(1) يراجع حكم المحكمة الإدارية العليا في القضية رقم 467 لسنة 5 القضائية بجلسة 27 من يونيه سنة 1959 المنشور بمجموعة السنة الرابعة - ص 1623.

الطعن 1321 لسنة 10 ق جلسة 19 / 11 / 1966 إدارية عليا مكتب فني 12 ج 1 ق 21 ص 225

جلسة 19 من نوفمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعبد الستار عبد الباقي آدم ويوسف إبراهيم الشناوي وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.

---------------

(21)

القضية رقم 1321 لسنة 10 القضائية

مأذون. "تأديبه". محكمة إدارية عليا. "الطعن أمامها". قرار إداري اختصاص.
تختلف طبيعة القرارات التأديبية التي تصدرها دائرة الأحوال الشخصية بالمحكمة الابتدائية فيما يتعلق بالمأذونين من حيث تكييفها القانوني بحسب نوع الجزاء الذي توقعه - قراراتها بتوقيع جزاء الإنذار أو الوقف عن العمل - قرارات قطعية لا معقب لوزير العدل عليها - قراراتها بتوقيع جزاء العزل - لا تعدو أن تكون أعمالاً تحضيرية - سلطة وزير العدل بالنسبة لها لا تقف عند حد التصديق بل تشمل إلى جانبه التعديل والإلغاء - القرار الذي يصدر بالعزل قرار إداري - أثر ذلك - عدم اختصاص المحكمة الإدارية العليا بنظر الطعن في القرار المذكور مباشرة.

-----------------
إن مفاد أحكام لائحة المأذونين الصادر بقرار وزير العدل في 10 يناير سنة 1955 أن طبيعة القرارات التأديبية التي تصدرها دائرة الأحوال الشخصية بالمحكمة الابتدائية فيما يتعلق بتأديب المأذونين ومن جهة كون سلطتها في إصدارها قطعية أو غير قطعية تختلف في التكييف القانوني بحسب نوع الجزاء الذي توقعه الدائرة. فهي إذ توقع جزاء الإنذار أو الوقف عن العمل تكون قراراتها قطعية بما لا معقب عليها من وزير العدل أما حين توقع جزاء العزل فإن قراراتها لا تعدو أن تكون أعمالاً تحضيرية ليست لها أية صفة تنفيذية. ذلك أن سلطة الوزير فيما يتعلق بالطائفة الأخيرة من القرارات لا تقف عند حد التصديق أو عدم التصديق عليها وإنما تشمل التصديق والتعديل والإلغاء بمعنى أن الوزير يستأنف النظر في عمل اللجنة ليصدر قراره بالتصديق أو التعديل أو الإلغاء حسبما يراه ويكون القرار الذي يصدره هو القرار الإداري بالمعنى المقصود من القرار الإداري بخصائصه المعلومة وإلى أن يصدر هذا القرار يعتبر ما تم مجرد أعمال تحضيرية.
ومتى كان ذلك، وكان القرار الذي انصرف الطعن إليه هو القرار الصادر من وكيل وزارة العدل بالتصديق على قرار دائرة الأحوال الشخصية بالمحكمة الابتدائية وهو قرار إداري نهائي لسلطة تأديبية وليس قراراً صادراً من مجلس تأديب فإن المحكمة الإدارية العليا لا تكون مختصة بنظر الطعن فيه مباشرة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطاعن أقام هذا الطعن بطريق المعافاة بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة العليا في 15 من يوليو 1964 في القرار الصادر من دائرة الأحوال الشخصية محكمة سوهاج الابتدائية بتاريخ 3 من فبراير 1964 والمصدق عليه من السيد وكيل وزارة العدل في 19 من مارس 1964 والقاضي بعزل الطاعن من وظيفة المأذونية وطلب للأسباب التي ضمنها عريضة طعنه قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء قرار العزل وإلزام المطعون ضدهما بالمصروفات.
وحيث إن هيئة مفوضي الدولة عقبت على هذا الطعن بتقرير بالرأي القانوني انتهت فيه إلى الدفع بعد اختصاص هذه المحكمة بنظر الدعوى وأسست هذا الدفع على أن الثابت من القرار المطعون فيه قد صدر من دائرة الأحوال الشخصية بمحكمة سوهاج الابتدائية في 3 من فبراير 1964 وصدق عليه السيد وكيل وزارة العدل في 19 من مارس 1964 استناداً إلى تفويض في بعض اختصاصات الوزير بالقرار الوزاري رقم 1024 لسنة 1963 الصادر في 11/ 9/ 1963 وأن المادة الثانية من لائحة المأذونين تنص على أن تختص دائرة الأحوال الشخصية بالمحكمة الابتدائية بالنظر في عدد من المسائل المتعلقة بالمأذونين من بينها التأديب كما تنص المادة 44 على أن للجنة أن توقع على المأذون عقوبات الإنذار والوقف عن العمل والعزل كما تقضي المادة 45 على أن القرارات الصادرة بغير العزل نهائية أما قرار العزل فيعرض على وزير العدل للتصديق عليه وله أن يعدله أو يلغيه وأنه وإن كانت المحكمة الإدارية العليا قد قضت باعتبار قرارات مجالس تأديب الموظفين بمثابة الأحكام التأديبية يسري عليها ما يسري على أحكام المحاكم التأديبية من حيث جواز الطعن فيها مباشرة أمام المحكمة الإدارية العليا إلا أن مناط
اعتبارها كذلك أن يكون قرار مجلس التأديب نهائياً أما في حالة توقف نهائيته على تصديق سلطة أخرى تملك تعدليه وإلغاءه كما هو الشأن في الحالة المعروضة فإن القرار النهائي في هذه الحالة يعتبر صادراً من هذه السلطة لا من مجلس التأديب ومن ثم فإن هذا القرار لا يمكن اعتباره حكماً يطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا مباشرة وإنما يكون للموظف أن يطلب إلغاؤه بوصفه قراراً نهائياً لسلطة تأديبية مما يدخل في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري طبقاً للمادة الثامنة من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة ومن ثم فقد كان على الطاعن أن يرفع دعواه بطلب إلغاء القرار الإداري النهائي الصادر في 19/ 3/ 1964 بالتصديق على قرار دائرة الأحوال الشخصية الصادرة في 3 من فبراير 1964 بدلاً من الطعن في هذا القرار الأخير أمام المحكمة الإدارية العليا مباشرة.
ومن حيث إن الطاعن عقب على هذا الرأي بمذكرة ضمنها أن قرار العزل الصادر من دائرة الأحوال الشخصية يعرض على السيد وزير العدل للتصديق عليه وله تعديله أو إلغاءه فالقرار النهائي لوزير العدل ولما كان قرار العزل يعتبر حكماً تسري عليه سائر الأحكام الصادرة من المحاكم التأديبية فيكون الطعن فيه مباشرة أمام المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إنه يبين من الرجوع إلى أحكام لائحة المأذونين الصادرة بقرار وزير العدل في 10 يناير 1955 استناداً إلى حكم المادة 381 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 المشتمل على لائحة ترتيب المحاكم الشرعية أن المادة الثانية منه تنص على أن تختص دائرة الأحوال الشخصية بالمحكمة الابتدائية بالنظر في جملة مسائل تتعلق بالمأذونين من بينها تأديب المأذونين وأن المادة 43 تورد العقوبات التأديبية التي يجوز توقيعها عليهم وهي الإنذار والوقف عن العمل والعزل وأن المادة 46 تنص على أن القرارات الصادرة بغير العزل نهائية، أما قرار العزل فيعرض على وزير العدل للتصديق عليه وله أن يعدله أو يلغيه:
ومن حيث إن مفاد النصوص المتقدمة أن طبيعة القرارات التأديبية التي تصدرها دائرة الأحوال الشخصية بالمحكمة الابتدائية فيما يتعلق بتأديب المأذونين ومن جهة كون سلطتها في إصدارها قطعية أو غير قطعية تختلف في التكييف القانوني بحسب نوع الجزاء الذي توقعه الدائرة. فهي إذ توقع جزاء الإنذار أو الوقف عن العمل تكون قراراتها قطعية بما لا معقب عليها من وزير العدل أما حين توقع جزاء العزل فإن قراراتها لا تعدو أن تكون أعمالاً تحضيرية ليست لها أي صفة تنفيذية. ذلك أن سلطة الوزير فيما يتعلق بالطائفة الأخيرة من القرارات لا تقف عند حد التصديق أو عدم التصديق عليها وإنما تشمل التصديق والتعديل والإلغاء بمعنى أن الوزير يستأنف النظر في عمل اللجنة ليصدر قراره بالتصديق أو التعديل أو الإلغاء حسبما يراه ويكون القرار الذي يصدره هو القرار الإداري بالمعنى المقصود من القرار الإداري بخصائصه المعلومة وإلى أن يصدر هذا القرار يعتبر ما تم مجرد أعمال تحضيرية.
ومن حيث إنه متى كان ذلك، وكان القرار الذي انصرف الطعن إليه هو القرار الصادر من وكيل وزارة العدل بالتصديق على قرار دائرة الأحوال الشخصية بالمحكمة الابتدائية وهو قرار إداري نهائي لسلطة تأديبية وليس قرار صادر من مجلس تأديب فإن المحكمة الإدارية العليا لا تكون مختصة بنظر الطعن فيه مباشرة.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.

الطعن 948 لسنة 9 ق جلسة 19 / 11 / 1966 إدارية عليا مكتب فني 12 ج 1 ق 20 ص 217

جلسة 19من نوفمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعبد الستار عبد الباقي آدم ويوسف إبراهيم الشناوي وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.

-----------------

(20)

القضية رقم 948 لسنة 9 القضائية

(أ) مرفق سكك حديد الدلتا "عماله". عقد العمل.
عمال مرفق سكك حديد الدلتا - يسري في شأنهم قانون عقد العمل الفردي - أساس ذلك من قرار مجلس الوزراء الصادر في 10 من يونيه سنة 1953.
(ب) مرفق سكك حديد الدلتا "عماله. تأديبهم".
رئيس اللجنة الإدارية الحكومية لإدارة مرفق سكك حديد الدلتا هو المختص دون غيره بتأديب عماله - لا يسوغ لوزير المواصلات تعديل الجزاء الموقع من رئيس اللجنة بالتشديد - أساس ذلك - عدم وجود نص تشريعي يسري على عمال المرفق يخول وزير المواصلات هذا الحق.

---------------
1 - إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن عمال مرفق سكة حديد الدلتا في مركز مؤقت يطبق في حقهم قانون عقد العمل الفردي وذلك بناء على ما جاء بقرار مجلس الوزراء الصادر في 10 من يونيه سنة 1953 من أن تكون إدارة هذا المرفق بالوضع الحالي لموظفي شركة الدلتا وطبقاً للوائحها وقواعدها ومن بين هذه القواعد قانون عقد العمل الفردي الذي كان مطبقاً على عمال المرفق المذكور قبل إدارته بمعرفة الهيئة العامة للسكك الحديدية التي تتولى إدارته بمقتضى قرار مجلس الوزراء سالف الذكر وبوضعه الحالي كما تقدم.
2 - صدر قرار مجلس الوزراء 5 من أكتوبر سنة 1955 بتخويل وزارة المواصلات وضع نظام لإدارة المرفق على أساس أن يدار كهيئة اعتبارية ملحقة بالسكك الحديدية بإدارة خاصة منفصلة.. وتنفيذاً لهذا القرار عهد بإدارة المرفق إلى لجنة أطلق عليها "اللجنة الإدارية الحكومية لإدارة مرفق سكك حديد الدلتا" وقد جرى العمل على أن تعرض أمور المرفق - ومن بينها المسائل الخاصة بتأديب عماله - على لجنة تضم إلى جانب أعضاء اللجنة الإدارية كبار موظفي المرفق من المديرين والمشرفين على أقسامه الثلاثة وترفع هذه اللجنة توصياتها إلى رئيس اللجنة الإدارية الحكومية - الذي يجئ على قمة الجهاز الإداري المكلف بإدارة المرفق المذكور - وذلك لإصدار قراراته في شأنها ومما لا شك فيه أن رئيس هذه اللجنة - وقد نيطت به إدارة هذا المرفق - يكون هو المختص دون غيره بتأديب عماله فهو ممثل رب العمل وهو اللجنة الإدارية ولا تقتصر سلطته على مجرد اقتراح الجزاءات كما ذهبت إلى ذلك الحكومة.
وإن ساغ القول بحق الوزير في التعقيب على القرارات الصادرة من السيد رئيس اللجنة الإدارية الحكومية لمرفق سكك حديد الدلتا فإنه لا يجوز له التشديد إلا استناداً إلى نص تشريعي يخوله هذا الحق وذلك على نحو ما فعل المشرع في المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 عندما خول السيد الوزير سلطة تحديد العقوبة التي يصدرها وكيل الوزارة أو رئيس المصلحة - وفي المادة 48 من قرار رئيس الجمهورية رقم 2190 لسنة 1959 بنظام الموظفين بهيئة سكك حديد مصر التي خولت للوزير تشديد العقوبة التي يصدرها مدير تلك الهيئة. ومما لا شك فيه أنه لا هذا القرار الجمهوري ولا ذلك القانون يسري أيهما على موظفي مرفق سكك حديد الدلتا بل يسري عليهم قانون عقد العمل الفردي حسبما سلف البيان ولم يصدر أي نص تشريعي يجيز للسيد وزير المواصلات تشديد العقوبة الصادرة من السيد رئيس اللجنة الإدارية المختص قانوناً بتأديب عمال ذلك المرفق.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة،
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من أوراق الطعن - في أن الطاعن السيد/ عزيز جرجس زيادة أقام الدعوى رقم 890 لسنة 8 قضائية ضد السيد/ وزير المواصلات والسيد/ المدير العام للهيئة العامة للسكك الحديدية والسيد المدير العام للهيئة العامة لسكك حديد الدلتا. طالباً الحكم بإلغاء قرار الفصل الصادر في 21 من مايو سنة 1960 مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية بمصروفات الدعوى ومقابل أتعاب المحاماة.. وقال - شرحاً لدعواه - أنه منذ أول عام 1945 وهو يعمل سائق لوري بالإدارة الحكومية بسكك حديد الدلتا.. وفي 23 من يونيه سنة 1959 اتهم مع آخر بسرقة مهمات مصلحية من مخازن طنطا وتقيد الحادث تحت رقم 2991 لسنة 1959 جنايات قسم أول طنطا ورقم 665 لسنة 1959 أمن الدولة. وتبعاً لذلك أوقف عن العمل في 11 من يوليه سنة 1959.. وقامت نيابة أمن الدولة بالتحقيق فتبين لها أن لا جريمة إطلاقاً فحفظت التحقيق اكتفاء بالجزاء الإداري.. وفي 16 من يناير سنة 1960 أعيد إلى عمله حيث توقع عليه جزاء إداري بخصم مرتب عشرين يوماً ونفذ هذا الجزاء بالفعل. وفي 5 من فبراير سنة 1960 نقل إلى مصلحة الطرق والكباري التابعة لوزارة المواصلات.. إلا أنه فوجئ في 21 من مايو سنة 1960 بقرار فصله بسبب الموضوع سالف الذكر والذي عوقب من أجله سلفاً.. ثم ذكر المدعي أن قرار فصله جاء مجحفاً به وعلى غير أساس إذ لا يجوز توقيع عقوبتين عن جرم واحد كما أن النيابة العامة وجدت أن ما ارتكبه لا يعد جريمة في نظر القانون وردت الإدارة الحكومية لمرفق سكك حديد الدلتا على الدعوى بمذكرة دفعت فيها بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد ثم قالت أن المدعي كان يعمل في خدمة سكك حديد الدلتا بوظيفة سائق سيارة وأن رجال مباحث السكك الحديد قد ضبطوه في 27 من يونيه سنة 1959 يقود السيارة رقم 7209 حكومة المملوكة للمرفق وبتفتيشها تبين أن بها مهمات متعلقة بالمرفق لم تثبت في أمر التشغيل فأحيل المدعي وأخر إلى النيابة العامة التي أفرجت عنهما بالضمان المالي كما قامت النيابة الإدارية بالتحقيق واتضح لها مسئولية المدعي.. واقترحت لجنة الجزاءات بالمرفق مجازاته بخصم عشرين يوماً من راتبه.. وبعرض الأمر على السيد/ وزير المواصلات بوصفه الرئيس الأعلى لسكك حديد الدلتا قرر سيادته في أول مارس سنة 1960 تعديل الجزاء المقترح إلى فصله من العمل ونظراً لأنه كان قد نقل إلى مصلحة الطرق والكباري فقد قامت هذه المصلحة الأخيرة بتنفيذ قرار الفصل.... ثم قدم المدعي مذكرة بالرد على الدفع بعدم قبول الدعوى طالباً الحكم برفضه لأن قرار الفصل أعلن له في 21 من مايو سنة 1960، وتظلم منه في 28 من يونيه سنة 1960 وقدمت الإدارة الحكومية للمرفق المذكورة مذكرة ثانية قالت فيها أن عمال وموظفي المرفق يخضعون لقانون عقد العمل الفردي.. ولما كان السيد/ وزير المواصلات بوصفه الرئيس الأعلى للمرفق قد أصدر قراره بفصل المدعي من الخدمة بما له من حق رب العمل في تعديل أي جزاء يقترحه أحد رؤساء العمل تطبيقاً لأحكام عقد العمل الفري ولذلك يكون قرار الفصل قد صدر سليماً وطلبت لذلك رفض الدعوى وإلزام المدعي المصروفات.
وقد قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً في الدعوى انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الإدارة الحكومية لمرفق سكك حديد الدلتا بالمصروفات واستندت في ذلك إلى أن اللجنة المختصة بإدارة ذلك المرفق قد قررت في 16 من يناير سنة 1960 مجازات المدعي بالخصم من مرتبه وأنه بعرض الأمر على السيد وزير المواصلات قرر في أول مارس سنة 1960 رفع الجزاء إلى الفصل وأنه لما كانت الدعوى قد خلت مما يدل على استناد قرار الفصل إلى أسباب أخرى غير التي بني عليها قرار الجزاء الصادر من اللجنة أو على أن السيد الوزير سلطة التعقيب على القرارات التأديبية الصادرة من تلك اللجنة ومن ثم يكون قرار الفصل قد وقع مخالفاً للقانون.
عقبت الإدارة الحكومية للمرفق على تقرير هيئة المفوضين بأنه لم يصدر في حق المدعي سوى قرار واحد وهو قرار السيد الوزير أما قرار اللجنة فهو فقط توصية أو اقتراح يرفع للرئيس الأعلى للمرفق وهو الوزير - على أنه إذا اعتبر جزاء فإن للسيد الوزير تشديده - باعتباره رب العمل لأن عمال المرفق يسري عليهم عقد العمل حسبما أوضحت في مذكرتها السابقة.. ورد المدعي على هذا التعقيب بأن عمال المرفق كان يسري عليهم قانون عقد العمل إلى أن صدر قرار مجلس الوزراء الصادر في 5 من أكتوبر سنة 1955 فأصبحوا في عداد الموظفين العموميين.. وأن قرار اللجنة قد أصبح نهائياً فلا حق للوزير في سحبه فضلاً عن أن قراره خلو من الأسباب.
وبجلسة 23 من يناير سنة 1963 قضت المحكمة الإدارية برفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد وبقبولها وفي الموضوع برفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.. وأقامت قضاءها برفض الدعوى على أن العلاقة بين مرفق سكك حديد الدلتا وبين عماله إنما تخضع لعقد العمل الفردي. وأنه لما كان قرار مجلس الوزراء الصادر في 10 من يونيه سنة 1953 قد أناط بمصلحة السكك الحديدية مهمة إدارة المرفق المذكور باعتبار أن أعمالها وثيقة الصلة به مع تخويل مجلس إدارة السكة الحديد سلطة البت في شئون هذا المرفق خلال فترة إدارية ومن ثم فلا جدال في أن قرار لجنة إدارة المرفق بمجازاة المدعي بخصم عشرين يوماً من راتبه لا يعدو أن يكون من قبيل الاقتراحات.. وأضافت المحكمة أنه لما كان المدعي قد نقل من ذلك المرفق إلى مصلحة الطرق والكباري التابعة لوزارة المواصلات اعتباراً من 26 فبراير سنة 1960 بصفة عامل مؤقت فإنه بذلك يكون قد أصبح من عداد عمال تلك المصلحة اعتباراً من التاريخ المذكور ومن ثم فلاً يجوز فصله إلا بالطريق التأديبي وما دام أنه قد ثبت إتيانه أمراً لا يتفق وأمانة الوظيفة وقد حقق معه بمعرفة النيابة الإدارية فضلاً عن النيابة العامة التي رأت الاكتفاء بمجازاته إدارياً كما صدر قرار فصله ممن يملكه - وهو السيد الوزير فمن ثم يكون القرار المطعون فيه قد صدر على مقتضى القانون وتكون دعوى المدعي غير مستندة على أساس مما يتعين معه الحكم برفضها.. فطعن المدعي في هذا الحكم طالباً القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء قرار فصله مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.. وبني طعنه على أن الحكم المطعون فيه قد جانب الصواب واستند في ذلك إلى نفس الأسباب التي أستند إليها في عريضة دعواه.
قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً في الطعن انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من السيد وزير المواصلات في أول مارس سنة 1960 بفصل الطاعن من الخدمة وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات واستندت في ذلك إلى أن عمال ذلك المرفق وإن اعتبروا موظفين عموميين إلا أن علاقتهم بالمرفق تحكمها قواعد قانون عقد العمل الفردي وأنه تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 5 من أكتوبر سنة 1955 عهد بإدارة المرفق إلى لجنة أطلق عليها "اللجنة الإدارية الحكومية لإدارة مرفق سكك حديد الدلتا" وترفع هذه اللجنة توصياتها إلى رئيسها الذي يجئ على قمة الجهاز الإداري المكلف بإدارة المرفق وذلك لإصدار قراراتها في شأنها وأنه لا شك فيه أن هذا الرئيس - وقد نيطت به سلطة إدارة المرفق - يكون هو المختص بتأديب عماله فهو ممثل رب العمل - وأنه متى كان الثابت أن هذه اللجنة ارتأت في 16 من يناير سنة 1960 مجازاة الطاعن بخصم عشرين يوماً من راتبه لما ثبت في حقه من مخالفات تأديبية واعتمد رئيسها هذا القرار في 18 من ذات الشهر فمن ثم يكون القرار قد صدر ممن يختص بإصداره قانوناً ويكون لذلك القرار الصادر من السيد الوزير في أول مارس سنة 1960 - بفصل الطاعن - مستنداً إلى ثبوت نفس المخالفات - قد صدر من غير مختص بإصداره.
ثم قدم الطاعن مذكرة صمم فيها على طلباته الواردة بصحيفة الطعن استناداً إلى ما أوردته هيئة مفوضي الدولة في تقريرها المنوه عنه وأضاف إليه أن القرار المطعون فيه كان قد تضمن فصله وزميل له هو السيد/ طه محمد الدسوقي وقد صدر القرار رقم 425 في 26 من يونيه سنة 1966 بسحب قرار فصل ذلك الزميل ولم يعامل هو نفس هذه المعاملة مع أن مسئوليتهما واحدة من ناحية الموضوع ومن ثم فإنه لا يجوز في مجال التأديب معاملة لمتأثمين في مراكز الاتهام معاملة مغايرة لأن هذه المغايرة تعيب الجزاء التأديبي.
كما قدمت الحكومة مذكرة طلبت فيها رفض الطعن مع إلزام الطاعن بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وذلك للأسباب السابق أن استندت إليها في مذكراتها أمام المحكمة الإدارية وأضافت إليها أن السيد وزير المواصلات يملك أن يعقب على القرارات التأديبية الصادرة من السيد مدير مصلحة السكك الحديدية في حق موظفي هذه المصلحة وذلك بتشديد العقوبة أو خفضها أو إلغائها على نحو ما نصت عليه المادة 48 من القرار الجمهوري رقم 2190 لسنة 1959 الخاص بنظام موظفي الهيئة فمن باب أولى يملك هذا الحق في خصوص موظفي مرفق سكك حديد الدلتا الذي يدار بهيئة متفرعة عن هذه المصلحة ثم قالت الحكومة في مذكرتها المنوه عنها أن المخالفة ثابتة في حق الطاعن على النحو الوارد بمذكرة النيابة العامة التي قدمت صورة منها - والثابت بها أن الواقعة المنسوبة إلى الطاعن تشكل جناية اختلاس وإن رأت الاكتفاء بالجزاء الإداري وأنه لا وجه للتحدي بمركز زميل الطاعن لاختلاف وصف الواقعة المنسوبة إلى كل منها فبينما أن الطاعن قد ارتكب جناية اختلاس فإن زميله لم يرتكب إلا جريمة إهمال تقوم على مخالفته للتعليمات ومن ثم فإنه لا وجه لمناقشة الجزاء إذ ليس أخطر من الاختلاس ذنباً شرعت من أجله عقوبة الفصل.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن عمال مرفق سكة حديد الدلتا في مركز مؤقت يطبق في حقهم قانون عقد العمل الفردي وذلك بناء على ما جاء بقرار مجلس الوزراء الصادر في 10 من يونيه سنة 1953 من أن تكون إدارة هذا المرفق بالوضع الحالي لموظفي شركة الدلتا وطبقاً للوائحها وقواعدها ومن بين هذه القواعد قانون عقد العمل الفردي الذي كان مطبقاً على عمال المرفق قبل إدارته بمعرفة الهيئة العامة للسكك الحديدية التي تتولى إدارته بمقتضى قرار مجلس الوزراء سالف الذكر وبوضعه الحالي كما تقدم.
ومن حيث إنه قد صدر قرار مجلس الوزراء في 5 من أكتوبر سنة 1955 بتخويل وزارة المواصلات وضع نظام لإدارة المرفق على أساس أن يدار كهيئة اعتبارية ملحقة بالسكك الحديدية بإدارة خاصة منفصلة. وتنفيذاً لهذا القرار عهد بإدارة المرفق إلى لجنة أطلق عليها "اللجنة الإدارية الحكومية لإدارة مرفق سكك حديد الدلتا" وقد جرى العمل على أن تعرض أمور المرفق - ومن بينها المسائل الخاصة بتأديب عماله - على لجنة تضم إلى جانب أعضاء اللجنة الإدارية كبار موظفي المرفق من المديرين والمشرفين على أقسامه الثلاثة وترفع هذه اللجنة توصياتها إلى رئيس اللجنة الإدارية الحكومية - الذي يجئ على قمة الجهاز الإداري المكلف بإدارة المرفق المذكور - وذلك لإصدار قراراته في شأنها ومما لا شك فيه أن رئيس هذه اللجنة - وقد نيطت به إدارة هذا المرفق - يكون هو المختص دون غيره بتأديب عماله فهو ممثل رب العمل وهو اللجنة الإدارية ولا تقتصر سلطته على مجرد اقتراح الجزاءات كما ذهبت إلى ذلك الحكومة.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الأوراق أن اللجنة المشكلة من أعضاء اللجنة الإدارية والمديرين والمشرفين على المرفق المذكور قد ارتأت في 16 من يناير سنة 1960 مجازاة الطاعن بخصم عشرة أيام من راتبه لخروجه بالسيارة يوم 27 من يونيه سنة 1959 دون أن يكون لديه خط سير معتمد وعشرة أيام أخرى لمحاولته اختلاس المهمات المضبوطة حسبما هو ثابت بمذكرة النيابة العامة في القنصلية رقم 2991 لسنة 1959 قسم أول طنطا والمقيدة برقم 665 لسنة 1959 حصر أمن الدولة واعتمد السيد رئيس اللجنة الإدارية هذه القرار في 18 من يناير سنة 1660 ومن ثم يكون قرار الجزاء المنوه عنه قد صدر ممن يختص بإصداره قانوناً.. وبالتالي يكون القرار الصادر من السيد وزير المواصلات في أول مارس سنة 1960 بفصل الطاعن من الخدمة - مستنداً إلى ثبوت المخالفات في حق الطاعن قد صدر من غير مختص بإصداره... ولا محل للقول بأن هذا القرار الأخير قد انطوى على سحب القرار الأول وتشديد العقوبة على الطاعن إلى حد الفصل من الخدمة استناداً إلى ما للوزير من حق التعقيب على القرارات التأديبية الصادرة من الجهات التابعة له - لا محل لهذا القول لأنه إن ساغ القول بحق الوزير في التعقيب على القرارات الصادرة من السيد رئيس اللجنة الإدارية الحكومية لمرفق سكك حديد الدلتا فإنه لا يجوز له التشديد إلا استناداً إلى نص تشريعي يخوله هذا الحق وذلك على نحو ما فعل المشرع في المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 عندما خول السيد الوزير سلطة تشديد العقوبة التي يصدرها وكيل الوزارة أو رئيس المصلحة - وفي المادة 48 من قرار رئيس الجمهورية رقم 2190 لسنة 1959 بنظام الموظفين بهيئة سكك حديد مصر التي خولت للوزير تشديد العقوبة التي يصدرها مدير تلك الهيئة، ومما لا شك فيه أنه لا هذا القرار الجمهوري ولا ذاك القانون يسري أيهما على موظفي مرفق سكك حديد الدلتا بل يسري عليهم قانون عقد العمل الفردي حسبما سلف البيان ولم يصدر أي نص تشريعي يجيز للسيد وزير المواصلات تشديد العقوبة الصادرة من السيد رئيس اللجنة الإدارية المختص قانوناً بتأديب عمال ذلك المرفق.
ومن حيث إنه لذلك فإن الحكم المطعون فيه - وقد قضى برفض دعوى المدعي التي طلب فيها إلغاء القرار الصادر بفصله في أول مارس سنة 1960، استناداً إلى أنه قد صدر من السيد وزير المواصلات في حدود اختصاصه - يكون قد جانب الصواب ويتعين لذلك القضاء بإلغائه وبإلغاء قرار الفصل المطعون فيه وما ترتب عليه من آثار مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء القرار الصادر من السيد وزير المواصلات في أول مارس سنة 1960 بفصل المدعي من الخدمة وألزمت الجهة الإدارية بالمصروفات.

الطعن 1220 لسنة 8 ق جلسة 19 / 11 / 1966 إدارية عليا مكتب فني 12 ج 1 ق 19 ص 200

جلسة 19 من نوفمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعبد الستار عبد الباقي آدم ويوسف إبراهيم الشناوي وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.

----------------

(19)

القضية رقم 1220 لسنة 8 القضائية

(أ) تشريع. "سريانه من حيث الزمان". أثر مباشر. أثر رجعي.
المجال الزمني لتطبيق القانون على الوقائع والمراكز القانونية من حيث تكوينها ومن حيث آثارها.
(ب) جنسية. "اكتسابها". تشريع "تعاقب التشريعات".
تعاقب قوانين الجنسية ليس معناه زوال الجنسية عمن اكتسب مركز المصري وفقاً لأحكام أحدها إبان سريانه - يستمر متمتعاً بهذا المركز ما دام القانون الجديد قد خلا من نص صريح يحرمه منها.
(جـ) جنسية. "المصريون الأصلاء". 

الرعايا العثمانيون - لا يدخل ضمنهم رعايا البلاد التي انفصلت عن الدولة العثمانية قبل تاريخ نفاذ معاهدة لوازن (31/ 8/ 1924) - رعايا تونس لا يعتبرون في مدلول قوانين الجنسية من الرعايا العثمانيين - أساس ذلك.
(د) جنسية. "إثبات الميلاد" 

دفاتر قنصليات الدولة الأجنبية الخاصة بإدراج أسماء المتمتعين بحمايتها - لم تعد لإثبات واقعة الميلاد - لا حجية لها في هذا الشأن.
(هـ) جنسية. "إثبات. حالة ظاهرة". 

الحالة الظاهرة ليست لها قطعية في إثبات الجنسية - جواز إقامة الدليل على العكس.

------------------
1 - القانون بوجه عام يحكم الوقائع والمراكز التي تتم تحت سلطانه أي في الفترة ما بين تاريخ العمل به وإلغائه وهذا هو مجال تطبيقه الزمني فيسري القانون الجديد بأثره المباشر على الوقائع والمراكز التي تقع أو تتم بعد نفاذه ولا يسري بأثر رجعي على الوقائع أو المراكز القانونية التي تقع أو تتم قبل نفاذه إلا بنص صريح يقرر الأثر الرجعي ومن ناحية أخرى لا يسري القانون القديم على الوقائع والمراكز القانونية التي تقع أو تتم بعد إلغائه إلا إذا مد العمل به بالنص وهذا كله يصدق على الوقائع والمراكز القانونية من حيث تكوينها أما الآثار المستقبلة المترتبة عليه فتخضع للقانون الجديد بحكم أثره المباشر وبالنسبة لآثار التصرفات القانونية فتظل خاضعة للقانون القديم حتى ما تولد منها ما بعد العمل بالقانون الجديد.
2 - بتاريخ 27 من فبراير سنة 1939 صدر المرسوم بقانون رقم 19 سنة 1929 بشأن الجنسية المصرية وعمل به اعتباراً من تاريخ نشره في 10 من مارس سنة 1929 ثم صدر القانون رقم 160 سنة 1950 الخاص بالجنسية المصرية وعمل به اعتباراً من تاريخ نشره في 18 من سبتمبر سنة 1950 ونص في مادته 28 على إلغاء المرسوم بقانون 19 لسنة 29 المشار إليه واعتباراً من 20 نوفمبر سنة 1956 عمل بالقانون رقم 391 لسنة 1956 - الذي نص في المادة 32 منه على إلغاء القانون رقم 1960 لسنة 1950 والقوانين المعدلة له وقد استمر العمل بأحكام هذا القانون بموجب المادة الأولى من القانون 82 لسنة 1958 بشأن جنسية الجمهورية العربية المتحدة التي تنص على أن تثبت جنسية الجمهورية العربية المتحدة لمن كان في 22 من فبراير سنة 1958 متمتعاً بالجنسية المصرية وفقاً لأحكام القانون 391 لسنة 1956 وقد تضمنت كل من هذه التشريعات أحكاماً انتقالية في شأن تحديد المصريين الأصلاء وأحكاماً عامة أخرى بالشروط اللازمة للتمتع بالجنسية المصرية المكتسبة إلا أنه ليس معنى تعاقب قوانين الجنسية زوال الجنسية عن الأفراد الذين اكتسبوا مركز المصري وفقاً لأحكام أحد هذه القوانين إبان سريانه بل أنهم يظلون متمتعين بهذا المركز ما دام القانون الجديد قد خلا من نص صريح يحرمهم منها فمن اعتبر مصرياً فإنه يظل مصرياً ولا تتأثر جنسيته بصدور قانون لاحق تضمن تعديلاً في الشروط اللازمة لشغل مركز المصري ما لم يكن القانون الجديد قد تضمن نصاً صريحاً يقضي بذلك.
3 - أن المصريين الأصلاء ينقسمون إلى طائفتين الأولى: رعايا الدولة العلبة أو الرعايا العثمانيون فهؤلاء يعتبرون مصريين إذا توافرت فيهم شروط خاصة وقد عرف المشرع أفراد هذه الطائفة في المادة 23 من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 والفقرة الثامنة من المادة الأولى من القانون رقم 160 سنة 1950 بأنهم رعايا الدولة العثمانية قبل نفاذ معاهدة لوزان في 31 من أغسطس سنة 1924 ومن ثم فلاً يدخل ضمن هؤلاء رعايا البلاد التي انفصلت عن الدولة العثمانية قبل ذلك التاريخ ومنها تونس التي انفصلت عن الدولة العثمانية إثر الاحتلال الفرنسي لها سنة 1881 وتوقيع اتفاقية باردو سنة 1881 والرس سنة 1883 فسقطت تبعاً لذلك الرعوية العثمانية عن الرعايا التونسيين وتأكد للجنسية التونسية وجودها القانوني وإن كان ناقصاً بسبب الاحتلال الفرنسي وقد أقرت الحكومة المصرية هذا الوضع بالاتفاق الذي عقد مع فرنسا في 16 من يوليه سنة 1888 بشأن التونسيين وبموجبه اعترفت الحكومة المصرية بحماية فرنسا للتونسيين (أصول القانون الدولي الخاص المصري للدكتور حامد زكي طبعة سنة 1946) وعلى ذلك فلا يعتبر التونسييون من رعايا العثمانيين في مدلول أحكام قوانين الجنسية المصرية وإنما يعتبرون من الأجانب. وأما الطائفة الثانية فهم بصفة عامة أهل البلاد الأصليون سواء كانوا حقيقة مصريين أو كانوا بلا جنسية ويكفي توطنهم في البلاد قبل أول يناير سنة 1848.
4 - لا اعتداد بما جاء في كتاب السفارة السويسرية المؤرخ 2 من يوليه سنة 1958 من أن شعبان إبراهيم جد المطعون عليه قد ولد في القاهرة سنة 1945 ذلك لأنه فضلاً عن أن دفاتر القنصلية لم تعد لإثبات واقعة الميلاد فلاً تكون لها حجية في هذا الشأن فإن قوائم التونسيين لم تنشأ في القنصليات إلا عقب الاحتلال الفرنسي لتونس أي بعد سنة 1881 - فإذا كان تاريخ ميلاد الجد ومكان الميلاد مقيدين في القنصلية وكان تاريخ الميلاد راجعاً إلى ما قبل إنشاء تلك السجلات فلا يتصور أن يتم القيد إلا بإملاء صاحب المصلحة في ذلك وعلى هذا الوجه لا يكون له أية حجية في الإثبات.
5 - لا اعتداد في هذا الشأن بما أثاره المطعون عليه من أن حالته الظاهرة تعتبر دليلاً كافياً على جنسيته المصرية ذلك أنه وقد توافرت فيه شروطها وعاملته مختلف الجهات الحكومية على هذا الأساس بدليل أن وزارة الخارجية قد أصرت على معاملته معاملة المصريين عندما اتهم في إحدى القضايا كما أنه استدعى للخدمة العسكري وتسلم بطاقته الانتخابية ومارس حق الانتخاب ومنح جواز سفر مصري وقبل عضواً في الاتحاد الاشتراكي ويعمل في إحدى شركات القطاع العام وقد أفادت سفارة تونس وزارة الخارجية بأنه لم يقيد في سجلاتها ولم يقدم إليها بوصفه من التونسيين - لا اعتداد بكل ذلك لأن الحالة الظاهرة ليست لها حجية قطعية ويجوز دائماً إقامة الدليل على عكس ما تشهد به تلك الحالة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع إيضاحات ذوي الشأن وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 915 سنة 12 القضائية ضد وزير الداخلية لدى محكمة القضاء الإداري "هيئة منازعات الأفراد والهيئات" بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 3 من يونيه سنة 1958 طالباً الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من إدارة الجوازات والجنسية بسحب جواز سفره مع إلزام الحكومة بالمصروفات وقال بياناً لذلك في عريضة الدعوى والمذكرات الشارحة أنه استخرج جواز سفر مصري في سنة 1940 وظل يجدده إلى أن استدعته إدارة الجوازات والجنسية في 5 من فبراير سنة 1958 وسحبت منه الجواز بمقولة أنه لا يعتبر مصرياً وإنما هو تونسي الجنسية على أن هذا الزعم صحيح لأن المدعي ووالده وجده من الرعايا المصريين بقوة القانون فقد كان والد جد المدعي تونسياً من رعايا الدولة العثمانية نزح إلى مصر في تاريخ سابق على سنة 1845 ثم ولد جد المدعي أحمد شعبان إبراهيم في مصر سنة 1845 وأقام بنية التوطن إلى أن توفي سنة 1922 وولد والد المدعي عبد المجيد شعبان إبراهيم بالقطر المصري سنة 1888 وتوطن في مصر وتمتع بجميع حقوق المواطنين وكان يعمل في الحكومة المصرية لدى مصلحة الأملاك الأميرية حتى توفي سنة 1937 وعلى ذلك فهما يعتبران مصريين طبقاً لحكم المادة الأولى من المرسوم بقانون 19 سنة 1929 بشأن الجنسية المصرية والأمر العالي الصادر في سنة 1900 ولا ينال من ذلك أن القنصلية الفرنسية قد قيدت الجد ضمن التونسيين الذين يتمتعون بالحماية في ظل الامتيازات الأجنبية ذلك لأن تونس كانت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية ويعتبر أهلها من رعايا الدولة العليا ولم يقم شك بالنسبة إليه إلا بعد الغزو الفرنسي لتونس في سنة 1881 وتوقيع معاهدة باردو بين فرنسا وتونس وبموجبها فرضت فرنسا الحماية على التونسيين ولو وجدوا في بلاد الإمبراطورية العثمانية وهكذا بدأت القنصليات الفرنسية تعد قوائم بأسماء الأفراد الذين ينتمون بأصلهم إلى تونس والمقيمين بمصر وبعد أن وقع الاحتلال البريطاني خضعت السلطات المصرية للضغط الإنجليزي وقبل وزير الخارجية المصري الاعتراف بالحماية لبعض التونسيين وهم الذين شملتهم القوائم التي تبادلتها الحكومتان وهؤلاء وحدهم هم الذين يتمتعون بالحماية دون غيرهم أما مجرد القيد في دفاتر القنصلية الفرنسية فليس بذي أثر في هذا الشأن وعلى ذلك فلاً يؤثر مجرد قيد جده في القنصلية الفرنسية على اعتباره داخلاً في الجنسية المصرية وفقاً للقانون المشار إليه على أية حالة فحتى لو اعتبر تونسياً فإن ذلك لن يؤثر على اعتباره داخلاً في الجنسية المصرية ذلك لأن الجنسية التونسية لم تظهر في الوجود القانوني إلا منذ سنة 1955 - وترتيباً على ذلك فإن المدعي يعتبر مصرياً تبعاً لوالده وجده وقد عاملته الحكومة على هذا الأساس فقد اقترع للخدمة العسكرية وعندما اتضح أنه ضعيف البنية أعفي من أدائها شأن سائر المصريين وعندما وجد من أراد له الإفلات من الخدمة العسكرية كتبت القنصلية الفرنسية خطاباً إلى الحكومة المصرية تطلب إليها فيه إعفاءه من الخدمة العسكرية إلا أنها رفضت ذلك على أساس مصريته كما سلمته الجهات المختصة تذكرة انتخاب ومارس هذا الحق باطراد وهو عضو في الاتحاد الاشتراكي ويشغل وظيفة في إحدى شركات القطاع العام وقد أفادت السفارة التونسية وزارة الخارجية بأن المدعي غير مقيد في سجلاتها وأنه لم يتقدم إليها باعتباره تونسي الجنسية وكل هذا يقطع بأنه مصري الجنسية ومن ثم فإن القرار المطعون فيه يكون قد خالف القانون وقد أجابت الحكومة بأن المدعي تقديم بتاريخ 24 من فبراير سنة 1946 طالباً منحه جواز سفر مصري فصرف إليه الجواز دون التثبت من جنسيته اكتفاء بالشهادة الإدارية التي قدمها ثم تجدد هذا الجواز عدة مرات إلى أن قدمت ضد المدعي شكوى بتاريخ 10 من ديسمبر سنة 1957 ملخصها أنه من رعايا فرنسا وأنه مقيد بسجلات القنصلية الفرنسية وعلى أثر ذلك قامت إدارة الجوازات بأول بحث جدي في شأن جنسية المدعي واتضح لها أن هناك ملفين يتعلقان به أولهما رقم 232/ 8/ 10 تبعيات باسم عبد المجيد شعبان والد المدعي والثاني رقم 23/ 2/ 5210 الخاص بالمدعي ويتضح من أوراق هذين الملفين أن المدعي مقيد في سجلات التونسيين بالقنصلية الفرنسية مع والده تحت رقم 220 منذ 18 نوفمبر سنة 1934 كما أن القنصلية السويسرية التي كانت تقوم بأعمال القنصلية الفرنسية مدة الحرب العالمية الثانية أخطرت وزارة الخارجية في سنة 1944 أن المدعي يرغب في قيد اسمه في سجلات الرعاية الفرنسية واستعلمت عما إذا كان قد تجنس بالجنسية المصرية حتى يمكنها البت في طلبه وكذلك وجد بالملفين تحريات ومذكرات تدل على أن جد المدعي المدعو شعبان إبراهيم كان أول من حضر من عائلته إلى مصر وكان ذلك في سنة 1882 وسارع فور دخوله إلى قيد اسمه في سجلات القنصلية الفرنسية على اعتبار أنه تونسي يتمتع بالحماية الفرنسية أما بالنسبة إلى أحمد شعبان الذي ذكر المدعي أنه جده وأنه تنازل عن جنسيته فأما هو في حقيقة الأمر عم المدعي وليس جده كما يتضح من أوراق الملفين وأضافت إدارة القضايا قائلة أن الخلاف بين الحكومة المصرية وبين فرنسا في شأن معاملة التونسيين لم ينصب حول التسليم بأن جميع التونسيين من الأجانب الخاضعين للحماية الفرنسية وإنما كان محور الخلاف يدور حول تمتع هؤلاء بالامتيازات المقررة للفرنسيين وقد جرت وزارة الداخلية باضطراد على أنه يكفي أن تخطرها القنصلية الفرنسية بقيد أحد الأشخاص في دفاترها على أنه تونسي لتعامله معاملة الأجانب ويتضح من ذلك أن المدعي تونسي انحدر من عائلة كلها من التونسيين ولم يختر الجنسية المصرية وفقاً للمادة السابعة من المرسوم بقانون رقم 19 سنة 1929 التي أجازت لمن كان في حالته اختيار الجنسية في خلال سنة من بلوغه سن الرشد إذا قدم طلباً بذلك وتنازل عن جنسيته الأصلية ويكون المدعي بعدم تقديمه ذلك الطلب متمسكاً بجنسيته الأصلية ومما يؤكد هذا المعنى أنه تقدم إلى القنصلية الفرنسية بالقاهرة سنة 1933 يطلب إعفاءه من الخدمة العسكرية على أساس أنه من رعايا فرنسا وفعلاً أرسلت القنصلية كتاباً بذلك إلى الحكومة في 19 من يناير سنة 1933 كما أنه اتهم في عام 1934 بالتعدي على أحد رجال الشرطة فتمسك بأنه تونسي مشمول بالحماية الفرنسية وإذا كانت الحكومة المصرية قد تمسكت بوجوب تقديمه إلى المحاكم الأهلية استناداً إلى أنه لم يقيد بسجلات القنصلية الفرنسية بصفته الشخصية فإن هذا لم يكن له من سبب إلا محاولة التضييق من نطاق الامتيازات الأجنبية وردت الحكومة على ما جاء بالمستندات التي قدمها المدعي فقالت أنه بالنسبة إلى كتاب القنصلية السويسرية الذي تضمن تاريخ ميلاد الجد فإن دفاتر القنصلية غير معدة لإثبات واقعة الميلاد وإنما لإدراج أسماء التونسيين الذين يريدون التمتع بالحماية الفرنسية ولم تنشأ هذه القوائم إلا بعد احتلال فرنسا لتونس سنة 1881 من ثم فلا تكون لها حجية في شأن إثبات ما يرجع إلى ما قبل إنشائها وأما بالنسبة إلى توظف والد المدعي في مصلحة الأملاك الأميرية فقالت أن المدعي كان موظفاً مؤقتاً بالشركة العقارية ولما آلت هذه الشركة إلى الحكومة تبعت لمصلحة الأملاك الأميرية بما لديها من الموظفين فضلاً عن أن الجنسية المصرية لم تكن شرطاً للتعيين إلا في الوظائف الإدارية الكبرى أما عن واقعة عدم قيد المدعي بصفته الشخصية في القنصلية الفرنسية فلاً يدل على أنه فقد جنسيته التونسية أو أنه اكتسب الجنسية المصرية وانتهت الحكومة إلى أن المدعي تونسي الجنسية ومن ثم فإن القرار الصادر بسحب جواز سفره يكون قد قام على سببه المسوغ له قانوناً وطلبت رفض الدعوى.
قدم المفوض تقريراً ذهب فيه إلى أن القانون رقم 391 سنة 1956 هو القانون الواجب التطبيق في الدعوى وقد نصت مادته الأولى على أن يعتبر مصرياً المتوطنون في الأراضي المصرية قبل أول يناير سنة 1900 الذي حافظوا على أقامتهم فيه حتى تاريخ نشر القانون ولم يكونوا من رعايا دولة أجنبية وأن إقامة الأصول مكملة لإقامة الفروع ووفقاً لأحكام هذا النص يعتبر المدعي مصرياً ذلك لأنه وإن كان جده ووالده يعتبران تونسيين نظراً لإدراج اسم جد المدعي المدعو شعبان إبراهيم ضمن القوائم التي تبادلتها الحكومتان المصرية والفرنسية سنة 1884 عقب الاتفاق الشفوي الذي تم بينهما في شأن إضفاء الحماية على الرعايا التونسيين - إلا أنه من ناحية أخرى فإن وزارة الخارجية وهي الجهة المنوط بها تنفيذ أحكام ذلك الاتفاق وكذلك الجهة المختصة ببحث رعوية الأجانب المقيمين في مصر ومعرفة جنسيتهم قد اعتبرت المدعي غير تونسي بعد إذ بلغ سن الرشد ولم يقيد في سجلات القنصلية الفرنسية بصفته الشخصية وطلبت من الجهات المختصة معاملته على هذا الأساس وقد جاء ذلك في الكتب المتبادلة بين محافظة مصر ووزارة الخارجية سنة 1937 وترتيباً على ذلك فلا يمكن اعتبار المدعي من الرعايا الأجانب في حكم المادة الأولى من القانون 391 سنة 1956 ولما كان قد ولد في مصر سنة 1909 وحافظ على إقامته فيها بنية التوطن وتكمل إقامته بإقامة أصوله فإنه يعتبر مصرياً وتكون الدعوى على أساس سليم من القانون.
وعقب المدعي على ذلك بمذكرة قال فيها أنه مع موافقته على النتيجة التي انتهى إليها المفوض في تقريره إلا أنه يخالفه فيما عدا ذلك لأن المشرع لم يقصد إلى المساس بالجنسية التي ثبتت للأفراد بموجب القوانين السابقة على ذلك القانون الأخير فمن اعتبر مصرياً وفقاً لأحكام تلك القوانين فلاً ينال من جنسيته قانون لاحق وإذ كان "المدعي" يعتبر مصرياً وفقاً للمرسوم بقانون 19 سنة 1929 على النحو السابق شرحه في المذكرات فإنه يظل مصرياً.
ومن حيث إنه بتاريخ 3 من إبريل سنة 1962 قضت المحكمة بإلغاء القرار الصادر من إدارة الجوازات والجنسية في فبراير سنة 1958 بسحب جواز سفر المدعي وما يترتب على ذلك من آثار وأقامت قضاءها على أساس أن المدعي من أصل تونسي ولد في مصر سنة 1909 وأقام بنية التوطن حتى تاريخ نفاذ القانون 391 سنة 1956 وتكمل إقامته فيما قبل سنة 1909 بإقامة والده عبد المجيد شعبان الذي ولد في القطر المصري سنة 1888 واستمر مقيماً فيه حتى وفاته ولا يعتبر المدعي تونسياً أي أجنبي الجنسية ما دام لم يدخل في هذه الجنسية دخولاً صحيحاً طبقاً لقانونها كما أنه لم يتصف في أي وقت بهذه الجنسية خاصة وأن السفارة التونسية أفادت بأن المدعي غير مقيد بسجلاتها ولم يتقدم لها باعتباره تونسي الجنسية كما أن الحكومة المصرية عاملته على أنه مصري الجنسية فقدمته إلى المحاكم الأهلية أسوة بالمصريين وعومل بقانون الخدمة العسكرية وفي هذا ما يكفي لاعتباره مصرياً بالتطبيق للفقرة الأولى من القانون 391 سنة 1956 المشار إليه.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن شروط انطباق المادة الأولى من القانون 391 سنة 1956 لم تتوافر في المطعون عليه فهذه المادة تشترط للإفادة من أحكامها ألا يكون المتوطن من رعايا دولة أجنبية والمطعون عليه وفقاً لما هو ثابت من أوراق الملف يتمتع بالجنسية التونسية تبعاً لوالده ويخضع لحماية فرنسا ومن ثم فلا يمكن اعتباره مصرياً وفقاً للنص المشار إليه، أما القول بأن الجنسية الأجنبية التي تمنح الإفادة من أحكامه هي الجنسية التي يتم الدخول فيها دخولاً صحيحاً فإنه قول على غير أساس لأن الجنسية التونسية كانت موجودة قبل استقلال تونس وكان لها كيانها الخاص قبل فرض الحماية على تونس بموجب اتفاق باردو والمرسى وقد اعتبر المطعون عليه تونسياً تبعاً لوالده وجده اللذين احتفظا بجنسيتهما، وأما عدم قيد المطعون عليه في السفارة التونسية فلا أثر له على جنسيته ذلك لأن القيد إجراء شكلي لا يترتب عليه إسقاط الجنسية وأما عما جاء في كتاب وزارة الخارجية من معاملة المطعون عليه معاملة المصريين فإنه صادر من جهة لا اختصاص لها في المسائل المتعلقة بالجنسية وليس من شأنه أن يسبغ الجنسية المصرية عليه.
ومن حيث إنه أثناء فترة حجز الطعن للحكم قدم المطعون عليه مذكرتين ألحقهما ببرقية ردد فيها دفاعه السابق وأضاف إليه أنه عندما تقدم إلى إدارة الجوازات والجنسية في سنة 1945 طالباً منحه جواز السفر أرفق بطلبه العديد من الأحكام والمستندات القاطعة في إثبات جنسيته المصرية وأنه بناء على ذلك صرفت له الإدارة جواز السفر بعد اقتنعت الآن بأنه يعتبر داخلاً في الجنسية المصرية وقد أثار موضوع تلك المستندات أمام محكمة القضاء الإداري - فقررت بجلسة 7 من فبراير سنة 1961 ضم تلك الأوراق إلا أن الحكومة لم تقدمها وتبين أنها فقدت منها ولم يعلق المطعون عليه أهمية كبرى على تلك المستندات لاعتقاده في كفاية المستندات المقدمة منه إلا أنه إزاء موقف الإدارة من الطعن في الحكم الذي صدر لصالحه وإصرارها على القول بأن جواز السفر صرف إليه دون بحث جنسيته فإنه يصر على ضرورة إرفاق تلك المستندات وما دامت الإدارة ممتنعة عن تقديمها فلا مندوحة من اعتبارها كما لو كانت مقدمة فعلاً وكافية لإثبات جنسية المطعون عليه أو إعادة الطعن إلى المرافعة لتحقيق واقعة فقد تلك المستندات.
ومن حيث إن القانون بوجه عام يحكم الوقائع والمراكز التي تتم تحت سلطانة أي في الفترة ما بين تاريخ العمل به وإلغائه وهذا هو مجال تطبيقه الزمني فيسري القانون الجديد بأثره المباشر على الوقائع والمراكز التي تقع أو تتم بعد نفاذه ولا يسري بأثر رجعي على الوقائع أو المراكز القانونية التي تقع أو تتم قبل نفاذه إلا بنص صريح يقرر الأثر الرجعي ومن ناحية أخرى لا يسري القانون القديم على الوقائع والمراكز القانونية التي تقع أو تتم بعد إلغائه إلا إذا مد العمل به بالنص وهذا كله يصدق على الوقائع والمراكز القانونية من حيث تكوينها أما الآثار المستقبلة المترتبة عليه فتخضع للقانون الجديد بحكم أثره المباشر وبالنسبة لآثار التصرفات القانونية فتظل خاضعة للقانون القديم حتى ما تولد منها بعد العمل بالقانون الجديد.
ومن حيث إنه بتاريخ 27 من فبراير سنة 1929 صدر المرسوم بقانون رقم 19 سنة 1929 بشأن الجنسية المصرية وعمل به اعتباراً من تاريخ نشره في 10 من مارس سنة 1929 ثم صدر القانون رقم 160 سنة 1950 الخاص بالجنسية المصرية وعمل به اعتباراً من تاريخ نشره في 18 من سبتمبر سنة 1950 ونص في مادته 28 على إلغاء المرسوم بقانون 19 لسنة 1929 المشار إليه واعتباراً من 20 نوفمبر سنة 1956 عمل بالقانون رقم 391 سنة 1956 الذي نص في المادة 32 منه على إلغاء القانون 160 سنة 1950 والقوانين المعدلة له وقد استمر العمل بأحكام هذا القانون بموجب المادة الأولى من القانون 82 سنة 1958 بشأن جنسية الجمهورية العربية المتحدة التي تنص على أن تثبت جنسية الجمهورية العربية المتحدة لمن كان في 22 من فبراير سنة 1958 متمتعاً بالجنسية المصرية وفقاً لأحكام القانون 391 سنة 1956 وقد تضمنت كل من هذه التشريعات أحكاماً انتقالية في شأن تحديد المصريين الأصلاء وأحكاماً عامة أخرى بالشروط اللازمة للتمتع بالجنسية المصرية المكتسبة إلا أنه ليس معنى تعاقب قوانين الجنسية زوال الجنسية عن الأفراد الذين اكتسبوا مركز المصري وفقاً لأحكام أحد هذه القوانين إبان سريانه بل أنهم يظلون متمتعين بهذا المركز ما دام القانون الجديد قد خلا من نص صريح يحرمهم منها فمن اعتبر مصرياً فإنه يظل مصرياً ولا تتأثر جنسيته بصدور قانون لاحق تضمن تعديلاً في الشروط اللازمة لشغل مركز المصري ما لم يكن القانون الجديد قد تضمن نصاً صريحاً يقضي بذلك.
ومن حيث إنه لما كان المطعون عليه يذهب إلى أنه اعتبر داخلاً في الجنسية طبقاً لأحكام المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 فإنه يجب بحث جنسيته على أساس هذا القانون فإذا توافرت شروطه في شأنه اعتبر مصرياً ولا يؤثر على جنسيته صدور قانون لاحق ما دام هذا القانون لم يتضمن أثراً رجعياً يمس ذلك المركز القانوني وغني عن البيان أن ذلك ليس من شأنه أن يؤثر على أحقية المطعون عليه في الاستفادة من أي تعديل يرد في تشريع لاحق إذا توافرت فيه شروط تطبيقه إعمالاً للأثر المباشر لهذا التشريع.
ومن حيث إن المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 المشار إليه تنص على ما يأتي "يعتبر داخلاً في الجنسية المصرية بحكم القانون (أولاً) أعضاء الأسرة المالكة (ثانياً) كل من يعتبر في تاريخ نشر هذا القانون مصرياً بحكم المادة الأولى من الأمر العالي الصادر في 29 من يونيه سنة 1900 (ثالثاً) من عدا هؤلاء من الرعايا العثمانيين الذين كانوا يقيمون عادة في القطر المصري في 5 نوفمبر سنة 1914 وحافظوا على تلك الإقامة حتى تاريخ نشر هذا القانون" وتنص المادة الأولى من الأمر العالي المشار إليه على ما يأتي "عند إجراء العمل بقانون الانتخاب الصادر في أول مايو سنة 1883 يعتبر حتماً من المصريين الأشخاص الآتي بيانهم وهم":
أولاً: المتوطنون في القطر المصري قبل أول يناير سنة 1848 وكانوا محافظين على محل إقامتهم فيه.
ثانياً: رعايا الدولة العلية المولودون في القطر المصري من أبوين مقيمين فيه متى حافظ الرعايا المذكورون على محل إقامتهم فيه.
ثالثاً: رعايا الدولة العلية المولودون والمقيمون في القطر المصري الذين يقبلون المعاملة بموجب قانون القرعة العسكرية سواء بأدائهم الخدمة العسكرية أو بدفع البدلية.
رابعاً: الأطفال المولودون في القطر المصري من أبوين مجهولين ويستثنى من الأحكام المذكورة الذين يكونون من رعايا إحدى الدول أو تحت حمايتها. وقد ضمن المشرع هذه الأحكام ذاتها في المادة الأولى من كل من القانونين رقم 160 سنة 1950 ورقم 82 لسنة 1958 في شأن الجنسية المصرية.
ومن حيث إن مفاد هذه النصوص أن المصريين الأصلاء ينقسمون إلى طائفتين الأولى: رعايا الدولة العلية أو الرعايا العثمانيون فهؤلاء يعتبرون مصريين إذا توافرت فيهم شروط خاصة وقد عرف المشرع أفراد هذه الطائفة في المادة 23 من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 والفقرة الثامنة من المادة الأولى من القانون رقم 160 سنة 1950 بأنهم رعايا الدولة العثمانية قبل نفاذ معاهدة لوزان في 31 من أغسطس سنة 1924 ومن ثم يدخل ضمن هؤلاء رعايا البلاد التي انفصلت عن الدولة العثمانية قبل ذلك التاريخ ومنها تونس التي انفصلت عن الدولة العثمانية إثر الاحتلال الفرنسي لها سنة 1881 وتوقيع اتفاقية باردو سنة 1881 والرس سنة 1883 فسقطت تبعاً لذلك الرعوية العثمانية عن الرعايا التونسيين وتأكد للجنسية التونسية وجودها القانوني وإن كان ناقصاً بسبب الاحتلال الفرنسي وقد أقرت الحكومة المصرية هذا الوضع بالاتفاق الذي عقد مع فرنسا في 16 من يوليه سنة 1888 بشأن التونسيين وبموجبه اعترفت الحكومة المصرية بحماية فرنسا للتونسيين.
"أصول القانون الدولي الخاص المصري للدكتور حامد زكي طبعه سنة 1946".
وعلى ذلك فلاً يعتبر التونسيون من الرعايا العثمانيين في مدلول أحكام قوانين الجنسية المصرية وإنما يعتبرون من الأجانب. وأما الطائفة الثانية فهم بصفة عامة أهل البلاد الأصليون سواء كانوا حقيقة مصريين أو كانوا بلا جنسية ويكفي توطنهم في البلاد قبل أول يناير سنة 1884.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن جد المطعون عليه المدعو شعبان إبراهيم كان من رعايا تونس وقيد في القوائم المتبادلة بين الحكومتين المصرية والفرنسية سنة 1884 وهي القوائم التي تضمنت أسماء التونسيين اللذين يتمتعون بالحماية الفرنسية "القاموس العام للإدارة والقضاء لفيليب جلاد جزء أول صفحة 526" وقد أثبتت التحريات التي أجريت بتاريخ 7 من مارس سنة 1933 أنه ولد بتونس وكان أول من حضر من عائلة المطعون عليه إلى القطر المصري في حوالي سنة 1883 "الملف رقم 10/ 8/ 232 ص 18" وقد عملت عنه تحريات أخرى سنة 1907 اتضح منها أنه تونسي الأصل وأنه فتح له دوسيه رقم 503 تونسيين "صفحة 3 ملف" "أما عبد الحميد شعبان والد المطعون عليه فقد ولد بمصر في 12 من إبريل سنة 1888" حافظة المطعون عليه رقم 3 دوسيه مستند "وتزوج بقسيمة زواج في 23 من أغسطس سنة 1907 ثابتاً فيها أنه تابع لدولة فرنسا وأنه حصل على تصريح بالزواج من القنصلية الفرنسية" "حافظة المطعون عليه رقم 4 دوسيه مستند رقم 1" وأنه قيد في سجل التونسيين بالقنصلية الفرنسية تحت رقم 220 في 18 أكتوبر سنة 1934 "ملف رقم 10/ 8/ 232 ص 1" أما المطعون عليه فقد ولد بالقطر المصري في 14 من إبريل سنة 1909 "حافظة المطعون عليه رقم 10 دوسيه مستند رقم 1" وقيد على والده عبد الحميد شعبان في سجل التونسيين تحت رقم 220 بتاريخ 18 أكتوبر سنة 1934 ويبين من الصفحات 17، 18، 29 من الملف رقم 10/ 8/ 232 المشار إليه أن المطعون عليه طلب للخدمة العسكرية كما أنه اتهم في قضية تعدي على أحد رجال الشرطة وبالرغم من أنه ثبت للجهات المختصة أن جده ووالده من التونسيين وطلبت القنصلية الأجنبية معاملة المطعون عليه على هذا الأساس إلا أن وزارة الخارجية أصرت على معاملته معاملة المصريين لأنه لم يقيد بالقنصلية على سبيل الاستقلال وإنما مع والده وقد جاء في التحريات التي عملت لتحقيق تبعية المطعون عليه عقب اتهامه في حادث التعدي أن الجد مولود في تونس وتوفى في مصر كما تبين من الاطلاع على الملف رقم 100/ 10251 المرفق بملف الطعن أنه بتاريخ 24 من فبراير سنة 1946 - تقدم المطعون عليه طالباً منحه جواز سفر مصري ومؤشر على الطلب بأنه لم يقدم شهادة الميلاد ثم تأشر في نفس اليوم بصرف جواز سفر مصري له وبتاريخ 17 من أكتوبر سنة 1946 قدم طلبا لإضافة اسم زوجته على جواز سفره فطولب بتقديم شهادة ميلاد ووعد بذلك "صفحة 2،1 ملف" ثم استمر المطعون عليه يجدد جواز سفره إلى أن قدم البرت مزراحي صاحب وكالة مصر للصحافة شكوى ضده ذكر فيها أنه تونسي الجنسية "صفحة 37 ملف" وبعد أن أجريت التحريات وثبتت صحة الشكوى تقرر سحب جواز سفر المطعون عليه وعمل تحقيق لمعرفة الظروف التي أدت إلى صرف جواز السفر الأول له والمتسبب في ذلك "صفحة 60، 61 ملف".
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن المطعون عليه ووالده عبد المجيد شعبان إبراهيم كانا من التونسيين المشمولين بالحماية الفرنسية عند نفاذ المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 - المشار إليه وقد حضر الجد شعبان إبراهيم إلى القطر المصري في تاريخ لاحق لأول يناير سنة 1848 ومن ثم فلا يستفيدون من نص الفقرة الأولى من المادة الأولى من الأمر العالي الصادر في 29 من يونيه سنة 1900 لتخلف شرطي التوطن وعدم الانتماء إلى دولة أجنبية بالنسبة إليهم جميعاً كما أنهم لا يعتبرون من الرعايا العثمانيين في تأويل أحكام قانون الجنسية ولذلك فلا تنطبق في شأنهم الأحكام الانتقالية الخاصة بالرعايا العثمانيين المنصوص عليها في المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 19 سنة 1929 والمادة الأولى من الأمر العالي الصادر سنة 1900 والمادة الأولى من القانون رقم 160 سنة 1950 وبالتالي فلا يعتبرون من المصريين الأصلاء بحكم القانون لا اعتداد في الشأن بما جاء في كتاب السفارة السويسرية المؤرخ 2 من يوليه سنة 1958 "المستند رقم 8 دوسيه المقدم من المدعي" من أن شعبان إبراهيم جد المطعون عليه قد ولد في القاهرة سنة 1845 ذلك لأنه فضلاً على أن دفاتر القنصلية لم تعد لإثبات واقعة الميلاد فلاً تكون لها حجية في هذا الشأن فإن قوائم التونسيين لم تنشأ في القنصليات إلا عقب الاحتلال الفرنسي لتونس أي بعد سنة 1881 فإذا كان تاريخ ميلاد الجد وكان الميلاد مقيدين في القنصلية وكان تاريخ الميلاد راجعاً إلى ما قبل إنشاء تلك السجلات فلا يتصور أن يتم القيد إلا بإملاء صاحب المصلحة في ذلك وعلى هذا الوجه لا يكون لما به حجية في الإثبات يضاف إلى ذلك أيضاً أن شرط انطباق المادة الأولى من الأمر العالي المشار إليه ألا يكون المتوطن من رعايا الدول الأجنبية أو تحت حمايتها وهو الأمر الذي لم يتوافر في شأن جد المطعون عليه أو والده أو المطعون عليه نفسه لأنهم كانوا تونسيين مشمولين بالحماية الفرنسية على النحو السالف بيانه كما لا صحة لما يذهب إليه المطعون عليه من أن والده كان يعمل في الحكومة مما يقطع بأنه تنازل عن الحماية وعومل على أنه مصري الجنسية ذلك لأنه يبين من الاطلاع على ملف خدمة والد المطعون عليه أنه كان يعمل في الشركة العقارية بعقد مؤقت ولما آلت تلك الشركة إلى الحكومة ضمت موظفيها إلى مصلحة الأملاك الأميرية وعلى ذلك فلاً يمكن أن يستخلص من هذه الواقعة تنازل والد المطعون عليه من جنسيته الأصلية أو اعتباره مصرياً.
ومن حيث إنه اعتباراً من 20 نوفمبر سنة 1956 عمل بأحكام القانون رقم 391 سنة 1956 الخاص بالجنسية المصرية ونصت مادته الأولى على ما يأتي "المصريون هم: أولاً: المتوطنون في الأراضي المصرية قبل أول يناير سنة 1900 المحافظون على إقامتهم فيها حتى تاريخ نشر هذا القانون ولم يكونوا من رعايا الدول الأجنبية وتعتبر إقامة الأصول مكملة لإقامة الفروع والزوجة متى كانت لديهم نية التوطن..." ومفاد هذا النص أن المشرع جعل مناط التمتع بالجنسية المصرية هو التوطن في مصر قبل أول يناير سنة 1900 والمحافظة على الإقامة فيها حتى تاريخ نشر القانون ما لم يكن المتوطن من رعايا الدول الأجنبية.
ومن حيث إنه لما كان المطعون عليه يعتبر من رعايا تونس على النحو السالف بيانه لبنوته لأب ولجد تونسيين ولم يثبت أنه تنازل عن هذه الرعوية أو أنها أسقطت عنه لأي سبب من الأسباب بل على العكس من ذلك فقد كشف استعراض ملفات الجنسية الخاصة به عن أنه تمسك برعويته الأصلية وبالحماية الفرنسية في مختلف أطوار حياته كما أنه لم يرغب في اختيار الجنسية المصرية وفقاً لأحكام المادة السابعة من القانون 19 سنة 1929 التي أجازت لمن كان في مثل حالته اختيار الجنسية المصرية في خلال سنة من تاريخ بلوغه سن الرشد ومن ثم يعتبر المطعون عليه من رعايا الدول الأجنبية في حكم المادة الأولى من القانون 391 سنة 1956 المشار إليه ولا يكتسب الجنسية بالتطبيق لها.
ومن حيث إنه لا اعتداد في هذا الشأن بما أثاره المطعون عليه من أن حالته الظاهرة تعتبر دليلاً كافياً على جنسيته المصرية أنه وقد توافرت فيه شروطها وعاملته مختلف الجهات الحكومية على هذا الأساس بدليل أن وزارة الخارجية قد أصرت على معاملته معاملة المصريين عندما اتهم في إحدى القضايا كما أنه اقترع للخدمة العسكرية وتسلم بطاقته الانتخابية ومارس حق الانتخاب ومنح جواز سفر مصري وقبل عضواً في الاتحاد الاشتراكي ويعمل في إحدى شركات القطاع العام وقد أفادت سفارة تونس وزارة الخارجية بأنه لم يقيد في سجلاتها ولم يتقدم إليها بوصفه من التونسيين - لا اعتداد بكل ذلك لأن الحالة الظاهرة ليست لها حجية قطعية ويجوز دائماً إقامة الدليل على عكس ما تشهد به تلك الحالة.
كما أن وزارة الخارجية ليست هي الجهة المختصة ببحث الجنسية وفضلاً عن ذلك فإنها لم تعترف بأن المطعون عليه مصري الجنسية وإنما رأت معاملته معاملة المصريين عندما اتهم في إحدى القضايا ولا يدل هذا التصرف إلا على أن وزارة الخارجية رأت أن تنكر على المطعون عليه ما كان يدعيه من أنه كان من الأجانب أصحاب الامتيازات أما عن بطاقة الانتخاب التي سلمت إلى المطعون عليه وكذلك استعماله الحق الدستوري المخول له بمقتضاها فإنه من الأمور المسلمة أن ذلك لا يعتبر دليلاً قاطعاً في ثبوت الجنسية المصرية وكذلك الشأن بالنسبة إلى صرف جواز السفر وعضوية الاتحاد الاشتراكي أو العمل في إحدى شركات القطاع العام وأما عما جاء بكتاب السفارة التونسية فإن عدم قيد المطعون عليه بتلك السفارة أو عدم تقدمه إليها ليس من شأنه أن يسقط عنه جنسيته الأصلية أو يكسبه حقاً في الجنسية المصرية.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى ما أثاره المطعون عليه في مذكرته الختامية من أن بعض المستندات القاطعة في إثبات جنسيته قد فقدت فالذي يبين من الاطلاع على الأوراق المرفقة بملف الطعن أن محكمة القضاء الإداري قررت حجز القضية للحكم في الطلب المستعجل الخاص بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه ثم قررت فتح باب المرافعة لجلسة 18 من نوفمبر سنة 1958 لاستكمال الملفات التي قال محامي المدعي أن بعض مرفقاتها قد انتزعت وكان المدعي قد قدم مذكرة "رقم 9 دوسيه" أرفق بها بياناً بالمستندات التي قال أنها انتزعت من الملف ثم قدمت إدارة الجوازات والجنسية مذكرة بتاريخ 4 من ديسمبر سنة 1958 فندت فيها أقوال المدعي في شأن تلك المستندات وأثبتت أن الملفات المقدمة منها كاملة ومرفق بها جميع المستندات وبجلسة 13 من يناير سنة 1959 ترافع محامي المدعي أمام المحكمة في موضوع الطلب ولم يشر إلى المستندات التي كان قد ادعى بفقدها ثم حكمت المحكمة بجلسة 3 من مارس سنة 1959 برفض طلب وقف التنفيذ وعندما نظرت محكمة القضاء الإداري الموضوع بجلسة 7 من فبراير سنة 1961 أثار المدعي موضوع تلك المستندات مرة ثانية فقال محامي الحكومة أنه قدم الملف كاملاً ثم تداولت القضية في الجلسات حتى جلسة 6 من يونيه سنة 1961 وفيها تقرر تأجيل نظر الدعوى بناء على طلب المدعي لتقديم مستندات وبجلسة 31 من أكتوبر سنة 1961 أثبت محامي المدعي أنه غير متمسك مؤقتاً بالأوراق التي سلختها الحكومة من الملف ثم أثار المطعون عليه موضوع فقد تلك المستندات أمام المحكمة الإدارية العليا بمذكرته المؤرخة 25 من يونيه سنة 1966 وفي مذكرته المؤرخة 7 من نوفمبر سنة 1966 وفي برقيته دون أن يبين كنه تلك المستندات أو موضوعها أو يقدم صوراً منها مع أنه قدم حافظة مستندات بتاريخ 2 من يونيه سنة 1966.
ومن حيث إنه لا وجه لما طلبه المطعون عليه في مذكرته الختامية من اعتبار تلك المستندات كما لو كانت موجودة والأخذ بما استخلصت الإدارة منها عند تقديمها وهو إثبات جنسيته أو فتح باب المرافعة للتحقيق في فقد تلك المستندات - لا وجه لذلك لأن مصلحة الجوازات والجنسية قدمت ما يدل دلالة قاطعة على أنها قدمت ملفات الموضوع كاملة ويضاف إلى ذلك أنه يبين من الاطلاع على الطلب المقدم من المطعون عليه في 24 من فبراير سنة 1946 لصرف جواز سفر إليه أنه لم يقدم مع طلبه مستندات وأنه طولب بتقديم شهادة الميلاد ووعد بتقديمها ثم تأشر بصرف جواز السفر وتم صرفه إليه فعلاً في نفس اليوم "مستند رقم 1 من الملف رقم 10251/ 100" أي أن جواز السفر صرف إليه دون بحث جنسيته كما تقرر المصلحة المختصة وإذ لم يقدم المطعون عليه المستندات التي يدعي أنها تثبت جنسيته أو يقدم صوراً منها مع أن المجال كان منفسحاً أمامه لتقديمها منذ أن أفصحت هذه الإدارة عن رأيها في شأن المستندات المدعى بفقدها بالمذكرة المؤرخة 14 من ديسمبر سنة 1958 حتى تاريخ تقديم مذكرة المطعون عليه في 7 من نوفمبر سنة 1966 فمن ثم يتعين الالتفات عن طلب المطعون عليه المشار إليه في هذه المذكرة لعدم جديته.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم فإن المطعون عليه لا يعتبر داخلاً في جنسية الجمهورية العربية المتحدة بحكم القانون بالتطبيق لقوانين الجنسية أرقام 19 سنة 1928، 160 سنة 1950، 391 سنة 1956 المشار إليها ويكون القرار الصادر من وزارة الداخلية بسحب جواز سفره المصري هو قرار مطابقاً للقانون وبمنأى عن الطعن، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه متعيناً إلغاؤه والقضاء برفض الدعوى مع إلزام المطعون عليه بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.

الطعن 247 لسنة 9 ق جلسة 13 / 11 / 1966 إدارية عليا مكتب فني 12 ج 1 ق 17 ص 188

جلسة 13 من نوفمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ مصطفى كامل إسماعيل نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد مختار العزبي وأحمد علي البحراوي والدكتور أحمد ثابت عويضه وسليمان محمود جاد المستشارين.

------------------

(17)

القضية رقم 247 لسنة 9 القضائية

(أ) عامل "وقفه عن العمل". قرار إداري. وقف عن العمل.
صدور قرار ممن يملكه قانوناً باستمرار وقف العامل عن عمله لمصلحة التحقيق حالة أن العامل المذكور لم يكن قد صدر قرار بوقفه ابتداءاً بل أبعد عن عمله تمهيداً لتنفيذ تأشيرة الوزير باتخاذ إجراءات فصله - يفيد موافقة مصدر القرار على الوقف وإقراره إياه من تاريخ الإبعاد ويكشف عن قصد الإدارة إحداث الأثر القانوني للوقف الذي دل عليه مظهر مادي هو الإبعاد وأكدته واقعة قانونية لاحقة هي قرار استمرار الوقف - لا اعتداد بالقول بأن القرار المذكور صدر بعد انتهاء التحقيق متى قدر مصدر القرار أن مصلحة المحاكمة التأديبية وما تستلزمه من استكمال التحقيقات السابقة حتى اختتام المحاكمة تقتضي وقفه.
(ب) عامل "وقفه عن العمل. مرتب".
الأصل هو الحرمان من المرتب عن مدة الوقف والاستثناء جواز صرفه كله أو بعضه حسبما تقرره الجهة المختصة.

-----------------
أن المادة السابعة من قرار رئيس الجمهورية رقم 710 لسنة 1957 بإنشاء مؤسسة عامة لشئون بريد جمهورية مصر، تخول مدير الهيئة سلطة تأديب عمالها ومن ثم فهو المختص بإصدار قرار وقف المدعي وفقاً لأحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 634 لسنة 1960 المشار إليه متى قدر أن مصلحة التحقيق تقتضي إصدار هذا القرار وقد قدر أن مصلحة المحاكمة التأديبية وما قد تستلزمه من استكمال التحقيقات السابقة حتى مرحلة اختتام المحاكمة تقتضي وقفه، فأصدر قراره في 23 من مارس 1961. باستمرار وقف المذكور عن عمله، وهذا القرار الصادر ممن يملكه قانوناً يفيد موافقته على الوقف وإقراره إياه من تاريخ الإبعاد عن العمل الحاصل تمهيداً لتنفيذ تأشيرة السيد الوزير صاحب السلطة الأعلى، ويكشف عن قصد الإدارة في إحداث الأثر القانوني للوقف الذي دل عليه مظهر مادي هو الإبعاد، وأكدته واقعة قانونية لاحقة هي قرار استمرار الوقف ومن ثم فإن وقف المدعي في المدة من 13 من ديسمبر سنة 1960 إلى التاريخ الذي انتهى فيه هذا الوقف بعودته إلى عمله يكون قائماً مادياً وقانوناً على وجه صحيح وصادراً من السلطة المختصة بذلك في حالة تجيزه لأسباب مبررة وفقاً لأحكام القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المطعون عليه وهو يعمل بوظيفة "ساع" باليومية بهيئة البريد، اتهم بارتكاب بعض المخالفات المالية، وبعد أن حققت معه النيابة الإدارية في هذه التهم أحيل إلى المحكمة التأديبية لوزارة المواصلات - مع وكيل مكتب البريد الذي كان يعمل فيه - وذلك في أول ديسمبر 1960 ولما اطلع السيد وزير المواصلات على مذكرة النيابة الإدارية بخصوص التحقيق الذي أجرته في هذا الموضوع، أشر في 28 من نوفمبر سنة 1960 باتخاذ إجراءات فصل المطعون عليه وتنفيذاً لهذه التأشيرة أبعد المذكور من عمله اعتباراً من 13 من ديسمبر سنة 1960 وبعد ذلك عرضت على السيد مدير عام الهيئة مذكرة تضمنت أن المطعون عليه موقوف عن عمله إلى أن يصدر قرار فصله، وخلصت إلى اقتراح الموافقة على استمرار وقفه لحين الفصل في الدعوى التأديبية فوافق المدير على ذلك في 23 من مارس 1961 وقد تقدم المطعون عليه إلى لجنة المساعدة القضائية طالباً إصدار قرار بإعفائه من رسم الدعوى التي يزمع إقامتها على هيئة البريد "بإلغاء قرار الفصل وصرف مرتبه بصفة مستعجلة" فأجيب إلى طلبه الخاص "بصرف مرتبه بصفة مستعجلة" في 15 من إبريل سنة 1961 وعلى أثر هذا أقام الدعوى رقم 903 لسنة 8 القضائية أمام المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات ضد الهيئة بصحيفة مودعة قلم كتاب المحكمة في 11 من يونيه سنة 1961. طلبت فيها "الحكم بصفة مستعجلة بصرف مرتبه، وفي الموضوع بصرف كامل مرتبه اعتباراً من 13 من نوفمبر سنة 1960 وإلزام المدعى عليها المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وقد أجابت الهيئة عن الدعوى بأن المحكمة التأديبية حكمت بمجازاة المدعي بخصم خمسة عشرة يوماً من أجره، وأن السيد مدير عام الهيئة وافق على تنفيذ هذا الجزاء وإعادة المدعي إلى عمله، وبذلك يكون طلب استمرار صرف أجره غير ذي موضوع، أما عن طلب صرف أجره، مدة إبعاده عن العمل، فسيعرض على السيد مدير عام الهيئة وفقاً لأحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 634 لسنة 1960 بشأن قواعد تأديب عمال اليومية الحكوميين مما يتعين معه، عدم قبول هذا الطلب وفي 7 من أكتوبر سنة 1961. قدم المدعي إلى لجنة المساعدة القضائية طلباً آخر بإعفائه من رسوم الدعوى التي يزمع رفعها على الهيئة - للمطالبة بصرف أجره عن مدة وقفه، وقد أجيب إلى طلبه في 25 من نوفمبر سنة 1961 فأقام بصحيفة مودعة في 31 من ديسمبر سنة 1961 أمام المحكمة المذكورة دعوى قيدت بجدولها برقم 454 لسنة 9 القضائية، طلب فيها صرف أجره من 13 من نوفمبر سنة 1960 وهو ذات الطلب موضوع الدعوى السابقة، وقد ردت الهيئة على هذه الدعوى، بأنه لما كانت المحكمة التأديبية قد حكمت بإدانته في الاتهامات التي نسبت إليه، فإنه وفقاً لأحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 634 لسنة 1960 المشار إليه لا يستحق أجره عن مدة وقفه. وقد تنازل المدعي عن طلبه الخاص بصرف أجره بصفة مستعجلة وضمت المحكمة الدعوى رقم 454 لسنة 9 القضائية إلى الدعوى رقم 903 لسنة 8 القضائية وأصدرت فيها حكمها المطعون فيه الذي قضى بصرف أجر المدعي من 13 من نوفمبر سنة 1960 حتى تاريخ إعادته إلى عمله.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ بوقف المدعي عن عمله، وفقاً لأحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 634 لسنة 1960 آنف الذكر التي لا تجيز الوقف إلا لمصلحة التحقيق وقد كان إبعاد المدعي ووقفه عن عمله بعد انتهاء التحقيق.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تحصيل الواقع فقضى بصرف الأجر من 13 من نوفمبر سنة 1960 مع أن المدعي لم يبعد عن عمله إلا في 13 من ديسمبر سنة 1960 كما خالف القانون إذ بني على انتهاء التحقيق قبل إبعاد المدعي ووقفه على الرغم من أن المذكور كان محالاً إلى المحاكمة التأديبية، وأخيراً فإن القرار الصادر باستمرار الوقف يعتبر موافقة على الوقف وإقراراً له من تاريخ إبعاد المدعي عن عمله، وهو على الأقل صريح في وقف هذا الأخير من تاريخ صدوره.
ومن حيث إن المادة السابعة من قرار رئيس الجمهورية رقم 710 لسنة 1957 بإنشاء مؤسسة عامة لشئون بريد جمهورية مصر، تخول مدير الهيئة سلطة تأديب عمالها ومن ثم فهو المختص بإصدار قرار وقف المدعي وفقاً لأحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 634 لسنة 1960 المشار إليه متى قدر أن مصلحة التحقيق تقتضي إصدار هذا القرار وقد قدر أن مصلحة المحاكمة التأديبية وما قد تستلزمه من استكمال التحقيقات السابقة حتى مرحلة اختتام المحاكمة تقتضي وقفه، فأصدر قراره في 23 من مارس سنة 1961 باستمرار وقف المذكور عن عمله، وهذا القرار الصادر ممن يملكه قانوناً يفيد موافقته على الوقف وإقراره إياه من تاريخ الإبعاد عن العمل الحاصل تمهيداً لتنفيذ تأشيرة السيد الوزير صاحب السلطة الأعلى، ويكشف عن قصد الإدارة في إحداث الأثر القانوني للوقف الذي دل عليه مظهر مادي هو الإبعاد، وأكدته واقعة قانونية لاحقة هي قرار استمرار الوقف ومن ثم فإن وقف المدعي في المدة من 13 من ديسمبر سنة 1960 إلى التاريخ الذي انتهى فيه هذا الوقف بعودته إلى عمله يكون قائماً مادياً وقانوناً على وجه صحيح وصادراً من السلطة المختصة بذلك في حالة تجيزه لأسباب مبررة وفقاً لأحكام القانون.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أن الأصل هو حرمان الموظف أو العامل الموقوف عن العمل من راتبه أو أجره طوال مدة الوقف، والاستثناء هو جواز صرفه كله أو بعضه إليه حسبما تقرره المحكمة التأديبية أو الرئيس المختص، وظاهر من أوراق الطعن أن المحكمة التأديبية التي قضت بإدانة المطعون عليه في المخالفات التي ارتكبها، لم تقرر صرف الأجر إليه عن مدة وقفه، كما أنه المطعون عليه في المخالفات التي ارتكبها، لم تقرر صرف الأجر إليه عن مدة وقفه كما أن إجابة هيئة البريد عن الدعوى رقم 454 لسنة 9 القضائية التي قالت فيها أنه لا يستحق أجراً عن هذه المدة بعد أن قضي بإدانته، تكشف عن عدم موافقتها على صرف هذا الأجر وهي باتخاذها هذا الموقف قد أعملت سلطتها التقديرية المشروعة في حدود القانون على وجه لا يتسم بإساءة استعمال السلطة ومن ثم فلا رقابة للقضاء عليها في هذا الشأن.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه، إذ قضي بصرف أجر المدعي كاملاً عن المدة التي أوقف فيها عن عمله، مؤسساً قضاءه على عدم مشروعية وقفه يكون قد خالف القانون وجانب الصواب في تأويله وتطبيقه، كما أخطأ في الواقع عندما قضي بصرف أجره عن مدة سابقة على وقفه عن العمل. ومن ثم يتعين القضاء بإلغاء هذا الحكم وبرفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.

الطعن 1601 لسنة 7 ق جلسة 13 / 11 / 1966 إدارية عليا مكتب فني 12 ج 1 ق 16 ص 184

جلسة 13 من نوفمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ مصطفى كامل إسماعيل نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد مختار العزبي والدكتور أحمد ثابت عويضه وسليمان محمود جاد ومحمد فهمي طاهر المستشارين.

------------------

(16)

القضية رقم 1601 لسنة 7 القضائية

قرار إداري. "انعدامه". موظف "تعيين".
قرار التعيين على درجة مشغولة - عدم إمكان تحقيق أثره قانوناً - انعدام المركز القانوني الذي يمكن أن يرد عليه التعيين - أثر ذلك - عدم تقيد الإدارة بالميعاد المقرر لسحب القرارات الإدارية.

----------------
أن القرار الإداري، هو إفصاح الجهة الإدارية المختصة في الشكل الذي يتطلبه القانون، عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معين يكون ممكناً وجائزاً قانوناً ابتغاء مصلحة عامة ولما كان الثابت من رد الوزارة المطعون عليها على الدعوى أن منطقة بورسعيد التعليمية قامت بتعيين بعض المدرسيين والمستخدمين. ومن بينهم المدعية، على درجات الباب الأول من الميزانية بينما كانت هذه الدرجات مشغولة في ذلك الوقت، وقد جوزي المسئولون عن هذا الخطأ، فإن تحقيق أثر قرار تعيين المدعية يكون غير ممكن قانوناً لأنه لم يصادف محلاً، لانعدام المركز القانوني الذي يمكن أن يرد عليه هذا التعيين الذي لا يزدوج في الدرجة الواحدة، ومن ثم فلاً تتقيد الوزارة بالميعاد المقرر لسحب القرارات الإدارية.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن الطاعنة عينت بوزارة التربية والتعليم في 20 من يناير سنة 1952. مدرسة للتربية الرياضية، في الدرجة التاسعة على الباب الأول من الميزانية واستمرت شاغله لهذه الدرجة إلى أن أبلغتها الوزارة في 25 من أغسطس 1959 بأنها نقلت على بند الإعانات، فتظلمت للوزارة من هذا القرار في 7 من سبتمبر سنة 1959. ولما لم تتلق رداً على تظلمها، أقامت الدعوى رقم 212 لسنة 7 القضائية أمام المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم بصحيفة مودعة في 9 يناير سنة 1960. طلبت فيها
"الحكم بتسوية حالة المدعية على أساس - أنها معينة على الدرجة التاسعة منذ بدء تعيينها مع منحها العلاوات المستحقة قانوناً وكافة المراكز القانونية من ترقيات وصرف فروق وخلافه، مع إلزام الوزارة المدعى عليها بالمصروفات والأتعاب، وقد أجابت الوزارة عن الدعوى بأن منطقة بورسعيد التعليمية عينت بعض المدرسين والمستخدمين على درجات الباب الأول من الميزانية، مع عدم وجود درجات خالية بها، وقد جوزي المسئولون عن هذا الخطأ، ونقل المصرف المالي لهؤلاء العاملين إلى بند الإعانات بالباب الثاني من الميزانية. ولما وجدت درجات خالية بالميزانية اتجهت نية المنطقة إلى تعيين المذكورين عليها، فطلبت منهم تقديم - مسوغات تعيينهم على هذه الدرجات وقد رفضت المدعية تقديم ما طلب منها تقديمه، بحجة أنها معينة فعلاً على الدرجة التاسعة، ولما كان القرار الإداري الذي ينشئ حقاً مالياً للموظف، لا يستكمل مقومات مشروعيته إلا إذا توافر له العنصر المالي، وهو لم يتوفر في قرار تعيين المدعية على إحدى درجات الميزانية فإنه والحالة هذه يكون معدوماً، يجوز سحبه في أي وقت دون التقيد بميعاد سحب القرارات الإدارية ومن ثم فلا تثريب على الوزارة في سحبه ووضع المدعية على بند الإعانات وترشيحها للتعيين في الدرجة التاسعة عند وجود درجات خالية بالميزانية وخلصت الوزارة من هذا إلى طلب رفض الدعوى وإلزام - المدعية بالمصروفات، وقد قضت المحكمة برفض الدعوى في جلسة 25 من يونيه سنة 1961 وأقامت قضاءها على أن قرار تعيين المدعية على غير درجة هو قرار معدوم، يجوز سحبه في أي وقت وعلى أثر صدور هذا الحكم طلبت المدعية في 16 من يوليو 1961. إلى لجنة المساعدة القضائية إعفاءها من رسوم الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا فأجيبت إلى طلبها في 12 من أغسطس 1961. وأقامت طعنها بإيداع عريضته قلم كتاب المحكمة في اليوم التالي، وقد عقبت عليه هيئة مفوضي الدولة بتقريرها الذي ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول الدعوى شكلاً، مؤسسة ذلك على أن الدعوى الراهنة إنما تهدف إلى إلغاء القرار الصادر بسحب قرار تعيين المدعية على الدرجة التاسعة، وقد أعلنت المذكورة بهذا القرار في 5 من أغسطس 1959، فتظلمت منه في 7 من سبتمبر سنة 1959. ولما لم تتلق رداً على تظلمها خلال ستين يوماً من تقديمه كان يتعين عليها، إقامة دعواها خلال الستين يوماً التالية التي تنتهي في يوم 5 من يناير سنة 1960 ولكنها لم تقمها إلا في يوم 9 من يناير سنة 1960 بعد انقضاء الميعاد المقرر لإقامتها وقد ردت المدعية على تقرير هيئة المفوضين بأنها تقيم في المنيا وهي تبعد عن القاهرة بمسافة 247 كيلو متراً - حسبما يبين من الشهادة المعتمدة من محطة سكة حديد المنيا، والمقدمة في حافظتها المودعة ملف الدعوى برقم 37 دوسيه - وهذه المسافة تقتضي زيادة ميعاد رفع الدعوى أربعة أيام وفقاً لحكم المادة 21 من قانون المرافعات المدنية والتجارية وعلى هذا ينتهي ميعاد رفع الدعوى في 9 من يناير سنة 1960، وقد أقيمت الدعوى فعلاً بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة الإدارية في ذلك اليوم. وعرضت هيئة مفوضي الدولة في تقريرها - من باب الاحتياط - للناحية الموضوعية، فقالت أنه يجب التفرقة بين صورتين من صور التعيين المماثل لتعيين المدعية، الصورة الأولى أن يكون التعيين في وظيفة لا وجود لها في الميزانية وفي هذه الصورة يكون القرار معدوماً لانعدام محله وهو المركز القانوني الذي يتم التعيين عليه، والصورة الثانية تكون فيها الوظيفة موجودة ولكن لا توجد الدرجة الخالية التي صدر القرار بالتعيين فيها، أو لا يوجد الاعتماد المالي الذي يصرف منه المرتب، وفي هذه الحالة يكون المركز ممكناً في حد ذاته، ومن ثم يكون القرار باطلاً، فلاً يجوز سحبه إلا خلال ستين يوماً من تاريخ صدوره، وهذه هي حالة الطاعنة.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن تعيين الطاعنة على درجة غير خالية بالميزانية لا يؤدي إلى انعدام قرار تعيينها، لعدم تخلف محل القرار، ما دامت توجد وظائف مدرسين في الميزانية مما يجعل المحل ممكناً، إذ يترتب على القرار أثره عند وجود درجات خالية، ومثل الطاعنة كمثل زميلاتها اللاتي عين معها على درجات غير خالية، ثم قامت الوزارة بعد ذلك بتصحيح أوضاعهن في الدرجات التي خلت بعد صدور قرارات تعيينهن، ورتبت الطاعنة على ذلك عدم جواز سحب قرار تعيينها بعد انقضاء ميعاد سحبه، لمخالفة القرار الساحب للقانون.
ومن حيث إن ما أثارته هيئة مفوضي الدولة من عدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد مردود بما نصت عليه المادة 21 من قانون المرافعات من أن هذا الميعاد قد زيد أربعة أيام بسبب المسافة بين المنيا والقاهرة مما يجعل طلب الإلغاء مرفوعاً في الميعاد القانوني وبالتالي مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن القرار الإداري، هو إفصاح الجهة الإدارية المختصة في الشكل الذي يتطلبه القانون، عن إرادتها الملزمة من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معين يكون ممكناً وجائزاً قانوناً ابتغاء مصلحة عامة ولما كان الثابت من رد الوزارة المطعون عليها على الدعوى أن منطقة بورسعيد التعليمية قامت بتعيين بعض المدرسين والمستخدمين. ومن بينهم المدعية، على درجات الباب الأول من الميزانية بينما كانت هذه الدرجات مشغولة في ذلك الوقت، وقد جوزي المسئولون عن هذا الخطأ، فإن تحقيق أثر قرار تعيين المدعية يكون غير ممكن قانوناً لأنه لم يصادف محلاً، لانعدام المركز القانوني الذي يمكن أن يرد عليه هذا التعيين الذي لا يزدوج في الدرجة الواحدة، ومن ثم فلاً تتقيد الوزارة بالميعاد المقرر لسحب القرارات الإدارية، في تحويل هذا القرار بنقل المدعية إلى بند آخر في الميزانية يتسع لأداء مرتبها كمصرف مالي هو بند الإعانات الوارد بالباب الثاني بين الميزانية.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه وقد انتهى إلى هذه النتيجة، يكون متفقاً وأحكام القانون، ومن ثم يكون الطعن عليه على غير أساس سليم، ويتعين القضاء برفض الطعن وبإلزام المدعية بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً، وألزمت المدعية بالمصروفات.